الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سِجْنُ ثُمَامَةَ بْنِ أَشْرَسَ:
وَفِيهَا سَجَنَ الرَّشِيدُ ثُمَامَةَ بْنَ أَشْرَسَ الْمُتَكَلِّمُ، لِأَنَّهُ وَقَفَ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ إِعَانَةِ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى بْنِ زَيْدٍ.
وَحَجَّ الرَّشِيدُ وَابْنَاهُ الأَمِينُ وَالْمَأْمُونُ، وَفَرَّقَ الأَمْوَالَ بِالْحَرَمَيْنِ.
بَيْعَةُ الرَّشِيدِ لِوَلَدِهِ الْمُؤْتَمَنِ:
وَفِيهَا بَايَعَ الرَّشِيدُ بِوِلايَةِ الْعَهْدِ لِوَلَدِهِ قَاسِمٍ مِنْ بَعْدِ الأَخَوَيْنِ الأَمِينِ وَالْمَأْمُونِ، وَلَقَّبَهُ الْمُؤْتَمَنَ، وَوَلاهُ الْجَزِيرَةَ وَالثُّغُورَ وَهُوَ صَبِيٌّ.
فَلَمَّا قَسَّمَ الرَّشِيدُ الدُّنْيَا بَيْنَ هَؤُلاءِ الثَّلاثَةِ، قَالَ بَعْضُ الْعُقَلاءِ: قَدْ أَلْقَى بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ، وَغَائِلَةُ ذَلِكَ يَضُرُّ بِالرَّعِيَّةِ.
وَقَالَتِ الشُّعَرَاءُ فِي الْبَيْعَةِ الْمَدَايِحَ، ثُمَّ إِنَّهُ عَلَّقَ نُسْخَةَ الْبَيْعَةِ فِي الْبَيْتِ الْعَتِيقِ.
وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ إِبْرَاهِيمُ الْمَوْصِلِيُّ:
خَيْرُ الأُمُورِ مَغَبَّةً
…
وَأَحَقُّ أَمْرٍ بِالتَّمَامِ
أَمْرٌ قَضَى إحكامه الر
…
رحمن في البيت الحرام1
1 انظر: تاريخ الطبري "8/ 286"، البداية والنهاية "10/ 187".
أحداث سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ:
فِيهَا، أَوْ فِي الَّتِي بَعْدَهَا، تُوُفِّيَ: بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، وَجَعْفَرُ بْنُ يَحْيَى الْبَرْمَكِيُّ، صُلِبَ، وَرَبَاحُ بْنُ زِيَادٍ الصَّنْعَانِيُّ، وَزَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الذَّارِعُ، وَعَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، فِي قَوْلٍ، وَعَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، فِي آخِرِهَا، وَعَبْدُ السَّلامِ بْنُ حَرْبٍ الْمُلائِيُّ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ، فِي رَجَبٍ، وَعَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ الْجَهْضَمِيُّ، أَبُو نَصْرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ السَّدُوسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ، ومرحوم بن عبد العزيز البصري، معاذ بْنُ مُسْلِمٍ النَّحْوِيُّ الْمُعَمَّرُ، وَمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ، وَيُوسُفُ بْنُ عَطِيَّةَ الصَّفَّارُ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، فِي قَوْلٍ.
وَفِيهَا مَقْتَلُ جَعْفَرٍ الْبَرْمَكِيِّ:
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ قتلِهِ عَلَى أَقْوَالٍ، فَقِيلَ: إِنَّ جِبْرِيلَ بْنَ بُخْتِيشُوعَ الطَّبِيبَ قَالَ: إِنِّي لَقَاعِدٌ عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الرَّشِيدِ، إذ أَتَى يَحْيَى بْنُ خَالِدِ بْنِ بَرْمَكَ، وَكَانَ يَدْخُلُ بِلا إِذْنٍ، فَلَمَّا قَرُبَ سَلَّمَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ الرَّشِيدُ رَدًّا ضَعِيفًا، فَعَلِمَ يَحْيَى أَنَّ أَمْرَهُمْ قَدْ تَغَيَّرَ، فَأَقْبَلَ عَلَى الرَّشِيدِ وَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ، يَدْخُلُ عَلَيْكَ أَحَدٌ مَنْزِلَكَ بِلا إِذْنٍ؟ فَقُلْتُ: لا! قَالَ: فَمَا بَالُنَا يُدْخَلُ عَلَيْنَا بِلا إِذْنٍ؟
فَوَثَبَ يَحْيَى فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَدَّمَنِي اللَّهُ قِبَلَكَ، وَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا شَيْءٌ خَصَصْتَنِي بِهِ، وَالآنَ فَأَكُونُ فِي الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ أَهْلِ الإِذْنِ إِنْ أَمَرْتَنِي، فَاسْتَحْيَا الرَّشِيدُ، وَكَانَ مِنْ أَرَقِّ الْخُلَفَاءِ، وَأَطْرَقَ ثُمَّ قَالَ: مَا أَرَدْتُ مَا تَكْرَهُ، وَلَكِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ.
