المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدِّمة التَّحقيق إنَّ الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من - آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني - مقدمة ٦

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

الفصل: ‌ ‌مقدِّمة التَّحقيق إنَّ الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من

‌مقدِّمة التَّحقيق

إنَّ الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].

{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 - 71].

أمَّا بعد، فهذا مجموعٌ يشتمل على عشر رسائل في العقيدة، للشيخ العلَّامة عبد الرحمن بن يحيى المعلِّمي رحمه الله تعالى، وأسماؤها حسب ترتيبها في هذا المجموع:

1 -

حقيقة التَّأويل.

2 -

حقيقة البِدْعة.

3 -

صَدْع الدُّجُنَّة في فَصْل البِدعة عن السُّنَّة.

ص: 5

4 -

الحنيفيَّة والعَرَب.

5 -

عقيدة العَرَب في وثنيَّتهم.

6 -

الرد على حسن الضالعي.

7 -

ما وَقَع لبعض المسلمين من الرِّياضة الصُّوفية والغُلُوِّ فيها.

8 -

رسالة في الشفاعة.

9 -

التفضيل بين الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم.

10 -

تعلّق العقائد بالزمان والمكان.

وسألقي الضَّوء في هذا التَّمهيد على ما يعرِّف بكل رسالةٍ على حدةٍ إن شاء الله تعالى.

1 -

الرِّسالة الأولى: «حقيقة التَّأويل» :

* اسم الرِّسالة: قال المؤلِّف رحمه الله في أول هذه الرِّسالة: «فهذه رسالةٌ في حقيقة التَّأويل» . وقد استفدت من هذه الجملة اسم هذه الرسالة.

* التَّعريف بالرِّسالة: تكلَّم المؤلِّف رحمه الله في هذه الرِّسالة عن مسألة التأويل الباطل عند المتأخرين، وهي مسألة كبيرة، لها تعلُّقٌ بفهم نصوص الشَّرع الحكيم، وكان الانحراف في فهمها سببًا للانحراف في كثير من المسائل العقديَّة والعمليَّة، ونشوء كثير من الفرق المخالفة للكتاب والسنة.

فذكر في الباب الأول التعريف اللُّغوي للتأويل، واشتقاق المعنى

ص: 6

الاصطلاحيِّ منه، ثم استطرد بالشرح والتمثيل في إطلاقات التأويل على الرؤيا والفعل واللَّفظ.

ثم عقد بابًا ثانيًا جعله مقدِّمة في الصِّدق والكذب. ثم أتبعه بفصلٍ في تشديد الشارع في الكذب، وساق النصوص الدالة على ذلك، وأتبعه بفصل آخَر في الترخيص في بعض ما يسمَّى كذبًا وساق فيه النصوص الدالة على ذلك وكلام أهل العلم عليها، مع استطرادٍ في تعداد مفاسد الكذب.

واستطرد أيضًا في الكلام عن أنواع التورية التي يجوز استعمالها عند الحاجة.

ثم ختم الباب بالتأكيد على حرمة الكذب وقبحه وذمِّه لغير ضرورة.

ثم عقد بابًا ثالثًا في حكم التأويل، وذكر في مطلعه أنَّ اللَّفظ المراد تأويله لا يخرج عن نصوص العقيدة أو الأخبار أو الأحكام.

ثم عقد فصلًا في ضروب النصوص الواردة في العقيدة والتي قد يقع فيها التأويل، وبيَّن بالشَّرح أنَّها على ضربين:

1 -

الضرب الأول: نصوصٌ وَرَدت فيما كُلِّف الناس باعتقاده من أصول الإيمان وأركانه العظام، من الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، والقَدَر. وأنَّ عامَّتها ممَّا يُدرَك بالعقل، وأنَّ ثَمَّ تفاصيل ترجع إلى ما ذُكِر، وأنَّ هذه الأمور الضَّروريَّة في الإيمان ممَّا عُلِم من الدين بالضرورة، ومحاولة تأويلها لا نزاع في كفره.

ثمَّ عقد فصلًا بيَّن فيه أنَّ صِحَّة الإيمان لا تتوقَّف على العلم بما وَرَد في النصوص من تفصيلات ما تقدَّم من الأصول الآنف ذكرها.

ص: 7

2 -

الضرب الثاني: نصوصٌ وَرَدت فيما لم يكُلَّف الناس باعتقاده، ولا يتوقَّف الإيمان على العِلم به.

وأنَّ رَحَى التأويل تدور حول هذين الضَّرْبَين.

ثم استطرد المؤلِّف رحمه الله تعالى فذكر خلاف الناس في آيات صفات الله تعالى، وذكر بعض حُجج المتأوِّلين لها ودحضها.

ثم أسهب في الردِّ على من زعم أنَّ مقصود الشريعة إصلاح حال البشر، ليمتثلوا للأمر والنَّهي، وأنَّها ضمَّت إلى ذلك بعض العقائد التي يتوقَّف الامتثال عليها، وأنَّه يقع في بعضها إقرار ببعض الخطأ الشائع عند الناس في أمور العقيدة، ويلزم منه وقوع الكذب في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

ثم ذكر أنَّ من أثبت لله تعالى الصفات الواردة في النصوص بما يليق به تعالى ثلاث فِرَقٍ:

1 -

الفرقة الأولى: من يسلِّم لظواهر معاني نصوص الصفات مع اعتقاده دلالتها على المحال والتشبيه! ويرى خطورة تأويلها وأنَّ السلامة في ترك ذلك.

2 -

الفرقة الثانية: من يسلِّم لظواهر معاني نصوص الصفات مع اعتقاده دلالتها على المحال والتشبيه، ولكنَّه يرى عدم حرمة تأويلها!

3 -

الفرقة الثالثة: من يرى إثبات ظواهر معاني نصوص الصفات دون اعتقاد دلالتها على المحال والتشبيه، وأنَّ قولهم ليس كقول الممثِّلة.

ثم أفاض المؤلِّف بالشرح والتمثيل في أنَّ إثبات معنى صفات الله تعالى على ظاهرها لا يلزم منه تشبيهها بكيفية صفات المخلوقين، وأنَّه ليس في

ص: 8

تلك النصوص كذبٌ ولا إضلالٌ ولا جهلٌ.

وبيَّن أنَّ سبب ضلال هؤلاء المؤوِّلين أمور:

1 -

قِلَّة حظِّهم من معرفة الكتاب والسُّنَّة.

2 -

تقديسهم الفلاسفة فوق تقديس الأنبياء.

3 -

تحميل عقولهم ما لا تحتمل من دعوى إدراك كُنْه كل الأشياء، وعدم وقوفهم عند الحدِّ الذي يقدرون عليه من المعرفة والعلم.

ثم استطرد في بيان هذا الأمر الثالث، وذكر قصور العقول وخطأها في كثير من الأمور، واعتماد عقول أربابها على الاستقراء للمحسوسات، ونفيها لما لم تدركه، مع العلم أنَّ العقل الإنساني قاصر ومتفاوت الإدراك، واختلافُ أرباب مدَّعيه وتخطئة بعضهم بعضًا يدلُّ على ذلك.

ثمَّ بيَّن أنَّ من صفات الله ما لا شبهة فيه لمَن أنكره أصلًا، وأنَّ منها ما لم تكن فيه شبهةٌ إلَّا لمَن اطَّلع على كلام الفلاسفة.

ولمَّا كان بحثُ المؤلِّف رحمه الله في مسألة التأويل استدعى منه ذلك تفصيل القول في المتشابه والمحكم، وتحقيق الكلام في معنى قول الله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7].

وتضمَّن ذلك كلامه رحمه الله على المتشابه وأنَّه لا يعلم معناه أحدٌ إلَّا الله تعالى، وبيان معنى الرسوخ في العلم، والعلامات التي يفرَّق بها بين الزائغ والراسخ في العلم.

