المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدمة التحقيق الحمد لله رب العالمين، "أحمدُه حمدًا كما ينبغي لكرم - الوابل الصيب - ط عطاءات العلم - المقدمة

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

‌مقدمة التحقيق

الحمد لله رب العالمين، "أحمدُه حمدًا كما ينبغي لكرم وجهه وعِزِّ جلاله، وأستعينُه استعانة من لا حول له ولا قوَّة إلَّا به، وأستهديه بِهُداهُ الذي لا يَضِلُّ مَنْ أنْعَم به عليه، وأستغفره لما أزلفتُ وأخَّرْتُ؛ استغفارَ مَنْ يُقِرُّ بعبوديَّته، ويعلم أنه لا يغفرُ ذنبَه ولا يُنْجِيهِ منه إلّا هو.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمدًا عبده ورسوله"

(1)

، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

أمّا بعدُ؛ فهذه رسالةٌ جليلةُ القَدْرِ، نبيلةُ المقْصِد، صادقةُ اللَّهجة، مُشرِقةُ المعاني، بَعَثَ بها عالمٌ ربانيٌّ إلى بعضِ إخوانِه، ليُحدِّثهم فيها -حديثَ الناصحِ الوَجِل، والمُشْفِق الحَدِب- عن ذكر الله تعالى، وما يحصُلُ به مِنْ حياةِ القلوب، وشفاءِ الصدور، ومتاعِ الأرواح، وبهجةِ الأنفس، وقُرَّةِ العَيْن، ونعيمِ الدنيا.

ولِيَقُصَّ عليهم في سُطورها منزلةَ هذه العبادة العظيمة، ورفيعَ مقامها، وجليلَ مكانِها، ووافِر هِباتِها وعوائِدها على أهلها.

وليُبَصِّرهم في أثنائها موضعَ هذه الشَّعيرة من هذا الدين، وأنها مِنْهُ بالمحلِّ الأسنى، والمقامِ الأسمى، والدَّرجةِ العاليةِ الرفيعة.

ولِيَتْلُوَ عليهمِ من كتاب ربِّهم، وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم بعض ما ورد بفضلها، ونَطَقَ بِشَرَفِها.

(1)

"الرسالة" للشافعي (8).

ص: 5

وَلِيُعَلِّمهم هَدْيَ نبيِّهم وقُدْوَتِهم صلى الله عليه وسلم فيها، قولًا وعملًا؛ لِيأتوا البيوتَ من أبوابِها، ويقصِدوا رضوان الله تعالى من سبيلِه الذي اختار لهم، ويَبْلُغوا مُراد الشريعة على جادَّةٍ مأمونةٍ. ومَنْ سَلك الجَدَد أمِن العِثار.

وتلك -لَعمر الله- غايةٌ جليلة، وما يوفَّق للدعوة إليها، والدلالة عليها، إلَّا موفَّقٌ ذو حظٍّ عظيم. ولمثلها سعى المصلحون، وتسابقَ أهلُ الحديث والسُّنة في التصنيف في أبواب الذكر والدعاء.

فها هو الإمام أبو القاسم الطبراني (ت: 360) يستفتح كتابه "الدعاء" بقوله: "هذا كتابٌ ألَّفْتُه جامعًا لأدعية رسول الله صلى الله عليه وسلم، حَداني على ذلك أني رأيتُ كثيرًا من الناس قد تمسَّكوا بأدعيةٍ سَجْعٍ، وأدعية وُضِعَتْ على عدد الأيام، ممَّا ألَّفها الورَّاقون، لا تُرْوَى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحدٍ من أصحابه، ولا عن أحدٍ من التابعين بإحسان، مع ما رُوِيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكراهية للسَّجْعِ في الدعاء، والتعدِّي فيه،. . ."

(1)

.

(1)

"الدعاء"(2/ 785).

وانظر للاقتصار على الوارد من الأدعية والأوراد النبويَّة:

"شأن الدعاء" للخطابي (16)، و"أحكام القرآن" لابن العربي (2/ 816)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (4/ 149)، و (7/ 144)، و"قواعد الأحكام" للعز بن عبد السلام (2/ 333)، و"تلخيص كتاب الاستغاثة لشيخ الإسلام ابن تيمية" لابن كثير (1/ 133، 170)، و"التوسل والوسيلة"(1/ 346 - مجموع الفتاوى) و"الفتوحات الربانية"(1/ 17)، و"الدعاء ومنزلته من العقيدة الإسلامية" لجيلان العروسي (2/ 569 - 590).

ص: 6

وما زال الأئمة يُوصُون طُلاب الحديث بكتابة أبواب فضائل الأعمال والأذكار، ويحثُّونهم على العناية بِهذا الباب من العلم وتحصيله، كما يُوصُونهم بِبَثِّه ونشره.

قال عمرو بن قيس الملائي (ت: 164) -حاضًّا وناصحًا-:

"وَجَدْنا أنفع الحديث لنا ما ينفعنا في أمر آخرتنا؛ مَنْ قال كذا فله كذا"

(1)

.

وقال الخطيب البغدادي (ت: 463):

"ويستَحبُّ أيضًا إملاءُ أحاديث الترغيب في فضائل الأعمال، وما يَحُثُّ على القراءة وغيرها من الأذكار"

(2)

.

وقال الذهبي (ت: 748):

"والعلمُ الذي في فضائل الأعمال مِمّا يصحُّ إسنادُه؛ يتعيَّن نقلُه، ويتأكَّدُ نشرُه، وينبغي للأمَّةِ نقلُه"

(3)

.

ورحلةُ الإمام المتقِن شعبةِ بن الحجاج رحمه الله تعالى في طلب حديث فضلِ الذكر بعد الوضوء؛ شَاهدٌ ناطقٌ، وصورةٌ صادقةٌ لهذه

(1)

أخرجه العجلي في "معرفة الثقات"(2/ 183 - ترتيبه)، ورواه من طريقه جماعة.

(2)

"الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع"(2/ 151). وانظر: "أدب الإملاء والاستملاء" للسمعاني (1/ 313).

(3)

"سير أعلام النبلاء"(10/ 604). وانظر: (3/ 84 - 86).

ص: 7

العناية

(1)

.

وبعدُ؛ فقد نُشِرَتْ هذه الرسالة مِنْ قبلُ مرات، فأحيا اللهُ بها قلوبًا جَدْبًا، وأنْعَشَ بها أنفسًا مريضةً، وبصَّر بها أَعْيُنًا أظْلَمَتْها ظلماتُ المعصية، وأرَّقَتْها حسرات الذنوب.

وها هي اليوم تُنْشَر إلى الناس مرة أخرى -مُعْتَنًى بها على ما وَسِعَه الجهد-؛ عَلَّها تَنْشُر مَوَاتَ أفئدةٍ أخرى ران عليها الهوى، وأسكرَتْها الشهوة، واستعَبَدَتْها لُعاعَةٌ مِنْ دنيا زائلة.

(1)

انظرها في: "المحدث الفاصل" للرامهرمزي (313 - 315)، و"الرحلة في طلب الحديث" للخطيب (148 - 153).

ص: 8

‌دراسةُ الكتابِ والتعريفُ به

وتشتمل على:

* اسم الكتاب.

* إثبات نسبته إلى المصنف.

* تاريخ تصنيفه.

* الثناء عليه.

* موضوعه ومنهج المصنف فيه.

* طبعاته.

* الأصول الخطية المعتمدة.

* عملي في الكتاب.

ص: 9

‌اسمُ الكتاب

لم يُشِر المصنِّف رحمه الله تعالى إلى تسمية كتابه هذا في فاتحته، أو خاتمته، أو أثنائه، ولا تعرَّض لذلك بشيء.