قَالَ: فَظَنَنْتُ أَنَّهُ لَمْ يَسْنَحْ لَهُ جَوَابٌ يَرْتَضِيهِ، ثُمَّ خَرَجَ يَحْيَى.
وَقِيلَ: إِنَّ ثُمَامَةَ بْنَ أَشْرَسَ قَالَ: أَوَّلُ مَا أَنْكَرَ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ مِنْ أَمْرِهِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ اللَّيْثِ رَفَعَ رِسَالَةً إِلَى الرَّشِيدِ يَعِظُهُ وَيَقُولُ: إِنَّ يَحْيَى لا يُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَقَدْ جَعَلْتَهُ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ، فَكَيْفَ بِكَ إِذَا وَقَفْتَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ، فَسَأَلَكَ عَمَّا عَمِلْتَ فِي عِبَادِهِ وَبِلادِهِ؟
فَدَعَا الرَّشِيدُ يَحْيَى، وَقَدْ بَلَغَتْهُ الرِّسَالَةُ، فَقَالَ: تَعْرِفُ محمد بن الليث؟ قال: نعم، هو منهم عَلَى الإِسْلامِ، فَأَمَرَ بِابْنِ اللَّيْثِ فَوُضِعَ فِي الْمُطْبَقِ دَهْرًا1، فَلَمَّا تَنَكَّرَ الرَّشِيدُ لِلْبَرَامِكَةِ أَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ، فَأَحْضَرَهُ وَقَالَ لَهُ: أَتُحِبُّنِي؟ قَالَ: لا وَاللَّهِ. قَالَ: أَتَقُولُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَضَعْتَ فِي رِجْلَيَّ الأَكْبَالَ، وَحُلْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ عِيَالِي بِلا ذَنْبٍ، سِوَى قَوْلِ حَاسِدٍ يَكِيدُ الإِسْلامَ وَأَهْلَهُ، وَيُحِبُّ الإِلْحَادَ وَأَهْلَهُ. فَأَطْلِقْهُ ثُمَّ قَالَ: أَتُحِبُّنِي؟ قَالَ: لا، وَلَكِنْ قَدْ ذَهَبَ مَا عِنْدِي. فَأَمَرَ لَهُ بِمِائَةِ أَلْفٍ، ثُمَّ قَالَ: أَتُحِبُّنِي؟ قَالَ: نَعَمْ، قَدْ أَحْسَنْتَ إِلَيَّ. فَقَالَ: انْتَقَمَ اللَّهُ مِمَّنْ ظَلَمَكَ وَأَخَذَ لَكَ مِمَّنْ بَعَثَنِي عَلَيْكَ.
قَالَ: فَقَالَ النَّاسُ فِي الْبَرَامِكَةِ فَأَكْثَرُوا، وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا ظَهَرَ مِنْ تغير حالهم.
1 المطبق: هو محبس كالبئر يحبس به تحت الأرض.
وَقِيلَ: إِنَّ يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ دَخَلَ بَعْدُ عَلَى الرَّشِيدِ، فَقَامَ الْغِلْمَانُ لَهُ، وَقَالَ الرَّشِيدُ لِمَسْرُورٍ: مُرْهُمْ لا يَقُومُونَ. قَالَ: فَدَخَلَ، فَمَا قَامَ أَحَدٌ، فَارْبَدَّ وَجْهُ يَحْيَى.