ص: 9

وتضمَّن كلامه أيضًا الإسهاب في بيان معنى المتشابه، ونقله ثم نقده لكلام الرَّاغب الأصبهاني عن أنواع المتشابه وأنَّه على ثلاثة أنواع:

1 -

الأول: المتشابه من جهة اللَّفظ، وله خمسة أضربٍ، ذكرها ومثَّل لها.

2 -

الثاني: المتشابه من جهة اللَّفظ والمعنى، وله خمسة أضربٍ أيضًا، ذكرها ومثَّل لها.

3 -

الثالث: المتشابه من جهة المعنى.

ثمَّ عقد المؤلِّف رحمه الله فصلًا في الكلام على تأويل الأخبار في الوقائع الواردة في نصوص الشرع، وأنها على ثلاثة ضروب:

1 -

وقائع متعلِّقةٌ بالرب، وقد تقدَّم الكلام عليها في تأويل نصوص العقائد.

2 -

وقائع متعلِّقةٌ بما لا نُحِسُّ به ولا هي من جِنسه، كالملائكة والجن، فحكمها حكم العقائد.

3 -

وقائع متعلِّقةٌ بما نُحِسُّ به أو من جنسه، وهو محلُّ البحث في هذا الفصل.

ثم بدأ في بسط الكلام عن هذا الضرب الثالث، والردِّ على دعوى أنَّ في نصوص الشرع ما يناقض صريح العقل أو التواتر أو الحِس.

ثم عقد المؤلِّف فصلًا في الرَّد بإسهاب على قول بعض العلماء: «إنَّ الشريعة إنَّما جاءت لتعليم الدين عقائد وأحكامًا، وأنَّ ما ورد فيها من بعض النصوص التي لها تعلُّقٌ بعلوم الكون والطبيعة والفلك = فلا يكون مقصودًا

ص: 10

لذاته، ولا يصحُّ الاستناد إلى ظاهرها في تقرير أمر من تلك الأمور الكونيَّة».

وبه ينتهي ما وُجِد من هذه الرسالة.

* الدِّراسات السابقة: قد سُبِق المؤلِّف رحمه الله بدراسات وكتب في موضوع التَّأويل، منها ما كان على مذهب أهل السُّنَّة، ومنها ما كان مخالفًا له،

ومنها ما كتب استقلالا ومنها ما ضُمِّن في غيره. ومن أهمِّها:

1 -

إبطال التَّأويلات في أخبار الصِّفات، للقاضي أبي يعلى محمد بن حسين الفرَّاء الحنبلي رحمه الله تعالى، المتوفى سنة 458 هـ

(1)

.

وقد ردَّ به على كتاب «تأويل الأخبار» لابن فورك، المتوفَّى سنة 406 هـ، والذي صنَّفه في تأويل الصِّفات

(2)

.

2 -

قانون التَّأويل، لابن العربي المالكي رحمه الله تعالى، المتوفى سنة 543 هـ، ولم يتناول الكتاب قضية التَّأويل المرادة في هذا الباب تناولًا مباشرًا، إنَّما تظهر علاقته بالتأويل من جهة استعمال التأويل بمعنى التفسير والبيان، وضرب أمثلة عمليَّة عليه

(3)

.

(1)

طُبع بتحقيق الدكتور محمد بن حمد الحمود، جزئين بدولة الكويت.

وقد قال المؤلِّف في مقدِّمة كتابه (1/ 41 - 42): «وسألتم أن أتأمَّل مصنَّف محمَّد بن الحسن بن فورك، الذي سمَّاه تأويل الأخبار، جمع فيه الأخبار وتأوَّلها، فتأمَّلنا ذلك، وبيَّنَّا ما ذهب فيه عن الصَّواب في تأويله .. » .

(2)

طُبع كتاب ابن فورك بعنوان «تأويل الأخبار المتشابهة» أو «مشكل الحديث» ، بتحقيق: دانيال جيماريه، بالمعهد الفرنسي للدراسات العربية بدمشق، 2003 م.

(3)

تُنظَر مقدِّمة المحقِّق محمد السليماني (ص 229 - 230) في علاقة العنوان بمحتوى الكتاب، ويُنظَر كلام المؤلِّف في الكتاب (ص 646 - 649) وكلامه عن المحكم والمتشابه (ص 661 - 664) وما بعدها.

ص: 11

3 -

ذمُّ التأويل، لموفَّق الدِّين ابن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى، المتوفى سنة 652 هـ، وبيِّنٌ مراد المؤلِّف من الكتاب بوجوب إجراء نصوص الصفات على ظاهرها، وإبطال نفيها اعتمادًا على التأويل المُحْدَث عند

المتأخِّرين، وجوابه عن بعض ما يُورد من الشُّبهات في آيات الصفات

(1)

.

4 -

الإكليل في المتشابه والتَّأويل، لشيخ الإسلام الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى، المتوفى سنة 728 هـ

(2)

.

5 -

الصَّواعق المرسلة على الجهميَّة والمعطِّلة، لشيخ الإسلام الإمام ابن قيِّم الجوزيَّة رحمه الله تعالى، المتوفى سنة 751 هـ

(3)

.

ويُعدُّ كتاب الصواعق من أهم وأكبر هذه الكتب والدراسات، فقد بَنَى الإمام ابن القيِّم رحمه الله كتابه على أربعة وعشرين فصلًا في التَّأويل وإبطاله، ثم فرَّع في الفصل الرابع والعشرين ذكر الطواغيت الأربعة التي

(1)

وقد قال رحمه الله في مطلع كتابه: «ومذهب السلف رحمة الله عليهم الإيمان بصفات الله تعالى وأسمائه التي وصف بها نفسه في آياته أو على لسان رسوله، من غير زيادة عليها ولا نقصٍ منها، ولا تجاوز لها ولا تفسير لها ولا تأويل لها بما يخالف ظاهرها .. » . وطُبع الكتاب بتحقيق الدكتور بدر البدر، الطبعة الأولى بدار الفتح بالشارقة، سنة 1414 هـ.

(2)

طُبع الكتاب مرات عديدة.

(3)

طُبع بتحقيق الدكتور علي بن محمد الدخيل الله، بدار العاصمة بالرياض، في أربعة مجلدات.

ص: 12

هدم بها أصحاب التَّأويل الباطل معاقل الدِّين

(1)

.

وللكتاب مختصر، لابن الموصلي، المتوفى سنة 774 هـ

(2)

.

7 -

قصد السَّبيل إلى ذمِّ الكلام والتأويل، للعلَّامة صدِّيق حسن خان القنُّوجي رحمه الله تعالى، المتوفَّى سنة 1307 هـ، بيَّن المؤلِّف في مقدِّمته مقصوده من

هذا الكتاب، فقال:«وهذه ثمانية فصول وعِدَّة أصول .. مشتملة على ما جاء من السلف الصلحاء والخلف الأتقياء، في عظم الكتاب المبين، وكراهة الغلوِّ في علم الكلام، وذمِّ التأويل، وصرف النصوص عن ظواهرها .. »

(3)

.

* وصف النُّسخة الخطِّيَّة: للرسالة نسخة واحدة، مكتوبة بخطِّ مؤلِّفها المعروف، وهو واضح غالبًا، مع ضَرْبٍ ولَحَقٍ كثيرٍ، يصل أحيانًا إلى الضَّرْب على الصَّفحة كلِّها أو بعضها.

وقد كتبها المؤلِّف في دفتر صغير، يقارب عدد أوراقها الأربعين صفحةً، كل صفحةٍ فيها وجهان، في كل وجهٍ سبعة عشر سطرًا.

وهي من محفوظات مكتبة الحرم المكِّي الشريف، ضمن مؤلَّفات الشيخ رحمه الله، برقم (4784).

* * * *

(1)

تُنظَر مقدِّمة المؤلِّف (1/ 170 - 174).

(2)

طُبِع بتحقيق الحسن بن عبد الرحمن العلوي، في دار أضواء السلف، عام 1425 هـ.

