الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ال
مقدمة
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله. أما بعد:
فبين يديك أيها الموفق رسالة محررة من يد أحد فحول العلماء وأكابرهم العالم الشهير الفقيه الكبير عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين، ردا على شبهات أثارها: داود بن جرجيس، تتعلق بقضايا في توحيد الألوهية.
هذه الشبهات مازال لها أهلون، يثيرونها كلما درست، ويحيونها كلما خبت، ليضلوا عباد الله، ويصرفونهم عن عبادته وحده لا شريك له، وعن تعظيمه جل جلاله اللائق به دون من سواه إلى عبادة غيره من المخلوقات!!
عجبا لأولئك الذين يرمون أهل التوحيد والسنة بأنهم ينتقصون الأولياء بل الأنبياء، إذ لم يجوزوا دعاءهم من دون الله! ؟ أليس هم قد تنقصوا الله جل جلاله إذ جوزوا أن تصرف العبادة لغيره وهو القائل:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} بلى والله: هم تنقصوا الله جل جلاله، وتنقصوا أيضا الأنبياء والأولياء، لأن أنبياء الله ورسله وأولياء الله تعالى براء مما يعملون. بل أرسلوا ليجاهدوا إخوان هؤلاء من كفار بني إسرائيل وكفار قريش بالحجة والبرهان وبالسيف والسنان.
فهذه براءة الملائكة عليهم السلام من عبادة المشركين لهم، إذ زعموا أنهم ما يعبدونهم إلا ليقربوهم إلى الله زلفى.
ومثل هذه الآية قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا
الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا} [الفرقان: 17، 18] .
وبراءة أخرى لنبي الله عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة:116، 117] .
كل ذلك وما جاء في معناه في القرآن العزيز والسنة المطهرة ليؤكد أن الواقعين في دعاء الأنبياء والأولياء والملائكة فضلا عن غيرهم من الجن والشياطين؛ هم المذمومون المتنقصون حقا لجناب الأنبياء والصالحين، إذ خالفوا أوامرهم، بل نقضوا أصل دعوتهم: لا معبود بحق إلا الله وحده، {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} .
إن هؤلاء الذين يضلون الأمة ويربونها على تنقيص جانب الربوبية، ويزيدون على ذلك: رمي أهل الحق والتوحيد بأعظم الفرى وأقبح الشائعات ليصدوا الناس عن سبيل الله تعالى، لينتقم الله تعالى منهم، ومن انتقام الله تعالى منهم وغيرته تعالى وتقدس على حدوده ومحارمه؛ بعث من يتصدى لهم: يبطل ما بنوه، ويفرق ما جمعوه، ويكشف ما ستروه:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} . [الحج 62] . وأن يضرب مثل في ذلك؛ فمثل عزيز: أمة في رجل. إنه محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى العالم الإمام شيخ الإسلام. رجل واحد حمل لواء الدعوة إلى التوحيد، وتبديد ما أرساه القبوريون بثقل علماء السوء وولاة السوء، فجعل بفضل الله وحده ذلك كله قاعا صفصفا، وبنى للتوحيد وأهله بناء مشيدا وحصنا عظيما، صمد إلى الآن أمام كل
التحديات، بل تثلمت معاول الهدم التي هرع إليها حفدة القبوريون ووراثهم، وذلك دليل صدق على عون الله تعالى للشيخ محمد، وتأييده له، وأنه صادق مخلص محب لصلاح الأمة مشفق عليها.
لقد ترامت دعوته المباركة في جميع الأقطار، واستجاب لها أهل الفطر والأبصار، فلا بلد بحمد الله تعالى إلا وأثر دعوة الشيخ فيه واضحة وآثاره مرفوعة ظاهرة. 1
وخلفه في هذا المنصب الكبير أبناؤه وأحفاده وتلامذة الجميع رحمهم الله تعالى رحمة
واسعة.
