الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واسطة بين الحق والخلق
تأليف: أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
[الرسل واسطة تبليغ]
1
سئل شيخ الإسلام ـ قدس الله روحه:
عن رجلين تناظرا، فقال أحدهما: لابد لنا من واسطة بيننا وبين الله، فإنا لا نقدر أن نصل إليه بغير ذلك.
فأجاب:
الحمد لله رب العالمين. إن أراد بذلك أنه لابد من واسطة تبلغنا أمر الله، فهذا حق. فإن الخلق لا يعلمون ما يحبه الله ويرضاه، وما أمر به وما نهى عنه، وما أعده لأوليائه من كرامته، وما وعد به أعداءه من عذابه، ولا يعرفون ما يستحقه الله تعالى من أسمائه الحسنى، وصفاته العليا، التى تعجز العقول عن معرفتها وأمثال ذلك إلا بالرسل، الذين أرسلهم الله إلى عباده.
فالمؤمنون بالرسل المتبعون لهم هم المهتدون الذين يقربهم لديه زُلفى، ويرفع درجاتهم، ويكرمهم فى الدنيا والآخرة.
1 - هذا العنوان والعناوين فيما سيأتي وضعها المحقق
وأما المخالفون للرسل، فإنهم ملعونون، وهم عن ربهم ضالون محجوبون، قال تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا أُوْلََئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الأعراف: 35، 36]، وقال تعالى:{فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [طه: 123: 126]، قال ابن عباس: تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل فى الدنيا، ولا يشقى فى الآخرة.
وقال تعالى عن أهل النار: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ} [الملك: 8، 9] ،
وقال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الزمر: 71]، وقال تعالى:{وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَاّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} [الأنعام: 48، 49]، وقال تعالى:{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ َيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 163: 165] . ومثل هذا فى القرآن كثير.
وهذا مما أجمع عليه جميع أهل الملل من المسلمين، واليهود، والنصارى، فإنهم يثبتون الوسائط بين الله وبين عباده، وهم الرسل الذين بلغوا عن الله أمره وخبره. قال تعالى:{اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ٌ} [الحج: 75] ومن أنكر هذه الوسائط فهو كَافِرٌ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ المِلَل.
والسور التى أنزلها الله بمكة مثل: الأنعام، والأعراف، وذوات:{الر} و {حم} و {طس} ونحو ذلك، هى متضمنة لأصول الدين، كالإيمان بالله ورسله واليوم الآخر.
وقد قص الله قصص الكفار الذين كذبوا الرسل، وكيف أهلكهم، ونصر رسله، والذين آمنوا، قال تعالى:{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 171: 173]، وقال:{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51] .
فهذه الوسائط تُطاع وتُتَّبَع ويقتدى بها. كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَاّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ} [النساء: 64]