إلّا أنَّ تلميذه "علي بن محمد بن علي بن حميد الحنبلي البعلي"

(1)

قال في المقدّمة القصيرة التي صَدَّر بها نسخته (ووصلتنا بخطّه): "هذه رسالة كتبها شيخنا. . . وسمّاها "الكلم الطيب والعمل الصالح"، وهي كما سمّاها".

فهل كان المصنِّفُ قد كتب هذا الاسم على ظهر نسخته، وعنها نَقَل تلميذُه، أمْ أخذه التلميذُ سماعًا منه أو من أحد أصحابه، أمْ نقله من كتابٍ آخر من كتبه؟ كلُّ ذلك محتمل.

غير أنَّ المصنِّف سمّى كتابه في موضعَيْن اثنَيْن من كتبه اسمَيْن مختلفَيْن. فقال في "طريق الهجرتين وباب السعادتين"(76):

"وقد ذكرنا في كتابِ "الكلم الطيب والعمل الصالح" من فوائد الذكر. . .".

وهذا الاسمُ هو الواردُ على ظهور النُّسخ الثلاث (ت) و (م) و (ق)، وبه ذكره مُترجِموا المصنِّف: تلميذُه ابنُ رجب في "ذيل طبقات الحنابلة"(2/ 450)، وعنه ابن العماد في "شذرات الذهب"(8/ 290)، والداووديُّ في "طبقات المفسّرين"(2/ 96)، وبه سمّاه

(1)

لم أقف له على ترجمة.

ص: 11

السّفارينيُّ في "نتائج الأفكار في شرح حديث سيد الاستغفار"(146)، و"غذاء الألباب"(1/ 64، 114، 409) و (2/ 211، 277، 369، وغيرها)، وبه ذكره البغداديُّ في "هدية العارفين"(2/ 158) في موضعٍ.

وسمّاه المصنِّفُ في "مدارج السالكين"(2/ 448) اسمًا آخر، فقال:"وقد ذكرنا في الذكر نحو مائة فائدة في كتابنا "الوابل الصيّب ورافع الكلم الطيّب"، وذكرنا هناك. . .".

وبهذا ذكره حاجي خليفة في "كشف الظنون"(2/ 1994)

(1)

.

ووهِم البغدادي حين سمّاهُ "الوابل الصيّب والكلم الطيّب" في

(1)

ذكر الشيخ العلامة بكر أبو زيد في كتابه "ابن القيم حياته وآثاره"(294) أنَّ حاجي خليفة وهِم حين عدَّ "الكلم الطيّب" و"الوابل الصيّب" كتابين لابن القيم، وأحال على "كشف الظنون"(2/ 1508، 1994).

وقد ذكر حاجي خليفة في الموضع الأول كتاب "الكلم الطيّب" لابن تيمية، وذكر أن ابن القيّم ممّن شرحه (ونقل بداية كتابه، وهي بدايةُ كتابنا هذا)، لكنّه لم يُفْصِحْ عن اسم هذا الشرح (وتوقَّعَ أحمد عبيد أن يكون هو المذكور باسم "عقد محكم الإخاء. . ."، وليس الأمر كذلك؛ فإن المقدمة التي أوردها حاجي خليفة هي مقدمة كتابنا هذا)، بينما ذَكَر "الوابل الصيّب" في الموضع الثاني خِلْوًا من أيّ تعليق.

فالذي يظهر أن وهم حاجي خليفة هو في اعتباره كتابنا هذا شرحًا لكتاب "الكلم الطيب" لشيخ الإسلام. وفي تصرُّفه ما يوهم أنه يعتبر هذا الشرح و"الوابل الصيب" كتابين مختلفين، -وعليه بنى البغداديُّ في "هدية العارفين"-، لكنه لم يسمِّ الشرح بِـ"الكلم الطيب". والله أعلم.

ص: 12

"هدية العارفين"(2/ 159)، وعَدَّه بذلك كتابًا آخر؛ فأخطأ في موضعين: في اسم الكتاب، وفي اعتباره كتابًا آخر غيرَ "الكلم الطيّب والعمل الصالح" الذي كان قد ذكره من قبل.

وتابعه على عدِّهما كتابين مختلفين الشيخ محمد حامد الفقي في مقدمته لِـ"إغاثة اللهفان"(1/ 26)

(1)

.

ولا ريب في كونهما اسمَيْن لكتاب واحد؛ فإنّ وصف المصنِّف لهما في الموضعَيْن المتقدمَيْن (المختلفَيْن في التسمية) متفقٌ تمامًا.

وقد استظهر كونهما كتابًا واحدًا الأستاذ أحمد عبيد في مقدمته لـ"روضة المحبِّين"(ث)، وأيّده العلّامة بكر أبو زيد في كتابه "ابن القيّم"(293 - 294)، مع كونهما لم يذكرا النصَّ الذي نقلتُه من "مدارج السالكين"، وهو قاطعٌ في المسألة.

بقي أنه ذُكِر لابن القيّم كتابٌ بعنوان "عقد محكم الإخاء

(2)

بين الكلم الطيب والعمل الصالح المرفوع إلى السماء".

فهل هو كتابٌ مستقلٌّ، أم هو اسمٌ آخر لكتابنا هذا؟

تقدَّم توقُّعُ أحمد عبيد أن يكون هو الكتاب الذي ذكر حاجي خليفة أن ابن القيّم شرح به "الكلم الطيّب" لشيخه، ولم يُسمِّه (حاجي

(1)

نَقَل الشّيخُ الفقي ذلك عن مقدمة الأستاذ أحمد عبيد لـ"روضة المُحِبِّين"، إلّا أنه أعرض عن إشارته إلى احتمال كونهما كتابًا واحدًا.

(2)

وردت هذه الكلمة في بعض المصادر: "الأحباء"، وفي بعضها:"الاحقاء"، ولعلّ الصواب ما أثبتّ.

ص: 13

خليفة)، كما تقدّم ردُّ ذلك وبيانُ ضعفه.

واحتمالُ كونه اسمًا آخر للكتابِ، تصرَّفَ فيه بعض النُّسَّاخ المُغْرَمين بالأسجاع = واردٌ جدًّا

(1)

.

والخلاصة .. أنّ للكتاب اسمين اثنين ذكرهما المصنِّف:

"الكلم الطيب والعمل الصالح"، وهذا هو الوارد في كُتبِ التراجم وظُهور أكثر النُّسَخ.

و"الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب"، وهو المشتهر الدائر على الألسنة، والذي لا يكاد يُذكر غيرُه عند أبناء العصر؛ بسبب نشر الكتاب به، وإن كان أغلبُ ناشريه قد غيّر في هذا الاسم قليلًا، فطُبع مرارًا بعنوان "الوابل الصيب من الكلم الطيب"، وكذلك هو في مقدمة أحمد عبيد لِـ"الروضة"، وتابعه الفقي في مقدمته لِـ"الإغاثة".

وورد في "كشف الظنون" بلفظ "الوابل الصيّب في الكلم الطيب"، وهو المثبت على ظهر النسخة (ح)، وفي "هدية العارفين":"الوابل الصيّب والكلم الطيب"، وكلُّ ذلك تصرُّفٌ، والله أعلم.

ويُشْبِهُ أن يكون هذا الاسم هو الاسمُ العَلَمِيُّ للكتاب، ويكون الاسم الآخر اختصارًا له من المصنّف ومترجميه بما يدلُّ على موضوعه، ولذلك نظائر كثيرة

(2)

.

(1)

وقد يُقَوِّيه أنَّا لم نَر من نقل منه، أو عزى إليه.

(2)

انظر: "ابن قيم الجوزية" للشيخ بكر (185).

ص: 14

ويرشِّحُه: ما عُرِف به ابن القيِّم من التفنُّن في صياغة أسماء مصنفاته، واحتفاله بالسجع فيها، ومن المستبعد أن يسمِّي كتابه باسم كتاب شيخه ابن تيمية، فيفتح بذلك للإيهام بابًا، وما الذي يلجئه إليه ويضيِّق عليه سبيل الاختيار؟!