(3)

«قصد السبيل» (ص 36). وقد طُبع الكتاب بتحقيق سعيد معشاشة الجزائري، بدار ابن حزم، عام 1421 هـ.

ص: 13

2 -

الرِّسالة الثانية: «حقيقة البِدْعة» :

* اسم الرِّسالة: لم ينصَّ المؤلِّف رحمه الله تعالى على اسم رسالته، وقد كتب في أوَّلها:«حقيقة البِدعة» .

ولا أدري هل هذا الاسم من تسمية الشيخ لها، أم اجتهد من كتبه فأطلق عليها هذا الاسم. وهو مناسب لموضوعها؛ لذا فقد رأيت ترك ما سمَّوها به على حاله.

* سبب كتابة الرِّسالة: بيَّن المؤلِّف رحمه الله سبب كتابته هذه الرِّسالة؛ بأنَّ الكتب في هذا الباب إمَّا أن تكون كتبًا لا يستفيد منها غير العلماء كـ «الاعتصام» للشَّاطبي، وإمَّا كتبًا غير محرَّرة كـ «الباعث» لأبي شامة، فكان ذلك سببًا في كتابته هذه الرسالة، تيسيرًا وتقريبًا.

* التَّعريف بالرِّسالة: قد بيَّن المؤلِّف رحمه الله في رسالته هذه بطلان العمل بالبِدع، وتحقيق الكلام عليها في طريقةٍ أقرب إلى المحاورة والسؤال والجواب، والسَّبر والتقسيم العقلي؛ لتكون القناعة لقارئها أبلغ، والحُجَّة بها أحسن.

فبيَّن أنَّ الدِّين كلَّه من وضع المشرِّع، وأنَّ البِدعة لا تخلو، إمَّا أن تكون من غير الدِّين المشروع فهي باطلةٌ اتفاقًا، أو من الدِّين فيُطالب زاعم ذلك بدليل على مشروعيَّتها.

ثمَّ بيَّن المؤلِّف رحمه الله تعالى أنَّ الاستدلال على مشروعيَّة أيِّ بدعةٍ لا يخرج عن أحد أربعة أمور:

1 -

الأمر الأول: ما لا يكون دليلًا شرعيًّا، كالاستحسان العقلي، أو

ص: 14

الاعتماد على الرؤيا، أو التجربة المخالفة للنصِّ الشرعي، وهذه كلُّها ساقطةٌ.

فبيَّن أنَّ الاستحسان ظنٌّ لا تقوم الحُجَّة به، والمحمود منه عند العلماء مبنيٌّ على دليلٍ لا مجرَّد ميلٍ نفسيٍّ. وأنَّ الرُّؤى لا تقوم بها الحُجَّة إجماعًا؛ إذ طائفة منها من حديث النفس أو الشيطان، وهي رموز وإشارات ليست على ظاهرها، بل تحتاج إلى تأويل وتفسيرٍ، لا يحسنه ثم لا يصيبه كل أحد. وأنَّ التَّجربة المصادمة للدليل ــ مع كونها ليست دليلًا ــ امتحانٌ من الله وفتنة

لعباده، كالأحوال التي يكون عليها السَّحرة والمشعبذون والدَّجَّال الأكبر حين يخرج قرب الساعة.

ثمَّ تكلَّم رحمه الله عن خطأ الناس في استخدام الفأل في أمورهم الدنيويَّة أو إثبات الأحكام الشَّرعية به، وعن خطأ تعلُّقهم بالرقاة في طلب الشفاء، وبيَّن سبب نفع بعضها، وأنَّه لقوَّة إيمان راقيها، أو لتعلُّقه بشياطين ينفعونه.

2 -

الأمر الثاني: ما يكون فيه شُبهة دليلٍ للعامِّي، كالاستناد إلى أقوال المقلِّدين وجهلة الصَّالحين، والاعتماد على شيوع العمل به في بعض الجهات.

وهذه لا تصلح بها الحُجَّة؛ إذ الفتوى مبناها على العلم، لا صلاح المفتي في نفسه مع خلوِّه من العلم، وشيوع العمل بالشيء لا يصيِّره شرعًا يحتجُّ به.

3 -

الأمر الثالث: ما يكون فيه شُبهة دليلٍ للعامي، ممَّا هو مبنيٌّ على

ص: 15

أقوال المجتهدين، ممَّن لم يثبت ذلك عنهم، أو ثبت لكن عارضه ما هو أولى منه.

4 -

الأمر الرابع: ما يكون فيه شبهة دليلٍ للمجتهد، ممَّا هو مبنيٌّ على دليلٍ شرعيٍّ، وهو الكتاب والسُّنَّة والإجماع والقياس الصَّحيح، لكنَّه لم يثبت، أوثبت لكن عارضه ما هو أولى منه.

ثمَّ بيَّن رحمه الله أنَّ البدعة وضلالها وذمَّها معلوم عند الناس، ولكن يخفى بابان عليهم: حكم أهل البِدع، والطريق التي يُتحقَّق بها العلم بالبدعة.

فتكلَّم في أوَّلهما عن أنَّ أهل البدع على أربعة أقسام:

1 -

الأول: من يعلم من أهل البدع أنَّ بدعته ليست من دين الإسلام، ثم يزعم أنَّها ممَّا يحبُّه الله ويرضاه.

2 -

الثاني: من يشكُّ في بدعته، فلا يجزم كونها من دين الإسلام.

3 -

الثالث: من يجزم أنَّ بدعته من دين الإسلام، ولا برهان له على ذلك، وهؤلاء على ثلاثة أضْرُب:

1 -

الضَّرْب الأوَّل: من بلغ رتبة الاجتهاد ولكن اختلَّ عنده شرطٌ من شروط صِحَّة الاستدلال، فهو معذورٌ مأجورٌ، إلَّا إن نُبَّه فاستكبر وأصرَّ، وفي حُكْمه مَن تبِعَه.

2 -

الضَّرْب الثاني: من لم يبلغ رتبة الاجتهاد فيتعاطى ذلك بالجهل، فهو ضالٌّ مضلٌّ، وأكثر البدع سببها هؤلاء.

3 -

الضَّرْب الثَّالث: من يقيس على نصوص المجتهدين، وهذا فيه

ص: 16

تفصيلٌ خلاصته أنَّ الاستنباط من المذاهب جائز بقدر الضرورة لمن كان متأهِّلًا لذلك.

ولم أقف على كلام المؤلِّف رحمه الله عن القسم الرابع من أهل البدع ولا عن كلامه في الباب الثاني فيما وُجِد من رسالته!

* وصف النُّسخة الخطِّيَّة: للرِّسالة نسخة واحدة، مكتوبة بخط مؤلِّفها المعهود، وهو خطٌّ دقيق واضح في الغالب، وفيها ضرب كثير، وتبييض ما سوَّده في بعض الصفحات في أخرى تليها، ولحق في مواضع.

وقد كتبها المؤلِّف رحمه الله في دفتر صغير، في ثلاث وعشرين صفحة، في كلٍّ صفحةٍ وجهان، وسطور كلٍّ منها قرابة السبعة عشر سطرًا.

وهي من محفوظات مكتبة الحرم المكِّي الشريف، ضمن مؤلفات الشيخ

رحمه الله، برقم (4658/ 1).

* * * *

3 -

الرِّسالة الثالثة: «صَدْع الدُّجُنَّة في فَصْل البِدعة عن السُّنَّة» :

* اسم الرِّسالة: سمَّى المؤلِّف رحمه الله رسالته في صدرها باسم: «صَدْع الدُّجُنَّة في فَصْل البِدعة عن السُّنَّة» .

* معنى الاسم: «الصَّدع» في لغة العرب هو: الانفراج في الشيء والشق فيه، و «الدُّجُنَّة» هي الظَّلماء

(1)

. وكأنَّ المؤلِّف رحمه الله تعالى فَرَج وشقَّ ظلمة الجهل وأزاحها بانبلاج نور الحق في رسالته التي فصل فيها بين السُّنَّة والبِدعة.

