الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقل الأعضاء من الشخص الميت أو الحي وزرعها في الإنسان الحي
التمهيد:
النقل إذا كان من حيوان طاهرٍ حال الحياة فيجوز كما نص على ذلك العلماء كما في المجموع ومجمع الأنهر والفتاوى الهندية وغيرها، وإذا كان من حيوانٍ نجس فلا يجوز إلا عند الضرورة.
وأما النقل من الإنسان فإن كان النقل ذاتياً وذلك بغرس العضو في جسمه من جزءٍ من جسده فهذا جائز كما لو وقعت فيه الآكلة فقطعه وذلك إحياءٌ لنفسه. وأول ما يمكن اعتباره زرعاً للأعضاء ما حدث لقتادة بن النعمان رضي الله عنه في غزوة بدر وقيل أحد لما سقطت عينه على وجنته فردها النبي صلى الله عليه وسلم فكانت أحسن عينيه وأحدهما بصراً رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير وضعفه الهيثمي. أما نقله من غير جسده فقد ورد أن عرفجة بن سعد رضي الله عنه لما قطعت أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفاً من فضة فأنتن فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذ أنفاً من ذهب رواه أبو داود والبيهقي 4/140. لكنه ليس نقلاً لعضوٍ من بدن غيره والنقل من الغير سيأتي بحثه.
نقل الأعضاء من الناحية الطبية:
نقل يدٍ أو عظم أو رجل يتحاشاه الأطباء لضرره البالغ.
والنقل يكون من الميت إذا كان ميتاً دماغياً لأن الأعضاء لا زالت حية. وإذا نزعت الأجهزة فتوقف القلب فإن الدماغ لا يستطيع أن يعيش أكثر من أربع دقائق، والقلب لبضع دقائق، والكلى لمدةٍ أقصاها (45) إلى (50) دقيقة قبل أن تصبح ميتة ولا تصلح للزرع، والكبد لمدة أقصاها ثمان دقائق، وإذا مات الدماغ ففي الغالب أن القلب يتوقف بعدها لساعات أو أيام قلائل، أما العظام فتتحمل نقص التروية عنها أو انقطاعها لمدة يوم أو يومين، وإذا أخذت الأعضاء وهي تعمل فيمكن تبريدها والاحتفاظ بها، يحتفظ بالقلب مبرداً ساعتين والكبد ثمان ساعات، والكلى (72) ساعة وتبلغ نسبة النجاح في نقل الكلية (85 %) في السنة الأولى وتفشل 5% من الحالات سنوياً و50 % لمدة خمس سنوات وهي مكلفة وتنقذهم هذه العملية إلى وقت محدود. وزرع الرئتين والكبد والبنكرياس لا تزال نسبة النجاح فيها محدودة وكلفتها باهظة ولا تزال حكراً على بعض المراكز المتقدمة.
والغرس من الأموات هو الأكثر شيوعاً لما يلي: ـ
1 ـ ظهور مفهوم موت الدماغ
2 ـ كثرة حوادث المرور في العالم وتكون وفاة نسبة كبيرة منهم بسبب موت الدماغ.
3 ـ الغرس من الميت ليست له مخاطر من الناحية الصحية إلا في حالة عدم إتمام شروط موت الدماغ.
4 ـ الزرع من الميت يوفر أعضاء يستحيل توفيرها من الحي مثل القلب والكبد والرئتين والبنكرياس.
أنواع النقل:
1-
النقل من الحي.
2-
النقل من الميت دماغياً.
فأما النقل من الحي فإن كان نقلاً لعضوٍ تتوقف عليه الحياة كالقلب والكبد فلا يجوز بالإجماع لأنه قتلٌ للنفس.
وأما إن كان نقلاً لعضوٍ لا تتوقف عليه الحياة، فإن كان نقلاً للدم فيجوز إذا لم يكن هناك ضرر للجسم المنقول منه. ويشترط الأطباء لنقل الدم أن لا يكون المنقول منه به فقر الدم، وأن لا يكون مصاباً بأمراض معدية أو خبيثة، ولم يتجاوز عمره 55 عاماً.
وهو جائز عند الضرورة لقوله تعالى (إلا ما اضطررتم إليه) .
وإن كان نقلاً للخصيتين فقال بعض العلماء: لا يجوز لأنه لا ضرورة له وخاصةً أنه سيكون معه نظرٌ للعورة، ولأنه يؤدي إلى حرمان الحي من النسل، وإلى اختلاط الأنساب، لأن نقل الخصية يوجب انتقال الصفات الوراثية الموجودة في الشخص المنقولة منه إلى أبناء الشخص المنقولة إليه الخصية.
وقال آخرون بالجواز، لأن الحيوانات المنوية إنما تخرج من المنقول إليه والخصية ليست إلا مجرد آلة منظمة لها. والراجح هو الأول لأن ما ذكروه شبهة ولأن الأصل عدم النقل.
وإذا كان النقل لعضوٍ من حيٍ غير الخصيتين والدم وما تتوقف عليه الحياة، أو من ميتٍ دماغياً إذا كان لعضوٍ مما تتوقف عليه الحياة عند من قال بأن توقف جذع الدماغ يعتبر موتاً نهائياً للإنسان، فهذه المسألة محل خلافٍ بين العلماء:
وقد اختلف العلماء المعاصرون في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: لا يجوز نقل الأعضاء الآدمية: وهو قول الشيخ الشعراوي، والغماري والدكتور حسن علي الشاذلي وغيرهم.
القول الثاني: يجوز نقل الأعضاء الآدمية، وخصه بعضهم بغير المعصوم، وبعضهم بالحي.
وهذا القول صدرت به الفتوى من عددٍ من المؤتمرات والمجامع والهيئات واللجان منها: المؤتمر الإسلامي الدولي المنعقد بماليزيا ومجمع الفقه الإسلامي بالأغلبية، وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، ولجنة الفتوى في كل من الأردن، والكويت، ومصر، والجزائر. وهو قول طائفة من العلماء والباحثين ومنهم:الشيخ عبد الرحمن بن سعدي والشيخ إبراهيم اليعقوبي، والشيخ جاد الحق – رحمهم الله واختاره الدكتور أحمد شرف الدين، والدكتور رءوف شلبي، وغيرهم.
أدلة القول الأول: (لا يجوز)
استدلوا من الكتاب بما يلي:
1 ـ قوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيراً (وقوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة
…
(.
فلفظ التهلكة في الآية لفظ عام يشمل كل ما يؤدي إليها، وقطع العضو من نفسه الموجب لإزالة منفعته فرد من أفراد ما يؤدي إلى الهلاك، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب على حد ما ذكره علماء الأصول.
2ـ قوله تعالى: (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله (
وجه الدلالة: أن نقل الأعضاء فيه تغيير في خلق الله فهو داخل في عموم هذه الآية الكريمة، ويعتبر من المحرمات لذلك.
3 ـ قوله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً (
وجه الدلالة:
أن الآية الكريمة دلت على تكريم الله للآدمي وهذا التكريم شامل لحال حياته وما بعد مماته. وانتزاع العضو منه مخالف لذلك التكريم سواء في حال الحياة أو بعد الموت.
