الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد السلام بن عبد القادر ابن سودة
بقلمه
جرت عادة بعض المؤلفين أن يذكروا نبذة عن حياتهم في آخر بعض مؤلفاتهم إظهارا للحقيقة واعترافا بما منّ الله عليهم به في هذه الحياة، وليس القصد افتخارا أو إعجابا بالنفس. وجريا على هذه العادة المالوفة أردت أن أشير في آخر هذا الفهرس (1) إلى الحياة التي عشتها في هذا العالم المضطرب، لأني ما عقلت الحياة إلا ويد الاستعمار تفتك بهذا الشعب الكريم للقضاء على وحدته وقوميته وديانته وأخلاقه، ولعل ساعة الفرج قد دقّت في هذه الأيام الأخيرة.
فكاتبه هو عبد السلام بن عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بن الطالب بن محمد -فتحا-ابن سودة. يتصل نسبه بأبي القاسم بن محمد بن علي ابن سودة القادم من جزيرة الأندلس من مدينة غرناطة أواسط المائة الثامنة حيث مقر أسلافه منذ قدموا إليها من الشرق مع بلج بن بشر القشيري أوائل القرن الثاني من الهجرة. وقدم أبو القاسم المذكور إلى المغرب ليكون كاتبا في بلاط بني مرين بفاس وقد ترجم له ذو الوزارتين لسان الدين محمد ابن الخطيب السلماني في كتابه الإحاطة في أخبار غرناطة ووصفه بأوصاف حسنة من الناحية العلمية والأدبية، وحلاه في نسبه بالمرّي، ومرّة توجد بين قبائل العرب، وقد حمل هذا النسب إلى المغرب أولاده من بعده لأنه الجدّ الجامع لأولاد ابن سودة الموجودين بالمغرب. ثم إن البعض منهم صار يضيف في نسبه القرشي زيادة على المري، وقد احتج على ذلك بأن لفظ المرّي عند العرب لا تنصرف عند الإطلاق إلاّ إلى مرة قريش. وعلى كل لا نطيل في هذا الموضوع لأن عهد الافتخار بالأنساب قد ولى إلى غير رجعة، وحسب الرجل أن يكون مسلما عاملا لدينه ووطنه، والافتخار بالنسب من شأن العاجز، على أنه إن بقيت بقية من ذلك فالعروبة ثابتة لأولاد ابن سودة من قديم الأزمان في الأندلس والمغرب. وهذه القبيلة التي وجدت نفسي أحد أفرادها خدمت العلم الإسلامي طوال أجيال، ووجد بها عدة فحول من العلماء الأفذاذ الذين وصفوا بالعلم والمقدرة والمناصب العالية من تدريس وخطابة وقضاء وغير ذلك، وألّفوا تآليف
(1) كتب المؤلف ترجمته في آخر فهرسه سل النصال فارتأينا أن نعيد نشرها هنا لمزيد من التعريف به.
عديدة في مختلف الفنون، وأدرك أفراد منهم درجة شيخ الجماعة في وقته، وهذه الصفة العلمية ظهرت فيهم بالمغرب الأقصى مند القرن التاسع إلى الآن.
ولدت بمدينة فاس عام تسعة عشر وثلاثمائة وألف، وتربيت في حجر الجدّ من قبل الأم العابد بن الشيخ أحمد ابن سودة، والفضل راجع إليه في تربيتي، لأنه-رحمه الله-كان له ولد واحد وتوفي ولم يبق له سوى بنت هي سيدتي الوالدة، فأخذني من أحضانها بعد الفطام وجعلني عوضا عن ولده المتوفّى، فكنت لا أفارقه سفرا وحضرا، فسافرت معه إلى مدينة الجديدة لما ولي القضاء بها عام خمسة وعشرين وثلاثمائة وألف وأنا دون بلوغ. ولما أخر عن القضاء آخر عام ثلاثين وثلاثمائة وألف ورجع إلى فاس أدخلني الكتّاب، ولما أنس مني طلب العلم أمرني بالدخول إلى القرويين في أوائل عام سبعة وثلاثين وثلاثمائة وألف، فأخذت العلم عن بعض الأشياخ الذين مرّ بك ذكرهم. وفي عام أحد وأربعين وثلاثمائة وألف عينت مدرسا بمدرسة اللمطين بفاس، وأخّرت عنها أواخر أربعة وأربعين بعده. وفي عام خمسة وأربعين وثلاثمائة وألف طلبت المشاركة في امتحان التدريس على العادة الجارية في ذلك الوقت فأديت درسا واحدا في النحو في باب الاستثناء ثم صدر أمر بأن الامتحان لا يكون على تلك الحالة فمنعت من إتمامه، ولكن أدرجت في صف العدالة بسماط هذه الحضرة.