(1)

مقاييس اللغة لابن فارس (2/ 330)، و (3/ 337).

ص: 17

* سبب كتابة الرِّسالة: بيَّن المؤلِّف رحمه الله سبب كتابته هذه الرِّسالة، وأنَّ دافعه ما أخذه الله من العهد على أهل العلم من البلاغ والصَّدع بالحق، وأنَّ كثيرًا من الفساد في زمانه سببه إماتة السنن وانتشار البدع، مع قِلَّة المُنْكِر وتثبيط غيرهم لهم.

وأنَّه أراد بهذه الرسالة بيان الفرق بين السُّنَّة والبدعة، بيانًا يحصل لمن له معرفة صالحة بالكتاب والسُّنَّة، وأنَّ ما حثَّه على ذلك أنَّ أجلَّ مؤلَّف في هذا الباب، وهو «الاعتصام للشاطبي» تحول دون الاستفادة منه فائدة تامة ــ إلَّا لكبار العلماء ــ أمورٌ ذكرها.

* التَّعريف بالرِّسالة: تقدَّم في سبب كتابة هذه الرِّسالة أنَّ مؤلِّفها قصد بها إيضاح الفرق بين السُّنَّة والبدعة بيانًا يحصل لمن له معرفة صالحة بالكتاب والسُّنَّة، وقد خلص في آخر رسالته إلى أنَّ التَّعريف الاصطلاحي المختار عنده

للبِدعة هو: «أمرٌ أُلْصِق بالدِّين، ولم يكن من هَدي النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم، لا بالفعل ولا بالقوَّة» .

والكتب المؤلَّفة في هذا الباب كثيرة، منها المطبوع ومنها غير المطبوع، تناول فيها مؤلِّفوها الكلام عن البِدَع بالشرح والتعريف، أو بالتمثيل والحصر

(1)

.

والمؤلَّفات في هذا الباب لا تخرج عن أحد أربعة أقسام

(2)

:

(1)

تُنظَر عناوين هذه الكتب في «معجم الموضوعات المطروقة» للحبشي (ص 71 - 72).

(2)

يُنظَر في تفصيل هذه الأنواع وذكر المؤلَّفات فيها والكلام عليها: حقيقة البِدعة وأحكامها لسعيد بن ناصر الغامدي (1/ 186 - 237).

ص: 18

1 -

القسم الأول: مؤلَّفات تكلَّمت عن بعض البدع، وتناولتها بالردِّ والتبيين، من غير تعرُّضٍ لتعريف البدعة وأقسامها وأحكامها.

2 -

القسم الثاني: مؤلَّفات تكلَّمت عن بعض البدع، مع تناول يسير لتعريف البدعة وحكمها.

3 -

القسم الثَّالث: مؤلَّفات تكلَّمت عن بعض البدع، مع كلام موجز نافع عن تعريف البدعة، وأقسامها، وأحكامها، وقواعد التأصيل فيها.

4 -

القسم الرَّابع: مؤلَّفات عنيت بمسائل التأصيل في البدع، وهي أصل في بابها.

* وصف النُّسخة الخطِّيَّة: للرِّسالة نسخة واحدة، مكتوبة بخط المؤلف، وهو واضح في الغالب، والنسخة فيها ضرب كثير.

وقد كتبها المؤلِّف رحمه الله في ثمان صفحات من القطع الكبير، في كلِّ صفحةٍ منها قرابة ثلاثين سطرًا.

وهي من محفوظات مكتبة الحرم المكِّي الشريف، ضمن مؤلفات الشيخ رحمه الله، برقم (4673).

* * * *

4 -

الرِّسالة الرابعة: «الحنيفيَّة والعرب» :

* اسم الرِّسالة: سمَّى المؤلِّف رحمه الله رسالته في رأس الورقة الأولى منها باسم: «الحنيفيَّة والعرب» .

* التَّعريف بالرِّسالة: محصَّل كلام الشيخ رحمه الله في هذه الرِّسالة أنَّ

ص: 19

الدِّين الحقَّ بقي في عرب الحجاز وما حولها فوق عشرين قرنًا بعد إبراهيم عليه السلام، وأنَّهم غيَّروا بعدُ أشياء، وبقوا متمسِّكين بأشياء أخرى، حتى بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم.

وهذا فيه بيان فضل العرب على بني إسرائيل، من جهة طول مدَّة تمسُّكهم بالحنيفيَّة ملَّة إبراهيم، قبل دخول الشِّرك فيهم، مع قِلَّة الأنبياء فيهم، وتفضيلهم عليهم في هذا الأمر.

وقد خلص المؤلِّف رحمه الله إلى هذه النَّتيجة بعد تحليلٍ وشرحٍ للنُّصوص الدَّالة على هذا المعنى، ممَّا سيق من كتابهم المقدَّس، مع ربط ذلك بما نقله أهل المعرفة بتواريخ الأمم.

ومع قِصَر هذه الرسالة ووجازتها فإنَّ فوائدها كثيرة، فمن نتائجها:

1 -

بيان الحدِّ الزَّمني الفاصل بين بقاء العرب ـ من بني إسماعيل وغيرهم ـ على التوحيد وبين بداية دخول الشرك عليهم.

2 -

فضل العَرَب الحنيفيِّين على الإسرائيليِّين، مع بُعد عهدهم بإبراهيم وإسماعيل، ولم يكن فيهم بعدهما إلى ذاك التاريخ نبيٌّ مع قِلَّة النبيِّين، بخلاف الآخرين.

3 -

دلالة كتبهم المقدَّسة على فضل بني إسماعيل، وتمسُّكهم بدينهم، من كلام الله المدَّعى في كتبهم، وأنَّ العقبى لهم.

4 -

مناقشته لبعض كلام الشيخ رحمة الله الهندي مؤلِّف كتاب «إظهار الحق» في تفسيره نصوص الكتاب المقدَّس، وبيان الراجح عنده والتدليل عليه.

ص: 20

5 -

تحقيقه نسب «عمرو بن لُحَي» ، والكلام عن أصل النبت، وقيدار ولد إسماعيل.

* تنبيهٌ: إن قيل: إنَّ استدلال المؤلِّف رحمه الله في كتابه بما في كتب أهل الكتاب المقدَّسة عندهم مستشكل.

فالجواب: أنَّ هذا غير واردٍ لمن تمسَّك بالتوجيه النَّبوي المبيح للتَّحديث عنهم، دون جزمٍ بِصحَّة ما يروون، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم:«حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»

(1)

.

والتَّحديث عن بني إسرائيل إنَّما يجوز ويسوغ فيما لم يخالف أصلًا، كمخالفة نصٍّ من كتاب الله أو سُنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم، وفيما لم يُعلم بالضَّرورة ثبوت

تحريفهم فيه.

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانيَّة ويفسِّرونها بالعربيَّة لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا تصدِّقوا أهل الكتاب ولا تكذِّبوهم»

(2)

.

فما لم يدلَّ دليل الكتاب والسنَّة على تكذيبه لم يجز لنا تحريم ذكره، بلْه ردَّه.

ثمَّ إنَّ الردَّ على اليهود والنصارى أو غيرهم من كتبهم لإبطال باطل يحاجُّون به أهل الإسلام، أو حق نريد إثباته لأهل الإسلام = يكون من باب قول الله تعالى:{قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 93].

(1)

أخرجه البخاري (3461) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

(2)

أخرجه البخاري (4485) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 21

وللمؤلِّف سلفٌ في الاحتجاج على أهل الكتاب من كتبهم، فقد تتابع العلماء عبر العصور على الردِّ عليهم، محتجِّين عليهم من كتبهم؛ كما فعل الإمام ابن حزم في «الفصل» ، والقرافي في «الأجوبة الفاخرة» ، وشيخ الإسلام ابن تيمية في «الجواب الصَّحيح» ، وتلميذه الإمام ابن القيِّم في «هداية الحيارى» ، والشيخ رحمة الله الهندي في «إظهار الحقِّ» . وغيرهم كثير.

