الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نعم؛
كان الهلال يُرفع فوق بعض قصور الملوك قبل العثمانيين
، ففي «مسالك الأبصار» (3/ 128) ما يدل على رفعه في (القرن السادس الهجري)، ونص عبارته:
«وحدثني الفاضل شجاع الدين عبدالرحمن الخوارزمي التُّرجُمان: أنَّ مدينة السراي بناها بركة قان على نهر توران؛ وهي في أرض سبخة بغير سور، ودار الملك بها قصر عظيم على عليائه هلال من ذهب، زِنَتُه قنطاران بالمصري، ويحيط بالقصر سور به أبراج مساكن لأمرائه، وبهذا القصر مَشتَاهُم.
قال: وهذا النهر يكون قدر النيل ثلاث مرات أو أكثر، وتجري به السفن الكِبار إلى الروس والصَّقلب، وأصل هذا النهر -أيضًا- من بلاد صَقلَب.
قال: وهي -يعني: السراي- مدينة كبيرة ذات أسواق وحمامات ووجوه برٍّ، مقصودة بالأجلاب، في وسطها بركة، ماؤها من هذا النهر يستعمل ماؤها للاستعمال، وأمَّا شُربهم فمن النهر يُستقى لهم في جرار فُخَّار، وتُصفُّ على العجلات، وتُجرُّ إلى المدينة وتباع بها، وبُعْدها عن خوارزم نحو شهر ونصف، وبينها وبين السراي مدينة وحق ومدينة قطلوكنت».
فالهلال معروف قديمًا، ولاسيَّما عند الأعاجم! وشَهَرَته الدولة العثمانية، ولم يثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(1)
انظرها: في كتاب «العَلَم النبوي الشريف، وتطبيقاته القديمة والمعاصرة» (ص 49 - 54).
وقد أحسن العلامة أحمد تيمور باشا
(1)
لما كشف النِّقاب عن سِرِّ اعتقاد العامَّة في الهلال، وأنَّه شعار الإسلام؛ فقد ذكر اللِّواء الذي سمَّوه بمصر (البَيرَق
(2)
النَّبوي):
«وهو عَلَم كبير من الأعلام التي كانت بالقلعة، أخرجه السيد عمر مكرم نقيب الأشراف للعامَّة عند قيامهم لدفع الفرنسيس عن القاهرة، فسمَّوه بـ (البيرق النبوي)، والظاهر أنَّ بعض قادتهم اختلق لهم ذلك ليزيد في تحمُّسهم فاعتقدوه، وملخَّص خبر هذه الواقعة: أنَّ الفرنسيس لما قصدوا الاستيلاء على مصر سنة 1213 هـ؛ كان عليها والٍ عثماني ليس له من الأمر شيء على عادة وُلاتهم بها، وكان يحكمها كبيران من الجراكسة مشاركة؛ وهما: إبراهيم بك الكبير ومراد بك، والتصرُّف في أغلب الأمور لمراد بك، وكان أخرق رَهَقًا، من شرِّ أمرائهم وأضرِّهم بظلم الرعيَّة وأجبنهم عند اللقاء، فمن مساويه في ذلك: أنَّه خرج قبل مجيء الفرنسيس للتنزُّه في الريف -أي: الوجه البحري- فعاث فيه، وأفحش في القتل والنهب وإحراق القرى وتشتيت سكَّانها، ثم عاد إلى القاهرة ظافرًا مملوء الوِفَاض بالغنائم بعد أن غادر أكثر قراه يبابًا، فلم يلبث أن بلغه نبأ احتلال الفرنسيس للإسكندرية في المُحرَّم من تلك السنة، وشروعهم في الزَّحف على القاهرة، فخرج إليهم بجنوده من الجراكسة وغيرهم والتقى بهم جهة الرحمانية بالبحيرة، فلم تكن غير مناوشات هيِّنة؛ نكص فيها على عقبيه إلى جهة إمبابة بالشاطئ الغربي للنيل تجاه القاهرة وأخذ يتحصن بها، فلحقه الفرنسيس فلم يَقوَ على لقائهم، وانهزم هو وجنده في أقلِّ من ساعة وفرَّ إلى الصعيد، وفرَّ الوالي العثماني وإبراهيم بك إلى جهة الشام، وتشتَّت بقيَّة الأمراء وتركوا الشِّيَاه للذِّئاب، وكان أهالي القاهرة قاموا قيامًا محمودًا أبانوا فيه عن نخوَة وحميَّة وسخاء بالنفوس والأموال، وساروا إلى بولاق بالشاطئ الشرقي لمساعدة الجنود، فلمَّا وقعت الهزيمة؛ حوَّل الفرنسيس الرَّميَ إلى هذا الشاطئ فشتَّتوهم ودخلوا القاهرة يوم الثلاثاء العاشر من صفر.
وهذا نصُّ ما ذكره الجبرتي عن قيام الأهالي ومسيرهم بهذا العَلَم إلى بولاق قبل ذلك بأسبوع -أي: في يوم الثلاثاء 3 صفر سنة 1213 هـ-:
قلنا: وما زال في عوامِّ المصريين من يعتقد بأن العَلَم العثماني ذا الهلال والنجم مُتَّخذ على مثال العَلَم النبوي، ولهذا تضاعف تألُّمهم لمَّا غُيِّر في مصر بالعَلَم ذي الأهلة والأنجم الثلاثة بعد إعلان انفصالها من الدولة العثمانية إبَّان الحرب الكبرى الواقعة أواخر سنة 1332 هـ، ولعلَّ منشأ هذا الاعتقاد: ظنُّهم أنَّ شارات دولة الخلافة تُقتبس عادة من شارات نبويَّة، على أنَّهم في ذلك ليسوا بأَوغَل في الوَهم من كثير من خاصَّة المسلمين وعامَّتهم في عدِّهم الهلال رمزًا دينيًّا، له عند المسلمين ما للصليب عند النصارى، وما كان -قَطُّ- كذلك، وإنَّما حُبِّب إلى مسلمي العُصور الأخيرة وعَظُم لديهم؛ لكونه شارة للعَلَم في آخر دولة أدركوها من دولة الخلافة».
(1)
في كتابه «الآثار النبوية» (ص 100 - 102).
(2)
(البيرق) لفظ تركي، وأصله في هذه اللغة (بيراق) أو (بايراق)، ومعناه: اللواء والراية. (أحمد تيمور)