المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌اغتنام العمر والتوثق بالعمل فأخبروني: هل عرفتم مداكم من الملك، وغايتكم من العمر؟ قالوا: لا ندري، لعل ذلك لا يكون إلا طرفة عين قال: فلم تخاطرون بهذه الغرة؟ قالوا: رجاء طول المدة قال: كم أتت عليكم من سنة؟ قالوا: أصغرنا ابن خمس وثلاثين سنة - الوجل والتوثق بالعمل لابن أبي الدنيا

[ابن أبي الدنيا]

فهرس الكتاب

- ‌الرَّجَاءُ وَالْخَوْفُ

- ‌حُسْنُ الظَّنِّ يَعْنِي: حُسْنَ الْعَمَلِ

- ‌التَّخْوِيفُ

- ‌الِاجْتِهَادُ فِي الْعَمَلِ

- ‌الْجِدُّ وَالْحَذَرُ

- ‌الرَّجَاءُ لَا التَّجَرُّؤُ

- ‌حَدِيثُ أَنْطُونِسَ السَّائِحِ وَمَوَاعِظُهُ وَأَمْثَالُهُ

- ‌وَصِيَّةُ مَلِكٍ كَانَ مَلِكٌ بَعْدَ زَمَانِ الْمَسِيحِ عليه السلام يُقَالُ لَهُ أَنْطُونِسُ عَاشَ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ بَعَثَ إِلَى ثَلَاثَةِ نَفَرٍ مِنْ عُظَمَاءِ أَهْلِ مِلَّتِهِ وَأَفَاضِلِهِمْ فَقَالَ لَهُمْ: فَقَدْ نَزَلَ بِي مَا تَرَوْنَ، وَأَنْتُمْ رُءُوسُ أَهْلِ مَمْلَكَتِكُمْ وَأَفَاضِلُهُمْ، وَلَا أَعْرِفُ أَحَدًا أَوْلَى بِتَدْبِيرِ رَعِيَّتِكُمْ

- ‌اخْتِلَافٌ عَلَى الْمُلْكِ فَدَبَّ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ نَفَرٍ إِلَى السِّتَّةِ الَّذِينَ جَعَلَ إِلَيْهِمُ اخْتِيَارَ الْمَلِكِ، فَصَارَ كُلُّ رَجُلَيْنِ مِنَ السِّتَّةِ يَدْعُوَانِ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ حُكَمَاؤُهُمْ وَأَهْلُ الرَّأْيِ مِنْهُمْ قَالُوا: يَا مَعْشَرَ السِّتَّةِ الَّذِينَ جُعِلَ إِلَيْهِمُ الِاخْتِيَارُ، قَدِ افْتَرَقَتْ كَلِمَتُكُمْ، وَاخْتَلَفَ رَأْيُكُمْ

- ‌اغْتِنَامُ الْعُمُرِ وَالتَّوَثُّقُ بِالْعَمَلِ فَأَخْبِرُونِي: هَلْ عَرَفْتُمْ مَدَاكُمْ مِنَ الْمُلْكِ، وَغَايَتَكُمْ مِنَ الْعُمُرِ؟ قَالُوا: لَا نَدْرِي، لَعَلَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا طَرْفَةَ عَيْنٍ قَالَ: فَلِمَ تُخَاطِرُونَ بِهَذِهِ الْغِرَّةِ؟ قَالُوا: رَجَاءَ طُولِ الْمُدَّةِ قَالَ: كَمْ أَتَتْ عَلَيْكُمْ مِنْ سَنَةٍ؟ قَالُوا: أَصْغَرُنَا ابْنُ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً

- ‌التَّفَكُّرُ فِي هَلَاكِ الْعَالَمِ قَالُوا: أَخْبِرْنَا كَيْفَ أَوَّلُ مَعْرِفَتِكَ لِلْأُمُورِ مِنْ قِبَلِ الْفِكْرِ؟ قَالَ: تَفَكَّرْتُ فِي هَلَاكِ الْعَالَمِ فَإِذَا ذَاكَ مِنْ قِبَلِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ جُعِلَتْ فِيهِنَّ اللَّذَّاتُ، وَهِيَ أَبْوَابٌ مُرَكَّبَةٌ فِي الْجَسَدِ، مِنْهَا ثَلَاثَةٌ فِي الرَّأْسِ، وَوَاحِدٌ فِي الْبَطْنِ، فَأَمَّا أَبْوَابُ الرَّأْسِ فَالْعَيْنَانِ، وَالْمِنْخَرَانِ