واستدلوا من السنة بالأحاديث التالية:
1ـ حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: " لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطفيل عمرو، وهاجر معه رجل من قومه فاجتووا المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص فقطع بها براجمه فشخبت يداه حتى مات فرآه الطفيل بن عمرو في منامه، وهيئته حسنة، ورآه مغطياً يديه، فقال له: ما صنع بك؟ قال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: ما لي أراك مغطياً يديك؟ قال: قال لي: لن نصلح منك ما أفسدت، فقصها الطفيل على رسول (الله صلى الله عليه وسلم فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم وليديه فاغفر".
وجه الدلالة: أفاد الحديث أن من تصرف في عضو منه بتبرع أو غيره فإنه يبعث يوم القيامة ناقصاً منه ذلك العضو عقوبة له، لأن قوله:" لن نصلح منك ما أفسدت" لا يتعلق بقتل النفس وإنما يتعلق بجرح براجمه وتقطيعهما.
2 ـ حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: " وجاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن لي ابنة عريساً أصابتها حصبة فتمزق شعرها أفأصله؟ فقال: "لعن الله الواصلة والمستوصلة"
وجه الدلالة: أن الحديث دل على حرمة انتفاع المرأة بشعر غيرها وهو جزء من ذلك الغير فيعتبر أصلاً في المنع من الانتفاع بأجزاء الآدمي ولو كان ذلك الانتفاع غير ضار بالمأخوذ منه.
3 ـ أحاديث النهي عن المثلة، ومنها حديث بريدة رضي الله عنه قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيراً، ثم قال: اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغدروا ولا تمثلوا.. الحديث".
وجه الدلالة: أن الحديث دل على حرمة التمثيل، وأن التمثيل لا يختص تحريمه بالحيوان، وبتغيير خلقة الإنسان على وجه العبث والانتقام، بل هو شامل لقطع أي جزء أو عضو من الآدمي أو الحيوان أو جرحه حياً أو ميتاً لغير مرض.
4 ـ حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " كسر عظم الميت ككسر عظم الحي في الإثم"
وجه الدلالة:
أفاد الحديث أن الحي يحرم كسر عظمه أو قطع أي جزء منه وكذا الميت لأي سبب إلا الحي لسبب إذن الشارع فيه.
5 ـ حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار".
وجه الدلالة: أن قطع العضو من شخص للتبرع به لآخر فيه إضرار محقق بالشخص المقطوع منه، فيكون داخلاً في عموم النهي، ويحرم فعله.
6 ـ حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: " ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا
…
"
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد وضع أساس الترتيب في القسمة فأرشد إلى أن يبدأ بنفسه، ثم زوجته وأولاده، ثم ذي القرابة، فلا يجب أن يؤثر أحداً على نفسه.
فإذا كان هذا في النفقات فمن باب أولى ألا يتلف الشخص نفسه لإحياء غيره مهما كانت الضرورة إلى ذلك، ونحن مأمورون باتباع المنصوص عليه شرعاً.
ودليلهم من العقل من وجوه:
1-
الوجه الأول: أن من شرط صحة التبرع أن يكون الإنسان مالكاً للشيء المتبرع به، أو مفوضاً في ذلك من قبل المالك الحقيقي.
والإنسان ليس مالكاً لجسده، ولا مفوضاً فيه لأن التفويض يستدعي الإذن له بالتبرع، وذلك غير موجود. فتثبت بهذا عدم صحة تبرعه بأعضائه لعدم وقوع ذلك التبرع على وجهه الشرعي المعتبر.
2-
الوجه الثاني: أن درء المفاسد مقصوداً شرعاً، وفي التبرع مفاسد عظيمة تربو على مصالحه، إذ فيه إبطال لمنافع أعضاء الجسم المنقولة، مما قد يؤدي إلى الهلاك، أو على الأقل إلى التقاعس عن أداء العبادات والواجبات وترك بعض المأمورات باختياره.
3-
ومن القياس: أن حرمة المال أقل من حرمة النفس، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتوقي كرائم الناس، فمن باب أولى وأحرى أن تتقى أعضاؤهم.
4 ـ لا يجوز استقطاع الأعضاء الآدمية كما لا يجوز استقطاع الأبضاع بجامع كون كل منهما من أعضاء الجسد.
ودليلهم من القواعد الفقهية:
1-
قالوا: الضرر لا يزال بالضرر - الضرر لا يزال بمثله.
وجه الدلالة:
أن هاتين القاعدتين تتضمنان المنع من إزالة الضرر بمثله، وذلك موجود في مسألتنا حيث يزال الضرر عن الشخص المنقول إليه بضرر آخر يلحق الشخص المتبرع.
2-
(ما جاز بيعه جازت هبته، وما لا فلا) .
وجه الدلالة: أن أصحاب القول الثاني يوافقون على أن الأعضاء الآدمية لا يجوز بيعها، وقد دلت القاعدة على أن ما لا يجوز بيعه لا يجوز هبته، إذاً فلا يجوز التبرع بالأعضاء الآدمية لا من حي لمثله في حال الحياة ولا بعد الممات.
استشهادهم بأقوال الفقهاء المتقدمين رحمهم الله.
ومن مجموع كلام الفقهاء قديماً مما له علاقةٌ بالموضوع يتحصل لنا مما يدل على التحريم ما يلي:
يحرم الانتفاع بأجزاء المعصوم لكرامته فلا يباح حال الاضطرار، وليس له أن يقطع من أعضائه للغير كما لا يصح أن يقطع من نفسه فيأكل، لأنه ليس فيه قطعٌ للبعض لاستبقاء الكل، وإبطال العضو لا يجوز فالخصاء لا يحل بلا خلاف، لأنه مثلة وتغيير لخلق الله وكذلك سائر الأعضاء، وليس للغير أن يفعل به ذلك، لأن هذا ليس مما يباح بالإباحة ولا يعتبر رضاه ولا ينفذ إسقاطه.
والميت لا يجوز به ذلك لأنه يتأذى مما يتأذى منه الحي فما فيه تشويه واعتداءٌ على كرامته لا يجوز، ولأنه مأمورٌ بمواراته حتى أن ابن حزم رحمه الله قال: يصلى على ما وجد من الميت ويغسل ويكفن ويصلى عليه وقياساً للبعض على الجميع.
ولا يجوز الأكل من الميت ولو أدى عدم الأكل لموت المضطر – حتى ولو كان المعصوم كافراً عند بعضهم-وهل الحرمة تعبدية أو لنجاسته وأذاه لما فيه من السموم، خلاف بين العلماء، ومما يدل على أن الميت ليس بنجس أن الميت من بني آدم لا يسمى ميتةً، ولا يحل بالاضطرار كما يحل أكل الميتة فالصحيح أنه لم يحرم لنجاسته بل إكراماً (1) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: اعلم أن الإنسان فارق غيره من الحيوان في هذا الباب طردا وعكساً فقياس البهائم بعضها على بعض وجعلها في حيز يباين حيز الإنسان وجعل الإنسان في حيز هو الواجب ألا ترى أنه لا ينجس بالموت على المختار وهي تنجس بالموت ألا ترى أن تحريمه مفارق لتحريم غيره من الحيوان لكرم نوعه وحرمته حتى يحرم الكافر وغيره. وإليك بعض أقوالهم أيضاً:
أـ فقهاء الحنفية:
(1) انظر الفتاوى الخانية والبزازية والهندية مطبوعة مع بعضها 3/404 – 5/354- 6/365-366. وحاشية ابن عابدين 1/136-5/215 وبدائع الصنائع 7/177. وجواهر الإكليل 1/117،218. وشرح الزرقاني لخليل 3/28 والمدخل 3/236،242 وحاشية الدسوقي 1/395 ومنح الجليل 1/320 وحاشية الصاوي على شرح خليل 1/301 والتاج والإكليل بهامش المواهب 3/223 وتفسير القرطبي 5/391،2/229 وأحكام القرآن لابن العربي 1/58. والفروق 1/141 والموافقات 2/322،375،376. وروضة الطالبين 3/285 وتكملة المجموع 9/42 ومغني المحتاج 4/400. وشرح مسلم 2/131،132. والمستصفى 1/296. والمغني 8/602 والإنصاف 1/376 والمنتهى 42 وغاية المنتهى 3/350، 351 ومطالب أولي النهى 6/324 وكشاف القناع 6/198 والتنقيح 384. وحاشية الروض المربع 3/8-7/432. والمحلى 5/426-427،116،117،138-1/118،124. وفتح الباري 4/418. والطب النبوي للذهبي 246 والطب من الكتاب والسنة 202.