ولذا آثرتُ إثبات هذا الاسم على لوحة الكتاب، مع هذه الإشارة هنا إلى الاسم الآخر.

ص: 15

‌إثباتُ نِسْبةِ الكتابِ إلى المصنِّف

لا ريب في صحة نسبة هذا الكتاب إلى الإمام ابن القيّم رحمه الله تعالى، ودلائل ذلك كثيرة متوافرة، منها:

1 -

ذِكرُ المصنِّف له في بعض كتبه، مُشِيدًا به، مُبَيِّنًا لموضوعه.

قال في "طريق الهجرتين"(76):

"وقد ذكرنا في كتاب "الكلم الطيّب والعمل الصالح" من فوائد الذكر: استجلاب ذكر الله سبحانه لعبده، وذكرنا قريبًا من مائة فائدة

(1)

تتعلّق بالذكر، كلُّ فائدةٍ منها لا نظيرَ لها، وهو كتاب عظيم النفع جدًّا".

وقال في "مدارج السالكين"(2/ 448):

"وقد ذكرنا في الذكر نحو مائة فائدة في كتابنا "الوابل الصيّب ورافع الكلم الطيّب"، وذكرنا هناك أسرار الذكر، وعظم نفعه،. . .".

2 -

نَقْلُ العلماء عنه، واستفادتهم منه.

فَمِمَّنْ نقل عنه فأكثرَ: السفارينيُّ في كتابيه: "نتائج الأفكار في

(1)

كذا قال المصنِّف هنا، وفي "المدارج".

وقال في الكتاب (ص: 94): "وفي الذكر نحوٌ من مائة فائدة"، ثم ساق اثنتين وسبعين فائدة، وذكر بعد ذلك (ص: 225) فائدة أخرى.

فلعله ذكر "المائة" تغليبًا، وجَبْرًا لِلكسر، أو لعلّها كذلك في نفس الأمر عنده، وإنّما ذكر أهمّها وأجلاها.

ص: 16

شرح حديث سيد الاستغفار": (146 - 151، 156 - 158، 172 - 181، 184، 341 - 344، 379 - 381)، و"غذاء الألباب" (1/ 64، 114، 409) و (2/ 210 - 211، 277، 369، 378، 470، 488 - 489، 492، 576 - 577)، صرَّح باسمه والنقلِ عنه في مواضع، وأغفل ذلك في أخرى

(1)

.

ونقل المرداويُّ في "الإنصاف"(1/ 138)، وعنه جماعة من فقهاء الحنابلة، عن ابن القيِّم نصًّا من كتابنا هذا، ولم يسمِّه.

3 -

ذِكْرُ عامّة مُترجمي المصنِّف له ضِمْنَ سياق تصانيفه.

وقد تقدّم ذكرُ بعضهم عند البحثِ في اسم الكتاب.

4 -

وُرودُ نِسْبَته إلى المصنِّف على ظهور الأُصول الخطِّية المعتَمَدة.

5 -

نَفَسُ الإمام ابن القيِّم ظاهر في الكتاب غايةَ الظُّهور، وطريقَتُه في صياغةِ أفكاره، وأسلوبُه المُميَّزُ في تحرير مسائلِ العلم، وعباراتُه وألفاظُه التي يكثُر دورانُهَا في إنشائِه = لا تُخَطِئُها -في هذا الكتاب- عينٌ أَلِفَتْ النّظر في تصانيفه.

6 -

اتّفاقُ كثيرٍ من الأفكار، والاختيارات، والنُّقولِ (الخاصّة منها،

(1)

ووهم وهمًا غريبًا في مقدمة "غذاء الألباب"(1/ 12) وهو يسمِّي موارده فيه، إذْ سمَّى كتاب ابن تيمية:"الوابل الصيب في الكلم الطيب"، وكتاب ابن القيِّم:"الكلم الطيب والعمل الصالح"!، ولم أره نقل في كتابه عن كتاب ابن تيمية شيئًا.

ص: 17

كالنَّقْلِ عن شيخ الإسلام ابن تيمية) في الكتاب مع ما هو موجودٌ في كتب ابن القيم، وقد أشرتُ إلى بعضِ ذلك في تعليقاتي.

ص: 18

‌تاريخُ تصنيفِ الكتاب

ليس بين أيدينا نصٌّ يهدي إلى معرفةِ تاريخ كتابةِ المصنّف لهذا التأليف على وجه اليقين، أو إلى الوقوف على ترتيبه الزَّمني بين كتُبه؛ إلّا ما ورد منْ ذِكْره له في كتابيه:"طريق الهجرتين"، و"مدارج السالكين"، ووصفِه له فيهما، وإشادته به، ممّا يُبيِّنُ أسْبقيَّته في التأليف عليهما.

وثَمَّةَ ملاحظةٌ قد تُعين -إن ثبتت- على تقريب العلم بزمن تأليف الكتاب، وتُساعِدُ على تحديده. وهي أنّ ابن القيّم نَقل عن شيخِه المزِّيِّ أبي الحجّاج في مواضع عديدةٍ من كتبه

(1)

، كما نَقل عنه في هذا الكتاب، إلّا أنّ نقله عنه هنا ورد بصيغة ذاتِ دلالةٍ خاصَّة، إذْ قال:"وقال شيخنا أبو الحجاج المِزِّيّ رحمه الله: إسناده على شرط البخاري"

(2)

.

فإذا ثبت هذا، وعَلِمْنا أنَّ وفاة المزِّيِّ كانت سنة 742، ووفاة ابن القيّم كانت سنة 751؛ خرجنا من ذلك بأنَّ تأليف الكتاب كان في هذه السنوات التسع ما بين هذَيْن التاريخَيْن.

لكنَّ ممّا يُضْعِفُ هذه القرينة تفرُّدُ النّسخة (م) بهذا النَّقلِ دون باقي النسخ، واحتمالُ إلحاقِ المصنف له بعد حينٍ من تأليفه، وكذا احتمالُ

(1)

انظر: "ابن القيّم، حياته، آثاره، موارده" للشيخ بكر أبو زيد (177).

(2)

انظر: الكتاب (ص: 286).

ص: 19

تصرُّفِ الناسخ في صيغة الدّعاء؛ فيبقى الأمر على الاحتمال، والله أعلم.

ص: 20

‌الثناء على الكتاب

قال يوسف بن الحسين بن زبارة (ت: 1179)

(1)

:

إنْ رُمْتَ تجني ثمرات الغِنى

فاعكُفْ لِدَرْسِ "الكلم الطَّيِّبِ"

فهو كتابٌ لم يَزَل فضلُه

أشهرُ من فضلِ "أبي الطيِّبِ"

(2)

وقال أحمد بن محمد بن إسحاق (ت: 1190)

(3)

:

إنْ رُمْتَ رَفْعَ العمل الصالح

فاقْطِفْ زهور "الكلم الطَّيِّب"

وارْشُفْ بِثَغْرِ الفِكْرِ مِنْ لفظه

رحيق معنًى رائقٍ أطْيَبِ

ودَعْ "قفا نَبْكِ" و"قالوا غدًا

نأتي إلى الشِّعْبِ حِمى الأشنب"

(4)

وقال صديق حسن خان -بعد أن ذكر طائفة من تصانيف ابن القيِّم، ومنها هذا الكتاب-: "وظنِّي أنَّ من كان عنده تصنيفٌ من تصانيف هذا الحبر العظيم الشأن، الرفيع المكان، أو تصنيف شيخه. . . = لكفى لسعادة دنياه وآخرته، ولم يحتج بعد ذلك إلى

(1)

كان من أكابر علماء عصره. ترجمته في "نشر العرف"(3/ 383 - 390)، و"ملحق البدر الطالع"(238) لمحمد بن محمد زبارة.