والمصدر الرَّئيس الذي بنى المؤلِّف رحمه الله رسالته عليه، وهو: الكتاب المقدَّس عند أهل الكتاب (العهدان القديم والجديد) يبدو أنَّه اعتمد فيه على طبعة قديمة، صدرت في بيروت، سنة 1870 م، ثمَّ طُبِعت بعدُ طبعةٌ منقَّحة لهذه الطَّبعة.

وفي مقدِّمة هذه الطبعة المعرَّبة الحديثة أنَّهم انتهوا من إصدارها عام

1881 م، ولكنَّهم أعادوا النَّظر في هذه التَّرجمة عام 1949 م، فأخرجوها في ترجمةٍ أفضل من حيث الأسلوب والتَّراكيب، مع العناية بفنِّ الطباعة، وأتمُّوا العمل فيها عام 1980 م.

وقد بيَّنتُ الفروق المهمَّة الظَّاهرة بين نصِّ التَّرجمة عند المؤلِّف ممَّا يخالف التَّرجمة الحديثة المشار إليها.

* وصف النُّسخة الخطِّيَّة: للرسالة نسخة واحدة، مكتوبة بخطّ المؤلِّف، وهو خطٌّ جميل، وليس عليه ضرب إلَّا في بضعة مواضع، ولا لحق إلَّا في موضع واحدٍ، وكتب المؤلف هوامشها. وكأنَّه أعدَّها مبيَّضة مهيَّأةً للطباعة.

ص: 22

وقد كتبت في دفتر صغير، في عشر صفحات، في كلِّ صفحةٍ تسعة عشر سطرًا.

وهي من محفوظات مكتبة الحرم المكِّي الشريف، ضمن مؤلفات الشيخ رحمه الله، برقم (4658/ 3).

* * * *

5 -

الرِّسالة الخامسة: «عقيدة العَرَب في وثنيَّتهم»

* اسم الرِّسالة: سمَّى المؤلِّف رحمه الله رسالته، في أول صفحةٍ منها باسم:«عقيدة العرب في وثنيَّتهم» .

* التَّعريف بالرِّسالة: محصَّل كلام المؤلِّف رحمه الله في هذه الرِّسالة بيان عقيدة العرب في جاهليَّتهم الوثنيَّة، واعتقادهم في أوثانهم ومن يدعونه ويتقربون إليه من دون الله.

وقد رقَّم المؤلِّف رحمه الله مباحث رسالته إلى سبع فقرات جعلها عناوين لتلك الفقرات التي دلَّل عليها، وشرح وبيَّن.

فقد بيَّن المؤلِّف بالدليل والشرح في الفقرة الأولى: توحيد العرب وإقرارهم في جاهليَّتها في الجملة بربوبيَّة الله سبحانه وتعالى.

وفي الثانية: تناقض العرب بجمعهم الإيمان بالربوبيَّة مع الشِّرك في الألوهيَّة.

وفي الثالثة: كفر العرب بأمرين: نسبة البنات لله سبحانه وتعالى، واحتمل أربعة أسباب حَمَلَتْهم على ذلك، وحرَّر مرادهم بنسبة البنات لله،

ص: 23

والأمر الثاني: عبادتهم غير الله سبحانه وتعالى، وأنَّ ذلك في حقيقته عبادة لما لا وجود له، أو للشياطين، أو لأهوائهم.

وفي الرَّابعة: تأريخ دخول الوثنيَّة في الحجاز وبلاد العرب على يد عمرو بن لُحَي الخزاعي.

وفي الخامسة: بيان عِلَّة نصب الأوثان والأصنام وأنَّهم لا يعبدون حجارة لذاوتها، وإنَّما هي صور لمعبوداتهم، باختلافها.

وفي السَّادسة: تحقيق أصل تسمية أوثان العرب المشهورة ـ كاللَّات ومناة والعُزَّى ـ بهذه الأسماء الأنثويَّة، وهل لهذا علاقة باعتقاد أنَّها صورٌ للملائكة وهي عندهم بنات الله.

وفي السَّابعة ــ وهي الأخيرة ــ: معتقد العرب في الملائكة، وأنَّهم لا يضاهون بقيَّة الوثنيِّين في ذلك ـ كاليونان والمصريين وغيرهم ـ من عبادتهم لها، بل معتقدهم فيها أنَّها وسائط تقرِّبهم إلى الله زُلفى.

وأنبِّه ههنا أنَّ جملةً من مباحث هذه الرسالة قد أسهب المؤلِّف رحمه الله تعالى في الكلام عليها بتفصيل وبيان شافٍ في كتابه الكبير «العبادة» .

* الدِّراسات السابقة: قد سُبِق المؤلِّف رحمه الله بدراسات وكتب في بعض مضامين هذه الرسالة، ممَّا يتعلَّق بالكلام عن أحوال العرب في جاهليَّتها، ومعبوداتهم فيها، كما تجد ذلك في كتاب «الأصنام» لابن الكلبي، وفي المتأخِّرين ما كتبه الدكتور جواد علي في كتابه النَّفيس «المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام» .

* وصف النُّسخة الخطِّيَّة: للرسالة نسخة واحدة، مكتوبة بخطّ

ص: 24

المؤلِّف، وليس عليها ضرب إلَّا في بعض المواضع، ولا لحق إلَّا في موضعين، وقد كتب المؤلف هوامش، يخرِّج فيها الآيات ويعزو النقول إلى مصادرها. وكأنَّ المؤلِّف رحمه الله كان قد أعدَّها مبيَّضة مهيَّأةً للطباعة.

وقد كُتِبَت في ثلاث ورقات من القطع الكبير، في كلِّ ورقةٍ صفحتان، في كلِّ صفحةٍ ثلاثون سطرًا قد تزيد قليلًا.

وهي من محفوظات مكتبة الحرم المكِّي الشريف، ضمن مؤلفات الشيخ رحمه الله، برقم (4670).

* * * *

6 -

الرِّسالة السادسة: «الرد على حسن الضالعي» :

* اسم الرِّسالة: لم يذكر المؤلِّف رحمه الله لهذه الرِّسالة اسمًا، وقد كُتِب على غلافها:«رسالةٌ على [في] الحلول» .

ولمَّا كان محتوى القدر الموجود من الرسالة في الرَّدِّ على حسن الضالعي، في قضايا الحلول وغيرها، كما سيأتي في التعريف رأيت تسميتها بهذا الاسم الشامل.

* سبب كتابة الرِّسالة: بيَّن المؤلِّف رحمه الله سبب كتابته هذه الرِّسالة؛ حيث قال في أولها: «فإنِّي عند وجودي بعَدَن، أواخر سنة 1341 هـ بلغني عن رجلٍ يُدعَى السيِّد حسن باهارون كان مقيمًا بالضَّالع ثم بيافع، يدعو الناس إلى بعض العقائد الباطنية الحلوليَّة .. وإنَّه قد اتَّبعه خَلْقٌ كثيرٌ، وألَّف جماعةٌ من العلماء في الإنكار على أقواله وضلاله .. وسألني بعض الإخوان

ص: 25

أن أحذو حذوهم، بكتابة رسالةٍ في هذه القضيَّة .. مع أنِّي تصفَّحتُ بعض تلك الرسائل، فرأيتها منسوجةً بالحِدَّة والغضب، وذلك وإن كان محمودًا في الشَّرع لكن الأَولى في خطاب الجُهَّال الرِّفق واللِّين .. وليس القصد من التَّأليف في هذه القضيَّة مجرَّد إقامة الحُجَّة والخروج من عهدة السُّكوت، بل القصد مع ذلك إنقاذ هؤلاء المساكين من تخبُّطات الشياطين».

* التَّعريف بالرِّسالة: بيَّن المؤلِّف رحمه الله كما تقدَّم في سبب كتابته هذه الرِّسالة عزمه على الرَّدِّ على حسن بن إبراهيم باهارون الضَّالعي الحلولي، وأنَّه سيلتزم بالأَولى في خطاب هذا الجاهل، باستعمال الرِّفق واللِّين وإيضاح الحقائق باللُّطف والحِكمة.