وَقِيلَ: إِنَّ سَبَبَ قَتْلِ جَعْفَرٍ أَنَّ الرَّشِيدَ سَلَّمَ لَهُ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ، فَرَقَّ لَهُ بَعْدَ قَلِيلٍ وَأَطْلَقَهُ، وَكَانَ ابْنُ حَسَنٍ مَرْبُوعًا، أَجْلَحَ، بَطِينًا، حَسَنَ الْعَيْنَيْنِ، فَأَتَى رَجُلٌ بِصِفَتِهِ وَهَيْئَتِهِ إِلَى الرَّشِيدِ وَأَنَّهُ رَآهُ بِحُلْوَانَ، فأعطى الرجل جائزة.
وقيل: إن جعفر بَنَى دَارًا أَنْفَقَ عَلَيْهَا عِشْرِينَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَسْرَفَ.
وَعَنْ مُوسَى بْنِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ قَالَ: اعْتَمَرَ أَبِي فِي الْعَامِ الَّذِي نُكِبَ فِيهِ وَأَنَا مَعَهُ، فَتَعَلَّقَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَجَعَلَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ ذُنُوبِي عَظِيمَةٌ لا يُحْصِيهَا غَيْرُكَ، إِنْ كُنْتَ مُعَاقِبِي فَاجْعَلْ عُقُوبَتِي فِي الدُّنْيَا، وَإِنْ أَحَاطَ ذَلِكَ بِسَمْعِي وَبَصَرِي وَمَالِي وَوَلَدِي حَتَّى أَبْلُغَ رِضَاكَ، وَلا تَجْعَلْ عُقُوبَتِي فِي الآخِرَةِ.
وَكَانَ مُوسَى هَذَا أَحَدَ الأَبْطَالِ الْمَوْصُوفِينَ.
وَقِيلَ: إِنَّ عَلِيَّ بْنَ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ قَدَحَ فِيهِ عِنْدَ الرَّشِيدِ وَأَعْلَمَهُ طَاعَةَ أَهْلِ خُرَاسَانَ لَهُ وَمَحَبَّتَهُمْ إِيَّاهُ، وَأَنَّهُ يُكَاتِبُهُمْ ويعمل على الذهاب إليهم، فاستوحش الراشيد مِنْهُ.
ثُمَّ رَكِبَ مُوسَى دَيْنٌ فَاسْتَتَرَ مِنَ الْغُرَمَاءِ، فَتَوَهَّمَ الرَّشِيدُ أَنَّهُ سَارَ إِلَى خُرَاسَانَ، ثُمَّ ظَهَرَ فَحَبَسَهُ، فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ نَكْبَتِهِمْ، فَأَتَتْ زَوْجَةُ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ إِلَى الرَّشِيدِ وَلاطَفَتْهُ، فَقَالَ: يَضْمَنُهُ أَبُوهُ، فَضَمِنَهُ يَحْيَى.
وَكَانَ الرَّشِيدُ قَدْ غَضِبَ عَلَى الْفَضْلِ بْنِ يَحْيَى لِتَرْكِهِ الشُّرْبَ مَعَهُ، وَكَانَ الْفَضْلُ يَقُولُ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ شُرْبَ الْمَاءِ يُنْقِصُ مِنْ مُرُوءَتِي مَا شَرِبْتُهُ، وَكَانَ مَشْغُوفًا بِالسَّمَاعِ.
وَأَمَّا جَعْفَرٌ فَكَانَ يُنَادِمُ الرَّشِيدَ، وَأَبُوهُ يَأْمُرُهُ بِالإِقْلالِ مِنْ ذلك فيخالفه، وقد كان يحيى قال: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَا وَاللَّهِ أَكْرَهُ مُدَاخَلَةَ جَعْفَرٍ مَعَكَ، لَوِ اقْتَصَرْتَ بِهِ عَلَى الإِمْرَةِ دُونَ الْعِشْرَةِ.
قَالَ: يَا أَبَهْ، لَيْسَ لِعَذَابِكَ، وَلَكِنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تُقَدِّمَ الْفَضْلَ عَلَيْهِ.