(2)

مِنْ ظهر نسختي مكتبة الأوقاف بالجامع الكبير بصنعاء، رقم (473)، و (506).

(3)

من أكابر العلماء المحققين. كذا نعته الشوكاني في "البدر الطالع"(1/ 97 - 98)، وانظر:"نشر العرف"(1/ 237 - 248).

(4)

مِنْ ظهر النسختين السابق ذكرهما.

ص: 21

تصنيف أحد من المتقدمين والمتأخرين في درك الحقائق الإيمانية إن شاء الله تعالى"

(1)

.

والعباراتُ المذكورة في إطراء تصانيف ابن القيِّم، وتنَوُّقِه فيها، وتجويده لها، وقبول جميع الطوائف وانتفاعهم بها؛ كلُّها تصدقُ على هذا التأليف.

وقد تقدم نقل عبارات المصنِّف في الثناء على كتابه هذا بما يغني عن إعادته هنا.

(1)

"أبجد العلوم"(3/ 143).

ص: 22

‌موضوعُ الكتاب ومنهجُ المصنِّف

* موضوع الكتاب: رسالةٌ بعث بها ابنُ القيِّم إلى بعض إخوانِه، كما يقول تلميذه "علي بن محمد بن علي بن حميد الحنبلي البعلي" في صدر نسخته التي وصلتنا بخطه، وهي فائدة لم تذكر -فيما رأيت- في شيء من المصادر المعتنية بالإمام وتصانيفه.

وقطبُ رحى الرسالة، وإنسانُ عينها، كما يشيرُ إليه العنوانُ الذي اختاره المصنِّفُ لها = يدور على بيان فضل ذكر الله عز وجل، وعظيمِ أثره وفائدته، وجليل مكانته ومنزلته، ورفيع مقامِه ودرجتِه، وجزيلِ الثواب المُعَدِّ لأهله، المُتَّصِفين به، في الآخرة والأولى.

وقد سلك المصنِّف لعرض هذا الموضوع مسلكًا -في التأليف- بديعًا غير مألوف، وانتهج له فيه سبيلًا غير مطروقةٍ، وأخذ بيدِ قارئه، فمازال به يُمهِّد له القول، ويبعثُ فيه الشّوق، وهو يَجُوزُ به الطريق منزلةً منزلةً = حتى وقع به عليه، دون أن تَلْحَقه وحشةٌ، أو يعتريه ملال.

ذلك أنه لم يَصْمُد إليه صَمْدًا، ولا قصده بالقول من أوّل الأمر، وإنما جعله ضمن شرحه لحديث الحارث الأشعريِّ الطويل:"إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات. . ." الحديث، فجاء في موضعه منه غايةً في الانسجام ولُطفِ التدبير.

افتتح المصنّفُ الكتابَ بمقدّمة لطيفةٍ ذكر فيها الطِّباق التي لا يزالُ العبدُ يتقلَّبُ فيها دهرَه كلَّه، وأشار إلى حظِّ الشيطان منه، ومداخله إليه، ثمَّ ابتدأ فصلًا نافعًا عن استقامة القلبِ، وبيَّن أنها تكون بشيئين،

ص: 23

وأفاض في شرح الثاني منهما، وهو: تعظيم الأمر والنهي؛ بذكر منزلته، وعلامات تعظيم الأوامر والنواهي، مُضَمِّنًا ذلك أبحاثًا وتحقيقاتٍ جليلة.

ثم ابتدأ شرح الحديث الذي أقام الرسالة عليه

(1)

، وأدار مباحثها حوله، (حديث الحارث الأشعريّ المتقدم)، فشرح الأوامر الأربعة الأولى الواردة فيه -مع أمثالها (جمع مِثال ومَثَل) - أمرًا أمرًا: التوحيد، ثم الصلاة، ثم الصيام، ثم الصدقة.

وهو في خلال ذلك يستطردُ إلى فوائد ولطائف يَنْجَرُّ إليها البحثُ، وتستدعيها مناسبةُ المقام، على طريقته المعهودة في هذه الصناعة، صناعةِ التأليف.

ثم تَخلَّص بعد ذلك

(2)

إلى الحديث عن الأمر الخامس الأخير:

(1)

قال المصنف (ص: 205): " .. فهذا مطابقٌ لحديث الحارث الأشعريِّ الذي شرحناه في هذه الرسالة".

(2)

هذا التخلُّصُ هو المسلك البديع الذي أشرنا إلى سلوك المصنِّف له في هذا الكتاب، وهو من محاسنِ البلاغة في النَّظْم، وضُروبِ التَّفَنُّنِ في الإنشاء. وقد استخدمه المصنفُ هنا في صناعة التأليف. وهو شيءٌ طريف.

قال ضياء الدين بن الأثير (ت: 637) في "المثل السائر"(1/ 121) و"الجامع الكبير في صناعة المنظوم من الكلام والمنثور"(181): "فأمّا التخلُّص فهو أن يأخذ مؤلِّف الكلام في معنى من المعاني، فبينا هو فيه إذْ أَخَذ معنًى آخر غيره، وجَعَل الأول سببًا إليه، فيكون بعضُه آخذًا برقاب بعضٍ، من غير أنْ يَقْطَع المؤلف كلامه ويستأنف كلامًا آخر، بل يكونُ جميع كلامه كأنما أُفْرِغ إفراغًا" وصنيعُ المصنِّفِ ليس مطابقًا لهذا، ولكنه منهُ بسببٍ.

ص: 24

(الذِّكر)، وهو المقصود بهذا التصنيف، فافتتح القول فيه بذكر طائفة طيِّبة من النصوص الواردة في فضله وشرفه، ثم شرع في سرد فوائده، فذكر ثلاثًا وسبعين فائدة

(1)

، ثم عقَّب ذلك بفصولٍ نافعةٍ ثلاثة، تتعلَّقُ بالذكر تقسيمًا وتقعيدًا، وجعل الفصل الرابع في الأذكار المُوظَّفة التي لا ينبغي للعبد أن يُخِلَّ بها، وكسَّره على خمسةٍ وسبعين فصلًا، تشتمل على الأذكار التي يحتاجها العبدُ في سائر أحواله، ثم ختم كتابه بحمد الله عز وجل، والصلاة على نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم كما عرَّف بالله تعالى ودعا إليه.

وهكذا مضى المصنِّفُ في كتابه على سَنَنٍ بَيِّنٍ، وسبيلٍ واضحةٍ لا أَمْتَ فيها ولا اعوجاج.

ولعلَّ من لم يُمْعِن النظر في الكتاب كُلِّه، ولا أحاط بأطرافِ مباحثه، ولا أَلَمَّ بمعاقد القول فيه؛ أنْ يَصِفَه بعدم الترتيب، واختلالِ النَّظْم؛ فِعْلَ ضَعَفَةِ القُرَّاءِ مِنْ متعالمي العَصْر.

وهو كما ترى .. وُضوحَ طريقةٍ، واستقامةَ منهج.

ولمّا كان عُظْمُ الكتاب وعمودُه، ومقصودُه الأجَلّ، ومرادُه الأهمّ؛ الحديثَ عن الذكر، بيانًا لفضله، وإيضاحًا لفوائده، وبسطًا وتعدادًا لمواضِعه وأزمنته = ناسبَ أن يسمِّي المصنِّفُ كتابه بما يوافق هذا المقصود.

(1)

ثم ذكر بعد ذلك فائدة أخرى (ص: 225).