ثمَّ بيَّن المؤلِّف خطَّته في كتابه، فقال: «وقد عزمتُ مستعينًا بالله تعالى على كتابة أوراق في هذا الصَّدد، تنحصر في مقدِّمة وفصول:

المقدِّمة: فيما بلغني عن هذا الرجل وأصحابه، بأسانيدها.

الفصل الأوَّل: في وحدة الوجود التي يلهج بها المتصوِّفة، وبيان عقائد أئمَّة الصوفيَّة.

الفصل الثاني: في معنى الوحدة عند المتطرِّفين، وما يشبه ذلك من مقالات الفرق، والأدلَّة المناقضة لذلك من العقل والنقل.

الفصل الثالث: في حكم من دعا إلى ذلك، أو اعتقد، أو شكَّ، أو سكت.

الخاتمة ـ ختم الله لنا بخير الدنيا والآخرة ـ: في أحاديث واردة في التَّحذير من الدَّجاجلة، أعاذنا الله والمسلمين من شرِّهم».

ص: 26

لكن المؤسف أنَّ ما وُجِد من هذه الرسالة لا يتجاوز المقدِّمة التي أشار إليها المؤلِّف، ولم أعثر على بقيَّة الرسالة.

وقد نقل في هذه المقدِّمة التي أراد الكلام فيها عن حال هذا الرجل من بعض مشايخه وأصحابه من أهل العلم، كالشيخ محمد بن علي بن إدريس، ومن كتب الردود السابقة، كرد شيخه الإدريسي، وردِّ الشيخ سالم باصهي، المعنون بـ «كشف الغطا عمَّا يحصل لبعض السَّالكين من الخطا عند مقدمات حال الفنا والفتح والمواهب والعطا» ، وردِّ السيِّد العلَّامة العلوي، وكتاب السيِّد عبد الله بن طاهر.

وقد حصل المقصود من هذه النقول في إثبات قول هذا الضالعي بالحلول والاتحاد، وأنَّ قوله مضاهٍ لقول سلفه كابن عربي الحاتمي وعبد الكريم الجيلي وغيرهما.

وتضمَّنت المقدِّمة بيان أنَّ بضاعة هذا الضالعي في علم الشرع وفي حديث

رسول الله صلى الله عليه وسلم خصوصًا مزجاة.

ودعواه العريضة بالتلمذة على مشايخ مصر والشام والعراق والحجاز والفرات واليمن.

ودعواه السيادة بالانتساب إلى أهل البيت، من آل با هارون.

وظهور جهله في خلطه بين ما نقل عن السلف من كلامهم الزهدي عن الفناء بما يعتقده هو من الحلول والاتحاد.

واستنكافه عن الحق بعدما تبيَّن له، واعترافه بالخطأ بعد رؤيا رآها، لكن

ص: 27

الله كتب عليه الخذلان فنكص على عقبيه، ثم أظهر ما عنده من الحلول وتمادت به الحال حتى قال برفع التكاليف عن الناس، كالصلاة والصيام، وأنكر صحَّة نبوَّة نبينا صلى الله عليه وسلم، وأنكر ثبوت القرآن عنده، مع إيمانه بصحَّة ثبوت الإنجيل.

ثم بيَّن وهاء حجَّته في إنكار القرآن مع إيمانه بثبوت الإنجيل والتوراة، ونقل عن المختصِّين بالرَّدِّ على أهل الكتاب ما يدلِّل على وقوع التحريف الظاهر في العهدين القديم والجديد، كالشيخ رحمة الله الهندي وابن حزم، وقد أطال النقل عن الإمام ابن حزم رحمه الله بما يؤكِّد صحَّة وقوع التحريف في العهدين.

وتوسَّط ذلك وتضمَّن أيضًا نقاشه في مسائل أخرى.

كجهله سبب تسمية عيسى عليه الصلاة والسلام بالمسيح، وعدم إدراكه الحكمة من خلقه دون أبٍ.

ومنازعته في إعجاز القرآن، ومساواته ببلاغة الشعراء والخطباء.

واستدلاله على بطلان صحَّة ثبوت القرآن بذكر عصيان الأنبياء لربِّهم فيه.

واحتجاجه على صِحَّة تثليث النصارى بفلسفة واهية.

وزعمه باستدلال واهٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم تكن له آية معجزةٌ إلَّا القرآن.

وقد عاد المؤلِّف إلى إثبات تحريف العهدين، بنقل مسهبٍ عن ابن حزم، وبه انتهى ما وُجِد من هذه الرسالة.

ص: 28

* وصف النُّسخة الخطِّيَّة: للرسالة نسخة واحدة، مكتوبة بخطٍّ جميل، يشوبه عدم وضوح في كثير من المواضع، مع ضَرْبٍ ولَحَقٍ وبياضٍ وخرمٍ كثيرٍ، وقد يصل الضَّرْب أو الخرم في الصَّفحة أحيانًا إلى كلِّها أو بعضها.

وخطُّ الرسالة خطُّ المؤلِّف المعهود، غير ورقتين مغايرتين لخطِّه المعهود، وهما ورقتان يبدو أنَّ المؤلِّف أوعز إلى غيره نقلها من كلام الإمام ابن حزم في «الفِصَل» ، وهي المرقَّمة في التصوير برقم (9) و (43)، وهي بترقيمي (10) و (26).

وقد كتبها فيما يقارب الثلاثين ورقةً من القطع الكبير، كل صفحةٍ فيها وجهان، في كل صفحة قرابة عشرين سطرًا.

وقد كُتِب في وجهَي بعض هذه الصفحات واكتفِي بالكتابة في وجهٍ واحدٍ في بعضها، ممَّا ترك صفحاتٍ في الرسالة بيضاء لا كتابة فيها؛ ولأجل هذا فقد وقع في تصوير الرسالة تشويش كثير، بتقديم صفحات عن مكانها وتأخير

أخرى، فأعدت ترتيبها على نحو أقرب إلى النَّسق الذي يتَّصل به الكلام.

وبالنَّظر إلى صور الرسالة المرفقة يتبيَّن وعورتها وصعوبة إثبات النصِّ منها بسياقها الذي كتبه الشيخ رحمه الله بها.

والرسالة من محفوظات مكتبة الحرم المكِّي الشريف، ضمن مؤلفات الشيخ رحمه الله، برقم (4671).

* * * *

ص: 29

7 -

الرِّسالة السابعة: «ما وقع لبعض المسلمين من الرياضة الصُّوفية والغلو فيها» :

* اسم الرِّسالة: لم ينصَّ المؤلِّف رحمه الله على اسم رسالته فيما وقفت عليه من أوراقها، وقد كُتِبَ في عنوانها:«ما وقع لبعض المسلمين من الرياضة الصُّوفية والغلو فيها» . ولا أدري أهذا الاسم لغلاف الرسالة من تسمية المؤلِّف نفسه، أم اجتهاد ممَّن اعتنى بحفظها وفهرستها، فأبقيتها باسمها الذي كتب عليها.

* التَّعريف بالرِّسالة: يناقش المؤلف في هذه الرِّسالة أحد الصوفية في كتاب له، ولم يتبيَّن لي بعد بحث ونظر معرفة هذا المردود عليه ولا كتابه.

ونقاش المؤلِّف جارٍ فيها عمَّا يحتجُّون به من دعوى اكتساب بعض خوارق العادات، وما ثبت وجوده من القوى البشريَّة المكتسبة، كالإصابة بالعين، والتنويم المغناطيسي، وإيصال الشفاء بالرقية الشرعية، والتفصيل في القوى الخارقة التي يختلط فيها السحر والشعبذة بالكرامة والمعجزة.