ولما أدخل النظام إلى القرويين عام خمسين وثلاثمائة وألف طلبت أداء الامتحان فيه أوائل عام واحد وخمسين وثلاثمائة وألف، فشهد باستقامتي ومقدرتي جلّ أفراد المجلس، ولما ذهب ذلك إلى المراجع العليا وقع في التقرير أني أعدّ من الوطنيين فمنعت أنا وجماعة من الطلبة كانوا معي. ولما عجز سيدنا الجد العابد عن الخطابة بضريح المولى إدريس بن إدريس نبت عنه مدة سنتين، وفي أوائل تسعة وخمسين وثلاثمائة وألف نفّذت إليّ الخطابة به إلى أواخر عام تسعة وستين وثلاثمائة وألف، حيث منعت من العدالة والخطابة لأسباب لا معنى لذكرها، منها أنى امتنعت من الاعتراف لبعض الطغاة الرجعيين بالنسب الشريف الذي ادّعاه في عائلته مع أنه لم يعرف بذلك النسب من قبل. وقد حملني على ذلك ما أعرفه من علم التاريخ والأنساب الذي هو أمانة في عنق أمثالي من أهل هذه الشأن (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم) فقد قامت بعد ذلك فتن وأهوال وقتل خطباء وأئمة لو بقيت لكنت من بينهم والأمر لله.
وقبل ذلك كنت عينت للبحث عن الخروم بخزانة القرويين أوائل عام اثنين وسبعين وثلاثمائة وألف وبقيت في ذلك إلى تمامه، وكانت النتيجة حسنة. ولما عزلت عن جميع الوظائف لزمت بيتى. وفي هذه الحالة التي مازلت متصفا بها كتبت عدة تآليف وأخرجت بعضها من مسودتها لأني والحمد لله منذ صغري ألهمت التأليف وخصوصا في تاريخ المغرب، ولا بأس أن أذكر أسماءها مرتبة بحسب زمن كتابتها حسب الإمكان:
1) فأول كتاب ألّفته الدروس النحوية ألفتها لمّا كنت مدرسا بالمدرسة الابتدائية على الطريقة الجديدة في علم النحو يفيد المبتدئ لو طبع.
2) تأليف في اللعبة الشهيرة بالشطرنج، سميته الزهر من أكمامه في الشطرنج وأحكامه، جمعت فيه كل ما يستحسن في هذا الموضوع، وما زال في مسودته في جزء صغير.
3) دليل مؤرخ المغرب الأقصى، ذلك الكتاب الذي حوى من مصادر تاريخ المغرب ما جعله عمدة الباحثين في المغرب والمشرق وصار مرجعا عند كثير من المؤلفين كالاستاذ المؤرخ عمر كحالة صاحب كتاب معجم المؤلفين، فقد كاد أن ينقله بأجمعه في كتابه. جمعت فيه أكثر من ألفين وثلاثمائة كتاب، وذكرت فيه أكثر من ألف وفاة، وقد طبع أولا بمدينة تطوان في جزء واحد، ثم تولت دار الكتاب بالدار البيضاء طبعه مرة ثانية في جزءين مع زيادات وتنقيحات.
4) زبدة الأثر مما مضى من الخبر في القرن الثالث والرابع عشر، جعلته ذيلا لكتاب نشر المثاني في أخبار أهل القرن الحادي عشر والثاني، لمؤرخ فاس الشيخ محمد بن الطيب القادري الحسني المتوفى عام سبعة وثمانين ومائة وألف. وقد سرت على منواله ونسقه في ترتيب التراجم على تاريخ الوفيات. ابتدأت فيه من عام أحد وسبعين ومائة وألف وانتهيت فيه إلى عام سبعين وثلاثمائة وألف، يخرج في أربعة أجزاء ضخام، تناولت فيه أكثر من ثلاثة الآف ترجمة لا زال الكتاب في مسودته، يسر الله كل صعب.
5) إتحاف المطالع بوفيات أهل القرن الثالث عشر والرابع، وهو اختصار زيدة الأثر المذكور وكالذيل على كتاب التقاط الدرر ومستفاد المواعظ والعبر من أخبار المائة الحادية والثانية عشر للشيخ محمد القادري المذكور يقع في مجلد، وسيقدم للطبع إن شاء الله قريبا.
6) ذيل إتحاف المطالع المسمى بالذيل التابع لإتحاف المطالع أبتدأت فيه من أول عام أحد وسبعين وثلاثمائة وألف وما زال العمل فيه مستمرا إلى الآن، ذكرت فيه وفيات الرجال، وما يتبع ذلك من الوقائع والأحداث والأهوال، التي تعرض لها المغرب أيام الأزمة الاستعمارية الأخيرة، ولم أترك شاذة ولا فاذة إلا استقصيتها وأحللتها مكانها اللائق بها، بنزاهة قصد وإنصاف في القول والحكم، وهو الآن يبلغ مجلدين، أعاننا الله على إخراجه من مبيضته (1).