والقول بأن الآدمي ميتته سم فلا يجوز أكله حياً وميتاً لهذا السبب كما يقوله أكثر المالكية لا دليل عليه والله أعلم.
قال ابن عابدين رحمه الله: " وإن قال له آخر: اقطع يدي وكلها لا يحل، لأن لحم الإنسان لا يباح في الاضطرار" وقال: "والآدمي مكرم شرعاً، ولو كان كافراً، فإيراد العقد عليه وابتذاله به، وإلحاقه بالجمادات إذلال له وهو غير جائز وبعضه في حكمه، وصرح في فتح القدير ببطلانه"
وقال أيضاً: " ويبطل بيع رجيع الآدمي، وكل ما انفصل عنه كشعر وظفر لأنه جزء الآدمي ولذا وجب دفنه.
وقال ابن نجيم رحمه الله: " ولا يأكل المضطر طعام مضطر آخر ولا شيئاً من بدنه".
وقال الكاساني رحمه الله: " أما النوع الذي لا يباح ولا يرخص بالإكراه أصلاً فهو قتل المسلم بغير حق، سواء كان الإكراه ناقصاً أو تاماً
…
وكذا قطع عضو من أعضائه
…
ولو أذن له المكره عليه.. فقال للمكره: افعل، لا يباح له، لأن هذا مما لا يباح بالإباحة"
وقال في مجمع الأنهر: وتكره معالجة بعظم إنسان أو خنزير لأنها محرم الانتفاع بها.
وقال في الفتاوى الهندية: " ولا بأس بالتداوي بالعظم إذا كان عظم شاه أو بقرة أو بعير، أو فرس، أو غيره من الدواب إلا عظم الخنزير والآدمي، فإنه يكره التداوي بهما"
قالوا: " وهذا القول المنقول عن محمد بن الحسن الشيباني، والمعروف أن الكراهة عنده تعني الحرمة ما لم يقم الدليل على خلافه".
ومنها أيضاً: " الانتفاع بأجزاء الآدمي لم يجز قيل: للنجاسة، وقيل: للكرامة وهو الصحيح.."
ب ـ فقهاء المالكية:
قال الصاوي رحمه الله إن كسر عظام الميت انتهاك لحرمته ـ وقال أيضاً: " فإن بقي شيء من عظامه فالحرمة باقية لجميعه، فلا يجوز استخدام ظفر الميت، ولا جزء منه، ولا شعره لأن هذه الأجزاء محترمة وفي أخذها انتهاك لحرمتها" وقال صاحب جواهر الإكليل في شرحه: "والمنصوص المعول عدم جواز أكل الآدمي الميت، ولو كان كافراَ لمضطر لأكل الميتة، ولو مسلماً لم يجد غيره، إذ لا تنتهك حرمة الآدمي لآخر".
وقال ابن جزي رحمه الله: " ولا يجوز التداوي بالمحرمات كما لا يجوز أكل المضطر ابن آدم"
ج ـ فقهاء الشافعية:
قال الرملي رحمه الله: " ويحرم قطعه البعض من نفسه لغيره، ولو مضطراً ما لم يكن ذلك الغير نبياً فيجب له ذلك كما يحرم أن يقطع من غيره لنفسه من معصوم"
وقال البجيرمي رحمه الله: " ويحرم قطع بعضه لغيره من المضطرين لأن قطعه لغيره ليس فيه القطع لاستبقاء الكل، نعم إن كان ذلك الغير نبياً لم يحرم بل يجب كما يحرم على المضطر أيضاً أن يقطع لنفسه قطعة من حيوان معصوم.
وقال الإمام النووي رحمه الله:" ولا يجوز أن يقطع من معصوم غيره بلا خلاف، وليس للغير أن يقطع من أعضائه شيئاً ليدفعه إلى المضطر بلا خلاف صرح به إمام الحرمين والأصحاب"
وقال صاحب مغني المحتاج: " ويحرم جزماً على شخص قطعه أي بعض نفسه لغيره من المضطرين، لأن قطعه لغيره ليس فيه قطع البعض لاستبقاء الكل، كما يحرم على مضطر أيضاً أن يقطع لنفسه قطعة من حيوان معصوم".
د ـ فقهاء الحنابلة:
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله " فإن لم يجد المضطر شيئاً لم يبح له أكل بعض أعضائه.. وإن لم يجد إلا آدمياً محقوق الدم لم يبح قتله إجماعاً، ولا إتلاف عضو منه مسلماً كان أو كافراً لأنه مثله فلا يجوز أن يبقي نفسه بإتلافه وهذا لا خلاف فيه
…
وإن وجد معصوماً ميتاً لم يبح أكله".
وقال البهوتي رحمه الله: " فإن لم يجد المضطر إلا آدمياً محقوق الدم لم يبح له قتله، ولا إتلاف عضو منه مسلماً كان المحقوق أو كافراً ذمياً أو مستأمناً لأن المعصوم الحي مثل المضطر فلا يجوز له إبقاء نفسه بإتلاف مثله".
وقال أيضاً:" فإن لم يجد شيئاً مباحاُ، ولا محرماً لم يبح له أكل بعض أعضائه لأنه يتلفه لتحصيل ما هو موهوم"
وقال في موضع آخر: ولا يجوز التداوي بشيء محرم، أو بشيء فيه محرم كألبان الأتن ولحم شيء من المحرمات ولا يشرب مسكر، لقوله صلى الله عليه وسلم:" ولا تداووا بحرام "
هـ فقهاء الظاهرية:
قال الإمام ابن حزم الظاهري رحمه الله: " وكل ما حرم الله عز وجل من المآكل والمشارب من خنزير، أو صيد حرام، أو ميتة، أو دم، أو لحم سبع طائر
…
ونحو ذلك فهذا كله حلال عند الضرورة حاشا لحوم بني آدم، وما يقتل من تناوله، فلا يحل من ذلك شيء أصلاً لا بضرورة ولا بغيرها.
فهذه النصوص من عبارات الفقهاء الأعلام رحمهم الله تدل دلالة واضحة على أن الانتفاع بأعضاء الآدمي لا يجوز شرعاً في حال الضرورة، وأنه لو أذن الإنسان بأخذ شيء من جسده لكي ينتفع به فينجو من الهلاك في حال الاضطرار فإنه لا يحل له فعل ذلك.
وأن التداوي بالمحرمات " ومنها لحوم الآدميين " محرم شرعاً. وبناء على ذلك كله فإننا نخلص إلى اتفاقهم على تحريم الانتفاع بأعضاء الآدمي ولو كان كافراً في حالة الاضطرار، فضلاً عما دونها، كما نخلص إلى أن الإنسان إذا تبرع بشيء من أعضائه لمضطر لم يعتبر تبرعه لأنه واقع في غير موقعه.