- ‌قِصَّةُ صَاحِبِ السَّفِينَةِ قَالَ أَنْطُونِسُ: وَلَقَدْ عَجِبْتُ لِأَهْلِ الْأَمَلِ وَطَمَعِهِمْ فِي طُولِ الْعُمُرِ، فَوَجَدْتُ أَعْدَى النَّاسِ لِلنَّاسِ الْأَوْلَادَ لِآبَائِهِمْ، عَمِلَ آبَاؤُهُمْ فِي الِاسْتِكْثَارِ لَهُمْ، وَأَتْعَبُوا أَبْدَانَهُمْ فِي إِصْلَاحِ مَعَايِشِ غَيْرِهِمْ بِهَلَاكِ أَنْفُسِهِمْ، وَشَارَكَهُمْ فِي اللَّذَّةِ غَيْرُهُمْ، فَأُفْرِدُوا بِالسُّؤَالِ عَمَّا كَدَحُوا كَصَاحِبِ

- ‌قِصَّةُ صَاحِبِ الْحُوتِ وَلَقَدْ عَجِبْتُ لِلْمُدَّخِرِ عَنْ نَفْسِهِ، وَالْمُؤْثِرِ لِغَيْرِهِ، فَوَيْحَكَ، قَابِلْ هُمُومَكَ بِخِفَّةِ الْمَالِ، وَتَبَلَّغْ بِالْكَفَافِ تَبْلُغِ الْمَنْزِلَ، وَادَّخِرِ الْفَضْلَ لِنَفْسِكَ، وَلَا تُؤْثَرْ غَيْرَكَ فَتَلْقَ مَا لَقِيَ صَاحِبُ الْحُوتِ. قَالُوا: وَمَا الَّذِي لَقِيَ صَاحِبُ الْحُوتِ؟ قَالَ أَنْطُونِسُ: زَعَمُوا أَنَّ صَيَّادَ سَمَكٍ أَصَابَ فِي صَيْدِهِ

- ‌قِصَّةُ هَلَاكِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَلَقَدْ عَجِبْتُ لِهَذَا الشُّغْلِ الَّذِي غَرَّ أَهْلَ الْعَقْلِ وَالْجَهْلِ حَتَّى هَلَكُوا جَمِيعًا بِالرَّجَاءِ وَالطَّمَعِ، كَمَا هَلَكَ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ. قَالُوا: أَخْبِرْنَا كَيْفَ كَانَ ذَلِكَ؟ . قَالَ أَنْطُونِسُ: اصْطَحَبَ رَجُلَانِ يَهُودِيٌّ وَنَصْرَانِيٌّ إِلَى أَرْضٍ يَبْتَاعَانِ الْجَوْهَرَ، فَسَارَا فِي عُمْرَانٍ مِنَ الْأَرْضِ

- ‌قِصَّةُ الْأَعْمَى فِي مُصِيبَتِهِ وَلَقَدْ عَجِبْتُ لِأَهْلِ الْمَصَائِبِ، كَيْفَ لَا يَسْتَعِينُونَ عَلَى مَصَائِبِهِمْ بِالصَّبْرِ، وَيَذْكُرُونَ مَا يُؤَمِّلُونَ مِنَ الثَّوَابِ، فَإِنَّهُ سَيَأْتِي عَلَى صَاحِبِ الْمُصِيبَةِ يَوْمٌ يَتَمَنَّى فِيهِ مَا تَمَنَّى الْأَعْمَى فِي مُصِيبَتِهِ. قَالُوا: وَمَا تَمَنَّى الْأَعْمَى فِي مُصِيبَتِهِ؟ قَالَ أَنْطُونِسُ: زَعَمُوا أَنَّ تَاجِرًا دَفَنَ مِائَةَ

الفصل: ‌اغتنام العمر والتوثق بالعمل فأخبروني: هل عرفتم مداكم من الملك، وغايتكم من العمر؟ قالوا: لا ندري، لعل ذلك لا يكون إلا طرفة عين قال: فلم تخاطرون بهذه الغرة؟ قالوا: رجاء طول المدة قال: كم أتت عليكم من سنة؟ قالوا: أصغرنا ابن خمس وثلاثين سنة

، فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَغَيْرُ مُشَاحٍ صَاحِبَيَّ هَذَيْنِ، وَإِنَّ السَّلَامَةَ لَدَيَّ لَفِي اعْتِزَالِ هَذَا الْأَمْرِ. قَالَ السَّائِحُ: مَا أَظُنُّ صَاحِبَيْكَ يَكْرَهَانِ اعْتِزَالَكَ عَنْهُمَا فَأُشِيرُ إِلَى أَحَدِهِمَا وَأَتْرُكُكَ قَالَ: بَلْ تَخْتَارُ لِأُمَّتِكَ مَنْ بَدَا لَكَ. قَالَ لَهُ السَّائِحُ: مَا أَرَاكَ إِلَّا قَدْ نَزَعْتَ عَنْ قَوْلِكَ، وَصِرْتُمُ الْآنَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، غَيْرَ أَنِّي سَأَعِظُكُمْ، وَأَضْرِبُ لَكُمْ أَمْثَالَ الدُّنْيَا، وَأَمْثَالَكُمْ فِيهَا، وَأَنْتُمْ أَعْلَمُ وَالْخِيَارُ لِأَنْفُسِكُمْ.