قَالَ ابن جرير: حدثني أحمد بن زهير، أظنه عَنْ عَمِّهِ، زَاهِرِ بْنِ حَرْبٍ، أَنَّ سَبَبَ هَلاكِ الْبَرَامِكَةِ أَنَّ الرَّشِيدَ كَانَ لا يَصْبِرُ عَنْ جَعْفَرٍ، وَعَنْ أُخْتِهِ عَبَّاسَةَ بِنْتِ
الْمَهْدِيِّ. قَالَ: وَكَانَ يُحْضِرُهَا مَجْلِسَ الشَّرَابِ، فَقَالَ: أزوجكها على أن لا تلمسها، فكانا يثملان من الشرب وَهُمَا شَابَّانِ، وَيَقُومُ الرَّشِيدُ، فَوَثَبَ جَعْفَرٌ عَلَيْهَا، فَوَلَدَتْ مِنْهُ غُلامًا، فَخَافَتِ الرَّشِيدَ، فَوَجَّهَتْ بِالطِّفْلِ مَعَ حَوَاضِنَ إِلَى مَكَّةَ وَاخْتَفَى الأَمْرُ، ثُمَّ ضَرَبَتْ جَارِيَةً لَهَا فَوَشَتْ بِهَا إِلَى الرَّشِيدِ، فَلَمَّا حَجَّ أَرْسَلَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي بِهِ الْحَوَاضِنُ، وَهَمَّ بِقَتْلِ الصَّبِيِّ، ثُمَّ تَأَثَّمَ مِنْ ذَلِكَ.
فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الْحِيرَةِ وَنَاحِيَةِ الأَنْبَارِ أَرْسَلَ لَيْلَةَ السَّبْتِ لانْسِلاخِ1 الْمُحَرَّمِ إِلَى مَسْرُورٍ الْخَادِمِ وَمَعَهُ أَبُو عِصْمَةَ وَأَجْنَادٌ، فَأَحَاطُوا بِجَعْفَرٍ لَيْلا، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَسْرُورٌ وَهُوَ فِي مَجْلِسِ لَهْوِهِ، فَأَخْرَجَهُ بِعُنْفٍ وَقَيَّدَهُ بِقَيْدِ حِمَارٍ وَأَتَى بِهِ، فَأَعْلَمَ الرَّشِيدَ، فَأَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ، فَفَعَلَ.
وَحَدَّثَ مَسْرُورٌ قَالَ: وَقَعَ عَلَى رِجْلَيَّ يُقَبِّلُهَا، وَقَالَ: دَعْنِي أَدْخُلُ فَأُوصِي، قُلْتُ: لا سَبِيلَ إِلَى ذَلِكَ، فَأَوْصِ بِمَا شِئْتَ، فَأَوْصَى وَأَعْتَقَ مَمَالِيكَهُ، ثُمَّ ذَبَحْتُهُ بَعْدَ أَنْ رَاجَعْتُ الرَّشِيدَ فِيهِ، وَأَتَيْتُهُ بِرَأْسِهِ.
ثُمَّ وَجَّهَ الرَّشِيدُ جُنْدًا أَحَاطُوا بِأَبِيهِ وَبِجَمِيعِ أَوْلادِهِ وَمَوَالِيهِ، وَأُخِذَتْ أَمْوَالُهُمْ وَأَمْلاكُهُمْ، وَكَتَبَ إِلَى سَائِرِ الْعُمَّالِ بِقَبْضِ مَالِهِمْ.
وَبُعِثَتْ جُثَّةُ جَعْفَرٍ إِلَى بَغْدَادَ، فَنُصِبَتْ عَلَى خَشَبَةٍ.
وَنُودِيَ أَلا لا أَمَانَ لِمَنْ آوَى أَحَدًا مِنَ الْبَرَامِكَةِ.
مَقْتَلُ أَنَسِ بْنِ أَبِي شَيْخٍ:
ثُمَّ أَمَرَ الرَّشِيدُ يَوْمَ دَخَلَ الرَّقَّةَ بِقَتْلِ أَنَسِ بْنِ أَبِي شَيْخٍ، فَقُتِلَ وَصُلِبَ عَلَى الزَّنْدَقَةِ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْبَرَامِكَةِ.