2) أدلة القول الثاني: وهو الجواز:
1-
من الكتاب:
1-
: قوله تعالى: (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغٍْ ولا عادٍ فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم (وقوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به.. (إلى قوله: (فمن اضطر في مخمصة غير متجانفٍ لإثمٍ فإن الله غفور رحيم (وقوله تعالى: (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين. وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه
…
(وقوله تعالى: (قل لا أجد في ما أوحي إليَّ محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتةً أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجسٌ أو فسقاً أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فإن ربك غفورٌ رحيم (
وجه الدلالة:
أن هذه الآيات الكريمة اتفقت على استثناء حالة الضرورة من التحريم المنصوص عليه فيها والإنسان المريض إذا احتاج إلى نقل العضو فإنه سيكون في حكم المضطر لأن حياته مهددة بالموت كما في حالة الفشل الكلوي، وتلف القلب ونحوهما من الأعضاء المهمة في جسد الإنسان.
وإذا كانت حالته حالة اضطرار فإنه يدخل في عموم الاستثناء المذكور فيباح نقل ذلك العضو إليه.
2-
قوله تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً (
وجه الدلالة: أن قوله سبحانه: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً (عام يشمل كل إنقاذ من تهلكة.
وعليه فإنه يدخل فيه من تبرع لأخيه بعضو من أعضائه لكي ينقذه من الهلاك، أو يعيد إليه بصره الذي فقد نوره.
3-
قوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر
…
الآية (وقوله تعالى: (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً (وقوله سبحانه: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج
…
(وقوله سبحانه: (وما جعل عليكم في الدين من حرج
…
الآية (
وجه الدلالة من هذه الآيات الكريمة:
أن في إجازة نقل الأعضاء الآدمية تيسير على العباد ورحمة بالمصابين والمنكوبين، وتخفيفاً للألم وكل ذلك موافق لمقصود الشرع، بخلاف تحريم نقلها، فإن فيه حرجاً ومشقة الأمر الذي ينافي ما دلت عليه هذه النصوص الشرعية.
2 ـ دليلهم من العقل من الوجوه التالية:
الوجه الأول: يجوز التداوي بنقل الأعضاء الآدمية كما يحوز التداوي بلبس الحرير لمن به حكة بجامع وجود الحاجة الداعية إلى ذلك في كلٍ. وكما يجوز نقل الدم.
الوجه الثاني: يجوز التداوي بنقل الأعضاء الآدمية كما يجوز التداوي باستعمال الذهب لمن احتاج إليه بجامع وجود الحاجة الداعية إلى ذلك في كل.
الوجه الثالث: أن الفقهاء رحمهم الله نصوا على جواز شق بطن الميت لاستخراج جوهرة الغير إذا ابتلعها الميت، فلأن يجوز نقل أعضاء الميت أولى وأحرى لمكان إنقاذ النفس المحرمة التي هي أعظم حرمة من المال.
الوجه الرابع: يجوز نقل الأعضاء الآدمية كما يجوز تشريحها بجامع وجود الحاجة في كل.
الوجه الخامس: أن بقاء الأعضاء الآدمية لشخص آخر ينتفع بها بعد موت صاحبها يعتبر من باب الصدقة عليه، فهي صدقة جارية مندوب إليها خاصة إذا وصى بذلك صاحبها قبل الوفاة محتسباً الأجر عند الله تعالى.
الوجه السادس: أن الله تعالى امتدح من آثر أخاه على نفسه بطعام أو شراب أو مال أحق به. قال تعالى (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) فإذا كان ذلك في هذه الأمور اليسيرة، فكيف بمن آثر أخاه بعضو أو جزئه لكي ينقذه من الهلاك المحقق لا شك أنه أولى وأحرى بالمدح والثناء، ومن ثم يعتبر فعله جائزاً ومشروعاً. فالتبرع بالأعضاء من باب الإيثار وهو مرغبٌ فيه، ومما يدل على ذلك قصة الصحابة الذين أصيبوا في موقعة أجنادين أو اليرموك وجيء إلى أحدهم بماء فآثر آخاه فلما عرض على الثاني آثر بالثالث فلما وصل الماء إلى الثالث فإذا به قد مات فأعيد إلى الثاني ثم الأول فوجدا ميتين والصحابة هم: الحارث بن هشام، وعكرمة بن أبي جهل، وعياش بن ربيعة رضي الله عنهم . وقد وقى طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فشلت كما في الصحيح فالإيثار هو تقديم الغير على النفس وحظوظها الدينوية رغبة في الحظوظ الدينية وهو ممدوح.
الوجه السابع: أن الإنسان مأذون له بالتصرف في جسده بما فيه المصلحة، فإذنه بالتبرع فيه مصلحة عظيمة فيجوز له فعله.
3-
دليلهم من القواعد الفقهية:
استدلوا بالقواعد الفقهية التالية:
1-
الضرر يزال. 2- الضرورات تبيح المحظورات. 3- إذا ضاق الأمر اتسع.
وجه الدلالة: أن هذه القواعد المستنبطة من نصوص الشريعة دلت على الترخيص للمتضرر بإزالة ضرره ولو بالمحظور.
فالقاعدتان الأولى والثانية دلتا على أن المكلف إذا بلغ مقام الاضطرار رخص له في ارتكاب المحظورات شرعاً.
ودلت القاعدة الثالثة على أن بلوغ المكلف لمقام المشقة التي لا يقدر عليها يوجب التوسيع عليه في الحكم.
4-
"إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما"
وجه الدلالة: أن القاعدة دلت على أنه إذا وقع التعارض بين مفسدتين فإننا ننظر إلى أيهما أشد فنقدمها على التي هي أخف منها.
وفي مسألتنا هذه وقع التعارض بين مفسدة أخذ العضو الحي أو الميت وبحصول بعض الألم للأول، والتشوه في جثة الثاني، وبين مفسدة هلاك الحي المتبرع له، ولا شك أن مفسدة هلاك الحي المتبرع له المريض أعظم من المفسدة الواقعة على الشخص المتبرع حياً كان أو ميتاً فتقدم حينئذٍ لأنها أعظم ضرراً وأشد خطراً.
5-
أن الأحكام تتغير بتغير الأزمان:
وجه الدلالة: أن نقل الأعضاء الآدمية كان قبل ترقي الطب يعتبر ضرراً وخطراً، والآن بعد تقدم الطب أصبح سهلاً مأمون العاقبة بالتجربة فوجب تغيير الحكم بتغير الحال فنقول هو حرام حينما كان في العصور السابقة التي يغلب على الظن فيها الهلاك بعملية النقل، ويعتبر حلالاً في هذه العصور الحديثة التي أصبح فيها دواء وعلاجاً نافعاً. فقد قال ابن حزم: لا يجوز شق البطن الحي لأن في ذلك قتله وهذا بالنظر إلى عصره رحمه الله .
6-
الأمور بمقاصدها:
وجه الدلالة: أن هذه القاعدة دلت على أن الأعمال معتبرة على حسب النيات والمقاصد وعليه فإن نقل الأعضاء الآدمية يختلف حكمه بحسب اخلاف المقصود منه، فإن كان المقصود به انقاذ النفس المحرمة ودفع الضرر الأشد بالأخف فإنه يكون مقصداً محموداً وعملاً مشروعاً يثاب فاعله ويمدح عليه، وهذا هو مقصودنا بالقول بجوازه.