7) إزالة الالتباس عن عائلات سكان مدينة فاس، جمعت فيه أكثر من ألفين اثنين وخمسمائة عائلة استوطنت مدينة فاس وكان لها بها ذكر، سواء كانت لا تزال موجودة أو اضمحلت ولم يبق إلا اسمها. أذكر بعض أفراد العلم والسياسة والجاه مع ذكر كثير من أعلام التاريخ والمصالح والآثار التي تنسب إلى كل عائلة إلى الآن يقع في مجلدين.
(1) استمر المؤلف في كتابة التراجم إلى عام وفاته أربعمائة وألف وقد أعاد النظر في إتحاف المطالع وذيوله وجعله كتابا واحدا ذيل به كتابي القادري نشر المثاني والتقاط الدرر. وهو الذي نشرناه مع تهذيب وحذف زوائد بإذن المؤلف
8) أمثال أهل فاس وما إليها، جمعت فيه ما يقرب من خمسة عشر ألف مثل يستعملها أهل فاس سواء باللغة الدارجة أو باللغة الفصحى، مع شرح بعضها إن كان استعمال المثل في معنى بعيد عن لفظه، لا زال العمل فيه مستمرا، يخرج في ثلاثة مجلدات.
9) قضاة مدينة فاس، حوى كلّ من تولى القضاء بمدينة فاس مع فاس الجديد من أول تأسيس العدوتين إلى الآن، مرتب حسب الأزمان والدول، يقع في مجلدين. وقد أخذت ما عثرت عليه من علامات القضاة بآلة التصوير حسب الإمكان.
10) معجم تآليف رجال المغرب الأقصى ضمّ أسماء ما وقفت عليه من تآليف رجال المغرب من أول الإسلام إلى الآن، رتبته على حروف المعجم وما زلت مشتغلا به، وقد جمعت فيه أكثر من عشرة الآف اسم كتاب مع نبذة عن حياة المؤلف، وهو أصل الدليل ومنه تخرج، يقع في مجلدين ضخمين.
11) شعر أبى حفص الفاسي، جمعت فيه ما وقفت عليه من شعر الشيح أبي حفص عمر بن عبد الله الفاسي الفهري المتوفى عام ثمانية وثمانين ومائة وألف، لأنه لم يوفّق أحد من الأدباء إلى جمعه، وما جمع منه يدل دلالة واضحة على مكانة الشاعر، وما وصل إليه الأدب في القرن الثاني عشر بالمغرب وخصوصا في فاس.
12) إخراج كتاب تاريخ الطب العربي في عصور دول المغرب الأقصى من مسودته، وهو من تأليف الأستاذ أبى عبد الله محمد بن أحمد العبدي الكانوني المتوفى عام سبعة وخمسين وثلاثمائة وألف المارّ ذكره في هذه الفهرسة، لأني وقفت على الأصل بخط مؤلفه بعد وفاته، فوجدته غير مرتب وبه بياض في بعض المحلات، فرتبته وألحقت به ما كان يريد المؤلف أن يضيف إليه، ولولا ذلك لضاع ذلك المجهود الفريد في تاريخ المغرب بعد ما جعلت في أوله ترجمة لمؤلفه رحمه الله على وجه الاختصار، وقد بلغ نحوا من مائة وخمسين صفحة.
13) مجموعة المقالات التي كتبتها، سواء نشرت في الجرائد والمجلات أو لم تنشر، وربما كانت جوابا لبعض الرسائل، في مجلد وسط، وقد ضاع جلها.
14) مجموعة الرسائل الواردة علي من الأساتذة والعلماء جلها رسائل تتعلق بأسئلة تاريخية وأدبية واجتماعية تفيد الباحث، في مجلد.
15) وأخيرا لب الغبية إلى مكة وطيبة، وهي رحلة إلى البقاع المقدسة عام ثلاثة وثمانين وثلاثمائة وألف، في جزء متوسط، أبنت فيها عن مقصد الشارع من الحج والمراد منه، وقد ذكرت في آخرها التائيّة التي نظمتها في طريقي إلى الحج.
16) هذه الفهرسة التي جمعتها في الأشياخ المسماة سل النصال للنضال بالأشياخ وأهل الكمال، ذكرت فيها ما أمكن ذكره على حسب المستطاع، وإني أعلم أنى تركت الكثير ممن كان حقه أن يذكر، ولكن ليس في الإمكان أبدع مما كان.
وهناك عدة أبحاث ومقالات وموضوعات ما زلت أشغل نفسي بتحريرها وتتبّع مصادرها وموادها أعاننا الله على إتمامها.
والله أسأل أن يجعل ذلك خالصا لوجهه الكريم ويرزقنا بركة من ذكر في هذه الفهرسة وأن يعم النفع بها والاستفاد منها، إنه على ذلك قدير، وبالاجابة جدير.