حِكَايَةُ ابْنِ الصَّابِئِ عَنْ جَعْفَرٍ الْبَرْمَكِيِّ:
وَذَكَر ابْنُ الصَّابِئِ فِي كِتَابِ الأَمَاثِلِ وَالأَعْيَانِ عَنْ إِسْحَاقَ الْمَوْصِلِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمَهْدِيِّ قَالَ: خَلا جَعْفَرُ بْنُ يَحْيَى يَوْمًا بِنُدَمَائِهِ2، وَأَنَا فِيهِمْ، فلبس الحرير
1 انسلاخ: نهاية الشيء، والمراد آخر الشهر.
2 الندماء: الجلساء أو الأصدقاء.
وَتَضَمَّخَ بِالطِّيبِ، وَفَعَلَ بِنَا مِثْلَهُ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ صَالِحِ بْنِ عَلِيٍّ، فَدَخَلَ فِي رُصَافِيَّتِهِ وَسَوَادِهِ، فَارْبَدَّ وَجْهُ جَعْفَرٍ، فَدَعَا غُلامَهُ فَنَاوَلَهُ سَوَادَهُ وَقَلَنْسُوَتَهُ، وَأَتَى مَجْلِسَنَا، وَقَالَ: أَشْرِكُونَا مَعَكُمْ. فَأَلْبَسُوهُ حَرِيرًا، وَأُحْضِرَ لَهُ طَعَامٌ وَشَرَابٌ، فَقَالَ لِجَعْفَرٍ: وَاللَّهِ مَا شَرِبْتُهُ قَبْلَ الْيَوْمِ، فَلْيُخَفِّفْ عَلَيَّ. ثُمَّ ضُمِّخَ1 بِالْخَلُوقِ2، فَنَادَمَنَا أَحْسَنَ مُنَادَمَةً، وَسُرِّيَ عَنْ جَعْفَرٍ.
فَلَمَّا أَرَادَ الانْصِرَافَ قَالَ لَهُ: اذْكُرْ حَوَائِجَكَ، فَإِنَّنِي مَا أَسْتَطِيعُ مُقَابَلَةَ مَا كَانَ مِنْكَ.
قَالَ: فِي قَلْبِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيَّ مَوْجِدَةٌ فَتُخْرِجُهَا؟ قَالَ: قَدْ رَضِيَ عَنْكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ: عَلَيَّ أربعة آلاف ألف دِرْهَمٍ دَيْنًا.
قَالَ: قُضِيَ دَيْنُكَ.
قَالَ: وَإِبْرَاهِيمُ ابْنِي أُحِبُّ أَنْ أُزَوِّجَهُ.
قَالَ: قَدْ زَوَّجَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْعَالِيَةِ ابْنَتِهِ.
قَالَ: وَلَوْ تَرَاهُ يُوَلَّى بَلَدًا.
قَالَ: قَدْ وَلاهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إمرة مِصْرَ.
فَخَرَجَ وَنَحْنُ مُتَعَجِّبُونَ مِنْ إِقْدَامِ جَعْفَرٍ عَلَى هَذِهِ الأُمُورِ الْعَظِيمَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانِ، وَرَكِبَ مِنَ الْغَدِ إِلَى الرَّشِيدِ فَدَخَلَ وَوَقَفْنَا، فَمَا كَانَ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ دُعِيَ بِالْقَاضِي أَبِي يُوسُفَ، وَبِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ صَالِحٍ.
ثُمَّ خَرَجَ إِبْرَاهِيمُ وَعَلْيِهِ الْخُلَعُ، وَاللِّوَاءُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَدْ زُوِّجَ بِالْعَالِيَةِ وَزُفَّتْ إِلَيْهِ، وَحُمِلَتِ الأَمْوَالُ إِلَى دَارِ عَبْدِ الْمَلِكِ.
وَخَرَجَ جَعْفَرٌ فَقَالَ لَنَا: وَقَفْتُ بَيْنَ يَدَيْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَعَرَّفْتُهُ بِأَمْرِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَعِلْمِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: حَسَنٌ حَسَنٌ. ثُمَّ قَالَ: فَمَا صَنَعْتَ مَعَهُ؟ فَعَرَّفْتُهُ مَا كَانَ من قولي، فاستصوبه وأمضاه.
1 ضمخ: خلط أو تعطر.
2 الخلوق: الطيب أو العطر.