…
وأما إن كان المقصود به إهانة الميت وأذيته بالتمثيل به فهذا مقصد مذموم وعمل محرم ونحن لا نقول به.
4-
استشهادهم بأقوال الفقهاء المتقدمين رحمهم الله:
فقد ذهب الكاساني رحمه الله إلى أن عصمة النفس لا تحتمل الإباحة في الجملة بحال.. بخلاف الأطراف لأن عصمة الطرف تحتمل الإباحة في الجملة فجاز أن يؤثر الأمر فيها.. فلو قال له: اقطع يدي فقطع فلا شيء عليه (أي القاطع) بالإجماع لأن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال وعصمة الأموال تثبت حقاً له فكانت محتملة للسقوط بالإباحة والإذن كما لو قال له: اتلف مالي فأتلفه.
ولما فيه من المصالح وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : إذا أشكل عليك شيء هل هو حلال أو حرام أو مأمور به أو منهي عنه؟ فانظر إلى أسبابه الموجبة وآثاره ونتائجه الحاصلة فإذا كانت منافع ومصالح وخيرات وثمراتها طيبة كان من قسم المباح أو المأمور به وإذا كانت بالعكس كانت بعكس ذلك.
وقالوا أيضاً: إن مذهب بعض أهل العلم رحمهم الله من الفقهاء جواز قتل الآدمي غير معصوم الدم وأكل لحمه عند الاضطرار ويظهر ذلك جلياً في النصوص التالية من كلامهم رحمهم الله: قال الإمام النووي رحمه الله: ويجوز له قتل الحربي، والمرتد، وأكلهما بلا خوف، وأما الزاني المحصن، والمحارب، وتارك الصلاة ففيهم وجهان: أصحهما: وبه قطع إمام الحرمين، والمصنف،والجمهور: يجوز.
قال الإمام: لأننا منعنا من قتل هؤلاء تفويضاً إلى السلطان لئلا يفتات عليه، وهذا العذر لا يوجب التحريم عند تحقق ضرورة المضطر.
…
وأما إذا وجد المضطر من له عليه قصاص فله قتله قصاصاً وأكله، سواء حضره السلطان أم لا.. وأما نساء أهل الحرب وصبيانهم ففيهم وجهان:
الثاني: وهو الأصح: يجوز
…
أما إذا لم يجد المضطر إلا آدمياً ميتاً ففيه طريقان أصحهما وأشهرهما يجوز..) وقال الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله " لو وجد المضطر من يحل قتله كالحربي، والزاني المحصن، وقاطع الطريق الذي تحتم قتله، واللائط، والمصر على ترك الصلاة جاز له ذبحهم وأكلهم إذ لا حرمة لحياتهم لأنها مستحقة الإزالة، فكان المفسدة في زوالهما أقل من المفسدة في حياة المعصوم
…
"
ومعلوم أن الشخص المريض قد بلغ حالة الاضطرار كما في مرض الفشل الكلوي، ومرض القلب الذي يهدد صاحبه بالموت، وقد نص هؤلاء الفقهاء على جواز أكل المضطر للحم الميت غير المعصوم والمعصوم مع أن الأكل يوجب استنفاذ الأعضاء فلأن يجوز النقل والتبرع الموجب لبقائها ودوامها أولى وأحرى،وحرمة الحي أولى من حرمة الميت في الأصل فكذلك في مسألتنا هذه".
فإذا أذن الورثة جاز النقل، لأن الحقوق المعنوية تورث بالموت، وبناءً عليه يمكن للورثة أن يتبرعوا بأعضاء مورثهم.
الشروط المشترطة لما يجوز نقله عند من قال بالجواز:
جاءت بعض الشروط في مجلة الجامعة الأردنية وهي:
1 ـ أن لا يوجد دواء أو علاج آخر يقوم مقام هذه العضو.
2 ـ أن يغلب على ظن الطبيب نجاح العملية.
3 ـ أن يقتصر ذلك على حالات الضرورة.
4 ـ أن يؤخذ العضو بإذن المريض في حياته أو من وليه حين الوفاة في غير حالات الضرورة القصوى كنقل قرنية عين إنسان لإنسان آخر. أما في حالة الضرورة القصوى التي يتيقن فيها موت المريض فيؤخذ العضو بغير إذن المريض أو وليه قياساً على أكل المضطر لحم الآدمي الميت.. الخ.
5ـ لا يجوز نقل عضو المعصوم إلى غير المعصوم ويجوز نقل عضو غير المعصوم إلى المعصوم.
6 ـ مراعاة أصول الكرامة الإنسانية وقت إجراء العملية الجراحية.
ومن الشروط التي ذكرها صاحب كتاب شفاء التباريح.
7 ـ أن يعلم أو يغلب على الظن أنه لو لم يتداوى أدى ذلك إلى الموت أو هلاك عضو من أعضائه.
8 ـ التأكد من موت من يراد نقل عينه أو قلبه أو كليته أو تشريحه لأنه كثيراً ما يحكم الأطباء بموت إنسان وتمتد إليه الأيدي بالتشريح أو بغيره ثم يظهر بعد ذلك أنه حي فينتعش ويقوم حياً ويذهب حكم الأطباء بموته أدراج الرياح.
9 ـ موافقة المنقول إليه على ذلك أو موافقة أوليائه إن كان صغيراً.
10 ـ أن تكون العملية بقدر الضرورة أو الحاجة.
11 ـ أن لا يكون للعضو المنقول أثر في اختلاط الأنساب.
12 ـ أن لا يهمل الطبيب شيئا من واجباته العلمية والشرعية.
13 ـ أن لا يتناول صاحب هذه الأعضاء مالاً في مقابلها. وزاد بعضهم:
14 ـ أن لا يكون لمريد زرع العضو أثرٌ في تقرير موت من سيؤخذ منه العضو.
مناقشة أدلة المانعين:
أولاً: مناقشة أدلة الكتاب:
1-
قوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة (
يجاب عنه من وجوه:
الوجه الأول: لا نسلم الاحتجاج بها لكونها خارجة عن موضع النزاع، لأننا نشترط في جواز النقل أن لا تكون حياة المتبرع مهددة بالهلاك، وإطلاق القول بأن التبرع في حال الحياة يؤدي إلى الهلاك لا يقبل إلا بشهادة أهل الخبرة من الأطباء، وهم لا يقولون بذلك.
الوجه الثاني: سلمنا صحة الاستدلال بها لكن نقول أنها أخص من الدعوى لأنها مختصة بحال الحياة، وأما بعد الموت فإنها غير شاملة له.
الوجه الثالث: قلب الاستدلال بها، ووجه ذلك أن الشخص إذا امتنع من قبول تبرع الغير بالعضو الذي تتوقف عليه نجاته ـ بإذن الله تعالى ـ على نقله إليه يعتبر ملقياً بنفسه إلى الهلاك، فيحرم عليه الامتناع من هذا الوجه، ومن ثم تكون موافقته مشروعة وواجبة عليه.
2-
قوله تعالى (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله)
والجواب: أن نقل الأعضاء خارج عن هذه الآية، لأنه مبني على وجود الضرورة والحاجة الداعية إلى فعله، والآية إنما يقصد منها ما كان على وجه العبث دون وجود ضرورة أو حاجة داعية كما سيأتي بيانه في الجراحة التجميلية الحاجية.