ص: 25

* أمّا ما يتعلَّق بمنهج المصنِّف في الكتاب، فإنّ المُتَمعِّنَ فيه يلحظ أمورًا، منها:

1 -

أنّ المصنِّف فيما يتعلَّق بالفصل الرابع الذي عقده لبيان الأذكار المُوَظَّفةِ (وهو ما يمثِّل الثلث الأخير من الكتاب تقريبًا) قد استفاد من كتاب شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "الكلم الطيب" استفادةً عظيمة، واتخذه -فيما يظهر- أصلًا لفصله هذا

(1)

، وشواهدُ ذلك من الكتابَيْن حاضرةٌ بيِّنةٌ، ومَنْ قارن بين أيِّ فصلين مِنْ فصولهما لم يتردَّدْ في هذا، ولم يَحْتَجْ إلى عناء تكلُّف إقامة الاستدلال عليه.

فالنصوصُ الواردة في مُعْظَم فصول الكتابين واحدة، وترتيبُها داخل الفُصولِ مُتَّحِدٌ في الغالب، وطريقةُ سياق رواياتها مُتَّفِقةٌ كذلك، وعباراتُ شيخ الإسلام المبثوثةِ في كتابه هي في نفسِ مواضعها من هذا الكتاب.

إلّا أنّ كتاب المصنِّف -مع ذلك كلِّه- ليس نُسْخةً من كتاب شيخه -في هذا القِسْمِ، قِسْمِ الأذكار- كما قد يَظنُّ مُتَعجِّلٌ، بل لابن القيِّم فيه من الإضافات والتَّهذيب والتَّحرير ما هو خليقٌ بشخصيَّته العِلميَّة المُجَدِّدة.

فمِنْ عَمَلِ ابن القيِّم: أنه أضاف إلى كتابه فصولًا كثيرة ليست في

(1)

كما اتخذ شيخُ الإسلام كتابَ "الأذكار" للنوويِّ أصلًا لكتابه.

وانظر: مقدمة الشيخ الألباني لِـ"الكلم الطيب"(51).

ص: 26

كتاب شيخه

(1)

، كما أضاف أحاديث

(2)

، ونثر فوائد

(3)

، ومسائل

(4)

، في مواضع متفرّقة من الكتاب.

ومِنْ جهةٍ أخرى، فلم يُبْقِ على كُلِّ ما حواه كتابُ شيخه، ولا تابعه على جميع ما أورده، بل حذف فصولًا برُمَّتها، لعدم صحة أحاديثها

(5)

، أو لكونها ليست مِنْ غرضه في هذا القِسْم

(6)

، كما حذف أحاديث أشار ابنُ تيمية إلى ضعفها بتصديرها بصيغة التمريض

(7)

، وأخرى غيرُ ذاك المقام أليقُ بها

(8)

.

وحرَّر بعضَ ما يحتاج إلى تحريرٍ، كالفصلِ بين فُصولٍ وَرَدَتْ متَّصلةً في كتاب شيخه

(9)

.

(1)

انظر: الكتاب (287 - 292، 299، 333، 376 - 379، 380 - 381، 382 - 384، 385 - 386، 387 - 388، 389 - 390، 391، 392 - 393، 394، 397، 398، 399، 400، 403 - 420).

وعدد فصول كتاب شيخ الإسلام: اثنان وستون فصلًا، بينما عدد فصول هذا القسم من كتاب المصنف خمسة وسبعون فصلًا.

(2)

انظر: الكتاب (261، 269، 285، 312).

(3)

انظر: الكتاب (268 - 269، 285، 401 - 402).

(4)

انظر: الكتاب (389 - 390).

(5)

انظر: "الكلم الطيب" لشيخ الإسلام (146، 171 - 172).

(6)

انظر: "الكلم الطيب" لشيخ الإسلام (87 - 89).

(7)

انظر: "الكلم الطيب" لشيخ الإسلام (92)، وكتابنا (264).

(8)

انظر: "الكلم الطيب" لشيخ الإسلام (94، 122)، وكتابنا (265، 303).

(9)

انظر: "الكلم الطيب" لشيخ الإسلام (110، 137 - 138)، وكتابنا (283، 320، 321).

ص: 27

وتصرَّفَ في ترتيب الفُصولِ، وأعاد صياغة عناوينها، فكتبها بقلمه وإنشائه، كما تصرَّفَ في طريقة العَزْوِ إلى مُخرجي الحديث بالتقديم والتأخير، ونحو ذلك.

ومن البدهيِّ أنَّ مثل هذا العمل لا يُعَدُّ شرحًا بحالٍ، وإن كان إلى التهذيب ما هو، وقد تقدَّمت الإشارة إلى وهم حاجي خليفة حين ظنّ كتاب ابن القيِّم هذا شرحًا لكتاب شيخه ابن تيمية.

قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله:

"غير أن في إطلاقه (يعني: حاجي خليفة) اسم الشرح على كتاب ابن القيّم نظرًا كبيرًا، بل لا يصحُّ ذلك عندي؛ لأمرين:

الأول: أنه ليس شرحًا بالمعنى المتبادر من هذا اللفظ "الشرح".

والآخر: أنه كتاب مستقلّ، غير أنه ضمَّنه جُلَّ فصول كتاب شيخه هذا. . ."

(1)

.

ومن الأمور الملاحَظَة في منهج المصنِّف في الكتاب:

2 -

أن المصنف رحمه الله تعالى أورد في كتابه أحاديث ضعافًا في بعض الأحيان، كما أورد في أحيانٍ أخرى بضعة أحاديث شديدة الضعف، أشار إلى ضعف بعضها وأعرض عن بعض، على طريقة أهل الحديث في التساهل في مرويَّات الرِّقاق وفضائل الأعمال

(2)

.

(1)

مقدمة "الكلم الطيب"(56).

(2)

وعباراتهم الدالَّة على هذا المعنى، وتطبيقاتهم في الباب كثيرةٌ منتشرة.

انظر: "العلل" لأحمد (1/ 195 - رواية عبد الله)، و"التاريخ" ليحيى بن =

ص: 28

وأحاديثُ الأدعية والأذكار من أبواب الفضائل في الجملة، ولذا جرى التسامح فيها

(1)

.

وتحريرُ طريقة الأئمة ومرادِهم بالتساهل في هذه الأبواب ينضبط بأمرين:

1 -

أن لا يشتدَّ ضعفُ الحديث

(2)

.

2 -

أن يندرج تحت أصلٍ شرعيٍّ صحيح، فلا يكون فيه إثباتٌ لحكمٍ لم يَرِدْ في النصوص الثابتة

(3)

.

= معين (3/ 60، 247 - رواية الدُّوري)، و"الكامل" لابن عدي (1/ 366)، و (7/ 52)، و"تاريخ بغداد"(7/ 89)، و (13/ 460)، و"الكفاية"(133 - 135) و"الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع"(1/ 122 - 123)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (3/ 1402)، و"التمهيد" له (6/ 39)، و (8/ 142)، و (16/ 154)، و"سير أعلام النبلاء"(6/ 184)، و (8/ 520)، و"تهذيب الكمال"(28/ 105)، و"شرح علل الترمذي" لابن رجب (1/ 72 - 74).

(1)

انظر: "علل ابن أبي حاتم"(1/ 17)، و"صحيح ابن خزيمة"(4/ 264)، و"المستدرك" للحاكم (1/ 490، 500)، و"شعب الإيمان"(5/ 45 - 47)، و"دلائل النبوة" للبيهقي (1/ 34)، و"عارضة الأحوذي"(10/ 205).

(2)

نصَّ عليه البيهقي والذهبي، وحُكِي إجماعًا.

انظر: "دلائل النبوة"(1/ 34)، و"سير أعلام النبلاء"(8/ 520)، و"تذكرة الحفاظ"(1/ 13)، و"القول البديع" للسخاوي (472 - 473).

(3)

نصَّ عليه شيخ الإسلام ابن تيمية، والشاطبي، والمعلمي، وغيرهم.

