المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكم التداوي ومسئولية الطبيب - بحوث لبعض النوازل الفقهية المعاصرة - جـ ٢٠

[-]

الفصل: ‌حكم التداوي ومسئولية الطبيب

‌حكم التداوي ومسئولية الطبيب

قبل الشروع في ذكر بعض النوازل الطبية نذكر بعض الأمور المتعلقة بالعلاج والتطبيب.

1-

حكم التداوي: التداوي جائز ومما يدل على جوازه ماروى أبو خزيمة عن أبيه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئاَ؟ قال: هي من قدر الله. رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد. وعن أسامة بن شريك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داءً إلا وضع له دواءً غير داءٍ واحد الهرم. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.

وأما ما رواه البخاري من حديث ابن عباس في الذي يدخلون الجنة بغير حساب، وفعل بعض الصحابة حيث تركوا العلاج ومنهم أبو بكر وأبو الدرداء رضي الله عنهم .

فقيل: الحديث محمولٌ على من اعتقد أن الأدوية تنفع بطبعها أو على الرقى التي لا يعقل معناها لاحتمال أن يكون كفراً، ولكنه مردود بأن هذا لا يختص بالسبعين ألفاً الوارد ذكرهم في الحديث. وقيل: محمولٌ على من فعله في الصحة خشية وقوع الداء واختاره ابن عبد البر. وقيل: محمولٌ على من تركه رضاً بقدر الله واعتماداً عليه لا أنه ليس بجائز وهو اختيار الخطابي وابن الأثير وقال: ولا يرِد على هذا وقوع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم فعلاً وأمراً، لأنه كان في أعلى مقامات العرفان ودرجات التوكل فكان ذلك منه للتشريع وبيان الجواز، فمن وثق بالله وأيقن بقضائه فلا يقدح في توكله تعاطيه الأسباب، فقد ظاهر الرسول بين درعين ولبس على رأسه المغفر وهاجر وقال للرجل: اعقلها وتوكل. وقال: إذا سمعتم بالوباء في أرضٍ فلا تقدموا عليها، وإذا وقع في أرضٍ وأنتم بها فلا تخرجوا منها فراراً منه رواه البخاري.

ص: 1

2-

النظر إلى العورة ولمسها ونظر الرجل للمرأة والعكس ولمس موضع التداوي. نص الفقهاء على أن المعالجة من الرجل للمرأة لا تكون إلا حال الضرورة القصوى وأن لا ينظر منها إلا موضع الحاجة فقط (1) . ومما يدل على الجواز عند الضرورة ماروى عطية القرظي قال: كنت من سبي بني قريظة فكانوا ينظرون فمن أنبت الشعر قُتل ومن لم ينبت لم يقتل، فكنت فيمن لم ينبت. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.

3-

مسئولية الطبيب:

الطبيب مسئولٌ أخلاقياً ودينياً، ومسئولٌ مسئوليةً جنائية أيضاً. فالمسئولية قسمان: المسئولية الأخلاقية (الأدبية) ، والمسئولية المهنية (العملية) .

والدليل على مسئولية الطبيب حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من تطبب ولم يُعلم منه طب قبل ذلك فهو ضامنٌ. رواه ابن ماجة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. ومن القياس: يضمن الطبيب الجاهل والمتعدي ما أتلفت يداه كما يضمن الجاني سراية جنايته بجامع كون كلٍ منهما فعل محرماً.

واستبعاد بعضهم قصد الجناية في الطب مكابرة.

أركان المسئولية:

1-

السائل وهو من يملك حق مساءلة الطبيب ومساعديه كالقاضي ونحوه.

2-

المسئول وهو من يوجه إليه السؤال ويكلف الجواب عن مضمونه سواء كان فرداً كالطبيب أو جهةً كالمستشفى. 3- المسئول عنه، وهو: الضرر وسببه الناشئان عن فعل الطبيب ومساعديه، أو عنهما معاً. 4- صيغة السؤال، وهي: العبارة المتضمنة للسؤال الوارد من السائل إلى المسئول.

وقال بعض الباحثين الأركان هي:

(1) - انظر حاشية ابن عابدين 6/370 والفتاوى الهندية 5/330 والأشباه والنظائر لابن نجيم ص86 ومغني المحتاج 3/133 وتكملة المجموع 15/17 والأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية ص85 والمغني 6/558 والمقنع 3/6 وحاشية المقنع 3/6.

ص: 2

1-

الخطأ الطبي. 2- الضرر. 3- الرابطة السببية. وهذا محل نظر لأن الخطأ ليس ركناً بل سببٌ موجب للمسئولية ولا تتوقف ماهية المسئولية عليه. والضرر أثرٌ من آثار الخطأ الطبي يقوى به اعتبار السبب الموجب للمسئولية، ولا تتوقف عليه ماهيتها. والرابطة السببية بين الخطأ والضرر شرطٌ في اعتبارهما وليست ركناً من أركان المسئولية.

موجبات المسئولية المهنية أربعة أمور وهي:

1-

عدم اتباع الأصول العلمية. 2- الخطأ.

3-

الجهل. 4- الاعتداء.

1-

عدم اتباع الأصول العلمية. وهي: الأصول الثابتة والقواعد المتعارف عليها نظرياً وعملياً بين الأطباء والتي يجب أن يُلم بها كل طبيب وقت قيامه بالعمل الطبي. والعلوم التي يجب الإلمام بها نوعان: ثابتة ومستجدة. ويشترط في المستجدة أن تكون صادرة من جهةٍ معتبرة كالمدارس الطبية المتخصصة بالأبحاث والدراسات الطبية، وأن يشهد أهل الخبرة بكفاءتها وصلاحيتها للتطبيق. وأما إجراء التسجيل العلمي للطريقة العلاجية قبل استخدامها على الإنسان فلا يشترط إلا إذا اعتذرت الجهات الطبية عن تسجيلها لخللٍ فنيٍ يوجب ردها.

والأحوال التي يخرج فيها الأطباء ومساعدوهم عن الأصول العلمية إما أن تكون في الجانب العلمي النظري أو العملي التطبيقي. أو في كليهما. فقد ذكر ابن قدامة رحمه الله أن الحاذق إذا جنت يده في الختان يضمن لأنه إتلاف لا يختلف ضمانه بالعمد والخطأ أشبه إتلاف المال، ولأنه فعل محرماً فيضمن سرايته كالقطع ابتداءً. وهكذا قال الشافعي رحمه الله في الأم: إن كان فعل ما لا يفعل مثله من أراد الإصلاح وكان عالماً به فهو ضامن. وقال ابن القيم رحمه الله في التحفة: إن كان الخاتن عارفاً بالصناعة وختن المولود في الزمن الذي يختن فيه مثله، وأعطى الصناعة حقها لم يضمن سراية الجرح اتفاقاً.

ص: 3

2-

الخطأ. وعرفه بعضهم بأنه ما ليس للإنسان فيه قصد. وهذا النوع لا إثم فيه إلا أنه من موجبات المسئولية. 3- الجهل سواءٌ كان كلياً أو جزئياً.

4-

الاعتداء. وهو أن يقدم على فعل ما يوجب الضرر بالمريض قصداً. وهذا النوع هو أشدها ويصعب إثباته بغير الإقرار إلا أنه يمكن الاهتداء إليه بالقرائن القوية كوقوع العداوة أو سبق التهديد من الطبيب المتهم للمريض.

وبعد أن تحدثنا عن مسئولية الطبيب نشرع الآن في ذكر بعض النوازل الطبية.

ص: 4