والشيخ العالم الفقيه: عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين، أحد ثمار غرس الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، فقد تتلمذ على يد الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، والشيخ حمد بن ناصر بن معمر، والشيخ عبد العزيز بن عبد الله الحصين، وغيرهم من تلاميذه الشيخ محمد بن عبد الوهاب، حتى كان من أوعية العلم وفحول العلماء: درس وقضى، وأفتى، ووعظ، وألف.
وكان مما جلس فيه للقضاء من الأمصار: القصيم، حيث بعثه الإمام تركي بن عبد الله عام 1248هـ إلى ذلك. ثم رجع إلى شقراء للتدريس والإفتاء بعد مقتل الإمام تركي سنة 1249 هـ. وفي سنة 1251 هـ بعثه الإمام فيصل ابن تركي إلى القصيم لتولي القضاء، فذهب واستوطن عنيزة حتى سنة 1270هـ.
وقد جاء إلى عنيزة وقت قضاء الشيخ بها رجل عراقي يقال له: داود بن جرجيس، في طريقه إلى الحج، فقرأ على الشيخ طرفا من تفسير
1 زعم بعضهم: أن الشيخ محمدا "قام مع من شاء الله من إخوانه من علماء نجد بالدعوة إلى التوحيد" وهذا قول جاهل بمبادئ تاريخ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، إذ قد أجمع الناس كلهم على أن القائم بالدعوة إلى التوحيد هو الشيخ محمد وحده، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، ولا راد لفضل الله تعالى.
البيضاوي، وبعضا من فقه الحنابلة، ثم طلب من الشيخ أن يجيزه في فقه الحنابلة، فأجازه، وأذن له بالتدريس.
ثم إنه وقعت منه مخالفات عقدية، فأحضره الشيخ عبد الله، وكشف شبهته فيها، وكتب رسالة في ذلك سماها بعض طلبته: "الانتصار} . 1
فأظهر داود الرجوع عما وقع فيه من الخطأ، ثم إن داود حج ورجع إلى بلده، وأخذ ينصر تلك الشبهة، ويتطلب أشياء من كلام العلماء ليؤيد بها شبهته، فأخذ من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية أشياء ظنها له، وهي عليه.
وبعد أربع سنوات حج داود مرة أخرى، ونزل أيضا في بلد عنيزة، وصرح بأنه مازال على تأييد شبهته، وأن رجوعه السابق قد رجع عنه.
فأحضره الشيخ عبد الله، وسأله عن نقضه لرجوعه السابق، فأبرز داود عبارات لشيخ الإسلام ابن تيمية. فطلب الشيخ عبد الله إحضار الكتب التي نقل منها تلك العبارات، فوجدت إيرادات يوردها ابن تيمية للرد عليها وإبطالها، فسكت داود وأسر في نفسه العداوة للشيخ وعامة علماء نجد.
فلما رجع إلى بلاده في العراق؛ أرسل رسالة إلى أحد أصدقائه في بلد عنيزة ضمنها أدلة لما رد به على الشيخ عبد الله، فأطلع الشيخ عليها، فوجدها نفس الشبهة الأولى إلا أنه زاد عليها: أنه لا فرق بين الأحياء والأموات، وأن السؤال من الميت كالسؤال من
الحي. فانتدب لها الشيخ وردها بكتاب سماه: "تأسيس التقديس".
هذه قصة كتابنا هذا كما حكاها الشيخ المؤرخ عثمان بن عبد الله بن بشر رحمه الله تعالى في "عنوان المجد في تاريخ نجد". 2
1 طبعت عدة طبعات. آخرها طبعة بتحقيق الشيخ الفاضل الدكتور الوليد بن عبد الرحمن الفريان.
2 من مخطوطة للكتاب عند الشيخ الفاضل عبد الله بن عبد الرحمن البسام، نقله عنها في كتابه الفريد المحرر:{علماء نجد خلال ثمانية قرون} {4/230} .
عملي في الكتاب
* اعتمدت في ضبط نص الكتاب على ثلاث نسخ:
الأولى: الطبعة الأولى في مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه سنة 1244 هـ في رمضان
منها.
جاء على صفحة العنوان منها:
طبع بإذن الشيخ عبد الله بن حسن خطيب الحرم المكي.