انظر: "مجموع الفتاوى"(10/ 408 - 409)، و (18/ 65 - 66)، (20/ 261)، و"التوسل والوسيلة"(1/ 250، 251 - الفتاوى)، و"الاعتصام" =

ص: 29

وليس في عباراتهم ما يقتضي تجويزهم -بَلْهَ استحبابهم- للعمل بخبرٍ لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما لم يأتِ ما يشهد له من الشرع. وعبارةُ بعضهم صريحةٌ في أن مَوْرِد التساهل إنما هو فيما لا يضع حكمًا ولا يرفعه، أو فيما لا يتعلَّق به حكم، ونحو ذلك.

أمَّا الأحاديث الضعيفة في أبواب الأدعية والأذكار، فإن الداعي أو الذاكر إذا قصد التعبُّدَ بأعيانِ ألفاظها، في ذلك الزمان الخاصّ، بتلك الكيفية الخاصة؛ فسبيل هذا سبيلُ الأحكام الشرعية التي لا تؤخَذُ إلّا مِنْ صِحاح الآثار ومستقيم الروايات، أمّا إن لم يقصد ذلك، وإنّما اختارها لإيجازها وبُعْدِها عن التكلُّفِ ونحو ذلك؛ فالأمر واسعٌ إن شاء الله، وعلى مثله تُحمَل عبارات الأئمة: أبي زرعة وابن خزيمة والحاكم والبيهقي المُشار إليها آنفًا، والله أعلم.

وقال العلّامة المعلّمي: ". . . صيغةُ الدعاء المرويَّةِ بسندٍ ضعيفٍ يكثرُ الانتفاع بها بدون ارتكاب محظور، فقد يختار المكلَّف ذلك الدعاء لا لكونه مأثورًا، بل لكونه جامعًا للمقاصد، أو بليغًا، أو مناسبًا لحاله، ونحو ذلك، وإذا اختير دعاءٌ لِداعٍ من هذه الدواعي، وواظب عليه المختارُ لم يكن عليه حرجٌ إجماعًا. . ."

(1)

.

وينبغي -مع هذا- أنْ يُقْرَنَ الحديثُ الضعيفُ في عصرنا ببيان

= (2/ 21 - 23)، و"الأنوار الكاشفة"(87 - 88)، و"شرح الشفاء" للخفاجي (1/ 43)، و"مرقاة المصابيح" للقاري (2/ 381)، و"وبل الغمام" للشوكاني (1/ 53 - 56).

(1)

"حكم العمل بالحديث الضعيف"(ق 16).

ص: 30

ضعفه؛ لغلبة الجهل وقِلَّة التثبُّت، وليقوم ذلك مقام إبراز الإسناد، أو صيغ التمريض، فيما سلف.

ومن الأمور الملاحظَة في منهج المصنِّف في الكتاب:

3 -

اعتمادُه ورجوعُه إلى الكتب المُعْتنية بموضوع كتابه، وإفادته منها، ككتاب ابن أبي الدنيا (ولعله: الذكر)، و"الترغيب والترهيب" لأبي موسى المديني، و"الذكر" للفريابي، وهذه الثلاثة لا نعلم عن وجودها اليوم شيئًا.

وككتاب "عمل اليوم والليلة" للنسائي، وابن السني، و"الدعوات الكبير" للبيهقي، ونحوها.

4 -

عنايتُه البالغة بنصوص الوحى: الكتاب والسنة، استشهادًا، وتفسيرًا، وتمثُّلًا، واستنباطًا.

وهذا شأنه وديدنُه في عامة تواليفه ومصنفاته، وهي في هذا الكتاب على ما ترى من الظُّهور والجلاء.

ص: 31

‌طبعات الكتاب

* طُبع هذا الكتابُ قبل أكثر من مائة عامٍ طبعةً حجريَّةً في دهلي - الهند، سنة 1895 م.

* ثم طُبع ضمن "مجموعة الحديث النجدية" عدة طبعات:

- في القاهرة، سنة 1342.

- وفي القاهرة، المطبعة السلفية، سنة 1375.

- وفي الرياض، مطابع الحكومة، سنة 1389.

* ثم طُبع في إدارة الطباعة المنيرية، بالقاهرة، سنة 1953 م

(1)

.

* ثم قام الشيخان عبد القادر الأرنؤوط وإبراهيم الأرنؤوط بالتعليق على الكتاب، وطُبع به في مكتبة المؤيد، بالطائف.

ثم أعاد الشيخ عبد القادر الأرنؤوط نشره في مكتبة البيان، بدمشق، سنة 1391.

ولعل هذه الطبعة هي أوَّلُ ما لقي الكتابُ من العناية بالتعليق عليه، والتخريج لأحاديثه، إلّا أنه وقع فيها بعض الخلل، من جهة التصرُّفِ في نصِّ الكتاب، بالاقتراح، والتغيير، والإضافة، في بعض المواضع، وقد ضرب لذلك بعض المُثُل الشيخُ إسماعيل الأنصاري في مقدِّمة

(1)

"المداخل لآثار ابن القيّم".

ص: 32

نشرته (9 - 11، 15 - 16).

* ثم عُهِد إلى الشيخ إسماعيل الأنصاري رحمه الله تعالى القيام بتصحيح الكتاب، بمقابلته على أصوله الخطية، والتعليق عليه، فقام بذلك، ونشَرتْهُ رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد (ولم يُذْكَر تاريخ النشر).

وهذه الطبعة -فيما أحْسِب- هي أفضل ما ظهر من طبعات الكتاب إلى اليوم، على كثرتها، وقد أُولي النصُّ فيها عنايةً حَسنةً، وعُلِّق عليه تعليقاتٍ نافعةً في الجملة، لولا تأخُّرُ النُّسخِ المُعتَمَدِ عليها في إخراج الكتاب؛ مِمَّا قَعَد بها في مواضع عن إدراك الصواب، ولولا قصورٌ في تخريج النصوص، وانعدامُ العزو فيه إلى المصادر برقم الجزء والصفحة، ولولا خلوُّها من الفهارس بقسمَيْها: اللفظية والعلمية.

* ثم طُبِع الكتاب بعد ذلك طبعاتٍ كثيرة، كان مِنْ آخرها:

* طبعة مكتبة الرشد، بالرياض، سنة 1422، بتحقيق: إياد بن عبد اللطيف القيسي، عن نسختين خطيتين (نُسِخَتْ إحداهما سنة 1208، والأخرى -وهي متأخرة جدًّا- سنة 1370)، وعن مطبوعتَيْ الأرنؤوط والأنصاري.

ووقع في هذه الطبعة غيرُ قليلٍ من السَّقط، والتحريف، مع قصورٍ -متعدِّدِ الجهات- في التخريج والتعليق والفهارس.

* ثم طُبِع بعد ذلك بمكتبة الفرقان، بعجمان - الإمارات، بتحقيق: سليم بن عيد الهلالي، سنة 1422، عن نسخةٍ واحدةٍ (لم يُذْكَر تاريخُ

ص: 33

نسخها)، وزعم المحقِّقُ أنه اعتمد عليها وقابلها مرارًا، وجعل ما كان زائدًا عليها من المطبوعات بين معكوفين.

وبالنظر إلى صورة الورقة الأولى من المخطوط المُعتَمَدِ عليه، ومقارنته بنظيره من المطبوع المحقَّق؛ وجدتُ ثمانية وعشرين فرقًا (ما بين سقطٍ وإضافةٍ وتغييرٍ) خالف المحقِّقُ فيه الأصلَ دون إشارةٍ أو تنبيه!.

وصورةُ الورقة الأولى من المخطوط مُثبتةٌ في أول طبعته (20 - 21)، لمن شاء أن ينظر.

وكان المحقِّقُ قد اختصر الكتاب، وسمَّى مختصره:"صحيح الوابل الصيب"!، فلم يُحْسِنْ، ونشرته دار ابن الجوزي سنة 1409

(1)

.