ثمَّ بيَّن انتقال كثير من هذه الرياضات المخالفة للشرع والتي تكتسب بها القوى النفسيَّة عن الأمم الكفرية الأخرى، كالهندوس واليونان، ووجود التشابه بين تعبد الصوفيَّة المسلمين وتعبد العبَّاد من الهندوس، وما طرأ على هذه التعبُّدات المنقولة عنهم من تهذيب وتغيير وما أبقوه على حاله الأولى.

ثمَّ بيَّن أسباب عدم معارضة المسلمين لها بقدر معارضتهم للعقائد المنقولة عنهم، وأنَّ ذلك يعود لاشتباهها ببعض العبادات الشرعية، ولبعض

ص: 30

صور التعبد والزهد المأثور عن جماعة من السلف.

ثمَّ تطرَّق للكلام عن اختلاف أغراض المتعبِّدين بهذه الرياضات المُحْدثة. وعن التقاء هؤلاء المُحْدَثين من المرتاضين على هذه الرياضات وقبولهم من أهلها مع تباين أديانهم ودون اشتراط منهم لدين ذاك المرتاض! واعتراف هؤلاء بولع الشياطين بسالكي هذه الطرق وحصول قوَّة تضاهي قوى السَّحرة.

ثم تكلَّم عن سحر الأبصار، ومثَّل له بما وقع لموسى عليه الصلاة والسلام مع السحرة، وقصَّة جندب بن كعب مع الساحر والسُّهْرَوردي. وبيَّن أنَّ هذا الضَّرب من السِّحر يحتمل أنَّه سحرٌ للأبصار فقط، أو أنَّه سحرٌ للأدمغة، وهو الراجح عنده، وأنَّ هذا يشبه ما يسمَّى بالتنويم المغناطيسي المعاصر.

وكأنَّ الشيخ رحمه الله يشير بهذا إلى أنَّ حقيقة التنويم المغناطيسي عنده أنَّه سحر لدماغ المنوَّم من المنوِّم، فكأنَّ هذا القادر على التنويم عنده هو في الحقيقة ساحرٌ بلباس منوِّمٍ مغناطيسيٍ معاصر!

ثم ردَّ المؤلِّف على من شكَّك في صحَّة وجود هذه القوى السحرية بحُجَّة

أنَّها تسدُّ باب الثِّقة بالمحسوسات، وإلى أنَّها تقدِّم عذرًا لمن كفر بالأنبياء، واتهمهم بالسحر، وإلى من أنكر الكرامات.

وقد وقع سقط في الرسالة في هذا الموضع لا أدري مقداره.

ثم فصَّل الكلام في حكم إحداث بعض الرِّياضات الروحيَّة المقصودة للتعبد أو الإعانة عليه، كالعزلة في الخلوات، وأربعينيَّة الصوفيَّة، وناقش

ص: 31

بعض الأدلَّة التي يدَّعي أرباب هذه المحدثات دلالتها على محدثاتهم، واستطرد فتكلَّم عن الطرق الباطلة في الاستدلال على المحدثات، كالتجربة والرُؤيا، ودعوى الإلهام، والذَوْق أو الكَشْف، أو خبرِ مَن يرونه ملَكًا، أو خضرًا، أو نبيًّا ونحو ذلك.

ثم ناقش قول المردود عليه بجواز تعاطي السحر لإيذاء الكَفَرة، وبيَّن عدم جواز استعمال السحر بهذه الحجَّة.

وشنَّع على من زعم أنَّ هذه القوى المحرَّمة من جنس الكرامات، وبيَّن أنَّها وإن كانت محرَّمة فإنَّها لا تخرج عن إرادة الله وإذنه. وشنَّع بالردِّ أيضًا وجهَّل من أفحش القول بأنَّ معجزات الأنبياء حاصلة بقوى نفسيَّة مكتسبة!

ثم تطرَّق المؤلِّف رحمه الله إلى ما وقع من المبالغة والغلو في الرياضات الزهدية عند الصوفيَّة، كالجوع، والسَّهر، وترك أكل ذي الروح، وغير ذلك، ونقل إنكار تكلُّف ذلك والغلوِّ فيه عن السلف من الصحابة ومن بعدهم.

ثم ذكر التطوُّر التاريخي لهذه الرياضات والانحراف الذي طرأ عليها بمرور الوقت، وبيَّن أنَّ قمَّة الانحراف وذروته حين اتَّصلت علوم الإسلام بعلوم أمم الكفر من اليونان والهندوس وغيرهم في القرن الثالث الهجري،

وانتقال تلك الرياضات مع ما انتقل من هذه العلوم إليهم، واتَّفق ذلك وتزامن مع انتشار خواطر الصوفية وشيوع الباطنيَّة.

وأشار إلى أنَّ غالب ما يُحكى من المكاشفات والكرامات عن التَّابعين وأتباعهم ومن قَرُبَ منهم من اختراع القُصَّاص.

ص: 32

ثم عقد فصلًا بيَّن فيه الرياضة المكتسبة بالجوع الصوفي وعدم علاقته بالجوع الشرعي، وفصلًا آخر بيَّن فيه الرياضة المكتسبة بالسهر الصوفي وعدم علاقته بالسهر الشرعي، وفصلًا ثالثًا بيَّن فيه الرياضة المكتسبة بترك أكل ذوات الأرواح وعدم علاقته بالشرع.

ثم عقد فصلًا ردَّ فيه على زعمهم بأنَّ المرتاض بالرِّياضة المعروفة بينهم إذا حصل له ما يسمُّونه بالفتح تحصل له القوَّة النفسية المذكورة.

وبه ينتهي ما وُجِد من هذه الرسالة، والتي يظهر من سياقها نقصٌ في أولها ووسطها وآخرها.

ومع قصر هذه الرسالة ووضوح أصل كتابة الشيخ لها حوت على كثير من المباحث النافعة والفوائد العالية في علوم شتى غير ما تقدَّم.

ككلامه عن مسألة النبوات واكتسابها.

وظهور نَفَسه الحديثي المشهود في إعلاله حديث: «ثلث لطعامه» وما تبع ذلك من كلامه عن مسألة السماع وعَدَمِه عند الإمام البخاري رحمه الله، وتقعيده قاعدة مختصة بتصرُّف البخاري في كتابه «التاريخ الكبير» .

ومباحث لغوية وفقهيَّة أخرى.

* وصف النُّسخة الخطِّيَّة: لم أقف للرسالة إلَّا على نسخة واحدة، مكتوبة

بخطّ المؤلِّف، وهو جميل واضح دقيق غير واضحٍ في بعض المواضع، وعليه ضربٌ ولحق.

وقد كتبها في أوراق دفتر كعادته رحمه الله، وتقع في إحدى عشرة صفحة، وكانت مفرَّقة في رسالتين، الأولى في ستِّ صفحات لكل صفحة

ص: 33

وجهان سوى الصفحتين الأولَيَيْن فليس فيهما غير وجهٍ واحدٍ، وفي كلِّ وجهٍ من هذه الصفحات قرابة ثلاثين سطرًا، وظاهرٌ من سياق المخطوط نقصٌ في أوله ووسطه وآخره.

وهي من محفوظات مكتبة الحرم المكِّي الشريف، ضمن مؤلفات الشيخ رحمه الله، برقم (4803).

والثانية وهي في خمس صفحات في كل صفحة قرابة ثلاثين سطرًا، وقد وُجِدت ضمن أوراق أخرى برقم (4701)، على العادة المعهودة فيما يقع في خزائن المخطوطات من انتقال أوراق المخطوطات وتفرقتها ووضعها في غير موضعها.

* * * *

8 -

الرِّسالة الثامنة: الشفاعة:

* اسم الرسالة: لم يسمّ المؤلِّف رحمه الله هذه الرسالة، وقد اخترت لها هذا الاسم نظرًا لموضوعها.