الثانية: نسخة خطية في ملك الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله تعالى وهي محفوظة في المكتبة السعودية بالرياض. ورمزها "ب".
الثالثة: نسخة خطية نسخت عام 1306 هـ، وهي مصورة عندي. ورمزها "أ".
* عزوت الأحاديث إلى مخرجيها.
* وضعت فهرسا للموضوعات.
ترجمة موجزة للمؤلف
* العالم العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد العزيز بن عبد الرحمن أبا بطين. يرجع نسبه إلى عائذ من عبيدة من قحطان.
* ولد في: روضة سدير 20 / 12 / 1194 هـ.
* قرأ على قاضي روضة سدير الفقيه الشيخ محمد بن طراد الدوسري ولازمه ملازمة
تامة.
* ارتحل إلى شقراء، وقرأ على قاضيها الشيخ عبد العزيز الحصين.
* ثم رحل إلى الدرعية فقرأ على علمائها: الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب.
والشيخ حمد بن ناصر بن معمر. وقرأ فيها على الشيخ أحمد بن حسن بن رشيد العفالقي الأحسائي، وأجازه.
* ولاه الإمام عبد الله بن سعود قضاء عمان.
وولاه الإمام تركي بن عبد الله قضاء الوشم، ثم كلفه بقضاء سدير معها، فكان يقيم في كل مقاطعة شهرين.
ثم نقله الإمام تركي إلى قضاء القصيم.
ثم ولاه الإمام فيصل بن تركي قضاء القصيم مرة أخرى.
* له مؤلفات منها:
1.
حاشية نفيسة على شرح المنتهى.
2.
مختصر بدائع الفوائد لابن قيم.
3.
مختصر إغاثة اللهفان.
4.
تأسيس التقديس في كشف شبه داود بن جرجيس.
5.
الانتصار في الرد على داود أيضا -.
6.
رسالة في تجويد القرآن الكريم.
7.
التفصيل والبيان في تنزيه الرحمن.
1.
وله فتاوى ورسائل محررة. طبع بعضها في "مجموعة الرسائل والمسائل النجدية"، وجمع أخيرا الأخ الشيخ إبراهيم بن محمد الحازمي – الشريف -.
* توفي في شقراء في 7 / 5 / 1282 هـ.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله، نحمده ونس تعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما.
أما بعد، فإنه قد قدم علينا في أثناء عشر ستين بعد المائتين والألف 1 رجل اسمه داود بن سليمان البغدادي ومعه شيء من كتب المذهب، وجلس عندنا مدة وطلب مني إجازة في الفتيا في المذهب، وكتبت له، ثم بعد ذلك بنحو أربعين سنين قدم حاجا، وذكر لي أن معه ورقة فيها عبارات من كلام الشيخ تقي الدين يشبه بها على الناس، يضع كلام الشيخ على غير موضعه فأحضرته وباحثته فإذا حقيقفة أمر دعواه: استحالة وقوع الشرك في الأمة المحمدية، ويزعم أن دعاء الأموات والغائبين والذبح والنذر لغير الله ليس بشرك، ويقول: إن الطلب من الأموات والغائبين لا يسمى دعاء بل نداء، ويقول: الشرك هو السجود لغير الله فقط، وسألته عن معنى لا اله الله وما معنى الإله فارتبك وتحير، فقلت أخبرني عن حقيقة الشرك الذي حرمه الله وأخبر أنه لا يغفره؟ فقال: هو السجود لغير الله.
فقلت: نهى الله عن السجود لغيره، لكن ما دليلك على أنه شرك؟ فلم يكن عنده جواب، فلما أوردت بعض الأدلة على بطلان دعواه ودحضت حجته أظهر الموافقة قصدا لقطع الكلام لا للموافقة باطنا فيما أظن، وكتبت على ورقته التي معه نحو ثلاثين ورقة سماها بعض الطلبة "الانتصار".
1 في "أ"في اثنين عشر ستين سنة " والمثبت من هامش "ب" مع حذف كلمة "السنة" بعد جملة المثبتة.