ص: 34

‌اغْتِنَامُ الْعُمُرِ وَالتَّوَثُّقُ بِالْعَمَلِ فَأَخْبِرُونِي: هَلْ عَرَفْتُمْ مَدَاكُمْ مِنَ الْمُلْكِ، وَغَايَتَكُمْ مِنَ الْعُمُرِ؟ قَالُوا: لَا نَدْرِي، لَعَلَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا طَرْفَةَ عَيْنٍ قَالَ: فَلِمَ تُخَاطِرُونَ بِهَذِهِ الْغِرَّةِ؟ قَالُوا: رَجَاءَ طُولِ الْمُدَّةِ قَالَ: كَمْ أَتَتْ عَلَيْكُمْ مِنْ سَنَةٍ؟ قَالُوا: أَصْغَرُنَا ابْنُ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً

، وَأَكْبَرُنَا ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ: فَاجْعَلُوا أَطْوَلَ مَا تَرْجُونَ مِنَ الْعُمُرِ مِثْلَ سِنِّكُمُ الَّتِي عَمَّرْتُمْ، قَالُوا: لَسْنَا نَطْمَعُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا خَيْرَ فِي الْعُمُرِ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ: أَفَلَا تَبْتَغُونَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ أَعْمَارِكُمْ مَا تَرْجُونَ مِنْ مُلْكٍ لَا يَبْلَى، وَنَعِيمٍ لَا يَتَغَيَّرُ، وَلَذَّةٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَحَيَاةٍ لَا يُكَدِّرُهَا الْمَوْتُ، وَلَا تُنَغِّصُهَا الْأَحْزَانُ، وَلَا الْهُمُومُ، وَلَا الْأَسْقَامُ؟

ص: 34

قَالُوا: إِنَّا لَنَرْجُو أَنْ نُصِيبَ ذَلِكَ بِمَغْفِرَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ قَالَ: قَدْ كَانَ مَنْ أَصَابَهُ الْعَذَابُ مِنَ الْقُرُونِ الْأُولَى يَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا تَرْجُونَ، وَيُؤَمِّلُونَ مَا تُؤَمِّلُونَ، وَيُضَيِّعُونَ الْعَمَلَ، حَتَّى نَزَلَتْ بِهِمُ الْعُقُوبَةُ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ، فَلَيْسَ يَنْبَغِي لِمَنْ صَدَّقَ بِمَا أَصَابَ الْقُرُونَ الْأُولَى أَنْ يَطْمَعَ فِي رَجَاءٍ بِغَيْرِ عَمَلٍ، وَيُوشِكُ مَنْ سَلَكَ الْمَفَازَةَ بِغَيْرِ مَاءٍ أَنْ يَهْلِكَ عَطَشًا، أَرَاكُمْ تَتَّكِلُونَ عَلَى الرَّجَاءِ فِي هَلَاكِ أَبْدَانِكُمْ، وَلَا تَتَّكِلُونَ عَلَيْهِ فِي صَلَاحِ مَعَايِشِكُمْ، تُؤَثِّثُونَ لِدَارٍ قَدْ عَرَفْتُمْ مُزَايَلَتَهَا، وَتَتْرُكُونَ التَّأْثِيثَ لِدَارِ مُقَامِكُمْ، ثُمَّ قَدْ رَأَيْتُمْ مَدَائِنَكُمُ الَّتِي ابْتَنَيْتُمُوهَا، وَاعْتَدَتُّمْ فِيهَا الْأَثَاثَ وَالرِّبَاعَ، لَوْ قِيلَ لَكُمْ: إِنَّهُ سَيَنْزِلُ عَلَيْكُمْ مَلِكٌ بِجُيُوشِهِ وَجُنُودِهِ فَيَعُمُّ أَهْلَهَا بِالْقَتْلِ، وَبُنْيَانَهَا بِالْهَدْمِ، هَلْ كُنْتُمْ تَطِيبُونَ نَفْسًا بِالْمُقَامِ فِيهَا، وَالْبُنْيَانِ بِهَا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَوَاللَّهِ إِنَّ أَمْرَ هَؤُلَاءِ الْآدَمَيِّينَ لَصَائِرٌ إِلَى هَذَا وَلَكِنِّي أَدُلُّكُمْ عَلَى مَدِينَةٍ آمِنَةٍ سَلِيمَةٍ لَا يُؤْذِيكُمْ فِيهَا جَبَّارٌ، وَلَا يَغْشُمُكُمْ فِيهَا وَالٍ، وَلَا تَعْدِمُكُمْ فِيهَا الثِّمَارُ، قَالُوا: قَدْ عَرَفْنَا الَّذِي أَرَدْتَ، فَكَيْفَ وَقَدِ اشْرَأَبَّتْ أَنْفُسُنَا بِحُبِّ الدُّنْيَا؟ قَالَ: مَعَ الْأَسْفَارِ الْبَعِيدَةِ تَكُونُ الْأَرْبَاحُ الْكَثِيرَةُ، فَيَا عَجَبًا لِلْجَاهِلِ

ص: 35