المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أقوال كبار المتكلمين في معنى لا إله إلا الله وإعرابها - بيان كلمة التوحيد والرد على الكشميري عبد المحمود (مطبوع ضمن الرسائل والمسائل النجدية، الجزء الرابع، القسم الأول)

[عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌بيان كلمة التوحيد والرد على الكشميري عبد المحمود

- ‌(أما بعد) :

- ‌ورقة في معنى كلمة التوحيد لكاتب مجهول

- ‌ذكر ما في الورقة: قال: الحمد لله المتوحد بجميع الجهات

- ‌غلط كثير من الطوائف في مسمى التوحيد

- ‌الرد على تفسير الورقة لكلمة إله

- ‌قول الورقة إن الإله مشتق من ألهه

- ‌النفي والإثبات في كلمة التوحيد

- ‌زعم عدم تحقق العبادة إلا بعد استحقاق المعبود لها

- ‌قوله إن المعبودات الباطلة سميت آلهة من حيث اعتقاد عبَّادها

- ‌وقوله: (كما ورد في أكثر موارد القرآن)

- ‌وأما قوله: (فمدفوع بأن إطلاقه عليها بالنظر إلى اعتقاد عبادها)

- ‌الإله المنفي في كلمة الإخلاص

- ‌إعراب لا إله إلا الله

- ‌ما يقتضيه إعراب المعترض لها من الفساد

- ‌وجوب تحقيق معنى لا إله إلا الله

- ‌أقوال كبار المتكلمين في معنى لا إله إلا الله وإعرابها

- ‌عود الآيات في معنى لا إله إلا الله

- ‌اقتضاء كلمة التوحيد إبطال عبادة كل ما عبد من دون الله

- ‌شكوى قريش لأبي طالب من النبي وكلامه

- ‌زعم أن كلمة التوحيد لا تنفي إلا مفهوما كليا

- ‌الوجوه المبطلة للقول بأن نفي الكلي ليس له أفراد في الخارج

- ‌الإله هوالمعبود. والعبادة حق الله وحده بالإجماع

- ‌رد قول أن المنفي بلا إله إلا الله كلي منوي

- ‌الزعم بأن المستثنى بها هو المفهوم العام

- ‌قول أفلاطون وأتباعه إن الله هو الوجود المطلق

- ‌رد الشيخ على أفلاطون

- ‌الرد على تفسير الورقة لكلمة التوحيد

- ‌المنفي بكلمة التوحيد كل ما عبد ويعبد من دون الله

- ‌التوحيد هو الكفر بالطواغيت والأصنام وإخلاص العبادة لله وحده

- ‌ونشير إلى ما ذكره بعض العلماء في أصل هذه المقالة وبطلانها

- ‌الرد على من صرف كلمة التوحيد عن معناها

- ‌المنفي في كلمة التوحيد الإلهية الكثيرة الموجودة في الخارج

- ‌وضع الأسماء الشرعية للمسميات البدعية

- ‌تفسير العلماء لكلمة التوحيد

- ‌ذيل للرد للعلامة ابن بطين

الفصل: ‌أقوال كبار المتكلمين في معنى لا إله إلا الله وإعرابها

فتأمل كيف عبر الخليل عليه السلام عن هذه الكلمة بمدلولها الذي وضعت له من البراءة من عبادة كل معبود سوى الله من وثن وصنم وغير ذلك، وقصر العبادة على الله وحده بقوله:{إِلَاّ الَّذِي فَطَرَنِي} 1. ودلت على أن المنفي جنس تحته أفراد موجودة في الخارج يعبدها المشركون وليست آلهة إلا في حق من يعبدها ويتألهها، دون من يكفر بها ويتبرأ منها ويعاديها ويعادي من عبدها.

‌أقوال كبار المتكلمين في معنى لا إله إلا الله وإعرابها

إذا ثبت ذلك وعرفت أن الحق فيما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله في بيان معنى هذه الكلمة، فاعلم أن النحاة والمتكلمين اختلفوا: هل تحتاج لا النافية لخبر مضمر أم لا؟ فمنعه الرازي والزمخشري وأبو حيان، وقالوا: إنه يكفي في الدلالة على التوحيد ما تضمنته من النفي والإثبات، بناء على أن أصلها مبتدأ وخبر، ثم قدم الخبر على المبتدأ، ثم دخل حرف النفي على الخبر المقدم، ودخل حرف إلا مستثنى على المبتدأ، فانتفت الإلهية عن كل ما سوى الله من كل ما يعبد من دونه من صنم ووثن وطاغوت وغير ذلك.

هذا مضمون ما ذهب إليه هؤلاء، وغيرهم وافقهم في المعنى فاتفقوا أن المستثنى مخرج بإلا، ولولا الاستثناء لدخل. قال الكسائي: هو مخرج من اسم لا، وقال الفراء: مخرج من حكم اسمها وهو النفي، والصحيح أنه مخرج منهما كما قرره العلامة ابن القيم-رحمه الله تعالى-.