3-
قوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً (يجاب عنه بما تقدم في الجواب عن الآية الأولى.
4-
قوله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر (
يجاب عنه من وجهين:
الوجه الأول من المتجيزين: أن نقل العضو فيه تكريم حساً ومعنىً، أما كونه تكريماً حسياً فلأن ذلك العضو بدل أن يصير إلى التراب والبلى بقي في جسد المسلم يستعين به على طاعة الله ومرضاته. وأما كونه تكريماً معنوياً فلما فيه من الأجر والثواب للمتبرع لكونه فرج به الكربة عن أخيه المسلم.
الوجه الثاني: على ما يترجح من جواز النقل من الكافر فقط:
أن الكافر ليس من الجنس الذي قصد الشرع تكريمه، بل إن إهانته مقصودة شرعاً، والتمثيل بجثته إنما يحرم على وجه لا تدعو إليه حاجة، أما لو وجدت الحاجة فإنه لا حرج فيه كما هو الحال هنا.
ثانياً: مناقشة أدلة السنة:
1-
حديث جابر (في قصة الرجل الذي قطع براجمه فمات) حديث جابر رضي الله عنهما يتعين من أقوى الأدلة الدالة على تحريم نقل الأعضاء، لكنه يمكن الجواب عنه من وجهين:
الوجه الأول: تخصيص دلالته فهذا الحديث أقدم فيه رجل على قطع البراجم للتخلص من الآلام، وهي مصلحة لا تبلغ مرتبة الضروريات، بل هي في مرتبة الحاجيات.
ومن ثم فإنه يصلح دليلاً على منع نقل القرنية، والجلد، ونحوها من الأعضاء التي يقصد من نقلها تحقيق مصلحة حاجية.
وأما النقل الضروري الذي يقصد منه إنقاذ النفس المحرمة، فإن الحديث لا يشمله، فإن قيل العبرة بعموم قوله (ما أفسدت) وهو متعلق بالقطع، قيل في جوابه: إن هذا الوصف يوجب تخصيص الحكم بحاجة الإفساد بأن تقطع الأعضاء وتبتر لغير حاجة ضرورية وهذا ليس موجوداً في مهمة نقل الأعضاء.
الوجه الثاني على ما يترجح من جواز النقل من الكافر فقط: أن غاية ما دل عليه الحديث تعذيب من أقدم على القطع والبتر لأعضائه، وهذا أمر كائن للكافر في كلتا الحالتين تبرع أو لم يتبرع فلا حرج في أخذ أعضائه، ولو كان في ذلك زيادة عذاب عليه، ويرخص للمسلم لمكان الحاجة والضرورة.
2) حديث أسماء رضي الله عنها في تحريم وصل الشعر. يجاب عنه من وجهين:
الوجه الأول: أن وصل الشعر يعتبر مصلحة كمالية بخلاف الأعضاء التي تعتبر من المصالح الضرورية والحاجية، فيحرم الأول ويجوز الثاني لمكان الحاجة الداعية إليه.
الوجه الثاني: أن وصل الشعر المذكور في الحديث مفض إلى مفسدة الإضرار بالغير وهو غش المرأة لزوجها كما هو واضح من سياق الحديث بخلاف نقل الأعضاء المشتمل على درء المفاسد ودفعها.
3-
وأما حديث النهي عن المثلة. فيجاب عنه من وجهين:
الوجه الأول من المجيزين: أن مفسدة التمثيل معارضة لمفسدة هلاك المريض المحتاج للعضو فوجب اعتبار المفسدة العليا وهي مفسدة هلاك المريض، ومن ثم لم يلتفت إلى ما هو دونها للقاعدة الشرعية " إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما".
والتمثيل عند الضرورة يجوز كما يدل على ذلك قصة العرنيين.
* الوجه الثاني: من المجيزين أيضاً:
أنه إذا سقط اعتبار مفسدة التمثيل في التشريح لمكان المصلحة الراجحة فلأن يسقط اعتبارها في نقل الأعضاء أولى وأحرى.
4-
حديث النهي عن كسر عظم الميت. يجاب عنه من وجهين: الوجه الأول على القول بالجواز مطلقاً: أن التشبيه في كسر العظم للميت بعظم الحي في أصل الحرمة لا في مقدارها بدليل اختلافهما في الضمان والقصاص ففي الاعتداء على الميت الإثم والتعزير ولا قصاص ولا دية، واختلافهما في وجوب صيانة الحي بما لا يجب به صيانة الميت.
أو نقول: أن هذا الحديث خارج عن موضوع النزاع، لأن الأطباء لا يقومون بكسر الأعضاء المنقولة بل يحافظون عليها محافظة شديدة طلباً لنجاح مهمة النقل والزرع.
ورد بأن العظم هو آخر ما يبقى من الميت فالنهي عن كسره من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى لأن تقطيع اللحم أشد بشاعة، وإنما ذكر العظم لأن سبب الحديث أن حافراً وجد عظماً في القبر كما ورد ذلك في حديث جابر.
الوجه الثاني: على القول بجواز النقل من الكافر فقط: هذا الحديث مقيد بالمؤمن كما ورد ذلك صريحاً في الرواية الأخرى، ثم إن الكافر غير معصوم الدم حياً ولا ميتاً " إلا الذمي والمستأمن" فيجوز التصرف بأعضائه ولو كان متأذياً بذلك لأن إيذاءه فيه موافقة لمقصود الشرع وليست فيه مخالفة.
5-
حديث لا ضرر ولا ضرار: يجاب عنه من وجهين:
الوجه الأول على القول بالجواز مطلقاً: إن غاية ما دل عليه الحديث هو تحريم الضرر والإضرار، ونحن لا نسلم بأن الشخص المنقول منه يتضرر بهلاكه مستقبلاً، لأن الأطباء لا يقومون بمهمة النقل من شخص يؤدي نقل عضوه إلى هلاكه، ونحن لا نجيز النقل في هذه الحالات.
وعلى هذا فإن الحديث يعتبر خارجاً عن محل النزاع.
والوجه الثاني على القول بجواز النقل من الكافر فقط: إن الإضرار بالكفار مقصود شرعاً.
6-
وأما حديث جابر رضي الله عنه في البداءة بالنفس. فيجاب عنه بقلب الاستدلال به، وذلك بأن يقال إن الإنسان إذا أراد التبرع بالعضو يبدأ بنفسه، فإن كان في تبرعه إضرار به لم يتبرع، وأما إن لم يكن فيه ضرر فإنه لا يشمله الحديث مطلقاً.
ثالثاُ: مناقشة الأدلة العقلية:
أما الوجه الأول: فيجاب عنه بأن الإنسان مأذون له بالتصرف في جسده بما فيه الخير، لذلك الجسد في الدنيا والآخرة.
والإذن بنقل الأعضاء فيه خير للآذن في الآخرة من جهة الثواب الذي سيتبعه، لما اشتمل عليه ذلك الإذن من تفريج كربة المسلم، والإحسان إليه.
أما الوجه الثاني: فيجاب عنه بأن النقل يشترط لجوازه عدم اشتماله على هلاك الشخص المنقول منه، وبذلك يكون الدليل خارجاً عن موضع النزاع.
أما الوجه الثالث: أن كرائم الأموال تقبل بإذن مالكيها فكذلك نقل الأعضاء.