* سبب كتابة الرسالة: بيَّن المؤلف رحمه الله سبب كتابته هذه الرسالة، وأنَّه ألَّفها لتكون متمِّمةً لمسألة متعلِّقة برسالته الأخرى، وهي رسالة

«العبادة» ، فقال: «جمعتُ رسالةً مطوَّلةً في تحقيق العبادة المطلقة، أي: أعم من أن تكون لله عز وجل أو لغيره، فوجدت عبادة غيره تشابك مسألة الشفاعة، بحيث لا يمكن تحديد العبادة ما لم تتحدّد الشفاعة وما يتعلَّق بها. ولهذا لا تكاد تجد موضعًا في القرآن تقام فيه الحُجَّة على المشركين إلَّا وفيه التعرُّض للشفاعة، فرأيت أن أفرد مسألة الشفاعة برسالة، تحيط

ص: 34

بفروعها».

* التَّعريف بالرسالة:

تقدَّم أن المؤلِّف رحمه الله قصد من تأليف هذه الرسالة أن تكون متمِّمةً لمسألة متعلِّقة بالعبادة، وقد مهَّد المؤلف رحمه الله رسالته بكلام مختصر عن تفاوت الناس عامَّة وخاصَّة، من جميع الطوائف في مسائل الحق ما بين مشرِّقٍ ومغرِّبٍ، ومن ذلك تفاوت أقوالهم في مسألة الشفاعة.

ثم شكا رحمه الله من أحوال بعض المشايخ والقُصَّاص المرخِّصين في الشفاعة الباطلة، وحظُّهم من العلم فيها. فمن المرخِّصين للشفاعة الباطلة من أخلد إلى ما شاع؛ خشية أن يكون خلافه هلاكًا في دينه ودنياه.

ثم عقد مقدّمة بيَّن فيها معنى الشفاعة من جهة اللغة، وبعض المسائل المتعلقة بها، كعدم اشتراط قبول المشفوع عنده لشفاعة الشافع، وأنَّه لا ينبغي للشافع أن يغضب على المشفوع إليه إذا أبى قبول الشفاعة، وأنَّه لا يشترط في الشفاعة كونها من الأدنى للأعلى، ولكن يشترط فيها أن لا يكون الشافع مالكًا للحاجة المشفوع فيها.

ثم عقد فصلًا في أقسام الشفاعة عند الله تعالى، وبدأ بأولها، وهي شفاعة الإنسان لآخر حيًّا كان ذلك الآخر أو ميِّتًا، وأنَّ الغالب تسمية هذا القسم

بالدعاء، ثم استطرد في ذكر مباحث متعلِّقة بالدعاء، لكن الرسالة لم تكتمل، فقد وقف عند بداية كلامه عن المبحث الثاني من مباحث الدعاء، وسيأتي ذكر المبحثين.

أما المبحث الأول من مباحث الدعاء فقد ذكر فيه حكم طلب الدعاء،

ص: 35

ونقل الإجماع على جواز طلبه من الأحياء، مع قول بعضهم بكراهته، وذكر أسباب ذلك عندهم، وأنَّ الذي تلخَّص عند المؤلف هو جوازه في الأصل، ثم يكره ويكون خلافًا للأَوْلَى لعوارض ذكرها.

ونبَّه ضمن ذلك على أهميَّة الدعاء وجعل الخيرة في إجابته إلى الله، ونبَّه أيضًا على أنَّ المانع من الدعاء عند بعض الناس وطلبه من الآخرين= عدم يقينه بإجابة الله لدعائه، بظنِّ أن إصراره على الكبائر يمنع من الإجابة. ونبَّه إلى كراهة الدعاء إجابةً لطلَّاب الدعاء إن كانوا مصرِّين على الكبائر، وإرشادهم إلى التوبة من المعاصي بدل الإصرار عليها وسؤال غيرهم الدعاء. ونبَّه أيضًا إلى كراهة الدعاء إن داخل الداعي عجبٌ، أو حصل لطالبيه غلوّ اعتقادٍ فيه.

ثم ذكر بعض الأحوال التي يستحبُّ فيها طلب الدعاء من الآخرين.

وأما المبحث الثاني من مباحث الدعاء فقد ذكر فيه ما ينبغي للمطلوب منه الدعاء، وأنشأ فيه خمسة أمور، ثم وقف على السادس. وبه انتهى القدر الموجود من الرسالة.

* وصف النُّسخة الخطِّيَّة: للرسالة نسخة واحدة، مكتوبة في آخر الدفتر الثاني من بحث تفسير سورة الفيل والرد على عبد الحميد الفراهي، بخط مؤلِّفها المعهود، وقد وقع في بعض صفحاتها وبعض مواضع في أسطرها بياضٌ

تركه المؤلف لإرادة نقل آية أو نحوه.

وعدد أوراق ما وُجِد من الرسالة خمس عشرة ورقة، في كل ورقةٍ بضعة عشر سطرًا، وفي بعضها لَحَق وضربٌ وتصحيح. وهي من محفوظات

ص: 36

مكتبة الحرم المكي الشريف.

* * * *

9 -

الرِّسالة التاسعة: التفضيل بين الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم:

* اسم الرسالة: لم أجد تسمية للمؤلف رحمه الله لرسالته هذه.

* التعريف بالرسالة: تكلَّم المؤلف رحمه الله في هذه الرسالة عن مسائل متعلقة بالتفضيل بين الخلفاء الأربعة الراشدين رضي الله عنهم، فمهَّد ببيان عدم انضباط التفضيل عند من يطلقه، سواءٌ أكان بتشييد الدين أو نفع المسلمين أو ورود الأدلة؛ إذ الأربعة كلهم مشتركون فيها، وأن التفضيل إن كان بالنظر إلى منزلتهم عند الله تعالى فمردودٌ؛ لأنه كلام في غيبٍ لا يعلمه إلا الله.

ثم ذكر ما يحصل في التفضيل من التعصُّب، ونبَّه على أن الخلفاء أنفسهم لم يشتغلوا به، بل كانوا يغمطون أنفسهم ويفضِّل بعضهم بعضًا عند اختلاف التفضيل.

ثم ذكر رحمه الله أربعة وجوه تظهر بها حكمة بالغة في تأخر خلافة عليٍّ رضي الله عنه عن الثلاثة، وما حصل في ذلك من المصالح واندفع به من المفاسد، وبه تنتهي هذه الرسالة.

* وصف النُّسخة الخطِّيَّة: للرسالة نسخة واحدة، مكتوبة بخطِّ مؤلفها

المعروف، وهو واضح غالبًا، وهي من محفوظات مكتبة الحرم المكِّي الشريف ضمن مجموع برقم [4696] في ورقتين.

* * * *

ص: 37

10 -

الرِّسالة العاشرة: تعلّق العقائد بالزمان والمكان:

* اسم الرسالة: لم ينصَّ المؤلف رحمه الله على اسم رسالته، وقد كُتب في فهرس مكتبة الحرم المكي هذا العنوان، وهو مناسب لموضوعها.

* التعريف بالرسالة: قد بيَّن المؤلف رحمه الله في مطلع رسالته أهمية النظر إلى حال المكان والزمان لتعلقهما تعلُّقًا متينًا بالعقائد.

ثم ذكر معنى «المكان» ، وحقيقة الفضاء، والفرق بينه وبين الهواء.

ثم ناقش رحمه الله بطريق العقل ما نُقِل من إطباق المتكلِّمين في إطلاقهم على «الفضاء» عَدَمًا يسمُّونه بُعْدًا موهومًا، وزعموا أنه شيءٌ موجود. وبيَّن فيها أن بعض ما يزعمه المتكلمون ضرورة هو من الوهميات، وما يكون وهميًا عندهم هو ضروري. وهذا هو القدر الموجود من هذه الرسالة.

* وصف النُّسخة الخطِّيَّة: هذه الرسالة لها نسخة واحدة، مكتوبة في دفتر مع ثلاث رسائل أخرى، بخط مؤلفها المعروف. وتقع في المجموع من صفحة (11) إلى صفحة (13)، في كل ورقة بضعة عشرة سطرًا. وهي من محفوظات مكتبة الحرم المكي الشريف، ضمن مؤلفات الشيخ رحمه الله، برقم (4658/ 4).

* * * *

ص: 38