إذا عرفت ذلك، فأكثر النحاة وغيرهم يقولون لا بد لها من خبر مضمر قال بعض من صنف في إعراب هذه الكلمة ومعناها- بعد كلام له سبق- أقول: قد عرفت أن المضمر على تقدير أن يكون في الكلام إضمار إما الخبر أو المرفوع بإلا المكتفى به عن الخبر، وقد عرفت أيضا أن المعنى المقصود في لا إله إلا الله هو قصر الألوهية على الله تعالى.

والعلامة الدواني قائل بهذا كما يشير إليه في البحث الخامس من رسالته، وصرح به في شرحه للعقائد العضدية حيث قال: واعلم أن التوحيد إما بحصر وجوب

1 سورة الزخرف آية: 27.

ص: 340

الوجود أو بحصر الخالقية أو بحصر العبودية. ثم قال: الأول كذا والثاني كذا. وساق الكلام وحقق المقام، أي: في رده إلى أن قال: والثالث وهو حصر العبودية، وهو أن لا يشرك بعبادة ربه أحدا، فقد دلت عليه الدلائل السمعية، وانعقد عليه إجماع الأنبياء عليهم السلام، وكلهم دعوا المكلفين أولا إلى هذا التوحيد، ونهوهم عن الإشراك في العبادة قال تعالى:{قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} 1. انتهى.

ثم قال الناقل: ومصداق إجماع الأنبياء قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} 2 بعد قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ} 3. وقوله تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ أَنَا فَاتَّقُونِ} 4. وقوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} 5. وقال تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} 6.

إلى أن قال: فإثبات الألوهية له تعالى على وجه الانحصار فرع على أصل ثبوتها له -تعالى-، وأصل ثبوتها له -تعالى -فرع على ثبوته تعالى في نفسه؛ بل أصل ثبوت الألوهية له -تعالى- أيضا على ما يقتضيه دلالة هذا الكلام لغة أمر مسلم الثبوت مفروغ منه لا نزاع فيه.

وإنما النّزاع- أي: مع المشركين- في قصر الألوهية عليه تعالى، فالموحد يخصها به فيقول: لا إله إلا الله، والمشرك ينكر ذلك استكبارا، فيقول:{أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} 7. قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} 8.

إلى أن قال: فإذا تمهد هذا، فنقول: لما كان في لا إله إلا الله نفي وإثبات فهي في الحقيقة جملتان اسميتان؛ لأن كلا من النفي والإثبات يقتضي طرفين

1 سورة الصافات آية: 95، 96.

2 سورة الأنبياء آية: 25.

3 سورة الأنبياء آية: 24.

4 سورة النحل آية: 2.

5 سورة النحل آية: 36.

6 سورة الزخرف آية: 45.

7 سورة ص آية: 5.

8 سورة الصافات آية: 35.

ص: 341

ينعقد الحكم بينهما، فطرف الإثبات هو الاسم الجليل مع صحة الإيجاب من إله، فصح أن يقصر بالأولى استمرار الثبوت الممتنع الانفكاك، وبالثانية استمرار النفي الممتنع الانفكاك، ومقام الدعوة إلى كلمة التوحيد قرينة على أن المعنى المراد من لا إله إلا الله نفيا وإثباتا هو هذا الاستمرار الممتنع الانفكاك ضرورة أن الشارع لا يقول إلا صدقا، واستمرار ثبوت الإلهية له-تعالى- على سبيل امتناع الانفكاك واستمرار انتفاء الألوهية عن غيره-تعالى- هو المطابق لما في نفس الأمر، فهو المقصود للشارع فلم يبق إلا أن أهل اللسان: هل فهموا ذلك منه حتى يكون دلالته لغوية أم لا؟

فنقول: إنهم قد فهموا منه ذلك بدليل قوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} 1.

ووجه دلالته على ما ذكرناه هو أن الصادق أخبر بأن إنكارهم لما يلزم من الاعتراف بلا إله إلا الله من تركهم آلهتهم واختصاصه -تعالى- بالألوهية- إنكار بمحض استكبار، لا لتمسك عقلي. انتهى ما نقلته وهو تقرير حسي موافق لما دل عليه الكتاب والسنة، كما عرفت من صريح الآيات والأحاديث.

لكن قوله: وأصل ثبوتها له -تعالى- فرع على ثبوته -تعالى- في نفسه أمر فطري مسلم حتى عند أعداء الرسل؛ فإنهم يعرفونه ويعبدونه لكن عبدوا معه غيره. فدلالتها على وجوده -تعالى- دلالة التزام، فيلزم من اختصاصه بالإلهية وجوده وكماله في ذاته وصفاته ومباينته للمخلوقين، وأنه أحد صمد لا كُفؤ له ولا مثل له ولا شريك له، ولا ظهير له ولا نِد له -تعالى وتقدس- كما قال تعالى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} 2. وقال تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 3 إلى أمثال هذه الآيات.

1 سورة الصافات آية: 35، 36.

2 سورة الإخلاص آية: 1: 4.

3 سورة الشورى آية: 11.

ص: 342