أما الوجه الرابع: أن استقطاع الأبضاع مبني على حرمة المشاركة فيها لكونها مفضية إلى مفسدة الزنى، وهذه العلة غير متحققة في نقل الأعضاء، ومن ثم فإن القياس يعتبر قياساً مع الفارق.
3-
مناقشة استدلالهم بالقواعد الفقهية:
أما القاعدة الأولى والثانية فلا ترد على القول بالجواز، لأن من شرطه أن لا يؤدي إلى هلاك الشخص المنقول منه العضو.
…
وأما القاعدة الثالثة فيجاب عنها بأن لكل قاعدة مستثنيات، وخاصة إذا كانت الفروع والمسائل المستثناة شهدت أصول الشرع باعتبار موجباتها، وعلى هذا فإنه تستثنى مهمة النقل من هذه القاعدة لمكان الحاجة والضرورة الداعية إليها،وهي ضرورة إنقاذ النفس ودفع مشقة الأسقام عنها.
4-
مناقشة استشهادهم بنصوص الفقهاء رحمهم الله: تضمنت نصوصهم ما يلي:
1-
عدم جواز قطع شيء من الجسد للمضطر ليأكله. والجواب من وجوه: الوجه الأول: أن هذا لا يشمل ما بعد الموت لعدم وجود المفسدة المترتبة على القطع حال الحياة.
الوجه الثاني: أن الاستدلال بهذا الحكم معارض بوجود القول المخالف كما سبق بيان نصوصهم التي استشهد بها أصحاب القول الثاني.
الوجه الثالث: أن هذا الاستدلال معارض بما نصوا عليه من جواز قطع البعض من أجل اسبتقاء الكل كما في قطع اليد المتآكلة والسلعة ونحوها من الآفات. فقولهم بجواز القطع على هذا الوجه يدل على اعتبارهم للحكم بجواز القطع لإنقاذ النفس وهذا موجب بعينه في مهمة نقل الأعضاء.
2-
تحريم التداوي بأجزاء الآدمي، وقد علل بعضهم ذلك بكونه موجباً لانتهاك حرمة الآدمي.
وجواب ذلك ما تقدم عند الجواب على استدلالهم بالآية الرابعة: (ولقد كرمنا بني آدم
…
(
3-
تحريم كسر عظام الميت: وجوابه ما تقدم في الجواب عن الحديث الوارد في ذلك.
4-
عدم جواز قتل النفس المحرمة لاستبقاء مثلها.
والجواب أن هذا إنما يختص بحالة التبرع من الحي وهو مختص بالحالة التي يغلب على الظن فيها هلاك المتبرع، وقد تقدم أن شرط جواز التبرع عدم ترتب الهلاك عليه، ومن ثم فإنه لا يرد الاستدلال بعباراتهم على هذا الوجه.. والله تعالى أعلم
مناقشة أدلة المجيزين:
1-
استدلالهم بالآيات المبيحة للمحرم عند الاضطرار.
الجواب: أن ذلك يشترط فيه أن تكون المصلحة متيقنة وينتفع بها الحي ويضطر لها أي لهذه الصورة فقط بحيث لا يمكن خلاص أحدهما إلا بإهدار الآخر وإنما يستدل بالاضطرار إذا كانت نجاة الأحياء متوقفة على إلحاق الضرر بالأموات كما لو سقطت دار على بعضهم فيخرج الأحياء ولو تضرر الأموات بالسير فوق الجثث مثلاً، وهذا غير متحقق هنا. وفرق بين المال وغيره فالمال يحل عند الاضطرار أما الأعضاء فهي واجبة الإبقاء.
ثم إن الضمير في قوله تعالى: (إلا ما اضطررتم إليه) عائد على ما ذكره الله من المحرمات كتحريم الميتة والدم المسفوح والمتردية والنطيحة وغيرها مما ذكره الله في سورتي الأنعام والبقرة، وقد نُقل هذا عن ابن عباس كما في الدر المنثور (1/407) وقال ابن كثير: من احتاج إلى تناول شيء عن هذه المحرمات التي ذكرها الله تعالى لضرورة ألجأته إلى ذلك.
ورد بأن الحكم عام قال الجصاص: والضرورة المذكورة في الآية منتظمة لسائر المحرمات وذكره لها في الميتة وما عطف عليها غير مانع من اعتبار عموم الآية الأخرى في سائر المحرمات.
2-
أما استدلالهم بالعقل:
فأما القياس على الدم فهو قياسٌ مع الفارق لأن الدم يتجدد في جسم الإنسان.
وأما قولهم أنه من الإيثار المحمود والاستدلال بقصة الصحابة فنوقش بأن القصة ضعيفة فقد ذكر ابن سعد أنه ذكره للواقدي فقال: هذا وهم روينا عن أصحابنا أهل العلم والسير أن عكرمة قتل في اجنادين في خلافة أبي بكر (وقيل غير ذلك) وعياش مات بمكة، والحارث بالشام في طاعون عمواس وقال ابن قتيبة في عيون الأخبار هذا عندي موضوع والإسناد غير متصل لأن عبد الله بن مصعب بن ثابت ضعيف ولم يشهد اليرموك وقد اختلف في تعيين الثلاثة وقال الهيثمي رواه الطبراني وخبيب لم يدرك اليرموك وفي إسناده من لم أعرفه. ثم إن الإيثار لا يكون بالإضرار بالنفس والولد، قال ابن مفلح تعليقاً على إكرام الأنصاري ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم : والحديث محمولٌ على أنه لم يكن الأنصاري وأولاده في حاجة إلى الأكل بحيث يحصل الضرر بتركه وإلا لوجب تقديمهم شرعاً على حق الضيف وفيه الإيثار ممن لم يتضرر بأمور الدنيا.
ولو سلمنا بجوازه فإن الإيثار إنما يكون في حقوق العباد دون حقوق الله تعالى، فحق الله لا يملك الإيثار به ولذلك حرم الانتحار (1) .
(1) - وانظر قاعدة لا إيثار في القربات في القواعد الكبرى للعز بن عبد السلام، والأشباه والنظائر للسيوطي.
ورد بأن تحمل المضرة اللاحقة بسبب الإيثار لا عتب فيه إذا لم يخل بمقصد شرعي قال السيوطي: ولو أراد المضطر إيثار غيره بالطعام لاستبقاء مهجته كان له ذلك وإن خاف فوت مهجته. وأما أن بدنه حق لله تعالى فلا يملك حق التصرف والإيثار به فنقول: إن حقوق الإنسان ملك لله تعالى ولكنه يتصرف فيها بما لا مضرة فيه فيملك التصرف بماله وإن كان لا يملك إتلافه، بل لقد قال ابن القيم رحمه الله : يجوز الإيثار حتى في أمور الآخرة وذكر قصة عائشة رضي الله عنها في تبرعها بموضع القبر وقال: وعلى هذا فإذا اشتد العطش بجماعة وعاينوا التلف ومع بعضهم ماء فآثر به على نفسه واستسلم للموت كان ذلك جائزاً ولم يعتبر قاتلاً لنفسه ولا أنه فعل محرماً بل هذا غاية الجود والسخاء.
3-
مناقشة استدلالهم بالقواعد الفقهية:
أما استدلالهم بقاعدة (الضرر يزال) فيجاب عنه بأنه معارضٌ لقاعدة: لا يزال الضرر بالضرر. وهنا إزالة ضرر الحي لا يكون إلا بإلحاق الضرر بالميت.
وأما استدلالهم بقاعدة (المشقة تجلب التيسير) فالجواب أن هذا في رخص الشارع لا في ما شدد في النهي عنه وصانه كحرمة الآدمي.
ورفع الحرج لا يكون فيما تحريمه مؤبد فمثل هذا لا تحله الضرورة كضرب الوالدين ونكاح المحارم.
4-
مناقشة احتجاجهم بأقوال الفقهاء":
مناقشة استدلالهم بإباحة بعضهم أكل المضطر للميت:
أجيب بأن ذلك بالنسبة للمعصوم معارضٌ لقوله تعالى: (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه) . وأما غير المعصوم وإهدار الشرع لدمه فأجيب: بأن الشرع أمر بإحسان القتلة،كما أنه نهى عن قتل من لم يحمل السلاح وعن التمثيل، وإنما أباح قتال المقاتلين، وأوجب الدعوة إلى الإسلام أولاً، لأن القتال إنما يكون لإعلاء كلمة الله لا من أجل النفس، قال ابن حزم: فلا يجوز التمثيل بكافر ولا مؤمن، وقال: وتركه لا يدفن مثلة. والمرتد ونحوه إنما يقوم بقتله الإمام للمصلحة، وهذه المصلحة غير متحققة بأكله.
ثم إن أكل الآدمي ظلم ولم يفعله الصحابة.
وأما ما نُقل عن الكاساني فقد ورد عنه ما يخالفه فقد قال في بدائع الصنائع (ج 7 ص 236) : وأما النوع الذي لا يباح ولا يرخص بالإكراه أصلاً فهو قتل المسلم بغير حق لأن قتل المسلم بغير حق لا يحتمل الإباحة بحال..وكذا قطع عضوٍ من أعضائه..لأن هذا مما لا يباح بالإباحة ولو فعل فهو آثم، ألا ترى أنه لو فعل بنفسه أثم فبغيره أولى. وقال في تبيين الحقائق: إن حرمة العضو كحرمة النفس.
وقال القرافي: وقد يوجد حق الله تعالى وهو ما ليس للعبد إسقاطه ويكون معه حق العبد كتحريمه تعالى لعقود الربا والغرر والجهالات فإن الله تعالى إنما حرمها صوناً لمال العبد عليه..ولو رضي العبد بإسقاط حقه في ذلك لم يؤثر رضاه.
الترجيح
الراجح هو: القول بجواز نقل الأعضاء الآدمية من الحي والميت، ولكن بشرط أن يكون الشخص المنقول منه العضو كافراً، وذلك لما يلي:
أولاً: لصحة ما ذكره القائلون بجواز النقل من وجود الحاجة التي بلغت مقام الضرورة، وما في حكمها، وهذا المقام شهدت نصوص الشرع وقواعده باعتباره مستثنى من التحريم، ولكن بقدر ما تندفع به تلك الضرورة والحاجة.
واعتبار هذه النصوص والقواعد الفقهية محل إجماع بين أهل العلم رحمهم الله فكم استثنوا بها من المحرمات المتعلقة بالعبادات والمعاملات.
ثانياً: أن هذه الضرورة يمكن دفعها بالكفار، وأما حالات الفشل الكلوي فإنها تعالج بالغسيل كما هو معروف، وبوجود هذين البديلين تضعف الحاجة والضرورة عن بلوغ المقام الذي يوجب التوسع إلى المسلمين سواء كانوا أحياء أو ميتين.
ثالثاً: أن حديث جابر رضي الله عنه في قصة الرجل الذي قطع براجمه واضح في الدلالة على عدم اعتبار المصلحة الحاجية بقطع شيء من الجسد، وأن ذلك يوجب نوعاً من العقوبة في الآخرة، ومن ثم فإنه لا يجوز الإقدام على قطع شيء من جثة المسلم طلباً لدفع الحاجة المتعلقة بالغير، لأنه إذا لم يجز ذلك للشخص نفسه فمن باب أولى ألا يجوز لغيره.
…
وأما الكافر فإنه لا يدخل ضمنه لأن تعذيبه في الآخرة مقصود شرعاً فمن ثم جاز أخذ شيء من جثته لسد حاجة المسلم.
رابعاً: أن الأصل يقتضي حرمة المساس بجسد المسلم بالجرح والقطع حياً أو ميتاً فوجب عليه البقاء عليه حتى يوجد الدليل الموجب للعدول والاستثناء منه.
خامساً: أن أدلة القائلين بالمنع لم تسلم من ورود القوادح عليها، وإن سلمت فإن جلها يتعلق بالمسلم، وأما الكافر فإنه يمكن نقل العضو منه إعمالاً للدليل المخالف وبهذا يمكن الجمع بين الأدلة والله تعالى أعلم.
وقد أصدر مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمر الرابع بجدة لعام 1408 هـ قراراً ومما جاء فيه: بعد حصر هذا الموضوع في النقاط التي يتحرر فيها محل البحث وتنضبط تقسيماته وصوره وحالاته التي يختلف الحكم تبعاً لها قرر ما يلي: ـ
من حيث التعريف والتقسيم:
أولاً: يقصد هنا بالعضو أي جزء من الإنسان، من أنسجة وخلايا ودماء ونحوها كقرنية العين سواء أكان متصلاً به أم انفصل عنه.
ثانياً: الانتفاع الذي هو محل البحث هو استفادة دعت إليها ضروة المستفيد لاستبقاء أصل الحياة أو المحافظة على وظيفة أساسية من وظائف الجسم كالبصر ونحوه. على أن يكون المستفيد يتمتع بحياة محترمة شرعاً.
ثالثاً: تنقسم صور الإنتفاع هذه إلى الأقسام التالية:
1 ـ نقل العضو من حي.
2 ـ نقل العضو من ميت.
3 ـ النقل من الأجنة.
الصورة الأولى: وهي نقل العضو من حي، تشمل الحالات التالية:
أـ نقل العضو من مكان من الجسد إلى مكان آخر من الجسد نفسه كنقل الجلد والغضاريف والعظام والأوردة والدم ونحوها.
ب ـ نقل العضو من جسم إنسان حي إلى جسم إنسان آخر وينقسم العضو في هذه الحالة إلى ما تتوقف عليه الحياة وما لا تتوقف عليه.
أما ما تتوقف عليه الحياة فقد يكون فردياً وقد يكون غير فردي فالأول كالقلب والكبد والثاني كالكلية والرئتين.
وأما ما تتوقف عليه الحياة فمنه ما يقوم بوظيفة أساسية في الجسم ومنه ما لا يقوم بها ومنه ما يتجدد تلقائياً كالدم ومنه ما لا يتجدد ومنه ما له تأثير على الأنساب والموروثات والشخصية العامة كالخصية والمبيض وخلايا الجهاز العصبي ومنه ما لا تأثير له على شيء من ذلك.
الصورة الثانية: وهي نقل العضو من ميت:
ويلاحظ أن الموت يشمل حالتين:
الحالة الأولى: موت الدماغ بتعطل جميع وظائفه تعطلاً نهائياً لا رجعة فيه طبياً.
الحالة الثانية: توقف القلب والتنفس توقفاً تاماً لا رجعة فيه طبياً.
فقد روعي في كلتا الحالتين قرار المجمع في دورته الثالثة.
الصورة الثالثة: وهي النقل من الأجنة وتتم الاستفادة منها في ثلاث حالات:
حالة الأجنة التي تسقط تلقائياً.
حالة الأجنة التي تسقط لعامل طبي أو جنائي.