* وقد تُرجم الكتابُ إلى الأردية، بعنوان "ذكر إلهي"، طبعة تاند لبانوا له، باكستان، مكتبة عتيقية، (بدون ذكر تاريخ النشر)

(2)

.

(1)

انظر لنقد عمله هذا: كتابَ "أوقفوا هذا العبث بالتراث"(114) لمحمد بن عبد الله آل شاكر.

(2)

"المداخل لآثار ابن القيم".

ص: 34

‌الأصولُ الخطِّيةُ المُعْتَمدة

اعتمدتُ في إخراج الكتاب على أربع نسخٍ خطيّة، إليك وصفَها:

* النسخة الأولى:

ورمزت لها بالحرف (ت)، وهي من محفوظات مكتبة شهيد علي بتركيا، برقم (530).

وتقع في (113) ورقة، وفي الورقة صفحتان، وفي الصفحة (17) سطرًا، وفي السطر نحو تسع كلمات تقريبًا.

وهي بخطٍّ نسخيٍّ جميل، وعناوين الفصول مكتوبة بالمداد الأحمر؛ لذا لم تظهر في التصوير، وكاتبها تلميذٌ من تلامذة المصنِّف (ابن القيم)، كتبها سنة (795)، أي: بعد وفاة ابن القيم بستٍّ وأربعين سنة.

ففي فاتحتها: "هذه رسالة كتبها شيخنا الإمام. . ."، وفي خاتمتها:"فرغ من كتابته العبد الفقير إلى رحمة ربه القدير، والمعترف بالزلل والتقصير، الراجي عفو ربه القدير، المستجير بربه أن يقيه عذاب السعير، علي بن محمد بن علي بن حميد الحنبلي البعلي، غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين، آمين، والحمد لله رب العالمين، وذلك في يوم الأربعاء سادس عشر شهر رجب الفرد سنة خمس وتسعين وسبعمائة، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".

ص: 35

ومع جمال خطِّ النسخة، وتأنُّقِ كاتبها فيه، وعنايته بعلامات الضبط والإهمال، وتجويده لبعض المواضع المشكلة في النسخ الأخرى = إلّا أنه حصل له انتقال نظر في مواضع عديدة من الكتاب، فسقطت عليه بذلك طائفة من الجمل والكلمات، مع أخطاء أخرى كثيرة متفرقة، وبسبب عدم مقابلته لها لم تُسْتَدرك تلك المواضع.

وقد كانت هذه النسخة خليقةً بأن تُتَّخذ أصلًا لولا هذا الذي ذكرت.

ويبدو أنَّ أحد مالكيها -فيما يظهر- صنع لها فهرسًا لفصولها في أوّلها. وقد كُتب عنوانُها بخطٍّ حديثٍ على آثار الخط الأوَّل الذي كُتِب به أوَّل مرة، إلّا أن بقايا آثار الخط الأول تلوح بين كلمات الخط الثاني وتدلُّ على عدم تطابُقِ العُنوانَيْن، وورد العنوان المكتوبُ بالخط الحديث هكذا:"كتاب الكلم الطيب لابن قيم الجوزية". وتحت العنوان بيتان لا علاقة لهما بموضوع الكتاب، منسوبان لابن الراوندي، وتحتهما أبيات خمسة أخرى في فوائد السَّفَر.

* النسخة الثانية:

ورمزتُ لها بالحرف (ح)، وهي من محفوظات مكتبة الحرم المكي الشريف، برقم (2508/ 2).

وتقع في (87) ورقة، وفي كل ورقة صفحتان، وفي الصفحة (21) سطرًا، وفي السطر إحدى عشرة كلمة تقريبًا.

وهي بخط نسخيٍّ واضح مقروء، وإن كان الناسخ قد يَعْجَل في بعض الأحيان فيقرمط الحروف.

ص: 36

والخطأُ والسقط في هذه النسخة ليس بالقليل، وقد كُتِبَتْ سنة (1123)، ونُقِلَتْ من نسخةٍ مكتوبةٍ سنة (788)، وقُوبِلَتْ عليها.

وليس على النسخة اسمُ الناسخ، ولا هناك ما يدلُّ عليه.

وجاء في خاتمتها ما صورته:

"ووافق تحرير هذه النسخة من (. . .) تاريخه ثمانية وثمانين وسبعمائة من الهجرة النبوية. تمت بالخير".

وتحته: "ووافق الفراغ من مقابلة هذه النسخة المباركة على أصلها سادس وعشرين شهر جماد الآخر من شهور سنة 1123 من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، والحمد لله وحده، وصلى الله على من لا نبي بعده".

وورد عنوان الكتاب فيها هكذا: "الوابل الصيب في الكلم الطيب".

* النسخة الثالثة:

ورمزت لها بالحرف (م)، وهي من محفوظات مكتبة الأوقاف بالجامع الكبير بصنعاء، برقم (499).

وتقع في (46) ورقة، وفي الورقة صفحتان، وفي الصفحة (30) سطرًا، وفي السطر نحو (14) كلمة تقريبًا.

وهي بخط نسخيٍّ واضحٍ قليل الخطأ، كتبها عبد الله بن محمد الكِبْسي، وابتدأ النَّسْخَ في السَّابع والعشرين من شهر ذي القعدة سنة 1178، وفرغ منه في السابع عشر من شهر محرم سنة 1179.

ص: 37

فعلى ظهر النسخة ما مثاله:

"الحمد لله، مباركُ الابتداء: ضَحْوَةُ الخميس، السابع عشر من شهر ذي القعدة الحرام سنة 1178".

وجاء في آخرها: "وكان الفراغ من تحصيل هذه النسخة المباركة نهار السبت، لعله سابع عشر، شهر محرم سنة 1179، كاتبه الفقير إلى الله، عبد الله بن محمد الكبسي وفقه الله".

وقد قرأها ناسخها

(1)

على والده العلامة قاسم بن محمد الكِبْسي

(2)

، وابتدأ القراءة في آخر شهر ذي القعدة سنة 1178، وفرغ منها في الثالث والعشرين من شهر محرم سنة 1179.

فقد جاء على ظهر النسخة: "كان الشروع في سماع هذا الكتاب المبارك على سيدي الوالد العلامة قاسم بن محمد الكبسي متعنا الله والمسلمين بحياته، عشية السبت، لعله تاسع وعشرون من شهر ذي القعدة الحرام سنة 1178، أعان الله على التمام".

وفي آخرها: "بلغ سماع وقراءة على سيدي الوالد العلامة قاسم بن محمد الكبسي متَّع الله بحياته، وذلك بين العشائين في الليلة الغرّاء، ليلة اليوم الأزهر، وذلك ثالث وعشرين من شهر محرم سنة 1179، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات".

(1)

هذا الذي يغلب على ظنِّي، وكأنه انتسب إلى جدِّه.

(2)

توفي سنة 1201، وله ترجمة في "البدر الطالع"(2/ 52)، وأثنى عليه الشوكاني، ووصفه بالبراعة في العلوم، ولا سيّما الحديث.

ص: 38

وعلى صفحة العنوان أبياتٌ في مدح الكتاب، إلّا أنه ضُرِب عليها؛ ولعله للاختلال الظاهر في وزنها.

وعليها أيضًا خمسة تملُّكاتٍ للكتاب، وختمُ وقفيَّة الخزانة المتوكلية بالجامع المقدس بصنعاء.

وقد وقفتُ على نسختين أُخْرَيَيْنِ من مكتبة الأوقاف بالجامع الكبير بصنعاء، برقم (473، و 506)، وبعد دراستهما ترجَّح عندي أنهما منسوختان عن هذا الأصل الذي اعتمدته هنا، ورمزت له بـ "م"، ولذا لم أُشْرِكْهُما في إثبات الفُروق، وإن كنت قد أفدتُ منهما في مواطن مشكلة في النسخة (م)، كما نقلتُ منهما أبياتًا في الثناء على الكتاب.

