الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وانزلاق الأرض تحت أقدام المشركين ولا ماء عندهم. وذلك لصالح المسلمين وما كان ليتم ذلك إلا بتوجيه إلهي للخطة وعناية بالمسلمين وفي الصباح يلتقي الجمعان على تلك الحال ولم يبق إلا القتال.
قبل بدء المعركة:
كل ما تقدم من خروج وإغراء وتوجيه. ومشورة وأمنة النعاس وإنزال الماء من السماء وتثبيت الأقدام وغير ذلك. إنما هو مقدمة وتهيئة لهذه اللحظة. لحظة بدء القتال. فهي أخطر لحظة في المعركة. وهي أهم نقطة في الخطة. وأدق جزء في التوجيه وعليها يتوقف مصير المعركة. وبالتالي مصير الدعوة والأمّة بل والإنسانية كلها.
فهي اللحظة الحاسمة وهي الفرقان بين الحق والباطل. وبين البطر والتواضع ومن ثم نجد التوجيه أشد ما يكون. والتعليمات في منتهى الحزم والشدة والقسوة. ونستطيع تسميتها تعليمات الميدان {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} .
وتفصيل تلك التعليمات:
أ- فلا تولوهم الأدبار. وبهذا لا يملكون انهزاما ووجب عليهم الصبر والثبات أمام العدو مهما كانت النتائج.
ب- عقوبة من تسول له نفسه بالتولي غضب الله في الدنيا. ومآله جهنم وبئس المصير.
وهذا خاص ببدر دون غيرها من الغزوات لقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ} ولكأن المسلمين ذلك اليوم لا يملكون أنفسهم. ولا لهم حق التصرف في شيء. حتى في تحركاتهم.
وقد جاء ما يؤيِّد هذا عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. فقال عمر: "يا أيها الناس لا تغرنكم هذه الآية فإنما كانت يوم بدر وأنا فئة لكل مسلم". وقال نافع: "سألت بن عمر قلت إنا قوم لا نثبت عند قتال عدونا ولا ندري من الفئة. إمامنا أو عسكرنا؟ " فقال: "إن الفئة رسول الله
صلى الله عليه وسلم". فقلت: "إن الله يقول: {إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً..} الآية " فقال: "إنما أنزلت في يوم بدر لا قبلها ولا بعدها".
وهذا بخلاف غيرها من الغزوات فقد جاء في حق أُُحد بعدها بسنة قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} . ويؤكد أنها في أُحد عدم تولي أَحَدٌ يوم بدر حيث ثبتوا جميعا. بينما في أُحد تولى البعض منهم حتى وصل العريض ووصل المدينة.
ففي أحد وحنين تأتي التوبة بعد التولي وتختص بدر بالعقوبة على من تولى وهنا نجد إحكام الخطة ودقة التوجيه فالمؤمنون خرجوا للعير وقد فاتتهم وتغيَّرت عليهم الخطة. ولم يبق لهم اختيار في إحدى الطائفتين. وأُلزموا بلقاء ذات الشوكة. وكأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون. والآن هم في ساحة القتال لا حق لهم في التولي. ولا يملكون من أنفسهم شيئا. وعليهم أن ينفِّذوا ما يؤمرون به ويوجهون إليه بقيادة السماء.
عندئذ اشتد الموقف وعظم الخطر فجاء النصر من الجانبين:
الأول: تكثير المسلمين في أعين المشركين. {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ} .
وكان لإنزال الملائكة في غزوة بدر حالة خاصة وتوجيه مستقل مغاير لنزولهم في غيرها. ولقد أنزل الله جنودا من الملائكة في ثلاثة مواضع سوى بدر:
أولا: عند الغار حراسا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} .
ثانيا: يوم الأحزاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً} .وكان لإنزال الملائكة في غزوة بدر حالة خاصة وتوجيه مستقل مغاير لنزولهم في غيرها. ولقد أنزل الله جنودا من الملائكة في ثلاثة مواضع سوى بدر:
أولا: عند الغار حراسا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} .
ثانيا: يوم الأحزاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً} . وكان موقفا جد عصيب {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً} .
ففي هذه المواطن الثلاثة مع شدة تأزمها. إذ هما في الغار لا مفر لهما منه والسيوف مستلة بأيدي المشركين بقلوب حانقة وصدور حاقدة تغلي دماؤهم ويشتد عداؤهم.
ويوم الأحزاب جاء الأحلاف ليثأروا لقتلاهم واشتد الأمر على المسلمين وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا.