* النسخة الرابعة:

ورمزتُ لها بالحرف (ق)، وهي من محفوظات مكتبة الأوقاف ببغداد، برقم (7146).

وتقع في (69) ورقة، وفي الورقة صفحتان، وفي الصفحة (23) سطرًا، وفي السطر نحو (12) كلمة تقريبًا.

وهي بخط فارسيٍّ جميل، وفيها بعض الخطأ والسقط، وإن كانت مُقابَلةً كما ذُكِر في خاتمتها.

وجاء في آخرها ما مثاله: "وقع الفراغ منها في ربيع الثاني سنة 1208، على يد صاحبها الفقير عبد العزيز التكريتي، نجل السيد مال الله، عفا الله عنهما".

ص: 39

ثم عاد الناسخ فكتب على ظهرها بعد حين: "قد كتبتُ هذه النسخة النفيسة لنفسي بيدي، وهي ممّا يُكتَب بماء العيون، وأنا الفقير إليه عزَّ شأنه: عبد العزيز بن السيد مال الله التكريتي، غفر الله لي ولوالدي ولجميع المسلمين، آمين، صحف (كذا) يوم الجمعة في شهر جمادى الأولى سنة 1208".

وورد في آخرها: "بلغ مقابلة وتصحيحًا بعون الله على حسب الطاقة".

وعلى ظهر النسخة في أعلاها تملُّكٌ لمحمد أفندي الخنشال سنة 1308، وفوقه ختم المكتبة النعمانية التي أوقفها نعمان الآلوسي، وتكرر الختم كذلك في آخر النسخة. وفي أسفل الصفحة ختم صغير لعبد العزيز بن السيد (ناسخ الكتاب).

ص: 40

‌عملي في الكتاب

1 -

كتبتُ مقدمة للكتاب، بيَّنْتُ فيها -بإيجازٍ- موضع بابِ الذكر والدعاء من العِلْم والدِّين، وشريفَ مقامِه، وجليلَ منزلتِه، وحضَّ الأئمة على العناية بكتابته وتحصيله، وبثِّه ونشره.

2 -

قمتُ بدراسة الكتاب والتعريف به من حيث: اسمه، ونسبته إلى المصنف، وتاريخ تصنيفه، والثناء عليه، وموضوعه ومنهج المصنف فيه، وطبعاته، والأصول الخطية التي اعتمدتها في هذه النشرة.

3 -

قابلتُ النسخ الخطيَّة التي اعتمدتُها، وأثبتُّ ما أراه صوابًا منها عند اختلافها، مع الإشارة إلى القراءات الأخرى المهمَّة المحتملة، ومواضع السقط في النُّسَخ، في الهامش، على طريقة النصِّ المختار، وأوليتُ النسخة (ت) في هذا عناية فائقة، لمكانتها، حتى ليوشك أن أكون قد اتخذتُها أصلًا.

وأهملتُ الإشارة إلى كثيرٍ من أخطاء النُّسَّاخ وتحريفاتهم الظاهرة، وما لا يتغيَّر به المعنى غالبًا؛ لئلَّا تثقل الحواشي بغير طائل.

وقد خَلَتْ النسخة (ت) -في كثير من المواضع- من ألفاظ التعظيم (تعالى، عز وجل، والتكريم رضي الله عنه ونحوها، وهي ثابتة في معظم النسخ الأخرى، فأثبتُّها منها، ولم أُنبِّهْ على ذلك في كل موضعٍ اكتفاءً بهذه الإشارة هنا.

ويبدو أنَّ ارتفاع موضوع الكتاب عن دقائق العلوم المتخصِّصة التي

ص: 41

لا يرومها إلا فئامٌ قليلٌ من الناس، ومباشرَتِه لأبواب السلوك والإرادة على هذا النحو الشَّيِّقِ الآسِر السَّهْل؛ لقَّى الكتابَ قبولًا واسعًا بين أوساط عامَّة الطبقات؛ لاحتياجهم جميعًا لمسائله ومواعظه، وافتقارهم إلى أحاديثه ورقائقه.

فتعاورَتْهُ لذلك أيدي النُّسَّاخ، وكثرت نُسخه وانتشرت انتشارًا، وكان هذا -والله أعلم- سببًا لتلك الكثرة الظاهرة من الفروق والاختلافات في نصِّه.

ويصحِّح هذا أنّ غالبَ هذه الاختلافات شكليَّةٌ لا تَمَسُّ جوهر الفكرة، ولا تعدو التقديم والتأخير، وحذف كلمة وإضافة أخرى، وإبدال لفظةٍ بنظيرتها، وتأنيث ضمير أو تذكيره، إلى أشباه ذلك ممّا اعتادَتْهُ أيدي ضَعَفةِ النُّسَّاخ، وألِفَتْهُ أقلامُهم، وممَّا لا يتغيَّر به المعنى غالبًا، ولا يختلُّ بسببه السِّياق.

وهذا الذي وصفتُ لك من أمر النُّسخ هو الذي حملني على انتهاج هذه الطريقة في قراءة الكتاب، وأرجو أن أكون قد سدَّدْتُ وقاربتُ.

4 -

قرأتُ النصَّ قراءة تأنٍّ وتدبُّرٍ، وأعدتُ ترقيمه وتوزيعه.

5 -

عزوتُ الآيات القرآنية إلى سورها، وخرَّجْتُ الأحاديث والآثار تخريجًا مختصرًا يفي بالمقصود، ولم أَخْرُجْ عن ذلك إلّا في موضعين أو ثلاثة؛ لغرضٍ صحيحٍ اقتضاه المقام.

6 -

نسبتُ الأبيات الشعرية إلي قائليها ما أمكنني ذلك.

7 -

أحَلْتُ في مواضع عديدة على مواطن بحث ابن القيّم وابن تيمية

ص: 42

وغيرهما من أهل العلم لكثير من المسائل والمباحث التي تعرَّض لها الكتاب.

8 -

علَّقْتُ تعليقاتٍ موجزة على بعض ما بدا لي حاجته إلى توضيحٍ وبيان.

9 -

صنعتُ فهارس لفظيَّةً

(1)

وعلميَّةً للكتاب، تُذَلِّلُ فوائده وتُقَيِّد شوارده.

وأسأل الله أن يجعل هذا العمل في صحائف الحسنات، وأن يتقبله بقبولٍ حسن، وأن يتجاوز عما فيه من التقصير والزَّلل، إنه أكرم مسئول.

وصلي الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وكتب عبد الرحمن بن حسن بن قائد الريمي

الاثنين 19 من صفر سنة 1424

مكة المكرمة -حرسها الله-

(1)

انظر: مقدمة "شرح المسند" للشيخ أحمد شاكر (1/ 5).

ص: 43

نماذج من الأصول الخطِّيَّة المعتمدة

ص: 45

صفحة العنوان من النسخة (ت)

ص: 47

الصفحة الأولى من النسخة (ت)

ص: 48

الصفحة الأخيرة من النسخة (ت)

ص: 49

صفحة العنوان من النسخة (م)

ص: 50

الصفحة الأولى من النسخة (م)

ص: 51

الصفحة الأخيرة من النسخة (م)

ص: 52

صفحة العنوان من النسخة (ح)

ص: 53

الصفحة الأولى من النسخة (ح)

ص: 54

الصفحة الأخيرة من النسخة (ح)

ص: 55

صفحة العنوان من النسخة (ق)

ص: 56

الصفحة الأولى من النسخة (ق)

ص: 57

الصفحة الأخيرة من النسخة (ق)

ص: 58

صفحة العنوان من نسخة الجامع الكبير بصنعاء رقم (473)

ص: 59

صفحة العنوان من نسخة الجامع الكبير بصنعاء رقم (506)

ص: 60