وفي يوم حنين على كثرة المسلمين ضاقت عليهم الأرض بما رحبت. في كل ذلك جاءت جنود الله نصرة للمؤمنين ولكنها مع شدة الحال لم تظهر تلك الجنود وكانت من وراء الرؤية.
أما في بدر فقد كان إنزال الملائكة وفق خطة وتوجيه ضمن منهج عملي مفصل:
-1بيان العدد لأول وهلة
{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} . وفي المواطن الأخرى الثلاثة: {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ} {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً} . {وَأَنْزَلَ جُنُوداً} . وهنا قال: {أَنِّي مُمِدُّكُمْ} والمدد يكون من القيادة العليا. وبين تعالى الغرض من هذا الإمداد {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى لَكُمْ..} إلخ. بشرى وطمأنينة على أرض المعركة.
بعد مجيء المدد رسمت له خطة العمل بما يمكن أن تسميه تعليمات الميدان:
أ- {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} .
ب- {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ}
جـ- {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} .
ففيه تثبيت للملائكة أولا بقوله: {أَنِّي مَعَكُمْ} . وتثبيت للمؤمنين ثانيا. وقد جاء في الآثار أن المَلَك كان يأتي في صورة رجل معروف ويقول للمؤمنين إن عدوَّكم لا يقوى على لقائكم وإذا شددتم عليهم يفرون أمامكم. وفي الأثر: "أقدم حيزوم". وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه جبريل فقال: "ما كل ملائكة السماء أعرف يا رسول الله".
وقد تضافرت النصوص أنهم رأوا الملائكة على خيل بلق وكان شعارهم العمائم. وقال ابن عباس: "لم تقاتل الملائكة في يوم سوى يوم بدر من الأيام. وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عددا ومددا لا يضربون". وعن بردة قال: "جئت يوم بدر بثلاثة أرؤس فوضعتهن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أمّا رأسان فقتلتهما وأما الثالث فلم أقتله. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم حين ذاك: "قتلته الملائكة". وكان السائب بن أبي حسين يحدِّث في زمن عمر ويقول: "بينما أنا ببدر إذ أوثقني رجل بحبل ومضى عني فإذا ابن الزبير فأخذني وقال من أسر هذا وأنا أستحي أن أذكر ما وقع لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ذاك أسره ملك. خذ أسيرك يا ابن الزبير".
وقوله: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْب} تقوية معنوية بما يسمى
حرب الأعصاب مع أن هذا حقيقة بذاته كما قالوا: كنا نسمع كصوت الحصاة على طشت نحاس يدوي في القلوب من شدة الخوف. وكان مقابل ذلك السكينة في قلوب المؤمنين.
وقوله: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} تعليم بكيفية الضرب وجاء أنهم كانوا يفرقون بين قتلى المؤمنين وقتلى الملائكة مثل سمة النار.
2-
مشاركته صلى الله عليه وسلم في المعركة برمي الحصباء في وجوه القوم وقال: "شاهت الوجوه" فلم يبق رجل مشرك إلا أصابه منها ما شغله في عينه وفمه.
وجاءت النتيجة وفق تلك الخطة هزيمة للمشركين تحقيقا للوعد الأول والثاني.
أما الأول فقوله: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} . وكان عمر رضي الله عنه يقول: "لا أعلم ما الجمع الذي سيهزم حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثب في درعه يوم بدر ويقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} ".
ومعلوم أن نتائج المعارك بحسب أسبابها ومقوماتها. وقد شاهدنا أن مسببات بدر ومقوماتها كلها كانت بتوجيه إلهي وخطة مسبقة ولذا كانت نتيجتها تبعا لذلك. {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} .
فالله الذي ألقى في قلوب المشركين الرعب وهو الذي أوصل الحصباء عيونهم وهو الذي أنزل الملائكة بشرى وطمأنينة تقاتل وتأسر معهم وهو الذي كثرهم في أعين المشركين وأنزل السكينة عليهم.
وهنا نواجه سؤالا وهو في جملته يتلخص في أن المعركة في سيرها وتوجيهها من الله وملائكته وأن المسلمين ما كانوا ليملكوا شيئا من سيرها. وما يقدرون على شيء من نتائجها. وما كانوا إلا سائرين وفق خطة مرسومة وكان يكفي لهزيمة المشركين ملك واحد. فلم كثر عدد الملائكة. وكان الأسر بيد المسلمين؟ والجواب كما نص عليه تعالى من جهتين: