الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجلد الثالث
الخلفاء الراشدون
سيرة أبو بكر الصديق
…
الخلفاء الراشدون:
سيرة أبو بكر الصديق:
2-
"ع" أبو بكر الصديق "ت 13 هـ" رضي الله عنه خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
اسمه عبد الله -ويقال عتيق- بن أبي قُحافة عُثْمَانَ بْن عَامِرِ بْن عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ بْن كعب بْن لؤي القرشي التَّيْميّ رضي الله عنه.
"رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم":
روى عنه خلْق من الصحابة وقدماء التابعين. من آخرهم أَنْس بْن مالك، وَطَارِقِ بْن شِهَابٍ، وَقَيْسِ بْن أَبِي حَازِمٍ، ومُرَّة الطيب.
قَالَ ابن أبي مُلَيْكَة وغيره: إنّما كان عتيق لقبًا له.
وعن عائشة قالت: اسمه الَّذِي سمّاه أهلُهُ به عبد الله ولكن غَلَب عليه عَتِيق1.
وَقَالَ ابن معين: لَقَبه عتيق لأنّ وجهه كان جميلًا، وكذا قَالَ اللَّيْث بْن سَعْد.
وَقَالَ غيره: كان أعْلم قريش بأنسابها.
وقيل: كان أبيض نحيفًا خفيف العارضين، معروق الوجه، غائر العينين، ناتئ الجبهة، يخضب شيبه بالحناء والكتم.
وكان أول من آمن من الرجال.
وَقَالَ ابن الأعرابي: العرب تقول للشيء قد بلغ النهاية في الجودة: عَتيق.
وعن عائشة قالت: مَا أسلم أَبُو أحدٍ من المهاجرين إلا أَبُو بكر.
وعن الزُّهْرِيّ قَالَ: كان أَبُو بكر أبيض أصفر لطيفًا جعدًا مسترق الوركين،
1 أخرجه الترمذي "3699" في كتاب المناقب، باب: في مناقب أبي بكر وعمر كليهما، عن عائشة أن أبا بكر دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال:"أنت عتيق الله من النار فيومئذ سمي عتيقا"، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
لَا يثبت إزاره على وركيه. وَجَاءَ أَنَّهُ اتَّجَرَ إِلَى بُصْرَى غَيْرَ مَرَّةٍ، وَأَنَّهُ انْفَقَ أمواله عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا نَفَعَنِي مَالٌ مَا نَفَعَنِي مال أبو بَكْرٍ"1.
وَقَالَ عُرْوةُ بْن الزُّبَيْر: أسلم أَبُو بكر يوم أسلم وله أربعون ألف دينار2.
وَقَالَ عمرو بْن العاص: يَا رَسُولَ اللَّهِ أي الرجال أحب إليك، قَالَ:"أَبُو بكر"3.
وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يبغض أبا بكر وعمر مؤمنٌ ولا يحبُّهما منافق"4.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلَيَّ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَظَرَ إِلَى أَبِي بكر وعمر فقال: "هذان سيدا كهول أهل الْجَنَّةِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ إِلَّا النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، لَا تُخْبِرْهُمَا يَا عَلِيُّ"5. وَرُوِيَ نَحْوُهُ مِنْ وجوه مقاربة عن زر ابن حُبَيْشٍ، وَعَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَهَرِمٍ، عَنْ عَلِيٍّ. وَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ مِثْلُهُ.
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، ثم رواه من حديث الوقري، عن الزهري، ولم يصح.
1 صحيح: أخرجه الترمذي "3681" في كتاب المناقب، باب: في مناقب أبي بكر الصديق رضي الله عنه وابن ماجه "94" في المقدمة، باب: في فضائل أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ حديث أبي هريرة رضي الله عنه وصححه الألباني في "صحيح الجامع""5661": صحيح.
2 مرسل: أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 91".
3 صحيح: وقد تقدم تخريجه.
4 أخرجه الخطيب البغدادي في "تاريخه""10/ 236".
5 صحيح: أخرجه الترمذي "3686" في كتاب المناقب، باب: في مناقب أبي بكر وعمر كليهما، وابن ماجه "95" في المقدمة، باب: في فضائل أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن أحمد في زوائد "المسند""1/ 80" وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
وقال ابن مسعود: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا"1.
رَوَى مِثْلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَزَادَ: "وَلَكِنْ أخي وصاحبي في اللَّهِ، سُدُّوا كُلَّ خَوْخَةٍ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ"2.
هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: أبو بكر سيدنا وخيرنا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ3. صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وصح من حديث الجريري، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: قُلْتُ لعائشة: أيّ أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالت: أَبُو بكر، قلت: ثمَّ من؟ قالت: عُمَر، قلت: ثمَّ من؟ قالت: أَبُو عبيدة، قلت: ثمَّ من؟ فسكتت4.
مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ" عَنْ أَبِي النَّصْرِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ:"إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَدَيْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، قَالَ: فَعَجِبْنَا، فَقَالَ النَّاسُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ يُخْبِرُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَبْدٍ خَيَّرَهُ اللَّهُ، وَهُوَ يَقُولُ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الْمُخَيَّرُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أعلمنا به5.
1 صحيح: أخرجه مسلم "2383" في كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي بكر، والترمذي "3675"، في كتاب المناقب، باب: مناقب أبي بكر، وابن ماجه "93" في المصدر السابق، وأبو نعيم في "الحلية""10879".
2 صحيح: وقد تقدم.
3 صحيح: أخرجه الترمذي "3676" في المصدر السابق، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي" وأوله عند البخاري "3754" في كتاب فضائل الصحابة، باب: مناقب بلال بن رباح.
4 صحيح: أخرجه الترمذي "3677" في المصدر السابق، وابن ماجه "102" في المقدمة، باب: في فضائل أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
5 صحيح: تقدم تخريجه.
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ، لَا تُبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا خَوْخَةُ أَبِي بَكْرٍ"1. مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ.
وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا لِأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ إِلَّا وَقَدْ كَافَأْنَاهُ مَا خَلَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا يَدًا يُكَافِئُهُ اللَّهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا أَلَا وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ"2. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَكَذَا قَالَ فِي حَدِيثِ كَثِيرٍ النَّوَّاءِ، عَنْ جُمَيْعِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ:"أَنْتَ صَاحِبِي عَلَى الْحَوْضِ وَصَاحِبِي فِي الْغَارِ"3.
وَرُوِيَ عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي لقوم فيهم أبي بَكْرٍ أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ"4. تَفَرَّدَ بِهِ عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ5.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
1 صحيح: وهو بقية الحديث السابق.
2 صحيح: أخرجه الترمذي "3681" في كتاب المناقب، باب: في مناقب أبي بكر، وقال الألباني في "صحيح الجامع" "5661": صحيح.
3 ضعيف: أخرجه الترمذي "3690" في كتاب المناقب، باب: في مناقب أبي بكر وعمر كليهما، وقال الألباني في "ضعيف الجامع" "756": ضعيف.
4 ضعيف جدا: أخرجه الترمذي "3693" في المصدر السابق، وقال الألباني في "ضعيف سنن الترمذي" "757": ضعيف جدا.
5 نقل في "الميزان""6617"، عن البخاري قال: منكر الحديث، وقال ابن حبان: يروي أحاديث كلها موضوعات. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءٍ. وَقَالَ مرة: لا بأس به.
وقال الفلاس: متروك. وقال النسائي: ليس بثقة.
قلت: فهو بين الضعف والضعف الشديد: والله أعلم.
فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيْءٍ، فَأَمَرَهَا بِأَمْرٍ، فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ أَجِدْكَ - قَالَ: "إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ"1. مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ.
وَقَالَ أَبُو بكر الهُذلي، عَنِ الحسن، عَنْ عليّ قَالَ: لقد أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصليّ بالنّاس، وإني لشاهدٌ وما بي مرض، فرضينا لدنيانا من رضي به النّبيّ صلى الله عليه وسلم لديننا2.
وَقَالَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ: "ادْعِي لِي أَبَاكِ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَيَقُولَ قَائِلٌ، وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ"3. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ نَافِعُ بْنُ عُمَرَ: ثنا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي مَرَضِهِ:"ادْعُوا لِي أَبَا بَكْرٍ وَابْنَهُ فَلْيَكْتُبْ لِكَيْلا يَطْمَعَ فِي أَمْرِ أَبِي بَكْرٍ طَامِعٌ وَلَا يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ"، ثُمَّ قَالَ:"يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ"4. تَابَعَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمْ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَلَفْظُهُ: "مَعَاذَ الله أن يختلف المؤمنون فِي أَبِي بَكْرٍ" 5.
وَقَالَ زَائِدَةُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عُمَرُ فَقَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ فَأَمَّ النَّاسَ، فَأيُّكُمْ تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ نتقدم أبا بكر6.
1 صحيح: أخرجه البخاري "3659" في كتاب فضائل الصحابة، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خليلا"، ومسلم "2386/ 10" في كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي بكر الصديق، وأحمد "4/ 82".
2 إسناده: ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 97"، والحسن مدلس، وقد عنعنه، وأبو بكر الهذلي متروك كما في "التقريب""8002".
3 صحيح: أخرجه مسلم "2387" في كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي بكر الصديق، وابن سعد في "الطبقات""2/ 96"، والبيهقي في "الدلائل""6/ 343".
4 أخرجه أحمد "6/ 106".
5 أخرجه ابن سعد في "الطبقات "2/ 96".
6 إسناده حسن: أخرجه النسائي "2/ 74، 75" في كتاب الإمامة، باب: ذكر الإمامة والجماعة، وأحمد "1/ 396-405"، وقال الألباني في "صحيح سنن النسائي": حسن الإسناد.
وأخرج البخاري من حديث أبي إدريس الخُولانِيّ قَالَ: سمعت أبا الدَّرْدَاء يَقُولُ: كان بين أبي بكر وعمر محاورةٌ فأغضب أَبُو بكر عُمَر، فانصرف عنه عُمَر مُغْضَبًا فاتبعه أَبُو بَكْر يسأله أن يستغفر له، فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه، فأقبل أَبُو بكر إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء: ونحن عنده، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أما صاحبكم هذا فقد غَامَرَ"، قَالَ: وندم عُمَر على مَا كان منه، فأقبل حتى سلم وجلس إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقصّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الخبر، قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء: وغِضبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل أَبُو بكر يَقُولُ: والله يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنَا كنتُ أظْلَمُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "هل أنتم تاركون لي صاحبي? إني قلت أيها النَّاس إني رسول الله إليكم جميعًا، فَقُلْتُم: كذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بكر: صَدَقْتَ"1.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ السَّلامِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الدَّالانِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو خَالِدٍ مَوْلَى جَعْدَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَرَانِي الْبَابَ الَّذِي تَدْخُلُ مِنْهُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مَعَكَ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ، قَالَ:"أَمَا إِنَّكَ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي"2. أَبُو خَالِدٍ مَوْلَى جَعْدَةَ لَا يُعْرَفُ إِلا بِهَذَا الْحَدِيثِ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ سُمَيْعٍ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِأَبِي عُبَيْدَةَ: ابْسُطْ يَدَكَ حَتَّى أُبَايِعَكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"أَنْتَ أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ"، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأَتَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ رَجُلٍ أمره رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَؤُمَّنَا، فَأَمَّنَا حَتَّى مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ3.
وَقَالَ أبو بكر بْنُ عَيَّاشٍ: أَبُو بَكْرٍ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْقُرْآنِ لأَنَّ فِي الْقُرآنِ فِي الْمُهَاجِرِينَ {أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} 4 فمن سماه صَادِقًا لَمْ يَكْذِبْ، هُمْ سَمَّوْهُ وَقَالُوا: يَا خليفة رسول الله
1 صحيح: أخرجه البخاري "3661" في كتاب فضائل الصحابة، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خليلا"، وأبو نعيم في "الحلية""13991".
2 ضعيف: أخرجه أبو داود "4652" في كتاب السنة، باب: في الخلفاء، وقال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" "1008": ضعيف.
3 أخرجه أحمد "1/ 35".
4 سورة الحشر: 8.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ قَالَ: لَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ أَصْبَحَ وَعَلَى سَاعِدِهِ أبْرَاد، فَقَالَ عُمَرُ: مَا هَذَا؟ قَالَ يَعْنِي لِي عِيَالٌ، قال: انطلق يفرض لك أبو عبيدة، فانطلقنا إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ فَقَالَ: أَفْرِضُ لَكَ قُوتَ رَجُلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَكِسْوَتَهُ، وَلَكَ ظَهْرُكَ إِلَى الْبَيْتِ1.
وقالت عائشة: لمّا استُخْلِفَ أَبُو بكر ألقى كل دينار ودرهم عنده في بيت المال وَقَالَ: قد كنتُ أتَّجِرُ فيه وألْتَمِسُ به، فلمّا وُلِّيتُهُم شغلوني2.
وَقَالَ عطاء بْن السائب: لما استخلف أبو بكر وعلى رقبته أثوابٌ يتجر فيها، فلقيه عُمَر وأبو عبيدة فكلَّماه فَقَالَ: فمن أين أطْعِم عيالي؟ قالا: أنْطِلقْ حتى نفرض لك، قَالَ: ففرضوا له كل يوم شطر من شاة، وما كسوه في الرأس والبطن، وَقَالَ عُمَر: إليَّ القضاء، وَقَالَ أَبُو عبيدة: إليَّ الفيء، فَقَالَ عُمَر: لقد كان يأتي عليّ الشهرُ مَا يختصم إليّ فيه اثنان3.
وعن ميمون بْن مِهران قال: جعلوا له ألفين وخمسمائة4.
وَقَالَ محمد بْن سيرين: كان أَبُو بكر أعبر هذه الأمة للرؤيا بعد النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ الزبير بن بكار عن بعض أشياخه قَالَ: خُطَباء الصحابة: أَبُو بكر، وعليّ.
وَقَالَ عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَدْعُو عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ هَذِهِ الأَبْيَاتِ، وَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ شِعْرًا فِي جَاهِلِيَّةِ وَلا فِي إِسْلامٍ، وَلَقَدْ تَرَكَ هُوَ وَعُثْمَانُ شُرْبَ الْخَمْرِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
وَقَالَ كثير النَّواء، عَنْ أبي جعفر الباقر: إنّ هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعلي: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا} 5 الآية.
1 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 98" بنحوه.
2 أخرجه ابن سعد في الطبقات "2/ 98" بنحوه.
3 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 98".
4 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 98".
5 سورة الحجر: 47.
وَقَالَ حُصَيْن، عَنْ عبد الرحمن بْن أبي ليلى أن عُمَر صعِد المنْبَرَ ثُمَّ قَالَ: ألا إن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أَبُو بكر، فمن قَالَ غير ذلك بعد مقامي هذا فهو مُفْتَرٍ، عليه مَا على الْمُفْتَرِي.
وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَجَمَاعَةٌ: ثنا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا نَقُولُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ اسْتَوَى النَّاسُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُنْكِرْهُ1.
وَقَالَ عليّ: "خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْر، وعمر"2. هذا والله العظيم قاله عليّ وهو متواتر عنه؛ لأنه قاله على منبر الكوفة، فقاتل الله الرّافضة مَا أجهلهم.
وقال السدي، عن عبد خَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الْمَصَاحِفِ أَبُو بَكْرٍ، كَانَ أَوَّلَ مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ3. إِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
وَقَالَ عقيل، عَنِ الزُّهْرِيّ أنّ أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان خزيزة أُهْدِيَت لأبي بكر، فَقَالَ الحارث: ارفع يدك يا خليفة رسول الله، والله إنّ فيها لَسمّ سنةٍ، وأنا وأنت نموت في يومٍ واحد، قَالَ: فلم يزالا عليلَيْن حتى ماتا في يومٍ واحد عند انقضاء السنة4.
وعن عائشة قالت: أول ما بدئ مَرَضُ أبي بكر أنّه اغْتَسَلَ، وكان يومًا باردًا فحُمّ خمسة عشر يومًا لَا يخرج إلى صلاة، وكان يأمر عمر بالصلاة، وكانوا يعودونه، وكان عثمان ألْزمهُم له في مرضه5.
وتُوُفِّيَ مساءَ ليلة الثلاثاء لثمانٍ بقين من جمادى الآخرة. وكانت خلافته سنتين ومائة يوم.
1 عزاء الحافظ ابن حجر في "الفتح""7/ 20" للطبراني. وأصل الحديث صحيح كما تقدم.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3671" في كتاب فضائل الصحابة، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خليلا"، والطبراني في "الأوسط""810"، وأبو نعيم في "الحلية""10321".
3 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 103".
4 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 105، 106".
5 أخرجه ابن سعد في الطبقات "2/ 107".
وقال أبو معشر: سنتين وأربعة أشهر إلَّا أربع ليالٍ، عَنْ ثلاث وستين سنة.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا بُرْدَانُ بْنُ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ محمد بن إبراهيم التيمي، وأنا وعمرو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيِّ، دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا ثَقُلَ دَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ عُمَرَ، فَقَالَ: مَا تَسْأَلُنِي عَنْ أَمْرٍ إِلا وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، قَالَ: وَإِنْ، فَقَالَ: هُوَ وَاللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ رَأْيِكَ فِيهِ، ثُمَّ دَعَا عُثْمَان فَسَأَلَهُ عَنْ عُمَرَ، فَقَالَ: عِلْمِي فِيهِ أَنَّ سَرِيرَتَهُ خَيْرٌ مِنْ عَلانِيَتِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِينَا مِثْلُهُ، فَقَالَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَاللَّهِ لَوْ تَرَكْتُهُ مَا عَدَوْتُكَ، وَشَاوَرَ مَعَهُمَا سَعِيد بْن زَيْدٍ، وَأُسَيْد بْن الْحُضَيْرِ وَغَيْرهمَا، فَقَالَ قَائِلٌ: مَا تَقُولُ لِرَبِّكَ إِذَا سَأَلَكَ عَنِ استخلاف عُمَرَ وَقَدْ تَرَى غِلْظَتَهُ؟ فَقَالَ: أَجْلِسُونِي، أَبِاللَّهِ تُخَوِّفُونِي! أَقُولُ: اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِمْ خَيْرَ أَهْلِكَ.
ثُمَّ دَعَا عُثْمَانَ فَقَالَ: اكْتُبْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا عَهِدَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ فِي آخِرِ عَهْدِهِ بِالدُّنْيَا خَارِجًا مِنْهَا، وَعِنْدَ أَوَّلِ عَهْدِهِ بِالآخِرَةِ دَاخِلا فِيهَا، حَيْثُ يُؤْمِنُ الْكَافِرُ، وَيُوقِنُ الْفَاجِرُ، وَيَصْدُقُ الْكَاذِبُ، إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاستمعوا له وأطيعوه، وإني لم آل الله ورسوله وديته وَنَفْسِي وَإِيَّاكُمْ خَيْرًا، فَإنْ عَدَلَ فَذَلِكَ ظَنِّي بِهِ وَعِلْمِي فِيهِ، وَإِنْ بَدَّلَ فَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا اكْتَسَبَ، وَالْخَيْرَ أَرَدْتُ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُون} 1.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْحَدِيثِ: لَمَّا أَنْ كَتَبَ عُثْمَانُ الْكِتَابَ أُغْمِيَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَكَتَبَ عُثْمَانُ مِنْ عِنْدِهِ اسْمَ عُمَرَ، فَلَمَّا أَفَاقَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: اقْرَأْ مَا كَتَبْتَ، فَقَرَأَ، فَلَمَّا ذَكَرَ عُمَرَ كَبَّر أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: أَرَاكَ خِفْتَ إِنْ افْتَلَتَتْ نَفْسِي الاخْتِلافَ، فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنِ الإِسْلامِ خَيْرًا، وَاللَّهِ إِنْ كُنْتَ لَهَا أَهْلا2.
وَقَالَ عُلْوَانُ بْنُ دَاوُدَ الْبَجَلِيُّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَقَدْ رَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُلْوَانَ، عَنْ صَالِحٍ نَفْسِهِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَعُودُهُ فِي مرضه
1 سورة الشعراء: 227.
2 إسناده ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 106، 107".
فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَسَأَلْتُهُ كَيْفَ أَصْبَحْتَ? فَقَالَ: بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا، أَمَّا إِنِّي عَلَى مَا تَرَى وَجِعٌ، وَجَعَلْتُمْ لِي شُغُلا مَعَ وَجَعِي، جَعَلْتُ لَكُمْ عَهْدًا بَعْدِي، وَاخْتَرْتُ لَكُمْ خَيْرَكُمْ فِي نَفْسِي فَكُلُّكُمْ وَرِمَ لِذَلِكَ أَنْفُهُ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ الأَمْرُ لَهُ.
ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنِّي لا آسَى عَلَى شَيْء إِلا عَلَى ثَلاثٍ فَعَلْتُهُنَّ، وَثَلاثٍ لَمْ أَفْعَلْهُنَّ، وَثَلاثٍ وَدِدْتُ أَنِّي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهُنَّ: وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ كَشَفْتُ بَيْتَ فاطمة وَأَنْ أُغْلِقَ عَلَيَّ الْحَرْبَ، وَدِدْتُ أَنِّي يَوْمَ سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ كُنْتُ قَذَفْتُ الأَمْرَ فِي عنق عمر أو أبي عبيدة، وددت أَنِّي كُنْتُ وَجَّهْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى أَهْلِ الرِّدَّةِ وَأَقَمْتُ بِذِي الْقِصَّةِ، فَإِنْ ظَفِرَ المسلمون وإلا كنت لهم مددًا ورداءً، وَوَدِدْتُ أَنِّي يَوْمَ أُتِيتُ بِالأَشْعَثِ أَسِيرًا ضَرَبْتُ عنقه، فإنه خيل إِلَيَّ أَنَّهُ لا يَكُونُ شَرٌّ إِلا طَارَ إليه، وودت أَنِّي يَوْمَ أُتِيتُ بِالْفُجَاءَةِ السُّلَمِيِّ لَمْ أَكُنْ حَرَّقْتُهُ وَقَتَلْتُهُ أَوْ أَطْلَقْتُهُ نَجِيحًا، وَوَدِدْتُ أَنِّي حَيْثُ وَجَّهْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى الشَّامِ وَجَّهْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إِلَى الْعِرَاقِ، فَأَكُونُ قَدْ بَسَطْتُ يَمِينِي وَشِمَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَوَدِدْتُ أَنِّي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَنْ هَذَا الأَمْرُ وَلا يُنَازِعُهُ أَهْلَهُ، وَأَنِّي سَأَلْتُهُ هَلْ لِلأَنْصَارِ فِي هَذَا الأَمْرِ شَيْءٌ وَأَنِّي سَأَلْتُهُ عَنِ الْعَمَّةِ وَبِنْتِ الأَخِ، فَإِنَّ فِي نَفْسِي مِنْهَا حَاجَةً1، رَوَاهُ هَكَذَا وَأَطْوَلَ مِنْ هَذَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ ابْنُ عَائِذٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: حَضَرْتُ أَبِي وَهُوَ يَمُوتُ فَأَخَذَتْهُ غشْيَةٌ فتمثَّلْتُ:
مَنْ لا يَزَالُ دَمْعُهُ مُقَنَّعًا
…
فَإِنَّهُ لا بُدَّ مَرَّةً مَدْفُوقُ
فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} 2، 3.
وَقَالَ موسى الجُهنيُّ عَنْ أبي بكر بْن حفص بْن عُمَر: إنّ عائشة تمثَّلَت لمّا احتضر أبو بكر:
1 إسناده ضعيف: علوان بن داود البجلي منكر الحديث كما في "الميزان""5763" وقد ذكر له المصنف فيه هذا الأثر من مناكيره.
2 سورة ق: 19.
3 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 105" عن عائشة.
لَعَمْرُكَ مَا يُغْني الثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى
…
إذا حشرجت يومًا وضاق بها الصَّدْرُ
فَقَالَ: ليس كذلك ولكن {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} ، إني نحلتك حائطًا وإن نفسي منه شيئًا فرديه على الميراث، قالت: نعم، قَالَ: أما إنّا مُنْذُ وُلِّينا أمر المُسْلِمين لم نأكل لهم دينارًا ولا درهمًا ولكنّا أكلنا من جريش طعامهم في بطوننا، ولبِسْنا من خشن ثيابهم على ظهورنا، وليس عندنا من فيء المُسْلِمين شيءٌ إِلَّا هذا العبد الحبشي وهذا البعير الناضج وجرد هذه القطيفة، فإذا مت فابعثي بهنّ إلى عُمَر، ففعلت1.
وَقَالَ القاسم، عَنْ عائشة: أن أبا بكر حين حَضَرهُ الموت قَالَ: إنّي لَا أعلم عند آل أبي بكر غير اللقحة وغير هذا الغلام الصقيل، كان يعمل سيوف المُسْلِمين ويخدُمُنا، فإذا مِتُّ فادْفَعِيهِ إلى عُمَر، فلمّا دفعته إلى عُمَر قَالَ عُمَر: رحم الله أبا بكرٍ لقد أتعب من بعده2.
وَقَالَ الزُّهْرِيّ: أوصى أَبُو بكر أن تُغَسِّله امرأتُه أسماء بنت عميس، فإنْ لم تستطع استعانت بابنه عبد الرحمن3.
وَقَالَ عبد الواحد بْن أيمن وغيره، عَنْ أبي جعفر الباقر قَالَ: دخل عليٌّ على أبي بكر بعد مَا سُجِّيَ فَقَالَ: مَا أحد ألقى الله بصحيفته أحبّ إليّ من هذا الْمُسَجَّى.
وَقَالَ القاسم: أوصى أَبُو بكر أنْ يُدْفَن إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فَحُفِرَ له، وَجُعِلَ رأسُه عند كتفي رسول الله -صلى الله عليه وَسَلَّمَ4.
وعن عامر بْن عبد الله بْن الزُّبَيْر قَالَ: رأس أبي بكر عند كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأس عُمَر عند حقوي أبي بكر5.
وقالت عائشة: مات ليلة الثلاثاء، ودُفِن قبل أن يُصْبح.
1 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 104".
2 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 102".
3 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 108" عن غير واحد من التابعين.
4 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 111".
5 أخرجه ابن سعد في "الطبقات "2/ 112".
وعن مجاهد قَالَ: كُلِّم أَبُو قحافة في ميراثه من ابنه فَقَالَ: قد رددت ذلك على ولده، ثُمَّ لم يعش بعده إِلَّا ستة أشهرٍ وأيامًا.
وجاء أنه ورثه أبوه وزوجتاه أسماء بنتُ عُمَيْس، وحبيبة بنتُ خارجة والدة أمِّ كلْثُوم، وعبد الرحمن، ومحمد، وعائشة، وأسماء، وأم كلثوم.
ويقال: إنّ اليهود سمَّتْهُ في أَرُزَّةٍ فمات بعد سنة، وله ثلاثٌ وستُّون سنة.
ذِكْر عُمّال أبي بكر:
قَالَ موسى بْن أَنس بْن مالك: إنّ أبا بكر استعمل أباه أَنَسًا على البحرين.
وَقَالَ خليفة: وجّه أَبُو بكر زياد بْن لبيد على اليمن أو المهاجر بْن أبي أمية، واستعمل الآخر على كذا، وأقر على الطائف عثمان بْن أبي العاص.
ولما حج استخلف على المدينة قتادة بْن النُّعْمَان.
وكان كاتبه عثمان بْن عفان، وحاجبه سُديد مولاه، ويقال كتب له زيد بْن ثابت، وكان وزيره عُمَر بْن الخطاب وكان أيضًا على قضائه، وكان مؤذنه سعد القرظ مولى عمار بْن ياسر.
خلافة الصديق رضي الله عنه وأرضاه- سنة إحدى عشرة:
قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنُحِ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي إِلَّا ذَاكَ، وَلَيَبْعَثنُهُ اللَّهُ فَيَقْطَعُ أَيْدِي رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُذِيقُكَ اللَّهُ مَوْتَتَيْنِ أَبَدًا، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: أَيُّهَا الْحَالِفُ عَلَى رِسْلِكَ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، وَقَالَ:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} 1. وَقَالَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} 2. الْآيَةَ، فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ، وَاجْتَمَعَتِ الْأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَقَالُوا: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ، فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَسَكَّتَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: فَتَكَلَّمَ فَأَبْلَغَ، فَقَالَ فِي كَلَامِهِ: نَحْنُ الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ، فَقَالَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: لَا وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ أَبَدًا، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا، وَلَكِنَّا الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ، قُرَيْشٌ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا وَأَعَزُّهُمْ أَحْسَابًا فَبَايِعُوا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: بَلْ نُبَايِعُكَ، أَنْتَ خَيْرُنَا وَسَيِّدُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ النَّاسُ. فَقَالَ قَائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبادَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: قَتَلَهُ اللَّهُ3. رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بلال عنه، وهو صحيح السند.
1 سورة الزمر: 30.
2 سورة آل عمران: 144.
3 صحيح: أخرجه البخاري "4452، 4453، 4454" في كتاب المغازي، باب: مرضه صلى الله عليه وسلم ووفاته، والبيهقي في "الدلائل""7/ 215، 216".
وَقَالَ مَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عُمَرَ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ قَائِلًا يَقُولُ: "لَوْ مَاتَ عُمَرُ بَايَعْتُ فُلَانًا" فَلَا يَغْتَرَّنَّ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ: كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً، وَلَيْسَ مِنْكُمْ مَنْ تُقْطَعُ الْأَعْنَاقُ إِلَيْهِ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَإِنَّهُ كَانَ مِنْ خَيْرِنَا حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ، وَتَخَلَّفَ عَلِّيٌّ وَالزُّبَيْرُ فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَخَلَّفَ الْأَنْصَارُ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْنَا نَؤُمُّهُمْ، فَلَقِيَنَا رَجُلَانِ صَالِحَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَا: لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَأْتُوهُمْ وَأَبْرِمُوا1 أَمْرَكُمْ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّهُمْ، فَأَتَيْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَإِذَا هُمْ مُجْتَمِعُوَن عَلَى رَجُلٍ مُزَّمِّلٍ2 بِالثِّيَابِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: سَعْدُ بْنُ عُبادَةَ مَرِيضٌ، فَجَلَسْنَا، وَقَامَ خَطِيبُهُمْ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَنَحْنُ الْأَنْصَارُ وَكَتِيبَةُ الْإِيمَانِ، وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ مِنَّا، وَقَدْ دَفَّتْ إِلَيْكُمْ دَافَّةٌ3 يُرِيدُونَ أَنْ يَخْتَزِلُونَا4 مِنْ أَصْلِنَا وَيَحْضُنُونَا مِنَ الْأَمْرِ.
قَالَ عُمَرُ: فَلَمَّا سَكَتَ أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ بِمَقَالَةٍ قَدْ كَانَتْ أَعْجَبَتْنِي بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى رِسْلِكَ، وَكُنْتُ أَعْرِفُ مِنْهُ الْجِدَّ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ، وَهُوَ كَانَ خَيْرًا مِنِّي وَأَوْفَقَ وَأَوْقَرَ، ثُمَّ تَكَلَّمَ فَوَاللَّهِ مَا تَرَكَ كَلِمَةً أَعْجَبَتْنِي إِلَّا قَدْ قَالَهَا وَأَفْضَلَ مِنْهَا حَتَى سَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَهُوَ فِيكُمْ مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، وَأَنْتُمْ أَهْلُهُ وَأَفْضَلَ مِنْهُ، وَلَنْ تَعْرِفَ الْعَرَبُ هَذَا الْأَمْرَ إِلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا، وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَبَايِعُوا أَيَّهُمَا شِئْتُمْ، وَأَخَذَ بِيَدِي وَيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، قَالَ: فَمَا كَرِهْتُ شَيْئًا مِمَّا قَالَهُ غَيْرَهَا. كَانَ وَاللَّهِ أَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي لَا يُقَرِّبُنِي ذَلِكَ إِلَى إِثْمٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ إِلَّا أَنْ تَتَغَيَّرَ نَفْسِي عند الموت، فقال رجل من الأنصار: إن جذيلها المحكك وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أَمِيرٌ مَعْشَرَ المُهَاجِرِينَ، قَالَ: وَكَثُرَ اللَّغَطُ وَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ حَتَى خَشِيتُ الْاخْتِلَافَ، فَقُلْنَا: ابْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ وَبَايَعَهُ المهاجرون وبايعه.
1 أبرموا: أحكموا.
2 مزمل: متلقف.
3 الدافة: الجماعة تسير سيرا بطيئا.
4 يختزلونا: يقتطعونا.
الْأَنْصَارُ، وَنَزَوْا1 عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبادَةَ، فَقَالَ قَائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدًا، فَقُلْتُ: قَتَلَ اللَّهُ سَعْدًا، قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضَرْنَا أَمْرًا أَوْفَقَ مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ، خَشِينَا إِنْ نَحْنُ فَارَقْنَا الْقَومَ وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةً أَنْ يُحْدِثُوا بَعْدَنَا بَيْعَةً، فَإِمَّا بَايَعْنَاهُمْ عَلَى ما لا نرضى، وإما خالفناهم فيكون فساد. رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِطُولِهِ، فَزَادَ فِيهِ: قَالَ عُمَرُ: "فَلَا يَعْتَزِلِ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ: إنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً فَتَمَّتْ، فَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ وَقَى شَرَّهَا، فَمَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُتَابَعُ هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ تَغِرَّةً، أَنْ يُقْتَلَا"2. مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ.
وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير. فأتاهم عمر فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدْ أَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَؤُمَّ النَّاسَ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَأَيُّكُمْ تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ؟ قُلْتُ: يَعْنِي فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: نَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ نَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ3. رَوَاهُ النَّاسُ عَنْ زَائِدَةَ عَنْهُ.
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: أَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْميِّ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى عُمَرُ أَبَا عُبَيْدَةَ فَقَالَ: ابْسُطْ يَدَكَ لِأُبَايِعَكَ، فَإِنَّكَ أَمِينُ هَذِهِ الأمة على لسان رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ لِعُمَرَ: مَا رَأَيْتُ لَكَ فَهَّةً4 قَبْلَهَا مُنْذُ أَسْلَمْتَ، أَتُبَايِعُنِي وَفِيكُمُ الصِّدِّيقُ وَثَانِيَ اثْنَيْنِ؟ 5.
وَرَوَى نَحْوَهُ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ أبي البختري.
وقال ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: ابْسُطْ يَدَكَ نُبَايِعْ لَكَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ أَفْضَلُ مِنِّي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنْتَ أَقْوَى مِنِّي، قَالَ: إنَّ قُوَّتِي لَكَ مع فضلك6.
1 نزوا: وثبوا.
2 صحيح: أخرجه البخاري "6830" في كتاب الحدود، باب: رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت، وأحمد "1/ 55، 56".
وأخرجه مسلم أصله "1691" في كتاب الحدود، باب: رجم الثيب في الزنى.
3 إسناده حسن: أخرجه أحمد، وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" "12/ 159": سنده حسن.
4 الفهة: السقطة.
5 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 96".
6 إسناده منقطع.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ تُوُفِّيَ اجْتَمَعَتِ الْأَنْصَارُ إِلَى سَعْدٍ، فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَجَمَاعَةٌ، فَقَامَ الْحُبَابُ بْنُ المُنْذِرِ، وَكَانَ بَدْرِيًّا فَقَالَ: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ1.
وَقَالَ وهيب: حدثنا داود بن أبي هند، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: لَمَا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ خُطَبَاءُ الْأَنْصَارِ، فَجَعَلَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْكُمْ قَرَنَ مَعَهُ رَجُلًا مِنَّا، فَنَرَى أَنْ يَلِيَ هَذَا الْأَمْرَ رَجُلَانِ مِنَّا وَمِنْكُمْ، قَالَ: وَتَتَابَعَتْ خُطَبَاءُ الْأَنْصَارِ عَلَى ذَلِكَ، فَقَامَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: جَزَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْ حَيٍّ يَا مَعْشَرَ الأنصار وثبت قائلكم، أم والله فَعَلْتُمْ غَيْرَ ذَلِكَ لَمَّا صَالَحْنَاكُمْ، ثُمَّ أَخَذَ زَيْدٌ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: هَذَا صَاحِبُكُمْ فَبَايِعُوهُ، قَالَ: فَلَمَّا قَعَدَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْمِنْبَرِ نَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقوَمِ فَلَمْ يَرَ عليا، فسأل عنه، فقدم نَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَتَوْا بِهِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ وَخَتَنُهُ أَرَدْتُ أَنْ تَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِميْنَ! فَقَالَ: لَا تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَايَعَهُ، ثُمَّ لَمْ يَرَ الزُّبَيْرَ، فَسَأَلَ عَنْهُ حَتَّى جَاءُوا بِهِ، فَقَالَ: ابْنُ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحَوَارِيُّهُ أردتم أَنْ تَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِميْنَ! فَقَالَ: لَا تَثْرِيبَ2 يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، فَبَايَعَهُ3.
رَوَى مِنْهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" إِلَى قَوْلِهِ "لَمَّا صَالَحْنَاكُمْ" عَنْ عَفَّانَ عَنْ وُهَيْبٍ، وَرَوَاهُ بِتَمَامِهِ ثِقَةٌ، عَنْ عَفَّانَ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ عُمَرُ فِي خُطْبَتِهِ: وَإِنَّ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَمَنْ مَعَهُمَا تَخَلَّفُوا عَنَّا، وَتَخَلَّفَتِ الْأَنْصَارُ عَنَّا بِأَسْرِهَا، فَاجْتَمَعُوا فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ فِي مَنْزِلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَجُلٌ يُنَادِي مِنْ وراء الجدار: اخرج يا ابن الْخَطَّابِ، فَخَرَجْتُ فَقَالَ: إِنَّ الْأَنْصَارَ قَدِ اجْتَمَعُوا فأدركوهم قبل أن يحدثوا أمرا يكون بينا وَبَيْنَهُمْ فِيهِ حَرْبٌ، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: وَتَابَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فَنَزَوْنَا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ قَائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدًا، قَالَ عُمَرُ: فَقُلْتُ وَأَنَا مُغْضَبٌ قَتَلَ اللَّهُ سَعْدًا فَإِنَّهُ صَاحِبُ فتنة وشر.
1 مرسل: أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 97".
2 التثريب: اللوم.
3 أخرجه بتمامه البيهقي كما في "البداية""3/ 316، 317".
وَهَذَا مِنْ حَدِيثِ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ، عَنْ مَالِكٍ وَرَوَى مِثْلَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، وَابْنِ الْكَوَّاءِ، أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه ذَكَرَ مَسِيرَه وَبَيْعَةَ الْمُهَاجِرِينَ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَمُتْ فَجْأَةً، مَرِضَ لَيَالِي، يَأْتِيهِ بِلَالٌ فيؤذيه بِالصَّلَاةِ فَيَقُولُ:"مُرُوا أَبَا بَكْرٍ بِالصَّلَاةِ"، فَأَرَادَتِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ أَنْ تَصْرِفَهُ إِلَى غَيْرِهِ فَغَضِبَ وَقَالَ:"إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ"، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اخْتَرْنَا وَاخْتَارَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْمُسْلِمُونَ لِدُنْيَاهُمْ مَنِ اخْتَارَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لدينهم، وكان الصَّلَاةُ عِظَمَ الْأَمْرِ وَقِوَامَ الدِّينِ1.
وَقَالَ الْوَلِيدُ بن مسلم: فحدثني محمد بن حرب، أنا الزبيري، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَ خُطْبَةَ عُمَرَ الْآخِرَةَ قَالَ: حِينَ جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَدًا مَنْ مُتَوَفَّى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَشَهَّدَ عُمَرُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي قُلْتُ لَكُمْ أَمْسِ مَقَالَةً، وَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ كَمَا قُلْتُ، وَمَا وَجَدْتُ الْمَقَالَةَ الَّتِي قُلْتُ لَكُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ولا في عهد عهده رسول الله صلى الله عليه وسلم وَلَكِنْ رَجَوْتُ أَنَّهُ يَعِيشُ حَتَّى يُدَبِّرَنَا يَقُولُ حَتَّى يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آخِرَنَا فَاخْتَارَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ مَا عِنْدَهُ عَلَى الَّذِي عِنْدَكُمْ، فَإِنْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ مَاتَ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ كِتَابَهُ الَّذِي هَدَى بِهِ مُحَمَّدًا، فَاعْتَصِمُوا بِهِ تَهْتَدُوا بِمَا هُدِيَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَثَانِيَ اثْنَيْنِ وَأَنَّه أَحَقُّ النَّاسِ بِأَمْرِهِمْ، فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ، وَكَانَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَدْ بَايَعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَكَانَتِ الْبَيْعَةُ عَلَى الْمِنْبَرِ بَيْعَةَ الْعَامَّةِ، صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ كَانَ مَعَ عُمَرَ، وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ كَسَرَ سَيْفَ الزُّبَيْرِ، ثم خطب أبو بكر واعتذر إلى النَّاسَ وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ حَرِيصًا عَلَى الْإِمَارَةِ يَوْمًا وَلَا لَيْلَةً وَلَا سَأَلْتُهَا اللَّهَ فِي سِرٍّ وَلَا عَلَانِيَةٍ، فَقَبِلَ الْمُهَاجِرُونَ مَقَالَتَهُ، وَقَالَ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ: مَا غَضِبْنَا إِلَّا لِأَنَّا أخرنا عن المشاورة، إنا نَرَى أَبَا بَكْرٍ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَا بَعْدَ
1 إسناده ضعيف جدا: أبو بكر الهذلي متروك كما تقدم، وقد أخرج ابن سعد في "الطبقات""2/ 97" بعضه.
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ لصاحب الغارن وإنا لنعرف شرفه وخيره، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بِالصَّلَاةِ بِالنَّاسِ وَهُوَ حَيٌّ.
وَقَدْ قِيلَ إِنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه تَمَادَى عَنِ الْمُبَايَعَةِ مدة: فقال يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا تُوُفِّيَتْ فَاطِمَةُ بَعْدَ أَبِيهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ اجْتَمَعَ إِلَى عَلِيٍّ أَهْلُ بَيْتِهِ، فَبَعَثُوا إِلَى أَبِي بَكْرٍ: ائْتِنَا، فَقَالَ عُمَرُ: لَا وَاللَّهِ لَا تَأْتِيهِمْ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لآتينهم، وما تخاف عَلَيَّ فِي أَنْفُسِكِمْ مِنْ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ الَّتِي وُلِّيتُ عَلَيْكُمْ، وَوَاللَّهِ مَا صَنَعْتُ ذَلِكَ إِلَّا أَنِّي لَمْ أَكُنْ أُرِيدُ أَنْ أَكِلَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُنْتُ أَرَى أثَرَهُ فِيهِ وَعَمَلَهُ إِلَى غَيْرِي حَتَّى أَسْلُكَ بِهِ سَبِيلَهُ وَأُنْفِذَهُ فِيمَا جَعَلَهُ اللَّهُ، وَوَاللَّهِ لَأَنْ أَصِلَكُمْ أَحَبُّ إِلَيَّ من أن أصل أهل قرابتي لقرابتك من رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم وَلِعَظِيمِ حَقِّهِ. ثُمَّ تَشَهَّدَ عَلِيٌّ وَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ وَاللَّهِ مَا نَفَسْنَا عَلَيْكَ خَيْرًا جَعَلَهُ اللَّهُ لَكَ أَنْ لَا تَكُونَ أَهْلًا لِمَا أُسْنِدَ إِلَيْكَ، وَلَكِنَّا كُنَّا مِنَ الْأَمْرِ حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ فَتَفُوتَ بِهِ عَلَيْنَا، فَوَجِدْنَا فِي أَنْفُسِنَا، وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أُبَايِعَ وَأَدْخُلَ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ، وَإِذَا كَانَتِ الْعَشِيَّةُ فَصَلِّ بِالنَّاسِ الظُّهْرَ، وَاجْلِسْ عَلَى الْمِنْبَرِ حَتَّى آتِيَكَ فَأُبَايِعَكَ، فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الظُّهْرَ رَكِبَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَرَ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِ عَلِيٍّ، وَمَا دَخَلَ فيه من أمر الجماعة والبيعة، وها هو ذا فَاسْمَعُوا مِنْهُ، فَقَامَ عَلِيٌّ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عليه ثم أَبَا بَكْرٍ وَفَضْلَهُ وسِنَّهُ، وَأنَّهُ أَهْلٌ لِمَا سَاقَ اللَّهُ إِلَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ، ثُمَّ قَامَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَبَايَعَهُ1. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَفِيهِ: وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنَ النَّاسِ وَجْهٌ، حَيَاةَ فَاطِمَةَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتِ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ، فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ.
قِصَّةُ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ:
قَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ التَّمِيمِيُّ: حدثنا الْمُسْتَنِيرُ بْنُ يَزِيدَ النَّخَعِيُّ، عَنْ عُرْوةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَوَّلُ رِدَّةٍ كَانَتْ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى يَدِ عَبْهَلَةَ بْنِ كَعْبٍ، وَهُوَ الأسود في عامة
1 صحيح: أخرجه البخاري "4240، 4241" في كتاب المغازي، باب: غزوة خيبر، ومسلم "1759/ 52" في كتاب الجهاد، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نورث ما تركنا فهو صدقة" وأبو داود "2968" في كتاب الخراج، باب: في صفايا رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم مَنْ الأموال.
مذحج: خرج بعد حجة الوداع، وكانت شعبادا1 يُرِيهُمُ الْأَعَاجِيبَ، وَيَسْبِي قُلُوبَ مَنْ يَسْتَمِعُ مَنْطِقَهُ، فَوَثَبَ هُوَ وَمَذْحِجٌ بِنَجْرَانَ إِلَى أَنْ صَارَ إلى صنعاء فأخذهم وَلَحِقَ بِفَرْوَةَ مَنْ تَمَّ عَلَى إِسْلَامِهِ، لَمْ يُكَاتِبِ الْأَسْوَدُ رَسْولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ يُشَاغِبُهُ، وَصَفا لَهُ مُلْكُ الْيَمَنِ2.
فَرَوَى سَيْفٌ، عَنْ سَهْلِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ صَخْرٍ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ بَالْجَنَدِ3 قَدْ أَقَمْنَاهُمْ عَلَى مَا يَنْبَغِي، وَكَتَبْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الْكُتَبَ، إِذَا جَاءَنَا كِتَابٌ مِنَ الْأَسْوَدِ أَنْ أَمْسِكُوا عَلَيْنَا مَا أَخَذْتُمْ مِنْ أَرْضِنَا، وَوَفِّرُوا مَا جَمَعْتُمْ فَنَحْنُ أَوْلَى بِهِ، وَأَنْتُمْ عَلَى ما أنتم عليه، فبينا نحن ننظر في أمرنا إذا قِيلَ هَذَا الْأَسْوَدُ بِشَعُوبَ4، وَقَدْ خَرَجَ إِلَيْهِ شَهْرُ بْنُ بَاذَامَ، ثُمَّ أَتَانَا الْخَبَرُ أَنَّهُ قتل شها وَهَزَمَ الْأَبْنَاءَ، وَغَلَبَ عَلَى صَنْعَاءَ بَعْدَ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَخَرَجَ مُعَاذٌ هَارِبًا حَتَّى مَرَّ بِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ بِمَأْرِبَ، فَاقْتَحَمَا حَضْرَمَوْتَ.
وَغَلَبَ الْأَسْوَدُ عَلَى مَا بَيْنَ أَعْمَالِ الطَّائِفِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَجَعَلَ يَسْتَطِيرُ اسْتِطَارَةَ الْحَرِيقِ، وَكَانَ مَعَهُ سَبْعُمِائَةِ فَارِسٍ يَومَ لَقِيَ شَهْرًا، وكان فؤاده: قَيْسُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ، وَيَزِيدُ بْنُ مَخْزُومٍ، وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ، وَاسْتَغْلَظَ أَمْرُهُ وَغَلَبَ عَلَى أَكْثَرِ اليمن، وارتد معه خلق، وعامل الْمُسْلِمُونَ بِالتَّقِيَّةِ، وَكَانَ خَلِيفَتَهُ فِي مَذْحِجٍ عَمْرُو بن معد يكرب، وَأَسْنَدَ أَمْرَ جُنْدِهِ إِلَى قَيْسِ بْنِ عَبْدِ بغوث، وَأَمَرَ الْأَبْنَاءَ إِلَى فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ، وَدَاذُوَيْهِ، فَلَمَّا أثخن في الأرض استخف بهؤلاء، وتزوج أمره شهر، وهي بنت عم فيروز، قال: فبينا نَحْنُ كَذَلِكَ بِحَضْرَمَوْتَ وَلَا نَأْمَنُ أَنْ يَسِيرَ إِلَيْنَا الْأَسْوَدُ، وَقَدْ تَزَوَّجَ مُعَاذٌ فِي السَّكُونِ، إذا جَاءَتْنَا كُتُبُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا فِيهَا أَنْ نَبْعَثَ الرِّجَالَ لِمُجَاوَلَتِهِ وَمُصَاوَلَتِهِ، فَقَامَ مُعَاذٌ فِي ذَلِكَ، فَعَرَّفَنَا القُوَّةَ وَوَثَّقَنَا بالنصر5.
1 أي مشعوذ.
2 إسناده ضعيف جدا: سيف بن عمر مصنف "الفتوح" هو كالواقدي متروك الحديث، واتهم بالوضع، كما في الميزان "3637".
3 الجند: بلدة باليمن.
4 شعوب: قصر باليمن.
5 إسناده ضعيف جدا.
وَقَالَ سَيْفٌ: فَحَدَّثَنَا الْمُسْتَنِيرُ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ فَيْرُوزَ، عَنْ جِشْنِسَ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا وَبَرُ بْنُ يُحَنَّسَ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَنَا فِيهِ بِالنُّهُوضِ فِي أَمْرِ الْأَسْوَدِ فَرَأَيْنَا أَمْرًا كثيفا، ورأينا الأسود قد تغير لقيس ابن عَبْدِ يَغُوثَ، فَأَخْبَرْنَا قَيْسًا وَأَبْلَغْنَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَأَنَّمَا وَقَعْنَا عَلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ فَأَجَابَنَا، وَجَاءَ وَبَرٌ وَكَاتَبْنَا النَّاسَ وَدَعَوْنَاهُمْ، فَأَخْبَرَ الْأَسْوَدَ شَيْطَانُهُ فَأَرْسَلَ إِلَى قَيْسٍ فقال: ما يقول الملك؟ عَمَدْتُ إِلَى قَيْسٍ فَأَكْرَمْتُهُ، حَتَّى إِذَا دَخَلَ منك كل مدخل ما مَيْلَ عَدُوِّكَ، فَحَلَفَ لَهُ وَتَنَصَّلَ، فَقَالَ: أَتُكَذِّبُ الملك؟ قد صدق وعرفى أَنَّكَ تَائِبٌ، قَالَ: فَأَتَانَا قَيْسٌ وَأَخْبَرَنَا فَقُلْنَا: كَمَنْ عَلَى حَذَرٍ، وَأَرْسَلَ إِلَيْنَا الْأَسْوَدُ أَلَمْ أُشَرِّفْكُمْ عَلَى قَوْمِكُمْ، أَلَمْ يَبْلُغْنِي عَنْكُمْ؟ فَقُلْنَا: أَقِلْنَا مَرَّتَنَا هَذِهِ، فَقَالَ: فَلَا يَبْلُغْنِي عَنْكُمْ فَأَقْتُلَكُمْ، فَنَجَوْنَا وَلَمْ نَكِدْ، وَهُوَ فِي ارْتِيَابٍ مِنْ أَمْرِنَا، قَالَ: فَكَاتَبَنَا عَامِرُ بْنُ شَهْرٍ، وَذُو الْكَلَاعِ، وَذُو ظُلَيْمٍ، فَأَمَرْنَاهُمْ أَنْ لَا يَتَحَرَّكُوا بِشَيْءٍ، قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى امْرَأَتِهِ آذَادَ فقلت: يابنة عم قد عرف بَلاءَ هَذَا الرَّجُلِ، وَقَتَلَ زَوْجَكِ وَقَوْمَكِ وَفَضَحَ النِّسَاءَ، فَهَلْ مِنْ مُمَالأَةٍ عَلَيْهِ؟ قَالَتْ: مَا خَلَقَ اللَّهُ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْهُ، مَا يَقُومُ عَلَى حَقٍّ وَلَا يَنْتَهِي عَنْ حُرْمَةٍ، فَخَرَجْتُ فَإِذَا فَيْرُوزُ وَدَاذَوَيْهِ يَنْتَظِرَانِي، وَجَاءَ قَيْسٌ وَنحْنُ نُرِيدُ أَنْ نُنَاهِضَهُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ قَبِلَ أَنْ يَجْلِسَ: الْمَلِكُ يَدْعُوكَ، فَدَخَلَ فِي عَشَرَةٍ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَتْلِهِ، وَقَالَ يَا عَبْهَلَةُ أَمِنِّي تَتَحَصَّنُ بالرِّجَالِ، أَلَمْ أُخْبِرْكَ الْحَقَّ وَتُخْبِرْنِي الكذب، تريد قتلي! فقال: كَيْفَ وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ فَمُرْنِي بِمَا أَحْبَبْتَ، فَأَمَّا الْخَوفُ وَالْفَزَعُ فَأَنَا فِيهِمَا فَاقْتُلْنِي وَارْحَمْنِي، فَرَقَّ لَهُ وَأَخْرَجَهُ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا وَقَالَ: اعْمَلُوا عَمَلَكُمْ، وَخَرَجَ عَلَيْنَا الْأَسْوَدُ فِي جَمْعٍ، فَقُمْنَا لَهُ، وَبِالْبَابِ مِائَةُ بَقَرَةٍ وَبَعِيرٍ فَنَحَرَهَا، ثُمَّ قَالَ: أَحَقُّ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ يَا فَيْرُوزُ؟ لَقَدْ هَمَمْتُ بِقَتْلِكَ، فَقَالَ: اخْتَرْتَنَا لِصِهْرِكَ وَفَضَّلْتَنَا عَلَى الْأَبْنَاءِ، وَقَدْ جَمَعَ لَنَا أَمْرَ آخِرَةٍ وَدُنْيَا، فَلَا تَقْبَلَنَّ عَلَيْنَا أَمْثَالَ مَا يَبْلُغُكَ. فَقَالَ: اقْسِمْ هَذِهِ، فَجَعَلْتُ آمُرُ لِلِرَّهْطِ بِالْجَزُورِ، ثُمَّ اجْتَمَعَ بِالْمَرْأَةِ فَقَالَتْ: هُوَ مُتَحَرِّزٌ، وَالْحَرَسُ مُحِيطُونَ بِالْقَصْرِ سِوَى هَذَا الْبَابِ فَانْقُبُوا عَلَيْهِ، وهيأت لنا سراحا، وَخَرَجَتْ فَتَلَقَّانِي الْأَسْوَدُ خَارِجًا مِنَ الْقَصْرِ فَقَالَ: مَا أَدْخَلَكَ؟ وَوَجَأَ رَأْسِي فَسَقَطْتُ، فَصَاحَتِ الْمَرْأَةُ وَقَالَتْ: ابْنُ عَمِّي زَارَنِي، فَقَالَ: اسْكُتِي لَا أبالك فَقَدْ وَهَبْتُهُ لَكِ، فَأَتَيْتُ أَصْحَابِي وَقُلْتُ: النَّجَاءُ، وأخبرتهم الخبر، فأنا على ذلك إذ
جَاءَنِي رَسُولُهَا: لَا تَدَعَنَّ مَا فَارَقْتُكَ عَلَيْهِ. فَقُلْنَا لِفَيْرُوزَ: ائْتِهَا وَأَتْقِنْ أَمْرَنَا، وَجِئْنَا بِاللَّيْلِ ودخلنا، فإذا سراج تحت جقنة، فَاتَّقَيَا بِفَيْرُوزَ، وَكَانَ أَنْجَدَنَا، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْبَيْتِ سَمِعَ غَطِيطًا شَدِيدًا، وَإِذَا الْمَرْأَةُ جَالِسَةٌ، فلما قام بفيروز عَلَى الْبَابِ أَجْلَسَ الْأَسْوَدَ شَيْطَانُهُ وَكَلَّمَهُ فَقَالَ أَيْضًا: فَمَا لِي وَلَكَ يَا فَيْرُوزُ، فَخَشِيَ إِنْ رَجَعَ أَنْ يَهْلِكَ هُوَ وَالْمَرْأَةُ فَعَاجَلَهُ وَخَالَطَهُ وَهُوَ مِثْلُ الْجَمَلِ، فَأَخَذَ بِرَأْسِهِ فَدَقَّ عنقه وقتله، ثم قام ليخرج فأخذته الْمَرْأَةُ بِثَوْبِهِ تُنَاشِدُهُ، فَقَالَ: أَخْبِرْ أَصْحَابِي بِقَتْلِهِ، فأتانا فقمنا معه، فأردنا حز رَأْسِهِ فَحَرَّكَهُ الشَّيْطَانُ وَاضْطَرَبَ فَلَمْ يُضْبِطْهُ فَقَالَ: اجْلِسُوا عَلَى صَدْرِهِ، فَجَلَسَ اثْنَانِ وَأَخَذَتِ الْمَرْأَةُ بشعره، وسمعنا بَرْبَرَةً فَأَلْجَمْتُهُ بَمِلَاءَةٍ، وَأَمَرَّ الشَّفْرَةَ عَلَى حَلْقِهِ، فَخَارَ كَأَشَدِّ خُوَارِ ثَوْرٍ، فَابْتَدَرَ الْحَرَسُ الْبَابَ: مَا هَذَا مَا هَذَا؟ قَالَتْ: النَّبِيُّ يُوحَى إِلَيْهِ، قَالَ: وَسَمَرْنَا لَيْلَتَنَا كَيْفَ نُخْبِرُ أَشْيَاعَنَا، فَأَجْمَعْنَا عَلَى النِّدَاءِ، بِشِعَارِنَا ثُمَّ بِالْأَذَانِ، فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ نَادَى دَاذَوَيْهِ بِالشِّعَارِ، فَفَزِعَ الْمُسْلِمُونَ وَالْكَافِرُونَ، وَاجْتَمَعَ الْحَرَسُ فَأَحَاطُوا بِنَا، ثُمَّ نَادَيْتُ بِالْأَذَانِ، وَتَوَافَتْ خُيُولُهُمْ إِلَى الْحَرَسِ، فَنَادَيْتُهُمْ أَشْهَدُ أن محمد رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّ عَبْهَلَةَ كَذَّابٌ، وَأَلْقَيْنَا إِلَيْهِمُ الرَّأْسَ، وَأَقَامَ وَبَرُ الصَّلَاةَ، وَشَنَّهَا الْقَوْمُ غَارَةً، وَنَادَيْنَا: يَا أَهْلَ صَنْعَاءَ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ داخل فتعلوا بِهِ، فَكَثُرَ النَّهْبُ وَالسَّبْيُ، وَخَلُصَتْ صَنْعَاءُ وَالْجُنْدُ، وَأَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ، وَتَنَافَسْنَا الْإِمَارَةَ، وَتَرَاجَعَ أَصْحَابُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاصْطَلَحْنَا عَلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، فَكَانَ يُصَلِّي بِنَا وَكَتَبْنَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الخبر فتقدمت رُسُلُنَا، وَقَدْ قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صبيحنئذ فَأَجَابَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْهُ1.
وَرَوَى الْوَاقِديُّ عَنْ رِجَالِهِ قَالَ: بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ قَيْسَ بْنَ مَكْشُوحٍ إِلَى الْيَمَنِ، فَقَتَلَ الْأَسْوَدَ الْعَنْسِيَّ، هُوَ وَفَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيَّ2 وَلِقَيْسٍ هَذَا أَخْبَارٌ، وَقَدِ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسَرَهُ الْمُسْلِمُونَ فَعَفَا عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقُتِلَ مَعَ عَلِيٍّ بِصِفِّينَ.
جَيْشُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ:
قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ في
1 إسناده ضعيف جدا.
2 إسناده ضعيف جدا: الواقدي متروك كما تقدم.
مرضه: "أنقذوا جيشَ أُسَامَةَ"، فَسَارَ حَتَّى بَلَغَ الْجُرْفَ1، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ امْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنتُ قَيْسٍ تَقُولُ: لَا تَعْجَلْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ثَقِيلٌ، فَلَمَّا يَبْرَحْ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا قُبِضَ رَجَعَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَنِي وَأَنَا عَلَى غَيْرِ حَالِكُمْ هَذِهِ، وَأَنَا أَتَخَوَّفُ أَنْ تَكْفُرَ الْعَرَبُ، وَإِنْ كَفَرَتْ كَانُوا أَوَّلَ مَنْ يُقَاتِلُ، وَإِنْ لَمْ تَكْفُرْ مَضَيْتُ، فَإِنَّ مَعِيَ سَرَوَاتِ النَّاسِ وَخِيَارَهُمْ، قَالَ: فَخَطَبَ أَبُو بَكْرٍ النَّاسَ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لأن تخطفي الطَّيْرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَبْدَأَ بِشَيْءٍ قَبْلَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَبَعَثَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَاسْتَأْذَنَ لِعُمَرَ أَنْ يَتْرُكَهُ عِنْدَهُ، وَأَمَرَ أَنْ لَا يَجْزِرَ في القوم، أن يقع الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلَ وَالْأَوسَاطَ فِي الْقِتَالِ، قَالَ: فَمَضَى حَتَّى أَغَارَ، ثُمَّ رَجَعُوا وَقَدْ غَنِمُوا وَسَلِمُوا.
فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: مَا كُنْتُ لِأُحَيَّيَ أَحَدًا بِالْإِمَارَةِ غَيْرَ أُسَامَةَ؛ لَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُبِضَ وَهُوَ أَمِيرٌ، قَالَ: فَسَارَ، فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الشَّامِ أَصَابَتْهُمْ ضَبَابَةٌ شَدِيدَةٌ فَسَتَرَتْهُمْ، حَتَّى أَغَارُوا وَأَصَابُوا حَاجَتَهُمْ، قَالَ: فَقُدِمَ بِنَعْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى هِرَقْلَ وَإِغَارَةِ أُسَامَةَ فِي نَاحِيَةِ أَرْضِهِ خَبَرًا وَاحِدًا، فَقَالَتِ الرُّومُ: مَا بَالُ هَؤُلَاءِ يَمُوتُ صَاحِبُهَا ثُمَّ أَغَارُوا عَلَى أَرْضِنَا2.
وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَارَ أُسَامَةُ فِي رَبِيعِ الْأَوَّلِ حَتَّى بَلَغَ أَرْضَ الشَّامَ وَانْصَرَفَ، فَكَانَ مَسِيرُهُ ذَاهِبًا وَقَافِلًا أَرْبَعِينَ يَوْمًا3.
وَقِيلَ: كَان ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً.
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: فَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ الْبَيعَةِ، وَاطْمَأَنَّ النَّاسُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: امْضِ لِوَجْهِكَ. فَكَلَّمَهُ رِجَالٌ من المهاجرين والأنصار وقالوا: أَمْسِكْ أُسَامَةَ وَبَعْثَهُ فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ تَمِيلَ علينا العرب إذا سمعوا بوفاة رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أَنَا أَحْبِسُ جَيْشًا بَعَثَهُمْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم! لَقَدِ اجْتَرَأْتَ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ تَمِيلَ عَلَيَّ الْعَرَبُ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْبِسَ جَيْشًا بَعَثَهُمْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم امض يا أسامة في
1 الجرف: موضع على ثلاثة أميال من المدينة جهة الشام.
2 مرسل.
3 مرسل.
جَيْشِكَ لِلْوَجْهِ الَّذِي أُمِرْتَ بِهِ، ثُمَّ اغْزُ حَيْثُ أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَاحِيَةِ فِلِسْطِينَ، وَعَلَى أَهْلِ مُؤْتَة، فَإِنَّ اللَّهَ سَيَكْفِي مَا تَرَكْتَ، وَلَكِنْ إِنْ رأيت أن تأذن لعمر فأستبشره وَأَسْتَعِينَ بِهِ فَافْعَلْ، فَفَعَلَ أُسَامَةُ، وَرَجَعَ عَامَّةُ الْعَرَبِ عَنْ دِينِهِمْ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْمَشْرِقِ، وَغَطَفَانُ وَأسَدٌ وَعَامَّةُ أَشْجَعَ، وَتَمَسَّكَتْ طَيِّءٌ بِالْإِسْلَامِ1.
شَأْنُ أَبِي بَكْرٍ وَفَاطِمَةَ رضي الله عنهما:
قَالَ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ سألت أبي بَكْرٍ بَعْدَ وَفَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْسِمَ لَهَا مِيرَاثَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه، فقال لها: رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ" فَغَضِبَتْ وَهَجَرَتْ أَبَا بَكْرٍ حَتَى تُوُفِّيَتْ2.
وَأَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، حَتَّى كُنْتُ أَنَا رَدَدْتُهُنَّ فَقُلْتُ لَهُنَّ: أَلَا تَتَّقِينَ اللَّهَ أَلَمْ تَسْمَعْنَ من رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْمَالِ"3.
وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا، مَا تَرَكْتُ بعد نفقة نسائي ومؤنة عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ"4.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ -وَهُوَ مَتْرُوكٌ- عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ: إِنَّ فَاطِمَةَ دَخَلَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَرَأَيْتَ لَوْ مُتَّ الْيَومَ مَنْ كَانَ يَرِثُكَ؟ قَالَ: أَهْلِي وَوَلَدِي فقالت: ما لك تَرِثُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ دون أهله وولده!
1 مرسل إسناده ضعيف.
2 تقدم.
3 صحيح: أخرجه البخاري "6730" في كتاب الفرائض، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نورث ما تركنا صدقة"، ومسلم "1758" في كتاب الجهاد، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نورث ما تركنا فهو صدقة"، ومالك في "الموطأ""1635"، وأبو داود "2976، 2977" في كتاب الخراج، باب: في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
4 صحيح: أخرجه البخاري "6729" في المصدر السابق، ومسلم "1760" في المصدر السابق، ومالك في "الموطأ""1936"، وأبو داود "2974" في المصدر السابق، وأحمد "2/ 242".
فَقَالَ: مَا فَعَلْتُ يَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ. قَالَتْ: بَلَى قَدْ عَمَدْتَ إِلَى فَدَكَ1 وَكَانَتْ صَافِيةً لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذْتَهَا، وَعَمَدْتَ إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتَهُ مِنَّا، فَقَالَ: لَمْ أَفْعَلْ، حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ يُطْعِمَ النَّبِيَّ الطَّعْمَةَ مَا كَانَ حَيًّا فَإِذَا قبضه رفعها، فقالت: أنت رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمُ، مَا أَنَا بِسَائِلَتِكَ بَعْدَ مَجْلِسِي هَذَا2.
ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَتْ فَاطِمَةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ: أَنْتَ وريثة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أم أَهْلُهُ؟ فَقَالَ: لَا بَلْ أَهْلُهُ، قَالَتْ: فَأَيْنَ سَهْمُهُ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ إِذَا أطعم نبيا طعمة ثم قبضه جعلها للذين يَقُومُ مِنْ بَعْدِهِ"، فَرَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّهُ عَلَى المُسْلِمينَ، قَالَتْ: أَنْتَ وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ3.
رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَهُوَ مُنْكَرٌ، وَأَنْكَرُ مَا فِيهِ قَوْلُهُ:"لَا، بَلْ أَهْلُهُ".
وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مسلم، وعمر بن عبد الواحد، حدثنا صَدَقَةُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرِ الصِّدِيقِ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ فَاطِمَةَ أَتَتْ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَتْ: قد علمت الذي خلفنا عنه عن الصَّدَقَاتِ أَهْلَ الْبَيْتِ. ثُمّ قَرَأَتْ عَلَيْهِ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} 4 إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَقَالَ لَهَا: بِأَبي وَأُمِّي أَنْتِ وَوَالِدُكِ وَوَلَدُكِ، وَعَلَيَّ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ كِتَابُ اللَّهِ وَحقُّ رَسُولِهِ وَحَقُّ قَرَابَتِهِ، وَأَنَا أَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مِثْلَ الَّذِي تَقْرَئِينَ، وَلَا يَبْلُغُ عِلْمِي فِيهِ أَنْ أَرَى لِقَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا السَّهْمَ كُلَّهُ مِنَ الْخُمُسِ يَجْرِي بِجَمَاعَتِهِ عَلَيْهِمِ، قَالَتْ: أفلك هو ولقرابتك؟ قال: لا، وأنت
1 فداك: قرية بالحجاز، بينها وبين المدينة يومان.
2 إسناده ضعيف جدا: أبو صالح ضعيف، ويظهر لي أنه لم يدرك أبا بكر، ومحمد بن السائب هو الكلبي، متروك كما تقدم.
3 أخرجه أحمد "1/ 4" بهذا اللفظ، وقوله:"لا، بل أهله" أنكرها المصنف كما يأتي، وتبعه على إنكارها الحافظ ابن كثير، في "البداية""3/ 366"، والحافظ ابن حجر في "الفتح""6/ 233".
والحديث أخرجه أبو داود "2973" في كتاب الخراج، باب: في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم دون هذه اللفظة، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".
4 سورة الأنفال: 41.
عِنْدِي أَمِينَةٌ مُصَدَّقةٌ، فَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَهِدَ إِلَيْكِ فِي ذَلِكَ عَهْدًا وَوَعَدَكِ مَوْعِدًا أوْجَبَهُ لَكِ حَقًّا وسلمه إِلَيْكِ، قَالَتْ: لَا، أَلَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ قَالَ:"أَبْشِرُوا آلَ مُحَمَّدٍ فَقَدْ جَاءَكُمُ الْغِنَى".
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتِ فَلَكِ الْغِنَى، وَلَمْ يَبْلُغْ عِلْمِي فِيهِ وَلَا بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يُسَلَّمَ هَذَا السَّهْمُ كُلُّهُ كَامِلًا، ولكن لكم الغني يُغْنِيكُمْ، وَيَفْضُلُ عَنْكُمْ، فَانْظُرِي هَلْ يُوَافِقُكِ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ، فَانْصَرَفَتْ إِلَى عُمَرَ فَذَكَرَتْ لَهُ كَمَا ذَكَرَتْ لِأَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهَا مِثْلُ الَّذِي رَاجَعَهَا بِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَعَجِبَتْ وظنت أنهما قد تذاكرا ذلك واجتمعنا عَلَيْهِ1.
وَبِالْإِسْنَادِ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -مِنْ دُونِ ذِكْرِ الْوَلِيدِ بْنِ مسْلمٍ- قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كَانَ عُمَرُ عَرَضَ عَلَيْنَا أَنْ يُعْطِينَا مِنَ الْفَيْءِ بِحَقِّ مَا يَرَى أَنَّهُ له مِنَ الْحَقِّ، فَرَغِبْنَا عَنْ ذَلِكَ وَقُلْنَا: لَنَا مَا سَمَّى اللَّهُ مِنْ حَقِّ ذِي الْقُرْبَى، وَهُوَ خُمْسُ الْخُمُسِ، فَقَالَ عُمَرُ: لَيْسَ لَكُمْ مَا تَدَّعُونَ أَنَّهُ لَكُمْ حَقٌّ، إِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ الْخُمُسَ لِأَصْنَافٍ سَمَّاهُم، فَأَسْعَدُهُمْ فِيهِ حَظًّا أَشَدُّهُمْ فَاقَةً وَأَكْثَرُهُمْ عِيَالًا، قَالَ: فَكَانَ عُمَرُ يُعْطِي مَنْ قَبِلَ مِنَّا مِنَ الْخُمْسِ وَالْفَيْءِ نَحْوَ مَا يَرَى أَنَّهُ لَنَا، فَأَخَذَ ذَلِكَ مِنَّا نَاسٌ وَتَرَكَهُ نَاسٌ2.
وَذَكَرَ الزُّهْرِيُّ أَنَّ مالك بن أوس الْحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ، فَقَالَ لِي: يَا مَالِكُ إِنَّهُ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ قَوْمِكَ أَهْلُ أَبْيَاتٍ وَقَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ فَاقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ، قُلْتُ: لَوْ أَمَرْتَ بِهِ غَيْرِي، قَالَ: اقْبِضْهُ أيُّهَا الْمَرْءُ، قَالَ: وَأَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَأُ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ، وَالزُّبَيْرِ، وعبد الرحمن، وسعد يستأذنون؟ قال: نعم، فدخولا وَسَلَّمُوا وَجَلَسُوا، ثُمَّ لَبِثَ يَرْفَأُ قَلِيلًا، ثُمَّ قَالَ لِعُمَرَ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا دَخَلَا سَلَّمَا فَجَلَسَا، فَقَالَ عباس: يا أمير المؤمنين: اقضي بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا الظَّالِمِ الْفَاجِرِ الْغَادِرِ الْخَائِنِ، فَاسْتَبَّا، فَقَالَ عُثْمَانُ وَغيَرُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الْآخِرِ، فَقَالَ: أنشدكما بالله هل تعلمنا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ" قَالَا: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، قَالَ: فَإنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ: إِنَّ اللَّهَ كَانَ قَدْ خَصَّ رسوله في هذا.
1 إسناده ضعيف: يزيد الرقاشي ضعيف كما في "التقريب" 7638".
2 إسناده ضعيف: للجهالة فيه.
الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ غَيْرَهُ، فَقَالَ تَعَالَى:{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ} 1، فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ وَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ وَلَا اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ، لَقَدِ أَعْطَاكُمُوهَا وَبَثَّهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ، أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ، قَالُوا: نَعَمْ، ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ، فَقَبَضَهَا وَعَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا، وَأَنْتُمَا تَزْعُمَانِ أَنَّ أَبَا بكر فيها كَاذِبٌ فَاجِرٌ غَادِرٌ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّه فِيهَا لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ، ثُمَّ تَوَفَّاهُ اللَّهُ فَقُلْتُ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَوَلِيُّ أَبِي بَكْرٍ، فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي، أَعْمَلُ فِيهَا بِعَمَلِهِ، وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَشْهَدُونَ، وَأَقْبَلَ عَلَيَّ عَلِيٌّ وَعَبَّاسٌ يَزْعُمُونَ أَنِّي فِيهَا فَاجِرٌ كَاذِبٌ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي فِيهَا لَصَادِقٌ بار راشد تابع للحق، ثم جئتماني وكلمتكما وَاحدَةٌ وَأَمْرُكُمَا جَمِيعٌ، فَجِئْتَنِي تَسْأَلُنِي عَنْ نَصِيبِكَ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ، وَجَاءَنِي هَذَا يَسْأَلُنِي عَنْ نَصِيبِ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا، فَقُلْتُ لَكُمَا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقةٌ" فَلَمَّا بَدَا لِيَ أَنْ أَدْفَعَهَا إِلَيْكُمَا قُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَتَعْمَلَانِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، وَإِلَّا فَلَا تُكَلِّمَانِي فَقُلْتُمَا: ادفعها إلينا بذلك، فدفعتها إليكما أنشدكما ما بِاللَّهِ هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ؟ قَالَ الرَّهْطُ: نَعَمْ، فَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ؟ قَالَا: نَعَمْ، قَالَ أَفَتَلْتَمِسَانِ مِنْي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ! فَوَالَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ لَا أَقْضِي فِيهَا غَيْرَ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ أَكْفِيكُمَاهَا2.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنِي أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
1 سورة الحشر: 6.
2 صحيح أخرجه البخاري "3094" في كتاب فرض الخمس، باب: رقم "1"، ومسلم "1757" في كتاب الجهاد، باب: حكم الفيء، وأبو داود "2963" في كتاب الخراج، باب: في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم والترمذي "1616" في كتاب السير، باب: ما جاء في تركة النبي صلى الله عليه وسلم والنسائي "7/ 136، 137"، في كتاب قسم الفيء، باب: رقم "1"، وأحمد "1/ 25"، والشافعي في "مسنده""ص332".
يَقُولُ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي شَيْئًا مِمَّا تَرَكْتُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ" 1 فَكَانَتْ هَذِهِ الصَّدَقَةُ بِيَدِ عَلِيٍّ غَلَبَ عَلَيْهَا الْعَبَّاسُ، وكانت فيها خصومتها، فَأَبَى عُمَرُ أَنْ يَقْسِمَهَا بَيْنَهُمَا حَتَّى أَعْرَضَ عنها عباس فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا عَلِيٌّ، ثُمَّ كَانَتْ عَلَى يَدَيِ الْحَسَنِ، ثُمَّ كَانَتْ بِيَدِ الْحُسَيْنِ، ثُمَّ بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَالْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ، كِلَاهُمَا يتداولانها، ثم بيد زيد، وهي صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَقًّا.
خَبَرُ الرِّدَّةِ:
لَمَّا اشْتُهِرَتْ وَفَاةُ النَّبِيِّ بِالنَّوَاحِي، ارْتَدَّتْ طَوَائِفُ كَثِيرَةٌ مِنَ الْعَرَبِ عَنِ الْإسْلَامِ وَمَنَعُوا الزَّكَاةَ، فَنَهَضَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه لِقِتَالِهِمْ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ عُمَرُ وَغَيْرُهُ أَنْ يَفْتِرَ عَنْ قِتَالِهِمْ. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا أَوْ عِنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا، فَقَالَ عُمَرُ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَمَنْ قَالَهَا عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَدَمَهُ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصلاة والزكاة، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَقَدْ قَالَ: إِلَّا بِحَقِّهَا فَقَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ2، فَعَنْ عُرْوَةَ وَغَيْرِهِ قَالَ: فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ حتى بلغ نفعا3، حِذَاءَ نَجْدَ، وَهَرَبَتِ الْأَعْرَابُ بِذَرَارِيهِمْ، فَكَلَّمَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ وَقَالُوا: ارْجِعْ إِلَى الْمَدِينَةِ وَإِلَى الذُّرِّيَّةِ وَالنِّسَاءِ وَأَمِّرْ رَجُلًا عَلَى الْجَيْشِ، وَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى رَجَعَ وَأَمَرَ خَالِدَ بْنَ الوليد، وقال له: إذا أسلموا وأعطو الصَّدَقَةَ فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيَرْجِعْ، وَرَجَعَ أَبُو بكر إلى المدينة4.
1 تقدم.
2 صحيح: أخرجه البخاري "1399" في كتاب الزكاة، باب: وجوب الزكاة، ومسلم "20" في كتاب الإيمان، باب: رقم "8" وأبو داود "1556" في أول كتاب الزكاة، والترمذي "2616" في كتاب الإيمان باب: رقم "1"، والنسائي "5/ 14" في كتاب الزكاة، باب: مانع الزكاة، وأحمد "1/ 29، 35، 36، 47، 48"، وعبد الرزاق "18718"، والطبراني في "الأوسط "941"، وأبو نعيم في "الحلية" "1816، 3030"، والبيهقي في "سننه" "4/ 104"، وابن حبان "216، 217"، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
3 النقع: موضع قرب مكة.
4 مرسل.
وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ مَسِيرُهُ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ فَبَلَغَ ذَا الْقَصَّةِ، وَهِيَ عَلَى بَرِيدَيْنِ وَأَمْيَالٍ مِنْ نَاحِيةِ طَرِيقِ الْعِرَاقِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ سِنَانًا الضَّمْرِيَّ، وَعَلَى حِفْظِ أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ عَبْدَ الله بن مسعود.
وقال ابن لهيعة: أنبأنا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ عَلِيٍّ اللَّيْثِيِّ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بَعَثَ خَالِدًا، وَأَمَرَهُ أَنْ يُقَاتِلَ النَّاسَ عَلَى خَمْسٍ، مَنْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ قَاتَلَهُ كَمَا يُقَاتِلُ مَنْ تَرَكَ الْخَمْسَ جَمِيعًا: عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيْتِ1.
وَقَالَ عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ: لَوْ نَزَلَ بِالْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ مَا نَزَلَ بِأَبِي لَهَاضَهَا2، اشْرَأَبَّ3 النِّفَاقُ بِالْمَدِينَةِ وَارْتَدَّتِ الْعَرَبُ، فَوَاللَّهِ مَا اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بِحَظِّهَا مِنَ الْإِسْلَامِ.
وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ أَنَّ النَّاسَ قَالُوا لَهُ: إِنَّكَ لَا تَصْنَعُ بِالْمَسِيرِ بِنَفْسِكَ شَيْئًا، وَلَا تَدْرِي لِمَنْ تَقْصِدُ، فَأَمُرْ مَنْ تَثِقُ بِهِ وَارْجِعْ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَإِنَّكَ تَرَكْتَ بِهَا النِّفَاقَ يَغْلِي، فَعَقَدَ لِخَالِدٍ عَلَى النَّاسِ، وَأَمَّرَ عَلَى الْأَنْصَارِ خَاصَّةً ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَأَمَرَ خَالِدًا أَنْ يَصْمُدَ لِطُلَيْحَةَ الْأَسْدِيِّ.
وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَارَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنْ ذِي الْقَصَّةِ فِي أَلْفَيْنِ وَسَبْعِمِائَةٍ إِلَى ثَلَاثَةِ آلَافٍ، يُرِيدُ طُلَيْحَةَ، وَوَجَّهَ عُكَّاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيَّ حَلِيفَ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَثَابِتَ بْنَ أَقْرَمَ الْأَنْصَارِيَّ رضي الله عنهما فَانْتَهَوْا إِلَى قَطَنٍ4 فَصَادَفُوا فِيهَا حِبَالًا مُتَوَجِّهًا إِلَى طُلَيْحَة بِثُقْلِهِ، فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا مَا مَعَهُ، فَسَارَ وَرَاءَهُمْ طُلَيْحَةُ وَأَخُوهُ سَلَمَةُ فَقَتَلَا عُكَّاشَةَ وَثَابِتًا.
وَقَالَ الْوَلِيدُ الْمُوَقَّرِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: فَسَارَ خَالِدٌ لِقِتَالِ طُلَيْحَةَ الْكَذَّابَ فَهَزَمَهُ اللَّهُ، وَكَانَ قَدْ بَايَعَ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ، فَلَمَّا رَأَى طُلَيْحَةُ كَثْرَةَ انْهِزَامِ أَصْحَابِهِ قَالَ: مَا يَهْزِمُكُمْ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا أُحَدِّثُكَ، لَيْسَ مِنَّا رَجُلٌ إلَّا وَهُوَ يُحِبُ أَنْ يموت
1 إسناده ضعيف: أسامة بن زيد ضعيف كما في "التقريب""315"، وابن لهيعة كذلك.
2 هاضها: كسرها.
3 اشرأب: تطاول.
4 قطن: جبل بني أسد.
صَاحِبُهُ قَبْلَهُ، وَإِنَّا نَلْقَى قَوْمًا كُلَّهُمْ يُحِبُّ أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ، وَكَانَ طُلَيْحَةُ رَجُلًا شَدِيدَ الْبَأْسِ فِي الْقِتَالِ، فَقَتَلَ طُلَيْحَةُ يَوْمَئِذٍ عُكَّاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ وَثَابِتَ بْنَ أَقْرَمَ، وَقَالَ طُلَيْحَةُ:
عَشِيَّةَ غَادَرْتُ ابْنَ أَقْرَمَ ثَاوِيًا
…
وَعُكَّاشَةُ الْغَنْمِيُّ تَحْتَ مَجَالِي
أَقَمْتُ لَهُمْ صَدْرَ الْحِمَالَةِ إِنَّهَا
…
مُعَاوَدَةٌ قَبْلَ الْكُمَاةِ نِزَالِي
فَيَوْمًا تَرَاهَا فِي الْجَلَالِ مَصُونَةً
…
وَيَوْمًا تَرَاهَا فِي ظِلَالٍ عوال
فما ظنكم بالقوم إذا تَقْتُلُونَهُمْ
…
أَلَيْسُوا وَإِنْ لَمْ يَسْلَمُوا بِرِجَالِ
فَإِنْ تَكُ أَذْوَادٌ أُصِبْنَ وَنِسْوَةٌ
…
فَلَمْ تَرْهَبُوا فَرْغًا بِقَتْلِ حِبَالِ
فَلَمَّا غَلَبَ الْحَقُّ طُلَيْحَةَ تَرَجَّلَ. ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَرَكِبَ يَسِيرُ فِي النَّاسِ آمِنًا، حَتَّى مَرَّ بِأَبِي بَكْرٍ بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ سَارَ إِلَى مَكَّةَ فَقَضَى عُمْرَتَهُ، ثُمَّ حَسُنَ إِسْلَامُهُ.
وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ خَالِدًا لَقِيَ طُلَيْحَةَ بِبُزَاخَةَ1، وَمَعَ طُلَيْحَةَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، وَقُرَّةُ بْنُ هُبَيْرَةَ الْقُشَيْرِيُّ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، ثُمَّ هَرَبَ طُلَيْحَةُ وَأُسِرَ عُيَيْنَةُ وَقُرَّةُ، وَبُعِثَ بِهِمَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَحَقَنَ دِمَاءَهُمَا.
وَذُكِرَ أَنَّ قَيْسَ بْنَ مَكْشُوحٍ أَحَدَ مَنْ قَتَلَ الْأَسْوَدَ الْعَنْسِيَّ ارْتَدَّ. وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْأَسْوَدِ، وَخَافَهُ أَهْلُ صَنْعَاءَ، وَأَتَى قَيْسٌ إِلَى فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ وَدَاذَوَيْهَ يَسْتَشِيرُهُمَا فِي شَأْنِ أَصْحَابِ الْأَسْوَدِ خَدِيعَةً مِنْهُ، فَاطْمَأَنَّا إِلَيْهِ، وَصَنَعَ لَهُمَا مِنَ الْغَدِ طَعَامًا، فَأَتَاهُ دَاذَوَيْهِ فَقَتَلَهُ. ثُمَّ أَتَاهُ فَيْرُوزُ فَفَطِنَ بِالْأَمْرِ فَهَرَبَ، ولقيه جشيش ابن شَهْرٍ وَمَضَى مَعَهُ إِلَى جِبَالِ خَوْلَانَ، وَمَلَكَ قَيْسٌ صَنْعَاءَ، فَكَتَبَ فَيْرُوزُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْتَمِدُّهُ، فَأَمَدَّهُ، فَلَقَوْا قَيْسًا فَهَزَمُوهُ ثُمَّ أَسَرُوهُ وَحَمَلُوهُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَوَبَّخَهُ: فَأَنْكَرَ الرِّدَّةَ: فَعَفَا عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ.
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: فَسَارَ خَالِدٌ -وَكَانَ سَيْفًا مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ تَعَالَى- فَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى نَزَلَ بِبُزَاخَةَ، وَبَعَثَتْ إِلَيْهِ طيء: إِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْدَمَ عَلَيْنَا فَإِنَّا سَامِعُونَ مُطِيعُونَ، وَإِنْ شِئْتَ، نَسِيرُ إِلَيْكَ؟ قَالَ خَالِدٌ: بل أنا
1 بزاخة: ماء لطيء بأرض نجد.
ظَاعِنٌ إِلَيْكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَزَلْ بِبُزَاخَةَ، وَجَمَعَ لَهُ هُنَاكَ الْعَدُوُّ بَنُو أَسَدٍ وَغَطَفَانُ فَاقْتَتَلُوا، حَتَّى قُتِلَ مِنَ الْعَدُوِّ خَلْقٌ وَأُسِرَ مِنْهُمْ أُسَارَى، فَأَمَرَ خَالِدٌ بِالْحُظُرِ أَنْ تُبْنَى ثُمَّ أَوْقَدَ فِيهَا النِّيرَانَ وَأَلْقَى الْأُسَارَى فِيهَا، ثُمَّ ظَعَنَ يُرِيدُ طَيِّئًا، فَأَقْبَلَتْ بَنُو عَامِرٍ وَغَطَفَانُ وَالنَّاسُ مُسْلِمِينَ مُقِرِّينَ بِأَدَاءِ الْحَقِّ، فَقَبِلَ مِنْهُمْ خَالِدٌ.
وقُتِلَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ مَالِكُ بْنُ نُوَيْرَةَ التَّمِيمِيُّ فِي رِجَالٍ مَعَهُ مِنْ تَمِيمٍ، فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: نَحْنُ رَاجِعُونَ، قَدْ أَقَرَّتِ الْعَرَبُ بِالَّذِي كَانَ عَلَيْهَا، فَقَالَ خَالِدٌ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ: قَدْ لَعَمْرِي آذَنُ لكم، وقد أجمع أميركم بالمسير إلى مسيلمة بن تمامة الْكَذَّابِ، وَلَا نَرَى أَنْ تَفَرَّقُوا عَلَى هَذِهِ الْحَالِ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ حَسَنٍ، وَإِنَّهُ لَا حُجَّةَ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ فَارَقَ أَمِيرَهُ وَهُوَ أَشَدُّ مَا كَانَ إِلَيْهِ حَاجَةً، فَأَبَتِ الْأَنْصَارُ إِلَّا الرُّجُوعَ وَعَزَمَ خَالِدٌ وَمَنْ مَعَهُ، وَتَخَلَّفَتِ الْأَنْصَارُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ يَنْظُرُونَ فِي أَمْرِهِمْ، وَنَدِمُوا وقالوا: ما لكم وَاللَّهِ عُذْرٌ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ إِنْ أُصِيبَ هَذَا الطَّرَفُ وَقَدْ خَذَلْنَاهُمْ، فَأَسْرَعُوا نَحْوَ خَالِدٍ وَلَحِقُوا بِهِ، فَسَارَ إِلَى الْيَمَامةِ، وَكَانَ مُجَّاعَةُ بْنُ مُرَارَةَ سَيِّدُ بَنِي حَنِيفَةَ خَرَجَ فِي ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ فَارِسًا يَطْلُبُ دِمَاءً فِي بَنِي عَامِرٍ، فَأَحَاطَ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ، فَقَتَلَ أَصْحَابَ مُجَّاعَةَ وَأَوْثَقَهُ.
وَقَالَ الْعَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ: حَدَّثَنِي أَخِي عَبْدُ اللَّهِ عَنْ بَعْضِ آلِ عَدِيٍّ، عَنْ وَحْشِيٍّ قَالَ: خَرَجْنَا حَتَّى أَتَيْنَا طُلَيْحَةَ فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ، فَقَالَ خَالِدٌ: لَا أَرْجِعُ حَتَّى آتِيَ مُسَيْلِمَةَ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بينا وَبَيْنَهُمْ فَقَالَ لَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ: إِنَّمَا بعثنا إلى هؤلاء وقد كفى الله مؤنتهم، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ، وَسَارَ، ثُمَّ تَبِعَهُ ثَابِتٌ بَعْدَ يَوْمٍ فِي الْأَنْصَارِ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ بُزَاخَةَ أَسَدٍ وَغَطَفَانَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلُونَهُ الصُّلْحَ، خَيَّرَهُمْ أَبُو بَكْرٍ بَيْنَ حَرْبٍ مُجَلِّيَةٍ أَوْ حِطَّةٍ مُخْزِيَةٍ، فَقَالُوا: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ أَمَّا الْحَرْبُ فَقَدْ عَرَفْنَاهَا، فَمَا الْحِطَّةُ الْمُخْزِيَةُ؟ قَالَ: تُؤْخَذُ مِنْكُمُ الْحَلْقَةُ وَالْكُرَاعُ1 وَتُتْرَكُونَ أَقْوَامًا تَتْبَعُونَ أَذْنَابَ الْإِبِلِ حَتَّى يُرِيَ اللَّهُ خَلِيفَةَ نَبِيِّهِ وَالْمُؤْمِنِينَ أن قتلانا في الجنة وأن قتلاكم فِي النَّارِ، وَتَدُونَ قَتْلَانَا وَلَا نَدِي قَتْلَاكُمْ، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَّا قَوْلُكَ "تَدُونَ قَتْلَانَا" فَإِنَّ
1 الكرع: اسم لجميع الخيل.
قَتْلَانَا قُتِلُوا عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لَا دِيَاتَ لَهُمْ. فَاتُّبِعَ عُمَرُ، وَقَالَ عُمَرُ فِي الْبَاقِي: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ.
مَقْتَلُ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ التيمي الْحَنْظَلِيِّ الْيَرْبُوعِيِّ:
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أُتِيَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِمَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ فِي رَهْطٍ مِنْ قَوْمِهِ بَنِي حَنْظَلَةَ فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ، وَسَارَ فِي أَرْضِ تَمِيمٍ، فَلَمَّا غَشَوْا قَوْمًا مِنْهُمْ أَخَذُوا السِّلَاحَ وَقَالُوا: نَحْنُ مُسْلِمُونَ، فَقِيلَ لَهُمْ: ضَعُوا السِّلَاحَ، فَوَضَعُوهُ، ثُمَّ صَلَّى الْمُسْلِمُونَ وَصَلَّوْا.
فَرَوَى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمَ أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه فَأَخْبَرَهُ بِقَتْلِ مَالِكِ بن نويرة وأصحابه، فجزع لدلك، ثُمَّ وَدَى مَالِكًا وَرَدَّ السَّبْيَ وَالْمَالَ.
وَرُوِيَ أَنَّ مَالِكًا كَانَ فَارِسًا شُجَاعًا مُطَاعًا فِي قَوْمِهِ وَفِيهِ خُيَلَاءُ، كَانَ يُقَالُ لَهُ الْجَفُولُ، قدِم عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَسْلَمَ فَوَلَّاهُ صَدَقَةَ قَوْمِهِ، ثُمَّ ارْتَدَّ، فَلَمَّا نَازَلَهُ خَالِدٌ قَالَ: أَنَا آتِي بِالصَّلَاةِ دُونَ الزَّكَاةِ، فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ معا لا تقبل واحدة دون الأخرى؟! فَقَالَ: قَدْ كَانَ صَاحِبُكَ يَقُولُ ذَلِكَ، قَالَ خَالِدٌ: وَمَا تَرَاهُ لَكَ صَاحِبًا! وَاللَّهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَكَ، ثُمَّ تَحَاوَرَا طَوِيلًا، فَصَمَّمَ عَلَى قَتْلِهِ، فَكَلَّمَهُ أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ وَابْنُ عُمَرَ، فَكَرِهَ كَلَامَهُمَا، وَقَالَ لِضِرَارِ بْنِ الْأَزْوَرِ: اضْرِبْ عُنُقَهُ، فَالْتَفَتَ مَالِكٌ إِلَى زَوْجَتِهِ وَقَالَ: هَذِهِ الَّتِي قَتَلَتْنِي، وَكَانَتْ فِي غَايَةِ الْجَمَالِ، قَالَ خَالِدٌ: بَلِ اللَّهُ قَتَلَكَ بِرُجُوعِكَ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: أَنَا عَلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: اضْرِبْ عُنُقَهُ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَجَعَلَ رَأْسَهُ أَحَدَ أَثَافِي1 قِدْرِ طَبْخٍ فِيهَا طَعَامٌ، ثُمَّ تَزَوَّجَ خَالِدٌ بِالْمَرْأَةِ، فَقَالَ أَبُو زُهَيْرٍ السَّعْدِيُّ مِنْ أَبْيَاتٍ:
قَضَى خَالِدٌ بَغْيًا عَلَيْهِ لِعُرْسِهِ
…
وَكَانَ لَهُ فِيهَا هَوًى قَبْلَ ذَلِكَا
وَذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي "كَامِلِهِ" وَفِي "مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ" قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَارْتَدَّتِ الْعَرَبُ، وَظَهَرَتْ سَجَاحُ وَادَّعَتِ النُّبُوَّةَ صَالَحَهَا مَالِكٌ، وَلَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ رِدَّةٌ، وَأَقَامَ بِالْبِطَاحِ، فَلَمَّا فَرَغَ خَالِدٌ مِنْ أَسَدٍ وَغَطَفَانَ سَارَ إلى مالك وبث
1 الأثافي: الحجارة التي يوضع عليها القدر.
سَرَايَاهُ فَأَتَى بِمَالِكٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَلَمَّا قَدِمَ خَالِدٌ قَالَ عُمَرُ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ قَتَلْتَ امْرَأً مُسْلِمًا ثُمَّ نَزَوْتَ عَلَى امْرَأَتِهِ، لَأَرْجُمَنَّكَ، وَفِيهِ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ شَهِدَ أَنَّهُمْ أَذَّنُوا وَصَلُّوا.
وَقَالَ الْمُوَقَّرِيُّ: عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: وَبَعَثَ خَالِدٌ إِلَى مَالِكِ بْنِ نِوَيْرَةَ سَرِيَّةً فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ، فَسَارُوا يَوْمَهُمْ سِرَاعًا حَتَّى انْتَهُوا إِلَى مَحَلَّةِ الْحَيِّ، فَخَرَجَ مَالِكٌ فِي رَهْطِهِ فَقَالَ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَحْنُ الْمُسْلِمُونَ، فَزَعَمَ أَبُو قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ: وَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ الْمُسْلِمُ، قَالَ: فَضَعِ السِّلَاحَ، فَوَضَعَهُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، فَلَمَّا وَضَعُوا السِّلَاحَ رَبَطَهُمْ أَمِيرُ تِلْكَ السَّرِيَّةِ وَانْطَلَقَ بِهِمْ أُسَارَى، وَسَارَ مَعَهُمُ السَّبْيُ حَتَّى أَتَوْا بِهِمْ خَالِدًا، فَحَدَّثَ أَبُو قَتَادَةَ خَالِدًا أَنَّ لَهُمْ أَمَانًا وَأَنَّهُمْ قَدِ ادَّعَوْا إِسْلَامًا، وَخَالَفَ أَبَا قَتَادَةَ جَمَاعَةُ السَّرِيَّةِ فَأَخْبَرُوا خَالِدًا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَمَانٌ، وَإِنَّمَا أُسِرُوا قَسْرًا، فَأَمَرَ بِهِمْ خَالِدٌ فَقُتِلُوا وَقَبَضَ سَبْيَهُمْ، فَرَكِبَ أَبُو قَتَادَةَ فَرَسَهُ وَسَارَ قِبَلَ أَبِي بَكْرٍ. فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ قَالَ: تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِمَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ عَهْدٌ وَأَنَّهُ ادَّعَى إِسْلَامًا، وَإِنِّي نَهَيْتُ خَالِدًا فَتَرَكَ قَوْلِي وَأَخَذَ بِشَهَادَاتِ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْغَنَائِمَ، فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ فِي سَيْفِ خَالِدٍ رَهَقًا، وَإِنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ حَقًّا فَإِنَّ حَقًّا عَلَيْكَ أَنْ تُقَيِّدَهُ، فَسَكَتَ أَبُو بَكْرٍ.
وَمَضَى خَالِدٌ قِبَلَ الْيَمَامَةِ، وَقَدِمَ مُتَمِّمُ بْنُ نُوَيْرَةَ فَأَنْشَدَ أَبَا بَكْرٍ مَنْدَبَةً نَدَبَ بِهَا أَخَاهُ، وَنَاشَدَهُ فِي دَمِ أَخِيهِ وَفِي سَبْيِهِمْ، فَرَدَّ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ السَّبْيَ، وَقَالَ لِعُمَرَ وَهُوَ يُنَاشِدُ فِي الْقَوَدِ، لَيْسَ عَلَى خَالِدٍ مَا تَقُولُ، هَبْهُ تَأَوَّلَ فَأَخْطَأَ. قُلْتُ وَمِنَ الْمَنْدَبَةِ.
وَكُنَّا كَنُدْمَانَيْ جَذِيمَةَ حِقْبَةً
…
مِنَ الدَّهْرِ حَتَّى قِيلَ لَنْ يَتَصَدَّعَا
فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا كَأَنِّي وَمَالِكًا
…
لِطُولِ اجْتِمَاعٍ لَمْ نَبِتْ لَيْلَةً مَعًا
قِتَالُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ:
ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قَالَ: سَارَ بِنَا خَالِدٌ إِلَى الْيَمَامَةِ إِلَى مُسَيْلِمَةَ، وَخَرَجَ مُسَيْلِمَةُ بِمَجْمُوعَةٍ فَنَزَلُوا بِعَقْرَبَاءَ، فَحَلَّ بِهَا خَالِدٌ عَلَيْهِمْ، وَهِيَ طَرَفُ الْيَمَامَةِ، وَجَعَلُوا الْأَمْوَالَ خَلْفَهَا كُلَّهَا وَرِيفَ الْيَمَامَةِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ.
وَقَالَ شُرَحْبِيلُ بْنُ مُسَيْلِمَةَ: يَا بَنِي حُنَيْفَةَ الْيَوْمُ يَوْمُ الْغَيْرَةِ، الْيَوْمُ إِنْ هُزِمْتُمْ سَتُرْدَفُ الْنِّسَاءُ سَبِيَّاتٍ ويُنكحن غَيْرَ حَظِيَّاتٍ، فَقَاتِلُوا عَنْ أَحْسَابِكُمْ، فَاقْتَتَلُوا بِعَقْرَبَاءَ قِتَالًا شَدِيدًا، فَجَالَ الْمُسْلِمُونَ جَوْلَةً وَدَخَلَ نَاسٌ مِنْ بَنِي حُنَيْفَةَ فُسْطَاطَ خَالِدٍ وَفِيهِ مُجَّاعَةُ أَسِيرٌ، وَأُمُّ تَمِيمٍ امْرَأَةُ خالد، فأرادوا أن يقتلوها فقال مجاعة: إنه لَهَا جَارٌ، وَدَفَعَ عَنْهَا، وَقَالَ ثَابِتُ بْنُ قيس حين رأي المسلمون مُدْبِرِينَ: أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْمَلُونَ، وَكَرَّ الْمُسْلِمُونَ فَهَزَمَ اللَّهُ الْعَدُوَّ، وَدَخَلَ نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فُسْطَاطَ خَالِدٍ فَأَرَادُوا قَتْلَ مُجَّاعَةَ، فَقَالَتْ أُمُّ تَمِيمٍ: وَاللَّهِ لَا يُقْتَلُ وَأَجَارَتْهُ. وَانْهَزَمَ أَعْدَاءُ اللَّهِ حَتَّى إِذَا كَانُوا عِنْدَ حَدِيقَةِ الْمَوْتِ اقْتَتَلُوا عِنْدَهَا، أَشَدَّ الْقِتَالِ، وَقَالَ مُحَكَّمُ بْنُ الطُّفَيْلِ: يَا بَنِي حُنَيْفَةَ ادْخُلُوا الْحَدِيقَةَ فَإِنِّي سَأَمْنَعُ أَدْبَارَكُمْ، فَقَاتَلَ دُونَهُمْ سَاعَةً وَقُتِلَ، وَقَالَ مسيلمة: يا قوم قاتلوا عن أحسابكم، فاقتتوا قِتَالًا شَدِيدًا، حَتَّى قُتِلَ مُسَيْلِمَةُ.
وَحَدَّثَنِي مَوْلَى بَنِي نَوْفَلٍ.
وَقَالَ الْمُوَقِّرِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَاتَلَ خَالِدٌ مُسَيْلِمَةَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ بَنِي حُنَيْفَةَ، وهم يؤمئذ أَكْثَرُ الْعَرَبِ عَدَدًا وَأَشَدُّهُ شَوْكَةً، فَاسْتُشْهِدَ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَهَزَمَ اللَّهُ بَنِي حُنَيْفَةَ، وَقُتِلَ مُسَيْلِمَةُ، قَتَلَهُ وَحْشِيٌّ بَحَرْبَةٍ.
وَكَانَ يُقَالُ: قَتَلَ وَحْشِيٌّ خير أهل الأرض بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وشر أَهْلِ الْأَرْضِ.
وَعَنْ وَحْشِيٌّ قَالَ: لَمْ أَرَ قَطُّ أَصْبَرَ عَلَى الْمَوْتِ مِنْ أَصْحَابِ مُسَيْلِمَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ شَارَكَ فِي قَتْلِ مُسَيْلِمَةَ.
وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْيَمَامَةِ دَخَلَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ فَتَحَنَّطَ، ثُمَّ قَامَ فَأَتَى الصَّفَّ وَالنَّاسُ مُنْهَزِمُونَ فَقَالَ: هَكَذَا عَنْ وُجُوهِنَا، فَضَارَبَ الْقَوْمَ ثُمَّ قَالَ: بِئْسَمَا عَوَّدْتُمْ أَقْرَانَكُمْ، مَا هَكَذَا كُنَّا نُقَاتِلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتُشْهِدَ رضي الله عنه.
وَقَالَ الْمُوَقِّرِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: ثم تحصن من بني خليفة مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ سَتَّةُ آلَافِ مُقَاتِلٍ فِي حِصْنِهِمْ، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ خَالِدٍ فَاسْتَحْيَاهُمْ.
وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عُرْوَةَ قَالَ: وَعَمَدَتْ بَنُو حُنَيْفَةَ حِينَ انْهَزَمُوا إِلَى الْحُصُونِ فَدَخَلُوهَا، فَأَرَادَ خَالِدٌ أَنْ يُنْهِدَ إِلَيْهِمُ الْكَتَائِبَ، فَلَمْ يَزَلْ مُجَّاعَةُ حَتَّى صَالَحَهُ عَلَى الصَّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ وَالْحَلْقَةِ وَالْكُرَاعِ، وَعَلَى نِصْفِ الرَّقِيقِ، وَعَلَى حَائِطٍ مِنْ كُلِّ قَرْيَةٍ، فَتَقَاضَوْا عَلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ سَلَامَةُ بْنُ عُمَيْرٍ الْحَنَفِيُّ: يَا بَنِي حُنَيْفَةَ قَاتِلُوا وَلَا تُقَاضُوا خَالِدًا عَلَى شَيْءٍ، فَإِنَّ الْحِصْنَ حَصِينٌ، وَالطَّعَامُ كَثِيرٌ، وَقَدْ حَضَرَ النِّسَاءُ، فَقَالَ مُجَّاعَةُ: لَا تُطِيعُوهُ فإنه مشئوم. فَأَطَاعُوا مُجَّاعَةَ. ثُمَّ إِنَّ خَالِدًا دَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَالْبَرَاءَةِ مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ، فَأَسْلَمَ سَائِرُهُمْ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، إِنَّ خَالِدًا قَالَ: يَا بَنِي حُنَيْفَةَ مَا تَقُولُونَ؟ قَالُوا: مِنَّا نَبِيٌّ وَمِنْكُمْ نَبِيٌّ، فَعَرَضَهُمْ عَلَى السَّيْفِ، يَعْنِي الْعِشْرِينَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ مُجَّاعَةَ بْنِ مُرَارَةَ، وَأَوْثَقَهُ هُوَ فِي الْحَدِيدِ، ثُمَّ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ حِينَ كَشَفَ النَّاسُ: لَا نَجَوْتُ بَعْدَ الرِّجَالِ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ.
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ أَبَا مريم الحنفي قتل زيدا.
وقال ابْنُ إِسْحَاقَ: رَمَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي بكر محكم اليمامة ابن طُفَيْلٍ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ.
قُلْتُ: وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْعَةِ الْيَمَامَةِ مَتَى كَانَتْ: فَقَالَ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، كَانَتْ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ.
قَالَ عَبْد الباقي بن قانع: كانت في آخر سنة إحدى عشرة.
وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ كَانَتِ الْيَمَامَةُ فِي رَبِيعِ الْأَوَّلِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ. فَجَمِيعُ مَنْ قُتِلَ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعُمِائَةٌ وَخَمْسُونَ رَجُلًا.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَتْ سَنَةُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَمَعْنُ بْنُ عِيسَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ كَاتِبُ الْوَاقِدِيِّ وَغَيْرُهُمْ.
قُلْتُ: وَلَعَلَّ مَبْدَأَ وَقْعَةِ الْيَمَامَةِ كَانَ فِي آخِرِ سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ كَمَا قَالَ ابْنُ قَانِعٍ وَمُنْتَهَاهَا فِي أَوَائِلِ سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، فَإِنَّهَا بَقِيَتْ أَيَّامًا لِمَكَانِ الْحِصَارِ. وَسَأُعِيدُ ذِكْرَهَا وَالشُّهَدَاءِ بِهَا فِي أَوَّلِ سَنَةِ اثنتي عشرة -إن شاء الله.
سَنَةُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ:
فِي أَوَائِلِهَا -عَلَى الْأَشْهَرِ- وَقْعَةُ الْيَمَامَةِ، وَأَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَرَأْسُ الْكُفْرِ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ، فَقَتَلَهُ اللَّهُ. وَاسْتُشْهِدَ خلق من الصحابة.
وَقِيلَ: إِنَّ مُسَيْلِمَةَ قُتِلَ عَنْ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَكَانَ قَدِ ادَّعَى النُّبَوَّةَ، وَتَسَمَّى بِرَحْمَانِ الْيَمَامَةِ فِيمَا قِيلَ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ عَبْدُ اللَّهِ أَبُو النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقُرْآنُ مُسَيْلِمَةَ ضُحْكَةٌ لِلسَّامِعِينَ.
وَقْعَةُ جُوَاثَا 1:
بَعَثَ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيَّ إِلَى الْبَحْرَيْنِ، وَكَانُوا قَدِ ارْتَدُّوا -إِلَّا نَفَرًا ثَبَتُوا مَعَ الْجَارُودِ- فَالْتَقَوْا بِجُوَاثَا فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَاصَرَهُمُ الْعَلَاءُ بِجُوَاثَا حَتَّى كَادَ الْمُسْلِمُونَ يَهْلِكُونَ مِنَ الْجَهْدِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ سَكِرُوا لَيْلَةً فِي حِصْنِهِمْ، فَبَيَّتَهُم الْعَلَاءُ، فَقِيلَ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ جُوَاثَا لَا يَوْمَ الْيَمَامَةِ، شهد بدرا.
وفيما بَعَثَ الصِّدِّيقُ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ إِلَى عُمَانَ وَكَانُوا ارْتَدُّوا وَبَعَثَ الْمُهَاجِرَ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيَّ إِلَى أَهْلِ النُّجَيْرِ2، وَكَانُوا ارْتَدُّوا، وَبَعَثَ زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ إِلَى طَائِفَةٍ مِنَ الْمُرْتَدَّةِ.
فَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ زِيَادًا بَيَّتَهُمْ فَقَتَلَ مُلُوكًا أَرْبَعَةً: حَمَدًا، وَمِخْوَصًا، وَمِشْرَحًا، وَأَبْضَعَةَ.
وفيها أقام الحج أبو بكر للناس.
وَفِيهَا: بَعْدَ فَرَاغِ قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى أَرْضِ الْبَصْرَةِ، وَكَانَتْ تُسَمَّى أَرْضَ الْهِنْدِ، فَسَارَ خالد بمن معه من اليمامة إلى
1 جواثا: موضع بالبحرين.
2 النجير: حصن باليمن قرب حضرموت.
أَرْضِ الْبَصْرَةِ، فَغَزَا الْأُبُلَّةَ1 فَافْتَتَحَهَا، وَدَخَلَ مَيْسَانَ2 فَغَنِمَ وَسَبَى مِنَ الْقُرَى، ثُمَّ سَارَ نَحْوَ السَّوَادِ، فَأَخَذَ عَلَى أَرْضِ كَسْكَرٍ3 وَزَنْدَوَرْدٍ4 بَعْدَ أَنِ اسْتَخْلَفَ عَلَى الْبَصْرَةِ قُطْبَةَ بْنَ قَتَادَةَ السَّدُوسِيَّ، وَصَالَحَ خَالِدٌ أَهْلَ أُلَّيْسَ5 عَلَى أَلْفِ دِينَارِ فِي شَهْرِ رَجَبٍ مِنَ السَّنَةِ، ثُمَّ افْتَتَحَ نَهْرَ الْمَلِكِ6، وَصَالَحَهُ ابْنُ بُقَيْلَةَ صَاحِبُ الْحِيرَةِ عَلَى تِسْعِينَ أَلْفًا، ثُمَّ سَارَ نَحْوَ أَهْلِ الْأَنْبَارِ فَصَالَحُوهُ.
ثُمَّ حَاصَرَ عَيْنَ التَّمْرِ7 ونزلوا على حكمه، فقتل وسبى.
وَفِيهَا لَمَّا اسْتَحَرَّ الْقَتْلُ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ يَوْمَ الْيَمَامَةِ أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ بِكِتَابَةِ الْقُرْآنَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، فَأَخَذَ يَتَتَبَّعُهُ مِنَ الْعُسُبِ8 وَاللَّخَافِ9 وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى جَمَعَهُ زَيْدٌ فِي صُحُفٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: وَلَمَّا فَرَغَ خَالِدٌ مِنْ فُتُوحِ مَدَائِنِ كِسْرَى الَّتِي بِالْعِرَاقِ صُلْحًا وَحَرْبًا خَرَجَ لِخَمْسٍ بَقَيْنَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ مُتَكَتِّمًا بِحَجَّتِهِ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ تَعْتَسِفُ الْبِلَادَ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ، فَتَأَتَّى لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَتَأَتَّ لِدَلِيلٍ، فَسَارَ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْحِيرَةِ، لَمْ يُرَ قَطُّ أَعْجَبُ مِنْهُ وَلَا أَصْعَبُ، فَكَانَتْ غَيْبَتُهُ عَنِ الْجُنْدِ يَسِيرَةً، فلم يعلم بحجة أحدا إِلَّا مَنْ أَفْضَى إِلَيْهِ بِذَلِكَ.
فَلَمَّا عَلِمَ أَبُو بَكْرٍ بِحَجِّهِ عَتَبَهُ وَعَنَّفَهُ وَعَاقَبَهُ بِأَنْ صَرَفَهُ إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا وَافَاهُ كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِ مِنْ حَجِّهِ بِالْحِيرَةِ يَأْمُرُهُ بِانْصِرَافِهِ إِلَى الشَّامِ حَتَّى يَأْتِيَ مَنْ بِهَا مِنْ جُمُوعِ الْمُسْلِمِينَ بِالْيَرْمُوكِ، وَيَقُولُ لَهُ: إِيَّاكَ أَنْ تَعُودَ لِمِثْلِهَا.
قُلْتُ: وَإِنَّمَا جَاءَ الْكِتَابُ بِأَنْ يَسِيرَ إِلَى الشَّامِ فِي أَوَائِلِ سَنَةِ ثلاثة عشرة.
1 الأبلة: بلدة على شاطيء دجلة.
2 ميسان: كورة بين البصرة وواسط.
3 كسكر: مدينة بالعراق.
4 زندورد: مدينة قرب واسط.
5 أليس: موضع في أول أرض العراق.
6 نهر الملك: كورة ببغداد.
7 عين التمر: بلدة تفع غربي الكوفة.
8 العسب: جمع عسيب، وهو جريدة النخل.
9 اللخاف: حجارة بيض.
قُلْتُ: سَارَ خَالِدٌ بِجَيْشِهِ مِنَ الْعِرَاقِ إِلَى الشَّامِ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَكَادُوا يَهْلِكُونَ عَطَشًا.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ ثَنَا مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَشَارَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَنِ اكْتُبْ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ يَسِيرُ بِمَنْ مَعَهُ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَدَدًا لَهُ، فَلَمَّا أَتَى كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ خَالِدًا قَالَ: هَذَا مِنْ عُمَرَ حَسَدَنِي عَلَى فَتْحِ الْعِرَاقِ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى يَدِي، فَأُحِبُّ أَنْ يَجْعَلَنِي مَدَدًا لِعَمْرٍو، فَإِنْ كَانَ فُتِحَ كَانَ ذِكْرُهُ لَهُ دُونِي1.
1 إسناده ضعيف جدا: فيه انقطاع بين محمد بن إبراهيم وأبي بكر، والواقد متروك كما تقدم.
توجيه المسلمين قبل فلسطين والشام:
سَنَةُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ:
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا قَفَلَ أَبُو بَكْرٍ عَنِ الْحَجِّ بَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قِبَلَ فِلَسْطِينَ، وَيَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَشُرَحْبِيلَ بْنَ حَسَنَةَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْلُكُوا عَلَى الْبَلْقَاءِ.
وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ قَالَ: قَالُوا لَمَّا وَجَّهَ أَبُو بَكْرٍ الْجُنُودَ إِلَى الشَّامِ أَوَّلَ سَنَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، فَأَوَّلُ لِوَاءٍ عَقَدَهُ لِوَاءُ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، ثُمَّ عَزَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَسِيرَ خَالِدٌ، وَقِيلَ: بَلْ عَزَلَهُ بَعْدَ أَشْهُرٍ مِنْ مَسِيرِهِ، وَكَتَبَ إِلَى خَالِدٍ فَسَارَ إِلَى الشَّامِ، فَأَغَارَ عَلَى غَسَّانَ بِمَرْجِ رَاهِطٍ، ثُمَّ سَارَ فَنَزَلَ عَلَى قَنَاةِ بُصْرَى، وَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَصَاحِبَاهُ فَصَالَحُوا أَهْلَ بُصْرَى، فَكَانَتْ أَوَّلَ مَا فُتِحَ مِنْ مَدَائِنِ الشَّامِ، وَصَالَحَ خَالِدٌ فِي وجهه ذَلِكَ أَهْلَ تَدْمُرَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ سَارُوا جَمِيعًا قِبَلَ فِلَسْطِينَ، فَالْتَقَوْا بأجناين بَيْنَ الرَّمْلَةِ، وَبَيْتِ جِبْرِينَ1، وَالْأُمَرَاءُ كُلٌّ عَلَى جُنْدِهِ، وَقِيلَ: إِنَّ عَمْرًا كَانَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا، وَعَلَى الرُّومِ الْقُبُقْلَارِ2 فَقُتِلَ، وَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ السَّبْتِ لِثَلَاثٍ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ.
فَاسْتُشْهِدَ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ النحام، وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَأَبَانُ بْنُ سَعِيدٍ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: الثَّبْتُ عِنْدَنَا أَنَّ أَجْنَادَيْنَ كَانَتْ فِي جُمَادَى الْأُولَى، وَبُشِّرَ بِهَا أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ بِآخِرِ رَمَقٍ.
وَقَالَ ابْنُ لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أَجْنَادَيْنَ عَمْرٌو، وَأَبَانٌ، وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَالطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّانِ، وَضِرَارُ بْنُ الْأَزْوَرِ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلِ بْنِ
1 بيت جبرين: مدينة بفلسطين.
2 القبقلار: رتبة عسكرية رومية.
هِشَامٍ، وَسَلَمَةُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَمُّ عِكْرِمَةَ، وَهَبَّارُ بْنُ سُفْيَانَ الْمَخْزُومِيُّ، وَنُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ، وَصَخْرُ بْنُ نَصْرٍ الْعَدَوِيَّانِ، وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِ السَّهْمِيُّ، وَتَمِيمٌ، وَسَعِيدٌ ابْنَا الْحَارِثِ بْنِ قيس.
وقال محمد بن سعيد: قُتِلَ يَوْمَئِذٍ طُلَيْبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَأُمُّهُ أَرْوَى هِيَ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَعَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ قَالَ: بَرَزَ يَوْمَ أَجْنَادِينَ بَطْرِيقٌ1 فَبَرَزَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزبير بن عبد المطلب بن هاشم، فَقَتَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ، ثُمَّ بَرَزَ بَطْرِيقٌ آخَرُ فَقَتَلَهُ، عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ مُحَارَبَةٍ طَوِيلَةٍ، فَعَزَمَ عَلَيْهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَنْ لَا يُبَارِزَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَجِدُنِي أَصْبِرُ، فَلَمَّا اخْتَلَطَتِ السُّيُوفُ وُجِدَ مَقْتُولًا.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: عَاشَ ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَلَا نَعْلَمُهُ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ مِمَّنْ ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: قُتِلَ يَوْمَ أَجْنَادِينَ: الْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ عَتِيكٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ بن أَبِي طلحة الْعَبْدَرِيُّ، كَذَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقْعَةُ مَرْجِ الصُّفَّرِ 2:
قال خليفة: كانت لاثنتي عشر بَقِيَتْ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى، وَالْأَمِيرُ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ قَلْقَطٌّ، وَقُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً وَانْهَزَمُوا.
وَرَوَى خَلِيفَةُ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: اسْتُشْهِدَ يَوْمَ مَرْجِ الصُّفَّرِ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَيُقَالُ أَخُوهُ عَمْرٌو قُتِلَ أَيْضًا، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَأَبَانُ بْنُ سَعِيدٍ يَوْمَئِذٍ بِخُلْفٍ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: قُتِلَ يَوْمَئِذٍ نُمَيْلَةُ بْنُ عُثْمَانَ اللَّيْثِيُّ، وَسَعْدُ بْنُ سَلَامَةَ الْأَشْهَلِيُّ، وَسَالِمُ بْنُ أسلم الأشهلي.
1 البطريق: القائد.
2 مرج الصفر: موضع قرب دمشق.
وَقِيلَ: إِنَّ وَقْعَةَ مَرْجِ الصُّفَّرِ كَانَتْ فِي أَوَّلِ سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: الْتَقَوْا عَلَى النَّهْرِ عِنْدَ الطَّاحُونَةِ، فَقُتِلَتِ الرُّومُ يَوْمَئِذٍ حَتَّى جَرَى النهر وطحنتا طَاحُونَتُهَا بِدِمَائِهِمْ فَأُنْزِلَ النَّصْرُ، وَقَتَلَتْ يَوْمَئِذٍ أُمُّ حَكِيمٍ سَبْعَةً مِنَ الرُّومِ بِعَمُودِ فُسْطَاطِهَا، وَكَانَتْ تَحْتَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ: فَلَمْ تُقِمْ مَعَهُ إِلَّا سَبْعَةَ أَيَّامٍ عِنْدَ قَنْطَرَةِ أُمِّ حَكِيمٍ بِالصُّفَّرِ، وَهِيَ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيِّ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِيمَا قِيلَ عَمْرٌو.
وَقْعَةُ فِحْلٍ 1:
قَالَ ابْنُ لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: كَانَتْ وَقْعَةُ فِحْلٍ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: شَهِدْنَا أَجْنَادَيْنَ وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ عِشْرُونَ أَلْفًا، وَعَلَيْنَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ، فَفَاءَتْ فِئَةٌ إِلَى فِحْلٍ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ عَمْرٌو فِي الْجَيْشِ فَنَفَاهُمْ عَنْ فِحْلٍ.
1 فحل: موضع بالشام.
سيرة عمر بن الخطاب:
3-
"ع" عمر بن الخطاب "ت 23هـ" رضي الله عنه.
ابن نفيل بْن عبد العزيز بْن رياح بْن قُرط بْن رزَاح بْن عديّ بْن كعْب بْن لُؤيّ. أمير المؤمنين أَبُو حفص القُرَشي العدويّ، الفاروق.
اسْتُشْهِدَ في أواخر ذي الحجة. وأمّه حَنْتَمَة بنت هشام المخزومية.
أخت أبي جهل. أسلم في السنة السادسة من النُّبُّوة وله سبعٌ وعشرون سنة.
"رَوَى عَنِ: النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم":
روى عنه: عليّ، وابن مسعود، وابن عبّاس، وأبو هُرَيْرَةَ، وعدّه من الصحابة، وعلقمة بْن وقّاص، وقيس بْن أبي حازم، وطارق بْن شهاب، ومولاه أسلم، وزِرّ بْن حُبَيْش، وخلقٌ سواهم.
وعن عبد الله بْن عُمَر قَالَ: كان أبي أبيض تَعْلُوه حمرةٌ، طُوَالًا، أصْلَع، أشيَب.
وَقَالَ غيره: كان أمْهَق1 طُوَالًا، آدم، أعسر يس.
وَقَالَ أَبُو رجاء العُطارديّ: كان طويلًا جسيمًا شديد الصلع، شديد الحُمْرة، في عارضيه خفة، وسبلته2 كبيرة وفي أطرافها صهبة3، إذا حزبه أمر قتلها.
وَقَالَ سماك بْن حرْب: كان عُمَر أرْوح كأنّه راكب والنّاس يمشون، كأنه من رجال بني سدوس4.
والأروح: الذي تتدانى قدماه إذا مشى.
1 أمهق: ناصع البياض.
2 السبلة: طرف الشارب.
3 الصهبة: سواد في حمرة.
4 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 174".
وَقَالَ أَنْس: كان يخْضِب بالحنّاء1.
وَقَالَ سماك: كان عُمَر يسرع في مِشْيَته2.
ويُروَى عَنْ عبد الله بْن كعب بْن مالك قَالَ: كان عُمَر يأخذ بيده اليمنى أذُنُه اليُسْرى ويثب على فرسه فكأنما خُلِقَ على ظهره.
وعن ابن عُمَر وغيره -من وجوهٍ جيّدة- أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اللَّهُمَّ أعزّ الإسلام بعمر بْن الخطاب"3.
وقد ذكرنا إسلامه في الترجمة النبوية.
وَقَالَ عِكْرمة: لم يزل الإسلام في اختفاء حتّى أسلم عُمَر.
وَقَالَ سعيد بْن جبير: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} 4 نزلت في عُمَر خاصّة.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَر5.
وَقَالَ شهر بْن حَوْشَب، عَنْ عبد الرحمن بْن غَنم، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ له أَبُو بَكْر وعمر: إنّ النّاس يزيدهم حِرْصًا على الإسلام أن يروا عليك زيًّا حَسَنًا من الدنيا. فَقَالَ: "أَفْعَلُ، وَايْمُ اللَّهِ لو أنّكما تتفقان لي على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبدة"6.
وَقَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِي وَزِيرَيْنِ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ وَوَزِيرَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، فوزيراي من
1 انظر المصدر السابق.
2 انظر المصدر السابق.
3 صحيح: أخرجه ابن ماجه "105" في المقدمة، باب في فضائل أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ حديث عائشة، وصححه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه""85".
وأما حديث ابن عمر فأخرجه الترمذي "3701" في كتاب المناقب، باب: في مناقب عمر بن الخطاب، وأحمد "2/ 95"، وابن سعد في "الطبقات""1/ 142"، وأبو نعيم في "الحلية" "7502" ولفظه "اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ: بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب"، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
4 سورة التحريم: 4.
5 صحيح: أخرجه البخاري "3684" في كتاب فضائل الصحابة، باب: مناقب عمر بن الخطاب، وابن سعد في "الطبقات""2/ 143"، وأبو نعيم في "الحلية""11977".
6 إسناده ضعيف: أخرجه أحمد مختصرًا، وشهر ضعيف الحفظ.
أَهْلِ السَّمَاءِ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، وَوَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ"1. وَرَوَى نَحْوَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
قَالَ الترمذي في حديث أبي سعيد: حديث حسن.
قلت: وكذلك حديث ابن عباس حسن.
وعن محمد بْن ثابت البناني، عَنْ أبيه، عَنْ أَنْس نحوه.
وفي "مسند أبي يعلى" من حديث أبي ذر يرفعه: "إن لكل نبّي وزيرين، ووزيراي أَبُو بكر وعمر"2.
وعن أبي سلمة، عَنْ أبي أرْوَى الدَّوْسيْ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فطلع أَبُو بكر وعمر فَقَالَ: "الحمد لله الَّذِي أيَّدني بكما"3. تفرّد به عاصم بن عُمَر، وهو ضعيف.
وَقَدْ مَرَّ فِي تَرْجَمَةِ الصِّدِّيقِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَظَرَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مُقْبِلَيْنِ فَقَالَ: "هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ"4. الْحَدِيثَ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مَعَهُ وَهُوَ آخِذٌ بِأَيْدِيهِمَا فَقَالَ:"هَكَذَا نُبْعَثُ يَوْمَ القيامة"5. إسناده ضعيف.
وَقَالَ زَائِدَةَ: عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ"6. وَرَوَاهُ سَالِمٌ أَبُو الْعَلاءِ -وَهُوَ ضَعِيفٌ- عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ، عن ربعي، وحديث زائدة حسن.
1 ضعيف: ليث بن أبي سليم ضعيف الحفظ، وقد أخرجه الترمذي "3700"، في كتاب المناقب، باب: مناقب عمر بن الخطاب، من حديث أبي سعيد الخدري، وقال الألباني في "ضعيف سنن الترمذي" "758": ضعيف.
2 أخرجه البخاري في "تاريخه""2/ 159" عن أبي سعيد الخدري بإسناد ضعيف.
3 أخرجه الحاكم "4447".
4 صحيح: وقد تقدم.
5 ضعيف: أخرجه الترمذي "3689" في كتاب المناقب، باب: في مناقب أبي بكر وعمر كليهما، وابن ماجه "99" في المقدمة، باب: في فضائل أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وقال الألباني في "ضعيف سنن الترمذي""755": ضعيف.
6 صحيح: أخرجه الترمذي "3682" في المصدر السابق، وابن ماجه "97" في المصدر السابق، وأحمد "5/ 382"، وقال الألباني في "صحيح الجامع" "1142": صحيح.
وَرَوَى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ طَلَعَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقَالَ: "هَذَانِ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ"1. وَيُرْوَى نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أَقْرِئْ عُمَرَ السَّلامَ وَأَخْبِرْهُ أَنَّ غضبه عز وجل وَرِضَاهُ حُكْمٌ"2. وَالْمُرْسَلُ أَصَحُّ، وَبَعْضُهُمْ يَصِلُهُ عَنِ ابن عباس.
وقال محمد بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إيهًا يابن الخطاب فوَالذي نفسي بيده مَا لقِيكَ الشيطان سالكًا فجًّا إلَّا سلك فجًّا3 غير فجِّك"4.
وَعَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَفْرُقُ مِنْ عُمَرَ"5. رَوَاهُ مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ.
وَعَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي زَفَنِ6 الْحَبَشَةِ لَمَّا أَتَى عُمَرُ: "إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ قَدْ فَرُّوا مِنْ عُمَرَ" 7 صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ حُسَيْنُ بْنِ وَاقِدٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَمَةً سَوْدَاءَ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ رَجَعَ مِنْ غَزَاةٍ، فَقَالَتْ: إِنِّي نَذَرْتُ إِنْ رَدَّكَ اللَّهُ صَالِحًا أَنْ أَضْرِبَ عِنْدَكَ بِالدُّفِّ، قَالَ:"إِنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَافْعَلِي" فَضَرَبَتْ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ
1 صحيح: أخرجه الترمذي "3691" في المصدر السابق، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
2 أخرجه الطبراني في "الكبير""12472" وجعفر بن أبي المغيرة في حفظه مقال.
3 الفج: الطريق.
4 صحيح: أخرجه البخاري "3683" في كتاب فضائل الصحابة، باب: مناقب عمر بن الخطاب، ومسلم "2396" في كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل عمر بن الخطاب.
5 إسناده ضعيف: فيه مبارك بن فضالة مدلس، وقد عنعنه.
6 الزفن: اللعب.
7 صحيح: أخرجه الترمذي "3711" في كتاب المناقب، باب: مناقب عمر بن الخطاب، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَجَعَلَتْ دُفَّهَا خَلْفَهَا وَهِيَ مُقَنَّعَةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَفْرُقُ مِنْكَ يَا عُمَرُ"1.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَمَانَ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَالِمِ بن عبد الله قال: أبطأ عُمَرَ عَلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، فَأَتَى امْرَأَةً فِي بَطْنِهَا شَيْطَانٌ فَسَأَلَهَا عَنْهُ فَقَالَتْ: حَتَّى يَجِيءَ شَيْطَانِي، فَجَاءَ فَسَأَلَتْهُ عَنْهُ فَقَالَ: تَرَكْتُهُ مُؤْتَزِرًا وَذَاكَ رَجُلٌ لَا يَرَاهُ شَيْطَانٌ إِلَّا خَرَّ لِمَنْخِرَيْهِ، الْمَلَكُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَرُوحُ الْقُدُسِ يَنْطِقُ بِلِسَانِهِ2.
وَقَالَ زِرّ: كان ابن مسعود يخطب ويقول: إنّي لأحسب الشيطان يَفْرقُ من عُمَر أنْ يُحدث حَدَثًا فيردّه، وإنّي لأحسِب عمرَ بين عينيه مَلَكٌ يسدِّده ويقوِّمه.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "قَدْ كَانَ فِي الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ 3 فَإِنْ كن فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ"4. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ"5. رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ نَافِعٍ، عَنْهُ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ جماعة من الصحابة.
1 صحيح: أخرجه أبو داود "3312" في كتاب الأيمان والنذور، باب: ما يؤمر به من الوفاء بالنذر، والترمذي "3710" في المصدر السابق، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
2 إسناده ضعيف: رواية سالم عن عمر منقطعة، ويحيى بن يمان ضعيف الحفظ كما في "التقريب""7679".
3 محدثون: قال في "الفتح""7/ 62": اختلف في تأويله، فقيل: ملهم. قاله الأكثر، قالوا: المحدث الرجل الصادق الظن.
4 صحيح: أخرجه مسلم "2398" في كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل عمر بن الخطاب، والترمذي "3713" في كتاب المناقب، باب: مناقب عمر بن الخطاب.
وأخرجه البخاري "3689" في كتاب فضائل الصحابة، باب: مناقب عمر بن الخطاب، من حديث عائشة.
5 صحيح: أخرجه الترمذي "3702" في المصدر السابق، وأحمد "2/ 53، 95" وأبو نعيم في "الحلية""99".
وفي الباب عن أبي ذر، أخرجه أبو داود "2692" في كتاب الخراج، باب: في تدوين العطاء، وابن ماجه "108" في المقدمة، باب: في فضائل أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأحمد "5/ 145، 165، 177". وعن أبي هريرة أخرجه أحمد "2/ 401". والحديث صححه الألباني في "صحيح الجامع""1834".
وقال الشعب: قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: مَا كُنّا نبعد أن السكينة تنطلق على لسان عُمَر1.
وَقَالَ أَنْس: قَالَ عُمَر: وافقتُ ربيّ في ثلاث: في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي قوله:{عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ} 2، 3.
وَقَالَ حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ مِشْرَحٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرُ"4.
وَجَاءَ مِنْ وَجْهَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إن اللَّهَ تَعَالَى بَاهَى بِأَهْلِ عَرَفَةَ عَامَّةً وَبَاهَى بِعُمَرَ خَاصَّةً"5.
وَيُرْوَى مِثْلُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ. وَقَالَ مَعْنٌ الْقَزَّازُ: ثنا الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ اللَّيْثِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنِ أَبِيهِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَخِيهِ الْفَضْلِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْحَقُّ بَعْدِي مَعَ عُمَرَ حَيْثُ كَانَ"6.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرَّيَّ يَجْرِي فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ" قَالُوا: فما أولت ذلك؟ قال: "العلم"7.
1 تقدم.
2 سورة التحريم: 5.
3 صحيح: أخرجه مسلم "2399" في كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل عمر بن الخطاب.
4 صحيح: أخرجه الترمذي "3706" في المصدر السابق، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
5 إسناده ضعيف: أخرجه الطبراني في "الكبير""11430" وفي إسناده رشدين بن سعد ضعيف.
6 منكر: أخرجه البيهقي في "الدلائل""7/ 179، 180" والقاسم بن يزيد ضعيف كما في "الميزان""6855" للمصنف، وقد ذكر فيه هذا الحديث، وقال: منكر. وقال الحافظ ابن كثير في "البداية""4/ 197". في إسناده ومتنه غرابة شديدة.
7 صحيح: أخرجه البخاري "3681" في كتاب فضائل الصحابة، باب: مناقب. عمر بن الخطاب، ومسلم "2391" في كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل عمر بن الخطاب، والترمذي "3707" في كتاب المناقب، باب: مناقب عمر بن الخطاب.
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَمَرَّ عَلَيَّ عُمَرُ عَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ"، قَالُوا: مَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ? قَالَ: "الدِّينَ"1.
وَقَالَ أَنَسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَرْحَمُ أُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهَا فِي دِينِ اللَّهِ عُمَرَ"2.
وَقَالَ أَنَسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ قَصْرًا مِنْ ذَهَبٍ فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا? قِيلَ: لِشَابٍّ مِنْ قُرَيْشٍ، فَظَنَنْتُ أَنِّي أَنَا هُوَ، فَقِيلَ: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ"3. وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مِثْلُهُ.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الَجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ قَالُوا: لِعُمَرَ، فَذَكَرْتُ غَيْرَةَ عُمَرَ، فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا". قَالَ: فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَلَيْكَ أغار؟ 4.
1 صحيح: أخرجه البخاري "3691" في المصدر السابق، ومسلم "2390" في المصدر السابق.
2 صحيح: أخرجه الترمذي "3815، 3816" في كتاب المناقب، باب: مناقب معاذ بن جبل وزيد بن ثابت، وابن ماجه "154، 155" في المقدمة، باب: في فضائل أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم والنسائي في "الكبرى""8287"، وأحمد "3/ 281"، وأبو نعيم في "الحلية""3484"، والحاكم "5784"، وابن حبان "7131"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوي" "4/ 410": بعضهم يضعفه وبعضهم يحسنه، وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" "7/ 157": رجاله ثقات، وقال في نفس المصدر "7/ 117": إسناده صحيح، إلا أن الحفاظ قالوا: إن الصواب في أوله إرساله، وقال الألباني في "صحيح الجامع" "895": صحيح.
3 صحيح: أخرجه الترمذي "3708" في كتاب المناقب، باب: مناقب عمر بن الخطاب، وأبو نعيم في "الحلية""10614" وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
وفي الباب عن جابر، أخرجه البخاري "3679" في كتاب فضائل الصحابة، باب: مناقب عمر، ومسلم "2394" في كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل عمر، وأبو نعيم في "الحلية""1505، 8955".
وعن أبي هريرة عند البخاري "3680" في المصدر السابق، ومسلم "2395" في المصدر السابق، وابن ماجه "107" في المقدمة، باب: في فضائل أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
4 صحيح: انظر التخريج السابق.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَغَيْرُهُ: قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: بينا أنا مع رسول الله، إِذْ طَلَعَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقَالَ:"هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ إِلَّا النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ لَا تُخْبِرْهُمَا يَا عَلِيُّ"1. هَذَا الْحَدِيثُ سَمِعَهُ الشَّعْبِيُّ مِنَ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ، وَلَهُ طُرُقٌ حَسَنَةٌ عَنْ عَلِيٍّ مِنْهَا عَاصِمٌ، عَنْ زِرٍّ. وَأَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضمرة.
قال الحافظ ابن عَسَاكِرَ: وَالْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه.
قُلْتُ: وَرُوِيَ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هريرة، وابن عمر، وأنس، وجابر.
وقال مجاهد عن أبي الوداك، وقاله عَنْ عَطِيَّةَ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ أَهْلَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَا لَيَرَوْنَ مَنْ فَوْقِهِمْ كَمَا تَرَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْهُمْ وَأَنْعَمَا"2.
وَعَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَعَنْ يَمِينِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعَنْ يَسَارِهِ عُمَرُ فَقَالَ:"هَكَذَا نُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"3. تَفَرَّدَ بِهِ سَعِيدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأُمَوِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ.
وَقَالَ عليّ رضي الله عنه بالكوفة على منبرها في ملأٍ من النّاس أيّام خلافته: خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْر، وخيرُها بعد أبي بكر عُمَر، ولو شئتُ أنْ أسمّي الثالث لَسَمَّيْتُهُ4. وهذا متواترٌ عَنْ عليّ رضي الله عنه، فقبّح الله الرافضة.
وقال الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْقَاسِمِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ قَيْسٍ الْخَارِفِيِّ سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: سَبَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، وَثَلَّثَ عُمَرُ، ثُمَّ خَبَطَتْنَا فِتْنَةٌ فكان ما شاء الله5. ورواه شَرِيكٌ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سفيان، عن علي مثله.
1 صحيح: وقد تقدم.
2 صحيح: أخرجه الترمذي "3678" في كتاب المناقب، باب: مناقب أبي بكر الصديق، وابن ماجه "96" في المقدمة، باب: في فضائل أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأبو نعيم في "الحلية""10579" وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
3 ضعيف: وقد تقدم.
4 صحيح: وقد تقدم.
5 أخرجه أحمد "1/ 124، 125".
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اقتدوا بالذين مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ"1.
وَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ الْوَاسِطِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَكَانَ سُفْيَانُ رُبَّمَا دَلَّسَهُ وَأَسْقَطَ مِنْهُ زَائِدَةَ، وَرَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ هِلَالٍ مَوْلَى رِبْعِيٍّ عَنْ رِبْعِيٍّ.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ نَاسٌ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي مَرَضِهِ فَقَالُوا: يسعك أن تُوَلِّي علينا عُمَر وأنت ذاهبٌ إلى ربك فماذا تقول له? قَالَ: أقول: وَلَّيْتُ عليهم خيرَهم.
وَقَالَ الزُّهْرِيّ: أوّل من حيّا عُمَر بأمير المؤمنين المُغيْرة بْن شُعْبة.
وَقَالَ القاسم بْن محمد: قَالَ عُمَر: ليعلم من وُلّي هذا الأمر من بعدي أنْ سيُر يده عنه القريبُ والبعيدُ، إنّي لأقاتِل النّاسَ عَنْ نفسي قتالًا، ولو علمت أنّ أحدًا أقوى عليه منّي لكنت أنْ أقْدَمَ فتُضْربَ عُنُقي أحب إليّ مِنْ أنْ ألِيَه.
وعن ابن عباس قَالَ: لمّا ولي عُمَر قيل له: لقد كاد بعضُ النَّاس أن يجيد هذا الأمر عنك، قَالَ: وما ذاك? قَالَ: يزعمون أنّك فَظٌّ غليظ، قَالَ: الحمد لله الَّذِي ملأ قلبي لهم رُحْمًا وملأ قلوبهم لي رُعبًا.
وَقَالَ الأحنف بْن قيس: سمعت عُمَر يَقُولُ: لَا يحلّ لعمر من مال الله إلَّا حُلَّتَيْنِ: حُلّة للشتاء وحُلّة للصيف، وما حجّ به واعتمر، وقوت أهلي كرجلٍ من قريش ليس بأغناهم، ثُمَّ أنا رجل من المُسْلِمين.
وَقَالَ عُرْوة: حجّ عُمَر بالنّاس إمارته كلّها.
وَقَالَ ابن عُمَر: ما رأيت أحدًا قط بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ حين قُبض أجدّ ولا أجود من عمر2.
1 صحيح: وقد تقدم.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3678" في كتاب فضائل الصحابة، باب: مناقب عمر بن الخطاب.
وَقَالَ الزُّهْرِيّ: فتح الله الشام كلَّه على عُمَر، والجزيرة ومصر والعراق كلّه، ودوَّن الدواوين قبل أن يموت بعام، وقسّم على النّاس فيْئهم.
وَقَالَ: عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ رجل من الأنصار، عن خزيمة ابن ثَابِتٍ: إِنَّ عُمَرَ كَانَ إِذَا اسْتَعْمَلَ عَامِلًا كَتَبَ لَهُ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرْكَبَ بِرْذَوْنًا، وَلا يَأْكُلَ نِقْيًا، وَلا يَلْبَسَ رَقِيقًا، وَلا يُغْلِقَ بَابَهُ دُونَ ذَوِي الْحَاجَاتِ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ حَلَّتْ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ.
وَقَالَ طارق بْن شهاب: إنْ كان الرجل ليحدّث عُمَر بالحديث فكذبه الكِذْبة فيقول: احبسْ هذه، ثُمَّ يحدّثه بالحديث فيقول: احبسْ هذه، فيقول له: كلّ مَا حدثتك حق إلا أمرتني أنْ أحبسَهُ.
وَقَالَ ابن مسعود: إذا ذكر الصالحون فجيهلًا بعمر، إنّ عُمَر كان أَعْلَمَنَا بكتاب الله وأفْقَهَنا في دين الله.
وَقَالَ ابن مسعود: لو أنّ عِلْم عُمَر وُضِعَ في كفة ميزان ووُضِعَ عِلْم أحياء الأرض في كفَّةٍ لَرَجَح عِلْمُ عُمَر بعِلْمِهم.
وَقَالَ شمر عن حُذَيْفة قَالَ: كَانَ علم النَّاس مدسوسا في جحر مَعَ عُمَر.
وَقَالَ ابن عُمَر: تعلّم عمرُ البقرة في اثنتي عشرة سنة، فلمّا تعلّمها نحر جَزُورًا.
وَقَالَ الَعوّام بْن حَوْشَب: قَالَ معاوية: أمّا أَبُو بكر فلم يرد الدنيا ولم تُرِده، وأمّا عُمَر فأرادته الدنيا ولم يُرِدّها، وأمّا نحن فتمرّغْنا فيها ظَهْرًا لبطنٍ.
وَقَالَ عِكْرمة بْن خالد وغيره: إنّ حفصة، وعبد الله، وغيرهما كلّموا عمرَ فقالوا: لو أكلت طعامًا طيّبًا كان أقوى لك على الحقّ، قَالَ: أكُلُّكُم على هذا الرأي؟ قالوا: نعم، قَالَ: قد علمتُ نُصْحَكُم ولكنّي تركت صاحبي على جادة فإن تركت جادتها لم أدركها في المنزل.
قَالَ: وأصاب النّاسَ سنةٌ1 فما أكل عامئذ سمنًا ولا سمينًا.
1 السنة: القحط.
وقال ابن أبي مُلَيْكَة: كلّم عُتْبة بْن فرقد عُمَر في طعامه، فَقَالَ: وَيْحَكَ آكل طيّباتي في حياتي الدنيا وأستمتع بها! وقال مبارك، عن الحسن: دخل عمر على تبنه عاصم وهو يأكل لحمًا فَقَالَ: مَا هذا؟ قال: قرمنا1 إليه، قال: أوكلما قرمت لإلى شيءٍ أكلتَه! كفى بالمرء سَرَفًا أنْ يأكل كلَّ مَا اشتهى.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زد بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ عُمَرُ: لَقَدْ خَطَرَ عَلَى قَلْبِي شَهْوَةُ السَّمَكِ الطَّرِيِّ، قَالَ وَرَحَّلَ "يَرْفَأُ"2 رَاحِلَتَهُ وَسَارَ أَرْبَعًا مُقْبِلًا وَمُدْبِرًا، وَاشْتَرَى مِكْتَلًا فَجَاءَ بِهِ، وَعَمَدَ إِلَى الرَّاحِلَةِ فَغَسَلَهَا، فَأَتَى عُمَرَ فَقَالَ: انْطَلِقْ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَى الرَّاحِلَةِ، فَنَظَرَ وَقَالَ: نَسِيتَ أَنْ تَغْسِلَ هَذَا الْعَرَقَ الَّذِي تَحْتَ أُذُنِهَا، عَذَّبْتَ بَهِيمَةً فِي شَهْوَةِ عُمَرَ، لَا واللَّهِ لَا يَذُوقُ عُمَرُ مِكْتَلَكَ.
وَقَالَ قتادة: كان عُمَر يلبس، وهو خليفة، جُبَّةً من صوف مرقوعًا بعضُها بأدم، ويطوف في الأسواق على عاتقه الدِّرَّة يؤدّب النّاس بها، ويمرّ بالنِّكث وَالنَّوَى فيلقطه ويلقيه في منازل النّاس لينتفعوا به.
قال أنس: رأت بين كفي عُمَر أربعَ رقاع في قميصه3.
وَقَالَ أَبُو عثمان النَّهْديّ: رأيت على عُمَر إزارًا مرقوعًا بأدم4.
وَقَالَ عبد الله بْن عامر بْن ربيعة: حججت مع عمر، فما ضرب فسطاطًا ولا خِباء، كان يلقي الكساء والنّطْع على الشجرة ويستظل تحته.
وَقَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْن مُسْلِمِ بْن هُرمز، عَنْ أبي الغادية الشامي قال: قدم عمر للجابية5 على جمل أروق تَلُوحُ صَلْعَتُهُ للشمس، ليس عليه قَلَنْسُوَة ولا عمامة، قد طبّق رجليه بين شُعبَتَيِ الرحل بلا رِكاب، ووطاؤه كِساء أنبجانيّ من صوف وهو فراشه إذ نزل، وحقيبته محشوة ليفا، وَهِيَ إِذَا نزل وساده، وَعَلَيْهِ قميص من
1 قرمنا إليه: اشتهيناه.
2 اسم غلام عمر بن الخطاب.
3 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 175".
4 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 175".
5 الجابية: قرية من قرى دمشق.
كرابيس قد دَسِم وتخرّق جيبُه، فَقَالَ: ادعوا لي رأس القرية، فدعوه له فَقَالَ: اغسلوا قميصي وخيّطوه وأعيروني قميصًا، فأُتي بقميص كتَّان فَقَالَ: مَا هذا؟ قيل: كِتَّان، قَالَ: وما الكَتّان؟ فأخبروه فنزع قميصه فغسلوه ورقّعوه ولبسه، فَقَالَ له رأس القرية: أنت مَلِك العرب وهذه بلاد لَا تصلُح فيها الإبل. فأُتي ببِرْذَوْن فطرح عليه قطيفة بلا سَرْجٍ ولا رَحْلَ، فلمّا سار هُنَيْهَةً قَالَ: احبسوا، مَا كنت أظنّ النّاسَ يركبون الشيطان، هاتوا جملي.
وَقَالَ المُطَّلب بْن زياد، عَنْ عبد الله بْن عيسى: كان في وجه عُمَر بْن الخطاب خطّان أسودان من البكاء.
وعن الحسن قَالَ: كان عُمَر يمّر بالآية من وِرْده فيسقط حتّى يُعاد منها أيامًا.
وَقَالَ أَنْس: خرجت مع عُمَر فدخل حائطًا فسمعته يَقُولُ وبيني وبينه جدارًا: عُمَر بْن الخطاب أمير المؤمنين والله لَتَتَّقِيَنَّ الله بني الخطّاب أو لَيُعَذِّبَنَّكَ.
وَقَالَ عبد الله بْن عامر بْن ربيعة: رأيت عُمَر أخذ تبنة من الأرض فَقَالَ: يا ليتني هذه التبنة، ليتني لم أَكُ شيئًا، ليت أمّي لم تلِدْني.
وَقَالَ عُبَيْد الله بْن عُمَر بْن حفص: إنّ عُمَر بْن الخطاب حمل قِرْبَةً على عُنُقِه، فقيل له في ذلك فَقَالَ: إن نفْسي أعجبتني فأردت أن أذلَّها.
وَقَالَ الصَّلْتُ بْنُ بَهْرَامَ، عَنْ جُمَيْعِ بْنِ عُمَيْرٍ التَّيْمِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: شهدت جلولاء فاتبعت مِنَ الْمَغْنَمِ بِأَرْبَعِينَ أَلْفًا، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ عُرِضْتُ عَلَى النَّارِ فَقِيلَ لَكَ: افْتَدِهِ، أَكُنْتَ مُفْتدِيَّ بِهِ؟ قُلْتُ: وَاللَّهِ مَا مِنْ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ إِلَّا كُنْتُ مُفْتَدِيكَ مِنْهُ، قَالَ: كَأَنِّي شَاهِدُ النَّاسِ حِينَ تَبَايَعُوا فَقَالُوا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وابن أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَأَنْتَ كَذَلِكَ فَكَانَ أَنْ يُرَخِّصُوا عَلَيْكَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَنْ يَغْلُوا عَلَيْكَ، وَإِنِّي قَاسِمٌ مَسْئُولٌ وَأَنَا مُعْطِيكَ أَكْثَرَ مَا رَبِحَ تَاجِرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، لَكَ رِبْحُ الدِّرْهَمِ دِرْهَمٌ، قَالَ: ثُمَّ دَعَا التُّجَّارَ فَابْتَاعُوهُ مِنْهُ بِأَرْبَعِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَدَفَعَ إِلَيَّ ثَمَانِينَ أَلْفًا وَبَعَثَ بِالْبَاقِي إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ لِيَقْسِمَهُ.
وَقَالَ الحسن: رأى عُمَر جاريةً تطيش هُزالًا فَقَالَ: من هذه? فَقَالَ عبد الله: هذه إحدى بناتك. قَالَ: وأيُّ بناتي هذه? قَالَ: بنتي، قَالَ: مَا بلغ بها مَا أرى? قَالَ: عملُكَ! لَا تُنفق عليها، قَالَ: إني والله مَا أعول وَلَدَك فاسْعَ عليهم أيُّها الرجل.
وَقَالَ محمد بْن سيرين: قدِمَ صهْرٌ لعمر عليه فطلب أن يُعطيه عُمَر من بيت المال فانتهره عُمَر وَقَالَ: أردت أن ألقى الله ملكًا خاءنًا! فلما كان بعد ذلك أعطاه من صُلْب ماله عشرة آلاف دِرْهم.
قَالَ حُذيفة: واللَّهِ مَا أعرف رجلًا لَا تأخذه في الله لومة لائم إلّا عمر.
وقال الحذيفة: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قول رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الفتنة؟ قلت: أنا. قَالَ: إنك لَجَريء، قلت: فتنة الرجل في أهل وماله وولده تكفِّرها الصلاة والصيام وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، قَالَ: ليس عنها أسألك ولكن الفتنة التي تموج مَوْجَ البحر، قلت: ليس عليك منها بأس إنّ بينك وبينها بابًا مُغْلقًا، قَالَ: أيُكْسَر أم يُفْتَحُ؟ قلت: بَلْ يُكْسَرُ، قَالَ: إِذًا لَا يُغْلَقُ أَبَدًا، قلنا لِحُذَيْفَةَ: أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ مَنِ الْبَابُ؟ قَالَ: نعم كما يعلم أنّ دون غدٍ الليلة، إنّي حدّثته حديثًا ليس بالأغاليط، فسأله مسروق: مَن الباب؟ قَالَ: الباب عُمَر1. أخرجه البُخاري.
وَقَالَ إبراهيم بْن عبد الرحمن بْن عوف: أُتي عمرُ بكنوز كِسْرى، فَقَالَ عبد الله بْن الأرقم: أتجعلُها في بيت المال حتى تقسمها؟ فَقَالَ عُمَر: لَا واللهِ لَا آويها إلى سقفٍ حتى أُمْضيها، فوضعها في وسط المسجد وباتوا يحرسونها، فلمّا أصبح كشف عنها فرأى من الحمراء والبيضاء مَا يكاد يتلألأ، فبكى فَقَالَ له أبي: مَا يبكيك يا أمير المؤمنين فوالله إن هذا اليوم شُكْر ويوم سرور! فَقَالَ: وَيْحَكَ إن هذا لم يعطه قوم إلا ألقيت بينهم العداوة والبغْضاء.
وَقَالَ أسلم مولى عُمَر: استعمل عُمَر مولى له على الحمى فَقَالَ: يا هُنَيُّ
1 صحيح: أخرجه البخاري "525" في كتاب مواقيت الصلاة، باب: الصلاة كفارة، ومسلم "144"، في كتاب الفتن، باب: الفتنة التي تموج كموج البحر، والترمذي "2265" في كتاب الفتن، باب: رقم "71"، وابن ماجه "3955" في كتاب الفتن، باب: ما يكون من الفتن، والبيهقي في "الدلائل""6/ 386".
اضمُمْ جناحَك عَنِ المُسْلِمين وَاتَّقِ دعوةَ المظلوم فإنّها مُستجابة، وأدْخِل ربَّ الصُّرَيْمَة1 والغُنيْمة، وإيّاي وَنَعَم ابن عَوْف ونَعَم ابن عفّان فإنّهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى زرعٍ ونخلٍ، وإنّ رب الصُّريمة والغُنيْمة إنْ تهْلِك ماشِيتُهُما يأتِني ببَنِيه فيقول: يا أمير المؤمنين! أَفَتارِكُهُمْ أنا لَا أبالَكَ! فالماء والكَلأ أيسر عليَّ من الذهب والفضة، وَايْمُ اللَّهِ إنُهم ليرون أنّي قد ظلمتُهُم، إنّها لَبِلادُهُم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام، والذي نفسي بيده لولا المالُ الَّذِي أحمِلُ عليه في سبيل الله مَا حَمَيْتُ عليهم من بلادهم شِبْرًا2. أخرجه البخاري.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: دَوَّن عمرُ الدّيوان، وفرض للمهاجرين الأوَّلين خمسة آلاف خمسة آلاف، وللأنصار أربعةَ آلافٍ أربعة آلاف، ولأُمَّهات المؤمنين اثني عشر ألفًا اثني عشر ألفًا.
وَقَالَ لإبراهيم النَّخْعيّ: كان عُمَر يتجر وهو خليفة.
وَقَالَ الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ مَالِكِ الدَّارِ قَالَ: أَصَابَ النَّاسَ قَحْطٌ فِي زَمَانِ عُمَرَ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَسْقِ اللَّهَ لأُمَّتِكَ فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا. فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَامِ وَقَالَ: ائْتِ عُمَرَ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلامَ وَأَخْبِرْه أَنَّهُمْ مُسْقَوْنَ وَقُلْ لَهُ: عَلَيْكَ الْكَيْسَ الْكَيْسَ، فَأَتَى الرَّجُلُ فَأَخْبَرَ عُمَرَ فَبَكَى وَقَالَ: يَا رَبِّ مَا آلُو مَا عَجَزْتُ عَنْهُ.
وَقَالَ أَنْس: تقرقر بطْنُ عُمَر من أكل الزَّيت عام الرَّمَادة، كان قد حرم نفسه السَّمْن، قَالَ: فنقر بطنه بإصبعه وَقَالَ: إنه ليس لك عندنا غيره حتى يحيا النّاس3.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثنا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا كان عام الرمادة جاءت العرب يقومون بمصالحهم، فسمعته يقول ليلة:"أحصوا الرجال عندنا"
1 الصريمة: القطعة القليلة من الإبل.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3059" في كتاب الجهاد، باب: إذا أسلم قوم في دار الحرب ولهم مال وأرضون فهي لهم، ومالك في "الموطأ""1954".
3 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 167".
فَأَحْصَوْهُمْ مِنَ الْقَابِلَةِ فَوَجَدُوهُمْ سَبْعَةَ آلافِ رَجُلٍ، وَأَحْصَوُا الرِّجَالَ الْمَرْضَى وَالْعِيَالاتِ فَكَانُوا أَرْبَعِينَ أَلْفًا. ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ بَلَغَ الرِّجَالُ وَالْعِيَالُ سِتِّينَ أَلْفًا، فَمَا بَرِحُوا حَتَّى أَرْسَلَ اللَّهُ السَّمَاءَ، فَلَمَّا مَطَرَتْ رَأَيْتُ عُمَرَ قَدْ وَكَّلَ بِهِمْ مَنْ يُخْرِجُونَهُمْ إِلَى الْبَادِيَةِ وَيُعْطُونَهُمْ قُوتًا وَحُمْلانًا إِلَى بَادِيَتِهِمْ، وَكَانَ قَدْ وَقَعَ فِيهِمُ الْمَوْتُ فَأَرَاهُ مَاتَ ثُلُثَاهُمْ، وَكَانَتْ قُدُورُ عُمَرَ تَقُومُ إِلَيْهَا الْعُمَّالُ مِنَ السَّحَرِ يَعْمَلُونَ الْكُرْكُورَ وَيَعْمَلُونَ الْعَصَائِدَ1.
وعن أسلم قَالَ: كنّا نقول: لو لم يرفَعِ اللُه الْمُحْلَ عام الرَّمَادَة لَظَنَنَّا أن عُمَر يموت2.
وَقَالَ سُفيانُ الثَّوْري: مَنْ زعم أنّ عليًّا كان أحقّ بالولاية من أبي بكر وعمر فقد خطَأ أبا بكرٍ وعمر والمهاجرين والأنصار.
وَقَالَ شريك: ليس يُقَدَّم عليًّا على أبي بكر وعمر أحد فيه خير.
وَقَالَ أَبُو أسامة: تدرون من أَبُو بكر وعمر؟ هما أَبُو الإسلام وأُمُّه.
وَقَالَ الحسن بْن صالح بْن حيّ: سمعت جعفر بْن محمد الصّادق يَقُولُ: أنا بريءٌ ممن ذكر أبا بكر وعمر إلَّا بخير.
ذِكْر نسائه وأولاده:
تزوج زينب بنت مظعون، فولدت له عبد الله، وحفْصةَ، وعبد الرحمن. وتزوج مُلَيْكَة الخُزَاعيّة، فولدت له عُبَيْد الله، وقيل أمّه وأمّ زيد الأصغر أمّ كلثوم بنت جَرْوَلٍ. وتزوّج أمَّ حُكَيْم بنت الحارث بْن هشام المخزومية، فولدت له فاطمة. وتزوّج جميلة بنت عاصم بْن ثابت فولدت له عاصمًا. وتزوّج أُمّ كُلْثُوم بنت فاطمة الزَّهْراء وأصْدَقَها أربعين ألفًا، فولدت له زيدًا ورقية.
1 إسناده ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 169".
2 إسناده ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 168" وفي إسناده الواقدي.
وتزوّج لُهَّيةَ امرأة من اليمن فولدت له عبد الرحمن الأصغر.
وتزوّج عاتكة بنت زيد بْن عمرو بْن نُفَيْلٍ التي تزوجها بعد موته الزُّبَيْر.
وَقَالَ الَّليْث بْن سعد: استُخْلِف عُمَر فكان فتْحُ دمشق، ثُمَّ كان اليرموك سنة خمس عشرة، ثُمَّ كانت الجابية سنة ست عشرة، ثُمَّ كانت إيلياء وسَرْغ لسنة سبع عشرة، ثمّ كانت الرَّمَادة وطاعون عَمَوَاس سنة ثماني عشرة، ثُمَّ كانت جلولاء سنة تسع عشرة؛ ثُمَّ كان فتح باب لِيُون وقَيْسَارِية بالشام، وموت هِرَقْلَ سنة عشرين، وفيها فُتحت مصر، وسنة إحدى وعشرين فُتِحَتْ نَهَاونْد، وفُتِحَت الإسكندرية سنة اثنتين وعشرين. وفيها فُتِحت إصطخر وهمذان. ثم غزا عمرو بْن العاص أطْرابُلُسَ المَغْرِب. وغَزْوة عَمُورية وأمير مصر وهْب بْن عمير الجُمَحيّ، وأمير أهل الشام أَبُو الأعور سنة ثلاثٍ وعشرين. ثُمَّ قُتل عُمَر مَصْدَرَ الحاجّ في آخر السنة.
وَقَالَ سعيد بْن المسيب: إنّ عُمَر لما نفر من مِنَى أناخ بالأبْطح، ثُمَّ كوَّم كَوْمَةً من بطحاء واستلقى ورفع يديه إلى السّماء، ثُمَّ قَالَ:"اللَّهُمَّ كَبُرَتْ سِنِّي وضعفُتْ قوْتي وانتشرت رعيَّتي فاقبضْني إليك غير مُضَيّعٍ ولا مُفَرّط" فما انْسَلَخَ ذو الحجّة حتّى طُعِن فمات.
وَقَالَ أَبُو صالح السَّمّان: قَالَ كعب لعمر: أجِدُك في التَّوْراة تُقْتَلُ شهيدًا، قَالَ: وأنَّى لي بالشّهادة وأنا بجزيرة العرب؟ وَقَالَ أسلم، عَنْ عُمَر أنه قَالَ: اللَّهُمَّ ارزُقْني شهادةً في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك1. أخرجه البخاري.
وقال معدان بْن أبي طَلْحة اليَعْمُرِيّ: خطب عُمَر يوم جمعةٍ وذكر نبيَّ الله وأبا بكر ثمّ قَالَ: رأيت كأنَّ ديِكًا نَقَرَني نَقْرَةً أو نَقْرَتَيْن، وإنِّي لَا أراه إلَّا حُضُورَ أَجَلِي، وإنّ قومًا يأمروني أنِ استخلِفَ وإنّ الله لم يكن لِيُضَيِّعَ دِينَه ولا خِلافَتَه فإنْ عجل بي أمرٌ فالخلافة شُورَى بين هؤلاء الستّة الّذين تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عنهم راض2.
1 صحيح: أخرجه البخاري "1890" في كتاب فضائل المدينة، باب: رقم "12"، وابن سعد في "الطبقات""2/ 177".
2 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 179، 180".
وَقَالَ الزُّهْرِيّ: كان عُمَر لَا يأذن لسبيٌ قد احتلم في دخول المدينة حتى كتب المُغِيرَة بْن شُعْبة وهو على الكوفة يذكر له غلامًا عنده صِنَعًا ويستأذنه أن يدخل المدينةَ ويقول: إنّ عنده أعمالًا كثيرة فيها منافع للنّاس: إنّه حدّاد نقاش نجّار، فأذِن له أن يُرْسِلَ به، وضرب عليه المُغِيرَة مائة دِرْهَمٍ في الشهر، فجاء إلى عمر يشتكي شدة الخراج، فال: مَا خراجك بكثير. فانصرف ساخطًا يتذمّر، فلبث عُمَر ليالي ثُمَّ دعاه فَقَالَ: ألم أُخْبَرْ أنّك تقول: لو شاء لَصَنَعْتُ رحًى تَطْحَنُ بالريح، فالتفت إلى عمر عابسًا وقال: لأَصْنَعَنَّ لك رحًى يتحدث النَّاس بها، فلمّا وُليّ قَالَ عُمَر لأصحابه: أوعدني العبدُ آنفًا. ثمّ اشتمل أَبُو لؤلؤة على خِنْجَرٍ ذي رأسين نصابه في وسَطِه، فكمن في زاويةٍ من زوايا المسجد في الغَلَس.
وَقَالَ عمرو بْن ميمون الأوديّ: إنّ أبا لؤلؤة عبد المُغِيرَة طعن عُمَر بخنجرٍ له رأسان وطعن معه اثني عشر رجلًا، مات منهم ستّة، فألقى عليه رجل من أهل العراق ثوبًا، فلمّا اغتمّ فيه قتل نفسه1.
وَقَالَ عامر بْن عبد الله بْن الزُّبَيْر عن أَبِيهِ قَالَ: جئت من السّوق وعمر يتوكّأ عليّ، فمرّ بنا أَبُو لؤلؤة، فنظر إلى عُمَر نظرةً ظَننْتُ أنّه لولا مكاني لبَطَش به، فجئت بعد ذلك إلى المسجد الفجر فإنّي لَبَيْن النّائم واليَقْظان، إذ سمعت عُمَر يَقُولُ: قتلني الكلبُ، فماج النّاس ساعةً، ثُمَّ إذا قراءة عبد الرحمن بْن عوف.
وَقَالَ ثابت البُناني، عَنْ أبي رافع: كان أَبُو لؤلؤة عبدًا للمُغِيرة يصنع الأرحاء، وكان المغيرة يستغلّه كل يومٍ أربعة دراهم، فلقي عُمَر فَقَالَ: يا أمير المؤمنين إنّ المُغِيرَة قد أثقل عليّ فكلِّمْه، فَقَالَ: أحْسِنْ إلى مولاك، ومن نِيَّة عُمَر أنْ يكلّم المُغِيرةَ فيه، فغضب وَقَالَ: يسع النّاس كلَّهم عدلُهُ غيري، وأضمر قتْلَه واتّخذ خِنْجَرًا وشحذه وسَمَّه، وكان عُمَر يَقُولُ:"أقيموا صفوفكم" قبل أنْ يكبّر، فجاء فقام حِذاءه في الصّفّ وضربه في كَتِفِه وفي خاصرته، فسقط عُمَر، وطعن ثلاثة عشر رجلًا معه، فمات منهم ستّة، وَحُمِلَ عمرُ إلى أهله وكادت الشمس أن تطلع، فصلّى ابن عَوْف بالنّاس بأقصر سورتين، وأُتي عُمَر بنبيذٍ فشربه فخرج من جُرْحه فلم يتبيّن، فسَقَوْه لَبَنًا فخرج من جرحه فقالوا: لَا بأس عليك، فَقَالَ: إنْ
1 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 181".
يكن بالقتل بأس فقد قُتِلْتُ، فجعل النَّاس يُثْنون عليه ويقولون: كنتَ وكنتَ، فَقَالَ: أما واللهِ وَدِدْتُ أني خرجت منها كفافًا لَا عليّ ولا لي وأنّ صُحْبَة رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمت لي.
وأثنى عليه ابن عباس، فَقَالَ: لو أنّ لي طِلَاعَ الأرض ذَهَبًا لافتديت به من هول المُطَّلَع، وقد جعلتُها شُورَى في عثمان وعليّ وطلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد. وأمر صُهَيْبًا أنْ يصلّي بالنّاس، وأجّل الستَّة ثلاثًا.
وعن عمرو بْن ميمون أنّ عُمَر قَالَ: "الحمد لله الَّذِي لم يجعل مَنِيَّتي بيد رجلٍ يدّعي الإسلام" ثمّ قَالَ لابن عباس: كنت أنت وأبوك تحبان أن يكثر العلجوم بالمدينة. وكان العباس أكثرهم رقيقًا.
ثُمَّ قَالَ: يا عبد الله! أنظر مَا عليّ من الدَّيْن، فحسبوه فوجدوه سِتَّةً وثمانين ألفًا أو نحوها، فَقَالَ: إنْ وفَّى مالُ آل عُمَر فأّدِّهِ من أموالهم وإلَّا فاسْأل في بني عديٍّ فإنْ لم تفِ أموالُهُم فَسَلْ في قريش، اذهب إلى أمّ المؤمنين عائشة فقُلْ: يستأذن عمرُ أنْ يُدْفَنَ مع صاحبيه، فذهب إليها فقالت: كنت أريده -تعني المكان- لنفسي ولأُؤْثِرَنَّهُ الْيَوْمَ على نفسي، قَالَ: فأتى عبد الله فَقَالَ: قد أذِنَتْ لك، فحمِدَ الله.
ثُمَّ جاءت أم المؤمنين حفصة والنساء يسترنها، فلما رأيناه قمنا، فَمَكَثَتْ عنده ساعة، ثمّ استأذن الرجالُ فَوَلَجَتْ داخلةً ثمّ سمعنا بُكَاءها. وقيل له: أوْص يا أمير المؤمنين واستَخْلِف، قَالَ: مَا أرى أحدًا أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النفَر الذين تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عنهم راضٍ، فسمّى السّتَّة وَقَالَ: يشهد عبد الله بْن عُمَر معهم وليس له من الأمر شيء -كهيئة التعزية لَهُ- فإنْ أصابت الإمرةُ سعدًا فهو ذاك وإلا فلْيَسْتَعِنْ به أيُّكم مَا أُمِّر، فإنّي لم أعزلْه من عجْزٍ ولا خيانة، ثُمَّ قَالَ: أُوصي الخليفة من بعدي بتقوى الله، وأوصيه بالمهاجرين والأنصار، وأوصيه بأهل الأمصار خيرًا، في مثل ذلك من الوصيّة.
فلمّا تُوُفيّ خرجنا به نمشي، فسلّم عبدُ الله بْن عمر وقال: عُمَر يستأذن، فَقَالَتْ عائشة: أدخلوه، فأُدْخِل فوُضع هناك مع صاحبيه.
فلما فرغ من دفنه ورجعوا اجتمع هؤلاء الرَّهْط، فَقَالَ عبد الرحمن بْن عَوْف: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم، فَقَالَ الزُّبَيْر: قد جعلت أمري إلى عليّ وَقَالَ سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن، وَقَالَ طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان، قَالَ: فخلا هؤلاء الثلاثة فَقَالَ عبد الرحمن: أنا لَا أريدها فأيُّكما تبرّأ من هذا الأمر ونجعله إليه والله عليه والإسلام لينظرنّ أفضلهم في نفسه وليحرصنّ على صلاح الأُمَّة، قَالَ: فسكت الشيخان عليّ وعثمان، فَقَالَ عبد الرحمن: اجعلوه إليّ والله عليَّ لَا آلو عَنْ أفضلكم، قالا: نعم فخلا بعليّ وَقَالَ: لك من القِدَم في الإسلام والقرابة مَا قد علمت، الله عليك لئن أمَّرْتُك لتعدِلَنّ ولئن أَمَّرْتُ عليك لَتَسْمعَنَّ ولَتُطِيعَنَّ، قَالَ: ثُمَّ خلا بالآخر فَقَالَ له كذلك، فلمّا أخذ ميثاقهما بايع عثمان وبايعه عليّ.
وَقَالَ المِسْوَر بْن مَخْرَمَة: لما أصبح عُمَر من الغد -وهو مطعون- فزَّعُوه1 فقالوا: الصَّلاة، ففزع وَقَالَ: نعم ولا حظّ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى وجرحه يثعب دمًا2.
وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: ثنا أَبُو عامر الخزار، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ جَاءَ كَعْبٌ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ دَعَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَيُبْقِيَنَّهُ اللَّهُ وَلَيَرْفَعَنَّهُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ حَتَّى يَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا. حَتَّى ذَكَرَ الْمَنَافِقِينَ فِيمَنْ ذَكَرَ، قَالَ: قُلْتُ: أُبَلِّغُهُ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: مَا قُلْتُ إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ تُبَلِّغَهُ، فَقُمْتُ وَتَخَطَّيْتُ النَّاسَ حتى جلست عند رَأْسَهُ فَقُلْتُ: إِنَّ كَعْبًا يَحْلِفُ بِاللَّهِ لَئِنْ دَعَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَيُبْقِيَنَّهُ اللَّهُ وَلَيَرْفَعَنَّهُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، قَالَ: ادْعُوا كَعْبًا فَدَعَوْهُ فَقَالَ: مَا تَقُولُ؟ قَالَ: أَقُولُ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَدْعُو اللَّهَ وَلَكِنْ شَقِيَ عُمَرُ إِنْ لَمْ يَغْفِرِ اللَّهُ لَهُ، قَالَ: وَجَاءَ صُهَيْبٌ فَقَالَ: وَاصَفِيَّاهُ وَاخَلِيلاهُ وَاعُمَرَاهُ، فَقَالَ: مَهْلًا يا صهيب أو ما بَلَغَكَ أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ.
وعن ابن عباس قَالَ: كان أَبُو لؤلؤة مجوسيًَّا.
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا عَلَيْكَ لَوْ أجْهَدْتَ نَفْسَكَ ثُمَّ أَمَّرْتَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا؟ فَقَالَ عُمَرُ: أَقْعِدُونِي. قال عبد الله:
1 أي نبهوه.
2 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 187".
فَتَمَنَّيْتُ أَنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ عَرْضَ الْمَدِينَةِ فَرَقًا من حِينَ قَالَ أَقْعِدُونِي. ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَمَّرْتُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ؟ قُلْتُ: فُلانًا، قَالَ: إِنْ تُؤَمِّرُوهُ فَإِنَّهُ ذُو شَيْبَتِكُمْ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ أَرَأَيْتَ الْوَلِيدَ يَنْشَأُ مَعَ الْوَلِيدِ وَلِيدًا وَيَنْشَأُ مَعَهُ كَهْلًا، أَتَرَاهُ يَعْرِفُ مَنْ خَلَقَه؟ فَقَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: فَمَا أَنَا قَائِلٌ لِلَّهِ إِذَا سَأَلَنِي عَمَّنْ أَمَّرْتُ عَلَيْهِمْ فَقُلْتُ: فُلانًا، وَأَنَا أَعْلَمُ مِنْهُ مَا أَعْلَمُ! فَلا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَرْدُدْنَهَا إِلَى الَّذِي دَفَعَهَا إِلَيَّ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَلَوَدِدْتُ أَنَّ عَلَيْهَا مَن هُوَ خَيْرٌ مِنِّي لَا يَنْقُصُنِي ذَلِكَ مِمَّا أَعْطَانِي اللَّهُ شَيْئًا.
وَقَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دخل على عُمَر عثمان، وعليٌ، والزُّبَيْر، وابن عوف، وسعد -وكان طلحة غائبًا- فنظر إليهم ثمّ قَالَ: إنّي قد نظرتُ لكم في أمر النّاس فلم أجد عند النّاس شقاقًا إلَّا أنْ يكون فيكم، ثُمَّ قَالَ: إنّ قومكم إمّا يؤمِّروا أحَدَكُم أيُّها الثلاثة، فإنْ كنت على شيء من أمر النَّاس يا عثمان فلا تحملن بني أبي مُعَيْط على رقاب الناس، وإن كنت علي شيء من أمر النَّاس يا عبد الرحمن فلا تحملنّ أقاربك على رقاب النَّاس. وإنْ كنت على شيء من أمر النَّاس يا عليّ فلا تحملنّ بني هاشم على رقاب النَّاس، قوموا فتشاوروا وأمِّروا أحدكم، فقاموا يتشاورون.
قَالَ ابن عُمَر: فدعاني عثمان مرَّةً أو مرتين ليُدْخلني في الأمر ولم يُسَمِّني عُمَر، ولا والله لَقَلَّما سمعته حوّل شفتيه بشيء قطّ إلا كان حقًا، فلمّا أكثر عثمانُ دعائي قلت: ألا تعقلون! تُؤمِّرون وأميرُ المؤمنين حيّ! فَوَالله لكَأنّما أيقظتهم، فَقَالَ عُمَر: أمْهِلوا فإن حدث بي حدث فلْيُصل للناس صُهيْب ثلاثًا ثُمَّ اجْمعوا في اليوم الثالث أشراف النَّاس وأمراء الأجناد فأمِّروا أحدكم، فمن تأمرَّ عَنْ غير مشورةٍ فاضربوا عُنُقَه.
وَقَالَ ابن عُمَر: كان رأس عُمَر في حجْرى فَقَالَ: ضع خدّي على الأرض، فوضعتُهُ فَقَالَ: وَيْلٌ لي وَوَيْلُ أمّي إنْ لم يرحمني ربّي.
وعن الحُوَيْرِث قَالَ: لمّا مات عُمَر ووُضِعَ ليُصَلَّى عليه اقتتل عليّ وعثمان أيُّهما يصلّي عليه، فَقَالَ عبد الرحمن: إنّ هذا لهو الحِرْص على الإمارة،
لقد علمتما مَا هذا إليكما ولقد أمَّر به غيركما، تقدَّمْ يا صُهَيْب فَصَلِّ عليه. فصلّى عليه.
وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: وُضِعَ عُمَرُ بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ، فَجَاءَ عَلِيٌّ حَتَّى قَامَ بَيْنَ الصُّفُوفِ فَقَالَ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ مَا مِنْ خَلْقٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِصَحِيفَتِهِ بَعْدَ صَحِيفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ هَذَا المُسَجَّى عَلَيْهِ ثَوْبُهُ. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُهُ مِنْ عِدَّةِ وُجُوهٍ عَنْ عَلِيٍّ.
وَقَالَ مَعْدان بْن أبي طَلْحَةَ: أُصيب عُمَر يوم الأربعاء لأربعٍ بقين من ذي الحجّة، وكذا قَالَ زيد بْن أسلم وغير واحد.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وقاص: إنّه دُفِنَ يوم الأحد مُسْتَهَلّ المحرّم.
وَقَالَ سعيد بْن المسيب: تُوُفيّ عُمَر وهو ابن أربعٍ أو خمسٍ وخمسين سنة، كذا رواه الزُّهْرِيّ عنه.
وَقَالَ أَيُّوبُ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَاتَ عُمَرُ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً. كذا قَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو الأَسْوَدِ يَتِيمُ عُرْوَةَ وَابْنُ شِهَابٍ.
وَرَوَى أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: سَمِعْتُ عُمَرَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِعَامَيْنِ أَوْ نَحْوِهِمَا يَقُولُ: أَنَا ابْنُ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ. تفرد به أبو عاصم.
وقال الوادي: نا هاشم بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ: تُوُفِّيَ عُمَرُ وَلَهُ سُتُّونَ سَنَةً.
قَالَ الواقِديّ: هذا أثبت الأقاويل، وكذا قَالَ مالك.
وَقَالَ قَتَادة: قُتِل عُمَر وهو ابن إحدى وستين سنة.
وَقَالَ عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ الْبَجَلِيُّ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ سُمِعَ مُعَاوِيَةُ يَخْطُبُ وَيَقُولُ: مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَهُمَا ابْنَا ثَلاثٍ وَسِتِّينَ.
وَقَالَ يحيى بْن سعيد: سمعت سعيد بْن المسيب قَالَ: قُبض عُمَر وقد استكمل ثلاثًا وستين. وقد تقدّم لابن المسيب قولٌ آخر.
وَقَالَ الشَّعْبِيّ مثل قول معاوية.
وَأَكْثَرُ مَا قِيلَ قَوْلُ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قُبِضَ عُمَرُ وَهُوَ ابْنُ ست وستين سنة والله تعالى أعلم.
3-
خِلَافَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه:
سنة ثلاث عشرة:
وَفِيهَا تُوُفِّيَ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ لِثَمانٍ بَقَيْنَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَعَهِدَ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ إِلَى عُمَرَ، وَكَتَبَ لَهُ بِذَلِكَ كِتَابًا.
فَأَوَّلُ مَا فَعَلَ عُمَرُ عَزَلَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَنْ إِمْرَةِ أُمَرَاءِ الشَّامِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِعَهْدِهِ، ثُمَّ بَعَثَ جَيْشًا مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْعِرَاقِ أَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدِ بْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ وَالِدَ الْمُخْتَارِ الْكَذَّابِ، وَكَانَ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ، فالتقى مع أهل العراق كما سيأتي.
سَنَة أربَع عَشرَة:
فيها فُتحت دمشق، وحمص، وبعلبك، البصرة، والأُبُلة، ووقعة جسر أبي عُبَيْد بأرض نجران، ووقعة فِحْلٍ بالشام، في قول ابن الكلبي.
فتح دمشق:
فأمّا دمشق فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَ خَالِدٌ عَلَى النَّاسِ فَصَالَحَ أَهْلَ دِمَشْقَ، فَلَمْ يَفْرُغْ مِنَ الصُّلْحِ حَتَّى عُزِلَ ووُلِّي أَبُو عُبَيْدَةَ، فَأَمْضَى صُلْحَ خَالِدٍ وَلَمْ يُغَيِّرَ الْكِتَابَ. وَهَذَا غَلَطٌ لأن عمر عزل خالدًا حين وُلِّي. قال خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ. وَقَالَ: ثنا عبد الله بْن المُغِيرَة، عَنْ أبيه قَالَ: صالحهم أَبُو عبيدة على أنصاف كنائسهم ومنازلهم وعلى رءوسهم، وأن لا يمنعوا من أعيادهم.
وَقَالَ ابن الكلبي: كان الصلح يوم الأحد للنّصف من رجب سنة أربع عشرة.
وَقَالَ ابن إسحاق: صالحهم أَبُو عبيدة في رجب.
وَقَالَ ابن جرير: سار أَبُو عبيدة إلى دمشق، وخالد على مقدمة الناس، وقد
اجتمعت الروم على رجل يقال له باهان بدمشق، وكان عُمَر عزل خالدًا واستعمل أبا عبيدة على الجميع، والتقى المسلمون والروم فيما حول دمشق، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، ثُمَّ هزم الله الروم، ودخلوا دمشق وغلَّقوا أبوابها، ونازلها المسلمون حتى فُتِحت، وأعطُوا الجزْية، وكان قدم الكتاب على أبي عبيدة بإمارته وعزل خالدٍ، فاستحيا أَبُو عبيدة أن يقرئ خالدًا الكتاب حتى فتحت دمشق وجرى الصلح على يدي خالد، وكُتِب الكتابُ باسمه، فلمّا صالحتْ دمشقُ لحِق باهان صاحب الروم بِهرقْل.
وقيل: كان حصار دمشق أربعة أشهر.
وَقَالَ محمد بْن إسحاق: إن عُمَر كان واجدًا على خالد بْن الوليد لقتْله ابن نُوَيْرة، فكتب إلى أبي عبيدة أن أنزع عمامته وقاسمه ماله، فلما أخبره قَالَ: مَا أنا بالذي أعصي أمير المؤمنين، فاصنع مَا بدا لك، فقاسمه حتى أخذ نعله الواحدة.
وَقَالَ ابن جرير: كان أوّلّ محصورٍ بالشام أهل فِحْلٍ ثُمَّ أهل دمشق، وبعث أَبُو عبيدة ذا الكلاع حتى كان بين دمشق وحمص رِدْءًا1، وحصروا دمشق، فكان أَبُو عبيدة على ناحيةٍ، ويزيد بْن أبي سُفْيَان على ناحية، وعمرو بْن العاص على ناحية، وَهِرَقْلُ يَوْمَئِذٍ على حمص، فحاصروا أهلَ دمشق نحوًا من سبعين ليلةً حصارًا شديدًا بالمجانيق، وجاءت جنود هِرَقْلَ نجدةً لدمشق، فشغلتها الجنود التي مع ذي الكلاع، فلمّا أيقن أهل دمشق أنّ الأمداد لَا تصل إليهم فشِلُوا ووَهِنُوا.
وكان صاحب دمشق قد جاءه مولودٌ فصنع طعامًا واشتغل يومئذ، وخالد بْن الوليد الَّذِي لَا ينام ولا يُنِيم قد هيّأ حبالًا كهيئة السلالم، فلما أمسى هيّأ أصحابه وتقدم هو وَالْقَعْقَاعُ بنُ عمرو، ومذعور بْن عدي وأمثالهم وقالوا: إذا سمعتم تكبيرنا على السُّور فارقوا إلينا وانْهَدُوا2 الباب. قَالَ: فلمّا انتهى خالد ورُفقاؤه إلى الخندق رموا بالحبال إلى الشُّرف، وعلى ظهورهم القرب التي سبحوا بها في الخندق، وتسلق القعقاع ومذعور فلم يدعا أُحْبُولةً حتى أثبتاها في الشُّرَف، وكان ذلك المكان أحصن مكانٍ بدمشق، فاستوى على السُّور خلقٌ من أصحابه ثُمَّ
1 ردءا: معينا.
2 انهدوا الباب: اقصدوه.
كبروا، وانحدر خالد إلى الباب فقتل البوابين، وثار أهل البلد إلى مواقفهم لَا يدرون مَا الشأن، فتشاغل أهلُ كل جهةٍ بما يليهم، وفتح خالد الباب ودخل أصحابه عَنوةً، وقد كان المسلمون دَعَوْهم إلى الصلح والمشاطرة فأبّوْا، فلمّا رأوا البلاء بذلوا الصلح، فأجابهم من يليهم، وقبلوا فقالوا: ادخلوا وامْنعونا من أهلِ ذاك الباب، فدخل أهل كل بابٍ بصلح مما يليهم، فالتقى خالد والأمراء في وسط البلد، هذا استعراضًا ونَهْبًا، وهؤلاء صُلْحًا، فأجروا ناحية خالد على الصلح بالمقاسمة. وكتب إلى عُمَر بالفتح.
نجدة سعد بن أبي وقاص بالعراق:
وكتب عُمَر إلى أبي عبيدة أن يجهز جيشًا إلى العراق نجدةً لسعد بْن أبي وقاص، فجهز له عشرة آلافٍ عليهم هاشم بْن عُتْبَة، وبقي بدمشق يزيد بْن أبي سُفْيَان في طائفة من أمداد اليمن، فبعث يزيد دِحْيَةَ بْن خليفة الكلبيّ في خيلٍ إلى تدمر1، وأبا الأزهر إلى البثنية2 فصالحهم، وسار طائفةٌ إلى بيْسان فصالحوا.
وفيها كان سعد بْن أبي وقاص فيما ورد إلينا على صدقات هوازن، فكتب إليه عُمَر بانتخاب ذي الرأي والنجدة ممن له سلاح أو فرس، فجاءه كتاب سعد: إنّي قد انتخبت لك ألفَ فارس، ثُمَّ قدِم به عليه فأمّره على حرب العراق، وجهزه في أربعة آلاف مقاتل، فأبى عليه بعضُهم إلا المسيرَ إلى الشام، فجهزهم عُمَر إلى الشام.
ثُمَّ إن عُمَر أمدّ سعدًا بعد مسيره بألفيّ نجدي وألفي يماني، فشتا سعد بزَرُود3، وكان الْمُثَنَّى بْن حارثة على المُسْلِمين بما فتح الله من العراق، فمات من جراحته التي جرحها يوم جسر أبي عُبَيْد، فاستخلف المثني على النَّاس بشير بْن الخصاصيّة، وسعد يَوْمَئِذٍ بزرود، ومع بشير وفود أهل العراق. ثُمَّ سار سعد إلى العراق، وقدم عليه الأشعث بْن قيس في ألفٍ وسبعمائة من اليمانيين.
1 تدمر: مدينة تقع في صحراء سورية.
2 البثنية: مدينة بالشام.
3 زرود: رمال بطريق الحاج من الكوفة.
وقعة الجسر:
كان عُمَر قد بعث في سنة ثلاث عشرة جيشًا، عليهم أَبُو عُبَيْد الثقفي، فلقي جابان في سنة ثلاث عشرة -وقيل سنة أربع عشرة- بين الحيرة والقادسية. فهزم الله المجوس، وأُسِر جابان، وقُتِل مردانشاه، ثُمَّ إن جابان فدى نفسه بغلامين وهو لَا يعرف أنه المقدَّم، ثُمَّ سار أَبُو عُبَيْد إلى كَسْكَر فالتقى هو ونَرْسِيّ فهزمه، ثُمَّ لقي جالينوس فهزمه.
ثُمَّ إن كسرى بعث ذا الحاجب، وعقد له على اثني عشر ألفًا، ودفع إليه سلاحًا عظيمًا، والفيل الأبيض، فبلغ أبا عُبَيْد مسيرهم، فعبر الفرات إليهم وقطع الجسر، فنزل ذو الحاجب قَسّ النَّاطِف، وبينه وبين أبي عُبَيْد الفرات، فأرسل إلى أبي عُبَيْد: إمّا أن تعبر إلينا وإما أن نعبر إليك. فَقَالَ أَبُو عُبَيْد: نَعْبُرُ إليكم، فعقد له ابن صَلُوبا الجسر، وعبر فالتقوا في مضيق في شوال. وقدم ذو الحاجب جالينوس معه الفيل. فاقتتلوا أشدّ قتالٍ وضرب أَبُو عُبَيْد مِشْفَرَ الفيل، وضرب أَبُو مِحْجَن عرقُوبة.
ويقال إنّ أبا عُبَيْد لما رأى الفيل قَالَ:
يا لك من ذي أربعٍ مَا أكبرك
…
لأضربنّ بالحسام مِشْفرَكْ
وَقَالَ: إنْ قُتِلْتُ فعليكم ابني جَبْر. فإن قُتِل فعليكم حبيب بْن ربيعة أخو أبي مِحْجَن، فإن قتل فعليكم أخي عبد الله. فقُتِل جميع الأمراء، واستحر1 القتل في المُسْلِمين فطلبوا الجسر. وأخذ الراية المثني بْن حارثة فحماهم في جماعةٍ ثبتوا معه. وسبقهم إلى الجسر عبد الله بْن يزيد فقطعه، وَقَالَ: قاتِلوا عَنْ دينكم، فاقتحم النَّاس الفرات، فغرق ناسٌ كثير، ثُمَّ عقد المثنى الجسر وعبره النَّاس.
وأستُشْهِد يَوْمَئِذٍ فيما قَالَ خليفة ألفٌ وثمانمائة، وَقَالَ سيف: أربعة آلاف مَا بين قتيل وغريق.
وعن الشَّعْبِيّ قَالَ: قُتِل أَبُو عُبَيْد في ثمانمائة من المسلمين.
1 استحر: اشتد.
وَقَالَ غيره: بقي المثنى بْن حارثة الشيباني على النَّاس وهو جريح إلى أن توفي، واستخلف على النَّاس ابن الخصاصية كما ذكرنا.
فتح حمص وبعلبك:
وَقَالَ أَبُو مُسْهِر: حدثني عبد الله بْن سالم قَالَ: سار أَبُو عبيدة إلى حمص في اثني عشر ألفًا، منهم من السكون ستة آلاف فافتتحها.
وعن عثمان الصَّنْعاني قَالَ: لما فتحنا دمشق خرجنا مع أبي الدَّرْدَاء في مَسْلَحة بَرْزَة، ثُمَّ تقدَّمنا مع أبي عبيدة ففتح الله بنا حمص.
وورد أن حمص وبعلبك فتحنا صلحًا في أواخر سنة أربع عشرة، وهرب هرقل عظيم الروم من أنطاكية إلى قسطنطينية.
وقيل: إنّ حمص فُتحت سنة خمس عشرة.
فتح البصرة:
وَقَالَ عليّ المدائني عَنْ أشياخه: بعث عُمَر في سنة أربع عشرة شُرَيْح بْن عامر أحد بني سعد بْن بكر إلى البصرة، وكان ردءًا للمسلمين، فسار إلى الأهواز فقُتِل بدارس، فبعث عُمَر عُتْبَةَ بنَ غَزْوان المازني في السنة، فمكث أشهرًا لَا يغزو.
وَقَالَ خالد بْن عُمَيْر العدوي: غزونا مع عُتْبَة الأُبُلَّة فافتتحناها ثُمَّ عبرنا إلى الفرات، ثُمَّ مر عُتْبَة بموضع المِرْبَد، فوجد الكَذَّان1 الغليظ فَقَالَ: هذه البصرة انزلوها باسم الله.
وَقَالَ الحسن: افتتح عُتْبَةُ الأُبُلَّة فقُتل من المُسْلِمين سبعون رجلًا في موضع مسجد الأُبُلَّة، ثُمَّ عبر إلى الفرات فأخذها عَنْوةً.
وَقَالَ شُعْبة، عَنْ عقيل بْن طلحة، عن قبيصة قال: كنا مع عتبة بالخريبة2.
1 الكذان: حجارة رخوة.
2 الخريبة: موضع بالبصرة.
وفيها أمر عُتْبَة بْن غزوان محجن بْن الأدرع فخطَّ مسجد البصرة الأعظم وبناه بالقصب، ثُمَّ خرج عُتْبَة حاجًا وَخَلَّفَ مُجَاشع بْن مسعود وأمره بالغزو، وأمر المُغِيرَة بْن شُعْبَة أن يصلي بالنّاس حتى يقدم مُجَاشِع، فمات عُتْبَة في الطريق. وأمّر عمرُ المُغِيرَة على البصرة.
وفيها وُلِدَ عبد الرحمن بْن أبي بكرة، وهو أوّل من وُلِد بالبصرة، وبُعِث جريرُ بْن عبد الله على السّواد، فلقي جرير مِهْران، فقُتِل مهران، ثُمَّ بعث عُمَر سعدًا فأمر جريرًا أن يطيعه.
فتح الأردن ويوم اليرموك:
سَنَة خَمْس عَشْرَة:
في أولها افْتَتَحَ شُرَحْبِيل بْن حَسَنة الأردن كلها عنوة إلا طبرية فإنهم صالحوه، وذلك بأمر أبي عبيد.
يوم اليَرْمُوك:
كانت وقعةً مشهورةً، نزلت الروم اليرموك في رجب سنة خمس عشرة، وقيل: سنة ثلاث عشرة وأراه وهما فكانوا في أكثر من مائة ألف، وكان المسلمون ثلاثين ألفا، وأمراء الإسلام أَبُو عبيدة، ومعه أمراء الأجناد، وكانت الروم قد سلسلوا أنفسهم الخمسة والستة في السلسلة لئلَّا يفرُّوا، فلمّا هزمهم الله جعل الواحد يقع في نهر اليَرْمُوك فيجذب من معه في السلسلة حتى ردموا في الوادي، واستووا فيما قيل بحافَّتَيْه، فداستهم الخيل، وهلك خلقٌ لَا يحصون.
وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ جماعة من أمراء المُسْلِمين.
وَقَالَ محمد بْن إسحاق: نزلت الروم اليرموك وهم مائة ألف، عليهم السقلاب خصيٌّ لِهرَقْل.
وَقَالَ ابن الكلبي: كانت الروم ثلاثمائة ألف، عليهم باهان، رجلٌ من أبناء فارس تنصر ولحق الروم، قَالَ: وضمّ أَبُو عبيدة إِلَيْهِ أطرافه، وأمدَّه عُمَر بسعيد بْن
عامر بْن حُذَيْم، فهزم الله المشركين بعد قتالٍ شديد في خامس رجب سنة خمس عشرة.
وَقَالَ سعيد بْن عبد العزيز: إنّ المُسْلِمين -يعني يوم اليّرْموك- كانوا أربعةً وعشرين ألفًا، وعليهم أَبُو عبيدة، والروم عشرون ومائة ألف، عليهم باهان وسقلاب.
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَمَدَتِ الأَصْوَاتُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ، وَالْمُسْلِمُونَ يُقَاتِلُونَ الرُّومَ إِلا صَوْتَ رَجْلٍ يَقُولُ:"يَا نَصْرَ اللَّهِ اقْتَرِبْ، يَا نَصْرَ اللَّهِ اقْتَرِبْ"، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا هُوَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ تَحْتَ رَايَةِ ابْنِهِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سفيان.
الواقدي: نا عبد الحميد بن حعفر، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ: حَضَرْتُ الْيَرْمُوكَ فَلا أَسْمَعُ إِلَّا نَقْفَ الْحَدِيدِ إِلا أَنِّي سَمِعْتُ صَائِحًا يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ أَبْلَوْا لِلَّهِ فِيهِ بَلاءً حَسَنًا، فَإِذَا هُوَ أَبُو سُفْيَانَ تَحْتَ رَايَةِ ابْنِهِ.
قَالَ سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفْلَةَ قَالَ: لَمَّا هَزَمْنَا الْعَدُوَّ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ أَصَبْنَا يَلامِقِ1 دِيبَاجٍ2 فَلَبِسْنَاهَا فَقَدِمْنَا عَلَى عُمَرَ وَنَحْنُ نَرَى أَنَّهُ يُعْجِبُهُ ذَلِكَ، فَاسْتَقْبَلْنَاهُ وَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَشَتَمَنَا وَرَجَمَنَا بِالْحِجَارَةِ حَتَّى سَبَقْنَاهُ نَعْدُو، فَقَالَ بَعْضُنَا: لَقَدْ بَلَغَهُ عَنْكُمْ شَرٌّ، وَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: لَعَلَّهُ فِي زِيِّكُمْ هَذَا، فَضَعُوهُ، فَوَضَعْنَا تِلْكَ الثِّيَابَ وَسَلَّمْنَا عليه، فرحب وساءلنا وَقَالَ: إِنَّكُمْ جِئْتُمْ فِي زِيِّ أَهْلِ الْكُفْرِ، وَإِنَّكُمْ الآنَ فِي زِيِّ أَهْلِ الإِيمَانِ، وَإِنَّهُ لا يَصْلُحُ مِنَ الدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ إِلا هَكَذَا، وَأَشَارَ بِأَرْبَعِ أَصَابِعِهِ.
وعن مالك بْن عبد الله قَالَ: مَا رأيت أشرف من رجلٍ رأيته يوم اليرموك إنه خرج إليه علجٌ3 فقتله، ثُمَّ آخر فقتله، ثُمَّ آخر فقتله، ثُمَّ انهزموا وتبِعَهُمْ وتبِعْتُهُ، ثُمَّ انصرف إلى خباءٍ عظيم له فنزل، فدعا بالجفان4 ودعا من حوله، قلت: من هذا - قالوا: عَمرو بن معدي يكرب.
1 اليلامق: جمع يلمق، وهو البقاء.
2 الديباج: نوع من الحرير.
3 العلج: الجافي من الرجال.
4 الجفان: جمع جفنة، وهي القصعة الكبيرة.
وعن عُرْوَة: قُتِل يَوْمَئِذٍ النَّضْر بْن الحارث بْن علْقمة العبدري، وعبد الله بْن سُفْيَان بْن عبد الأسد المخزوميّ.
وَقَالَ ابن سعد: قُتِل يَوْمَئِذٍ نعيم بْن عبد الله النحام العدوي.
قلت: وقد ذُكِرَ.
وقيل: كان على مجنبة أبي عبيدة يومئذ قباث بْن أشيم الكنانّي اللَّيْثي.
ويقال: قُتِل يَوْمَئِذٍ عكرمة بْن أبي جهل، وعبد الرحمن بْن العوام، وعياش بْن أبي ربيعة، وعامر بْن أبي وقاص الزُّهْرِيّ.
وَقْعة القادسية 1:
كانت وقعة القادسية بالعراق في آخر السنة فيما بَلَغَنَا، وكان على النَّاس سعد بْن أبي وقاص، وعلى المشركين رُسْتُم ومعه الجالينوس، وذو الحاجب.
قَالَ أَبُو وائل: كان المسلمون مَا بين السبعة إلى الثمانية آلافًا. ورستم في ستين ألفًا، وقيل: كانوا أربعين ألفًا، وكان معهم سبعون فيلًا.
وذكر المدائني أنهم اقتتلوا قتالًا شديدًا ثلاثة أيام في آخر شوال، وقيل في رمضان، فقُتِل رُسْتُم وانهزموا، وقيل إنّ رُستم مات عَطَشًا، وتبعهم المسلمون فقُتِل جالينوس وذو الحاجب، وقتلوهم مَا بين الخرَّارة2 إلى السَّيْلحين إلى النجف، حتى ألجئوهم إلى المدائن، فحصروهم بها حتى أكلوا الكلاب، ثُمَّ خرجوا على حامية بعيالهم فساروا حتى نزلوا جلولاء.
قَالَ أَبُو وائل: اتّبعناهم إلى الفرات فهزمهم الله، واتّبعناهم إلى الصَّراة فهزمهم الله، فألجأناهم إلى المدائن.
وعن أبي وائل قَالَ: رأيتُني أعبر الخندق مَشْيًا على الرجال، قتل بعضهم بعضًا.
وعن حبيب بْن صهبان قَالَ: أصبْنا يَوْمَئِذٍ من آنية الذهب حتى جعل الرجل يَقُولُ: صفراء ببيضاء، يعني ذهبًا بفضة.
1 القادسية: موضع بالعراق.
2 الخرارة: موضع قريب من الكوفة.
وَقَالَ المدائني: ثُمَّ سار سعد من القادسية يتبعهم. فأتاه أهل الحيرة فقالوا: نحن على عهدنا. وأتاه بسطام فصالحه. وقطع سعدُ الفرات، فلقي جمعًا عليهم بَصْبَهرا؛ فقتله زُهرة بْن حويَّة، ثُمَّ لقوا جمعًا بكُوثا1 عليهم الفيْرُزان فهزموهم، ثُمَّ لقوا جمعًا كثيرًا بدير كعب عليهم الفَرُّخان فهزموهم، ثُمَّ سار سعد بالنّاس حتى نزلوا المدائن فافتتحها.
وأما محمد بْن جرير فإنه ذكر القادسية في سنة أربع عشرة، وذكر أن في سنة خمس عشرة مَصَّر سعد الكوفة؛ وإن فيها فرض عمر الفروض وَدَوَّنَ الدواوين، وأعطى العطاء على السابقة.
قَالَ: ولمّا فتح الله على المُسْلِمين غنائم رستم، وقدمت على عُمَر الفتوح من الشام والعراق جمع المُسْلِمين فَقَالَ: مَا يحلّ لِلْوَالِي من هذا المال؟ قالوا: أما لخاصَّته فقوتُهُ وَقُوتُ عياله لَا وَكْسَ2 ولا شَطَطَ3، وكسوته وكسوتهم، ودابتان لجهاده وحوائجه، وحمّالته إلى حجه وعمرته، والقسم بالسوية أن يعطى أهل البلاء على قدر بلائهم، ويرم أمور المسلمين ويعاهدهم.
وفي القوم عليّ رضي الله عنه ساكت، فَقَالَ: مَا تقول يا أبا الحسن؟ فَقَالَ: مَا أصْلَحَكَ وأصلَحَ عِيالك بالمعروف.
وقيل إنّ عُمَر قعد على رزق أبي بكر حتى أشتدّت حاجتُهُ، فأرادوا أن يزيدوه فأبى عليهم.
وكان عمّاله في هذه السنة: عَتّاب بْن أسيد، كذا قَالَ ابن جرير، وقد قدمنا موت عتاب، قَالَ: وعلى الطائف يَعْلَى بْن مُنية، وعلى الكوفة سعد، وعلى قضائها أَبُو وقرة. وعلى البصرة المُغِيرَة بْن شُعْبَة. وعلى اليمامة والبحرين عثمان بْن أبي العاص. وعلى عُمان حذيفة بن محصن. وعلى ثغور الشام أبو عبيدة بن الجراح.
1 كوثا: موضع بالعراق.
2 الوكس: النقص.
3 الشطط: مجاوزة الحد.
سنة ست عشرة:
قيل: كانت وقعة القادسية في أوّلها. وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ مائتان، وقيل: عشرون ومائة رجل.
فتح الأهواز والمدائن:
قَالَ خليفة: فيها فُتِحت الأهواز ثُمَّ كفروا، فحدّثني الوليد بْن هشام، عَنْ أبيه، عَنْ جدّه قَالَ: سار المُغِيرَة بْن شُعْبَة إلى الأهواز فصالحه الفيرزان على ألفي ألف درهم وثمانمائة ألف دِرهم، ثُمَّ غزاهم الأشعري بعده.
وَقَالَ الطبريُّ: فيها دخل المسلمون مدينة بَهُرَسِير وافتتحوا المدائن، فهرب منها يزدجرد بْن شَهْرَيار.
فلما نزل سعد بْن أبي وقاص بُهرَسِير -وهي المدينة التي فيها منزل كِسْرَى- طلب السُّفُنَ ليعبر بالنّاس إلى المدينة الْقُصْوَى، فلم يقدر على شيءٍ منها، وجدهم قد ضمُّوا السفن، فبقي أيّامًا حتى أتاه أعلاجٌ فدُّلوه على مخاضة، فأبى، ثُمَّ إنه عزم له أن يقتحم دِجلة، فاقتحمها المسلمون وهي زائدة ترمي بالزَّبَد، ففجِئ أهل فارس أمرٌ لم يكن لهم في حساب، فقاتلوا ساعةً ثمّ انهزموا وتركوا جُمهور أموالهم، واستولى المسلمون على ذلك كلّه، ثُمَّ أتوا إلى القصر الأبيض، وبه قوم قد تحصّنوا ثُمَّ صالحوا.
وقيل إنّ الفرس لمّا رأوا اقتحام المُسْلِمين الماء تحيَّروا وقالوا: واللِه مَا نقاتل الإنس ولا نقاتل الجن، فانهزموا.
ونزل سعد القصر الأبيض، واتّخذ الإيوان مُصَلَّى، وإنّ فيه لتماثيل جَصٍّ فما حرَّكها.
ولما انتهى إلى مكان كِسْرى أخذ يقرأ {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَزُرُوعٍ} 1 الآية.
قالوا: وأتمّ سعد الصلاة يومَ دخلها، وذلك أنَّه أراد المقام بها، وكانت أول جُمعة جُمِعت بالعراق، وذلك في صفر سنة ست عشرة.
1 سورة الدخان: 25، 26.
قال الطبري: قسم سعد الفيء بعدما خمسه، فأصاب الفارس اثنا عشر ألفًا، وكلّ الجيش كانوا فرسانًا.
وقسّم سعدٌ دور المدائن بين النَّاس وأُوطِنوها، وجمع سعدٌ الْخُمْسَ وأدخل فيه كل شيءٍ من ثياب كِسْرى وحُلِيِّه وسيفه. وَقَالَ للمُسْلِمين: هل لكم أن تطيب أنفُسُكم عَنْ أربعة أخماس هذا القِطْف فنبعثَ به إلى عُمَر، فيضعه حيث يرى ويقع من أهل المدينة موقعًا؟ قالوا: نعم، فبعثه على هيئته. وكان ستين ذراعًا في ستين ذراعا بساطًا واحدًا مقدار جَرِيب1. فيه طُرُق كالصُّورَ. وفصوص كالأنهار، وخلال ذلك كالدّرّ، وفي حافاته كالأرض المزروعة، والأرضُ كالمُبْقِلَة بالنبات في الربيع من الحرير على قصبات الذهب. ونوّاره بالذهب والفضة ونحوه. فقطّعه عُمَر وقسّمه بين النَّاس. فأصاب عليًّا قطعةٌ منه فباعها بعشرين ألفًا.
واستولى المسلمون في ثلاثة أعوامٍ على كرسيّ مملكة كِسْرى، وعلى كرسي مملكة قيصر، وعلي أُمَّيْ بلادهما. وغنم المسلمون غنائم لم يُسمع بمثلها قطّ من الذهب والجوهر والحرير والرقيق والمدائن والقصور. فسبحان الله العظيم الفتّاح.
وكان لكِسْرى وقيْصر ومن قبلهما من الملوك في دولتهم دهرٌ طويل، فأمّا الأكاسرة والفرس وهم المجوس فملكوا العراق والعجم نحوًا من خمسمائة سنة، فأوّل ملوكهم دارا، وطال عُمرُهُ فيقال إنّه بقي في المُلْك مائتي سنة، وعدّة ملوكهم خمسة وعشرون نفسًا، منهم امرأتان، وكان آخر القوم يزْدَجِرْد الَّذِي هلك في زمان عثمان، وممّن ملك منهم ذو الأكتاف سابور، هذا يملك الأرض، فوُضِع التّاجُ على بطن الأمّ، وكُتِب منه إلى الآفاق وهو بعد جنين، وهذا شيءٌ لم يُسْمع بمثله قطّ، وإنما لقب بذي الأكتاف لأنه ينزع أكتافَ مَن غضب عليه، وهو الَّذِي بنى الإيوان الأعظم وَبَنَى نَيْسَابُور وَبَنَى سَجِسْتان.
ومن متأخري ملوكهم أنوشروان، وكان حازمًا عاقلًا، كان له اثنا عشر ألف امرأةٍ وسريَّة، وخمسون ألف دابة، وألف فيل إلا واحدًا، ووُلد نبيُّنا صلى الله عليه وسلم في
1 الجريب: مكيال.
زمانه، ثم مات أنوشروان وقت مَوْت عبد المطلب، ولما استولى الصحابة على الإيوان أحرقوا ستره، فطلع منه ألف ألف مثقال ذهبًا.
وقعة جَلُولاء 1:
في هذه السنة قال الطبري ابن جرير الطبري: فقتل الله من الفرس مائة ألف، جَلَّلَت القتلى المجال وما بين يديه وما خلفه، فسُمِّيت جَلُولاء. وَقَالَ غيره: كانت في سنة سبع عشرة. وعن أبي وائل قَالَ: سمِّيت جلُولاء لِمَا تجلّلها من الشّرّ.
وَقَالَ سيف: كانت سنة سبع عشرة.
وَقَالَ خليفة بْن خيّاط: هربَ يزّدَجِرْد بْن كِسْرى من المدائن إلى حُلْوان، فكتب إلى الجبال، فجمع العساكر ووجههم إلى جَلُولاء، فاجتمع له جَمْعٌ عظيمٌ، عليهم خُرَّزاذ بْن خرهرمز، فكتب سعد إلى عُمَر يخبره، فكتب إليه: أَقِمْ مكانَك ووجِّه إليهم جيشًا، فإنّ الله ناصِرُك ومُتَمِّمٌ وعدّه، فعقد لابن أخيه هاشم بْن عُتْبة بْن أبي وقاص، فالتقوا، فجال المسلمون جولةً، ثُمَّ هزم الله المشركين، وقُتِل منهم مقتلةٌ عظيمةٌ، وحوى المسلمون عسكرهم وأصابوا أموالًا عظيمةً وسبايا، فبلغت الغنائم ثمانية عشر ألف ألف.
وجاء عَنِ الشَّعْبِيّ أن فَيْء جَلُولاء قُسِّم على ثلاثين ألف ألف.
وَقَالَ أَبُو وائل: سُمِّيت جَلُولاء "فتح الفتوح".
وَقَالَ ابن جرير: أقام هاشم بْن عُتْبة بجَلُولاء، وخرج القعقاع بْن عمرو في آثار القوم إلى خانقين، فقتل من أدرك منهم، وقُتِل مهران، وأفلت الفَيْرُزان، فلّما بلغ ذلك يَزْدَجرْدَ تقهقر إلى الري.
فتح تكريب:
وفيها جهز سعدًا جُنْدًا فافتتحوا تِكْريت واقتسموها، وخمَّسوا الغنائم، فأصاب الفارس منها ثلاثة آلاف درهم.
1 جلولاء: بلدة بالعراق على شاطئ دجلة.
فتح بيت المقدس:
وفيها سار عُمَر إلى الشام وافتتح بيت المقدس، وقدم إلى الجابية -وهي قَصَبة حَوْران- فخطب بها خطبةً مشهورةً متواتِرة عنه.
قَالَ زهير بن محمد المروزي: حدّثني عبد الله بْن مسلم بْن هُرْمُز أنّه سمع أبا الغادية المُزَني قَالَ: قدِم علينا عمر الجابية، وهو على جملٍ أوْرَقَ1، تَلُوحُ صَلْعَتُهُ للشمس، ليس عليه عمامة ولا قَلَنْسُوَة، بين عودين، وطاؤه فَرْوُ كَبْشٍ نَجْدِيّ، وهو فراشه إذا نزل، وحقيبته شَمْلَة أو نَمِرَةٌ مَحْشُوَّةٌ لِيفًا وهي وسادَتُهُ، عليه قميص قد انخرق بعضه ودسم جَيْبُه. رواه أَبُو إسماعيل المؤدب، عَنِ ابن هرمز فَقَالَ: عَنْ أبي العالية الشامي.
قِنَّسْرِين 2:
وفيها بعث أَبُو عبيدة عمرو بْن العاص -بعد فراغه من اليرموك- إلى قنسرين، فصالح أهل حلب ومنبج وأنطاكية على الجزية، وفتح سائر بلاد قنسرين عنوة.
وفيها افتتحت سروج3 والرها4 على يدي عياض بن غنم.
صلح إيلياء:
وفيها قَالَ ابن الكلبي: سار أَبُو عبيدة وعلى مقدمته خالد بن الوليد، فحاصره أهل إيلياء، فسألوه الصُّلْح على أن يكون عُمَر هو الَّذِي يعطيهم ذلك ويكتب لهم أمانًا، فكتب أَبُو عبيدة إلى عُمَر، فقدِم عُمَر إلى الأرض المقدسة فصالحهم وأقام أيّامًا ثم شخص إلى المدينة.
وقعة قرقيسياء:
وفيها كانت وقعة قَرْقِيسْياء، وحاصرها الحارث بْن يزيد العامري، وفتحت صلحًا.
1 أورق: يميل لونه إلى لون الرماد.
2 قنسرين: قرية تقع في سورية.
3 سروج: بلدة بالقرب من حران من ديار مضر.
4 الرها: مدينة بين الموصل والشام.
كتابة التاريخ:
سنة ست عشرة:
وفيها كُتِب التاريخ في شهر ربيع الأول، فعن ابن المسيب قَالَ: أوّل من كتب التاريخ عُمَر بْن الخطاب لسنتين ونصف من خلافته، فُكِتب لست عشرة من الهجرة بمشورة علي رضي الله عنه.
وفيها نُدِب لحرب أهل المَوْصِل رِبْعيّ بْن الأفكل.
سنة سبع عشرة:
يقال: كانت فيها وقعة جَلُولاء المذكورة.
وفيها خرج عُمَر إلى سَرغ1، واستخلف على المدينة زيد بْن ثابت، فوجد الطاعون بالشام، فرجع لمّا حدّثه عبد الرحمن بْن عوف عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي أمر الطاعون.
توسعة عمر للمسجد النبوي:
وفيها زاد عُمَر فِي مسجد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وعمله كما كان في زمان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
وفيها كَانَ القحط بالحجاز، وسمي عام الرَّمَادة، واستسقى عُمَر للناس بالعباس عم النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
وفيها كتب عُمَر إلى أبي موسى الأشعري بإمرة البّصْرة. وبأن يسير إلى كور الأهوازَ صلحًا وَعْنوةً، فوظَّف عُمَر عليها عشرة آلاف ألف درهم وأربعمائة ألف، وجهد زياد في إمرته أن يخلص العَنْوة من الصُّلح فما قدِر.
قَالَ خليفة: وفيها شهِدَ أَبُو بكرة، ونافع ابنا الحارث، وشبل بْن مَعَبد، وزياد على المُغيرة بالِّزنَى ثُمَّ نكل بعضهم، فعزله عُمَر عَنِ البصرة ووّلاها أبا موسى الأشعري.
وَقَالَ خليفة: ثنا رَيْحان بْن عصمة، ثنا عُمَر بْن مرزوق، عَنْ أبي فَرْقَد قَالَ: كنّا مع أبي موسى الأشعر بالأهواز وعلى خيله تجافيف2 الديباج.
1 سرغ: أول الحجاز وآخر الشام.
2 تجافيف: جمع تجفاف: وهي آلة حربية للفرس كالدرع للإنسان.
وفيها تزوج عُمَر بأم كلثوم بنت فاطمة الزهراء، وأصدقها أربعين ألف درهم فيما قيل.
سنة ثَماني عَشرة:
فيها قَالَ ابن إسحاق: استسقى عمر للناس وخرج ومعه العباس فَقَالَ: "اللَّهُمَّ إنّا نستسقيك بعم نبيِّك"1.
وفيها افتتح أبو موسى جند يسابور2 والسُّوس3 صُلْحًا، ثُمَّ رجع إلى الأهواز.
وفيها وجه سعد بْن أبي وقاص جرير بْن عبد الله البجلي إلى حلوان بعد جلولاء، فافتتحها عنوةً.
ويقال: بل وجَّه هاشم بْن عُتْبَة، ثُمَّ انتقضوا حتى ساروا إلى نهاوند، ثم سار هاشم إلى ماء4 فأجلاهم إلى أَذْرَبِيجَان، ثُمَّ صالحوا.
ويقال: فيها افتتح أَبُو موسى رامَهُرْمُز5، ثُمَّ سار إلى تُسْتَر6 فنازلها.
وَقَالَ أَبُو عبيدة بْن المثني: فيها حاصر هرِم بْن حيَّان أهل دَسْتَ هرّ، فرأى ملكُهُم امرأةً تأكل ولَدَها من الجوع فَقَالَ: الآن أُصالح العرب، فصالح هرِمًا على أن يُخْلِيَ لهم المدينة.
وفيها نزل النَّاس الكوفة، وبناها سعد باللبن، وكانوا بنوها بالقصب فوقع بها حريق هائل.
وفيها كان طاعون عمواس بناحية الأردن، فاسْتُشْهِدَ فيه خلقٌ من المُسْلِمين. ويقال إنه لم يقع بمكة ولا بالمدينة طاعون.
1 صحيح دون تحديد التاريخ: أخرجه البخاري "1010" في كتاب الاستسقاء، باب: سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا، والطبراني في "الأوسط""2437" من حديث أنس.
2 جند يسابور: مدينة في إيران.
3 السوس: بلدة بخورستان.
4 ماه: هي مدينة نهاوند.
5 رامهرمز: مدينة بنواحي خوزستان منها سلمان الفارسي رضي الله عنه.
6 تستر: مدينة تقع في غربي إيران.
وفيها افتتح أَبُو موسى الرُّها وسُمَيْساط1 عَنْوةً.
وفي أوائلها2 وجه أَبُو عبيدة بْن الجراح عياض بْن غنم الفهري إلى الجزيرة، فوافق أبا موسى قد قدم من البصرة، فمضيا فافتتحا حَرَّان ونصيبين وطائفة من الجزيرة عَنْوةً، وقيل صُلْحًا.
وفيها سار عياض بْن غنم إلى الموصل فافتتحها ونواحيها عَنْوةً.
وفيها بنى سعد جامع الكوفة.
سَنَة تِسْع عَشِرة:
قَالَ خليفة: فيها فُتِحت قيسارية3، وأمير العسكر معاوية بْن أبي سُفْيَان وسعد بْن عامر بْن حذيم، كلٌّ أميرٌ على جُنده، فهزم الله المشركين وقُتِل منهم مقتلة عظيمة، ورَّخَها ابن الكلبي.
وأما ابن إسحاق فَقَالَ: سنة عشرين.
وفيها كانت وقعة صُهاب -بأرض فارس- في ذي الحجة. وعلى المُسْلِمين الحَكَم بْن أبي العاص، فقُتِل شَهْرَك مُقَدَّم المشركين.
قَالَ خليفة: وفيها أسرت الروم عبد الله بْن حُذافة السَّهْميّ.
وقيل: فيها فُتِحَت تكريت4.
ويقال: فيها كانت جولاء وهي وقعة أخرى كانت بالعجم أو بفارس.
وفيها وجه عُمَر عثمان بْن أبي العاص إلى أرمينية الرابعة، فكان عندها شيء من قتال.
سنة عشرين:
فيها فتحت مصر.
1 سميساط: مدينة على شاطئ الفرات.
2 أي هذه السنة، وهي سنة "18 هـ".
3 قيسارية: بلدة بفلسطين.
4 تكريت: بلدة بين بغداد والموصل.
روى خليفة -عَنْ غير واحد- وغيره أنّ فيها كتب عُمَر إلى عمرو بْن العاص أن يسير إلى مصر، فسار وبعث عُمَر الزُّبَيْر بْن العَوَّام مددًا له، ومعه بسر بْن أرطأة، وعُمَير بْن وهب الجمحي، وخارجة بْن حذافة العدوي، حتى أتى باب أليون1 فتحصنوا، فافتتحها عَنْوةً وصالحه أهل الحصن، وكان الزُّبَيْر أول من ارتقى سور المدينة ثُمَّ تبعه النَّاس، فكلم الزُّبَيْر عمرًا أن يقسمها بين من افتتحها، فكتب عمرو إلى عُمَر، فكتب عُمَر: أكلةٌ، وأكلاتٌ خيرٌ من أكلة، أقِرُّوها.
وعن عمرو بْن العاص أنه قَالَ على المنبر: لقد قعدت مقعدي هذا وما لأحدٍ من قبط مصر عليّ عهد ولا عقد، وإن شئت قتلت، وإن شئت بعت، وإن شئت خمَّسْت إلا أهل انطابلس فإن لهم عهدًا نفي به.
وعن علي بْن رباح قَالَ: المغرب كله عنوة.
وعن عُمَر قَالَ: افتُتحت مصرُ بغير عهدٍ. وكذا قال جماعة.
وَقَالَ يزيد بْن أبي حبيب: مصر كلها صلح إلا الإسكندرية.
غزو تُسْتَر:
قَالَ الوليد بْن هشام القَحْذَميّ، عَنْ أبيه وعمه أن أبا موسى لما فرغ من الأهواز، ونهر تيرى، وجند يسابور، ورامَهُرْمُز، تَوَجَّه إلى تُسْتَر، فنزل باب الشرقي، وكتب يستمد عُمَر، فكتب إلى عمار بْن ياسر أن أَمِدَّه، فكتب إلى جرير وهو بحُلوان أن سرْ إلى أبي موسى، فسار في ألفٍ فأقاموا أشهرًا، ثُمَّ كتب أَبُو موسى إلى عمر: إنهم لم يغنوا سيئًا. فكتب عُمَر إلى عمار أن سر بنفسك، وأمده عُمَر من المدينة.
وعن عبد الرحمن بْن أبي بكرة قَالَ: أقاموا سنة أو نحوها، فجاء رجل من تُسْتَر وَقَالَ لأبي موسى: أسألك أن تحقن دمي وأهل بيتي ومالي، على أن أدُلَّكَ على المدخل، فأعطاه، قال: فأبلغني إنسانًا سابحًا ذا عقلٍ يأتيك بأمر بيِّنٍ، فأرسل معه مجزأة بن ثور السدوسي، فأدخل من مدخل الماء ينبطح على بطنه أحيانًا ويحبو حتى دخل المدينة وعرف طرقها، وأراه الْعِلْجُ الهُرْمُزَان صاحبها، فهم بقتله
1 أليون: قرية بمصر.
ثُمَّ ذكر قول أبي موسى: "لَا تسبقني بأمر" ورجع إلى أبي موسى، ثُمَّ إنه دخل بخمسةٍ وثلاثين رجلًا كأنهم البط يسبحون، وطلعوا إلى السُّور وكبروا، واقتتلوا هم ومن عندهم على السُّور، فقُتِلَ مجْزَأة. وفتح أولئك البلد، فتحصن الهُرْمُزان في بُرْج.
وَقَالَ قتادة، عَنْ أَنْس: لم نُصَلِّ يَوْمَئِذٍ الغداة حتى انتصف النهارُ فما يسُرُّني بتلك الصلاة الدنيا كلها.
وَقَالَ ابن سيرين: قُتِلَ يَوْمَئِذٍ البراء بْن مالك.
وقيل: أول من دخل تُسْتَر عبد الله بْن مغفل المازني.
وعن الحسن قَالَ: حُوصرت تُسْتَر سنتين.
وعن الشَّعْبِيّ قَالَ: حاصرهم أَبُو موسى ثمانية عشر شهرًا، ثُمَّ نزل الهُرْمُزان على حُكم عُمَر، فَقَالَ حُمَيْد، عَنْ أَنْس: نزل الهُرْمُزان على حُكم عُمَر.
فلما انتهينا إليه -يعني إلى عُمَر بالهُرْمُزان- قَالَ: تكلّم، قَالَ: كلام حيّ أو كلام ميِّت؟ قَالَ: تكلم فلا بأس، قَالَ: إنا وإياكم معشر العرب مَا خلّى الله بيننا وبينكم، كنا نغضبكم ونقتلكم ونفعل، فما كان الله معكم لم يكن لنا بكم يدان، قَالَ: يا أَنْس مَا تقول؟ قلت: يا أمير المؤمنين تركت بعدي عددًا كثيرًا وشوكة شديدة، فإن تقتُلْهُ ييأس القوم من الحياة ويكون أشد لشوكتهم، قَالَ: فأنا أستحيي قاتل البراء ومجزأة بْن ثور! فلمّا أحسست بقتله قلت: ليس إلى قتله سبيل، قد قلت له: تكلم فلا بأس، قَالَ: لَتَأْتينّي بمن يشهد به غيرك، فلقيت الزُّبَيْر فشهد معي، فأمسك عنه عُمَر، وأسلم الهُرْمزان، وفرض له عُمَر، وأقام بالمدينة.
وفيها هلك هرقل عظيم الروم، وهو الَّذِي كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، وقام بعده ابنُه يُسْطَنْطِين.
وفيها قسَّم عُمَر خيبر وأجلى عنها اليهود، وقسّم وادي القُرى، وأجلى يهود نجران إلى الكوفة. قال محمد بن جرير الطبري.
سَنَة إحدَى وَعشرْين:
فيها فتح عَمْرو بْن العاص الإسكندرية، وقد مرّت.
وفيها شكا أهلُ الكوفة سعدَ بْنَ أبي وقّاص وتعنَّتُوه، فصرفه عُمَر ووّلَى عمار بْن ياسر على الصلاة، وابن مسعود على بيت المال، وعثمان بْن حُنَيف على مساحة أرض السّواد.
وفيها سار عثمان بْن أبي العاص فنزل تَوَّج ومَصَّرَها.
وبعث سوار بْن المثني العبدي إلى سابور، فاسْتُشْهِدَ، فأغار عثمان بْن أبي العاص على سيف البحر والسّواحل، وبعث الجارود بْن المعلي فقُتِل الجارود أيضًا.
عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ الْقُتْبَانِيِّ، وَعَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّ عَمْرًا سَارَ مِنْ فِلَسْطِينَ بِالْجَيْشِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ عُمَرَ إِلَى مِصْرَ فَافْتَتَحَهَا، فَعَتَبَ عُمَرُ عَلَيْهِ إِذْ لم يعلمه، فكتب يستأذن عمر بمناهظة أَهْلِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَسَارَ عَمْرٌو فِي سَنَةِ إِحْدًى وعشرين، وخلف على الفسطاط خارجة ببن حُذَافَةَ الْعَدَوِيَّ، فَالْتَقَى الْقِبْطَ فَهَزَمَهُمْ بَعْدَ قِتَالٍ شديد، ثم التقاهم عند الكربون1 فَقَاتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، ثُمَّ انْتَهَى إِلَى الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْمُقَوْقِسُ يَطْلُبُ الصُّلْحَ وَالْهُدْنَةَ مِنْهُ، فَأَبَى عَلَيْهِ، ثُمَّ جَدَّ فِي الْقِتَالِ حَتَّى دَخَلَهَا بِالسَّيْفِ، وَغَنِمَ مَا فِيهَا مِنَ الرُّومِ، وَجَعَلَ فِيهَا عَسْكَرًا عَلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ، وَبَعَثَ إِلَى عُمَرَ بِالْفَتْحِ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ قُسْطَنْطِينَ بْنَ هِرَقْلَ فَبَعَثَ خصيًّا لَهُ يُقَالُ لَهُ منْوِيل فِي ثَلاثِمِائَةِ مَرْكَبٍ حَتَّى دخلوا الإسكندرية، فقتلوا بها الْمُسْلِمِينَ وَنَجَا مَنْ هَرَبَ، وَنَقَضَ أَهْلُهَا، فَزَحَفَ إِلَيْهَا عَمْرٌو فِي خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَنَصَبَ عَلَيْهَا الْمَجَانِيقَ، وَجَدَّ فِي الْقِتَالِ حَتَّى فَتَحَهَا عَنْوَةً، وَخَرَّبَ جُدُرَهَا، رُؤِيَ عَمْرٌو يُخَرِّبُ بِيَدِهِ. رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ.
نهَاوَنْد 2:
وَقَالَ النَّهَّاسُ بْنُ قَهْمٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَوْفٍ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ الأَقْرَعِ قَالَ: زَحْفٌ لِلْمُسْلِمِينَ زَحْفٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُ قَطُّ، رَجَفَ لَهُ أَهْلُ مَاه وأهل أصبهان وأهل خمذان وَالرَّيِّ وَقَوْمَس وَنَهَاوَنْد وَأَذَرْبِيجَان، قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ عمر
1 الكربون: موضع قرب الإسكندرية.
2 نهاوند: مدينة بإيران.
فَشَاوَرَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: أنت أفضلنا وَأَعْلَمُنَا بِأَهْلِكَ. فَقَالَ: لأَسْتَعْمِلَنَّ عَلَى النَّاسِ رَجُلًا يَكُونُ لأَوَّلِ أَسِنَّةٍ يَلْقَاهَا، يَا سَائِبُ اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا إِلَى النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ، فَلْيَسِرْ بِثُلُثَيْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَلْيَبْعَثْ إِلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَأَنْتَ عَلَى مَا أَصَابُوا مِنْ غَنِيمَةٍ، فَإِنْ قُتِلَ النُّعْمَانُ فَحُذَيْفَةُ الأَمِيرُ، فَإِنْ قُتِلَ حُذَيْفَةُ فَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنْ قُتِلَ ذَلِكَ الْجَيْشُ فَلا أَرَاكَ.
وروى علقمة بْن عبد الله المُزَنيّ، عَنْ معقِل بْن يسار أن عُمَر شاور الهُرْمُزان في أصبهان وفارس وأذربيجان بأيَّتِهنّ يبدأ، فَقَالَ: يا أمير المؤمنين أصبهان الرأس، وفارس وأذربيجان الجناحان، فإن قطعت الرأس وقع الجناحان، فدخل عُمَر المسجد فوجد النُّعْمَان بْن مُقَرِّن يصلّي فسَرَّحه وسرَّح معه الزُّبَيْر بْن العَوَّام، وحُذَيْفَة بْن اليمان، والمغيرة بن شعبة، وعمرو بْن مَعْدِ يكرب، والأشعث بْن قيس، وعبد الله بْن عُمَر، فسار حتى أتى نَهَاوَنْد، فذكر الحديث إلى أن قَالَ النُّعْمَان لمّا التقى الجمعان: إنْ قُتِلْتُ فلا يُلْوِي عليّ أحدٌ، وإني داعٍ بدعوةٍ فأَمِّنُوا. ثُمَّ دعا: اللَّهُمَّ ارزقني الشهادة بنصر المُسْلِمين والفتح عليهم، فأمَّن القوم وحملوا فكان النُّعْمَان أول صريع.
وروى خليفة بإسنادٍ قَالَ: التقوا بنَهاوَنْد يوم الأربعاء فانكشفت مجنبة المسلمين شيئًا، ثُمَّ التقوا يوم الخميس فثبتت الَمْيمنة وانكشف أهلُ المَيْسَرة، ثُمَّ التقوا يوم الجمعة فأقبل النُّعْمَان يخطُبُهم ويحُضُّهم على الحملة ففتح الله عليهم.
وَقَالَ زياد الأعجم: قدِم علينا أَبُو موسى بكتاب عُمَر إلى عثمان بْن أبي العاص: أمّا بعدُ، فإنّي قد أمْدَدْتُك بأبي موسى، وأنت الأمير فتطاوَعَا والسّلام. فلمّا طال حصار إصْطَخْر1 بعث عثمان بْن أبي العاص عدّة أمراء فأغاروا على الرَّساتيق.
وَقَالَ ابن جرير في وقعة نَهَاوَنْد: لمّا انتهى النُّعْمَان إلى نهاوند في جيشه طرحوا له حَسَك الحديد، فبعث عيونًا فساروا لَا يعلمون بالحَسَكَ، فزجر بعضُهم فَرَسَه وقد دخل في حافره حَسَكةٌ، فلم يبرح، فنزل فإذا الحَسَك، فأقبل بها، وأخبر النُّعْمَان، فَقَالَ النُّعْمَان: مَا ترون؟ فقالوا: تقهقر حتى يروا أنك هارب
1 إصطخر: مدينة في جنوب غربي إيران.
فيخرجوا في طلبك، فتأخر النُّعْمَان، وكَنَسَت الأعاجم الحسك وخرجوا في طلبه فعطف عليهم النُّعْمَان وعبّأ كتائبه وخطب النَّاس وَقَالَ: إنْ أُصِبْتُ فعليكم حُذيفة، فإن أصيب فعليكم جرير البجلي، وإن أصيب فعليكم قيس بْن مكشوح، فوجد المُغِيرَة في نفسه إذ لم يستخلفه، قَالَ: وخرجت الأعاجم وقد شدُّوا أنفُسَهم في السلاسل لئلَّا يفرُّوا، وحمل عليهم المسلمون، فرُمي النُّعْمَان بسهمٍ فقُتِل، ولفَّه أخوه سويد بْن مقرن في ثوبه وكتم قتله حتى فتح الله تعالى عليهم، ودفع الراية إلى حُذَيْفَة.
وَقَتَل اللَّهُ ذا الحاجب يعني مقدِّمَهم، وافتُتِحت نهاوند، ولم يكن للأعاجم بعد ذلك جماعة.
وبعث عُمَر السَّائب بْن الأقرع مولى ثقيف -وكان كاتبًا حاسبًا- فَقَالَ: إنْ فتح اللَّهَ على الناس فاقسم عليم فَيْئَهم واعْزِلِ الْخُمْسَ. قَالَ السائب: فإني لأقْسِم بين الناس إذ جائني أعجميٌ فَقَالَ: أتُؤَمِّنَني على نفسي وأهلي على أن أدلك على كنز يزْدَجِرد يكون لك ولصاحبك? قلت: نعم، وبعثت معه رجلًا، فأتى بسَفَطَيْن عظيمين ليس فيهما إلا الدُّر والزَّبرجد واليواقيت، قَالَ: فاحتملتُهما معي، وقدِمْتُ على عُمَر بهما، فَقَالَ: أَدْخِلْهُما بيت المال، ففعلت ورجعت إلى الكوفة سريعًا، فما أدركني رسولُ عُمَر إلَّا بالكوفة، أناخ بعيره على عُرْقُوبَيْ بَعِيري فَقَالَ: الْحَقْ بأمير المؤمنين، فرجعت حتى أتيته، فقال: ما لي ولابن أمّ السائب، وما لابن أمّ السائب وما لي، قلت: وما ذاك؟ قال: والله ما هو إلا نمت، فباتتْ ملائكةٌ تسحبني إلى ذَيْنِك السَّفَطَيْن يشتعلان نارًا يقولون:"لَنَكْوِيَنَّك بهما"، فأقول:"إني سأقسِمُهما بين المُسْلِمين"، فخذهما عني لا أبا لك فالْحَقْ بهما فبِعْهُما في أُعْطية المُسْلِمين وأرزاقهم، قَالَ: فخرجتُ بهما حتى وضعتهما في مسجد الكوفة، وغَشِيني التُّجَّار، فابتاعهما منّي عمرو بْن حُريث بألفي ألف درهم، ثُمَّ خرج بهما إلى أرض العجم فباعهما بأربعة آلاف ألف، فما زال أكثر أهلِ الكوفة مالًا.
وفيها سار عمرو بْن العاص إلى برقة فافتتحها، وصالهم على ثلاثة عشر ألف دينار.
وفيها صالح أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس على أنطاكية وقلقية، وغير ذلك.
سَنَة اثنتَيْن وَعِشرْين:
فيها فتحت أَذْرَبِيجَان على يد المُغِيرَة بْن شُعْبَة. قاله ابن إسحاق، فيقال إنه صالحهم على ثمانمائة ألف درهم.
وَقَالَ أَبُو عبيدة: افتتحها حبيب بْن مسْلَمَة الفهرِي بأهل الشام عَنْوةً ومعه أهل الكوفة، وفيهم حُذَيْفَة، فافتتحها بعد قتال شديد. فالله تعالى أعلم.
وفيها غزا حُذَيْفَة مدينة الدِّينور عَنْوةً، وقد كانت فُتِحت لسعد ثم انتقضت.
ثم غزا حذيفة ماسبذان فافتتحها عَنْوةً، على خُلْف في ماه، وقيل: افتتحها سعد فانتقضوا.
وَقَالَ طارق بْن شهاب: غزا أهلُ البصرة ماه فأمدهم أهلُ الكوفة، عليهم عمار بْن ياسر، فأرادوا أن يُشْرَكوا في الغنائم، فأبى أهل البصرة، ثُمَّ كتب إليهم عُمَر: الغنيمة لمن شهِد الوقعة.
وَقَالَ أَبُو عبيدة: ثُمَّ غزا حُذَيْفَة همذان، فافتتحها عَنْوةً ولم تكن فُتِحَت. وإليها انتهى فتوح حُذَيْفَة، وكل هذا في سنة اثنتين وعشرين.
قَالَ: ويقال همذان افتتحها المُغِيرَة بْن شُعْبَة سنة أربعٍ وعشرين، ويقال: افتتحها جرير بْن عبد الله بأمر المُغِيرَة.
وَقَالَ خليفة بْن خياط: فيها افتتح عمرو بْن العاص أطرابُلُسَ المغرب، ويقال في السنة التي بعدها.
وفيها عُزل عمار عَنِ الكوفة، وفيها افتُتِحت جُرْجان، وفيها فتح سويد بْن مقرن الرّيّ، ثُمَّ عسكر وسار إلى قومس فافتتحها.
ووُلِد فيها يزيد بْن معاوية.
وَقَالَ محمد بْن جرير: إن عُمَر أقر على "فرج الباب" عبد الرحمن بْن ربيعة الباهلي وأمره بغزو التُّرْك، فسار بالنّاس حتى قطع الباب، فقال له شهريران: ما ترد أن تصنع؟ قَالَ: أُناجزهم في ديارهم، وبالله إن معي لأقوامًا لو يأذن لنا أميرنا في الإمعان لَبَلَغْت بهم السّدّ.
ولما دخل عبد الرحمن على التُّرك حال الله بينهم وبين الخروج عليه وقالوا: مَا اجترأ على هذا الأمر إلا ومعهم الملائكة تمنعهم من الموت، ثم هروا وتحصنوا، فرجع بالظفر والغنيمة، ثُمَّ إنه غزاهم مرتين في خلافة عثمان فيَسْلَم ويَغْنَم، ثُمَّ قاتلهم فاستُشْهد -أعني عبد الرحمن بْن ربيعة- فأخذ أخوه سلمان بْن ربيعة الراية، وتحيز بالنّاس، قَالَ: فَهُم -يعني التُّرْك- يستسقون بجسد عبد الرحمن حتى الآن.
خبر السند:
الْوَلِيدُ: ثنا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنِي رَجُلانِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ الثَّقَفِيِّ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ السَّدَّ، قَالَ: كَيْفَ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: رَأَيْتُهُ كَالْبُرْدِ الْمُحَبَّرِ1. رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ مُرْسَلًا، وَزَادَ: طَرِيقَةٌ سَوْدَاءُ وَطَرِيقَةٌ حَمْرَاءُ، قَالَ: قَدْ رَأَيْتَهُ. قُلْتُ: يُرِيدُ حُمْرَةَ النُّحَاسِ وَسَوَادَ الْحَدِيدِ.
سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَرْوِي ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ يَحْفِرُونَهُ كُلَّ يَوْمٍ، حَتَّى إِذَا كَادُوا أَنْ يَرَوْا شُعَاعَ الشَّمْسِ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمُ: ارْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غَدًا، فَيُعِيدُهُ اللَّهُ كَأَشَدِّ مَا كَانَ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ مُدَّتُهُمْ حَفَرُوا، حَتَّى إِذَا كَادُوا أَنْ يَرَوُا الشَّمْسَ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمُ: ارْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ غَدًا، فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ تَرَكُوهُ فَيَحْفِرُونَهُ، فَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ، وَيَتَحَصَّنُ النَّاسُ مِنْهُمْ فِي حُصُونِهِمْ، فَيَرْمُونَ بِسِهَامِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ فَتَرْجِعُ فِيهَا كَهَيْئَةِ الدِّمَاءِ، فَيَقُولُونَ: قَهَرْنَا أَهْلَ الأَرْضِ وَعَلَوْنَا أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ نَغَفًا 2 فَيَقْتُلُهُمْ بها"3.
1 إسناده ضعيف: للجهالة فيه، وسعيد بن بشير فيه ضعف، وقد علقه البخاري كما في "الفتح""6/ 440"، وعزاه الحافظ ابن حجر في "الفتح""6/ 445" للطبراني، وقال الحافظ ابن كثير في "البداية""2/ 14" لم أره مسندا من وجه متصل أرتضيه.
2 النغف: نوع من الدود.
3 صحيح: أخرجه الترمذي "3164" في كتاب التفسير، باب: ومن سورة الكهف، وابن ماجه "4080" في كتاب الفتن، باب: فتنة الدجال، وأحمد "2/ 510، 511"، وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" "3/ 105": إسناده جيد قوي، ولكن متنه في رفعه نكارة -إلى أن قال- ولعل أبا هريرة تلقاه من كعب.
وقال الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه""3298": صحيح.
وذكر ابن جرير في تاريخه من حديث عَمرو بْن معد يكرب عَنْ مطر بْن ثلج التميمي قَالَ: دخلت على عبد الرحمن بْن ربيعة بالباب وشهريران عنده، فأقبل رجل عليه شَحَوبة حتى دخل على عبد الرحمن فجلس إلى شهريران، وكان على مطر قباء برد يمني أرضه حمراء ووشيه أسود. فتسائلا، ثم إنّ شهريران قَالَ: أيها الأمير أتدري من أين جاء هذا الرجل؟ هذا رجل بعثُته نحو السّدّ منذ سنتين ينظر مَا حاله ومن دونه، وزوَّدْتُه مالًا عظيمًا، وكتبت له إلى مَن يليني وأهديت له، وسألته أن يكتب له إلى ما وراءه، وزوَّدْتُه لكل مَلِك هدية، ففعل ذلك بكل ملكٍ بينه وبينه، حتى انتهى إلى الملك الَّذِي السّدّ في ظهره، فكتب له إلى عامله على ذلك البلد فأتاه، فبعث معه بازيلره ومعه عُقابه وأعطاه حريرة، قَالَ: فلمّا انتهينا إذا جبلان، بينهما سد مسدود حتى ارتفع على الجبلين، وإن دون السُّدّ خندقًا أشدّ سوادًا من الليل لبعده، فنظرت إلى ذلك كله وتفرست فيه، ثُمَّ ذهبت لأنصرف، فَقَالَ لي البازيار على رِسلك أُكافِئك إنه لَا يلي ملِك بعد ملِكٍ إلا تقرب إلى الله بأفضل مَا عنده من الدنيا فيرمي به هذا اللهب، قَالَ: فشرّح بضعة لحمٍ معه وألقاها في ذلك الهواء، وانقضَّتْ عليها العقاب، وقال: إنْ أدركتها قبل أن تقع فلا شيء، فخرج عليه العُقاب باللحم في مخاليبه، فإذا قد لصق فيه ياقوتَةٌ فأعطانيها وها هي ذِه، فتناولها شهريران فرآها حمراء، فتناولها عبد الرحمن ثُمَّ ردّها، فَقَالَ شهريران: إنّ هذه لخيرٌ من هذا -يعني الباب- وأيْمُ اللَّهِ لأنتم أحبّ إلي ملكةً من آل كِسْرى، ولو كنت في سلطانهم ثُمَّ بلغهم خبرها لانتزعوها منيّ، وَايْمُ اللَّهِ لَا يقوم لكم شيء ما وفيتم أوفى مَلِكُكُم الأكبر.
فأقبل عبد الرحمن على الرسول وَقَالَ: مَا حال السّدّ وما شبهه؟ فَقَالَ: مثل هذا الثوب الَّذِي على مطر، فَقَالَ مطر: صَدَقَ واللِه الرجلُ لقد بَعَّد ورأى ووصف صفة الحديد والصُّفْر.
فَقَالَ عبد الرحمن لشهريران: كم كانت قيمة هاتيك؟ قَالَ: مائة ألف في بلادي هذه، وثلاثة آلاف ألف في تلك البلدان.
وحدث الترجمان قَالَ: لمّا رأى الواثق بالله كأن السد الذي بناه ذو القَرْنَيْن قد فُتِح وجَّهني وَقَالَ لي: عاينْه وجئني بخبره، وضمّ إليَّ خمسين رجلًا، وزوّدنا، وأعطانا مائتي بغلٍ تحمل الزاد، فشخِصْنا من سامرّا بكتابه إلى إسحاق
وهو بتفْلِيس، فكتب لنا إسحاق إلى صاحب السرير، وكتب لنا صاحب السرير إلى ملك الّلان، وكتب لنا ملك الّلان إلى فيلانشاه، وكتب لنا ملك الخَزَر، فوجَّه معنا خمسة أدلَّاء، فسرنا من عنده ستةً وعشرين يومًا، ثُمَّ صرنا إلى أرض سوداء منتنة، فكنا نشتم الخل، فسرنا فيها عشرة أيام، ثُمَّ صرنا إلى مدائن خرابٍ ليس فيها أحد، فسرنا فيها سبعةً وعشرين يومًا، فسألْنا الأدِلّاء عَنْ تلك المدن فقالوا: هي التي كان يأجوج ومأجوج يطرقونها فأخربوها. ثُمَّ صرنا إلى حصونٍ عند السّدّ بها قوم يتكلمون بالعربية والفارسية، مسلمون يقرءون القرآن، لهم مساجد وكتاتيب، فسألونا، فَقَالَ: نحن رُسُل أمير المؤمنين، فأقبلوا يتعجبون ويقولون: أمير المؤمنين! فتقول: نعم، فقالوا: شيخٌ هو أم شاب -قلنا: شاب، فقالوا: أين يكون- فقلنا: بالعراق بمدينة يقال لها سُرَّ مَن رأى، فقالوا: مَا سمعنا بهذا قط.
ثُمَّ صرنا إلى جبلٍ أملس ليس عليه خضراء، وإذا جبل مقطوع بوادٍ عرضه مائة ذراع، فرأينا عضادَتَيْن مبنيَّتَيْن ممّا يلي الجبل من جنبتي الوادي عرض كل عضادة خمسة وعشرون ذراعًا، الظاهر من تحتها عشرة أذرُع خارج الباب، وكله بناء بلبن من حديد في نُحاس في سَمْك خمسين ذراعًا، قد ركب على العضادتين على كل واحدة بمقدار عشرة أذرُع في عرض خمسة، وفوق الدروَنْد بناء بذلك اللَّبن الحديد إلى رأس الجبل، وارتفاعه مدُّ البصر، وفوق ذلك شُرَف حديدٍ لها قرنان يَلِجُ كلُّ واحدٍ منهما إلى صاحبه، وإذا باب حديدٍ له مِصْراعان مغلقان عرضهما مائة ذراع في طول مائة ذراع في ثخانة خمسة أذرع. وعليه قُفْلٌ طوله سبعة أذْرُع في غِلَظ باع، وفوقه بنحو قامتين غلْقٌ طوله أكثر من طول القُفْلِ، وقفيزاه كلّ واحدٍ منهما ذراعان، وعلى الغلْق مفتاح معلَّق طوله ذراع ونصف، في سلسلةٍ طولها ثمانية أذرُع، وهي في حلقة كحلقة المنجنيق.
ورئيس تلك الحصون يركب كلّ جمعة في عشرة فوارس، مع كلّ فارس مِرْزبَّةٌ من حديد فيضربون الْقُفْلَ بتلك المرَازِب ثلاث ضربات، يسمع من وراء الباب الضرب فيعلمون أن هناك حفظة، ويعلم هؤلاء أنّ أولئك لم يُحْدِثُوا في الباب حدثًا، وإذا ضربوا القفل وضعوا آذانهم يستمعون، فيسمعوا دويًّا كالرعد.
وبالقرب من هذا الموضع حصن كبير، ومع الباب حصنان يكون مقدار كل واحدٍ منهما مائتي ذراع، في مائتي ذراع، وعلى باب كلّ حصن شجرة، وبين الحصنين عين عذبة، وفي أحد الحصنين آله بناء السّدّ من قُدُور ومَغارف وفضْلة الّلبن قد التصق بعضُه ببعضٍ من الصَّدأ، وطول الَّلبنة ذراع ونصف في مثله في سمْك شِبْر. فسألنا أهل الموضع هل رأوا أحدًا من يأجوج ومأجوج، فذكروا أنّهم رأوا مرَّةً أعدادًا منهم فوق الشُرَف، فهبّت ريح سوداء فألقتهم إلى جانبهم، وكان مقدار الرجل منهم شبرًا ونصف، فلمّا انصرفنا أخذ بنا الأدِلَّاء، إلى ناحية خُراسان، فسِرنا إليها حتى خرجنا خلف سَمَرْقَنْد بتسعة فراسخ، وكان أصحاب الحصون زوَّدونا مَا كفانا.
ثُمَّ صرنا إلى عبد الله بْن طاهر. قَالَ سلام التِّرْجُمان: فأخبرتُهُ خَبَرَنا، فوصلني بمائة ألف دِرْهم، ووصل كلَّ رجلٍ معي بخمسمائة درهم، ووصلنا إلى سُرَّ من رأى بعد خروجنا منها بثمانية وعشرين شهرًا. قَالَ مصنّف كتاب "المسالك والممالك": هكذا أملى عليَّ سلام التِّرْجُمان.
سَنَة ثَلَاث وَعشِرْين:
فيها: بينما عُمَر رضي الله عنه يخطب إذ قَالَ: يا ساريةُ الجبلَ، وكان عُمَر قد بعث سارية بْن زُنيم الدّئليّ إلى فَسَا ودارا بَجِرد فحاصرهم، ثمّ إنّهم تداعوا وجاءوه من كل ناحية والتقوا بمكان، وكان إلى جهة المسلمين جبل لو استندوا إليه لم يُؤتوا إلا من وجه واحد، فلجئوا إلى الجبل، ثُمَّ قاتلوهم فهزموهم. وأصاب سارية الغنائم فكان منها فسط جوهر، فبعث به إلى عُمَر فردّه وأمره أن يقسّمه بين المُسْلِمين، وسأل النَّجّاب أهل المدينة عَنِ الفتح وهل سمعوا شيئًا، فَقَالَ: نعم "يا سارية الجبل الجبلَ" وقد كِدْنا نهلك، فلجأنا إلى الجبل، فكان النّصر. وَيُرْوَى أنّ عُمَر سُئل فيما بعد عَنْ كلامه "يا سارية الجبل" فلم يذكره.
وفيما كان فتح كَرمان، وكان أميرها سُهَيْل بْن عَدِيّ. وفيها فتحت سجِسْتان، وأميرها عاصم بْن عمرو. وفيها فتحت مُكْران، وأميرها الحَكَم بْن عثمان، وهي من بلاد الجبل.
وفيها رجع أَبُو موسى الأشعري من أصبهان، وقد افتتح بلادها.
وفيها غزا معاوية الصائفة حتى بلغ عمورية.
سيرة عثمان بن عفان:
4-
عثمان بن عفان "ت35هـ" رضي الله عنه.
ابن أَبِي الْعَاصِ بْن أُميَّة بْن عَبْدِ شَمْسِ، أمير المؤمنين، أَبُو عمرو، وأبو عبد الله، القُرَشيّ الأمويّ. رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وعن الشِّيخَيْن.
قَالَ الدّاني: عرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، وعُرِض عليه أَبُو عبد الرحمن السُّلَمِيّ، والمُغِيرَة بْن أبي شهاب، وأبو الأسود، وزر بن حبيش.
روى عنه بنوه: أبان، وسعيد، وعمرو، ومولاه حُمران، وأنس، وأبو أمامة بْن سهل، والأحنف بْن قيس، وسعيد بْن المسيب، وأبو وائل، وطارق بْن شهاب، وعلقمة، وأبو عبد الرحمن السُّلمي، ومالك بْن أوس بْن الحَدَثان، وخلق سواهم.
أحد السابقين الأوَّلين، وذو النُّورين، وصاحب الهجرتين، وزوج الابنتين. قدِم الجابية مع عُمَر. وتزوج رُقَيَّةَ بِنْتِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ المبعث، فولدت له عبد الله، وبه كان يُكنى، وبابنه عمرو. وأُمّه أروى بنت كُرَيْز بْن حبيب بْن عبد شمس، وأُمُّها البيضاء بنت عبد المطلب بْن هاشم، فهاجر إلى الحبشة، وخَلّفه النّبيّ صلى الله عليه وسلم عليها في غزوة بدْر ليداويها في مرضها، فَتُوُفِّيَتْ بعد بدْرٍ بليالٍ، وَضَرَبَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بسهمه من بدْر وأجْره، ثمّ زوَّجه بالبنت الأخرى أمّ كلثوم.
ومات ابنه عبد الله، وله ستُّ سنين سنة أربع من الهجرة.
وكان عثمان فيما بلغنا لَا بالطويل ولا بالقصير، حَسَنَ الوجه، كبير اللحية، أسمر اللون، عظيم الكراديس، بعيد مَا بين المَنْكِبَين يخْضِب بالصُّفْرَة، وكان قد شدّ أسنانه بالذَّهَب.
وعن أبي عبد الله مولى شدّاد قَالَ: رأيت عثمان يخطب، وعليه إزارٌ غليظ ثَمَنُهُ أربعة دراهم، وريطة كوفيّة مُمَشَّقة، ضَرِب اللّحمْ -أي خفيفة- طويل اللحية، حسن الوجه.
وعن عبد الله بْن حَزْم قَالَ: رأيت عثمان، فما رأيت ذَكرًا ولا أُنْثَى أحْسَنَ وَجْهًا منه.
وعن الحسن قال: رأيته وبوجهه نَكَتات جُدَريّ، وإذا شعره قد كسا ذِرَاعَيْه.
وعن السائب قَالَ: رأيته يصفِّر لحيَتَه، فما رأيت شيخًا أجملَ منه.
وعن أبي ثَوْر الفَهْمِيّ قَالَ: قدِمْتُ على عثمان فَقَالَ: لقد أختبأت عند ربّي عشْرًا: إنّي لرابع أربعةٍ في الإسلام، وما تعنَّيْتُ ولا تمنَّيْتُ، ولا وضعت يميني على فَرْجي منذ بايعت بها رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولا مرَّت بي جُمُعَةٌ منذ أسلمتُ إلّا وأنا أُعْتِقُ فيها رقبةً، إلّا أنْ لَا يكون عندي فأُعْتِقُها بعد ذلك، ولا زنيت في جاهلية ولا إسلام قطّ، وجهَّزْت جيش الْعُسْرَةِ، وأنكحني النّبيّ ابنته، ثمّ ماتت، فأنكحني الأخرى، وما سرقت في جاهلية ولا إسلام.
وعن ابْنِ عُمَر، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إنّا نُشَبِّه عثمان بأبينا إبراهيم صلى الله عليه وسلم"1.
وعن عائشة نحوه إنْ صحّا.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى عُثْمَانَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ:"يَا عُثْمَانُ هَذَا جِبْرِيلُ يُخْبِرُنِي أَنَّ اللَّهَ زَوَّجَكَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِمِثْلِ صَدَاقِ رُقَيَّةَ، وَعَلَى مِثْلِ صُحْبَتِهَا"2. أَخْرَجَهُ ابْنُ ماجه.
ويروى عن أنس أو غيره قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إلا أبو أيم، إلا
1 إسناده ضعيف: أخرجه العقيلي في "الضعفاء""3/ 173، 174" وفي إسناده عبد الله بن عمر العمري ضعيف، وعمر بن صالح مجهول.
2 ضعيف: أخرجه ابن ماجه "110" في المقدمة، باب: في فضائل أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وضعف البوصيري إسناده، وكذلك ضعفه الألباني في "ضعيف سنن ابن ماجه".
أَخُو أَيِّمٍ يُزَوِّجُ عُثْمَانَ، فَإِنِّي قَدْ زَوَّجْتُهُ ابْنَتَيْنِ، وَلَوْ كَانَ عِنْدِي ثَالِثَةٌ لَزَوَّجْتُهُ وَمَا زَوَّجْتُهُ إِلَّا بِوَحْيٍ مِنَ السَّمَاءِ"1.
وعن الحسن قَالَ: إنّما سُمِّي عثمانُ "ذا النُّورين" لأَنّا لَا نعلم أحدًا أغلق بابه على ابنتي نبيٍّ غيره.
وروى عطيّة، عَنْ أبي سعيد قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رافعًا يديه يدعو لعثمان2.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَلْفِ دِينَارٍ فِي ثَوْبِهِ، حِينَ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ، فَصَبَّهَا فِي حِجْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ يُقَلِّبُهَا بِيَدِهِ وَيَقُولُ:"مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ" 3 رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَفِي "مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى"، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهُ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ بِسَبْعِمِائَةٍ أُوقِيَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ.
وَقَالَ خليد، عن الحسن قال: جهز عثمان بسبعمائة وخمسين ناقة، وخمسين فرسًا، يعني في غزوة تبوك4.
وَعَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رَحِمَ اللَّهُ عُثْمَانَ تَسْتَحْيِيهِ الْمَلَائِكَةُ".
وَقَالَ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، عَنْ بِشْرِ بْنِ بَشِيرٍ الأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ اسْتَنْكَرُوا الْمَاءَ، وَكَانَتْ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا رُومَةُ، وَكَانَ يَبِيعُ مِنْهَا الْقِرْبَةَ بِمُدٍّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"تَبِيعُهَا بِعَيْنٍ فِي الْجَنَّةِ"، فَقَالَ: لَيْسَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ عَيْنٌ غَيْرهَا، لَا أَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ، فَاشْتَرَاهَا بِخَمْسَةٍ وَثَلاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَتَجْعَلُ
1 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 32" عن ابن أبي سبرة معضلا بنحوه وإسناده ضعيف جدا.
2 إسناده ضعيف: عطية هو العوفي، ضعيف الحفظ.
3 حسن: أخرجه أحمد 5/ 63"، والترمذي "3721" في كتاب المناقب، باب: مناقب عثمان بن عفان، وأبو نعيم في "الحلية" "174، 8113"، والبيهقي في "الدلائل" "5/ 215" وحسنه الألباني.
4 مرسل.
لِي مِثْلَ الَّذِي جَعَلْتَ لَهُ عَيْنًا فِي الْجَنَّةِ إِنِ اشْتَرَيْتُهَا? قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: قَدِ اشْتَرَيْتُهَا وَجَعَلْتُهَا لِلْمُسْلِمِينَ1.
وعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: اشترى عثمان من رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم الجنّة مرتين: يوم رومة، ويوم جيش الْعُسْرَةِ2.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِهِ كَاشِفًا عَنْ سَاقِيهِ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَتَحَدَّثَا، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَوَّى ثِيَابَهُ، فَدَخَلَ فَتَحَدَّثَ، فَلَمَّا خَرَجَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمْ تَجْلِسْ لَهُ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ، فَلَمْ تَهِشْ لَهُ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ، قَالَ:"أَلَا اسْتَحْيِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحْيِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ" 3 رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَرُوِيَ نَحُوُه مِنْ حَدِيثِ عَلَيٍّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ أَنَسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي دِيِن اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ"4.
وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لِكُلِّ نَبِيٍّ رَفِيقٌ، وَرَفِيقِي عُثْمَانُ"5. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَفِي حَدِيثِ الْقُفِّ: ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"ائْذَنْ لَهُ وبشره بالجنة على بلوى تصيبه"6.
1 أخرجه الطبراني في "الكبير""1226".
2 أخرجه الحاكم "4570".
3 صحيح: أخرجه مسلم"2401" في كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل عثمان بن عفان.
4 صحيح: وقد تقدم.
5 ضعيف: أخرجه الترمذي "3718" في كتاب المناقب، باب: مناقب عثمان بن عفان، وضعفه الألباني في "سنن الترمذي""763".
وأخرجه ابن ماجه "109" في المقدمة، باب: في فضائل أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وضعفه الألباني في "سنن الترمذي""763".
وأخرجه ابن ماجه "109" في المقدمة، باب: في فضائل أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ حديث أبي هريرة، وضعفه الألباني في "ضعيف سنن ابن ماجه".
6 صحيح: أخرجه البخاري "3674" في كتاب الفضائل، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خليلا"، ومسلم "2403" في كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل عثمان بن عفان، والترمذي "3730" في المصدر السابق، وأحمد "4/ 393، 406" 407"، وأبو نعيم في "الحلية" "166"، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 388، 389" من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
وَقَالَ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ سُوَيْدٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ قَالَ: كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ أَبُو ذَرٍّ، وَأَنَا أَظُنُّ فِي نَفْسِي أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي ذَرٍّ عَلَى عُثْمَانَ مَعْتَبَة لإِنْزَالِهِ إِيَّاهُ بِالرَّبَذَةِ، فَلَمَّا ذُكِرَ لَهُ عُثْمَانُ عَرَضَ لَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْمَجْلِسِ بِذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: لَا تَقُلْ فِي عُثْمَانَ إلا خيرًا، فإني أشهد لقد رأيت مَشْهَدًا لَا أَنْسَاهُ، كُنْتُ الْتَمَسْتُ خَلَوَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لأَسْمَعَ مِنْهُ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، قَالَ: فَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى حَصَيَاتٍ، فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ حَتَّى سُمِعَ لَهُنَّ حَنِينٌ كَحَنِينِ النَّحْلِ، ثُمَّ نَاوَلَهُنَّ أَبَا بَكْرٍ، فَسَبَّحْنَ فِي كَفِّهِ، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فِي الأَرْضِ فَخَرِسْنَ، ثُمَّ نَاوَلَهُنَّ عُمَرَ، فَسَبَّحْنَ فِي كَفِّهِ، ثُمَّ أَخَذَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَهُنَّ فِي الأَرْضِ فَخَرِسْنَ، ثُمَّ نَاوَلَهُنَّ عُثْمَانَ فَسَبَّحْنَ فِي كَفِّهِ، ثُمَّ أَخَذَهُنَّ مِنْهُ، فَوَضَعَهُنَّ فخَرِسْنَ1.
وَقَالَ سليمان بْن يسار: أخذ جَهْجاه الغفِاريّ عصا عثمان التي كان يتخصَّر بها، فكسرها على رُكْبَتِه، فوقعت في رُكبته الأكِلَة.
وَقَالَ ابن عُمَر: كنّا نقول عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَبُو بكر، ثمّ عُمَر، ثمّ عثمان2. رواه جماعةٌ عَنِ ابن عُمَر.
وَقَالَ الشَّعْبِيّ: لم يجمع القرآن أحدٌ من الخلفاء من الصحابة غير عثمان، ولقد فارق عليٌّ الدنيا وما جمعه.
وَقَالَ ابن سِيرين: كان أعلمَهَم بالمناسك عثمانُ، وبعده ابن عُمَر.
وَقَالَ رِبْعِيّ، عَنْ حُذَيْفة: قَالَ لي عُمَر بِمنًى من ترى النّاس يولُّون بعدي? قلت: قد نظروا إلى عثمان.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ قَالَ: حَجَجْتُ مع عُمَر، فكان الحادي يحدو.
إنّ الأمير بعده ابن عفان.
وحججت مع عثمان، فكان الحادي يحدو: أن الأمير بعده علي.
1 إسناده ضعيف: لجهالة هذا الرجل من بني سليم.
2 صحيح: وقد تقدم.
وَقَالَ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ الأَقْرَعِ مُؤَذِّنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ دَعَا الأَسْقُفَ فَقَالَ: هَلْ تَجِدُونَا فِي كُتُبِكُمْ؟ قَالَ: نَجِدُ صِفَتَكُمْ وَأَعْمَالَكُمْ، وَلا نَجِدُ أَسْمَاءَكُمْ، قَالَ: وكيف تَجِدُنِي؟ قَالَ: قَرْنٌ مِنْ حَدِيدٍ، قَالَ: مَا قَرْنٌ مِنْ حَدِيدٍ؟ قَالَ: أَمِيرٌ شَدِيدٌ، قَالَ عُمَرُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ فَالَّذِي بَعْدِي؟ قَالَ: رَجُلٌ صَالِحٌ يُؤْثِرُ أَقْرِبَاءَهُ، قَالَ عُمَرُ: يَرْحَمُ اللَّهُ ابْنَ عَفَّانَ، قَالَ: فَالَّذِي مِنْ بَعْدِهِ؟ قَالَ: صَدَعٌ -وَكَانَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ يَقُولُ: صَدَأٌ- مِنْ حَدِيدٍ، فَقَالَ عُمَرُ: وَادَفْرَاهُ وَادَفْرَاهُ1، قَالَ مَهْلًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ، وَلَكِنْ تَكُونُ خِلافُتُه فِي هِرَاقَةٍ مِنَ الدِّمَاءِ.
وَقَالَ حمّاد بْن زيد: لئْن قلتُ إنّ عليًّا أفضل من عثمان، لقد قلت إنّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خانوا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرو بن عثمان قَالَ: كان نَقْشُ خاتمِ عثمان "آمنت بالذي خلق فَسَوَّى".
وَقَالَ ابن مسعود حين استُخْلِف عثمان: أَمَّرْنا خيرَ مَن بقي ولم نَأْلُ.
وَقَالَ مُبارك بن فَضَالَةَ، عن الحسن قَالَ: رأيت عثمانَ نائمًا في المسجد، ورداؤه تحت رأسه، فيجيء الرجلُ فيجِلس إليه، ويجيء الرجلُ فيجِلس إليه، كأنّه أحدُهم، وشهِدْتُهُ يأمر في خُطْبته بقتْل الكلاب، وذبْح الحمام.
وعن حكيم بن عباد قال: أوّلُ مُنْكَرٍ ظهر بالمدينة طَيَرانُ الحَمام، وَالرَّمْيُ، يعني بالبُنْدُق، فأمر عثمان رجلًا فقصَّها، وكسر الجُلاهِقات2.
وصحّ من وجوهٍ، أنّ عثمان قرأ القرآنَ كلَّه في رَكْعَةٍ3.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ جَدَّتِهِ، أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يَصُومُ الدَّهْرَ.
وَقَالَ أَنَس: إنّ حُذَيْفَة قدِم على عثمانَ، وكان يغزو مع أهل العراق قِبَل أرمينية، فاجتمع في ذلك الغزوِ أهلُ الشّام، وأهلُ العراق، فتنازعوا في القرآن حتّى سمع حُذَيْفَة من اختلافهم مَا يكْره، فركِب حتّى أتى عثمان فقال: يا أمير
1 الدفر: النتن.
2 الجلاهقات: النبوت.
3 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" 2/ 42" عن امرأة عثمان رضي الله عنه وغيرها.
المؤمنين أدرِكْ هذه الأمّةَ قبل أن يختلفوا في القرآن اختلاف اليهود والنَّصارَى في الكُتُب. ففزع لذلك عثمان، فأرسل إلى حفْصَة أمّ المؤمنين: أنْ أرسِلي إليّ بالصُّحُف التي جُمِع فيها القرآن، فأرسَلتْ إليه بها، فأمر زيدَ بن ثابت، وسعيد بن العاص، وعبد الله بن الزُّبَيْر، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أن ينسخوها في المصاحف، وَقَالَ: إذا اختلفتم أنتم وزيد في عربية فاكتبوها بلسان قريش، فإنّ القرآنَ إنّما نزل بلسانهم.
ففعلوا حتّى كُتِبَت المصاحف، ثمّ ردّ عثمان الصُّحف إلى حَفْصَة، وأرسل إلى كل جُنْد من أجناد المُسْلِمين بمُصْحَفٍ، وأمرهم أن يحرقوا كلّ مُصْحَفٍ يخالف المُصْحَف الَّذِي أرسل إليهم به، فذلك زمانٌ حُرِّقت فيه المَصَاحف بالنّار.
وَقَالَ مُصْعَب بن سعد بن أبي وقّاص: خطب عثمانُ النّاس فَقَالَ: أيّها النّاس، عَهْدكُمْ بنبيّكم بضع عشرة، وأنتم تميزّون في القرآن، وتقولون قراءة أبي، وقراءة عبد الله، يَقُولُ الرجل: واللَّهِ مَا نُقِيم قراءتك، فأعْزِمُ على كلّ رجلٍ منكم كان معه من كتاب الله شيءٌ لما جاء به. فكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن، حتّى جمع من ذلك كثيرًا، ثُمَّ دخل عثمان، فدعاهم رجلًا رجلًا، فناشدهم: أسَمِعْتَهُ من رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهو أملاه عليك? فيقول: نعم، فلمّا فرغ من ذلك قَالَ: من أكْتَبُ النّاس? قالوا: كَاتِبَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت، قَالَ: فأيّ النّاس أعْرَب؟ قالوا: سعيد بن العاص، قَالَ عثمان: فَلْيُمْلِ سعيدٌ ولْيَكْتُب زيد، فكتب مَصَاحِفَ ففرَّقها في النّاس.
وَرَوَى رَجُلٌ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفْلَةَ قال علي في المصاحف: لو لم يصنعنه عُثْمَانُ لَصَنَعْتُهُ.
وَقَالَ أَبُو هلال: سمعت الحسن يَقُولُ: عمل عثمان اثنتي عشرة سنة، مَا ينكرون من إمارته شيئا.
وَقَالَ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ، عَنْ سَفِينَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكًا"1.
1 صحيح: أخرجه أبو داود "4646" في كتاب السنة، باب: في الخلفاء، والترمذي "2233" في كتاب الفتن، باب: ما جاء في الخلافة، وأحمد "5/ 220، 221"، والطبراني في "الكبير""6442"، وأبو نعيم في "الحلية""1280"، والحاكم "4438"، والبيهقي في "الدلائل""6/ 341"، وابن حبان "6657" من حديث سفينة رضي الله عنه وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".
وَقَالَ قَتَادَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ مُرَّةَ الْبَهْزِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"تَهِيجُ فِتْنَةٌ كَالصَّيَاصِي، فَهَذَا وَمَنْ مَعَهُ عَلَى الْحَقِّ".
قَالَ: فَذَهَبْتُ وَأَخَذْتُ بِمَجَامِعِ ثَوْبِهِ فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ1.
وَرَوَاهُ الْأَشْعَثُ الصَّنْعَانِيُّ، عَنْ مُرَّةَ. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
وَقَالَ قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي سَهْلَةَ مَوْلَى عُثْمَانَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ يُسَارُّ عُثْمَانَ، وَلَوْنُ عُثْمَانَ يَتَغَيَّرُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الدَّارِ وَحُصِرَ فِيهَا، قُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَلا تُقَاتِلُ؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عهد إِلَيَّ عَهْدًا، وَإِنِّي صَابِرٌ نَفْسِي عَلَيْهِ2.
أَبُو سَهْلَةَ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ الْعِجْلِيُّ.
وَقَالَ الجريريّ: حدّثني أَبُو بكر العَدَوِيّ قَالَ: سألت عائشة: هل عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى أحدٍ من أصحابه عند موته؟ قالت: مَعَاذَ الله إلّا أنَّه سارَّ عثمان، أخبره أنّه مقتولٌ، وأمره أن يكفَّ يده.
وَقَالَ شُعْبَةُ: أَخْبَرَنِي أَبُو حَمْزَةَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: قُتِلَ عُثْمَانُ وَأَنَا مَعَهُ، قال أبو حمزة: فذكرته لابن عبّاس فَقَالَ: صَدَقَ يَقُولُ: قتل الله عثمان ويقتلني معه، قلت: قد كان عليّ يَقُولُ: عَهِدَ إليَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لتخضبنّ هذه من هذه3.
وَقَد رَوَى شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الشَّرُودِ، أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: إِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا وَعُثْمَانُ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} 4.
1 أخرجه أحمد "5/ 33، 35".
2 صحيح: أخرجه الترمذي "3731" في كتاب المناقب، باب: مناقب عثمان بن عفان، وابن ماجه "113" في المقدمة، باب: في فضائل أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأبو نعيم في "الحلية""169"، والبيهقي في "الدلائل""6/ 391"، وقال الألباني في صحيح سنن ابن ماجه "91": صحيح.
3 أخرجه البيهقي في "الدلائل""6/ 438".
4 سورة الحجر: 47.
وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ.
وَقَالَ مطرف بن الشَّخَّير: لَقِيتُ عليًّا فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا بطَّأ بِكَ، أَجِبْ عثمانَ، ثمّ قَالَ: لئن قلت ذاك، لَقَدْ كَانَ أوصَلَنَا لِلرَّحِمِ، وأتْقانا للرَّبّ.
وَقَالَ سعيد بن عَمْرو بن نُفَيْلٍ: لو أنْقَضَّ أُحُد لِما صنعتم بابن عفان لكان حقيقًا.
وَقَالَ هِشَامٌ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: يَكُونُ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، أَصَبْتُمُ اسْمَهُ، وَعُمَرُ الْفَارُوقُ قَرْنٌ مِنْ حَدِيدٍ، أَصَبْتُمُ اسْمَهُ، وَعُثْمَانُ ذُو النُّورَيْنِ، أُوتِيَ كِفْلَيْنِ مِنَ الرَّحْمَةِ قُتِلَ مَظْلُومًا، أَصَبْتُمُ اسْمَهُ. رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ.
وَقَالَ عبد الله بن شَوْذَب: حدّثني زَهْدَم الجَرْميّ قَالَ: كنت في سَمَرٍ عند ابن عباس فَقَالَ: لأحدِّثنّكم حديثًا: إنّه لما كان من أمر هذا الرجل مَا كان، قلت لعليّ: اعتزلْ هذا الأمر، فوَالله لو كنتَ في جُحْرٍ لأتاك النّاسُ حتّى يبايعوك، فعصاني، وَايْمُ الله لَيَتأَمَّرَنّ عليه معاويةُ، ذلك بأنّ الله يَقُولُ:{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} 1.
وَقَالَ أَبُو قِلابة الجَرْميّ: لمّا بلغ ثُمَامَة بنَ عَدِيّ قتْلُ عثمان -وكان أميرًا على صنعاء- بكى فأطال البكاء، ثمّ قَالَ: هذا حين انتُزعت خلافةُ النُّبوَّة من أُمَّة محمد، فصار مُلْكًا وجَبْرِيّة، مَن غلب على شيءٍ أكله.
وَقَالَ يحيى بن سعيد الأنصاري: قَالَ أَبُو حُميد السَّاعدي -وكان بدْريًا- لما قُتِل عثمان: اللَّهُمَّ إنّ لك عليّ أنْ لَا أضحك حتّى ألقاك2.
قَالَ قتادة: ولي عثمان اثنتي عشرة سنة، غير اثني عشر يومًا. وكذا قال خليفة بن خيّاط وغيره.
وَقَالَ أَبُو مَعْشر السِّنْديّ: قُتِلَ لثماني عشرة خَلَتْ من ذي الحجّة، يوم الجمعة، زاد غيرُه فَقَالَ: بعد العصر، وَدُفِنَ بالبَقِيع بين العِشاءين، وهو ابن اثنتين وثمانين سنة. وهو الصّحيح، وقيل: عاش ستًا وثمانين سنة.
1 سورة الإسراء: 33.
2 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 44".
وعن عبد الله بن فَرُّوخ قَالَ: شهدْتُه وَدُفِنَ في ثيابه بدمائه، ولم يُغسل، رواه عبد الله بن أحمد في "زيادات المُسْنَد" وقيل: صلّى عليه مروان، ولم يُغَسّل.
وجاء من رواية الواقديّ: أنّ نائلة خرجت وقد شقَّتْ جيبها وهي تصرخ، ومعها سراج، فَقَالَ جُبَيْر بن مُطْعم: أطْفئي السِّراج لَا يُفطن بنا، فقد رأيت الغَوْغَاء، ثمّ انتَهَوْا إلى البقيع، فصلّى عليه جُبَيْر بن مُطْعم، وخلفه أَبُو جَهْم بن حُذَيْفَة، ونيار بن مُكْرَم، وزوجتا عثمان ونائلة، وأمُّ البَنين، وهمّا دلَّتاه في حُفْرته على الرجال الذين نزلوا قبره. ولَحَدوا له وغيَّبوا قبره، وتفرَّقوا1.
ويُروى أنّ جُبَيْر بن مُطْعم صلّى عليه في ستّة عشر رجلًا، والأوّل أثبت.
وَرُوِيَ أنّ نائلة بنت الفرافصة كانت مليحة الثَّغْر، فكَسَرَتْ ثناياها بحجرٍ، وقالت: واللَّهِ لَا يجتليكُنّ أحدٌ بعد عثمان، فلمّا قدِمَتْ على معاوية الشّام، خَطَبَهَا، فأبَتْ.
وَقَالَ فيها حسّان بن ثابت:
قتلتم وَلِيَّ الله في جَوْفِ داره
…
وجئتم بأمرٍ جائرٍ غير مهتدي
فلا ظفرتْ أيْمانُ قومٍ تعاونوا
…
على قتْل عثمانَ الرّشيدِ الْمُسَدَّدِ
وَقَالَ كعب بن مالك:
يا للرِّجال لأمرٍ هاجَ لي حَزَنًا
…
لقد عجِبْتُ لمن يبكي على الدِّمَنِ
إنّي رأيت قتيلَ الدّار مُضْطَهدًا
…
عثمان يُهْدَى إلى الأجداث في كَفَنٍ
وَقَالَ بعضهم:
لَعَمْر أبيك فلا تكذِبَنْ
…
لقد ذهب الخيرُ إلّا قليلا
لقد سفِه النّاسُ في دينهم
…
وخلّى ابن عفان شرًّا طويلًا
1 إسناده ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد في الطبقات" "2/ 43".
خلافة عثمان رضي الله عنه:
سنة أربع وعشرين:
دُفِن عُمَر رضي الله عنه في أوّل المحرَّم، ثمّ جلسوا للشُّورَى: فروي عَنْ عبد الله بن أبي ربيعة أنّ رجلا قَالَ قبل الشُّورَى: إنْ بايعتم لعثمان أطَعْنا، وإنْ بايعتم لعليّ سمِعْنا وعَصيْنا.
وَقَالَ المِسْوَر بْن مَخْرَمَة: جاءني عبد الرحمن بْن عَوْف بعد هجع من الليل فَقَالَ: مَا ذاقت عيناي كثير نومٍ ثلاث ليالٍ فادْع لي عثمان وعليًّا والزُّبَيْر وسعدًا، فدَعَوُتُهم، فجعل يخلو بهم واحدًا واحدًا يأخذ عليه، فلمّا أصبح صلّى صُهَيْب بالنّاس، ثمّ جلس عبد الرحمن فحمد الله وأثني عليه، وَقَالَ في كلامه: إني رأيت النّاس يأبَوْن إلَّا عثمان.
وَقَالَ حُمَيْد بْن عبد الرحمن بْن عوف: أخبرني المِسْوَر إنّ النَّفَر الذين ولَّاهم عُمَر اجتمعوا فتشاوروا فَقَالَ عبد الرحمن: لست بالّذي أُنافِسُكم هذا الأمر ولكنْ إنْ شئتم اخْتَرْتُ لكم منكم، فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن، قَالَ فَوَاللَّهِ مَا رأيت رجلًا بذَّ قومًا1 أشدّ مَا بذَّهُم حين ولّوه أمْرَهُم، حتّى مَا من رجلٍ من على عبد الرحمن يُشاورونه ويُنَاجُونه تلك الّليالي، لَا يخلو به رجلٌ ذو رأيٍ فيَعْدِل بعثمان أحدًا، وذكر الحديث إلى أنْ قَالَ: فتشهّد وَقَالَ: أمّا بعد يا عليّ فإنّي قد نظرت في النّاس فلم أرهم يَعْدِلُون بعثمانَ فلا تجعلنّ على نفسك سبيلًا، ثمّ أخذ بيد عثمان فَقَالَ: نبايعك على سُنَّةِ الله وسُنَّة رسوله وسُنَّة الخليفتين بعده. فبايعه عبد الرحمن بْن عوف وبايعه المهاجرون والأنصار.
وعن أَنْس قَالَ: أرسل عُمَر إلى أبي طلحة الأنصاري فَقَالَ: كنْ في خمسين مِنَ الأَنْصَار مع هؤلاء النَّفَر أصحاب الشُّورى فإنّهم فيما أحسب سيجتمعون في
1 بذ قوما: غلبهم.
بيتٍ، فقُمْ على ذلك الباب بأصحابك فلا تتركْ أحدًا يدخل عليهم ولا تتركهم يمضي اليومُ الثالث حتّى يؤَمِّروا أحدَهم، اللَّهُمَّ أنت خليفتي عليهم1.
وفي زيادات "مُسْنَد أحمد" من حَديث أبي وائل قَالَ: قلتُ لعبد الرحمن بن عوف: كيف بايعتم عثمان وتركتم عليًّا! قَالَ: مَا ذنبي قد بدأت بعليّ فَقُلْتُ: أبايعك على كتاب الله وسُنَّة رسوله وسيرة أبي بكر وعمر، فَقَالَ: فيما استطعت. ثمّ عرضت ذلك على عثمان فَقَالَ: نعم.
وَقَالَ الواقدي: اجتمعوا على عثمان لليلة بقيت من ذي الحجّة.
ويُرْوَى أنّ عبد الرحمن قَالَ لعثمان خلْوةً: إنْ لم أُبايعْك فمن تُشير عليَّ؟ فَقَالَ: عليّ، وقَالَ لعليّ خلْوَةً: إنْ لم أُبايعْك فمن تُشير عليَّ؟ قَالَ: عثمان، ثمّ دعا الزُّبَيْر فَقَالَ: إن لم أبايعك فمن تشير علي؟ قال عليّ أو عثمان، ثُمَّ دعا سعدًا فَقَالَ: من تُشير عليّ فأمّا أنا وأنت فلا نُريدها؟ فَقَالَ: عثمان، ثمّ استشار عبد الرحمن الأعيان فرأي هَوَى أكثرِهم في عثمان.
ثُمَّ نودي: الصّلاة جامعة وخرج عبد الرحمن عليه عمامته التي عمَّمه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. متقلّدًا سيفه، فصَعِد المنبر ووقف طويلًا يدعو سرًّا، ثُمَّ تكلّم فَقَالَ: أيها الناس إني سألتكم سرًَّا وجهْرًا على أمانتكم فلم أجدْكم تَعْدِلُون عَنْ أحد هذين الرجُلَيْن: إمّا عليّ وإما عثمان، قم إليّ يا عليّ، فقام فوقف بجنب المنبر فأخذ بيده وَقَالَ: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفِعْلِ أبي بكر وعمر؟ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا ولكنْ على جهْدي من ذلك وطاقتي، فَقَالَ: قم يا عثمان، فأخذ بيده في موقف عليّ فَقَالَ: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نعم، قَالَ فرفع رأسه إلى سقف المسجد ويده في يده ثمّ قَالَ: اللَّهُمَّ اشهد اللَّهُمَّ إنّي قد جعلت مَا في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان.
فازدحم النَّاس يُبَايِعُون حتّى غَشَوْهُ عند المنبر وأقعدوه على الدَّرَجة الثانية، وقعد عبد الرحمن مقْعَدَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم مَنْ المنبر. قَالَ: وتلكّأ عليّ، فَقَالَ عبد الرحمن: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّه
1 إسناده ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 53" من طريق الواقدي.
فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} 1. فرجع عليّ يشقّ النّاس حتّى بايع عثمانَ وهو يَقُولُ: خَدْعةٌ وأَيَّما خَدْعَة.
ثُمَّ جلس عثمان في جانب المسجد ودعا بعبيد الله بْن عُمَر بْن الخطاب، وكان محبوسًا في دار سعد، وسعد الَّذِي نزع السيف من يد عبيد الله بعد أن قتل جفنية والهُرْمُزَان وبنت أبي لؤلؤة، وجعل عُبَيْد الله يقول: والله لأقتلن رجالًا من شرك في دم أبي، يُعَرِّض بالمهاجرين والأنصار، فقام إليه سعد فنزع السيف من يده وجَبَذَه بشَعْره حتى أضجعه وحبسه، فَقَالَ عثمان لجماعة من المهاجرين، أشيروا عليَّ في هذا الَّذِي فَتَق في الإسلام مَا فَتَق، فَقَالَ علي: أرى أن تقتله، فقال عضهم: قُتِل أبوه بالأمس وَيُقْتَلُ هو اليوم، فَقَالَ عمرو بْن العاص: يا أمير المؤمنين إنّ الله قد أعفاك أن يكون هذا الحَدَث ولك على المُسْلِمين سلطان، إنّما تمّ هذا ولا سُلطان لك، قَالَ عثمان: أنا وليُّهم وقد جعلتُها دِيَةً واحْتَمَلْتُها من مالي.
قلت: والهُرْمُزَان هو ملك تُسْتَر، وقد تقدّم إسلامُهُ، قتله عُبيد الله بْن عُمَر لما أُصيب عُمَر، فجاء عمَّار بْن ياسر فدخل على عمر فقال: حَدَثَ الْيَوْمَ حَدَثٌ في الإسلام، قَالَ: وما ذاك؟ قَالَ قتل عُبَيْد الله الهُرْمُزَان، قَالَ:{إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون} 2 عليَّ به، وسَجَنَه.
قَالَ سعيد بْن المسيب: اجتمع أبو لؤلؤة وجفنية، رجل من الحِيرَة، والهُرْمُزَان، معهم خِنْجَرٌ له طرفان ممْلَكُهُ في وَسْطِه، فجلسوا مجلسًا فأثارهم دابّة فوقع الخِنْجَر، فأبصرهم عبد الرحمن بْن أبي بكر، فلمّا طُعِن عُمَر حكى عبد الرحمن شأن الخنجر واجتماعهم وكيفية الخنجر، فنظروا فوجدوا الأمر كذلك، فوثب عبيد الله فتل الهرمزان، وجفنية، ولؤلؤة بنت أبي لؤلؤة، فلما استُخْلِف عثمان قَالَ له عليّ: أقِدْ عُبَيْد الله من الهُرْمُزان، فَقَالَ عثمان: ماله وَلِيٌّ غيري، وإني قد عفوت ولكنْ أَدِيَهُ.
ويُروى أنّ الهُرْمُزان لمّا عضَّه السيف قَالَ: لَا إله إلا الله. وأما جفنية فكان نصْرَانيًّا، وكان ظئرًا لسعد بْن أبي وقاص أقدمه للمدينة للصُّلح الَّذِي بينه وبينهم وليعلم الناس الكتابة.
1 سورة الفتح: 10.
2 سورة البقرة: 156.
وفيها افتتح أَبُو موسى الأشعري الرّيّ، وكانت قد فُتِحت على يد حُذَيْفَة، وسُويد بْن مُقَرِّن، فانتقضوا.
وفيها أصاب النّاس رُعافٌ1 كثير، فقيل لها سنة الرُّعَاف، وأصاب عثمانَ رُعَافٌ حتّى تخلّف عَنِ الحج وأوصى. وحجّ بالنّاس عبد الرحمن بن عوف.
وفيها غزا الوليد بْن عُقبة أذْرَبَيْجان وأَرْمِينِية لمنع أهلها مَا كانوا صالحوا عليه، فسَبَى وغَنِم ورجع.
وفيها جاشت الروم حتى استمدّ أمراء الشام من عثمان مَدَدًا فأَمَّدهم بثمانية آلافٍ من العراق، فمضوا حتى دخلوا إلى أرض الروم مع أهل الشام. وعلى أهل العراق سَلْمان بْن ربيعة الباهلي، وعلى أهل الشام حبيب بْن مسْلَمَة الفِهْريّ، فشنُّوا الغارات وسبوا وافتتحوا حُصُونًا كثيرة.
وفيها وُلِد عبدُ الملك بْن مروان الخليفة.
سَنَة خَمسْ وَعِشرْين:
فيها عزل عثمان سعدًا عَنِ الكوفة واستعمل عليها: الوليد بْن عقبة بْن أبي مُعَيْط بْن أبي عَمْرو بْن أُميَّة الأُمَويّ، أخو عثمان لأُمّه، كنيته أَبُو وهْب. له صُحْبة ورواية. روى عنه أَبُو موسى الهَمذاني، والشعبي.
قَالَ طارق بْن شِهاب: لما قدِم الوليد أميرًا أتاه سعد فَقَالَ: أكِسْتَ بعدي أو استحمقتُ بعدَك؟ قَالَ: مَا كِسْنا ولا حَمِقْتَ ولكنّ القومَ استأثروا عليك بسُلطانهم. وهذا ممّا نقموا على عثمان كوْنه عزل سعْدًا وولّى الوليد بْن عُقْبَة، فذكر حُصَيْن بْن المُنْذِر أنّ الوليد صلّى بهم الفجر أربعًا وهو سَكْران، ثمّ التفت وَقَالَ: أُزيدكم!
ويقال: فيها سار الجيش من الكوفة عليهم سَلْمان بْن ربيعة إلى بَرْذَعَة، فقتل وسَبَى.
وفيها انتقض أهل الإسكندرية فغزاهم عَمْرو بْن العاص أمير مصر وسباهم،
1 الرعاف: خروج الدم من الأنف.
فردّ عثمانُ السَّبْيَ إلى ذِمَّتهم، وكان ملك الروم ببعث إليها منويل الخصي في مراكب فانتفض أهلُها -غير المقوقس- فغزاهم عمرو في ربيع الأول، فافتتحها عَنْوةً غير المدينة فإنّها صُلْح.
وفيها عزل عثمان عَمْرًا عَنْ مصر، واستعمل عليها عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ. والصحيح أنّ ذلك في سنة سبعٍ وعشرين. واستأذن ابُن أبي سَرْح عثمان في غزْو إفريقية فأَذِنَ له.
ويقال فيها ولد يزيد بْن معاوية.
وحج بالنّاس عثمان رضي الله عنه.
سَنَة سِتٍّ وَعِشرْين:
فيها زاد عثمان في المسجد الحرام ووسّعه، واشترى الزّيادة من قوم، وأبى آخرون، فهدم عليهم ووضع الأثمان في بيت المال، فصاحوا بعثمان فأمر بهم إلى الحبس وَقَالَ: مَا جرَّأكم عليَّ إلَّا حِلْمي، وقد فعل هذا بكم عُمَر فلم تُصَيِّحوا عليه، ثم كلموه فيهم فأطلقهم.
وأميُرها عثمان بْن أبي العاص الثّقفي، فصالحهم على ثلاثة آلاف ألف وثلاثمائة ألف.
وقيل: عزل عثمان سعدًا عَنِ الكوفة لأنّه كان تحت دَيْنٍ لابن مسعود فتقاضاه واختصما، فغضب عثمان من سعد وعزله واستعمل الوليد بْن عُقْبة، وقد كان الوليد عاملًا لعمر على بعض الجزيرة وكان فيه رِفْقٌ برعيّته.
سَنَة سبْعٍ وَعِشرْين:
فيها غزا معاوية قبرص فركب البحر بالجيوش، وكان معه عُبادة بْن الصامت، وزوجه عبادة أم حَرَام بنت مِلْحانِ الأنصاريّة خالة أنَس، فصُرعت عَنْ بَغْلتها فماتت شهيدةً، وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يغشاها ويقيل عندها وبشرها بالشهادة1، فقبرها بقبرص يقولون هذا قبر المرأة الصالحة. روت عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم.
1 وذلك فيما أخرجه البخاري "2788، 2789" في كتاب الجهاد، باب: الدعاء بالجهاد، ومسلم "1912" في كتاب الإمارة، باب: فضل الغزو في البحر، عن أنس عن أم =
روى عنها: أَنْس بْن مالك، وعُمَيْر بْن الأسود العنبسي، ويعلى بن شداد بن أوْس، وغيرهم.
وَقَالَ داود بْن أبي هند: صالح عثمان بْن أبي العاص وأبو موسى سنة سبيع وعشرين أهل أرجان على ألفي ومائتي ألف، وصالح أهل دارابْجِرْد1 على ألف ألف وثمانين ألفًا.
عزل عثمان عن مصر:
وَقَالَ خليفة: فيها عزل عثمانُ عَنْ مصر عَمْرًا وولّى عليها عبدَ الله بْن سعد، فغزا إفريقية ومعه عبد الله بْن عُمَر بْن الخطاب، وَعَبْدِ اللَّهِ بْن عَمْرِو بْن الْعَاصِ، وَعَبْدِ الله بْن الزُّبَيْر، فالتقى هو وجُرْجير بسُبَيْطِلة2 على يومين من القيروان، وكان جُرْجير في مائتي ألف مقاتل، وقيل في مائةٍ وعشرين ألفًا، وكان المسلمون في عشرين ألفًا.
قَالَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: ثنا أَبِي، وَالزُّبَيْرُ بْنُ خُبَيْبٍ قَالا: قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: هَجَمَ عَلَيْنَا جُرْجير فِي مُعَسْكَرِنَا فِي عِشْرِينَ وَمِائَةِ أَلْفٍ، فَأَحَاطُوا بِنَا وَنَحْنُ فِي عِشْرِينَ أَلْفًا. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، فَدَخَلَ فُسْطَاطًا لَهُ فَخَلا فِيهِ، وَرَأَيْتُ أَنَا غرَّةً مِنْ جُرجير بَصُرْتُ به خلف عساكره على برذون أشهب معه جَارِيَتَانِ تُظَلِّلانِ عَلَيْهِ بِرِيشِ الطَّوَاوِيسِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ جنده أرض بيضاء ليس بها
= حرام رضي الله عنها "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان يدخل عليها، الحديث وفيه قال: "ناس من أمتي عرضوا عليَّ غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر، ملوكا على الأسرة، أو مثل الملوك على الأسرة". فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم. فدعا لها، ثم وضع رأسه فنام، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: "ناس من أمتي عرضوا عليَّ غزاة في سبيل الله -كما قال في الأولى " قالت: فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم. قال: "أنت من الأولين". فركبت أم حرام بنت ملحان البحر في زمن معاوية، فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت.
قول "ثبج": أي ظهره ووسطه. وأما قوله "في زمن معاوية" فقال النووي في "شرح مسلم""13/ 50": قال القاضي: قال أكثر أهل السير والأخبار أن ذلك كان في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه وعلى هذا يكون قوله "في زمان معاوية" معناه في زمان غزوه في البحر لا في أيام خلافته. قال: وقيل: بل كان ذلك في خلافته. قال: وهو أظهر في دلالة قوله "في زمانه". ا. هـ.
1 دار بجرد: ولاية بفارس.
2 سبيطلة: من مدن إفريقية.
أَحَدٌ، فَخَرَجْتُ إِلَى ابْنِ أَبِي سَرْحٍ فَنَدَبَ لِي النَّاسَ، فَاخْتَرْتُ مِنْهُمْ ثَلاثِينَ فَارِسًا وَقُلْتُ لِسَائِرِهِمْ: الْبثوا عَلَى مَصَافِّكُمْ، وَحملت فِي الْوَجْهِ الَّذِي رَأَيْتُ فِيهِ جُرْجير وَقُلْتُ لأَصْحَابِي: احْمُوا لِي ظَهْرِي، فَوَاللَّهِ مَا نشبتُ أنْ خَرَقْتُ الصَّفَ إِلَيْهِ فَخَرَجْتُ صَامِدًا لَهُ، وَمَا يَحْسِبُ هو ولا أصحابه إلا أني رسول إليه، حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُ فَعَرَفَ الشَّرَّ، فَوَثَبَ عَلَى بِرْذَوْنِهِ وَوَلَّى مُدْبِرًا، فَأَدْرَكْتُهُ ثُمَّ طَعَنْتُهُ، فَسَقَطَ، ثُمَّ دَفَفْتُ عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ، وَنَصَبْتُ رَأْسَهُ عَلَى رُمْحٍ وَكَبَّرْتُ، وَحَمَلَ الْمُسْلِمُونَ، فَارْفَضَّ أَصْحَابُه مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَرَكِبْنَا أَكْتَافَهُمْ.
وَقَالَ خَلِيفَةُ: ثنا مَنْ سَمِعَ ابْنَ لَهِيعَةَ يَقُولُ: ثنا أَبُو الأَسْوَدِ، حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ أَنَّهُ غَزَا مَعَ عبد الله بن سعد إِفْرِيقِيَةَ فَافْتَتَحَهَا، فَأَصَابَ كُلَّ إِنْسَانٍ أَلْفَ دِينَارٍ. وَقَالَ غيره: سَبَوْا وغنِمُوا فبلغ سهمُ الفارس ثلاثةَ آلاف دينار وفتح الله إفريقية سَهْلَها وجَبَلَها، ثمّ اجتمعوا على الإسلام وحسُنَتْ طاعتُهُم. وقسّم ابن أبي سَرْح مَا أفاء الله عليهم وأخذ خُمْسَ الخُمْس بأمر عثمان، وبعث إليه بأربعة أخماسه، وضرب فُسْطاطًا في موضِع القَيْرَوان ووفَّدوا وفدًا، فشكوا عبد الله فيما أخذ فَقَالَ: أنا نَفَّلْتُهُ، وذلك إليكم الآن، فإنْ رضِيتُم فقد جاز، وإنْ سَخِطْتم فهو رَدّ، قالوا: إنّا نَسْخَطُه، قَالَ: فهو رَدّ، وكتب إلى عبد الله بردّ ذلك واستصلاحهم.
قالوا: فاعْزلْه عنّا. فكتب إليه أن استخِلفْ إلى إفريقية رجُلًا ترْضَاه واقسم مَا نَفَّلْتُكَ فإنَّهم قد سخِطُوا، فرجع عبد الله بْن أبي سرْح إلى مصر، وقد فتح الله إفريقية، فما زال أهلُها أسْمَعَ النّاس وأطْوَعَهم إلى زمان هشام بْن عبد الملك.
وروى سيف بْن عُمَر، عَنْ أشياخه، أنّ عثمان أرسل عبد الله بْن نافع بن الحُصَين، وعبد الله بْن نافع الفِهْرِيّ من فَوْرِهما ذلك إلى الأندلس، فأتياها من قِبَل البحر، وكتب عثمان إلى من انتدب إلى الأندلس: أمّا بعد فإنّ القُسْطَنْطِينية إنّما تُفْتَح من قِبَل الأندلس، وإنّكم إن افتتحتموها كنتم شُرَكاء في فتحها في الأجر، والسلام1. فعن كعب قَالَ: يعبر البحر إلى الأندلس أقوامٌ يفتحونها يُعْرَفون بنورهم يوم القيامة.
1 إسناده ضعيف جدا: للجهالة فيه، وسيف بن عمر متروك كما تقدم.
قَالَ: فخرجوا إليها فأتَوها من بَرِّها وبحرها، ففتحها الله على المُسْلِمين، وزاد في سلطان المُسْلِمين مثل إفريقية. ولم يزل أمرُ الأندلس كأمر إفريقية، حتى أمر هشام فمنع البَرْبَرَ أرضَهم.
ولما نزع عثمان عَمْرًا عَنْ مصر غضب وحقد على عثمان، فوجه عبد الرحمن بْن سعد فأمره أن يمضي إلى إفريقية، وندب النَّاس معه إلى إفريقية، فخرج إليها في عشرة آلاف، وصالح ابن سعد أهل إفريقية على ألفي ألف دينار وخمسمائة دينار. وبعث ملك الروم من قسطنطينية أنْ يؤخذ من أهل إفريقية ثلاثمائة قِنْطار ذَهَبًا، كما أخذ منهم عبد الله بْن سعد، فقالوا: مَا عندنا مالٌ نعطيه، وما كان بأيدينا فقد افتدينا به، فأمّا الملك فإنه سيّدنا فليأخُذْ مَا كان له عندنا من جائزة كما كنا نعطيه كلَّ عام، فلمّا رأى ذلك منهم الرسول أمر بحبسهم، فبعثوا إلى قومٍ من أصحابهم فقدِموا عليهم فكسروا السجن وخرجوا.
وعن يزيد بْن أبي حبيب قَالَ: كتب عبد الله بْن سعد إلى عثمان يَقُولُ: إنّ عمرو بْن العاص كسر الخوارج، وكتب عَمْرو: إن عَبْد الله بن سَعْد أفسد عليَّ مكيدة الحرب. فكتب عُثْمَان إلى عَمْرو: انصرف وولي عَبْد الله الخراج والجُنْد، فقدِم عمرو مُغْضبًا، فدخل على عثمان وعليه جُبَّةٌ له يَمانيَّة مَحْشُوَّة قُطْنًا، فَقَالَ له عثمان: مَا حَشْوُ جُبَّتك؟ قَالَ: عمرو، قَالَ: قد علمتُ أنّ حَشْوَها عَمْرو، ولم أرد هذا، إنّما سألتك أقُطْنٌ هو أم غيره؟ وبعث عبد الله بْن سعد إلى عثمان مالًا من مصر وحشد فيه، فدخل عمرو، فَقَالَ عثمان: هل تعلم أنّ تلك اللّقاح درّت بعدك؟ قَالَ عمرو: إن فصالها هَلَكَتْ.
وفيها حجّ عثمان بالنّاس.
سَنَة ثمانٍ وَعِشْرين:
قيل في أولها غزوة قبرص، وقد مرّت. فروى سَيْفٌ، عَنْ رجاله قالوا: أَلَحَّ معاوية في إمارة عُمَر عليه في غَزْو البحر وقُرْب الرُّوم من حِمْص، فَقَالَ عُمَر: إنّ قريةً من قُرَى حمص يسمع أهلها نباح كلابهم وصياحَ ديُوكهم قالوا: كتب عُمَر إلى معاوية: إنّا سمعنا أنّ بحر الشام يشرف على أطول شيء على الأرض،
يستأذن الله في كل يوم وليلة في أن يقبض على الأرض فيغرقها، فكيف أحمل الجنود في هذا البحر الكافر المستعصب، وتالله لمسلم أحبّ إليَّ من كلّ مَا في البحر، فلم يزل بعمر حتّى كاد أن يأخذ بقلبه. فكتب عُمَر إلى عمرو بْن العاص أن صِفْ لي البحر وراكبَه، فكتب إليه: إنّي رأيت خلْقًا كبيرًا يركبه خلْقٌ صغير، إنْ رَكَد حرّق القلوب، وإنْ تحرّك أزاغ العُقُولَ، يزداد فيه اليقين قلَّة، وَالشَّكُّ كثْرَة، وهم فيه كدُودٍ على عُود، إنْ مال غرِق، وإن نجا بَرِق. فلمّا قرأ عُمَر الكتابَ كتب إلى معاوية: والله لَا أحمل فيه مسلمًا أبدًا.
وَقَالَ أَبُو جعفر الطبريّ: غزا معاوية قبرص فصالح أهلَها على الجِزْية.
وَقَالَ الواقِديّ: في هذه السنة غزا حبيب بْن مسْلَمَة سورية من أرض الروم.
وفيها تزوّج عثمان نائلةَ بنت الفرافصة فأسلمت قبل أن يدخل بها. وفيها غزا الوليد بْن عُقْبَة أَذْرَبَيْجَان فصالحهم مثل صُلح حُذَيفة. وقلَّ من مات وضُبط موتُهُ في هذه السنّوات كما ترى.
سَنَة تسْعٍ وَعِشرْين:
فيها عزل عثمان أبا موسى عَنِ البصْرة بعبد الله بْن عامر بْن كُرَيز، وأضاف إليه فارس.
وفيها افتتح عبد الله بْن عامر إصْطَخْر عَنْوةً فقتل وسبَى، وكان على مقدِّمة عُبَيْد الله بْن مَعْمَر، وكان من كبار الأمراء، افتتح سابور عَنْوةً وقلعة شيراز، وقُتِلَ وهو شاب، فأقسم ابن عامر لئن ظفر بالبلد ليقتلنّ حتّى يسيل الدَّمُ من باب المدينة، وكان بها يَزْدَجِرْد بْن شَهْرَيَار بْن كِسْرى فخرج منها في مائة ألفِ وسار فنزل مَرْوَ، وخلف على إصْطَخْر أميرًا من أمرائه في جيشٍ يحفظونها. فنقَّب المسلمون المدينة فما دَرَوْا إلَّا والمسلمون معهم في المدينة، فأسرف ابن عامر في قتْلهم وجعل الدَّم لَا يجري من الباب، فقيل له: أفْنَيْتَ الخَلْق، فأمر بالماء فصبَّ على الدَّم حتّى خرج من الباب، ورجع إلى حُلْوان فافتتحها ثانيًا فأكثر فيه القتْلَ لكونهم نقضوا الصلح.
وفيها انتفضت أَذْرَبَيْجَان فغزاهم سعيد بْن العاص فافتتحها.
وفيها غزا ابن عامر وعلى مقدّمته عبد الله بْن بُدَيْل الخُزاعيّ فأتى أصبهان، ويقال افتتح أصبهان سارية بْن زُنَيْم عَنْوةً وصُلْحًا.
وَقَالَ أَبُو عبيدة: لما قدِمَ ابن عامر البصرة قدِم عُبَيْد الله بْن مَعْمَر إلى فارس، فأتى أرَّجان فأغلقوا في وجهه، وكان عَنْ يمين البلد وشماله الجبال والأسياف. وكانت الجبال لا تسلكها الخيل ولا تحمل الأسياف -يعني السواحل- الجيش، فصالحهم أن يفتحوا له باب المدينة فيمرّ فيها مارًّا ففعلوا، ومضى حتّى انتهى إلى النّوبَنْدِجَان فافتتحها، ثُمَّ نقضوا الصُّلح، ثُمَّ سار فافتتح قلعة شِيراز، ثُمَّ سار إلى جور فصالحهم وخلّف فيهم رجلًا من تميم، ثُمَّ انصرف إلى إصْطَخْر فحاصرها مدة، فبينما هم في الحصار إذ قتل أهل جور عاملهم، فسار ابن عامر إلى جور فناهضهم فافتتحها عَنْوةً فقتل منها أربعين ألفًا يُعَدُّون بالقَصَب، ثمّ خلّف عليهم مروان بْن الحَكَم أو غيره، وردّ إلى إصْطَخْر وقد قتلوا عُبَيْد الله بْن مَعْمَر فافتتحها عَنْوةً. ثمّ مضى إلى فَسَا فافتتحها. وافتتح رساتيق من كَرْمان. ثمّ إنّه توجه نحو خُراسان على المفازة فأصابهم الرَّمق فأهلك خلقًا.
وَقَالَ ابن جرير: كتب ابن عامر إلى عثمان بفتح فارس، فكتب عمان يأمره أن يوليّ هَرِمَ بْن حسّان اليَشْكُريّ، وهرِمَ بْن حيَّان العَبْدِيّ، وَالْخِرِّيتَ بْن راشد على كُوَر فارس. وفرّق خُراسان بين ستّة نفر: الأحنف بن قيس على المَرْوَيْن، وحبيب بْن قُرَّةَ اليَرْبُوعيّ على بَلْخ، وخالد بْن زُهَير على هَرَاة، وأُمَيْن بْن أحمد اليَشْكريّ على طُوس، وقيس بْن هُبَيْرة السلمي على نَيْسابور.
وفيها زاد عثمان فِي مسجد رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فوسَّعه وبناه بالحجارة المنقوشة وجعل عُمُده من حجارة وسقفه بالسّاج، وجعل طوله ستين ومائة ذراع، وعرضه خمسين ومائة ذراع، وجعل أبوابه كما كانت زمن عُمَر ستّة أبواب.
وحجّ عثمان بالنّاس وضُرِبَ له بِمنَى فُسْطاط، وأتمّ الصّلاة بها وبعرَفة، فعابوا عليه ذلك، فجاءه عليّ فَقَالَ: والله مَا حدث أمرٌ ولا قَدُم عهدٌ، ولقد عهدت نبيِّك صلى الله عليه وسلم يصلّي ركعَتَيْن، ثُمَّ أبا بكر، ثمّ عُمَر ثُمَّ أنت صدرًا من ولايتك، فَقَالَ: رأي رأيته.
وكلّمه عبد الرحمن بْن عوف فَقَالَ: إنّي أُخْبِرْتُ عَنْ جُفاة النّاس قد قالوا: إنّ الصلاة للمُقيم رَكْعتان وقالوا: هذا عثمان يصلّي رَكْعَتين فصليت أربعًا لهذا، وإنّي قد اتّخذت بمكّة زَوْجَة، فَقَالَ عبد الرحمن: ليس هذا بعُذْر، قَالَ: هذا رأيٌ رأيته.
سَنَة ثَلَاثيْن:
فيها عُزِل الوليد بْن عُقْبة عَنِ الكوفة بسعيد بْن العاص، فغزا سعيد طَبَرِسْتان، فحاصرهم، فسألوه الأمان، على أن لا يقتل منهم رجلًا واحدًا، فقتلهم كلَّهم إلَّا رجلًا واحدًا، يعني نفسه بذلك.
وفيها فُتِحَتْ جور من أرض فارس على يد ابن عامر فغنم شيئًا كثيرًا. وافتتح ابن عامر في هذا القُرب بلادًا كثيرة من أرض خُراسان.
قَالَ داود بْن أبي هند: لمّا افتتح ابن عامر أرضَ فارس سنة ثلاثين هرب يزّدَجِرْد بْن كِسْرى فاتبعه ابن عامر، ومُجاشع بْن مسعود السُّلمي، ووجَّه ابنُ عامر، فيما ذكر خليفة زيادَ بْن الربيع الحارثيّ إلى سَجَسْتَان فافتتح زالق وشرواذ وناشروذ، ثمّ صالح أهل مدينة زَرَنْج على ألف وصِيف مع كلّ وصِيف جام من ذَهَب. ثمّ توجه ابن عامر إلى خراسان وعلى مقدمته الأحنف بْن قيْس، فلقي أهلَ هَرَاة فهزمهم.
ثُمَّ افتتح ابن عامر أبْرَشَهْر -وهي نَيْسابور- صُلْحًا ويقال عَنْوةً. وكان بها فيما ذكر غيرُ خليفة بنتا كسرى بْن هُرْمز. وبعث جيشًا فتحوا طوس وأعمالها صُلْحًا. ثُمَّ صالح من جاءه من أهل سَرَخْس على مائةٍ وخمسين ألفًا. وبعث الأسود بْن كلثوم العَدَويّ إلى بَيْهَق. وبعث أهل مَرْو يطلبون الصُّلح، فصالحهم ابن عامر على ألفيْ ألف ومائتي ألف.
وسار الأحنف بْن قيس في أربعة آلاف، فجمع له أهل طَخَارِستان وأهل الجَوْزَجان والفارياب، وعليهم طوقانشاه، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، ثُمَّ هزم الله المشركين، وكان النصر.
ثُمَّ سار الأحنف على بَلْخٍ، فَصَالَحُوهُ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ أَلْفٍ. ثُمَّ أَتَى خُوارزْم فلم يُطِقْها ورجع. وفتحت هَرَاة ثمّ نكسوا.
وَقَالَ ابن إسحاق: بعث ابن عامر جيشًا إلى مرو فصالحوا وفُتِحَت صُلحًا.
ثُمَّ خرج ابن عامر من نيسابور معتمرًا وقد أحرم منها، واستخلف على خُراسان الأحنف بْن قيس، فلمّا قضى عُمْرَته أتى عثمان رضي الله عنه واجتمع به، ثمّ إنّ أهل خُراسان نقضوا وجمعوا جمْعًا كثيرًا وعسكروا بمرو، فنهض لقتالهم الأحنف وقتلهم فهزمهم، وكانت وقعة مشهورة.
ثُمَّ قدم ابن عامر من المدينة إلى البصرة، فلم يزل عليها إلى أن قُتِلَ عثمان وكذا معاوية على الشام.
ولما فتح ابن عمر هذه البلاد الواسعة كثُرَ الخراجُ على عثمان وأتاه المال من كلّ وجه اتّخذ له الخزائن وأدَرّ الأرزاق، وكان يأمر للرجل بمائة ألف بدرة في كل بدرة أربعة آلاف وافية.
ثُمَّ دخلت سَنَة إحدى وَثلاثِين:
قَالَ أَبُو عبيد الله الحاكم: أجمع مشايخنا على أنّ نيْسابُور فُتِحَتْ صُلْحًا، وكان فتْحُها في سنة إحدى وثلاثين. ثمّ روى بإسناده إلى مُصْعَب بْن أبي الزَّهْراء أنّ كنارى صاحب نيْسَابور كتب إلى سعيد بْن العاص والي الكوفة، وإلى عبد الله بْن عامر والي البصرة، يدعوهما إلى خُراسان ويُخْبرهما أنّ مَرْو قد قتل أهلَهَا يَزْدَجِرْد.
فندب سعيد بْن العاص الحَسَن بْن عليّ وعبد الله بْن الزُّبَيْر لها، فأتى ابن عامر دهقان فَقَالَ: مَا تجعل لي إنْ سبقتُ بك؟ قَالَ: لك خراجُك وخراج أهل بيتك إلى يوم القيامة، فأخذ به على قُومِس، وأسرع إلى أنْ نزل على نيْسابور، فقاتل أهلها سبعة أشهرٍ ثمّ فتحها، فاستعمله عثمان عليها أيضًا، وكان ابنَ خالةِ عثمان.
ويقال: تفل النّبيّ صلى الله عليه وسلم في فيه وهو صغير.
وفيها قَالَ خليفة: أحرم عبد الله بْن عامر من نَيْسابور، واستخلف قيس بْن الهيثم وغيره على خُرَاسان، وقيل إنّ ذلك كان في السنّة الماضية.
وفيها غزوة الأساود، فغزا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ من مصر في البحر، وسار فيه إلى ناحية مصيصة.
سنة اثنتين وثلاثين:
فيها كانت وقعة المضيق بالقرب من قسطنطينية، وأميرها معاوية.
سنة ثلاث وثلاثين:
فيها كانت غزوة قبرص. قَالَ ابن إسحاق وغيرُه.
وغزوة إفريقية، وأمير النّاس عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، قاله اللَّيْث.
وفيها قَالَ خليفة: جمع قارن جمعًا عظيمًا بباذَغِيس وهُرَاة، وأقبل في أربعين ألفًا فتررك قيس بن الهيثم لابلاد وهرب، فقام بأمر المُسْلِمين عبدُ الله بْن خازم السُّلَميّ، وجمع أربعة آلاف مقاتل، والتقى هو وقارن، ونصره الله وقُتِل وسَبَى، وكتب إلى ابن عامر بالفتح، فاستعمله ابن عامر على خراسان، ثمّ وجَّه ابن عامر عبد الرحمن بْن سَمُرَة على سجستان، فصالحه صاحب زرن وبقي بها حتّى حُوصِر عثمان.
قَالَ خليفة: وفيها غزا معاوية مَلَطْية وحصن المَرَة من أرض الرُّوم.
قَالَ: وفيها غزا عبدُ الله بْن أبي سَرْح الحَبَشَة، فأصيبت فيها عينُ معاوية بن حديج.
سَنَة أربَعٍ وَثلَاثِين:
فيها وثب أهل الكوفة على أميرهم سعيد بْن العاص فأخرجوه، ورضوا بأبي موسى الأشعريّ، وكتبوا فيه إلى عثمان فولّاه عليهم، ثمّ إنّه بعد قليل ردّ إليهم الإمْرة سعيد بْن العاص فخرجوا ومنعوه.
وفيها كانت غزوة ذات الصَّواري في البحر من ناحية الإسكندرية، وأميرها ابن أبي سرح.
سَنَة خَمسْ وَثَلَاثيْن:
فيها غزوة ذي خُشُب وأمير المُسْلِمين عليها معاوية. وفيها حجّ بالنّاس وأقام الموسمَ عبدُ الله بْن عباس.
وفيها مَقْتَلُ عثمان رضي الله عنه: خرج المصرّيون وغيرهم على عثمان وصاروا إليه ليخلعوه من الخلافة.
قَالَ إسماعيل بْن أبي خالد: لمّا نزل أهل مصر الجُحْفَة، وَأَتَوْا يعاتبون عثمانَ صعِد عثمانُ المِنْبَر فَقَالَ: جزاكم اللَّهُ يا أصحاب محمد عنّي شرًّا: أَذَعْتُمُ السَّيِّئةَ وكتمتم الْحَسَنَةَ، وأغريتم بي سُفَهاءَ النّاس، أيُّكُم يذهب إلى هؤلاء القوم فيسألهم مَا نقموا وما يريدون؟ قَالَ ذلك ثلاثًا ولا يُجيبه أحد.
فقام عليٌّ فَقَالَ: أنا، فَقَالَ عثمان: أنت أقربهم رَحِمًا، فأتاهم فرحّبوا به، فَقَالَ: مَا الَّذِي نَقَمْتُم عليه؟ قالوا: نَقَمْنا أنّه محا كتاب الله -يعني كونه جمع الأمَّة على مُصْحَفٍ- وحمى الْحِمَى، واستعمل أقرباءه، وأعطى مروان مائة ألف، وتناول أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ: فردّ عليهم عثمان: أمّا القرآن فمن عند الله، إنّما نهيتُكم عَنِ الاختلاف فاقرءوا عليَّ أيَّ حرفٍ شئتم، وأمّا الْحِمَى فَوَاللَّهِ مَا حميته لإبلي ولا لغنمي، وإنما حميْتُه لإِبل الصَّدَقَةِ. وأمّا قولُكم: إنّي أعطيت مروان مائة ألفٍ. فهذا بيتُ مالِهِم فلْيستعملوا عليه من أحبَّوا، وأمّا قولُكم: تناول أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فإنّما أنا بشر أغضب وأرضى، فمن ادَّعَى قبَلي حقًّا أو مَظْلِمَةً فهأنذا، فإنْ شاء قَوَدًا وإنْ شاء عَفْوًا. فرضي النّاس واصطلحوا ودخلوا المدينة.
وَقَالَ محمد بْن سعد: قالوا رحل من الكوفة إلى المدينة: الأشتر النَّخَعِيّ - واسمه مالك بْن الحارث، ويزيد بْن مكفّف، وثابت بْن قيس، وَكُمَيْلُ بْن زياد، وزيد، وصعصعة ابنا صُوحان، والحارث الأعور، وجُنْدُب بْن زُهَير، وأصفر بْن قيس، يسألون عثمان عزل سعيد بن العاص عنهم. فرحل سعد أيضًا إلى عثمان فوافقهم عنده، فأبى عثمان أن يعزله، فخرج الأشتر من ليلته في نفرٍ، فسار عشرًا إلى الكوفة واستولى عليها وصعد المنبر عليها فَقَالَ: هذا سعيد بْن العاص قد أتاكم
يزعم أنّ السَّواد بستان لأغَيلِمَةٍ من قريشٍ، والسواد مساقط رءوسكم ومراكز رماحكم، فمن كان يرى الله حقًّا فلْينهض إلى الجَرَعة1، فخرج النّاس فعسكروا بالجَرَعَة، فأقبل سعيد حتى نزل العّذَيب، فجهّز الأشتر إليه ألفَ فارسٍ مع يزيد بْن قيس الأرحبيّ، وعبد الله بْن كِنَانَة العبْدِيّ، فَقَالَ: سيروا وأزعِجاه وألْحِقاه بصاحبه، فإنْ أَبَى فاضْرِبا عُنُقَه، فَاتَيَاهُ، فلمّا رأى منهما الجدّ رجع.
وصعد الأشترُ منبرَ الكوفة وَقَالَ: يا أهل الكوفة مَا غضبت إلّا لله ولكم، وقد ولَّيت أبا موسى الأشعريّ صلاتَكم، وحُذَيْفَة بْن اليَمَان فَيْئَكُم، ثمّ نزل وَقَالَ: يا أبا موسى اصعَدْ، فَقَالَ: مَا كنت لأفعل، ولكنْ هَلُمُّوا فبايعوا لأمير المؤمنين وجدّدوا البيعة في رِقابكم، فأجابه النّاس. وكتب إلى عثمان بما صنع، فأعجب عثمان، فَقَالَ عُتْبَة بْن الوعل شاعر الكوفة:
تصدق علينا يابن عفّان واحتسِبْ
…
وَأْمُرْ علينا الأشْعَريَّ لَيالِيا
فَقَالَ عثمان: نعم وشهورًا وسنين إنْ عِشْتُ، وكان الَّذِي صنع أهل الكوفة بسعيد أول وَهْنٍ دخل على عثمان حين اجترئ عليه.
وعن الزُّهْرِيّ قَالَ: وُلِّيَ عثمان، فعمل ستّ سِنين لَا ينقم عليه النّاس شيئًا، وإنّه لأحبّ إليهم من عُمَر؛ لأنّ عُمَر كان شديدًا عليهم، فلمّا ولِيهَم عثمان لان لهم ووَصَلَهم، ثمّ إنّه توانى في أمرهم، واستعمل أقرباءه وأهل بيته في السّتَ الأواخر، وكتب لمروان بخُمْس مصر أو بخُمْس إفريقية، وآثر أقرباءه بالمال، وتأوّل في ذلك الصِّلة التي أمر الله بها. واتّخذ الأموال، واستسلف من بيت المال، وقال: إن أبا بكر وعمر تركا من ذلك مَا هو لهما، وإنّي أخذته فقسَّمته في أقربائي، فأنكر النّاس عليه ذلك.
قلت: وممّا نقموا عليه أنّه عزل عُمَيْر بْن سعد عَنْ حمص، وكان صالحًا زاهدًا، وجمع الشام لمعاوية، ونزع عَمْرو بْن العاص عَنْ مصر، وأمَّر ابن أبي سَرْحٍ عليها، ونزع أبا موسى الأشعريّ عَنِ البصرة، وأمرّ عليها عبد الله بْن عامر، ونزع المُغِيرَة بْن شُعْبة عَنِ الكوفة وأمّر عليها سعيد بن العاص.
1 الجرعة: موضع قرب الكوفة.
وقال القاسم بن الفضل: حدثنا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: دَعَا عُثْمَانُ نَاسًا مِنَ الصَّحَابَةِ فيهم عمار فقال: إني سألتكم وَأُحِبُّ أَنْ تَصْدُقُونِي: نَشَدْتُكُمُ اللَّهَ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان يؤثر قريشًا على سائر الناس، ويؤصر بَنِي هَاشِمٍ عَلَى سَائِرِ قُرَيْشٍ؟ فَسَكَتُوا، فَقَالَ: لَوْ أَنَّ بِيَدِي مَفَاتِيحَ الْجَنَّةِ لأَعْطَيْتُهَا بَنِي أُمَيَّةَ حَتّى يَدْخُلُوهَا.
وعن أبي وائل أنّ عبد الرحمن بْن عَوْف كان بينه وبين عثمان كلّام فأرسل إليه: لِمَ فَرَرْتَ يوم أُحُد وتخلَّفْت عَنْ بدْر وخالفت سنة عمر؟ فأرسل إليه: تخلفت عن بدر لأنّ بنتَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شغلتني بمرضها، وأمّا يوم أُحُد فقد عفا الله عنّي، وأمّا سُنَّةُ عُمَر فَوَاللَّهِ مَا استطعتها أنا ولا أنت. وقد كان بين عليّ وعثمان شيءٌ فمشى بينهما العباس فَقَالَ عليّ: واللَّهِ لو أمرني أن أخرج من داري لفعلت، فأمّا أُدَاهِن أنْ لَا يُقام بكتاب الله فلم أكن لأفعل.
وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ يَزِيدَ الْفَقْعَسِيِّ قَالَ: لَمَّا خَرَجَ ابْنُ السَّوْدَاءِ إِلَى مِصْرَ نَزَلَ على كنانة بن بشر مرة، وعلى كنانة بن حمران مرة، وانقطع إلى الغافقي فشجه الْغَافِقِيِّ فَكَلَّمَهُ، وَأَطَافَ بِهِ خَالِدُ بْنُ مُلْجِمٍ، يُجِيبُونَ إِلَى الْوَصِيَّةِ، فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِنَابِ الْعَرَبِ وَحِجْرِهِمْ، وَلَسْنَا مِنْ رِجَالِهِ، فَأَرُوهُ أَنَّكُمْ تَزْرَعُونَ، وَلا تَزْرَعُوا الْعَامَ شَيْئًا حَتَّى تَنْكَسِرَ مِصْرُ، فَتَشْكُوهُ إِلَى عُثْمَانَ فَيَعْزِلُهُ عَنْكُمْ، وَنَسْأَلُ مَنْ هو أضعف منه ونخلوا بما نريد، ونذر الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَكَانَ أَسْرَعَهُمْ إِلَى ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ، وَهُوَ ابْنُ خَالِ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ يَتِيمًا فِي حِجْرِ عثمان، فكبر، وَسَأَلَ عُثْمَانَ الْهِجْرَةَ إِلَى بَعْضِ الأَمْصَارِ، فَخَرَجَ إِلَى مِصْرَ، وَكَانَ الَّذِي دَعَاهُ إِلَى ذَلِكَ أَنَّهُ سَأَلَ عُثْمَانَ الْعَمَلَ فَقَالَ: لَسْتَ هُنَاكَ.
قَالَ: فَفَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ ابْنُ السَّوْدَاءِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ خَرَجُوا وَمَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْهُم، وَشَكَوْا عَمْرًا وَاسْتَعْفَوْا مِنْهُ، وَكُلَّمَا نَهْنَهَ عُثْمَانُ عَنْ عَمْرٍو قَوْمًا وَسَكَّتَهُمُ انْبَعَثَ آخَرُونَ بِشَيْءٍ آخَرَ، وَكُلُّهُمْ يَطْلُبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، فَقَالَ لَهُمْ عُثْمَانُ: أَمَّا عَمْرٌو فَسَنَنْزِعُهُ عَنْكُمْ وَنُقِرُّهُ عَلَى الْحَرْبِ، ثُمَّ وُلِّيَ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ خَرَاجَهُمْ، وَتَرَكَ عَمْرًا عَلَى الصَّلاةِ فَمَشَى فِي ذَلِكَ سودَانُ، وَكِنَانَةُ بن بشر،
وخارجة، فيما بين عبد الله بن سعد، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَأَغْرَوْا بَيْنَهُمَا حَتَّى تَكَاتَبَا عَلَى قَدْرِ مَا أَبْلَغُوا كُلَّ وَاحِدٍ. وَكَتَبَا إِلَى عُثْمَانَ، فَكَتَبَ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ: إِنَّ خَرَاجِي لا يَسْتَقِيمُ مَا دَامَ عَمْرٌو عَلَى الصَّلاةِ. وَخَرَجُوا فَصَدَّقُوهُ وَاسْتَعْفَوْا مِنْ عَمْرٍو، وَسَأَلُوا ابْنَ أَبِي سَرْحٍ، فَكَتَبَ عُثْمَانُ إِلَى عَمْرٍو: أَنَّهُ لا خَيْرَ لَكَ فِي صُحْبَةِ مَنْ يَكْرَهُكَ فَأَقْبَلَ. ثُمَّ جَمَعَ مِصْرَ لابْنِ أَبِي سَرْحٍ.
وقد رُوِيَ أنّه كان بين عمّار بْن ياسر، وبين عبّاس بْن عُتْبَة بْن أبي لهب كلام، فضربهما عثمان.
وَقَالَ سَيْفٌ، عَنْ مُبَشِّرٍ، وَسَهْلِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: قَدِمَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ مِنْ مِصْرَ وَأَبِي شَاكٍ، فَبَلَغَهُ، فَبَعَثَنِي إِلَيْهِ أَدْعُوهُ، فَقَامَ مَعِي وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ وَسِخَةٌ وَجُبَّةُ فِرَاءَ. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى سَعْدٍ قَالَ لَهُ: وَيْحَكَ يَا أَبَا الْيَقْظَانِ إِنْ كُنْتَ فِينَا لَمِنْ أهل الخير، فما الذي بَلَغَنِي عَنْكَ مِنْ سَعْيِكَ فِي فَسَادٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالتَّأْلِيبِ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، أَمَعَكَ عَقْلُكَ أم لا؟ فأهوى عمار على عِمَامَتِهِ وَغَضِبَ فَنَزَعَهَا وَقَالَ: خَلَعْتُ عُثْمَانَ كَمَا خلعت عمامتي هذه، فقال:{إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون} 1 وَيْحَكَ حِينَ كَبِرَتْ سِنُّكَ وَرَقَّ عَظْمُكَ وَنَفِدَ عُمْرُكَ خَلَعْتَ رِبْقَةَ2 الإِسْلامِ مِنْ عُنُقِكَ وَخَرَجْتَ من الدين عريانًا، فَقَامَ عَمَّارٌ مُغْضَبًا مُوَلِيًّا وَهُوَ يَقُولُ: أَعُوذُ بِرَبِّي مِنْ فِتْنَةِ سَعْدٍ، فَقَالَ سَعْدٌ: أَلا في الفتنة سقطوا، اللهم زد عُثْمَانَ بِعَفْوِهِ وَحِلْمِهِ عِنْدَكَ دَرَجَاتٍ، حَتَّى خَرَجَ عَمَّارٌ مِنَ الْبَابِ، فَأَقْبَلَ عَلَى سَعْدٍ يَبْكِي حَتَّى اخْضَلَّ لِحْيَتَهُ وَقَالَ: مَنْ يَأْمَنِ الْفِتْنَةَ يَا بُنَّيَّ لا يَخْرُجَنَّ مِنْكَ مَا سَمِعْتَ منه، فإنه مِنَ الأَمَانَةِ، وَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ النَّاسُ عَلَيْهِ يَتَنَاوَلُونَهُ، وَقَدْ قَالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"الْحَقُّ مَعَ عَمَّارٍ مَا لَمْ تَغَلَّبْ عَلَيْهِ دَلْهَةُ الْكِبَرِ"3، فَقَدْ دَلِهَ4 وَخَرِفَ.
وممّن قام على عثمان محمد بْن أبي بكر الصِّدِّيق، فسئل سالم بْن عبد الله فيما قيل عَنْ سبب خروج محمد، قَالَ: الغضب والطَّمَع، وكان من الإسلام بمكان، وغرَّه أقوامٌ فطمِع، وكانت له دالَّة، ولزمه حق، فأخذه عثمان من ظهره.
1 سورة البقرة: 156.
2 الربقة: حبل ذو عرى.
3 إسناده ضعيف جدا: سيف متروك.
4 الدله: الحيرة.
وحجّ معاوية، فقيل إنّه لمّا رأى لِينَ عثمان واضطرب أمرِه قَالَ: انطلِقْ معي إلى الشام قبل أن يهجم عليك من لَا قِبَل لك به، فإنّ أهل الشام على الطّاعة، فَقَالَ: إنا لَا أبيع جوارَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيءٍ وإنْ كان فيه قطْعُ خَيْطِ عُنُقي، قَالَ: فأبعثُ إليك جُنْدًا، قَالَ: أنا أقُتِّر على جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرزاقَ بجُنْدٍ تُساكِنُهُم! قَالَ: يا أمير المؤمنين واللَّهِ لَتُغْتَالَنَّ ولَتُغْزَيَنَّ، قَالَ:"حَسْبيَ اللَّهُ ونِعْم الوكيل".
وقد كان أهل مصر بايعوا أشياعهم من أهل الكوفة والبصرة وجميع من أجابهم، واتعدوا يومًا على شخص أمراؤهم، فلم يستقم لهم ذلك، لكنّ أهل الكوفة ثار فيهم يزيد بْن قيس الأرحبيّ واجتمع عليه ناس، وعلى الحرب يَوْمَئِذٍ القعقاع بن عمرو، فأتاه وأحاط الناس بهم فناشدوهم، وقال يزيد للقعقاع: ما سبيلك علي وعلى هؤلاء، فَوَاللِه إنّي لَسَامعٌ مُطيعٌ، وإنّي لازمٌ لجماعتي إلّا أني أستعفي من إمارة سعيد، ولم يُظهروا سوى ذلك، واستقبلوا سعيدًا فردّوه من الجَرعَة، واجتمع النّاس على أبي موسى فأقرّه عثمان.
ولمّا رجع الأمراء لم يكن للسّبائّية سبيل إلى الخروج من الأمصار، فكاتبوا أشياعهم أن يتوافوا بالمدينة لينظروا فيما يريدون، وأظهروا أنّهم يأمرون بالمعروف، وأنّهم يسألون عثمان عَنْ أشياء لتطِيرَ في النَّاس ولتُحَقَّقَ عليه، فَتَوافوا بالمدينة، فأرسل عثمان رجلين من بني مخزوم ومن بني زهرة فقال: انظرا مَا يريدون، وكانا ممّن ناله من عثمان أدبٌ، فاصطبرا للحقّ ولم يَضْطَغِنا، فلمّا رأوهما أتوهما وأخبروهما، فَقَالَا: من معكم على هذا من أهل المدينة؟ قالوا: ثلاثة، قالا: فكيف تصنعون؟ قالوا: نريد أن نذكر له أشياء قد زرعناها في قلوب النَّاس، ثمّ نرجع إليهم ونزعم لهم أنّا قرّرناه بها، فلم يخرج منها ولم يتُبْ، ثمّ نخرج كأنّنا حُجَّاج حتّى نقدِمَ فنحيط به فنخلَعَهُ، فإنْ أبى قتلناه.
فرجعا إلى عثمان بالخبر، فضحك وَقَالَ: اللَّهُمَّ سلِّم هؤلاء فإنَّك إنْ لم تسلّمهم شَقُّوا. فامّا عمّار فحمل عليّ عباس بْن أبي لهب وعَرَكه، وأمّا محمد بْن أبي بكر فإنّه أُعْجِب حتّى رأى أنّ الحقوق لَا تلزمه، وأما ابن سارة فإنّه يتعرض للبلاء.
وأرسل إلى المصرين والكوفيّين، ونادى: الصّلاة جامِعَة -وهم عنده في أصل المنبر- فأقبل أصحابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه، وأخبرهم بالأمر، وقام الرجلان، فَقَالَ النّاس: اقتل هؤلاء فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "من دعا إلى نفسه أو إلى أحدٍ، وعلى النَّاس إمامٌ فعليه لعنةُ الله فاقتلوه"1.
وَقَالَ عثمان: بل نعفو ونقبل، ونبصِّرُهم بجهدنا، إنّ هؤلاء قالوا: أتمّ الصلاة في السّفر، وكانت لَا تُتَمّ، ألا وإني قدمت بلدًا فيه أهلي فأتتمت لهذا.
قالوا: وحميت الحِمَى، وإنّي واللَّهِ مَا حميت إلا حُمِيَ قبلي، وإني قد وُلِّيتُ وإنّي لَأكْثَرُ العرب بعيرًا وشاءً، فما لي اليوم غيرُ بعيرَيْن لحَجَّتي، أكذلك؟ قالوا: نعم.
قَالَ: وقالوا: كان القرآن كُتُبًا فتركها إلّا واحدًا، ألا وإنّ القرآنَ واحدٌ جاء من عند واحدٍ، وإنّما أنا في ذلك تابعٌ هؤلاء، أكذلك؟ قالوا: نعم.
وقالوا: إنّي رددت الحَكَمَ وقد سيّره رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الطّائف ثمّ ردّه، فرسول الله صلى الله عليه وسلم سيّره وهو ردَّه، أفَكَذاك؟ قالوا: نعم.
وقالوا: استعملت الأحداثَ. ولم أستعمِل إلّا مُجْتَمَعًا مَرْضِيًّا، وهؤلاء أهل عملي فسلوهم، وقد ولّي من قبلي أحدثَ منه، وقيل في ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أشد ممّا قيل لي في استعماله أُسامة، أكذلك؟ قالوا: نعم.
وقالوا: إنّي أعطيت ابنَ أبي سَرْح مَا أفاء اللَّهُ عليه، وإنّي إنّما نَفَلْتُهُ خُمْس الخُمْسِ، فكان مائة ألف، وقد نَفَل مثل ذلك أَبُو بكر وعمر، وزعم الجُنْد أنّهم يكرهون ذلك فردَدْتُهُ عليهم، وليس ذلك لهم، أكذلك؟ قالوا: نعم.
وقالوا: إنّي أحبّ أهلي وأعْطيهم، فأما حبهم فلم يوجب جورًا، وأمّا إعطاؤهم، فإنّما أُعطيهم من مالي. ولا أستحلُّ أموالَ المُسْلِمين لنفسي ولا لأحدٍ. وكان قد قسم ماله وأرضه في بني أُميَّة، وجعل ولده كبعض من يُعطى.
1 أخرج مسلم معناه "1852/ 60" في كتاب الإمارة، باب: حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع، عن عرفجة قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم، فاقتلوه".
قَالَ: ورجع أولئك إلى بلادهم وعفا عنهم، قَالَ: فتكاتبوا وتواعدوا إلى شوَّال، فلمّا كان شوَّال خرجوا كالحُجَّاج حتّى نزلوا بقرب المدينة، فخرج أهل مصر في أربعمائة، وأمراؤهم عبد الرحمن بْن عُدَيْس البَلَوِيّ، وكِنَانة بْن بِشْر اللَّيْثي، وسُودان بْن حُمْران السَّكُونيّ، وقُتَيْرة السَّكُونيّ، ومقدّمهم الغافقيّ بْن حرب الْعَكْي، ومعهم ابن السَّوْداء.
وخرج أهل الكوفة في نحو عدد أهل مصر، فيهم زيد بْن صوجان العَبْدِيّ، والأشتر النَّخَعِيّ، وزياد بْن النَّضْر الحارثي، وعبد الله بْن الأصَمّ، ومقدّمهم عمرو بْن الأصم.
وخرج أهل البصرة وفيهم حُكَيْم بْن جَبَلَة، وذريح بْن عبّاد العبديّان، وبِشْر بْن شُرَيْح القَيْسي، وابن مُحَرِّش الحنفيّ، وعليهم حُرْقُوص بْن زُهَير السَّعْدِيّ.
فأمّا أهل مصر فكانوا يشتهون عليًّا، وأمّا أهل البصرة فكانوا يشتهون الزُّبَيْر، وأما أهل الكوفة فكانوا يشتهون طَلْحَةَ، وخرجوا ولا تشكُّ كلُّ فِرْقةٍ أن أمرها سيتمّ دون الأخرى، حتّى كانوا من المدينة على ثلاثٍ، فتقدّم ناسٌ من أهل البصرة فنزلوا ذا خُشُب. وتقدّم ناسٌ من أهل الكوفة فنزلوا الأعوص1، وجاءهم أُناسٌ من أهل مصر، ونزل عامَّتُهم بذي المَرْوَة، ومشى فيما بين أهل البصرة وأهلِ مصر زياد بْن النّضْر، وعبد الله بْن الأصَمّ ليكشفوا خبرَ المدينة، فدخلا فلقيا أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وطلحةً، والزُّبَيْر، وعليًّا، فَقَالَا: إنّما نَؤُمُّ هذا البيتَ، ونستعفي من بعض عُمّالنا، واستأذنوهم للناس بالدخول، فكلُّهم أَبَى وَنَهَى. فرجعا، فاجتمع من أهل مصر نفرٌ فأتوا عليًّا، ومن أهل البصرة نفرٌ فأتوا الزُّبَيْر، ومن أهل الكوفة نفر فأتوا طلحة، وقال كل فريق منهم: إن باعنا صاحِبَنا وإلّا كِدْناهم وفرَّقْنا جماعتَهم، ثمّ كَرَرْنا حتَّى نَبْغَتَهُم.
فأتى المصريون عليًّا وهو في عسكر عند أحجار الزَّيت2، وقد سرَّح ابنه الحسن إلى عثمان فيمن اجتمع إليه، فسلّم على عليٍّ المصريون، وعرضوا له، فصاح بهم وطردهم وَقَالَ: لقد علم الصّالحون أنّكم ملعونون، فارجِعُوا لَا صَحِبَكُم الله، فانصرفوا، وفعل طلْحة والزبير نحو ذلك.
1 الأعوص: موضع قرب المدينة.
2 أحجار الزيت: موضع بالمدينة.
فذهب القوم وأظهروا أنهم راجعون إلى بلادهم، فذهب أهلُ المدينة إلى منازلهم، فلمّا ذهب القوم إلى عساكرهم كرّوا بهم، وبغتوا أهل المدينة ودخلوها وضجُّوا بالتّكبير، ونزلوا في مواضع عساكرهم، وأحاطوا بعثمان وقالوا: من كفَّ يدَه فهو آمن.
ولزِمَ النَّاس بيوتهم، فأتى عليّ رضي الله عنه فَقَالَ: مَا رَدَّكُم بعد ذَهَابِكم? قالوا: وجدنا مع بريدٍ كتابًا بقتْلِنا، وَقَالَ الكوفيّون والبصريّون: نحن نمنع إخواننا وننصرهم. فعلم النَّاس أنّ ذلك مكرٌ مِنهم.
وكتب عثمان إلى أهل الأمصار يستمدُّهم، فساروا إليه على الصَّعْب والذّلُول، فبعث معاوية إليه حبيب بْن مسْلَمَة، وبعث ابنُ أبي سَرْح معاوية بْن حُدَيْج وسار إليه من الكوفة القعْقاع بْن عمرو.
فلما كان يوم الجمعة صلّى عثمان بالناس وخطب فقال: يا هؤلاء الغزاة الله الله، فَوَاللَّهِ إنّ أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعونون عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فامْحُوا الخطأ بالصواب، فإنّ الله لا يمحو السيئ إلّا بالحسن، فقام محمد بْن مسْلَمَة فَقَالَ: أنا أشهد بذلك، فأقعده حُكَيْم بْن جَبَلَة، فقام زيد بن ثابت فقال: ابغني الكتاب، فثار إليه من ناحيةٍ أخرى محمد بْن أبي قُتَيْرَة فأقعده وتكلّم فأفظَع، وثار القوم بأجمعهم. فحصبوا النّاس حتى أخرجوهم، وحصبوا عثمان حتى صرع عن المنبر مَغْشِيًّا عليه، فاحتُمِل وأُدْخِل الدَّار.
وكان المصريون لَا يطمعون في أحدٍ من أهل المدينة أن ينصرهم إلّا ثلاثة، فإنّهم كانوا يُراسلونهم، وهم: محمد بْن أبي بكر الصِّدِّيق، ومحمد بْن جعفر، وعمّار بْن ياسر.
قَالَ واستقل أُناس: منهم زيد بْن ثابت، وأبو هُرَيْرَةَ، وسعد بْن مالك، والحسن بْن عليّ، ونهضوا لنُصْرة عثمان، فبعث إليهم يعزم عليهم لمّا انصرفوا، فانصرفوا، وأقبل عليّ حتّى دخل على عثمان هو وطلْحَة والزُّبَيْر يعودونه من صَرْعَتِه، ثم رجعوا منازلهم.
وَقَالَ عمرو بْن دينار، عَنْ جابر قَالَ: بَعَثَنَا عثمان خمسين راكبًا، وعلينا
محمد بْن مسْلَمَة حتى أتينا ذا خُشُب، فإذا رجلٌ مُعَلِّقٌ المُصْحَف في عُنُقه، وعيناه تَذْرِفان، والسيف بيده وهو يَقُولُ: ألا إنّ هذا -يعني المُصْحَف- يأمرنا أن نضرب بهذا -يعني السيف- على مَا في هذا -يعني المُصْحَف- فَقَالَ محمد بْن مسْلَمَة: اجلس فقد ضربنا بهذا على ما في هذا قبلك، فجلس فلم يزل يكّلِمهم حتّى رجعوا.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ وَغَيْرُهُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ الْمِصْرِييِّنَ لَمَّا أَقْبَلُوا يُرِيدُونَ عُثْمَانَ دَعَا عُثْمَانُ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: اخْرُجْ إِلَيْهِمْ فَارْدُدْهُمْ وَأَعْطِهِمُ الرِّضَا، وَكَانَ رُؤَسَاؤُهُمْ أَرْبَعَةً: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُدَيْسٍ، وَسُودَانُ بْنُ حُمْرَانَ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيُّ، وَابْنُ النِّبَاعِ، فَأَتَاهُمُ ابْنُ مَسْلَمَةَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ حَتَّى رَجَعُوا، فَلَمَّا كَانُوا بِالْبُوَيْبِ1 رَأَوْا جَمَلًا عَلَيْهِ ميسم الصدقة، فأخذوه، فإذا غلام لعثمان، ففتشوا متاعه، فوجدوا صبة مِنْ رَصَاصٍ، فِيهَا كَتَابٌ فِي جَوْفِ الإِدَاوَةِ فِي الْمَاءِ: إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ أَنِ افْعَلْ بِفُلانٍ كَذَا، وَبِفُلانٍ كَذَا، مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ شَرَعُوا فِي قَتْلِ عُثْمَانَ، فَرَجَعَ الْقَوْمِ ثَانِيَةً وَنَازَلُوا عُثْمَانَ وَحَصَرُوهُ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَنْكَرَ عُثْمَانُ أَنْ يَكُونَ كَتَبَ ذَلِكَ الْكِتَابَ وَقَالَ: فُعِلَ ذَلِكَ بِلا أَمْرِي.
وَقَالَ أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ أبي سعيد مولى أُسَيْد، فذكر طَرَفًا من الحديث، إلى أن قَالَ: ثُمَّ رجعوا راضين، فبينما هم بالطريق ظفروا برسولٍ إلى عامل مصر أن يُصَلِّبهم ويفعل، فردّوا إلى المدينة، فأتوا عليًّا فقالوا: ألم تر إلى عدّو الله، فقُم معنا، قَالَ: واللَّهِ لَا أقوم معكم، قالوا: فلم كتبت إلينا؟ قَالَ: واللَّهِ مَا كتبت إليكم، فنظر بعضهم إلى بعض. وخرج عليٌّ من المدينة، فانطلقوا إلى عثمان فقالوا: أَكَتَبْتَ فينا بكذا؟ فَقَالَ: إنّما هما اثنان، تُقِيمون رجُلَين من المسلمين -يعني شاهدين- أو يميني بالله الَّذِي لَا إله إلّا هو مَا كتبت ولا علِمْتُ، وقد يكتب الكتاب على لسان الرجل ويُنْقَش الخاتم، فقالوا: قد أحَلَّ اللُه دَمَك، ونُقض العهد والميثاق، وحصروه في القصر.
وَقَالَ ابن سيرين: إنّ عثمان بعث إليهم عليًّا فقال: تعطون كتاب الله
1 البويب: مدخل أهل الحجاز إلى مصر.
وتُعَتَّبُون من كلّ مَا سخِطْتُم، فأقبل معه ناسٌ من وجوههم، فاصطلحوا على خمسٍ: على أنّ المَنْفيَّ يُقْلب، والمحروم يُعْطَى، ويوفَّر الفَيْء، وَيُعْدَلُ في القسم، ويستعمل ذو الأمانة والقوّة، كتبوا ذلك في كتاب، وأن يردّوا ابن عامر إلى البصرة وأبا موسى إلى الكوفة.
وَقَالَ أَبُو الأشهب، عَنِ الحسن قَالَ: لقد رأيتهم تحاصبوا في المسجد حتّى مَا أبصر السماء، وإن رجلًا رفع مصحفه من حُجُرات النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثمّ نادى: ألم تعلموا أن محمدًا قد برئ ممّن فرَّقُوا دِينَهم وكانوا شيعًا.
وَقَالَ سلّام: سمعت الحسن قَالَ: خرج عثمان يوم الجمعة، فقام إليه رجل فَقَالَ: أسألك كتاب الله، فقال: ويْحَك، أليس معك كتاب الله! قَالَ: ثمّ جاء رجلٌ آخر فنهاه، وقام آخر، وآخر، حتّى كَثُرُوا، ثمّ تحاصبوا حتّى لم أر أديمَ السماء.
وروى بِشْر بْن شَغَاف، عَنْ عبد الله بْن سلّام قَالَ: بينما عثمان يخطُب، فقام رجل فنال منه، فَوَذَأْتُه فاتَّذَأ فَقَالَ رجل: لَا يمنعك مكان ابن سلام أن تسب نعثلًا، فإنه من شيعته، فقال له: لقد قلتَ القولَ العظيم في الخليفة من بعد نوح.
وَذَأْتُه: زَجَرْتُه وقمعتُه.
وقالوا لعثمان "نعثلا" تشبهًا له برجلٍ مصريّ اسمه نَعْثَل كان طويل اللّحْية.
والنَّعْثَل: الذَّكَر من الضِّباع، وكان عُمَر يُشَبَّه بنوحٍ في الشِّدَّة.
وَقَالَ ابن عُمَر: بينما عثمان يخطب إذ قام إليه جَهْجاه الغفاريّ، فأخذ من يده العصا فكسرها على رُكْبَته، فدخلت منها شظِيَّةٌ في رُكِبْته، فوقعت فيها الأكِلَة.
وَقَالَ غيره: ثمّ إنّهم أحاطوا بالدّار وحصروه، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ يَقُولُ: إِنْ وَجَدْتُمْ فِي الْحَقِّ أَنْ تَضَعُوا رجليَّ فِي الْقَيْدِ فَضَعُوهُمَا.
وَقَالَ ثُمَامة بْن حَزْن القُشَيْرِيّ: شهِدْتُ الدّار وأشرف عليهم عثمان فَقَالَ:
ائتوني بصاحبيكم اللّذين ألَّباكم، فدعيا له كأنّهما جملان أو حماران، فَقَالَ: أنْشُدُكم الله أتعلمون أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس فيها ماء عذب ولا بئر رومة، فقال:"من يشتريها فيكون ما دَلْوُه كدِلاء المُسْلِمين، وله في الجنة خيرٌ منها" فاشتريتُها، وأنتم اليوم تمنعوني أنْ أشرب منها حتّى أشرب من الماء المالح؟ قالوا: اللَّهُمَّ نعم، قَالَ: أنْشُدُكم الله والإسلام، هل تعلمون أنّ المسجد ضاق بأهله، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ يشتري بُقْعَةً بخيرٍ له منها في الجنّة"، فاشتريتُها وزِدْتُها في المسجد، وأنتم تمنعوني اليوم أن أصلي فيها؟ قالوا: اللَّهُمَّ نعم، قَالَ: أنْشُدُكم الله، هل تعلمون أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان على ثَبِير مكَة، فتحرك وعليه أَبُو بكر وعمر وأنا، فَقَالَ:"أسْكُنْ فليس عليك إلّا نبيٌّ وصدِّيقٌ وشهيدان". قالوا: اللَّهُمَّ نعم، فَقَالَ: الله أكبر شهِدُوا وربَّ الكعبة أنّي شهيد1.
ورواه أَبُو سلمة بْن عبد الرحمن بنحْوه، وزاد فيه أنّه جهّز جيش الْعُسْرَةِ.
ثُمَّ قَالَ: ولكنْ طال عليكم أمري فاستعجلتم، وأردتم خلع سِرْبالٍ سَرْبَلَنِيه الله، وإنّي لَا أخلعه حتّى أموت أو أُقْتَلَ.
وعن ابن عُمَر قَالَ: فأشرف عليهم وَقَالَ: عَلَام تقتلونني؟ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يحل دمُ امرئٍ مسلمٍ إلّا بإحدى ثلاث: كُفْرُ بعد إسلام، أو رجل زَنَى بعد إحصان، أو رجل قتل نفسًا"، فَوَاللَّهِ ما زنيت في جاهلية ولا في إسلام، ولا قتلت رجلًا ولا كفرت2.
1 صحيح دون قصة "ثبير" علق بعضه البخاري كما في "الفتح""7/ 65" ووصله الترمذي "3723" في كتاب المناقب، باب: مناقب عثمان بن عفان، والنسائي "7/ 56" في كتاب الأحباس، باب: وقف المساجد، والطيالسي في "مسنده""82" وعبد الله بن أحمد في زوائد "المسند""1/ 74، 75" وقال الألباني في "ضعيف سنن النسائي": صحيح دون قصة "ثبير".
2 صحيح: أخرجه أبو داود "4502" في كتاب الديات، باب: الإمام يأمر بالعفو في الدم، والترمذي "2165" في كتاب الفتن، باب: ما جاء لَا يحل دمُ امرئٍ مسلمٍ إلّا بإحدى ثلاث، والنسائي "7/ 92" في كتاب تحريم الدم، باب: ذكر ما يحل به دم المسلم، وابن ماجه "2533" في كتاب الحدود، باب: لا يحل دم امرئ مسلم إلا في ثلاث، وأحمد "1/ 65" وابن سعد في "الطبقات""2/ 37"، والبغوي في "شرح السنة""22518" وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".
قَالَ أَبُو أُمَامَة بْن سهل بْن حنيف، إنّي لمع عثمان وهو محصور، فكنّا ندخل إليه مدخلًا -أو أدْخَل إليه الرجل- نسمع كلام من على البلاط، فدخل يومًا فيه وخرج إلينا وهو متغيّر اللون فَقَالَ: إنّهم يتوعدوني بالقتل، فقلنا: يكْفِيكَهُمُ الله.
وَقَالَ سَهْلٌ السَّرَّاجُ، عَنِ الحسن، قال عمان: لَئِنْ قَتَلُونِي لَا يُقَاتِلُونَ عَدُوًّا جَمِيعًا أَبَدًا، وَلا يَقْتَسِمُونَ فَيْئًا جَمِيعًا أَبَدًا، وَلا يُصَلُّونَ جَمِيعًا أَبَدًا، وَقَالَ مثله عبدُ الملك بْن أبي سليمان، عن أبي ليلى الكندي، وزاد فيه: ثمّ أرسل إلى عبد الله بْن سلّام فَقَالَ: مَا ترى؟ قَالَ: الكَفّ الكَفّ، فإنّه أبلغ لك في الحُجَّة، فدخلوا عليه فقتلوه وهو صائم رضي الله عنه وأرضاه.
وَقَالَ الحسن: حدّثني وثّاب قَالَ: بعثني عثمان، فدعوت له الأشترَ فَقَالَ: مَا يريد النّاس؟ قَالَ: إحدى ثلاث: يخيِّرُونك بين الخلْع، وبين أن تقتص من نفسك، فإنْ أبيتَ فإنّهم قاتلوك، فَقَالَ: مَا كنت لأخلع سِرْبالًا سَرْبَلَنيِهُ الله، وبدني مَا يقوم لقَصاص.
وَقَالَ حُمَيْد بْن هلال: ثنا عبد الله بْن مُغَفَّلٍ قَالَ: كان عبد الله بْن سلّام يجيء من أرضٍ له على حمارٍ يوم الجمعة، فلما حصر عثمان قال: يا أيها النّاس لَا تقتلوا عثمان، واستعتِبُوه، فوالذي نفسي بيده مَا قتلت أمَّةٌ نبيَّها فصلُح ذات بينهم حتى يهرقوا دمَ سبعين ألفًا، وما قتلت أمَّةٌ خليفتها فيصلح الله بينهم حتى يهرقوا دمَ أربعين ألفًا، وما هلكت أمّةٌ حتّى يرفعوا القرآن على السلطان، قَالَ: فلم ينظروا فيما قَالَ، وقتلوه، فجلس على طريق عليّ بْن أبي طالب، فَقَالَ له: لَا تأتِ العراق وَالْزَمْ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فوالذي نفسي بيده لئن تركْتَهُ لَا تراه أبدًا، فَقَالَ من حول عليّ: دعنا نقتله، قَالَ: دعوا عبد الله بْن سلّام، فإنّه رجل صالح.
قَالَ عبد الله بْن مُغَفَّلٍ: كنت استأمرت عبد الله بْن سلام في أرض اشتريتها. فَقَالَ بعد ذلك: هذه رأس أربعين سنة، وسيكون صُلْح فاشْتَرِها. قيل لحُمَيْد بْن هلال: كيف ترفعون القرآن على السُّلطان؟ قَالَ: ألم تر إلى الخوارج كيف يتأوَّلُون القرآن على السُّلطان؟
ودخل ابن عُمَر على عثمان وهو محصور فقال: ما ترى؟ قال: أرى أن نعطيهم مَا سألوك من وراء عَتَبة بابِك غير أن لَا تَخْلَع نفسَك، فَقَالَ: دونك عَطاءك -وكان واجدًا عليه- فَقَالَ: ليس هذا يوم ذاك. ثمّ خرج ابن عُمَر إليهم فَقَالَ: إيّاكم وقُتِل هذا الشيخ، واللَّهِ لئن قتلتموه لم تحجوا البيت جميعًا أبدًا، ولم تجاهدوا عدوكم جميعا أبدا، ولم تقسموا فيئكم جميعا أبدا إلّا أن تجتمع الأجسادُ والأهواءُ مختلفة، ولقد رأيتنا وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافِرون نقول: أَبُو بكر، ثُمَّ عُمَر، ثُمَّ عثمان. رواه عاصم بْن محمد العُمَرِيّ، عَنْ أبيه، عَنِ ابن عُمَر.
وعن أبي جعفر القاري قَالَ: كان المصريون الذين حصروا عثمان ستمائة: رأسهم كِنَانة بْن بِشْر، وابن عُدَيْس البَلَوِيّ، وعَمْرو بْن الحَمِق، والذين قدموا من الكوفة مائتين، رأسهم الأشتر النَّخَعِيّ، والذين قدموا من البصرة مائة، رأسهم حكيم ببن جَبَلة، وكانوا يدًا واحدة في الشّرّ، وكانت حُثَالةٌ من النَّاس قد ضَووا إليهم، وكان أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم الذين خذلوه كرِهُوا الفتنة وظنّوا أنّ الأمر لَا يبلغ قتله، فلمّا قُتِل نِدموا على مَا ضيعوه في أمره، ولَعَمْري لو قاموا أو قام بعضُهم فحثا في وجوه أولئك التُّراب لانْصَرَفُوا خاسئين.
وَقَالَ الزُّبَيْر بْن بكّار: حدّثني محمد بْن الحسن قَالَ: لمّا كثُر الطَّعْن على عثمان تنحّى عليٌّ إلى ماله بيَنْبُع، فكتب إليه عثمان: أمّا بعد فقد بلغ الحزامُ الطُّبْيَيْن، وبلغ السَّيْلُ الزُّبي، وبلغ الأمرُ فوق قدْره، وطمع في الأمر من لَا يدفع عَنْ نفسه:
فإن كنت مأكولًا فكُنْ خير آكلٍ
…
وإلّا فأدركني ولما أمزق
والبيت لشاعر عن عبد القيْس.
الطّبْي: مَوْضِعُ الثَّدْيِ من الْخَيْلِ.
وَقَالَ محمد بْن جُبَيْر بْن مُطْعم: لمّا حُصر عثمان أرسل إلى عليّ: إنّ ابن عمِّك مقتول، وإنّك لَمَسْلُوب.
وعن أبان بْن عثمان قَالَ: لمّا أَلَحُّوا على عثمان بالرَّمْي، خرجت حتى
أتيت عليًّا فَقُلْتُ: يا عمّ أهْلَكَتنا الحجارة، فقام معي، فلم يزل يرمي حتى فتر منكبه، ثم قال: يابن أخي، أجمع حَشَمَك1، ثمّ يكون هذا شأنك.
وقال حبيب بن أبي ثابت، عن أبي جعفر محمد بْن عليّ: إن عثمان بعث إلى عليّ يدعوه وهو محصور، فأراد أن يأتيه، فتعلّقوا به ومنعوه، فحسر عمامةً سوداء عَنْ رأسه وَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا أرضى قتْلَه ولا آمُرُ به.
وعن أبي إدريس الخوْلاني قَالَ: أرسل عثمان إلى سعد، فأتاه، فكلَّمه، فَقَالَ له سعد أرسِلْ إلى عليّ، فإنْ أتاك ورضي صَلُح الأمرُ، قَالَ: فأنت رسولي إليه، فأتاه، فقام معه عليّ، فمرّ بمالك الأشتر، فَقَالَ الأشتر لأصحابه: أين يريد هذا؟ قالوا: يريد عثمان، فَقَالَ: واللَّهِ لَئِنْ دخل عليه لتقتلُّنَّ عَنْ آخِرِكم، فقام إليه في أصحابه حتّى اختلجه عَنْ سعد وأجلسه في أصحابه، وأرسل إلى أهل مصر: إن كنتم تريدون قتْلَه فأسرِعوا، فدخلوا عليه فقتلوه.
وعن أبي حبيبة قَالَ: لمّا اشتدّ الأمر، قالوا لعثمان -يعني الذين عنده في الدّار- أئذَنْ لنا في القتال، فَقَالَ: أعْزِمُ على من كانت لي عليه طاعةٌ أنْ لَا يقاتل.
أبو حبيب هو مولى الزُّبَيْر، روى عنه موسى بْن عقبة.
قال محمد بن سعد: ثنا منصور بن عمر، حدثني سرحبيل بْنُ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ أَبِيهِ. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مِسْوَرِ بن مَخْرَمَةَ.
"ح"، وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَمِّهِ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ. "ح"، وَثنا ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالُوا: بَعَثَ عُثْمَانُ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ إِلَى مُعَاوِيَةَ يُعْلِمُهُ أَنَّهُ مَحْصُورٌ، وَيَأْمُرُهُ أَنْ يُجَهِّزَ إِلَيْهِ جَيْشًا سَرِيعًا. فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، رَكِبَ مُعَاوِيَةُ لِوَقْتِهِ هُوَ وَمُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ، وَابْنُ حُدَيْجٍ، فَسَارُوا مِنْ دِمَشْقَ إِلَى عُثْمَانَ عَشْرًا.
فَدَخَلَ مُعَاوِيَةُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَقَبَّلَ رَأْسَ عُثْمَانَ، فَقَالَ: أَيْنَ الْجَيْشُ؟ قَالَ: مَا جِئْتُ إِلَّا فِي ثَلاثَةِ رَهْطٍ، فَقَالَ عُثْمَانُ: لَا وَصَلَ اللَّهُ رَحِمَكَ، ولا أعز
1 الحشم: حشم الرجل خاصته.
نَصْرَكَ، وَلا جَزَاكَ خَيْرًا، فَوَاللَّهِ لَا أُقْتَلُ إِلَّا فِيكَ، وَلا يُنْقَمُ عَلَيَّ إِلَّا مِنْ أَجْلِكَ، فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، لَوْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ جَيْشًا فَسَمِعُوا بِهِ عَاجَلُوكَ فَقَتَلُوكَ، وَلَكِنَّ مَعِي نَجَائِبَ، فَاخْرُجْ مَعِي، فَمَا يَشْعُرُ بِي أَحَدٌ، فَوَاللَّهِ مَا هِيَ إِلَّا ثَلاثٌ حَتَّى نَرَى مَعَالِمَ الشَّامِ، فَقَالَ: بِئْسَ مَا أَشَرْتَ بِهِ، وَأَبَى أَنْ يُجِيبَهُ، فَأَسْرَعَ مُعَاوِيَةُ رَاجِعًا، وَوَرَدَ الْمِسْوَرُ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ بِذِي الْمَرْوَةِ رَاجِعًا. وَقَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ وَهُوَ ذَامٌّ لِمُعَاوِيَةَ غَيْرُ عَاذِرٍ لَهُ.
فَلَمَّا كَانَ فِي حَصْرِهِ الآخِرِ، بَعَثَ الْمِسْوَرَ ثَانِيًا إِلَى مُعَاوِيَةَ لِيُنْجِدَهُ فَقَالَ: إِنَّ عُثْمَانَ أَحْسَنَ فَأَحْسَنَ اللَّهُ بِهِ، ثُمَّ غَيَّرَ فَغَيَّرَ اللَّهُ بِهِ، فشددتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: تَرَكْتُمْ عُثْمَانَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ نَفْسُهُ فِي حُنْجُرَته قُلْتُمُ: اذْهَبْ فَادْفَعْ عَنْهُ الْمَوْتَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِيَدِي، ثُمَّ أَنْزلني فِي مَشْرَبَةٍ عَلَى رَأْسِهِ، فَمَا دَخَلَ عَلَيَّ دَاخِلٌ حَتَّى قُتِلَ عُثْمَانُ.
وأمّا سَيْف بْن عُمَر، فروى عَنْ أبي حارثة، وأبي عثمان قالا: لمّا أتى معاوية الخبر أرسل إلى حبيب بْن مسْلَمَة الفِهْرِيّ فَقَالَ: أشِرْ عليَّ برجلٍ مُنَفِّذٍ لأمري، ولا يقصِّر، قَالَ: مَا أعرف لذاك غيري، قَالَ: أنت لها. وجعل على مقدّمته يزيد بْن شجعة الحِمْيَريّ في ألفٍ وَقَالَ: إنْ قدمت يا حبيب وقد قُتِلَ، فلا تَدَعَنّ أحدًا أشار إليه ولا أعان عليه إلّا قتلته، وإنْ أتاك الخبر قبل أن تصل، فأقم حتى أنظر، وبعث يزيد شجعة في ألفٍ على البغال، يقودون الخيل، معهم الإبل عليها الرَّوَايَا فأغذَّ السَّير، فأتاه قتْلُهُ بقُربْ خيْبَرَ. ثمَّ أتاه النُّعمان بْن بشير، معه القميص الَّذِي فيه الدّماء وأصابع امرأته نائلة، قد قطعوها بضربة سيف، فرجعوا، فنصب معاوية القميص على منبر دمشق، والأصابع معلّقة فيه، وآلى رجالٌ من أهل الشّام لَا يأتون النّساء ولا يمسُّون الْغُسْلَ إلّا من حُلُم، ولا ينامون على فراشٍ حتّى يقتلوا قَتَلَةَ عثمان، أو تَفْنَى أرواحهُم، وبَكَوْه سنةً.
وَقَالَ الأوزاعيّ: حدثني محمد بْن عبد الملك بْن مروان، أنّ المُغيرة بن شُعْبَة، دخل على عثمان وهو محصور فَقَالَ: إنّك إمام العامَّة، وقد نزل بك مَا نرى، وإني أعرض عليك خِصالًا: إمّا أنْ تخرج تقاتلهم، فإنّ معك عددًا وقوّة. وإمّا أنْ تَخْرق لك بابًا سوى الباب الَّذِي هم عليه، فتقعد على رواحلك فتحلق بمكة، فإنَّهم لن يستحلُّوك وأنت بها، وإمّا أن تلحق بالشّام، فإنّهم أهل الشّام،
وفيهم معاوية. فَقَالَ: إنّي لن أفارق دار هجرتي، ولن أكون أوّل من خَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أُمَّته بسفْك الدِّماء.
وَقَالَ نافع، عَنِ ابن عُمَر: أصبح عثمان يحدّث النَّاس قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اللَّيْلَةَ في المنام، فَقَالَ:"أفطِرْ عندنا غدًا" فأصبح صائمًا، وقُتِلَ من يومه1.
وَقَالَ محمد بْن سيرين: ما أعلم أحدًا يتَّهم عليًّا في قتْل عثمان، وقُتِلَ وإنّ الدَّارَ غاصَّة، فيهم ابن عُمَر، والحسن بْن عليّ، ولكنَّ عثمان عزم عليهم أن لَا يقاتلوا.
ومن وجه آخر. عَنِ ابن سيرين قال: انطلق الحسن والحسين وابن عُمَر، ومروان، وابن الزبير، كلهم شاك السلاح، حتى دخلوا على عثمان، فقال: أعزم عليكم لما رجعتم فوضعتم أسلحتكم ولزمتم بيوتكم، فقال ابن الزبير، ومروان: نحن نعزم على أنفسنا أن لَا نبْرَح، وخرج الآخرون.
وَقَالَ ابن سيرين: كان مع عثمان يَوْمَئِذٍ في الدار سبعمائة، لو يَدَعُهُم لَضَرَبوهم حتّى يُخْرِجُوهم من أقطارها.
وروي أنّ الحسن بْن عليّ مَا راح حتّى خرج.
وقال عبد الله بْن الزُّبَيْر: قلت لعثمان: قاتِلْهم، فوَالله لقد أحلّ الله لك قِتَالهم، فَقَالَ: لَا أقاتلهم أبدًا، فدخلوا عليه وهو صائم. وقد كان عثمان أمَّر ابن الزُّبَيْر على الدار، وَقَالَ: أطيعوا عبد الله بْن الزُّبَيْر.
وَقَالَ ابن سيرين: جاء زيد بن ثابت في ثلاثمائة مِنَ الأَنْصَار، فدخل على عثمان فَقَالَ: هذه الأنصار بالباب. فَقَالَ: أمّا القتال فلا.
وَقَالَ أَبُو صالح، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: دخلت على عثمان يوم الدَّار فَقُلْتُ: طاب الضَّرْبُ، فَقَالَ: أيَسُرُّك أنْ يُقْتل النّاسُ جميعًا وأنا معهم؟ قلت: لَا، قَالَ: فإنّك إنْ قتلت رجلًا واحدًا، فكأنما قتلت النَّاس جميعًا، فانصرفت ولم أقاتل.
1 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 41".
وعن أبي عَون مولى المِسْوَر قَالَ: مَا زال المصريون كافيين عَنِ القتال، حتّى قدِمَتْ أمدادُ العراق من عند ابن عامر، وأمداد ابن أبي سَرْحٍ من مصر، فقالوا: نُعاجِلُهُ قبل أن تَقْدَم الأمداد.
وعن مسلم أبي سعيد قَالَ: أعتق عثمان عشرين مملوكًا، ثمّ دعا بسراويل، فشدّها عليه. ولم يلْبَسْها في جاهلية ولا في إسلام، وَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم البارحة، وأبا بكر، وعمر، فَقَالَ:"اصْبِرْ فإنّك تُفْطِر عندنا القابلة"1 ثمّ نشر الْمُصْحَفَ بين يديه، فقُتِلَ وهو بين يديه.
وَقَالَ ابن عَوْن، عَنِ الحَسَن: أنبأني وثّاب مولى عثمان قَالَ: جاء رُوَيْجل كأنّه ذِئبٌ، فاطَّلع من بابٍ، ثمّ رجع، فجاء محمد بْن أبي بكر في ثلاثة عشر رجلًا، فدخل حتّى انتهى إلى عثمان، فأخذ بلحيته، فَقَالَ بها حتى سمعتُ وقع أضْراسه، فَقَالَ: مَا أغنى عنك معاوية، مَا أغنى عنك ابن عامر، مَا أغْنتْ عنك كُتُبُك، فقال: أرسل لحيتي يابن أخي، قَالَ: فأنا رأيُتُه استعْدَى رجلًا من القوم عليه يُعِينُهُ، فقام إلى عثمان بمِشْقَصٍ، حتّى وجَأ به في رأسه ثُمَّ تَعَاوَرُوا عليه حتّى قتلوه.
وعن ريطة مولاة أسامة قالت: كنت في الدّار، إذ دخلوا، فجاء محمد فأخذ بلحية عثمان فهزها، فقال: يابن أخي دَعْ لِحْيَتي لَتَجْذُب مَا يعزُّ على أبيك أن يؤذيها. فرأيته كأنّه استحى، فقام، فجعل بطرف ثوبه هكذا: ألا ارجعوا. قالت: وجاء رجلٌ من خلف عثمان بسعفَة رَطْبة، فضرب بها جبهَتَه فرأيت الدم يسيل، وهو يمسحه ويقول:"اللَّهُمَّ لَا يطلب بدمي غيرك"، وجاء آخر فضربه بالسَّيف على صدره فأقْعَصَه2، وتَعَاوَرُوه بأسيافهم، فرأيتُهم ينْتَهِبُون بيته.
وَقَالَ مجالد، عَنِ الشَّعْبِيّ قَالَ: جاء رجل من تُجَيْب من المصريين، والنّاس حول عثمان، فاسْتَلَّ سيفه، ثمّ قَالَ: أفْرِجوا، ففرجوا له، فوضع ذباب سيفه في بطْن عثمان، فأمسكت نائلة بنتُ الفَرافصة زوجة عثمان بالسيف لتمنع عنه، فحزّ السيف أصابعها.
وقيل: الَّذِي قتله رجل يقال له حمار.
1 أي الليلة القابلة.
2 أقعصه: طعته.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْد، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ تَسَوَّرَ مِنْ دَارِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَلَى عُثْمَانَ، وَمَعَهُ كِنَانَةُ بْنُ بِشْرٍ، وَسُودَانُ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ، فَوَجَدُوهُ عِنْدَ نَائِلَةَ يَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ، فَتَقَدَّمَهُمْ مُحَمَّدٌ، فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ وَقَالَ: يَا نَعْثَلُ قَدْ أَخْزَاكَ اللَّهُ، فَقَالَ: لَسْتُ بِنَعْثَلٍ وَلَكِنَّنِي عَبْدُ اللَّهِ، وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ: مَا أَغْنَى عَنْكَ مُعَاوِيَةُ وَفُلانٌ وَفُلانٌ، قَالَ: يَابْنَ أَخِي دَعْ لِحْيَتِي، فَمَا كَانَ أَبُوكَ لِيَقْبِضَ عَلَى مَا قَبَضْتَ، فَقَالَ: مَا يُرَادُ بِكَ أَشَدَّ مِنْ قَبْضَتِي، وَطَعَنَ جَنْبَهُ بِمِشْقَصٍ1، وَرَفَعَ كِنَانَةُ مَشَاقِصَ فَوَجَأَ بِهَا فِي أُذُنِ عُثْمَانَ، فَمَضَتْ حَتَّى دَخَلَتْ فِي حَلْقِهِ، ثُمَّ عَلاهُ بِالسَّيْفِ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: فَسَمِعْتُ ابْنَ أَبِي عَوْنٍ يَقُولُ: ضَرَبَ كِنَانَةُ بْنُ بِشْرٍ جَبِينَهُ بِعَمُودِ حَدِيدٍ، وَضَرَبَهُ سُودَانُ الْمُرَادِيُّ فَقَتَلَهُ، وَوَثَبَ عَلَيْهِ عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ، وَبِهِ رَمَقٌ، وَطَعَنَهُ تِسْعَ طَعَنَاتٍ وَقَالَ: ثَلاثٌ لِلَّهِ، وَسِتٌّ لِمَا فِي نَفْسِي عَلَيْهِ.
وعن المُغِيرَة قَالَ: حصروه اثنين وعشرين يومًا، ثمّ احرقوا الباب، فخرج من في الدّار.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ: فَتَحَ عُثْمَانُ الْبَابَ وَوَضَعَ الْمُصْحَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: بَيْنِي وَبَيْنَكَ كِتَابُ اللَّهِ، فَخَرَجَ وَتَرَكَهُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ آخَرُ، فَقَالَ: بَيْنِي وَبَيْنَكَ كِتَابُ اللَّهِ، فَخَرَجَ وَتَرَكَهُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ آخَرُ، فَقَالَ: بَيْنِي وَبَيْنَكَ كِتَابُ اللَّهِ، فأهوى عليه بِالسَّيْفِ، فَاتَّقَاهُ بِيَدِهِ فَقَطَعَهَا، فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنَّهَا لأَوَّلُ كَفٍّ خَطَّتِ الْمُفَصَّلَ2، وَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: الْمَوْتُ الأَسْوَدُ، فَخَنَقَهُ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ بِالسَّيْفِ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَلْيَنَ مِنْ حَلْقِهِ، لَقَدْ خَنَقْتُهُ حَتَّى رأيت نفسه مثل الجان تردد في جسده.
وعن الأزهري قَالَ: قُتِل عند صلاة العصر، وشدّ عبدٌ لعثمان على كنانة بن بشر فقتله، وشد سودان على العبد فقتله.
1 المشقص: نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض.
2 يقصد من القرآن، وهو يبدأ من سورة "ق" إلى آخر القرآن على الأصح، وانظر "صفة الصلاة""ص109" لأبي عبد الرحمن الألباني.
وَقَالَ أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: ضربوه فجرى الدَّمُ على المُصْحَف على: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} 1.
وَقَالَ عمران بْن حُدَيْر، إلّا يكن عبد الله بْن شقيق حدّثني: أنّ أوّل قطرةٍ قطرت من دمه على: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} فإنّ أبا حُرَيْث ذكر أنّه ذهب هو وسُهَيْلٌ المُرِّيّ، فأخرجوا إليه الْمُصْحَفَ، فإذا قطرة الدم على {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} قَالَ: فإنها في المُصْحَف مَا حُكَّتْ.
وَقَالَ محمد بْن عيسى بْن سُمَيْع عَنِ ابن أبي ذئب، عَنِ الزُّهْرِيّ: قلت لسعيد بْن المسيب: هل أنت مُخْبري كيف كان قتل عثمان؟ قَالَ: قُتِلَ مظلومًا، ومن خذله كان معذورًا، ومن قتله كان ظالمًا، وإنّه لمّا استُخْلف كره ذلك نفرٌ من الصحابة؛ لأنه كان يحب قومه ويولّيهم، فكان يكون منهم مَا تُنْكره الصَّحابة فيُسْتَعْتَبُ فيهم، فلا يعزِلُهُمّ، فلمّا كان في السّتّ الحِجَج الأواخر استأثر ببني عمّه فولّاهم وما أشرك معهم، فولّى عبد الله بْن أبي سَرْحٍ مصر، فمكث عليها سنين، فجاء أهل مصر يشكونه ويتظلمون منه. وقد كان قبل ذلك من عثمان هَنَاتٌ إلى ابن مسعود، وأبي ذَرّ وعمّار فحنق عليه قومُهم، وجاء المصريون يشكون ابن أبي سَرْح، فكتب إليه يتهدّده فأبى أن يقبل، وضرب بعضَ من أتاه ممّن شكاه فقتله.
فخرج من أهل مصر سبعمائة رجلٍ، فنزلوا المسجد، وشكوا إلى الصَّحابة مَا صنع ابن أبي سَرْح بهم، فقام طلْحة فكلَّم عثمان بكلامٍ شديد، وأرسلت إليه عائشة تقول له: أنصِفهم من عاملك، ودخل عليه عليّ، وكان متكلّم القوم فَقَالَ: إنّما يسألونك رجلًا مكان رجلٍ، وقد ادّعوا قِبَلَه دمًا، فاعزله، واقض بينهم، فَقَالَ: اختاروا رجلًا أُوَلِّه، فأشاروا عليه بمحمد بْن أبي بكر، فكتب عهده، وخرج معهم عددٌ من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بين أهل مصر وابن أبي سَرْح، فلمّا كان محمد على مسيرة ثلاث من المدينة، إذا هم بغلامٍ أسودٍ على بعيرٍ مسرِعًا، فسألوه، فَقَالَ: وجَّهني أميرُ المؤمنين إلى عامل مصر، فقالوا له: هذا عامل أهلِ مصر، وجاءوا به إلى محمد، وفتشوه فوجدوا إدواته تقلقل2، فشقّوها، فإذا فيها كتاب من عثمان إلى محمد بن أبي سَرْح، فجمع محمد، من عنده من الصحابة،
1 سورة البقرة: 137.
2 أي تحدث صوتا.
ثمّ فكّ الكتاب، فإذا فيه: إذا أتاك محمد، وفلانٌ، وفلانٌ فاستحِلّ قتْلَهُم، وأبِطل كتابه، واثبت على عملك. فلما قرءوا الكتاب رجعوا إلى المدينة، وجمعوا طَلْحة، وعليًّا، والزبير، وسعدًا، وفضُّوا الكتاب، فلم يبق أحدٌ إلّا حنِقَ على عثمان، وزاد ذلك غضبًا وحنقًا أعوانُ أبي ذَرّ، وابن مسعود وعمّار.
وحاصر أولئك عثمان وأجلب عليه محمد بْن أبي بكر ببني تَيْم، فلمّا رأى ذلك عليّ بعث إلى طلْحة، والزُّبَيْر، وعمّار، ثُمَّ دخل إلى عثمان، ومعه الكتاب والغلام والبعير فَقَالَ: هذا الغلام والبعيرُ لك؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فهذا كتابك؟ فحلف أنّه مَا كتبه ولا أمر به، قَالَ: فالخاتم خاتمك؟ قَالَ: نعم.
فَقَالَ: كيف يخرج غلامك ببعيرك بكتابٍ عليه خاتمك ولا تعلم به!
وعرفوا أنّه خطّ مَرْوان. وسألوه أن يدفع إليهم مَرْوان، فأبَى وكان عنده في الدّار، فخرجوا من عنده غِضابًا، وشكّوا في أمره، وعلِمُوا أنّه لَا يحلف بباطل ولزموا بيوتهم.
وحاصره أولئك حتّى منعوه الماء، فأشرف يومًا فَقَالَ: أفيكُمٍ عليّ؟ قالوا: لَا، قَالَ: أفيكم سعد؟ قالوا: لَا، فسكت، ثُمَّ قَالَ: ألا أحدٌ يَسْقينا ماء. فبلغ ذلك عليًّا، فبعث إليه بثلاث قِرَبٍ فجُرح في سببها جماعةٌ حتّى وصلت إليه، وبلغ عليًّا أنّ عثمان يراد قتْلُهُ فَقَالَ: إنّما أردنا منه مروان، فأمّا عثمان، فلا ندع أحدًا يصل إليه.
وبعث إليه الزُّبَيْر ابنه، وبعث طلحة ابنه، وبعث عدّةٌ من الصحابة أبناءهم، يمنعون الناس، ويسألونه إخراج مروان، فلمّا رأى ذلك محمد بن أبي بكر، ورمى الناس عثمان بالناس بالسهام، حتى خُضِب الحسن بالدماء على بابه، وأصاب مروان سهم، وخُضِب محمد بْن طلحة، وشُجَّ قَنْبر مولى عليّ.
فخشي محمد أن يغضب بنو هاشم خالُ الحسن، فاتّفق هو وصاحباه، وتسوُّروا من دارٍ، حتّى دخلوا عليه، ولا يعلم أحدٌ من أهل الدّار؛ لأنهم كانوا فوق البيوت، ولم يكن مع عثمان إلّا امرأته. فدخل محمد فأخذ بلِحْيَتِه، فَقَالَ: والله لو رآك أبوك لَساءه مكانُك منّي، فتراخت يدُه، ووثب الرجلان عليه فقتلاه، وهربوا من حيث دخلوا، ثمّ صرخت المرأة، فلم يُسمع صُراخُها لما في الدار من
الجلبة. فصعدت إلى النَّاس وأخبرتهم، فدخل الحسن والحسين وغيرهما، فوجدوه مذبوحًا.
وبلغ عليًّا وطلحة والزُّبَيْر الخبر، فخرجوا -وقد ذهبت عقولهم- ودخلوا فرأوه مذبوحًا، وَقَالَ عليّ، كيف قُتِلَ وأنتم على الباب؟ ولطم الحسن وضرب صدر الحسين، وشتم ابن الزُّبَيْر، وابن طلحة، وخرج غضْبان إلى منزله، فجاء النّاس يُهْرعُون إليه ليُبايعوه، قال: ليس ذاك إليكم، إنما ذاك إلى أهل بدر، فمن رضوه فهو خليفة، فلم يبق أحدٌ من البدريّين إلّا أتى عليًّا، فكان أوّل من بايعه طلحة بلسانه، وسعدٌ بيده، ثُمَّ خرج إلى المسجد فصعد المنبر، فكان أول من صعد طلحة، فبايعه بيده، ثمّ بايعه الزُّبَيْر وسعد والصحابة جميعًا، ثم نزل فدعا النّاسَ، وطلب مروان، فهرب منه هو وأقاربه.
وخرجت عائشة باكيةً تقول: قُتِل عثمان، وجاء عليٌّ إلى امرأة عثمان فَقَالَ: مَن قتله؟ قالت: لَا أدري، وأخبرتْهُ بما صنع محمد بن أبي بكر. فسأله علي، فقال: تكذِب، قد واللهِ دخلتُ عليه، وأنا أريد قتله، فذكر لي أبي، فقمتُ وأنا تائبٌ إلى الله، واللِه مَا قتلتُهُ ولا أمسكتُهُ، فَقَالَتْ: صَدَق، ولكنّه أدخل اللَّذَيْن قتلاه.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: اجْتَمَعْنَا فِي دَارِ مَخْرَمَةَ لِلْبَيْعَةِ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ، فَقَالَ أَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ: أَمَّا مَنْ بَايَعْنَا منكم فلا يحول بيننا وبينه قِصَاصٍ، فَقَالَ عَمَّارٌ: أَمَّا دَمُ عُثْمَانَ فَلا، فقال: يابن سمية، أتقتص من جلدات جلدتهم، وَلا تَقْتَصُّ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ! فَتَفَرَّقُوا يَوْمَئِذٍ عَنْ غَيْرِ بَيْعَةٍ.
وروي عُمَر بْن عَلِيِّ بْن الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ مروان: مَا كان في القوم أدفع عَنْ صاحبنا من صاحبكم -يعني عليًّا- عَنْ عثمان، قَالَ: فَقُلْتُ: مَا بالُكُم تسُبُّونه على المنابر! قَالَ: لَا يستقيم الأمر إلّا بذلك. رواه ابن أبي خَيْثَمَة. بإسناد قويٍّ، عَنْ عُمَر.
وَقَالَ الواقِديّ، عَنِ ابن أبي سَبْرَة، عَنْ سعيد بْن أبي زيد، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الله قَالَ: كان لعثمان عند خازنه يوم قُتِل ثلاثون ألف ألف
درهم، وخمسون ومائة ألف دينار، فانتهبت وذهبت، وترك ألف بعيرٍ بالرَّبذَة، وترك صدقاتٍ بقيمة مائتي ألف دينار1.
وَقَالَ ابن لهيعة، عَنْ يزيد بْن أبي حبيب قَالَ: بلغني أنّ الركب الذين ساروا إلى عثمان عامَّتُهُم جُنُّوا2.
وَقَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ سَمِعَ عَلِيًّا يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا قَتَلْتُ -يَعْنِي عُثْمَانَ- وَلا أَمَرْتُ، وَلَكِنْ غُلِبْتُ، يَقُولُ ذَلِكَ ثَلاثًا. وَجَاءَ نَحْوُهُ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ طُرُقٍ. وَجَاءَ عَنْهُ أَنَّهُ لَعَنَ قَتَلَةَ عُثْمَانَ.
وعن الشَّعْبِيّ قَالَ: مَا سمعت من مراثي عثمان أحسن من قول كعب بْن مالك:
فكَفَّ يديه ثُمَّ أغلق بابه
…
وأيقن أنّ الله ليس بغافل
وَقَالَ لأهل الدّار: لَا تقتلوهم
…
عفا الله عَنْ كل امرئٍ لم يُقاتل
فكيف رأيتَ الله صب عليهم الـ
…
ـعداوة والبغضاء بعد التوَّاصُلِ
وكيف رأيت الخير أدبر بعده
…
عَنِ النّاس إدبار النَّعامٍ الْجَوَافِلِ
ورثاه حسّانُ بْن ثابت بقوله:
مَنْ سَرَّه الموتُ صِرْفًا لَا مِزاجَ له
…
فلْيأتِ مأدُبةً في دار عُثمانا
ضحُّوا بأشْمَطَ عُنْوانُ السُّجُود به
…
يقطع الليل تسبيحًا وقُرآنا
صبْرًا فِدًى لكم أمّي وما وَلَدَتْ
…
قد ينفع الصَّبْرُ في المكروه أحيانا
لَتَسْمَعَنَّ وَشِيكًا في ديارهُم:
…
الله أكبر يا ثاراتِ عثمانا
1 إسناده ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 42".
2 إسناده ضعيف.
سيرة علي بن أبي طالب:
5-
"ع" علي بن أبي طالب "ت 40 هـ" رضي الله عنه.
عَبْد مناف بن عَبْد المطلب بْن هاشم بْن عَبْد مناف. أمير المؤمنين أَبُو الْحَسَن الْقُرَشِيّ الهاشمي، وأمُّه فاطمة بِنْت أسد بْن هاشم بْن عَبْد مناف الهاشمية، وهي بِنْت عم أبي طَالِب، كَانَتْ من المهاجرات، تُوُفيّت فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة.
قَالَ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ: قُلْتُ لأُمِّي اكْفِي فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِقَايَةَ الْمَاءِ وَالذَّهَابَ فِي الْحَاجَةِ، وَتَكْفِيكِ هِيَ الطَّحْنَ وَالْعَجْنَ، وَهَذا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تُوُفِّيَتْ بِالْمَدِينَةِ.
روى الكثير عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وعُرِض عليه القرآن وأقرأه.
عرض عليه أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمّي، وأبو الأسود الدؤلي، وعبد الرَّحْمَن بْن أبي ليلى.
وروى عن عليّ: أَبُو بَكْر، وعمر، وبنوه الْحَسَن والحسين، ومحمد، وعمر، وابن عمّه ابن عَبَّاس، وابن الزُّبَيْر، وطائفة من الصحابة، وقيس بْن أبي حازم، وعلقمة بْن قَيْس، وعبيدة السَّلْمَانيّ، ومسروق، وأبو رجاء العُطَارديّ، وخلق كثير.
وكان من السابقين الأوّلين، شهِدَ بدْرًا وما بعدها، وكان يُكنَى أَبَا تُراب أيضًا.
قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ، إِنَّ رَجُلًا مِنْ آلِ مَرْوَانَ اسْتُعْمِلَ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَدَعَانِي وَأَمَرَنِي أَنْ أَشْتِمَ عَلِيًّا فَأَبَيْتُ، فَقَالَ: أَمَّا إِذَا أَتَيْتَ فَالْعَنْ أَبَا تُرَابٍ، فَقَالَ سَهْلٌ: مَا كَانَ لِعَلِيٍّ اسْمٌ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْهُ، إِنْ كَانَ لَيَفْرَحُ إِذَا دُعِيَ بِهِ. فَقَالَ لَهُ: أَخْبِرْنَا عَنْ قِصَّتِهِ لِمَ سُمِّيَ أَبَا تُرَابٍ؟ فَقَالَ: جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتَ فَاطِمَةَ، فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي الْبَيْتِ، فَقَالَ:"أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ"؟ فَقَالَتْ: قَدْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فَغَاظَنِي، فَخَرَجَ وَلَمْ يَقُلْ عِنْدِي، فَقَالَ لِإِنْسَانٍ: "اذْهَبِ انظر
أَيْنَ هُوَ". فَجَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ رَاقِدٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَجَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مُضْطَجِعٌ قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ، فَأَصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عنه التُّرَابَ وَيَقُولُ: "قُمْ أَبَا تُرَابٍ قُمْ أَبَا تُرَابٍ" 1. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وقال أَبُو رجاء العُطارِدِيّ: رَأَيْت عليًّا شيخًا أصلع كثير الشعر، كأنْما اجتاب2 إهابَ3 شاةٍ، رَبْعَةً عظيم البطن، عظيم اللِّحْية4.
وقال سوادة بْن حَنْظَلة: رَأَيْت عليًّا أصفر اللّحية5.
وعن مُحَمَّد بْن الحنفية قَالَ: اختضب عليٌّ بالحناء مرّة ثُمَّ تركه6.
وعن الشَّعْبِيّ قَالَ: رَأَيْت عليًّا ورأسه ولحيته بيضاء، كأنّهما قُطْن7.
وعن الشَّعْبِيّ قَالَ: رَأَيْت عليًّا أبيض اللحية، مَا رَأَيْت أعظم لحيةً منه، وَفِي رأسه زغبات.
وقال أَبُو إِسْحَاق: رَأَيْته يخطب، وعليه إزار ورداء، أنزع، ضخْم البطْن، أبيض الرأس واللحية8.
وعن أبي جَعْفَر الباقر قَالَ: كان عليّ آدمَ، شديد الأدمة، ثقيل العينين، عظيمَهُما، وهو إِلَى القِصَر أقرب9.
قال عروة: أسلم عليٌّ وهو ابن ثمانٍ.
وقال الْحَسَن بْن زَيْدُ بْن الْحَسَن: أسلم وهو ابن تسع.
1 صحيح: أخرجه البخاري "441" في كتاب الصلاة، باب: نوم الرجال في المسجد، ومسلم "2409" في كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل علي رضي الله عنه.
2 اجتاب: لبس.
3 الإهاب: الجلد.
4 أخرج ابن سعد في "الطبقات""2/ 16" بعضه.
5 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 16".
6 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 16".
7 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 16".
8 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 15، 16" بعضه.
9 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 16" بإسناد ضعيف جدا.
وقال المُغِيرَة: أسلم وله أربع عشرة سنة. رواه جرير عَنْهُ. وثبت عن ابن عَبَّاس قَالَ: أول من أسلم عليّ1.
وعن مُحَمَّد القُرَظِيّ قَالَ: أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ خَدِيجَةُ، وَأَوَّلُ رَجُلَيْنِ أَسْلَمَا أَبُو بَكْرٍ، وَعَلِيٌّ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوَّلُ من أظهر الْإِسْلَام، وكان عليّ يَكْتُمُ الْإِسْلَامَ فَرَقًا مِنْ أَبِيهِ، حَتَّى لَقِيَهُ أَبُو طَالِب فقال: أسلمتَ؟ قَالَ: نعم، قَالَ: وازِرْ ابن عمّك وَانْصُرْهُ، وأسلم عليّ قبل أبي بَكْر2.
وقال قَتَادَةَ إنّ عليًّا كان صاحب لِوَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بدْر، وَفِي كل مشهد3.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: "لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ". قَالَ عُمَرُ: فَمَا أَحْبَبْتُ الْإِمَارَةَ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: فَدَعَا عَلِيًّا فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ4، كَمَا تَقَدَّمَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ بِطُرُقِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: كَانَ أَبِي يَسْمُرُ مَعَ عَلِيٍّ، وَكَانَ عَلَيٌّ يَلْبَسُ ثياب الصيف في
1 صحيح بنحوه: أخرجه الترمذي "3755" في كتاب المناقب، باب: مناقب علي بن أبي طالب، بلفظ "أول من صلى علي" وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
وأخرجه الترمذي "3756" عن زيد بن أرقم قال: "أول من أسلم علي" وصححه الألباني وقد عارضه ما أخرجه الترمذي أيضا "3687" في كتاب المناقب، باب: مناقب أبي بكر، وأبو حبان "6863" عن أبي بكر الصديق قال: ألست أحق الناس بها، ألست أول من أسلم، وصححه الألباني.
قلت: وهذا أرجح عند التعارض فإن أبا بكر رضي الله عنه قد أدرك هذه الفترة دون ابن عباس وزيد بن أرقم، أما ابن عباس فقد ولد بعد البعثة، وروى عنه أنه ولد أثناء حصار المسلمين في الشعب، وأما زيد بن أرقم فأنصاري، ومات متأخرا، فالظاهر أنه لم يدرك أول المبعث لا زمانا ولا مكانا، وبالتالي فروايتي ابن عباس وزيد بن أرقم كلاهما مرسل صحابي، وعند التعارض يقدم من شهد دون من أرسل، والله أعلم بالصواب.
2 مرسل.
3 مرسل: أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 14".
4 صحيح: أخرجه مسلم "2405" في كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل علي بن أبي طالب، والبيهقي في "الدلائل""4/ 206".
الشتاء، وثياب الشتاء في الصيف، فقلت لأبي: لَوْ سَأَلْتَهُ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ إِلَيَّ وَأَنَا أَرْمَدُ الْعَيْنِ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَرْمَدُ، فَتَفَلَ فِي عَيْنِي، فَقَالَ:"اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ"، فَمَا وَجَدْتُ حَرًّا وَلَا بَرْدًا مُنْذُ يَوْمَئِذٍ1.
وَقَالَ جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أُمِّ مُوسَى: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: مَا رَمِدْتُ وَلا صَدَعْتُ مُنْذُ مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجْهِي وَتَفَلَ فِي عَيْنِي2.
وَقَالَ الْمُطَّلِبُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، إِنَّ عَلِيًّا حَمَلَ الْبَابَ عَلَى ظَهْرِهِ يَوْمَ خَيْبَرَ، حَتَّى صَعِدَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ فَفَتَحُوهَا يَعْنِي خَيْبَرَ، وَأَنَّهُمْ جَرُّوهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَمْ يَحْمِلْهُ إِلا أَرْبَعُونَ رَجُلا3. تَفَرَّدَ بِهِ إِسْمَاعِيلُ ابْنُ بِنْتِ السُّدِّيِّ، عَنِ الْمُطَّلِبِ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي "الْمَغَازِي": حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَلِيٍّ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِرَايَتِهِ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْحِصْنَ، خَرَجَ إِلَيْهِ أَهْلُهُ، فَقَاتَلَهُمْ، فَضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَطَرَحَ تُرْسَهُ مِنْ يَدِهِ، فَتَنَاوَلَ عَلِيٌّ بَابًا عِنْدَ الْحِصْنِ، فَتَتَرَّسَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَمْ يَزَلْ فِي يَدِهِ، وَهُوَ يُقَاتِلُ، حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ علينا، رأيتنا ثم ألقاه، فلقد رأينا ثَمَانِيَةَ نَفَرٍ، نَجْهَدُ أَنْ نَقْلِبَ ذَلِكَ الْبَابَ، فَمَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نَقْلِبَهُ4.
وَقَالَ غُنْدَرٌ: عَوْفٌ، عَنْ مَيْمُونٍ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْبَرَاءِ، وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَلِيٍّ:"أَنْتَ مِنِّي كَهَارُونَ مِنْ مُوسَى، غَيْرُ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ"5. مَيْمُونٌ صَدُوقٌ.
وَقَالَ بُكَيْرُ بْنُ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَمَرَ مُعَاوِيَةُ سَعْدًا فَقَالَ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَسُبَّ أبا تراب؟ قال: أما ذكرت ثلاثًا قالهن له رسول الله
1 حسن: أخرجه ابن ماجه "117" في المقدمة، باب: في فضائل أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وحسنه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه""95".
2 أخرجه أحمد "1/ 78".
3 إسناده ضعيف: ليث هو ابن أبي سليم ضعيف الحفظ.
4 إسناده ضعيف: للجهالة فيه.
5 صحيح: انظر الآتي.
-صلى الله عليه وسلم فَلَنْ أَسُبَّهُ؛ لِأَنْ تَكُونَ لِي وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ، وَخَلَّفَ عَلِيًّا فِي بَعْضِ مغازيه، فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتُخَلِّفُنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ قَالَ: "أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي"1. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
وَسَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ: "لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ"، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ2.
وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} 3، دَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَفَاطِمَةَ، وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا فَقَالَ:"اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي"4. بُكَيْرٌ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ أَشْهَدُ لَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ5، وَأَخَذَ بِضَبْعَيْهِ:"أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ مَوْلَاكُمْ"؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ:"مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ" الْحَدِيثَ.
إِبْرَاهِيمُ هَذَا، قَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيفٌ.
ويُرْوَى عَنْ أَنَس أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَابنته فاطمة: "قد زَوَّجْتُكِ أعظَمَهُمْ حِلْمًا، وأقدَمَهُمْ سِلْمًا، وأكثرهم علمًا"6.
1 صحيح: أخرجه البخاري "4416" في كتاب المغازي، باب: غزوة تبوك، ومسلم "2404" في كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل علي بن أبي طالب، والترمذي "3745" في كتاب المناقب، باب: مناقب علي بن أبي طالب، وابن ماجه "115" في المقدمة، باب: في فضائل أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم"- وأحمد "1/ 185" والطبراني في "الأوسط" "2728"، وأبو نعيم في "الحلية" "10300، 10306"، والبيهقي في "الدلائل" "5/ 220".
2 صحيح: انظر التخريج السابق.
3 سورة آل عمران: 61.
4 صحيح: أخرجه مسلم "2404/ 32" في المصدر السابق، والترمذي "3745" كما تقدم.
5 غدير خم: موضع بالجحفة بين مكة والمدينة.
6 أخرجه أحمد "2615" عن معقل بن يسار.
وروى نحوه جابر الجعفي -وهو متروك- عن ابن بريدة عن أَبِيهِ.
وَقَالَ الأجلح الكندي، عن عبد الله ن بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يَا بُرَيْدَةُ لَا تَقَعَنَّ فِي عَلِيٍّ فَإِنَّهُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَهُوَ وليكم بعدي".
وقال الأعمش، عن سعيد بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كُنْتُ وَلِيُّهُ فَعَلِيٌّ وَلِيُّهُ"1.
وَقَالَ غُنْدَرٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَيْمُونٍ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ"2. هَذَا حَدِيثٌ صحيح.
وقال أبو الجواب: حدثنا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُجَنَّبَتَيْنِ عَلَى إِحْدَاهُمَا عَلِيٌّ، وَعَلَى الْآخِرَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَقَالَ:"إِذَا كَانَ قِتَالٌ فَعَلِيٌّ عَلَى النَّاسِ"، فَافْتَتَحَ عَلِيٌّ حِصْنًا، فَأَخَذَ جَارِيَةً لِنَفْسِهِ، فَكَتَبَ خَالِدٌ فِي ذَلِكَ، فَلَمَّا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْكِتَابَ قَالَ:"مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ" قُلْتُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ3.
أَبُو الْجَوَّابِ ثِقَةٌ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْمَعَالِي أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَكُمُ الْفَتْحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ. "ح". وأخبرنا يحيى بن أبي مَنْصُورٍ، وَجَمَاعَةٌ إِجَازَةٌ قَالُوا: أَنَا أَبُو الْفُتُوحِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْجَلَاجِلِيِّ قَالَا: أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَاسِبُ، أَنْبَأَ أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النَّقُّورِ، ثنا عيسى بن علي
1 صحيح: أخرجه أحمد "5/ 350، 358، 361" وصححه الألباني في "الصحيحة""1750" وقد استوعب طرقه وشواهده في بحث مطول، فانظر "الصحيحة""4/ 330-344" واستوعب طرق هذا الحديث كذلك الحافظ ابن كثير في "البداية""3/ 265، 272" و"4/ 453، 458" وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح""7/ 93": هو كثير الطرق جدًّا، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان.
2 صحيح: أخرجه الترمذي "3733" في كتاب المناقب، باب: مناقب علي بن أبي طالب، وأحمد "4/ 368، 372" وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
3 ضعيف: أخرجه الترمذي "3746" في المصدر السابق، وقال الألباني في "ضعيف سنن الترمذي" "776": ضعيف الإسناد.
بْنِ الْجَرَّاحِ إِمْلَاءً سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، ثنا أبو القاسم بن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا سُوَيْدُ بْنُ سعيد، ثنل شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حُبْشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْ عَلِيٍّ، لَا يُؤَدِّي عَنِّي إِلَّا أَنَا أَوْ هو"1. رواه ابْنُ مَاجَه عَنْ سُوَيْدٍ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُوسَى، عَنْ شَرِيكٍ، وَقَالَ: صَحِيحٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَدِّهِ. أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي الْخَصَائِصِ.
وَقَالَ جعفر بن سليمان الضبعي: ثنا يزيد الرِّشْكِ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَلِيًّا، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ أَوْ غَزْوًا، أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا رِحَالَهُمْ، فَأَخْبَرُوهُ بِمَسِيرِهِمْ، فَأَصَابَ عَلِيٌّ جَارِيَةً فَتَعَاقَدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَنُخْبِرَنَّهُ، قَالَ: فَقَدِمَتِ السَّرِيَّةُ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرُوهُ بِمَسِيرِهِمْ، فَقَامَ إِلَيْهِ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَصَابَ عَلِيٌّ جَارِيَةً، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ قَامَ الثَّانِي فَقَالَ: صَنَعَ كَذَا وَكَذَا، فَأَعْرَضَ عنه، ثم الثالث كذلك، ثُمَّ الرَّابِعُ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمْ مُغْضَبًا فَقَالَ:"مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ، عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي"2. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "الْمُسْنَدِ" وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَالنَّسَائِيُّ.
وَقَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: اشْتَكَى النَّاسُ عَلِيًّا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فينا خطيبًا، فقال:"لَا تَشْكُوا عَلِيًّا، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَأُخَيْشَنٌ 3 فِي ذات الله - أو في سبيل ال له "4. رواه سَعْدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَابْنُ عَمِّهِ سُلَيْمَانُ بْنُ محمد أبو كعب، عن عمتهما.
1 صحيح: أخرجه الترمذي "3740" في المصدر السابق، وابن ماجه "119" في المقدمة، باب: في فضائل أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
2 أخرجه الترمذي "3732" في المصدر السابق، في "الكبرى""8474"، وأبو نعيم في "الحلية""8783" وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
3 أخيشن: تصغير: أخشن.
4 أخرجه الحاكم "4654".
ويُروى عَنْ عَمْرِو بْنِ شَاسٍ الْأَسْلَمِيِّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ آذَى عَلِيًّا فَقَدْ آذَانِي"1.
وَقَالَ فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: جَمَعَ عَلِيٌّ النَّاسَ فِي الرَّحْبَةِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَنْشُدُ اللَّهَ كُلَّ امْرِئٍ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ مَا سَمِعَ لَمَّا قَامَ، فَقَامَ نَاسٌ كَثِيرٌ فَشَهِدُوا حِينَ أَخَذَ بِيَدِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لِلنَّاسِ:"أَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ"؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:"مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ" ثُمَّ قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ذَلِكَ لَهُ2.
قَالَ شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطُّفَيْلِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سُرَيْحَةَ -أَوْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، شَكَّ شُعْبَةُ- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فعليٌّ مَوْلَاهُ"3. حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَمْ يُصحِّحْهُ4 لِأَنَّ شُعْبَةَ رواه عَنْ مَيْمُونٍ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ نَحْوِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عِنْدَ شُعْبَةَ من طريقين، والأول رواه بُنْدَارٌ، عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْهُ.
وَقَالَ كَامِلٌ أَبُو الْعَلَاءِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ يحيى بن جعدة، عن زيد بن أرقم، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَلِيٍّ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ "مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ"5.
وروى نحوه يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أبي ليلى، أنّه سمع عليًّا ينشد فِي الرَّحبة. وروى نحوه عَبْد الله بْن أَحْمَد فِي مسند أَبِيهِ، من حديث سِمَاك بْن عُبَيْد، عن ابن أبي ليلى، وله طُرُق أخرى ساقها الحافظ ابن عساكر فِي ترجمة عليّ يصدّق بعضها بعضًا.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، وَأَبِي هارون، عن عدي بن ثابت،
1 أخرجه الحاكم "4619".
2 إسناده صحيح: أخرجه أحمد "4/ 370" وقال الألباني في "الصحيحة""4/ 331": إسناده صحيح على شرط البخاري.
3 صحيح وقد تقدم.
4 في نسخة السنن عندي "قال أبو عيسى -أي الترمذي- هذا حديث حسن صحيح".
5 صحيح: تقدم.
عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ شَجَرَتَيْنِ، ونُودي فِي النَّاسِ: الصَّلاةُ جَامِعَةٌ، وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا فَأَخَذَ بِيَدِهِ، وَأَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ، فَقَالَ:"أَلَسْتُ أَوْلَى بِكُلِّ مؤمن من نفسه"؟ قالوا: بلى، فقال:"فَإِنَّ هَذَا مَوْلَى مَنْ أَنَا مَوْلاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ"1. فَلَقِيَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: هَنِيئًا لَكَ يَا عَلِيُّ، أَصْبَحْتَ وَأَمْسَيْتَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، وَغَيْرُهُ، عَنْ عِيسَى بْنِ عُمَرَ الْقَارِيِّ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: ثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: أُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَطْيَارٌ، فَقَسَّمَهَا، وَتَرَكَ طَيْرًا فَقَالَ:"اللَّهُمَّ ائْتِنِي بِأَحَبِّ خَلْقِكَ إِلَيْكَ يَأْكُلُ مَعِي" فَجَاءَ عَلِيٌّ، وَذَكَرَ حَدِيثَ الطَّيْرِ2. وَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ عَنْ أَنَسٍ مُتَكَلَّمٌ فِيهَا، وَبَعْضُهَا عَلَى شَرْطِ السنن3، ومن أَجْوَدِهَا حَدِيثُ قَطَنِ بْنِ نُسَيْرٍ شَيْخِ مُسْلِمٍ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَلٌ مَشْوِيٌّ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ ائْتِنِي بِأَحَبِّ خَلْقِكَ إِلَيْكَ يَأْكُلُ مَعِي". وَذَكَرَ الْحَدِيثَ4.
وَقَالَ جَعْفَرُ الْأَحْمَرُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ أَحَبُّ النِّسَاءِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ، وَمِنَ الرِّجَالِ عَلِيٌّ5. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أم
1 صحيح بنحوه: أخرجه ابن ماجه "116" في المقدمة، باب: في فضائل أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأحمد "4/ 281" وصححه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه""94".
2 ضعيف: أخرجه الترمذي "3742" في كتاب المناقب، مناقب علي بن أبي طالب، وأبو نعيم في "الحلية" "8973" وقال الألباني في "ضعيف سنن الترمذي" 773": ضعيف.
3 وقد جمعها الحافظ ابن كثير في "البداية""4/ 458-462" وقال فهذه طرق متعددة عن أنس بن مالك وكل منها فيه ضعف ومقال. ثم نقل عن المصنف أنه قال: ويروى هذا الحديث من وجوه باطلة أو مظلمة.
4 عزاة الحافظ ابن كثير في "البداية""4/ 458" لأبي يعلى.
5 منكر: أخرجه الترمذي "3894" في كتاب المناقب، باب: فضل فاطمة رضي الله عنها وقال الألباني في "ضعيف سنن الترمذي""1/ 811": منكر.
سَلَمَةَ، فَقَالَتْ لِي: أَيُسَبُّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: مَعَاذَ اللَّهِ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ سَبَّ عَلِيًّا فَقَدْ سَبَّنِي"1. ورواه أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ".
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَيَّ أَنَّهُ لَا يُحِبُّكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يَبْغَضُكَ إِلَّا مُنَافِقٌ2. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ، وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: إِنْ كُنَّا لَنَعْرِفُ الْمُنَافِقِينَ بِبُغْضِهِمْ عليًّا3.
وقال أبو الزبير، عن جابر قال: ما كنا نعرف منافقي هذه الأمة إلا بِبُغْضِهِمْ عَلِيًّا4.
قَالَ الْمُخْتَارُ بْنُ نَافِعٍ -أَحَدُ الْضُّعَفَاءِ- ثنا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، زَوَّجَنِي ابْنَتَهُ، وَحَمَلَنِي إِلَى دَارِ الْهِجْرَةِ، وَأَعْتَقَ بِلَالًا. رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ، يَقُولُ الْحَقَّ، وَإِنْ كان مرا، تركه الحق وما له من صديق. رحم الله عثمان تستحييه الملائكة. رحم اللَّهُ عَلِيًّا، اللَّهُمَّ أَدِرِ الْحَقَّ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ"5. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: يَهْلِكَ فِيَّ رَجُلانِ، مُبْغِضٌ مُفْتَرٍ، وَمُحِبٌّ مُطْرٍ.
وَقَالَ يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عن سعيد بن جبير،
1 إسناده ضعيف: أخرجه أحمد "6/ 323" وقال الألباني في "الصحيحة""3/ 288": إسناده ضعيف.
2 صحيح: أخرجه مسلم "78" في كتاب الإيمان، باب: الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنه من الإيمان، الترمذي "3757" في كتاب المناقب، باب: مناقب علي بن أبي طالب، والنسائي "8/ 116" في كتاب الإيمان، باب: علامة الإيمان، وابن ماجه "114" في المقدمة، باب: في فضائل أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
3 إسناده ضعيف جدًّا: أخرجه الترمذي "3737" في المصدر السابق، وقال الألباني في "ضعيف سنن الترمذي" "769": ضعيف الإسناد جدًّا.
4 إسناده ضعيف: أبو الزبير مدلس، وقد عنعنه.
5 ضعيف جدًّا: أخرجه الترمذي "3734" في المصدر السابق، وقال الألباني في "ضعيف سنن الترمذي"767": ضعيف جدًّا.
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ قَاعِدَةً مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، إِذْ أَقْبَلَ عَلَيٌّ فَقَالَ:"يَا عَائِشَةُ هَذَا سَيِّدُ الْعَرَبِ" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَسْتَ سَيِّدَ الْعَرَبِ؟ قَالَ:"أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَهَذَا سَيِّدُ الْعَرَبِ"1. وَرُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ مِثْلُهُ، عَنْ عَائِشَةَ. وَهُوَ غَرِيبٌ.
قال أَبُو الجحّاف، عن جُمَيِّع بْن عمير التَّيْميّ قَالَ: دخلت مع عمّتي على عَائِشَةَ، فسُئلَتْ: أيُّ النّاس كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قالت: فاطمة، فقيل: من الرجال، فقالت: زوجها، إنْ كان مَا علِمْتُ صوّامًا قوّامًا2. أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب.
قلت: جُمَيع كذَّبه غير واحد.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى نَخِيلِ امْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ:"يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ" فَطَلَعَ أَبُو بَكْرٍ، فَبَشَّرْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ:"يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ" فَطَلَعَ عُمَرُ، فَبَشَّرْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ:"يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ" وَجَعَلَ يَنْظُرُ مِنَ النَّخْلِ وَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ عَلِيًّا". فَطَلَعَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ3. حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اثْبُتْ حِرَاءُ فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ" وَعَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ. وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْعَشْرَةِ4.
وقال مُحَمَّد بْن كعب القُرَظي: قال عليّ: لقد رأيتني مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وإنّي لأرْبُطُ الحجر على بطني من الجوع، وإنّ صَدَقَة مالي لَتَبْلُغُ اليوم أربعين ألفًا5. رواه شريك، عن عاصم بْن كُلَيْب، عَنْهُ. أخرجه أحمد في "مسنده".
1 أخرجه الحاكم في "مستدركه""3/ 124".
2 منكر: أخرجه الترمذي "3900" في كتاب المناقب، باب: فضل فاطمة رضي الله عنها ويأتي عن المصنف قوله: ليس إسناده بذلك. وقال الألباني في "ضعيف سنن الترمذي""813": منكر.
3 أخرجه أحمد "3/ 356، 380".
4 أخرجه أبو يعلى "2445".
5 أخرجه أحمد "1/ 159".
وعن الشَّعْبِيّ قَالَ: قال عليّ: مَا كان لنا إلّا إهابُ كَبْشٍ ننام على ناحيته، وتعجن فاطمة على ناحيته، يعني ننام على وجهٍ، وتعْجِنُ على وجه.
وَقَالَ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْيَمَنِ، وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ، لَيْسَ لِي عِلْمٌ بِالْقَضَاءِ، فَضَرَبَ صَدْرِي وَقَالَ:"اذْهَبْ فَإِنَّ اللَّهَ سَيَهْدِي قَلْبَكَ وَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ" قَالَ: فَمَا شَكَكْتُ فِي قضاءٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ بَعْدُ1.
وَقَالَ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيٌّ فَقَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ عِنْدَنَا شَيْئًا نَقْرَؤُهُ إِلا كِتَابَ اللَّهِ وَهَذِهِ الصَّحِيفَةَ، وَفِيهَا أَسْنَانُ الإِبِلِ وَشَيْءٌ مِنَ الْجِرَاحَاتِ، فَقَدْ كَذَبَ2.
وَعَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْمَسِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: وَاللَّهِ مَا نَزَلَتْ آيَةٌ إِلا وَقَدْ عَلِمْتُ فِيمَا نَزَلَتْ وَأَيْنَ نَزَلَتْ، وَعَلَى مَنْ نَزَلَتْ، وَإِنَّ رَبِّي وَهَبَ لِي قَلْبًا عَقُولا، وَلِسَانًا نَاطِقًا.
وقال مُحَمَّد بْن سِيرِينَ: لَمَا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أبطأ عليّ عن بيعة أبي بَكْر، فلقيه أَبُو بَكْر فقال: أَكَرِهْتَ إمارتي? فقال: لَا، ولكن آليْتُ لَا أرتدي بردائي إلّا إِلَى الصلاة، حَتَّى أجمع القرآن، فزعموا أنّه كتبه على تنزيله فقال مُحَمَّد: لو أصبتُ ذلك الكتاب كان فِيهِ العلم3.
وقال سَعِيد بْن المسيب: لم يكن أحد من الصحابة يقول: "سلوني" إلّا عليّ.
وقال ابن عَبَّاس: قَالَ عُمَر: عليّ أقضانا، وأُبَي أقْرؤنا.
وقال ابن مَسْعُود: كنّا نتحدث أنّ أقضى أَهْل المدينة عليّ.
وقال ابن المسيّب، عن عُمَر قَالَ: أعوذ بالله من معضلةٍ ليس لها أَبُو حَسَن.
وقال ابن عَبَّاس: إذا حَدَّثَنَا ثقةٌ بفُتيا عن عليّ لم نتجاوزها.
1 أخرجه أحمد "1/ 88، 136".
2 تقدم بنحوه.
3 مرسل.
وَقَالَ سُفْيَانُ عَنْ كُلَيْبٍ، عَنْ جَسْرَةَ، قَالَتْ: ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ صَوْمُ عَاشُورَاءَ، فَقَالَتْ: مَنْ يَأْمُرُكُمْ بِصَوْمِهِ? قَالُوا: عَلِيٌّ قَالَتْ: أَمَا إِنَّهُ أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ بِالسُّنَّةِ.
وقال مسروق: انتهى علْم أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى عُمَر، وعليّ، وعبد الله.
وقال مُحَمَّد بْن مَنْصُورٌ الطُّوسيّ: سمعت أَحْمَد بْن حنبل يقول: مَا ورد لأحدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ الفضائل مَا ورد لعليّ.
وقال أَبُو إِسْحَاق، عَنْ عُمَرو بْن مَيْمُونٍ قَالَ: شهدت عُمَر يوم طُعِن، فذكر قصّة الشُّورى، فلمّا خرجوا من عنده قال عمر: إن يولوها الأجيلح يسلك بهم الطَّريق المستقيم، فقال له ابنه عَبْد الله فَمَا يمنعك؟ -يعني أن تولّيه- قَالَ: أكره أن أتحمَّلها حيًّا وميتًا.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيٌّ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَعْهَدْ إِلَيْنَا فِي الإِمَارَةِ شَيْئًا، وَلَكِنْ رَأْيٌ رَأَيْنَاهُ، فَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَامَ وَاسْتَقَامَ، ثُمَّ اسْتُخْلِفَ عُمَرُ، فَقَامَ وَاسْتَقَامَ، ثُمَّ ضَرَبَ الدَّيْنُ بِجِرَانِهِ، وَإِنَّ أَقْوَامًا طَلَبُوا الدُّنْيَا فَمَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَ مِنْهُمْ عَذَّبَ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَرْحَمَ رَحِمَ1.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَهْدًا إِلا شَيْئًا عَهِدَهُ إِلَى النَّاسِ، وَلَكِنَّ النَّاسُ وَقَعُوا فِي عُثْمَانَ فَقَتَلُوهُ، فَكَانَ غَيْرِي فِيهِ أَسْوَأَ حَالا وَفِعْلا مِنِّي، ثُمَّ إِنِّي رَأَيْتُ أَنِّي أَحَقُّهُمْ بِهَذَا الأَمْرِ، فَوَثَبْتُ عَلَيْهِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَصَبْنَا أمُّ أَخْطَأْنَا2.
قَرَأتُ عَلَى أَبِي الْفَهْمِ بْنِ أَحْمَدَ السُّلَمِيِّ، أَخْبَرَكُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ، أَنْبَأَ أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَنْبَأَ مَالِكُ بْنُ أَحْمَدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، ثنا عَلِيُّ بْنُ محمد بن عبد الله
1 أخرجه أحمد "1/ 114" مختصرا.
2 إسناده ضعيف: علي بن زيد سيئ الحفظ.
المعدل إملاء سنة ست وأربعمائة، حدثنا أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ خُزَيْمَةَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ، ثنا شَبَابَةُ، ثنا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ الْبَصْرَةَ قَامَ إِلَيْهِ ابْنُ الْكَوَّاءِ، وَقَيْسُ بْنُ عَبَّادٍ فَقَالا لَهُ: أَلا تُخْبِرُنَا عَنْ مَسِيرِكَ هَذَا الَّذِي سِرْتَ فِيهِ، تَتَوَلَّى عَلَى الأُمَّةِ، تَضْرِبُ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، أَعَهْدٌ من رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم عَهِدَهُ إِلَيْكَ، فَحَدِّثْنَا فَأَنْتَ الْمَوْثُوقُ الْمَأْمُونُ عَلَى مَا سَمِعْتَ، فَقَالَ: أَمَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدِي عَهْدٌ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ فَلا، وَاللَّهِ إِنْ كُنْتَ أَوَّلَ مَنْ صَدَّقَ بِهِ، فَلا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ عِنْدِي مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَهْدٌ فِي ذَلِكَ، مَا تَرَكْتُ أَخَا بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ، وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُومَانِ عَلَى مِنْبَرِهِ، وَلَقَاتَلْتُهُمَا بِيَدِي، وَلَوْ لَمْ أَجِدْ إِلا بُرْدِي هَذَا، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُقْتَلْ قَتْلا، وَلَمْ يَمُتْ فَجْأَةً، مَكَثَ فِي مَرَضِهِ أَيَّامًا وَلَيَالِيَ، يَأْتِيهِ الْمُؤَذِّنُ فَيُؤَذِّنُهُ بِالصَّلاةِ، فَيَأْمُرُ أَبَا بَكْرٍ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَهُوَ يَرَى مَكَانِي، ثُمَّ يَأْتِيهِ الْمُؤَذِّنُ فَيُؤَذِّنُهُ بِالصَّلاةِ، فَيَأْمُرُ أَبَا بَكْرٍ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَهُوَ يَرَى مَكَانِي، وَلَقَدْ أَرَادَتِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ أَنْ تَصْرِفَهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فَأَبَى وَغَضِبَ وَقَالَ:"أَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ".
فلمّا قبض الله نبيه، نظرنا فِي أمورنا، فاخترنا لُدنيانا من رضيه نبيُّ الله لدِيننا. وكانت الصلاة أصل الْإِسْلَام، وهي أعظم الأمر، وقوام الدين. فبايعنا أَبَا بَكْر، وكان لذلك أهلًا، لم يختلف عليه منّا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة، فأدّيتُ إِلَى أبي بَكْر حقَّه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه فِي جنوده، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي، فلما قبض، ولّاها عُمَر، فأخذ بسُنَّة صاحبه، وما يعرف من أمره، فبايعْنا عُمَر، لم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع البراءة منه. فأدّيتُ إِلَى عمر حقه، وعرفت طاعته، وغزوت معه فِي جيوشه، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسَوْطي.
فَلَمَّا قُبِض تذكَّرت فِي نفسي قرابتي وسابقتي وسالفتي وفضلي، وأنا أظن أن لَا يَعْدِلَ بي، ولكنْ خشي أن لَا يعمل الخليفة بعده ذَنْبًا إلّا لحِقَه فِي قبره، فأخرج منها نفسه وولده، ولو كانت محاباة منه لآثر بها ولده فبرئ منها إِلَى رهطِ من قريش ستّة، أَنَا أحدهم.
فَلَمَّا اجتمع الرهط تذكَّرت فِي نفسي قرابتي وسابقتي وفضلي، وأنا أظن أن لَا يَعْدِلُوا بي، فأخذ عَبْد الرَّحْمَن مواثقنا على أن نسمع ونُطيع لمن ولّاه الله أمرَنا، ثُمَّ أخذ بيد ابن عَفَّان فضرب بيده على يده، فنظرت في أمري، فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي، وَإِذَا ميثاقي قد أَخَذَ لغيري، فبايعنا عثمان، فأديت له حقَّه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه فِي جيوشه، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي.
فلما أصيبَ نظرت فِي أمري، فإذا الخليفتان اللّذان أخذاها بِعَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إليهما بالصلاة قد مضيا، وهذا الَّذِي قد أُخذ له الميثاق، قد أصيب، فبايعني أَهْل الحرمين، وأهل هذين المصرين1.
روى إسحاق بن راهويه نحوه، عن عبدة بْن سُلَيْمَان، ثنا أَبُو العلاء سالم المُرَاديّ، سمعت الْحَسَن، وروى نحوه وزاد فِي آخره: فوثب فيها من ليس مثلي، ولا قرابتُهُ كقرابتي، ولا عِلْمه كعِلْمي، ولا سابقتُهُ كسابقتي، وكنت أحقُّ بها منه.
قَالا: فأخبرنا عن قتالك هذين الرجلين -يعنيان: طَلْحَةَ والزُّبَيْر- قَالَ: بايعني بالمدينة، وخلعاني بالبصرة، ولو أنّ رجلًا ممّن بايع أَبَا بَكْر وعمر خَلَعَهُ لقاتلناه.
وروى نحوه الجُرَيْري، عن أبي نَضْرَةَ.
وَقَالَ أَبُو عَتَّابٍ الدَّلَّالُ: ثنا مُخْتَارُ بْنُ نَافِعٍ التَّيْمِيُّ، ثنا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، زَوَّجَنِي ابْنَتَهُ، وَحَمَلَنِي إِلَى دَارِ الْهِجْرَةِ، وَأَعْتَقَ بِلَالًا. رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ، يَقُولُ الْحَقَّ، وَلَوْ كَانَ مُرًّا، تركه الحق وما له من صديق. رحم الله عثمان تستحيه الْمَلَائِكَةُ. رَحِمَ اللَّهُ عَلِيًّا، اللَّهُمَّ أَدِرِ الْحَقَّ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ"2.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَجَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُقَاتِلُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ، كَمَا قاتلت على تنزيله".
1 إسناده ضعيف جدا: أبو بكر الهذلي متروك كما تقدم.
2 ضعيف جدا: وقد تقدم.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا هُوَ? قَالَ: لَا، قَالَ عُمَرُ: أَنَا هُوَ? قَالَ: "لَا، وَلَكِنَّهُ خَاصِفُ النَّعْلِ، وَكَانَ أَعْطَى عَلِيًّا نَعْلَهُ يَخْصِفُهَا"1.
قُلْتُ: فَقَاتَلَ الْخَوَارِجَ الَّذِينَ أَوَّلُوا الْقُرْآنَ بِرَأْيِهِمْ وَجَهْلِهِمْ.
وَقَالَ خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ، عَنْ سَلامِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: جَاءَ أُنَاسٌ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالُوا: أَنْتَ هُوَ، قَالَ: مَنْ أَنَا؟ قَالُوا: أَنْتَ هُوَ، قَالَ: وَيْلَكُمْ مَنْ أَنَا؟ قَالُوا: أَنْتَ رَبُّنَا، قَالَ: ارْجِعُوا، فَأَبَوْا، فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ، ثُمَّ خَدَّ2 لَهُمْ فِي الأَرْضِ، ثُمَّ قَالَ: يَا قَنْبَرُ ائْتِنِي بِحِزَمِ الْحَطَبِ، فَحَرَّقَهُمْ بِالنَّارِ وَقَالَ:
لَمَّا رَأَيْتُ الأَمْرَ أَمْرًا مُنْكَرًا
…
أَوْقَدْتُ نَارِي وَدَعَوْتُ قُنْبُرا
وقال أَبُو حيان التَّيْميّ: حَدَّثَنِي مجمّع، أنّ عليًّا كان يكنس بيت المال ثُمَّ يصلي فِيهِ، رجاء أن يشهد له أنّه لم يحبس فِيهِ المال عن المُسْلِمين.
وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَطَبَ عَلِيٌّ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، وَاللَّهِ الَّذِي لا إلَهُ إِلا هُوَ، مَا رَزَأْتُ3 من مالكم قليلًا ولا كثير، إِلا هَذِهِ الْقَارُورَةَ، وَأَخْرَجَ قَارُورَةً فِيهَا طِيبٌ، ثُمَّ قَالَ: أَهْدَاهَا إليَّ دِهْقَانَ.
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هُبَيْرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَيْرٍ الْغَافِقِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ يَوْمَ الأَضْحَى فَقَرَّبَ إِلَيْنَا خَزِيرَةً، فَقُلْتُ: لَوْ قَرَّبْتَ إِلَيْنَا مِنْ هَذَا الإِوَزِّ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْثَرَ الْخَيْرَ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لا يَحِلُّ لِلْخَلِيفَةِ مِنْ مَالِ اللَّهِ إِلا قَصْعَتَانِ، قَصْعَةٌ يَأْكُلُهَا هُوَ وَأَهْلُهُ، وَقَصْعَةٌ يَضَعُهَا بَيْنَ يَدَيِ النَّاسِ"4.
وقال سُفْيَان الثوري: إذا جاءك عن عليّ شيءٌ فخُذْ به، مَا بنى لَبِنَةً، على لَبِنَة، ولا قَصْبة على قصْبَة، ولقد كان يُجاء بجيوبه فِي جُراب.
وَقَالَ عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى علي
1 أخرجه البيهقي في "الدلائل""6/ 435".
2 خد: أي شق.
3 رزأت: أصبت.
4 إسناده ضعيف: أخرجه أحمد "1/ 78" وابن لهيعة ضعيف الحفظ.
بالخوارنق، وَعَلَيْهِ سَمَلُ1 قَطِيفَةٍ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ لَكَ لأَهْلِ بَيْتِكَ فِي هَذَا الْمَالِ نَصِيبًا، وَأَنْتَ تَفْعَلُ هَذَا بِنَفْسِكَ! فَقَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَرْزَؤُكُمْ شَيْئًا، وَمَا هِيَ إِلا قَطِيفَتِي الَّتِي أَخْرَجْتُهَا مِنْ بَيْتِي.
وعن علي أنّه اشترى قميصًا بأربعة دراهم فلبسه، وقطع مَا فضل عن أصابعه من الكُمّ.
وعن جُرْمُوز قَالَ: رَأَيْت عليًّا وهو يخرج من القصر، وعليه إزارٌ إِلَى نصف السّاق، ورداءٌ مُشَمَّر، ومعه دِرَّةٌ يمشي بها فِي الأسواق، ويأمرهم بتقوى الله وحُسْن البَيْع، ويقول: أوْفُوا الكيل والميزان، ولا تنفخوا اللَّحْم.
وقال الْحَسَن بْن صالح بْن حيّ: تذاكروا الزُّهاد عند عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز، فقال: أزهد النّاس فِي الدُّنيا عليّ بْن أبي طَالِب.
وعن رَجُل أنّه رَأَى عليًّا قد ركب حمارًا ودلّى رجليْه إِلَى موضع واحد، ثُمَّ قَالَ: أَنَا الَّذِي أهنتُ الدُّنيا.
وَقَالَ هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عَمَّارٍ الحضرمي، عن أبي عمر زاذان، أَنَّ رَجُلا حَدَّثَ عَلِيًّا بِحَدِيثٍ، فَقَالَ: مَا أَرَاكَ إِلا قَدْ كَذَّبْتَنِي، قَالَ: لَمْ أَفْعَلْ، قَالَ: إنْ كِنْتَ كَذَبْتَ أَدْعُو عَلَيْكَ، قَالَ: ادْعُ، فَدَعَا، فَمَا بَرَحَ حَتَّى عُمِيَ.
وقال عطاء بْن السّائب، عن أبي البَخْتَرِيّ، عن عليّ قَالَ: وأبْردُها على الْكَبِدِ إذا سُئلْتُ عمّا لَا أعلم أن أقول: الله أعلم.
وقال خَيْثَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن: قال عليّ: من أراد أن يُنِصف النّاس من نفسه فلْيُحِبَ لهم مَا يحبّ لنفسه.
وقال عَمْرو بْن مُرَّة، عن أبي البَخْتَرِيّ قَالَ: جاء رَجُل إِلَى عليّ فأثنى عليه، وكان قد بَلَغَه عَنْهُ أمرٌ، فقال: إنّي لست كما تقول، وأنا فوق مَا فِي نفسك.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الأَسَدِيُّ -وَهُوَ صَدُوقٌ- ثنا أبو مُوسَى بْنُ مُطَيْرٍ -وَهُوَ وَاهٍ-2 عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَعْصَعَةَ بْنِ صَوْحَانَ قَالَ: لَمَّا ضُرِبَ علي أتيناه، فقلنا:
1 السمل: البالي من الثياب.
2 متروك ومتهم بالكذب كما في "الميزان""8928".
اسْتَخْلِفْ، قَالَ: إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِكُمْ خَيْرًا اسْتَعْمَلَ عَلَيْكُمْ خَيْرَكُمْ، كَمَا أَرَادَ بِنَا خَيْرًا وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْنَا أَبَا بَكْرٍ.
وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قِيلَ لِعَلِيٍّ: أَلَا تُوصِي؟ قَالَ: مَا أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَوْصَى، وَلَكِنْ إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِالنَّاسِ خَيْرًا سَيَجْمَعُهُمْ على خيرهم، كَمَا جَمَعَهُمْ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ عَلَى خَيْرِهِمْ.
وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ آخَرَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، رَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سَلْعٍ الْهَمَدَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: استُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، فَعَمِلَ بِعَمَلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وسُنَّتِه، الْحَدِيثَ1.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبْعٍ، سَمِعَ عَلِيًّا يَقُولُ: لَتُخْضَبَنَّ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، فَمَا يَنْتَظِرُنِي إِلا شَقِيٌّ، قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَخْبِرْنَا عَنْهُ نُبِرُّ، عِتْرَتَه، قَالَ: أنشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَنْ تَقْتُلُوا غَيْرَ قَاتِلِي، قَالُوا: فَاسْتَخْلِفْ عَلَيْنَا، قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أَتْرُكُكُمْ إِلَى مَا تَرَككُمْ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالُوا: فَمَا تَقُولُ لِرَبِّكَ إِذَا أَتَيْتَهُ؟ قَالَ: أَقُولُ: اللَّهُمَّ تَرَكْتَنِي فِيهِمْ مَا بَدَا لَكَ، ثُمَّ قَبَضْتَنِي إِلَيْكَ، وَأَنْتَ فِيهِمْ، إِنْ شِئْتَ أَصْلَحْتَهُمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَفْسَدْتَهُمْ2.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ يَزِيدَ الْحِمَّانِيِّ سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ كَانَ يُسِرُّ إِلَيَّ النّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لتخضبن هذه من هَذِهِ، يَعْنِي لِحْيَتَهُ مِنْ رَأْسِهِ، فَمَا يُحبس أَشْقَاهَا"3.
وَقَالَ شَرِيكٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: قدِمَ عَلَى عَلِيٍّ قَوْمٌ مِنَ الْبَصْرَةِ مِنَ الْخَوَارِجِ، فَقَالَ مِنْهُمُ الْجَعْدُ بْنُ نَعْجَةَ: اتَّقِ اللَّهَ يَا عَلِيُّ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، فَقَالَ عَلِيٌّ: بَلْ مَقْتُولٌ: ضَرْبَةٌ عَلَى هَذِهِ تُخَضِّبُ هَذِهِ، عَهْدٌ مَعْهُودٌ وَقَضَاءٌ مَقْضِيٌّ، وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى، قال: وعاتبه في لباسه فقال: مالكم وللباسي، هو أبعد من الكبر، وأجدر أن يقتدي بي المسلم4.
1 أخرجه أحمد "1/ 114" وقد تقدم.
2 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 20".
3 أخرجه البيهقي في "الدلائل""6/ 439".
4 إسناده ضعيف: أخرجه البيهقي في "الدلائل""6/ 438، 439" وشريك في حفظه ضعف.
وقال فِطْر، عن أبي الطُّفَيْل: إنّ عليًّا رضي الله عنه تمثّل:
أشْدُدْ حَيَازِيمَكَ للموت
…
فَإِن الموتَ لاقيكا
ولا تَجْزَعْ من القتل
…
إذا حَلَّ بوادِيكا
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أَتَانِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ، وَقَدْ وَضَعْتُ قَدَمِي فِي الْغَرْزِ، فَقَالَ لِي: لا تَقْدَمِ الْعِرَاقَ فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يُصيبك بِهَا ذُبَابُ السَّيْفِ، قُلْتُ: وَأَيْمُ اللَّهِ لَقَدْ أخبرني به رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ أَبُو الأَسْوَدِ: فَمَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ قَطُّ مُحَارِبًا يُخْبِرُ بِذَا عَنْ نَفْسِهِ1.
قال ابْن عتبة: كان عَبْد الملك رافضيًّا.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي فَاطِمَةَ، حَدَّثَنِي الأَصْبَغُ الْحَنْظَلِيُّ قَالَ: لَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي أُصِيبَ فِيهَا عَلِيٌّ أَتَاهُ ابْنُ النَّبَّاحِ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاةِ، فَقَامَ يَمْشِي، فَلَمَّا بَلَغَ الْبَابَ الصَّغِيرَ، شَدَّ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجَمٍ، فَضَرَبَهُ، فَخَرَجَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ فَجَعَلَتْ تقول: ما لي وَلِصَلاةِ الصُّبْحِ، قُتِلَ زَوْجِي عُمَرُ صَلاةَ الْغَدَاةِ، وقُتِلَ أَبِي صَلاةَ الْغَدَاةِ.
وَقَالَ أَبُو جَنَابٍ الْكَلْبِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو عَوْنٍ الثَّقَفِيُّ، عَنْ لَيْلَةِ قُتِلَ عَلِيٌّ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: خَرَجْتُ الْبَارِحَةَ وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يُصَلِّي فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ إِنِّي بِتُّ الْبَارِحَةَ أُوقِظُ أَهْلِي لأَنَّهَا لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ صَبِيحَةَ بَدْرٍ، لِسَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَلَكَتْنِي عَيْنَايَ، فَسَنَحَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَاذَا لَقِيتُ مِنْ أُمَّتِكَ مِنَ الأَوَدِ2 وَاللَّدَدِ3، فَقَالَ:"ادْعُ عَلَيْهِمْ" فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ أَبْدِلْنِي بِهِمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَأَبْدِلْهُمْ بِي مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنِّي. فَجَاءَ ابْنُ النَّبَّاحِ فَآذَنَهُ بِالصَّلاةِ، فَخَرَجَ، وَخَرَجْتُ خَلْفَهُ، فَاعْتَوَرَهُ رَجُلانِ: أَمَّا أَحَدُهُمَا فَوَقَعَتْ ضَرْبَتُهُ فِي السُّدَّةِ، وأما الآخر فأثبتها في رأسه4.
1 أخرجه الحاكم "4678" وضعف الحافظ الذهبي إسناده في "التلخيص".
2 الأود: العوج.
3 اللدد: شدة الخصومة.
4 إسناده ضعيف: أبو جناب الكلبي ضعيف.
وقال جَعْفَر بْن مُحَمَّد، عن أَبِيهِ، إنّ عليًّا كان يخرج إِلَى الصلاة، وَفِي يده دِرَّةٌ يوقظ النّاس بها، فضربه ابن مُلجَم، فقال علي أطعموه واسقوه فإن عشت فأنا ولي دمي.
رواه غيره، وزاد: فإنْ بقيتُ قَتَلْتُ أو عفوتُ فإنْ مِتُّ فاقتلوه قِتْلَتي، ولا تعتدوا إنّ الله لَا يحب المعتدين.
وقال مُحَمَّد بْن سعد: لقي ابنُ مُلْجم شَبِيبَ بْن بَجْرة الأشجعيّ، فأعلمه بما عزم عليه من قُتِلَ عليّ، فوافقه، قَالَ: وجلسا مقابل السُّدة التي يخرج منها عليّ، قَالَ الْحَسَن: وأتيته سَحَرًا، فجلست إليه فقال: إنّي مَلَكَتْني عيناي وأنا جالس، فسنح لي النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فذكر المنام المذكور. قَالَ: وخرج وأنا خلفه، وابن النّبّاح بين يديه، فَلَمَّا خرج من الباب نادى: أيُّها النّاس الصلاة الصلاة، وكذلك كان يصنع كل يوم، ومعه دِرَّتُهُ يُوقِظُ النّاس، فاعْتَرَضَهُ الرجلان، فضربه ابنُ مُلْجَم على دماغِه، وأمّا سيف شبيب فوقع فِي الطّاق، وسمع النّاس عليًّا يقول: لَا يَفُوتَنَّكُمُ الرجل، فشدّ النّاس عليهما من كل ناحية، فهرب شبيب، وَأُخِذَ عَبْد الرَّحْمَن، وكان قد سمّ سيفه.
ومكث عليّ يوم الجمعة والسبت، وتُوُفيّ ليلة الأحد، لإحدى عشرة لَيْلَةً بقيت من رمضان. فَلَمَّا دُفِنَ أحضروا ابن ملجم، فاجتمع النّاس، وجاءوا بالنّفْط والبَوَاري، فقال مُحَمَّد بْن الحنفية، والحسين، وعبد الله بْن جَعْفَر بْن أبي طَالِب: دَعُونا نَشْتَفّ منه، فقطع عَبْد الله يديه ورِجْلَيه، فلم يجزع ولم يتكلم، فكَحَل عينيه، فلم يجزع، وجعل يقول: إنّك لَتَكْحُل عيني عمّك، وجعل يقرأ:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} 1 حَتَّى ختمها، وإنّ عينيه لَتَسيلان، ثُمَّ أمر به فعولج عن لسانه ليُقْطَع، فجزع، فَقِيلَ له في ذلك. فقال: ما ذاك بِجَزَعٍ، ولكنّي أكره أن أبقى فِي الدُّنيا فُوَاقًا لَا أذكر الله، فقطعوا لسانه، ثُمَّ أحرقوه فِي قَوْصرة، وكان أسمر حَسَن الوجه، أفلَجَ، شعْرُهُ مع شَحْمَه أُذُنيه، وَفِي جبهته أثر السُّجود.
ويُرْوَى أن عليًّا رضي الله عنه أمرهم أن يحرِّقوه بعد الْقَتْلِ.
وقال جَعْفَر بْن مُحَمَّد، عن أَبِيهِ قَالَ: صلّى الحَسَن على عليّ، وَدُفِنَ بالكوفة، عند قصر الإمارة، وعمي قبره.
1 سورة العلق: 1.
وعن أبي بَكْر بْن عيّاش قَالَ: عَمُّوه لئلّا تَنْبُشَه الخوارج.
وقال شَرِيك، وغيره: نقله الْحَسَن بْن عليّ إِلَى المدينة.
وذكر المُبَرّد عن مُحَمَّد بْن حبيب قَالَ: أوّل من حُوِّلَ من قبرٍ إِلَى قبرٍ عليّ.
وقال صالح بْن احمد النَّحْويّ: ثنا صالح بْن شُعيب، عن الْحَسَن بْن شُعَيب الفَرَويّ، أنّ عليًّا صُيِّر فِي صُندوقٍ، وكثَّروا عليه من الكافور، وَحُمِلَ على بعير، يريدون به المدينة، فَلَمَّا كان ببلاد طيّء، أضلوا البعير ليلًا، فأخذته طيء وهم يظنون أنّ فِي الصُّندوق مالًا فلمّا رأوه خافوا فدفنوه ونحروا البعير فأكلوه.
وقال مُطَيْن: لو عَلِمَتِ الرافضة قبرَ مَن هَذَا الَّذِي يُزار بظاهر الكوفة لَرَجَمَتْهُ، هَذَا قبر المُغيرة بْن شُعْبَة.
قال أبو جَعْفَر الباقر: قُتِلَ عليّ وهو ابنُ ثمانٍ وخمسين.
وعنه رواية أخرى أنّه عاش ثلاثًا وستّين سنة، وكذا رُوِيَ عن ابنُ الحنفية، وقاله أبو إِسْحَاق السبيعيّ، وأبو بَكْر بْن عياش، وينصر ذلك ما رواه ابنُ جُريْج، عن مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالب، أنه أخبر أنّ عليًّا تُوُفيّ لثلاثٍ أو أربعٍ وستين سنة.
وعن جَعْفَر الصادق، عن أَبِيهِ قَالَ: كان لعلي سبع عشر سرِيّة.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ قَالَ: خَطَبَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَقَالَ: لَقَدْ فَارَقَكُمْ بِالأَمْسِ رَجُلٌ مَا سَبَقَهُ إِلا الأَوَّلُونَ بِعِلْمٍ، وَلا يُدْرِكُهُ الآخِرُونَ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعْطِيهِ الرَّايَةَ، فَلا يَنْصَرِفُ حَتَّى يُفْتَحَ لَهُ، مَا تَرَكَ بَيْضَاءَ وَلا صَفْرَاءَ، إِلا سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ فضلت من عطائه، كان أرصدها لخادم أهله.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرٍو الأَصَمِّ قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ إِنَّ الشِّيعَةَ يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا مَبْعُوثٌ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ: كَذَبُوا وَاللَّهِ مَا هَؤُلاءِ بِشِيعَةٍ، لَوْ عَلِمْنَا أَنَّهُ مَبْعُوثٌ مَا زَوَّجْنَا نِسَاءَهُ، وَلا قَسَّمْنَا مِيرَاثَهُ. وَرَوَاهُ شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، بَدَلَ عَمْرٍو.
ولو استوعبنا أخبار أمير المؤمنين لطال الكتاب. والله تعالى أعلم.
وقعة الجمل:
سنة ست وثلاثين:
لمّا قُتِلَ عثمان صبرًا، سُقِط في أيدي أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم وبايعوا عليًّا، ثمّ إنّ طلحة بن عُبَيْد الله، والزُّبَيْر بن العوام، وأمّ المؤمنين عائشة، ومَن تبِعَهُم رأوا أنّهم لَا يخلِّصهم ممّا وقعوا فيه من تَوَانِيهم في نُصْرة عثمان، إلّا أن يقوموا في الطلب دمه، والأخْذ بثأره من قَتَلَته، فساروا من المدينة بغير مشورةٍ من أمير المؤمنين عليّ، وطلبوا البصرة.
قَالَ خليفة: قدِم طلْحة، والزُّبَيْر، وعائشة البصرة، وبها عثمان بن حُنَيْف الأنصاريّ وَالِيًا لعليّ، فخاف وخرج منها، ثمّ سار عليّ من المدينة، بعد أن استعمل عليها سهل بن حُنَيْف أخا عثمان، وبعث ابنه الحسن، وعمّار بن ياسر إلى الكوفة بين يديه يستنفران النّاس، ثمّ إنّه وصل إلى البصرة، وهو أحد الرءوس الذين خرجوا على عثمان كما سلف، فالتقى هو وجيش طلْحة والزُّبَيْر، فقتل الله حُكَيْمًا في طائفة من قومة، وقُتِل مقدّم جيش الآخرين أيضًا مُجَاشع بن مسعود السُّلَميّ.
ثمّ اصطلحت الفئتان، وكفُّوا عن القتال، على أن يكون لعثمان بن حُنَيْف دار الإمارة والصّلاة، وأن ينزل طلحة والزبير حيث شاءا من البصْرة، حتّى يقدم عليّ رضي الله عنه.
وَقَالَ عمّار لأهل الكوفة: أما واللَّهِ إنّي لأعلم أنّها -يعني عائشة- زَوْجَة نبيكم في الدُّنيا والآخرة، ولكنّ الله ابتلاكم بها لينظُر أَتَّتبِعُونه أو إيّاها.
قَالَ سعد بن إبراهيم الزُّهْريّ: حدّثني رجلٌ من أسلم قَالَ: كنّا مع عليّ أربعة آلاف من أهل المدينة.
وَقَالَ سعيد بن جُبَيْر: كان مع علي يوم وقعة الجمل ثمانمائة من الأنصار، وأربعمائة ممن شهدوا بيعة الرضوان.
رواه جعفر بن أبي المُغْيرة عن سعيد.
وَقَالَ المطّلب بن زياد، عن السُّدِّيّ: شهِدَ مع عليّ يوم الجمل مائةٌ وثلاثون بدريًا وسبعمائة مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وقُتِلَ بينهما ثلاثون ألفًا، لم تكن مقتله أعظم منها.
وكان الشعبي يبالغ ويقول: لم يشهدها إلّا عليّ، وعمار، وطلحة، والزُّبَيْر من الصحابة.
وَقَالَ سَلَمة بن كُهَيْلٍ: فخرج من الكوفة ستَّةٌ آلافٍ، فقدِموا على عليّ بذي قار، فسار في نحو عشرة آلافٍ، حتّى أتى البصرة.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدة: كان على خيل عليّ يوم الجمل عمّار، وعلى الرَّجَّالَةِ محمد بن أبي بكر الصِّدِّيق، وعلى الميمنة عِلْباء بن الهيثم السَّدُوسيّ، ويقال: عبد الله بن جعفر، ويقال: الحَسَن بن عليّ، وعلى الميسرة الحسين بن عليّ وعلى المقدّمة عبد الله بن عباس، ودفع اللّواء إلى ابنه محمد بن الحنفيّة وكان لواء طلحة والزُّبَيْر مع عبد الله بن حُكَيْم بن حِزام، وعلى الخيل طلحة، وعلى الرَّجَّالَةِ عبد الله بن الزُّبَيْر، وعلى الميمنة عبد الله بن عامر بن كُرَيْز، وعلى الميسرة مروان بن الحكم.
وكانت الوقعة يوم الجمعة، خارج البصرة، عند قصر عُبَيْد الله بن زياد.
قَالَ اللَّيث بن سعد وغيره: كانت وقعة الجمل في جُمَادى الأولى.
وَقَالَ أَبُو اليَقْظان: خرج يومئذ كعب بن سُور الأزديّ في عُنُقه المُصْحَف، ومعه تِرْس، فأخذ بخطام جمل عائشة، فجاءه سهم غرب فقتله.
قَالَ محمد بن سعد: وكان كعب قد طيّن عليه بيتًا، وجعل فيه كُوَّةً يتناول منها طعامه وشرابه اعتزالًا للفتنة، فقيل لعائشة: إنْ خرج معك لم يتخلف من الأزد أحدٌ، فركِبْتَ إليه فنادته وكلَّمَتْهُ فلَم يُجبْها، فَقَالَتْ: ألست أمّك ولي عليك حقّ، فكلَّمَهَا، فَقَالَتْ: إنّما أريد أنْ أصْلِحَ بين النّاس. فذلك حين خرج ونشر المُصْحف، ومشى بين الصَّفَّين يدعوهم إلى ما فيه، فجاءه سهم فقتله.
وَقَالَ حصين بن عبد الرحمن: قام كعب بن سُور فنشر مُصْحَفًا بين الفريقين، ونشدهم الله والإسلام في دمائهم، فما زال حتى قتل.
وَقَالَ غيره: اصطفّ الفريقان، وليس لطلحة ولا لعلي رأسي الفريقين قصد في القتال، بل ليتكلموا في اجتماع الكلمة، فترامى أوباش الطائفتين بالنَّبْل، وشبّت نارُ الحرب، وثارت النفوس، وبقي طلحة يَقُولُ: أيها الّناس أنْصِتُوا، والفتنة تغلي، فَقَالَ: أُفّ فَرَاش النار، وذِئاب طمع، وَقَالَ: اللَّهُمَّ خذ لعثمان منّي اليوم حتّى ترضى، إنّا داهَنّا في أمر عثمان، كنّا أمس يدًا على من سوانا، وأصبحنا اليوم جَبَلَيْن من حديد، يزحف أحدنا إلى صاحبه، ولكنه كان منّي في أمر عثمان ما لا أرى كفارته، إلّا بسفْك دمي، وبطلَب دمِه.
فروى قَتَادة، عن الجارود بن أبي سَبْرَة الهُذَليّ قَالَ: نظر مروان بن الحَكَم إلى طلحة يوم الجمل، فَقَالَ: لَا أطلب ثأري بعد اليوم، فرَمى طلحة بسهم فقتله.
وَقَالَ قيس بن أبي حازم: رأيت مَروان بن الحكم حين رمى طلحة يومئذٍ بسهمٍ، فوقع في رُكبته، فما زال يسحّ حتّى مات. وفي بعض طُرُقه: رماه بسهمٍ، وَقَالَ: هذا ممّن أعان على عثمان.
وعن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمه، أنّ مروان رمى طلحة، والتفت إلى أبان بن عثمان وَقَالَ: قد كفيناك بعض قَتَلَة أبيك.
وَرَوَى زَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ رجل، أن عليًّا قال: بشروا طلحة بالنار.
وعن عكرمة، عن ابن عباس قال: خرجنا مع علي إلى الجمل في ستمائة رجل، فسلكنا على طريق الرَّبَذَة، فقام إليه الحسن، فبكى بين يديه وَقَالَ: ائْذنْ لي فأتكلّم، فَقَالَ: تكلّم، ودعْ عنك أنْ تحن حنين الجارية، قَالَ: لقد كنت أشرتُ عليك بالمقام، وأنا أشير عليك الآن: إنّ للعرب جوْلة، ولو قد رجعَتْ إليها غواربُ أحلامها، لضربوا إليك آباط الإبل، حتّى يستخرجوك، ولو كنت في مثل حُجْر الضَّبّ.
فَقَالَ عليّ: أتراني لَا أبالَكَ كنتُ منتظرًا كما تنتظر الضَّبُعُ اللَّدْمَ1. وَرُوِيَ نحوه من وجهين آخرين.
وعن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمّ له قال: لمّا كان يوم الجمل نادى علي في
1 اللدم: اللطم.
النّاس: لَا ترموا أحدًا بسهم، وكلِّموا القوم، فإنّ هذا مقام من فَلَجَ فيه فُلِج يوم القيامة، قَالَ: فتوافقنا حتّى أتانا حَرُّ الحديد، ثمّ إنّ القوم نادوا بأجمعهم:"يا لثارات عثمان"، قال: وابن الحنفية رتوة1 معه اللّواء، فمدّ عليٌّ يديه وَقَالَ: اللَّهُمَّ أكِبَّ قتله عثمان على وُجُوههم، ثمّ إن الزُّبَيْر قَالَ لأساوِرَة معه: ارموهم ولا تبلغوا، وكأنّه إنّما أراد أن ينشب القتال. فلمّا نظر أصحابنا إلى النّشّاب لم ينتظروا أن يقع إلى الأرض، وحملوا عليهم فهزمهم الله. ورمى مروان طلحة بسهْمٍ فشكّ ساقه بجَنْب فَرَسه.
وعن أبي جرو المازِنّي قَالَ: شهدت عليًّا والزبير حين توافقا، فَقَالَ له عليّ: يا زُبير أنْشُدُك الله أسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إنّك تقاتلُني وأنت ظالم لي" قَالَ: نعم ولم أَذْكُرُه إلّا في موقفي هذا، ثمّ انصرف2.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ يَوْمَ الْجَمَلِ: يَا حَسَنُ، لَيْتَ أَبَاكَ مَاتَ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَتِ قَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، قَالَ: يَا بُنَيَّ لَمْ أر أن الأمر يبلغ هذا.
وقال سعد ابن سعد: إنّ محمد بن طلحة تقدّم فأخذ بخطام الجمل، فحمل عليه رجل، فقال محمد: أذكركم "حم" فطعنه فقتله، ثُمَّ قَالَ في محمد:
وَأَشْعَثَ قَوَّامٍ بآيات ربِّهِ
…
قليلِ الَأذَى فيما ترى العينُ مسلمِ
هتكتُ له بالرّمح جيبَ قميصه
…
فَخَرّ صَريعًا لليّدَيْن وللفم
يُذَكّرني حم وَالرُّمْحُ شاجر
…
فهلا تلاحم قبل التَّقدُّمِ
على غير شيءٍ غيرَ أنْ ليس تابعًا
…
عليًّا ومَن لَا يَتْبَعِ الْحَقَّ يندَمِ
فسار عليّ ليلته في الْقَتْلَى، معه النيران، فمر بمحمد بن طلحة قتيلًا، فَقَالَ: يا حسن "محمّد السّجّاد وربّ الكعبة"، ثمّ قَالَ: أبوه صَرَعَه هذا المصرع، ولولا برِّه بأبيه مَا خَرَج. فَقَالَ الحسن: ما كان أغناك عن هذا، فقال: ما لي وما لك يا حسن.
1 الرتوة: الخطوة.
2 أخرجه البيهقي في "الدلائل""6/ 415".
وَقَالَ شَرِيكٌ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ: حَدَّثَنِي مَنْ رَأَى الزُّبَيْرَ يَوْمَ الْجَمَلِ، وَنَادَاهُ عَلِيٌّ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فَأَقْبَلَ حَتَّى الْتَقَتْ أَعْنَاقُ دَوَابِّهِمَا، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَتَذْكُرُ يَوْمَ كُنْتُ أُنَاجِيكَ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"تُنَاجِيهِ فَوَاللَّهِ لَيُقَاتِلَنَّكَ وَهُوَ لَكَ ظَالِمٌ". قَالَ: فَلَمْ يَعْدُ أَنْ سَمِعَ الْحَدِيثَ، فَضَرَبَ وَجْهَ دَابَّتَهُ وَانْصَرَفَ1.
وَقَالَ هِلَالُ بْنُ خَبَّابٍ، فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو شِهَابٍ الْحَنَّاطُ، وَغَيْرُهُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنه قال يوم الجمل للزبير: يابن صَفِيَّةَ، هَذِهِ عَائِشَةُ تملِكُ طَلْحَةَ، فَأَنْتَ عَلَى مَاذَا تُقَاتِلُ قَرِيبَكَ عَلِيًّا، فَرَجَعَ الزُّبَيْرُ، فَلَقِيَهُ ابْنُ جُرْمُوزٍ فَقَتَلَهُ.
وَقَالَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: انصرف الزُّبَيْر يوم الجمل عن عليّ، وهم في المصافّ، فَقَالَ له ابنه عبد الله: جُبْنًا جُبْنًا، فَقَالَ: قد علم النّاس أنّي لست بجبانٍ، ولكن ذكَّرني عليّ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فحلفت أن لَا أقاتله، ثمّ قَالَ:
تَرْكُ الأمورِ التي أخشي عواقِبَها
…
في الله أحْسَنُ في الدُّنيا وفي الدِّين
وَكِيعٌ، عَنْ عِصَامِ بْنِ قُدَامَةَ -وَهُوَ ثِقَةٌ- عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَيَّتُكُنَّ صَاحِبَةُ الْجَمَلِ الأَدْبَبِ، يُقْتَلُ حَوَالَيْهَا قَتْلَى كَثِيرُونَ، وَتَنْجُو بَعْدَ مَا كَادَتْ"2.
وقيل: إنّ أوّل قتيلٍ كان يومئذٍ مسلم الجُهَنيّ، أمره عليّ فحمل مُصْحفًا، فطاف به على القوم يدعوهم إلى كتاب الله، فقُتِلَ. وَقُطِعَتْ يومئذ سبعون يدًا من بني ضبّة بالسيوف، صار كلَّما أخذ رجل بخطام الجمل الَّذِي لعائشة، قطِعَتْ يدُه، فيقوم آخرُ مكانه وَيَرْتَجِزُ، إلى أن صرخ صارخ اعقُروا الجمل، فعقره رجلٌ مُخْتَلَفٌ في اسمه، وبقي الجمل والهودج الَّذِي عليه، كأنّه قُنْفُذٌ من النَّبْلِ، وكان الهودج مُلَبَّسًا بالدُّروع، وداخله أمّ المؤمنين، وهي تشجّع الذين حول الجمل:"ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن".
ثمّ إنّها ندِمَتْ وَنَدِمَ عليّ لأجل ما وقع.
1 إسناده ضعيف: للجهالة فيه.
2 إسناده صحيح: عزاه الحافظ ابن حجر في "الفتح""3/ 59" للبزار، وقال: رجاله ثقات. وقال الألباني في "الصحيحة""1/ 774، 775": إسناده صحيح.
وقعة صفين 1:
سنة سبع وثلاثين:
قَالَ مُحَمَّد بْن سعد: أنبأ مُحَمَّد بْن عُمَر قَالَ: لما قُتِلَ عُثْمَان، كتبت نائلة زوجته إِلَى الشام إِلَى مُعَاوِيَة كتابًا تصف فِيهِ كيف دُخِلَ على عُثْمَان وقُتِلَ، وبعثت إليه بقميصه بالدِّماء، فقرأ مُعَاوِيَة الكتاب على أَهْل الشام، وَطَيَّفَ بالقميص فِي أجناد الشام، وحرَّضهم على الطَّلب بدمه، فبايعوا مُعَاوِيَة على الطَّلب بدمه.
ولمّا بوُيع عليّ بالخلافة قال له ابن الحَسَن وابن عبّاس: اكتب إلى مُعَاوِيَة فأقرَّه على الشَّام، وأَطْمِعْهُ فإنّه سيطمع ويكفيك نفسَه وناحيته، فإذا بايع لك النّاس أَقْرَرْته أو عَزَلْته، قَالَ: فإنّه لَا يرضى حَتَّى أعطيه عهد الله تعالى وميثاقه أنْ لَا أعزله، قَالا: لَا تُعْطه ذلك. وبلغ ذلك مُعَاوِيَة فقال: والله لَا ألي له شيئًا ولا أبايعه، وأظهر بالشام أنّ الزُّبَيْر بْن العوّام قادم عليهم، وأنّه مُبَايع له، فلمّا بلغه أمر الجمل أمسك، فلمّا بلغه قتْلُ الزُّبير ترحم عليه وقال: لو قدم علينا فبايعناه وكان أهلًا.
فلمّا انصرف عليّ من البصرة، أرسل جرير بْن عَبْد الله البَجليّ إِلَى مُعَاوِيَة، فكلَّم مُعَاوِيَة، وعظَّم أمرَ عليٍّ ومُبَايعته واجتماع النّاس عليه، فأبى أنْ يبايعه، وجرى بينه وبين جرير كلامٌ كثير، فانصرف جريرُ إِلَى عليّ فَأَخْبَرَه، فأجمع على المسير إِلَى الشام، وبعث معاويةُ أَبَا مسلم الخَوْلاني إِلَى عليّ بأشياء يطلبها منه، منها أن يدفع إليه قتلة عثمان، فأبى علي، وجرت بينهما رسائل.
ثمّ سار كلٌّ منهما يريد الآخر، فالتقوا بصفِّين لسبْعٍ بقين من المحرّم، وشبَّت الحربُ بينهم فِي أوّل صفر، فاقتتلوا أيّامًا.
فَحَدَّثَنِي ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عبد
1 صفين: موضع قرب الرقة على شاطئ الفرات.
اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اسْتَعْمَلَنِي عُثْمَانُ عَلَى الْحَجِّ، فَأَقَمْتُ لِلنَّاسِ الْحَجَّ، ثُمَّ قَدِمْتُ وَقَدْ قُتِلَ وَبُويِعَ لِعَلِيٍّ، فَقَالَ: سِرْ إِلَى الشَّامِ فَقَدْ وَلَّيْتُكَهَا، قُلْتُ: مَا هَذَا بِرَأْيِ، مُعَاوِيَةَ ابْنِ عَمِّ عُثْمَانَ وَعَامِلِهِ عَلَى الشَّامِ، وَلَسْتُ آمَنُ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقِي بِعُثْمَانَ، وَأَدْنَى مَا هُوَ صَانِعٌ أَنْ يَحْبِسَنِي، قَالَ عَلِيٌّ: ولِمَ؟ قُلْتُ: لِقَرَابَتِي مِنْكَ، وَأَنَّ كُلَّ مَنْ حَمَلَ عَلَيْكَ حَمَلَ عليَّ، وَلَكِنِ اكْتُبْ إِلَى مُعَاوِيَةَ فمَنِّه وَعِدْهُ. فَأَبَى عَلِيٌّ وَقَالَ: وَاللَّهِ لا كَانَ هَذَا أَبَدًا.
رَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ الْعِجْلِيِّ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعَلِيٍّ: ابْعَثْنِي إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَوَاللَّهِ لأَفْتِلَنَّ لَهُ حَبْلا لا يَنْقَطِعُ وَسَطُهُ، قَالَ: لَسْتُ مِنْ مَكْرِكَ وَمَكْرِهِ فِي شَيْءٍ، وَلا أَعْطِيهِ إِلا السَّيْفَ، حَتَّى يَغْلِبَ الْحَقُّ الْبَاطِلَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوْ غَيْرُ هَذَا؟ قَالَ: كَيْفَ؟ قَالَ: لأَنَّهُ يُطَاعُ وَلا يُعْصَى، وَأَنْتَ عَنْ قَلِيلٍ تُعْصَى وَلا تُطَاعُ، قَالَ: فَلَمَّا جَعَلَ أَهْلُ الْعِرَاقِ يَخْتَلِفُونَ عَلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: لِلَّهِ دَرُّ ابْنِ عَبَّاسٍ، إِنَّهُ لَيَنْظُرُ إِلَى الْغَيْبِ مِنْ سِتْرٍ رَقِيقٍ.
وقال مجالد، عن الشَّعْبِيّ قَالَ: لمّا قُتِلَ عُثْمَان، أرسلتْ أمُّ المؤمنين أمّ حبيبة بنت أَبِي سُفيان إِلَى أَهْل عُثْمَان: أرسِلُوا إليّ بثياب عُثْمَان التي قُتِلَ فيها، فبعثوا إليها بقميصه مضَرَّجًا بالدَّم، وبُخصْلة الشَّعْر التي نُتِفَتْ من لِحْيَتِهِ، ثمّ دعتِ النُّعمان بْن بشير، فبعثته إِلَى مُعَاوِيَة، فمضى بِذَلِك وبكتابها، فصعد مُعَاوِيَة المنبر، وجمع النّاس، ونشر القميص عليهم، وذكر مَا صُنِعَ بعثمان، ودعا إِلَى الطَّلب بدمه.
فقام أَهْل الشام فقالوا: هُوَ ابن عمّك وأنت وليّه، ونحن الطّالبون معك بدمه، وبايعوا له.
وقال يُونُس، عن الزُّهْرِيّ قَالَ: لمّا بلغ مُعَاوِيَة قتْلَ طَلْحَةَ والزُّبَيْر، وظهور عليّ، دعا أَهْل الشام للقتال معه على الشُّورى والطَّلب بدم عُثْمَان، فبايعوه على ذلك أميرًا غير خليفة.
وذكر يحيى الجُعْفيّ فِي كتاب صفين بإسناده أن معاوية قال لجرير بْن عَبْد الله: اكتب إِلَى عليّ أن يجعل لي الشام، وأنا أبايع له، قَالَ: وبعث الْوَلِيد بْن عَبْد الله: اكتب إِلَى عليّ أن يجعل لي الشام، وأنا أبايع له، قَالَ: وبعث الْوَلِيد بْن عقبة إليه يقول:
مُعَاوِيّ إنّ الشام شامُك فاعتصمْ
…
بشامِكَ لَا تُدْخِلْ عليك الأفاعيا1
وحامٍ عليها بالقبائل والقِنا
…
ولا تك محشوش الذراعين وانيا
فإنّ عليًّا ناظرٌ مَا تُجِيبُه
…
فَاهْدِ له حَرْبًا تُشيب النَّوَاصيَا
وحدّثني يَعْلَى بْن عبيد: حدثنا أبي قَالَ: قال أَبُو مُسْلِم الخَوْلاني وجماعة لمعاوية: أنت تُنازع عليًّا! هَلْ أنت مثله؟ فقال: لَا والله إنّي لأعلم أنّ عليًّا أفضل منّي وأحقّ بالأمر، ولكن ألَسْتُمْ تعلمون أنّ عُثْمَان قُتِلَ مظلومًا، وأنا ابن عمّه، وإنّما أطلب بدمه، فأتُوا عليًّا فقولوا له: فلْيَدْفَعْ إليّ قَتَلَة عُثْمَان وأسلم له، فأتّوْا عليًّا فكلَّموه بِذَلِك، فلم يدفعهم إليه.
وَحَدَّثَنِي خَلادُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ، ثنا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ -أَوْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ شَكَّ خَلادٌ- قَالَ: لَمَّا ظَهَرَ أَمْرُ مُعَاوِيَةَ دَعَا عَلِيٌّ رضي الله عنه رَجُلا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ إِلَى دِمَشْقَ، فَيَعْتَقِلَ رَاحِلَتَهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، وَيَدْخُلَ بِهَيْئَةِ السَّفَرِ، فَفَعَلَ الرَّجُلُ، وَكَانَ قَدْ وَصَّاهُ بِمَا يَقُولُ، فَسَأَلُوهُ: مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟ قَالَ: مِنَ العراق، قالوا: ما وَرَاءَكَ؟ قَالَ: تَرَكْتُ عَلِيًّا قَدْ حَشَدَ إِلَيْكُمْ وَنَهَدَ2 فِي أَهْلِ الْعِرَاقِ.
فبلغ مُعَاوِيَة، فأرسل أَبَا الأعور السُّلَمِيّ يحقّق أمره، فأتاه فسأله، فَأَخْبَرَه بالأمر الَّذِي شاع، فنودي: الصّلاة جامعة، وامتلأ النّاس فِي المسجد، فصعد معاوية المِنْبَر وتشهّدّ ثمّ قَالَ: إنّ عليًّا قد نَهَدَ إليكم فِي أَهْل العراق، فَمَا الرّأي؟ فضرب النّاس بأذقانهم على صدورهم، ولم يرفعْ إليه أحدٌ طَرْفَه، فقام ذو الكلاع الحِمْيرِيّ فقال: عليك الرأيّ وعلينا أمّ فعال -يعني الفِعال- فنزل مُعَاوِيَة وَنُودِيَ فِي النّاس: اخرجوا إِلَى مُعَسْكَركم، ومن تخلَّف بعد ثلاثٍ أحلّ بنفسه.
فخرج رسول عليّ حتّى وافاه، فَأَخْبَرَه بِذَلِك، فأمر عليٌّ فنوديّ: الصّلاة جامعة، فاجتمع النّاس، وصعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ رسولي الَّذِي أرسلته إِلَى الشام قد قَدِمَ عليّ، وأخبرني أنّ مُعَاوِيَة قد نهد إليكم في أهل
1 معاوي: يريد معاوية.
2 نهد: قصد.
الشام فَمَا الرأي? قَالَ: فأضبَّ أهلُ المسجد يقولون: يا أمير المؤمنين الرأي كذا الرأي كذا، فلم يفهم على كلامهم من كثرة من تكلّم، وكثُر اللَّغَط، فنزل وهو يقول:{إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} 1، وذهب بها ابن آكلة الأكباد، يعني مُعَاوِيَة.
وقال الْأَعْمَشُ: حَدَّثَنِي من رَأَى عليًّا يوم صِفِّين يصفِّق بيديه ويعضّ عليهما ويقول: واعجبا أُعْصَى ويُطاع مُعَاوِيَة.
وقال الواقديّ اقتتلوا أيّامًا حتّى قُتِلَ خلْقٌ وضجروا، فرفع أهلُ الشام المَصَاحِف وقالوا: ندعوكم إلى كتاب الله والحكم بما فِيهِ، وكان ذلك مكيدةً من عمرو بْن العاص، يعني لمّا رَأَى ظهورَ جيش عليّ. فاصطلحوا كما يأتي.
وقال الزُّهْرِيّ: اقتتلوا قتالًا لَم تَقْتَتِلْ هَذِهِ الأمةُ مثله قطّ، وغلب أَهْل العراق على قتلى أَهْل حمص، وغلب أَهْلُ الشام على قتلى أَهْل العالية، وكان على ميمنة عليّ الأشعث بْن قَيْس الكِنْدي، وعلى المسيرة عَبْد الله بْن عبّاس، وعلى الرَّجَّالَةِ عَبْد الله بْن بُدَيْل بْن وَرْقَاء الخُزَاعيّ، فقُتِلَ يومئذٍ. ومن أمراء عليّ يومئذٍ الأحنف بْن قيس التيمي، وعمار بن ياسر العنبسي وسليمان بْن صُرد الخُزاعيّ وعَديّ بْن حاتم الطّائيّ والأشتر النَّخْعي وعمرو بْن الحَمِق الخُزَاعيّ، وشبَث بْن رِبعيّ الرِّياحيّ، وسعيد بْن قَيْس الهمداني، وكان رئيس هَمدَان المهاجر بْن خَالِد بْن الْوَلِيد المخزوميّ، وقيس بْن مكشوح المُراديّ، وخُزَيْمة بْن ثابت الْأَنْصَارِيّ، وغيرهم.
وكان عليّ فِي خمسين ألفًا، وقيل: فِي تسعين ألفًا، وقيل: كانوا مائة ألف.
وكان مُعَاوِيَة فِي سبعين ألفًا، وكان لواؤه مع عَبْد الرَّحْمَن بْن خَالِد بْن خَالِد بْن الْوَلِيد المخزوميّ وعلى مَيْمَنَته عمرو بْن العاص وقيل ابنه الأشتر عُبَيْد الله بْن عمرو، وعلى الميسرة حبيب ببن مَسْلَمَة الفِهْريّ، وعلى الخيل عُبَيْد الله بْن عُمَر بْن الخطاب، ومن أمرائه يومئذ أَبُو الأعور السُّلميّ، وزُفَر بْن الْحَارِث، وذو الكلاعِ الحِميرِيّ، ومَسْلَمَة بْن مَخْلَد، وبُسْر بْن أرطاة العامريّ، وحابس بْن سعد الطّائي، ويزيد بْن هبيرة السكوني، وغيرهم.
1 سورة البقرة: 156.
قال عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلِمَة قَالَ: رَأَيْت عمار بْن ياسر بصِفّين، ورأى راية مُعَاوِيَة فقال: إنّ هَذِهِ قاتلْتُ بها مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أربع مرّات. ثمّ قاتل حَتَّى قُتِلَ.
وقال غيره: برز الأشعث بْن قَيْس في ألفين، فبرز لهم أَبُو الأعور فِي خمسة آلاف، فاقتتلوا: ثمّ غلب الأشعث على الماء وأزالهم عَنْهُ.
ثُمَّ التقوا يوم الأربعاء سابع صفر، ثُمَّ يوم الخميس والجمعة وليلة السَّبْت، ثُمَّ رفع أَهْل الشام لمّا رأوا الكَسْرَة الْمَصَاحِفَ بإشارة عمرو، ودعوا إِلَى الصُّلح والتّحكيم، فأجاب علي إلى تحكيم الحَكَمين، فاختلف عليه حينئذ جيشه وقالت طائفة: لَا حُكم إلّا لله. وخرجوا عليه فهُمُ الخوارج.
وقال ثُوَيْر بْن أبي فاختة، عن أَبِيهِ قَالَ: قُتِلَ مع عليّ بصفين خمسة وعشرون بدْريًا. ثُوَيْر متروك.
قَالَ الشَّعْبِيّ: كان عَبْد الله بْن بُدَيْل يوم صفين عليه دِرْعان ومعه سيفان، فكان يضرب أهلَ الشام ويقول:
لم يبق إلّا الصَّبْر وَالتَّوَكُّلْ
…
ثُمَّ التمشّي فِي الرعيل الأوّلْ
مَشْيَ الْجِمَالِ فِي حياض الْمَنْهَلْ
…
والله يقضي مَا يشا ويفعلْ
فلم يَزَلْ يضرب بسيفه حَتَّى انتهى إِلَى مُعَاوِيَة فأزاله عن موقفه، وأقبل أصحابُ مُعَاوِيَة يرمونه بالحجارة حَتَّى أثخنوه وقُتِلَ، فَأَقْبَلَ إليه مُعَاوِيَة، وألقى عَبْد الله بْن عامر عليه، عمامته غطاه بها وترحَّم عليه، فقال مُعَاوِيَة لعبد الله: قد وَهَبْنَاه لك، هَذَا كَبْشُ القومِ وربّ الكعبة، اللَّهُمَّ أظْفِرْ بالأشتر والأشعث، والله مَا مثل هَذَا إلّا كما قال الشاعر:
أخو الحرب إنْ عضَّتْ به الحرب عضَّها
…
وإنْ شَمَّرتْ يومًا به الحربُ شَمّرا
كلَيْث هزَبرٍ كان يحمي ذِمارَهُ
…
رَمَتْهُ المَنايا قَصْدَهَا فتقصَّرا
ثُمَّ قَالَ: لو قدِرَت نساءُ خُزاعةَ أنْ تُقاتلني فضلًا عن رجالها لَفَعَلَتْ. وَفِي الطبقات لابن سعد، من حديث عمرو بْن شَرَاحيل، عن حَنَش بْن عَبْد الله
الصَّنْعاني عن عَبْد الله بْن زُرَيْر الغافقي قال: لقد رأيتنا يوم صفين، فاقتتلنا نحن وأهل الشام، حتى ظننت أنّه لَا يبقى أحدٌ، فأسمع صائحًا يصيح: مَعْشَرَ النّاس، اللَّه اللَّه فِي النساء والوِلدان من الروم ومن الترك، الله الله.
والتقينا، فأسمع حركةً من خلفي، فإذا عليٌّ يَعْدُو بالرّاية حَتَّى أقامها، ولحِقَه ابنه مُحَمَّد بن الحَنَفِيَّة، فسمعته يقول: يا بُنَيّ الْزَمْ رايَتَكَ، فإنّي متقدِّمٌ فِي القوم، فأنظرُ إليه يضرب بالسيف حتى يفرج له، ثم يرجع فيهم.
وقال خليفة: شهِدَ مع عليّ من البدْريين: عمار بْن ياسر، وسهل بْن حُنَيْف، وخوات بن جبير، وأبو سعد السّاعديّ، وأبو اليُسْر، ورِفَاعة بْن رافع الْأَنْصَارِيّ، وأبو أيّوب الأنصاريّ بخُلْفٍ فِيهِ، قَالَ: وشهد معه من الصحابة ممّن لم يشهد بدْرًا: خُزَيْمة بْن ثابت ذو الشهَّادتين، وقيس بْن سعد بْن عُبَادة، وأبو قَتَادَةَ، وسهل بْن سعد السّاعدي، وقَرَظَة بْن كعب، وجابر بْن عَبْد الله، وابن عَبَّاس، والحسن، والحسين، وعبد الله بْن جَعْفَر بْن أبي طَالِب، وأبو مَسْعُود عقبة بْن عمرو، وأبو عيّاش الزُّرَقي، وعديّ بْن حاتم، والأشعث بن قَيْس، وسليمان بْن صُرَد، وجُنْدُب بْن عَبْد الله، وجارية بْن قُدامة السَّعْدِيّ.
وعن ابن سِيرِينَ قَالَ: قُتِلَ يوم صفين سبعون ألفًا يُعَدُّون بالقَصَب.
وقال خليفة وغيره: افترقوا عن ستّين ألف قتيل، وقيل، عن سبعين ألفًا، منهم خمسة وأربعون ألفًا من أَهْل الشام.
وقال عَبْد السلام بْن حرب، عن يزيد بْن عَبْد الرَّحْمَن عن جَعْفَر -أظنّه ابن أبي المُغْيَرة- عن عبيد الله بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أبْزى، عن أبيه قال: شهدنا مع علي ثمانمائة ممّن بايع بيعة الرّضوان، قُتِلَ منهم ثلاثةٌ وستون رجلًا، منهم عمّار.
وقال أَبُو عبيدة وغيره: كانت راية علي مع هاشم بْن عُتْبة بْن أبي وقاص، وكان على الخيل عمّار بْن ياسر.
وقال غيره: حيل بين عليّ وبين الفرات؛ لأن مُعَاوِيَة سَبَقَ إِلَى الماء، فأزالهم الأشعثُ عن الماء.
قلت: ثُمَّ افترقوا وتواعدوا ليوم الحَكَمَيْن.
وقُتل مع عليّ: خُزَيْمة بْن ثابت، وعمار بْن ياسر، وهاشم بْن عُتْبَة، وعبد الله بْن بُدَيْل، وعبد الله بْن كعب المُراديّ، وَعَبْد الرَّحْمَن بن كلدة الجمحي، وقيس بن مكشوح المرادي، وأُبيّ بْن قَيْس النخعي أخو عَلْقَمة، وسعد بْن الْحَارِث بْن الصِّمَّة الأنصاريّ، وجُنْدُب بْن زُهَير الغامِديّ، وأبو ليلى الْأَنْصَارِيّ.
وقُتِلَ مع مُعَاوِيَة: ذو الكَلاع، وحَوْشَب ذو ظُلَيْم، وحابس بْن سعد الطّائي قاضي حمص، وعَمْرو بْن الحَضْرَميّ، وعُبَيْد الله بْن عُمَر بْن الخطاب العدويّ، وعُرْوة بْن دَاوُد، وكُرَيْب بن الصَّبَّاح الحِمْيَريّ أحد الأبطال، قتلَ يومئذٍ جماعةً، ثُمَّ بارَزَه عليّ فقتله.
قَالَ نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ الْكُوفِيُّ الرَّافِضِيُّ: ثنا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ حَصِيرَةَ، أَنَّ وَلَدَ ذِي الْكَلاعِ أَرْسَلَ إِلَى الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ يَقُولُ: إِنَّ ذَا الْكَلاعِ قَدْ أُصِيبَ، وَهُوَ فِي الْمَيْسَرَةِ، أَفَتَأْذَنُ لَنَا فِي دَفْنِهِ؟ فَقَالَ الأَشْعَثُ لِرَسُولِهِ أَقْرِئْهُ السَّلامَ، وَقُلْ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَّهِمَنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَاطْلُبُوا ذَلِكَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ الْهَمْدَانِيِّ فَإِنَّهُ فِي الْمَيْمَنَةِ، فَذَهَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: مَا عَسَيْتُ أَنْ أَصْنَعَ، وَقَدْ كَانُوا مَنَعُوا أَهْلَ الشَّامِ أَنْ يدخلوا عَسْكَرَ عَلِيٍّ، خَافُوا أَنْ يُفْسِدُوا أَهْلَ الْعَسْكَرِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لأَصْحَابِهِ: لأَنَا أَشَدُّ فَرَحًا بِقَتْلِ ذِي الْكَلاعِ مِنِّي بِفَتْحِ مِصْرَ لَوِ افْتَتَحْتُهَا؛ لأَنَّ ذَا الْكَلاعِ كَانَ يَعْرِضُ لِمُعَاوِيَةَ فِي أَشْيَاءَ كَانَ يَأْمُرُ بِهَا، فَخَرَجَ ابْنُ ذِي الْكَلاعِ إِلَى سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ، فَاسْتَأْذَنَهُ فِي أَبِيهِ فَأَذِنَ لَهُ، فَحَمَلُوهُ عَلَى بَغْلٍ وَقَدِ انْتَفَخَ.
وشهد صِفِّين مع مُعَاوِيَة من الصحابة: عمرو بْن العاص السَّهْميّ، وابنُهُ عَبْد الله، وفضالة بْن عُبَيْد الْأَنْصَارِيّ، ومَسْلَمة بْن مَخْلَد، والنُّعمان بْن بشير، ومعاوية بْن حُدَيج الكِنْدي، وأبو غادية الجهني قاتل عمار، وحبيب بن مَسْلَمة الفِهْري، وأبو الأعور السُّلَمِيّ، وبُسْر بْن أرطاة العامريّ.
تحكيم الحَكَمين:
عن عِكْرِمة قَالَ: حَكَّم مُعَاوِيَة عمرو بْن العاص، فقال الأحنف بْن قَيْس لعليّ: حَكِّمْ أنت وابن عَبَّاس، فإنّه رجلٌ مُجَربّ، قَالَ: أفعل، فأبت الْيَمَانِيَةُ
وقالوا: لَا، حتّى يكون منّا رَجُل، فجاء ابن عَبَّاس إِلَى عليّ لمّا رآه قد همّ أنْ يُحَكّم أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، فقال له: عَلَام تُحَكّم أَبَا مُوسَى، فَوَالله لقد عرفت رأيه فينا، فَوَالله مَا نَصَرنا، وهو يرجو مَا نَحْنُ فِيهِ، فتُدْخِلَهُ الآن فِي معاقد أمرنا، مع أنّه ليس بصاحب ذاك فإذا أبيْتَ أن تجعلني مع عمرو فاجْعَل الأحنفَ بْن قَيْس فإنّه مُجَرَّبٌ من العرب، وهو، قِرْنٌ لعَمْرو، فقال عليّ أفعل، فأبت اليَمَانِيَةُ أيضًا. فلمّا غُلِبَ جعل أَبَا مُوسَى، فسمعتُ ابن عَبَّاس يقول: قلتُ لعلي يوم الحَكَمَيْن: لَا تُحَكّم أَبَا مُوسَى، فإنّ معه رجلًا حذر فرس فاره، فلزَّني إِلَى جنبه، فإنّه لَا يحلّ عُقْدَةً إلّا عقدتُها ولا يَعْقِدُ عقدة إلا حللتها. قال: يابن عَبَّاس مَا أصنع؟ إنّما أُوتَى من أصحابي، قد ضعفْتُ بينهم وكلُّوا فِي الحرب، هَذَا الأشعث بْن قَيْس يقول: لَا يكون فيها مُضَرِيّان أبدًا حَتَّى يكون أحدهما يمانٍ، قَالَ: فَعَذَرْتُهُ وعرفت أنه مُضْطَهَدٌ، وأنّ أصحابه لَا نيَّة لهم.
وقال أَبُو صالح السمّان: قال عليّ لأبي مُوسَى: أحْكُمْ ولو على حزّ عُنُقي.
وقال غيره: حكّم معاويةُ عَمْرًا، وحكَّم عليّ أَبَا مُوسَى، على أنّ من ولَّيَاهُ الخلافة فهو الخليفة، ومن اتفقنا على خلْعه خُلِعَ. وتواعدا أنْ يأتيا فِي رمضان، وأن يأتي مع كلّ واحدٍ جَمْعٌ من وجوه العرب.
فلمّا كان الموعد سار هَذَا من الشام، وسار هَذَا من العراق، إِلَى أن التقى الطّائفتان بدُومَة الجَنْدل وهي طرف من الشام من جهة زاوية الجنوب والشرق.
فعن عُمَر بْن الحكم قَالَ: قال ابن عَبَّاس لأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: احْذَرْ عَمْرًا، فإنّما يريد أن يقدِّمك ويقول: أَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأسنّ منّي فتكلّم حتّى أتكلّم، وإنّما يريد أن يقدِّمك فِي الكلام لتخلع عليًّا. قَالَ: فاجتمعا على إمرةٍ، فأدار عمرو أَبَا مُوسَى، وذكر له مُعَاوِيَة فأبى، وقال أَبُو مُوسَى: بل عَبْد الله بْن عُمَر، فقال عمرو: أخبرني عن رأيك، فقال أَبُو مُوسَى: أرى أن نخلع هذين الرجُلَين، ونجعل هَذَا الأمر شورى بيْن المُسْلِمين، فيختاروا لأنفسهم من أحبوا.
قال عمرو: الرَّأْيُ مَا رَأَيْت، قَالَ: فأقبلا على النّاس وهم مجتمعون بدومة الجَنْدَل، فقال عمرو: يا أَبَا مُوسَى أعلِمْهُمْ أنّ رَأيَنَا قد اجتمع، فقال: نعم، إنّ
رأينا قد اجتمع على أمر نرجو أن يُصْلِح الله به أمر الأمة، فقال عَمْرو: صَدَقَ وَبَرَّ، ونِعْمَ النّاظر للإسلام وأهله. فتكلَّم يا أَبَا مُوسَى. فأتاه ابن عَبَّاس، فخلا به، فقال: أنت فِي خدعة، ألم أقل لك لا تبدؤه وتعقَّبه، فإنّي أخشى أن يكون أعطاك أمرًا خاليًا، ثُمَّ ينزع عَنْهُ على ملَأٍ من النّاس، فقال: لَا تخشى ذلك فقد اجتمعنا واصْطَلحْنا.
ثُمَّ قام أَبُو مُوسَى فحمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أيُّها النّاس، قد نظرنا فِي أمر هَذِهِ الأمة، فلم نر شيئًا هو أصلح لأمرنا ولا ألَمُّ لشَعْثها من أن لَا نُغَيّر أمرها ولا بعضه، حتّى يكون ذلك عن رضًا منها وتشاورٍ، وقد اجتمعت أَنَا وصاحبي على أمرٍ واحدٍ: على خلْع عليٍّ ومعاوية، وتستقبل الأمّةُ هَذَا الأمر فيكون شُورى بينهم يُوَلّون من أحبُّوا، وإنّي قد خلعت عليًّا ومعاوية، فَوَلّوا أمركم من رأيتم. ثمّ تأخّر.
وأقبل عَمْرو فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثُمَّ قَالَ: إنَّ هَذَا قد قَالَ مَا سمعتم، وخلع صاحبه، وإنّي خلعت صاحبه وأثبتُّ صاحبي مُعَاوِيَة، فإنّه وَلِيُّ عُثْمَان، والطّالب بدَمِهِ، وأحقُّ النّاس بمقامه، فقال سعد بْن أبي وقاص: ويحك يا أبا مُوسَى مَا أضعفك عن عَمْرو ومكايده، فقال: مَا أصنع به، جامعني على أمرٍ، ثُمَّ نزع عَنْهُ، فقال ابن عَبَّاس: لَا ذَنْبَ لك، الذَّنْب للَّذي قدَّمَك، فقال: رَحِمَك الله غَدَرَ بي، فَمَا أصنع، وقال أَبُو مُوسَى: يا عَمْرو إنّما مَثَلُك كَمَثل الكلْب إنْ تحمِلْ عليه يَلْهَثْ أو تَتْرُكْه يَلْهَثْ، فقال عَمْرو: إنّما مَثَلُكَ كَمَثَلِ الحمار يحمل أسفارًا، فقال ابن عُمَر: إِلَى مَا صِير أمرُ هذه الأمّة! إِلَى رجلٍ لَا يبالي مَا صنع، وَآخَرَ ضعيف.
قال المسعوديّ فِي "المروج": كان لقاء الحَكَمين بدومة الجَنْدل فِي رمضان، سنة ثمانٍ وثلاثين، فَقَالَ عَمْرو لأبي مُوسَى: تكلَّم، فقال: بل تكلّم أنت، فقال: مَا كنت لأفعل، ولك حقوقٌ كلُّها واجبة. فحمد الله أَبُو مُوسَى وأثنى عليه، ثمّ قَالَ: هَلُمَّ يا عَمْرو إِلَى أمر يجمع الله به الأمة، ودعا عَمْرو بصحيفة، وقال للكاتب: اكتُب وهو غُلام لَعمْرو، وقال: إنّ للكلام أوّلًا وآخرًا، ومتى تنازعنا الكلام لو نبلغ آخرَهُ حتّى يُنْسَى أوَّلُهُ، فاكتُبْ مَا نقول، قَالَ: لَا
تكتب شيئًا يأمرك به أحدُنا حَتَّى تستأمر الآخر، فإذا أمرك فاكتُبْ، فكتب: هَذَا مَا تقاضى عليه فلانُ وفلان. إِلَى أن قال عَمْرو وإنّ عُثْمَان كان مؤمنًا فقال أَبُو مُوسَى: ليس لهذا قَعَدْنا، قَالَ عَمْرو: لَا بدّ أن يكون مؤمنًا أو كافرًا. قَالَ: بل كان مؤمنًا. قَالَ: فمُرْهُ أن يكتب، فكتب. قال عمرو: فظالمًا قُتل أو مظلومًا، قَالَ أَبُو مُوسَى: بل قُتِلَ مظلومًا، قَالَ عَمْرو: أفَلَيْس قد جعل الله لوليِّه سُلْطانًا يطلبُ بدمه؟ قال أَبُو مُوسَى: نعم، قَالَ عَمْرو: فَعَلَى قاتله الْقَتْلُ، قَالَ: بلى. قَالَ: أفليس لمعاوية أنْ يطلب بدَمِهِ حتّى يَعْجَز؟ قَالَ: بلى، قَالَ عَمْرو: فإنّا نُقِيم البَيِّنة على أنّ عليًّا قتله.
قَالَ أَبُو مُوسَى: إنّما اجتمعنا لله، فَهَلُمَّ إِلَى مَا يصلح الله به أمرَ الأمة، قَالَ: وما هُوَ؟ قَالَ: قد علِمْتَ أنّ أَهْل العراق لَا يحبُّون مُعَاوِيَة أبدًا، وأهل الشام لَا يحبُّون عليًّا أبدًا، فهَلُمَّ نخلعهما معًا، ونستخلف ابن عُمَر -وكان ابن عُمَر على بِنْت أبي مُوسَى- قَالَ عَمْرو: أَيَفْعَلُ ذلك عبدُ الله؟ قَالَ: نعم إذا حمله النّاس على ذلك. فصوَّبه عَمْرو وقال: فهل لك فِي سعد؟ وعدَّدَ له جماعة، وأبو مُوسَى يأبى إلّا ابن عُمَر، ثُمَّ قَالَ: قُمْ حتّى نخلع صاحبينا جميعًا، واذكْر اسم من تستخلِف، فقام أَبُو مُوسَى وخطب وقال: إنّا نظرنا فِي أمرنا، فرأينا أقرب مَا نحقن به الدماء ونلُمَّ به الشَّعْث خَلْعنا مُعَاوِيَة وعليًَّا، فقد خلعتهما كما خلعت عمامتي هذه، واستخلفنا رجلًا قد صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بنفسه، وله سابقةٌ: عَبْد الله بْن عُمَر، فأطراه ورغِب النّاس فِيهِ.
ثُمَّ قَام عَمْرو فقال: أيُّها النّاس، إنّ أَبا موسى قد خلع عليًّا، وهو أعلم به، وقد خلعته معه، وأثبت معاوية علي وعليكم، وإن أَبا مُوسَى كتب فِي هَذِهِ الصحيفة أنّ عُثْمَان قُتِل مظلومًا، وأنّ لِولِيّه أن يطلب بدَمِه، فقام أَبُو مُوسَى فقال: كذِب عَمْرو، لم نستخلف مُعَاوِيَة، ولكنّا خلعنا مُعَاوِيَة وعليًّا معًا.
قال المَسْعُوديّ: ووجدتُ فِي روايةٍ أنّهما اتّفقا وخلعا عليًّا ومعاوية، وجعلا الأمر شُورَى، فقام عَمْرو بعده، فوافقه على خلع عليّ، وعلى إثبات مُعَاوِيَة، فقال له: لَا وَفَّقَكَ الله، غدرت. وقَنَّع شريح بن هانئ عَمْرًا بالسَّوْط. وانْخَذَل أَبُو مُوسَى، فلحِق بمكَّة، ولم يعد إِلَى الكوفة، وحلف لَا ينظر فِي وجه عليٍّ مَا بقي.
ولِحق سعدُ وابن عُمَر ببيت المقدس فأحْرمَا، وانصرف عَمْرو، فلم يأتِ مُعَاوِيَة، فأتاه وهيّأ طعامًا كثيرًا، وجرى بينهما كلامٌ كثير، وطلب الأطعمة، فأكل عَبِيدُ عَمْرٍو، ثمّ قاموا ليأكل عَبَيْد مُعَاوِيَة، وأمر من أغلق الباب وَقْتَ أَكْلِ عبيده، فقال عَمْرو: فعلْتَها؟ قَالَ: إي واللهِ بايعْ وإلّا قتلتُكَ. قَالَ: فمِصْر، قَالَ: هِيَ لك مَا عشْتُ.
وقال الواقدي: رفع أهل الشام المصاحف وقالوا: ندعوكم إلى كتاب الله والحكم بما فِيهِ. فاصطلحوا، وكتبوا بينهما كتابًا على أن يوافوا رأسَ الْحَوْلِ أذْرُحَ1 ويُحَكِّمُوا حَكَمَيْن، ففعلوا ذلك فلم يقع اتّفاق، ورجع عليّ بالاختلاف والدّغّل من أصحابه، فخرج منهم الخوارج، وأنكروا تحكيمه وقالوا: لَا حُكْم إلّا لله، ورجع مُعَاوِيَة بالألفة واجتماع الكلمة عليه.
ثُمَّ بايع أَهْل الشام مُعَاوِيَة بالخلافة فِي ذي القعدة سنة ثمانٍ وثلاثين. كذا قَالَ: وقال خليفة وغيره إنّهم بايعوه فِي ذي القعدة سنة سبعٍ وثلاثين، وهو أشبه؛ لأنّ ذَلِكَ كان إثْر رجوع عَمْرو بْن العاص من التحكيم.
وقال مُحَمَّد بْن الضَّحّاك الحِزَامِيّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قام عليٌّ على مِنبْرَ الكوفة، فقال: حين اختلف الحَكَمان: لقد كنت نَهَيْتُكم عن هَذِهِ الحكومة فعصيتموني، فقام إليه شابٌ آدمُ فقال: إنّك واللهِ مَا نهيتَنَا ولكنْ أمرتَنَا ودمَّرتنا، فَلَمَّا كان منها مَا تكرهُ برَّأْتَ نَفْسَكَ ونَحَلْتَنا ذَنْبَك. فقال عليّ: مَا أنت وهذا الكلام قبَّحَكَ الله، واللهِ لقد كَانَتِ الجماعة فكنت فيها خاملًا، فَلَمَّا ظهرت الفتنة نجمت فيها نجوم الماغرة. ثُمَّ قَالَ: لله منزلٌ نزله سعد بْن مالك وعبد الله بن عمر، والله لئن كان ذَنْبًا إنّه لَصَغيرٌ مغفورٌ، وإنْ كان حَسَنًا إنّه لعظيمٌ مشكور.
قلت: مَا أحسنها لولا أنّها مُنْقطعة السَّنَد.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ وَقُلْتُ: قَدْ كَانَ مِنَ النَّاسِ مَا تَرَيْنَ، وَلَمْ يُجْعَلْ لِي مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ، قَالَتْ: فَالْحَقْ بِهِمْ، فَإِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يكون في احتباسك عنهم فرقة، فذهب.
1 أذرح: بلد في أطراف الشام.
فلمّا تفرَّق الحَكَمَان خطب معاويةُ فقال: مَن كان يريد أن يتكلّم فِي هَذَا الأمر فليطلع إلى قرنه فلنحن أحق بهذا الأمر منه ومن أَبِيهِ -يعرِّض بابن عُمَر- قال ابن عُمَر: فحَلَلْتُ حَبْوَتي وَهَمَمْتُ أن أقول: أحق من قاتلك وأباك على الإسلام. فخشيت أن أقول كلمةً تفرِّق الجمعَ وَتَسْفِكُ الدَّمَ، فَذَكَرَتْ مَا أعدّ الله فِي الجنان1.
قَالَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ يَعْلَى، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ أَبُو مُوسَى: لا أَرَى لَهَا غَيْرَ ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ عَمْرٌو لابْنِ عُمَرَ: أَمَا تريد أن نبايعك؟ فهل لك أن تُعطي مَالا عَظِيمًا عَلَى أَنْ تَدَعَ هَذَا الأَمْرَ لِمَنْ هُوَ أَحْرَصُ عَلَيْهِ مِنْكَ.
فَغَضِبَ ابْنُ عمر وقام. رواه مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وفيها أخرج عليٌ سهل بْن حُنَيْف على أَهْل فارس، فمانَعُوه، فوجّه عليٌّ زيادًا، فصالحوه وأدُّوا الخَرَاج.
وفيها قال أَبُو عبيدة: خرج أَهْل حَرُوراء2 فِي عشرين ألفًا، عليهم شَبَثُ بْن رِبْعيّ، فكَّلمهم عليّ فحاجَّهُم، فرجعوا.
وقال سُلَيْمَان التَّيْميّ، عن أَنَس قَالَ: قَالَ شَبَثُ بْن رِبْعيّ: أَنَا أوّل من حرَّر الْحَرُورِيَّةَ، فقال رَجُل: مَا فِي هَذَا مَا تمتدح به.
وعن مُغِيرَةَ قَالَ: أوّل من حكم ابن الكَوَّاء وشَبَث.
قلت: معنى قوله "حكم" هذه كلمة قد صارت سِمَةً للخَوارج. يُقَالُ "حكم" إذا خرج فقال: لا حكم إلا لله.
سَنَة ثَمانٍ وَثَلَاثِين:
فيها وجَّه مُعَاوِيَة من الشام عبد الله بن الحَضْرميّ فِي جيشٍ إِلَى البصرة ليأخذها، وبها زياد ابن أَبِيهِ من جهة عليّ، فنزل ابن الْحَضْرَمِيّ فِي بني تميم وتحول زياد إِلَى الأزد، فنزل على صَبِرة بْن شَيْمان الحُدَّانيّ.
وكتب إِلَى عليّ فوجّه عليّ أَعْيَنَ بْن ضُبَيْعَة المُجَاشِعِيّ، فقتل أعْين غِيلةً على فراشه. فندب علي
1 صحيح: أخرجه البخاري بنحوه "4108" في كتاب المغازي، باب: غزوة الخندق.
2 حروراء: قرية على بعد ميلين من الكوفة.
جارية بْن قُدامة السَّعْدِيّ، فحاصر ابن الْحَضْرَمِيّ فِي الدّار التي هُوَ فيها، ثُمَّ حرَّقها عليه.
وَفِي شعبان ثارت "الخوارج" وخرجوا على عليّ، وأنكروا عليه كَوْنَه حكَّم الحَكَمين، وقالوا: حكَّمْتَ فِي دين الله الرجال، والله يقول:{إِنِ الْحُكْمُ إِلَاّ لِلَّهِ} 1، فناظَرَهُمْ، ثُمَّ أرسل إليهم عَبْد الله بن عَبَّاس، فبيَّن لهم فسادَ شُبْهَتهم، وفسر لهم، واحتجَّ بقوله تعالى:{يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} 2، وبقوله:{فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} 3، فرجع إِلَى الصواب منهم خلق، وسار الآخرون، فلقوا عَبْد الله بْن خَبَّاب بْن الأرت، ومعه امرأته فقالوا: من أنت? فانتسب لهم، فسألوه عن أبي بَكْر، وعمر، وعثمان، وعليّ، فأثنى عليهم كلهم، فذبحوه وقتلوا امرأته، وكانت حُبْلَى، فبقروا بطنها، وكان من سادات أبناء الصحابة.
وفيها سارت الخوارج لحرب عليّ، فكانت بينهم وقعة النَّهْرَوان، وكان على الخوارج عَبْد الله بْن وهب السبائي، فهزمهم عليّ وقُتِل أكثرهم، وقُتِل ابن وهب. وقُتِلَ من أصحاب عليّ اثنا عشر رجلًا.
وقيل فِي تسميتهم الحرُورِيّة لأنهم خرجوا على عليّ من الكوفة، وعسكروا بقريةٍ قريبةٍ من الكوفة يُقَالُ لها حَرُوراء، واسْتَحَلّ عليّ قتْلَهُم لِمَا فعلوا بابن خَبَّاب وزوجته.
وكانت الوقعة فِي شعبان سنة ثمانٍ، وقيل: فِي صَفَر.
قَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنِي أَبُو زُمَيْلٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا اجْتَمَعَتِ الْخَوَارِجُ فِي دَارِهَا، وَهُمْ سِتَّةُ آلافٍ أَوْ نَحْوُهَا، قُلْتُ لِعَلِيٍّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَبْرِدْ بِالصَّلاةِ لَعَلِّي أَلْقَى هَؤُلاءِ، فَإِنِّي أَخَافُهُمْ عَلَيْكَ، قُلْتُ: كَلا، قَالَ: فَلَبِسَ ابْنُ عَبَّاسٍ حُلَّتَيْنِ مِنْ أَحْسَنِ الْحُلَلِ، وَكَانَ جَهِيرًا جَمِيلا، قَالَ: فَأَتَيْتُ الْقَوْمَ، فَلَمَّا رَأَوْنِي قَالُوا: مَرْحَبًا بِابْنِ عَبَّاسٍ وَمَا هَذِهِ الْحُلَّةُ؟ قُلْتُ: وما تنكرون من ذلك؟ لقد
1 سورة الأنعام: 57.
2 سورة المائدة: 95.
3 سورة النساء: 35.
رَأَيْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُلَّةً مِنْ أَحْسَنِ الْحُلَلِ، قَالَ: ثُمَّ تَلَوْتُ عَلَيْهِمْ: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} 1.
قَالُوا فَمَا جَاءَ بِكَ? قُلْتُ: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمِنْ عِنْدِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلا أَرَى فيكم أحدًا منهم، ولأبلغنكم مَا قَالُوا، وَلأُبَلِّغَنَّهُمْ مَا تَقُولُونَ: فَمَا تَنْقِمُونَ مِنَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصِهْرِهِ? فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَقَالُوا: لا تُكَلِّمُوهُ فَإِنَّ اللَّهُ يَقُولُ: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} 2 وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا يَمْنَعُنَا مِنْ كَلامِهِ، ابْنِ عمّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَيَدْعُونَا إِلَى كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: فَقَالُوا: نَنْقِمُ عَلَيْهِ ثَلاثَ خِلالٍ: إِحْدَاهُنَّ: أَنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي دِينِ اللَّهِ وَمَا لِلرِّجَالِ وَلِحُكْمِ اللَّهِ، والثانية: أنه علم فَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ، فَإِن كَانَ قَدْ حَلَّ قِتَالُهُمْ فَقَدْ حَلَّ سَبْيُهُمْ، وَإِلا فَلا، وَالثَّالِثَةُ: مَحَا نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَهُوَ أَمِيرُ الْمُشْرِكِينَ. قُلْتُ: هَلْ غَيْرُ هَذَا؟ قَالُوا: حَسْبُنَا هَذَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ خَرَجْتُ لَكُمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ أَرَاجِعُونَ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: وَمَا يَمْنَعُنَا، قُلْتُ: أَمَّا قَوْلُكُمْ إِنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي أَمْرِ اللَّهِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ:{يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} 3 وَذَلِكَ فِي ثَمَنِ صَيْدِ أَرْنَبٍ أَوْ نَحْوِهِ قِيمَتُهُ رُبْعُ دِرْهَمٍ فَوَّضَ اللَّهُ الْحُكْمَ فِيهِ إِلَى الرِّجَالِ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُحَكِّمَ لحكَّم. وَقَالَ:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِه} 4 الآيَةَ. أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: قَاتَلَ فَلَمْ يَسْبِ، فَإِنَّهُ قَاتَلَ أمكم؛ لأن الله يقول:{وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} 5 فَإِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِأُمِّكُمْ فَقَدْ كَفَرْتُمْ، وَإِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّهَا أُمُّكُمْ فَمَا حَلَّ سِبَاؤُهَا، فَأَنْتُمْ بَيْنَ ضَلالَتَيْنِ، أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ إِنَّهُ مَحَا اسْمَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنِّي أُنَبِّئُكُمْ عَنْ ذَلِكَ:
1 سورة الأعراف: 32.
2 سورة الزخرف: 58.
3 سورة المائدة: 95.
4 سورة النساء: 35.
5 سورة الأحزاب: 6.
أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية جرى الكتاب يبنه وَبَيْنَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، فَقَالَ:"يَا عَلِيُّ اكْتُبْ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ محمدٌ رَسُول اللَّهِ" فَقَالُوا: لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبِ اسْمَكَ وَاسْمَ أَبِيكَ، فقال:"اللهم إنك تَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُكَ"، ثُمَّ أَخَذَ الصَّحِيفَةَ فَمَحَاهَا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ:"يَا عَلِيُّ اكْتُبْ: هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ" 1، فَوَاللَّهِ مَا أَخْرَجَهُ ذَلِكَ مِنَ النُّبُوَّةِ، أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ.
قَالَ: فَرَجَعَ ثُلُثُهُمْ، وَانْصَرَفَ ثُلُثُهُمْ، وَقُتِلَ سَائِرُهُمْ عَلَى ضَلالةٍ.
قَالَ عَوْفٌ: ثنا أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَفْتَرِقُ أُمَّتِي فِرْقَتَيْنِ، تَمْرُقُ بَيْنَهُمَا مَارِقَةٌ تقتلهم، أولى الطائفتين بالحق"2. وكذا رواه قَتَادَةُ وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَنْبَأَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، أَنَّ الْحَرُورِيَّةَ لَمَّا خَرَجَتْ عَلَى عَلِيٍّ قَالُوا: لا حُكْمَ إِلا لِلَّهِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَفَ نَاسًا إِنِّي لأَعْرِفُ صِفَتَهُمْ فِي هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ الْحَقَّ بِأَلْسِنَتِهِمْ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ -وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ- مِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْهِ، مِنْهُمْ أَسْوَدُ إِحْدَى يَدَيْهِ طُبْيُ شَاةٍ أَوْ حَلَمَةُ ثَدْيٍ، فَلَمَّا قَاتَلَهُمْ عَلِيٌّ قَالَ: انْظُرُوا، فَنَظَرُوا فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئًا، قَالَ: ارْجِعُوا، فَوَاللَّهِ مَا كَذِبْتُ وَلا كُذِبْتُ، ثُمَّ وَجَدُوهُ فِي خِرْبَةٍ، فَأَتَوْا بِهِ حَتَّى وَضَعُوهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: أَنَا حَاضِرٌ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ وَقَوْلِ عَلِيٍّ فِيهِمْ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عِيَاضٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَنَحْنُ عِنْدَهَا لَيَالِي قُتِلَ عَلِيٌّ، فَقَالَتْ: حَدِّثْنِي عَنْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ عَلِيٌّ، قَالَ: إِنَّ عَلِيًّا لَمَّا كَاتَبَ مُعَاوِيَةَ وَحَكَّمَ الحكمين
1 صحيح: بنحوه: أخرجه البخاري "2731، 2732" في كتاب الشروط، باب: الشروط في الجهاد، وأبو داود "2765" في كتاب الجهاد، باب: في صلح العدو، وأحمد "4/ 323، 326، 328، 331" من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم.
2 صحيح: أخرجه مسلم "1065/ 150" في كتاب الزكاة، باب: ذكر الخوارج، وأبو داود "4667" في كتاب السنة، باب: ما يدل على ترك الكلام في الفتنة، وأحمد "3/ 5، 32، 45، 48، 79"، والبيهقي في "الدلائل""6/ 424".
خَرَجَ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةُ آلافٍ مِنْ قُرَّاءِ النَّاسِ -يَعْنِي عُبَّادَهُمْ- فَنَزَلُوا بِأَرْضِ حَرُورَاءَ مِنْ جَانِبِ الْكُوفَةِ وَقَالُوا: انْسَلَخْتَ مِنْ قَمِيصٍ ألْبَسَكَ اللَّهُ وَحَكَّمْتَ فِي دِينِ اللَّهِ الرِّجَالَ، وَلا حُكْمَ إِلا لِلَّهِ.
فَلَمَّا بَلَغ عَلِيًّا مَا عَتَبُوا عَلَيْهِ، جَمَعَ أَهْلَ الْقُرآنِ، ثُمَّ دَعَا بِالْمُصْحَفِ إِمَامًا عَظِيمًا، فَوَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَطَفِقَ يُحَرِّكُهُ بِيَدِهِ وَيَقُولُ: أَيُّهَا الْمُصْحَفُ حَدِّثِ النَّاسَ، فَنَادَاهُ النَّاسُ، مَا تَسْأَلُ؟ إِنَّمَا هُوَ مِدَادٌ وَوَرَقٌ، وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ بِمَا رَوَيْنَا مِنْهُ، فَمَاذَا تُرِيدُ؟ فَقَالَ: أَصْحَابُكُمُ الَّذِينَ خَرَجُوا، بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى: يَقُولُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} 1، فَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ أَعْظَمُ حَقًّا وَحُرْمَةً مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ شِبْهَ مَا تَقَدَّمَ، قَالَ: فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلافٍ، فِيهِمُ ابْنُ الْكَوَّاءِ، ومضى الآخرون، قالت عائشة فلم قتلتهم؟ قَالَ: قَطَعُوا السَّبِيلَ، وَاسْتَحَلُّوا أَهْلَ الذِّمَّةِ، وَسَفَكُوا الدم.
1 سورة النساء: 35.
هزيمة الخوارج بحروراء:
سَنَة تِسْعٍ وَثلَاثيْن:
فيها كَانَتْ وقعة الخوارج بحروراء بالنخيلة1، قاتلهم علي فكسرهم، وقتل رءوسهم وسجد شكرًا لله تعالى لمّا أُتي بالمخدَّج إليه مقتولًا، وكان رءوس الخوارج زَيْدُ بْن حصن الطائي، وشُرَيْح بْن أوْفَى العبسيّ، وكانا على المُجَنَّبَتَيْن، وكان رأسهم عَبْد الله بْن وهب السّبأي، وكان على رَجَّالتهم حُرْقُوص بْن زهير.
وفيها بعث مُعَاوِيَة يزيد بْن شجرة الرَّهاوِيّ ليقيم الحجّ، فنازَعَهُ قُثَمُ بْن الْعَبَّاس ومَانَعه، وكان من جهة عليّ، فتوسّط بينهما أَبُو سَعِيد الخدري وغيره، فاصطلحا، على أن يقيم الموسم شَيْبَة بْن عُثْمَان العَبْدَرِيّ حاجب الكَعبة.
وقيل: تُوُفيّ فيها "أمُّ المؤمنين ميمونة"، وحسان بْن ثابت الْأَنْصَارِيّ، وسيأتيان.
وكان عليّ قد تجهّز يريد مُعَاوِيَة، فردّ من عانات، واشتغل بحرب الخوارج الحَرُوريّة، وهمّ العُبّاد والقُرّاء من أصحاب عليّ الذين مَرَقُوا من الْإِسْلَام، وأوقعهم الغُلُوّ فِي الدين إِلَى تكفير العُصاة بالذُّنوب، وإلى قُتِلَ النساء والرجال، إلّا من اعترف لهم بالكفر وجدَّد إسلامه.
ابْنُ سَعْدٍ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن أبي الموالي، عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن عُقَيْل، سمع مُحَمَّد بْن الحنَفية يقول: كان أبي يريد الشام، فجعل يعقد لواءه، ثُمَّ يحلف لَا يحلّه حَتَّى يسير، فيأبَى عليه النّاس، وينتشر عليه رأيهُم، ويَجْبُنون فيحله ويكفّر عن يمينه، فعل ذلك أربع مرّات، وكنت أرى حالهم فأرى ما لا يسرني. فكلمت المسور بن مخرمة يومئذ، وَقُلْتُ: ألا تكلمه أَيْنَ يسير بقوم لَا والله مَا أرى عندهم طائلًا، قَالَ: يا أَبَا القاسم يسير الأمر قد حُمّ، قد كلَّمْتُهُ فرأيته يأبى إلّا المسير.
قَالَ ابن الحَنَفّية: فلمّا رَأَى منهم مَا رَأَى قَالَ: اللَّهُمَّ إنّي قد مَللْتُهُم وقد ملُّوني، وأبغضْتُهُم وأبغضوني، فأبْدِلني خيرًا منهم، وأبدِلْهم شرًّا مني.
1 النخيلة: موضع قرب الكوفة.
"تعاهد الخوارج بعد هزيمتهم على قتل على ومعاوية وعمرو بن العاص":
سَنَة أربَعِين:
فيها بعث مُعَاوِيَة إِلَى اليمن بُسْر بْن أبي أرطاة الْقُرَشِيَّ العامريّ فِي جنودٍ، فتنحّى عَنْهَا عاملُ علي عُبَيْد الله بْن عَبَّاس، وبلغ عليًّا فجهز إِلَى اليمن جارية بْن قُدامة السَّعْديّ فوثب بُسْر على وَلَديْ عُبَيْد الله بْن عَبَّاس صَبِيَّيْن، فذبحهما بالسكين وهرب، ثم رجع عبيد الله على اليمن.
قَالَ ابن سعد: قَالُوا انتدب ثلاثةً من الخوارج، وهم: عَبْد الرَّحْمَن بْن مُلْجم المُرَادِيّ، والبُرَك بْن عَبْد الله التميميّ، وعمرو بْن بَكْر التميميّ، فاجتمعوا بمكة، فتعاهدوا وتعاقدوا لَيَقْتُلُنَّ هؤلاء الثّلاثة عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِب رضي الله عنه، ومعاوية بْن أبي سُفْيَان، وعمرو بْن العاص، ويُريحوا العباد منهم.
فقال ابن ملجم: أنا لعلي، وقال البرك: أَنَا لمعاوية، وقال الآخر: أَنَا أكفيكم عَمْرًا، فتواثقوا أنْ لَا ينْكُصُوا، واتَّعَدُوا بينهم أن يقع ذلك ليلة سبع عشرة من رمضان، ثمّ تَوَجَّه كلُّ رجلٍ منهم إِلَى بلدٍ بها صاحبُهُ، فقدِم ابنُ مُلْجم الكوفة، فاجتمع بأصحابه من الخوارج، فأسرَّ إليهم، وكان يزورهم ويزورونه. فرأى قَطَام بِنْت شِجْنَة من بني تيم الرباب، وكان علي قتل أباها وأخاها يوم النَّهروان، فأعْجَبَتْهُ، فقالت: لَا أتزوَّجُكَ حَتَّى تعطيني ثلاثة آلاف درهم، وتقتل عليًّا، فقال: لكِ ذلك، ولقي شبيب بْن بجرَة الأشجعي، فأعلمه ودعاه إلى أن يكون معه فأجابه.
وبقي ابن مُلْجَم فِي الليلة التي عزم فيها على قتْل علي يناجي الأشعث بْن قَيْس فِي مسجده حَتَّى طلع الفجر، فقال له الأشعث: فَضَحكَ الصُّبْحُ، فقام هُوَ وشبيب، فأخذا أسيافهما، ثُمَّ جاءا حَتَّى جلسا مقابل السُّدَّةِ التي يخرج منها عليّ، فذكر مقتل عليّ رضي الله عنه، فلمّا قُتِلَ أخذوا عَبْد الرَّحْمَن بْن ملجم، وعذبوه فقتلوه.
وقال حجاج بن أبي منيع: أنبأنا جَدِّي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: تَعَاهَدَ ثَلاثَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ عَلَى قَتْلِ مُعَاوِيَةَ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَحَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَة، وَذَكَرَهُ.
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين:
ما بعد الخلفاء الراشدون حتى سنة 41هـ:
"الطبقة الأولى":
"من العشرة المبشرين بالجنة":
6-
"ع" أبو عبيدة بن الجراح "ت 18هـ" عامر بْن عبد الله بْن الجراح بْن هلال بْن أُهيب بْن ضبة بْن الحارث بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عدنان، القرشي الفهري المكي.
أحد السابقين الأولين: ومن عزم الصديق على توليته الخلافة، وأشار به يوم السقيفة، لكمال أهليته عند أبي بكر. يجتمع في النسب هو والنبي صلى الله عليه وسلم في فهر. شهد لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْجَنَّةِ، وسماه أمين الأمة، ومناقبه شهيرة جمة.
روى أحاديث معدودة، وغزا غزوات مشهودة.
حدث عنه العرباض بن سارية، وجابر بن عبد الله، وأبو أمامة الباهلي، وسمرة بن جندب، وأسلم مولى عمر، وعبد الرحمن بن غنم، وآخرون.
له في صحيح مسلم حديث واحد، وله في جامع أبي عيسى حديث، وفي "مسند بقي" له خمسة عشر حديثا.
الرواية عنه:
أخبرنا أبو المعالي محمد بن عبد السلام التميمي، قراءة عليه في سنة أربع وتسعين وستمائة، أنبأنا أبو روح عبد المعز بن محمد البزار، أنبأنا تميم بن أبي سعيد أبو القاسم المعري، في رجب سنة تسع وعشرين وخمسمائة، بهراة1، أنبأنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن، أنبأنا أبو عمرو بن حمدان، أخبرنا أبو يعلى أحمد بن علي، حدثنا عبد الله بن معاوية القرشي، حدثنا حماد بن سلمة، عن
1 هراة: من مدن خراسان.
خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عن عبد الله بن سراقة، عن أبي عبيدة بن الجراح: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "إنه لم يكن نبي بعد نوح إلا وقد أنذر قومه الدجال، وإني أنذركموه" فوصفه لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: "لعله سيدركه بعض من رآني أو سمع كلامي".
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كيف قلوبنا يومئذ؟ أمثلها اليوم؟ قال: "أو خير"1. أخرجه الترمذي عن عبد الله الجمحي فوافقناه بعلو.
وقال: وفي الباب عن عبد الله بن بسر وغيره. وهذا حديث حسن غريب من حديث أبي عبيدة رضي الله عنه.
قال ابن سعد في الطبقات: أخبرنا محمد بن عمر، حدثني نور بْنُ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ مالك بْن يُخَامر أنه وصف أبا عبيدة فقال: كان رجلا نحيفًا، معروق الوجه، خفيف اللحية، طوالًا، أجْنى، أثرم الثنيتين2.
وأخبرنا محمد بن عمر، حدثنا محمد بن صالح، عن يزيد بن رومان قال: انطلق ابن مظعون، وعبيدة بن الحارث، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عبد الأسد، وأبو عبيدة بن الجراح حتى أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فعرض عليهم الإسلام، وأنبأهم بشرائعه، فأسلموا في ساعة واحدة، وذلك قبل دُخُولِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دار الأرقم3.
وقد شهد أبو عبيدة بدرا، فقتل يومئذ أباه، وأبلى يوم أحد بلاء حسنا، ونزع يومئذ الحلقتين اللتين دخلتا من المِغْفَر في وَجِنَةِ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم مَنْ ضربة أصابته، فانقلعت ثنيتاه، فحسن ثغره بذهابهما، حتى قيل: ما رئي هتم قط أحسن من هتم أبي عبيدة.
1 ضعيف: أخرجه أبو داود "4756" في كتاب السنة، باب: في الدجال، والترمذي "2241" في كتاب الفتن، باب: ما جاء في الدجال، وابن حبان "1/ 6778" وقال الحافظ ابن كثير في "البداية" "8/ 95": في إسناده غرابة: وقال الألباني في "ضعيف سنن الترمذي""389": ضعيف.
2 إسناده ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 220-221".
3 إسناده ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 218".
وقال أبو بكر الصديق وقت وَفَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بسقيفة بني ساعدة: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين: عمر، وأبا عبيدة.
قال الزبير بن بكار: قد انقرض نسل أبي عبيدة، وولد إخوته جميعا، وكان ممن هاجر إلى أرض الحبشة، قاله ابن اسحاق، والواقدي.
قلت: إن كان هاجر إليها، فإنه لم يطل بها الليث.
وكان أبو عبيدة معدودا فيمن جمع القرآن العظيم.
قال موسى بن عقبة في "مغازيه" غزوة عمرو بن العاص هي غزوة ذات السلاسل من مشارف الشام، فخاف عمرو من جانبه ذلك، فاستمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتدب أبا بكر وعمر في سراة من المهاجرين، فأمر نبي الله عليهم أبا عبيدة، فلما قدموا على عمرو بن العاص قال: أنا أميركم، فقال المهاجرون: بل أنت أمير أصحابك، وأميرنا أبو عبيدة. فقال عمرو: إنما أنتم مدد أمددت بكم. فلما رأى ذلك أبو عبيدة بن الجراح، وكان رجلا حسن الخلق، لين الشيمة، متبعا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده، فسلم الإمارة لعمرو.
وثبت من وجوه عَنْ أَنَسٍ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أبو عبيدة بن الجراح"1.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الفقيه وغيره، إجازة، قالوا: أخبرنا حنبل بن عبد الله، أنبأنا هبة الله بن محمد، أنبأنا أبو علي بن المذهب، أخبرنا أبو بكر القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا صفوان، عن شريح بن عبيد، وراشد بن سعد، وغيرهما قالوا: لما بلغ عمر بن الخطاب سرغ، حدث أن بالشام وباء شديدا، فقال: إِنْ أَدْرَكَنِي أَجَلِي، وَأَبُو عُبَيْدَةَ حَيٌّ، اسْتَخْلَفْتُهُ، فإني سألني الله عز وجل: لِمَ استخلفته على أمة محمد؟ قلت: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا، وَأَمِينُ هَذِهِ الأمة أبو عبيدة بن الجراح". قال: فأنكر القوم ذلك وقالوا: ما بال علياء قريش؟ يعنون بني فهر،
1 صحيح: أخرجه البخاري "3744" في كتاب فضائل الصحابة، باب: مناقب أبي عبيدة بن الجراح، ومسلم "2419" في كتاب فضائل الصحابة، باب: فضائل أبي عبيدة بن الجراح.
ثم قال: وإن أدركني أجلي، وقد توفي أبو عبيدة، أستخلف معاذ بن جبل، فإن سألني ربي قلت: إني سمعت نبيك يقول: "إنه يحشر يوم القيامة بين يدي العلماء برتوة"1.
وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عمرو بن العاص قال: قيل: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قال: "عائشة". قيل: من الرجال؟ قال: "أبو بكر"، قيل: ثم من؟ قال: "ثم أبو عبيدة بن الجراح"2.
كذا يرويه حماد، وخالفه جماعة، فرووه عن الجريري، عن عبد الله قال: سألت عائشة: أي أصحابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أحب إليه؟ قالت: أَبُو بكر، ثُمَّ عُمَر، ثُمَّ أَبُو عبيدة بن الجراح3.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن المعدل، أنبأنا عبد الله بن أحمد الفقيه، أنبأنا محمد بن عبد الباقي، أنبأنا أبو الفضل بن خيرون، أنبأنا أحمد بن محمد بن غالب، بقراءته على أبي العباس بن حمدان، حدثكم محمد بن أيوب، أنبأنا أبو الوليد، أنبأنا شعبة، عن أبي إسحاق، سمعت صلة بن "زفر"، عن حذيفة، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:"إني أبعث إليكم رجلا أمينا" فاستشرف لها أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فبعث أبا عبيدة بن الجراح4. اتفقا عليه من حديث شعبة.
واتفقا من حديث خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لكل أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بن الجراح"5.
أخبرنا أحمد بن محمد المعلم، أنبأنا أبو القاسم بن رواحة، أنبأنا أبو طاهر الحافظ، أنبأنا أحمد بن على الصوفي، وأبو غالب الباقلاني، وجماعة، قالوا:
1 أخرجه أحمد "1/ 18".
2 انظر الآتي.
3 صحيح: أخرجه الترمذي "3781" في كتاب المناقب، باب: مناقب أبي عبيدة عامر بن الجراح، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
4 صحيح: أخرجه البخاري "3745" في كتاب فضائل الصحابة، باب: مناقب أبي عبيدة بن الجراح، ومسلم "2420" في كتاب فضائل الصحابة، باب: فضائل أبي عبيدة بن الجراح.
5 صحيح: وقد تقدم.
أنبانا أبو القاسم بن بشران، أنبأنا أبو محمد الفاكهي بمكة، حدثنا أبو يحيى بن أبي ميسرة، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى الواسطى، أنبأنا يحيى بن أبي زكريا، حدثنا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ أبي الزبير، عن جَابِرٍ قَالَ: كُنْتُ فِي الْجَيْشِ الَّذِينَ مَعَ خالد، الذين أمد بهم أبا عبيدة، وهو محاصر دمشق، فلما قدمنا عليهم، قال لخالد: تقدم فصل، فأنت أحق بالإمامة؛ لأنك جئت تمدني. فقال خالد: ما كنت لأتقدم رجلا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لكل أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بن الجراح"1.
أبو بكر بن أبي شيبة: أنبأنا عبد الرحيم بن سليمان، عن زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن صلة، عن حذيفة قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أسقفا نجران: العاقب والسيد، فقالا: أبعث معنا أمينا حق أمين فقال: "لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين" فاستشرف لها الناس، فقال:"قم يا أبا عبيدة" فأرسله معهم2.
قال: وحدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق نحوه.
الترقفي3 في "جزئه": حدثنا أبو المغيرة، حدثنا صفوان بن عمرو، حدثنا أبو حسبة مسلم بن أكيس مولى ابن كريز، عن أبي عبيدة قال: ذكر لي من دخل عليه فوجده يبكي، فقال: ما يبكيك يا أبا عبيدة؟ قال: يبكيني أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذكر يوما ما، يفتح الله على المسلمين، حتى ذكر الشام فقال:"إن نسأ الله في أجلك فحسبك من الخدم ثلاثة: خادم يخدمك، وخادم يسافر معك، وخادم يخدم أهلك ويرد عليهم وحسبك من الدواب ثلاثة: دابة لرحلك، ودابة لثقلك، ودابة لغلامك"، ثم هذا أنذا أنظر إلى بيتي قد امتلأ رقيقا، وإلى مربطي قد امتلأ خيلا، فكيف أَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بعدها؟ وقد أوصانا:"أن أحبكم إلي، وأقربكم مني، من لقيني على مثل الحال التي فارقتكم عليها"4.
حديث غريب رواه أيضا أحمد في "مسنده" عن أبي المغيرة.
1 إسناده ضعيف: أبو الزبير مدلس، وقد عنعنه، والمرفوع منه صحيح كما تقدم.
2 صحيح: وقد تقدم.
3 هو عبّاس بْن عَبْد الله بْن أبي عِيسَى، تأتي ترجمته "2225".
4 أخرجه أحمد "1/ 195-196".
وكيع بن الجراح، حدثنا مبارك بن فضالة عن الْحَسَنُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"ما منكم من أحد إلا لو شئت لأخذت عليه بعض خلقه، إلا أبا عبيدة"1. هذا مرسل.
وكان أبو عبيدة موصوفا بحسن الخلق، وبالحلم الزائد والتواضع.
قال محمد بن سعد: حدثنا أحمد بن عبد الله، حدثنا ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ عمر لجلسائه، تمنوا، فتمنوا، فقال عمر: لكني أتمني بيتا ممتلئا رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح.
وقال ابن أبي شيبة: قال ابن علية: عن يونس، عن الْحَسَنُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"ما من أصحابي أحد إلا لو شئت أخذت عليه، إلا أبا عبيدة"2.
وسفيان الثوري: عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة قال: قال ابن مسعود: أخلائي مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثلاثة: أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة3.
خالفه غيره، ففي "الجعديات": أنبأنا زهير، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله فذكره.
قال خليفة بن خياط: وقد كان أبو بكر ولي أبا عبيدة بيت المال.
قلت: يعني أموال المسلمين، فلم يكن بعد عمل بيت مال، فأول من اتخذه عمر.
قال خليفة: ثم وجهه أبو بكر إلى الشام سنة ثلاث عشرة أميرا، وفيها استخلف عمر، فعزل خالد بن الوليد، وولى أبا عبيدة.
قال أبو القاسم بن يزيد: حدثنا سفيان، عن زياد بن فياض، عن تميم بن سلمة، أن عمر لقي أبا عبيدة، فصافحه، وقبل يده، وتنحيا يبكيان.
وقال ابن المبارك في "الجهاد" له: عَنْ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ،
1 مرسل إسناده ضعيف: أخرجه الحاكم في "مستدركه""5157" ومبارك بن فضالة مدلس، وقد عنعنه.
2 مرسل.
3 إسناده ضعيف: أبو عبيدة هو ابن عبد الله بن مسعود، لم يسمع من أبيه، وأما تدليس أبي إسحاق فرواية الثوري عنه مآمونة التدليس.
عن أبيه قال: بلغ عمر أن أبا عبيدة حصر بالشام، ونال منه العدو، فكتب إليه عمر: أما بعد، فإنه ما نزل بعبد مؤمن شدة، إلا جعل الله بعدها فرجا، وإنه لا يغلب عسر يسرين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} الآية1.
قال: فكتب إليه أبو عبيدة: أما بعد، فإن الله يقول:{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} إلى قوله: {مَتَاعُ الْغُرُور} 2، قال: فخرج عمر بكتابه، فقرأه على المنبر فقال: يا أهل المدينة! إنما يعرض بكم أبو عبيدة أو بي، ارغبوا في الجهاد3.
ابن أبي فديك، عن هشام بن سعد، عن زيد، عن أبيه قال: بلغني أن معاذا سمع رجلا يقول: لو كان خالد بن الوليد، ما كان بالناس دوك، وذلك في حصر أبي عبيدة، فقال معاذ: فإلى أبي عبيدة تضطر المعجزة لا أبا لك! والله إنه لخير من بقي على الأرض4.
رواه البخاري في "تاريخه" وابن سعد.
"وفي الزهد" لابن المبارك: حدثنا معمر، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قدم عمر الشام، فتلقاه الأمراء والعظماء، فَقَالَ: أين أخي أَبُو عبيدة؟ قالوا: يأتيك الآن، قال: فجاء على ناقةٍ مخطومةٍ بحبْل، فسلم عليه، ثُمَّ قَالَ للناس: انصرفوا عنا. فسار معه حتى أتى منزله، فنزل عليه، فلم ير في بيته إلا سيفه وتُرْسَه ورحْلَه، فَقَالَ له عُمَر: لو اتخذت متاعًا، أو قَالَ شيئا، فقال: يا أمير المؤمنين! إنّ هذا سيبلِّغُنا الْمَقِيلَ5.
ابن وهب: حدثني عَبْد اللَّه بْن عُمَر، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عمر: أن عمر حين قدم الشام، قال لأبي عبيدة: اذهب بنا إلى منزلك، قال: وما تصنع عندي؟ ما تريد إلا أن تُعصِّر عينيك علي: قال: فدخل، فلم ير شيئا، قال: أين متاعك؟ لا أرى إلا لبدا وصحفة وشنا، وأنت أمير، أعندك طعام؟ فقام أبو عبيدة إلى
1 سورة آل عمران: 200.
2 سورة الحديد: 20.
3 إسناده منقطع: بين زيد بن أسلم وعمر بن الخطاب.
4 إسناده ضعيف.
5 إسناده ضعيف: بين عروة وعمر.
جونة، فأخذ منها كسيرات، فبكى عمر، فقال أبو عبيدة: قد قلت لك: إنك ستعصر عينيك عليَّ يا أمير المؤمنين، يكفيك ما يبلغك المقبل. قال عمر: غيرتنا الدنيا كلنا غيرك يا أبا عبيدة1.
أخرجه أبو داود في سنته من طريق ابن الأعرابي.
وهذا والله هو الزهد الخالص، لا زهد من كان فقيرا معدما.
معن بن عيسى، عن مالك: أن عمر أرسل إلى أبي عبيدة بأربعة آلاف، أو بأربعمائة دينار، وقال للرسول: انظر ما يصنع بها، قال: فقسمها أبو عبيدة، ثم أرسل إلى معاذ بمثلها، قال: فقسمها، إلا شيئا قالت له امرأته نحتاج إليه، فلما أخبر الرسول عمر، قال: الحمد لله الذي جعل في الإسلام من يصنع هذا2.
الفسوي: حدثنا أبو اليمان، عن جرير بن عثمان، عن أبي الحسن عمران ابن نمران، أن أبا عبيدة كان يسير في العسكر فيقول: ألا رُبَّ مبيض لثيابه، مدنس لدينه! ألا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين! بادروا السيئات القديمات بالحسنات الحديثات.
وقال ثابت البناني: قال أبو عبيدة: يا أيها الناس! إني امرؤ من قريش، وما منكم من أحمر ولا أسود يفضلني بتقوى، إلا وددت أني في مسلاخه3.
معمر: عن قتادة، قال أبو عبيدة بن الجراح: وددت أني كنت كبشا، فيذبحني أهلي، فيأكلون لحمي، ويحسون مرقي4.
وقال عمران بن حصين: وددت أني رماد تسفيني الريح.
شعبة: عن قيس بن مسلم عن طارق: أن عمر كتب إلى أبي عبيدة في الطاعون: إنه قد عرضت لي حاجة، ولا غنى بي عنك فيها، فعجل إلي. فلما قرأ الكتاب، قال: عرفت حاجة أمير المؤمنين، إنه يريد أن يستبقى من ليس بباق، فكتب: إني قد عرفت حاجتك، فحللني من عزيمتك، فإني في جند من أجناد
1 إسناده ضعيف: عبد الله بن عمر هو العمروي، ضعيف في "التقريب""3489".
2 إسناده منقطع: أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 220".
3 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 219، 220".
4 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 220".
المسلمين، لا أرغب بنفسي عنهم، فلما قرأ عمر الكتاب، بكي، فقيل له: مات أبو عبيدة؟ قال: لا. وكأن قد.
قال: فتوفي أبو عبيدة، وانكشف الطاعون.
قال أبو الموجه محمد بن عمرو المروزي: زعموا أن أبا عبيدة كان في ستةٍ وثلاثين ألفًا من الجُنْد، فلم يبق منهم إلا ستة آلاف رجل.
أخبرنا محمد بن عبد السلام، عن أبي روح، أنبأنا أبو سعد، أنبأنا ابن حمدان، أنبأنا أبو يعلى، حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء، حدثنا مهدي بن ميمون، حدثنا واصل مولى أبي عيينة، عن "ابن" أبي سيف المخزومي، عن الوليد بن عبد الرحمن، شامي فقيه، عن عياض بن عطيف، قال: دخلت على أبي عبيدة بن الجراح في مرضه، وامرأته تحيفه جالسة عند رأسه، وهو مقبل بوجهه على الجدار، فقلت: كيف بات أبو عبيدة؟ قالت: بات بأجر، فقال: إني والله ما بت بأجر! فكأن القوم ساءهم، فقال: ألا تسألوني عما قلت؟ قالوا: إنا لم يعجبنا ما قلت، فكيف نسألك؟ قال: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "من أنفق نفقة فاضلة في سبيل الله، فبسبعمائة، ومن أنفق على عياله، أو عاد مريضا، أو ماز أذى فالحسنة بعشر أمثالها، والصوم جنة ما لم يخرقها، ومن ابتلاه الله ببلاء في جسده فهو له حطة"1.
أنبأنا جماعة قالوا: أنبأنا ابن طبرزد، أنبأنا ابن الحصين، أنبأنا ابن غيلان، أنبأنا أبو بكر الشافعي، أنبأنا عبد الله بن أحمد، حدثنا محمد بن أبان الواسطي، حدثني جرير بن حازم، حدثني بشار بن أبي سيف، حدثني الوليد بن عبد الرحمن، عن عياض بن عطيف، قال: مرض أبو عبيدة، فدخلنا عليه نعوده، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الصيام جنة ما لم يخرقها"2.
وقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة غير مرة، منها المرة التي جاع فيها عسكره، وكانوا ثلاثمائة، فألقى لهم البحر الحوت الذي يقال له العنبر، فقال
1 أخرجه أحمد "1/ 196".
2 ضعيف: أخرجه النسائي "4/ 167" في كتاب الصيام، باب: فضل الصيام، وأحمد "1/ 196" كما تقدم، وقال الألباني في "ضعيف سنن النسائي": ضعيف.
أبو عبيدة: ميتة، ثم قال: لا، نحن رسل رسول الله، وفي سبيل الله، فكلوا، وذكر الحديث1، وهو في "الصحيحين".
ولما تفرغ الصديق من حرب أهل الردة، وحرب مسيلمة الكذاب، جهز أمراء الأجناد لفتح الشام، فبعث أبا عبيدة، ويزيد بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وشرحبيل بن حسنة، فتمت وقعة أجنادين بقرب الرملة، ونصر الله المؤمنين، فجاءت البشرى، والصديق في مرض الموت، ثم كانت وقعة فحل، ووقعة مرج الصفر وكان قد سير أبو بكر خالدا لغزو العراق، ثم بعث إليه لينجد من بالشام.
فقطع المفاوز على برية السماوة، فأمر الصديق على الأمراء كلهم، وحاصروا دمشق، وتوفي أبو بكر، فبادر عمر بعزل خالد، واستعمل على الكل أبا عبيدة، فجاءه التقليد، فكتمه مدة، وكل هذا من دينه ولينه وحلمه، فكان فتح دمشق على يده، فعند ذلك أظهر التقليد، ليعقد الصلح للروم، ففتحوا له باب الجابية صلحًا، وإذا بخالد قد افتتح البلد عنوة من الباب الشرقي، فأمضى لهم أبو عبيدة الصلح.
فعن المغيرة، أن أبا عبيدة صالحهم على أنصاف كنائسهم ومنازلهم، ثم كان أبو عبيدة رأس الإسلام يوم وقعة اليرموك، التي استأصل الله فيها جيوش الروم، وقتل منهم خلق عظيم.
روى ابن المبارك في "الزهد" له، قال: أنبأنا عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، قال: حدثني عبد الرحمن بن غنم، عن حديث الحارث بن عميرة قال: أخذ بيدي معاذ بن جبل، فأرسله إلى أبي عبيدة، فسأله كيف هو! وقد طعنا، فأراه أبو عبيدة طعنة، خرجت في كفه، فتكاثر شأنها في نفس الحارث، وفرق منها حين رآها، فأقسم أبو عبيدة بالله، ما يحب أن له مكانها حمر العمر2.
وعن الأسود، عن عروة، إن وجع عمواس كان مُعافًى منه أبو عبيدة.
1 صحيح: أخرجه البخاري "4360" في كتاب المغازي، باب: غزوة سيف البحر، ومسلم "1935" في كتاب الصيد، باب: إباحة ميتات البحر، من حديث جابر رضي الله عنه.
2 في إسناده نظر: شهر بن حوشب ضعيف الحفظ، وقال أحمد: لا بأس برواية عبد الحميد بن بهرام عنه.
وأهله، فَقَالَ: اللَّهُمَّ نصيبك في آل أبي عبيدة! قال: فخرجت بأبي عبيدة في خنصره بثرة، فجعل ينظر إليها، فقيل له: إنها ليست بشيء. فقال: أرجو أن يبارك الله فيها، فإنه إذا بارك في القليل كان كثيرا.
الوليد بن مسلم: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْر بْن أَبِي مريم، عَنْ صالح بن أبي المخارق قال: انطلق أبو عبيدة من الجابية إلى بيت المقدس للصلاة، فاستخلف على الناس معاذ بن جبل.
قال الوليد: فحدثني من سمع عروة بن رويم قال: فأدركه أجله بحل فتوفي بها بقرب بيسان.
طاعون عمواس منسوب إلى قرية عمواس، وهي بين الرملة وبين بيت المقدس، وأما الأصمعي فقال: هو من قولهم زمن الطاعون: عم وآسي.
قال أبو حفص الفلاس: توفي أبو عبيدة في سنة ثمان عشرة، وله ثمانٌ وخمسون سنة، وكان يخضب بالحناء، والكتم، وكان له عقيصتان. وقال كذلك في وفاته جماعة، وانفرد ابن عائذ، عن أبي مسهر، أنه قرأ في كتاب يزيد بن عبيدة، أن أبا عبيدة توفي سنة سبع عشرة.
7-
"ع" طلحة بن عبيد "ت 36هـ" الله بن عثمان بن عَمْرو بن كَعْب بْنِ سَعْدِ بْن تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ ابن كنانة القرشي التيمي المكي، أبو محمد.
أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، له عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وله في "مسند بقي بن مخلد" بالمكرر ثمانية وثلاثون حديثا.
له حديثان متفق عليهما، وانفرد له البخاري بحديثين، ومسلم بثلاثة أحاديث.
حدث عنه: بنوه: يحيى، وموسى، وعيسى، والسائب بن يزيد، ومالك بن أوس بن الحدثان، وأبو عثمان النهدي، وقيس بن أبي حازم، ومالك بن أبي عامر الأصبحي، والأحنف بن قيس التميمي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وآخرون.
قال أبو عبد الله بن منده: كان رجلا آدم، كثير الشعر، ليس بالجعد القطط ولا بالسَّبط، حَسَنَ الوجْه، إذا مشى أسرع، ولا يغير شعره.
وقال إبراهيم بن المنذر الحزامي، عن عبد العزيز بن عمران، حدّثني إسحاق بن يحيى، حدّثني موسى بن طلحة قَالَ: كان أبي أبيض يضرب إلى الحمرة، مربوعا، إلى القصر هو أقرب، رَحْب الصَّدْر، بعيد مَا بين المِنْكَبين، ضخم القدمين، إذا التفت التفت جميعا1.
قلت: كان ممن سبق إلى الإسلام وأوذي في الله، ثم هاجر، فاتفق أنه غاب عن وقعة بدر في تجارة له بالشام وتألم لغيبته، فضرب لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره.
قال أبو القاسم ابن عساكر الحافظ في ترجمته: كان مع عمر لما قدم الجابية، وجعله على المهاجرين، وقال غيره: كانت يده شلاء مما وقى بها رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أحد2.
الصَّلْتُ بْنُ دِينَارٍ: عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى شَهِيدٍ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْهِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى طَلْحَةَ بن عبيد الله"3.
أخبرنيه الأبرقوهي، أنبأنا ابن أبي الجود، أنبأنا ابن الطلابة، أنبأنا عبد العزيز الأنماطي، أنبأنا أبو طاهر المخلص، أخبرنا البغوي، أخبرنا داود بن رشيد، حدثنا مكي، حدثنا الصلت.
وفي جامع أبي عيسى بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ:"أوْجَبَ طَلْحَةُ"4.
1 إسناده ضعيف جدا: عبد العزيز بن عمران ضعيف جدا.
2 صحيح: أخرجه البخاري "4063"، في كتاب المغازي، باب: قوله تعالى: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} عن قيس بن أبي حازم.
3 صحيح: أخرجه الترمذي "3760" في كتاب المناقب، باب: مناقب طلحة بن عبيد الله، وابن ماجه "125" في المقدمة، باب: في فضائل أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأبو نعيم في "الحلية""3391" وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
4 صحيح: أخرجه الترمذي "1698" في كتاب الجهاد، باب: ما جاء في الدرع، وفي "الشمائل" له "109"، وأحمد "1/ 165"، وأبو يعلى "670"، والحاكم "5602"، والبيهقي في "سننه""6/ 370" وابن حبان "6979" وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
قال ابن أبي خالد عن قيس قال: رأيت يد طلحة التي وَقَى بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ شلاء1. أخرجه البخاري.
وأخرج النسائي من حديث يحيى بن أيوب وآخر، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عن جابر قال: لما كان يوم أحد، وولى الناس، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ناحية اثني عشر رجلا، منهم طلحة، فأدركهم المشركون، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ للقوم"؟ قال طلحة: أنا، قال:"كما أنت". فقال رجل: أنا. قال: "أنت"، فقاتل حتى قتل، ثم "التفت" فإذا المشركون، فقال:"من لهم"؟ قال طلحة: أنا. قال: "كما أنت"، فقال رجل من الأنصار: أنا، قال:"أنت". فقاتل حتى قتل، فلم يزل كذلك حتى بقي مع نبي الله طلحة، فقال:"من للقوم"؟ قال طلحة: أنا، فقاتل طلحة، قتال الأحد عشر، حتى قطعت أصابعه، فقال: حسن، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"لو قلت: باسم الله لرفعتك الملائكة، والناس ينظرون" ثم رد الله المشركين2. رواته ثقات.
أخبرنا أبو المعالي بن أبي عصرون الشافعي، أنبأنا عبد المعز بن محمد، في كتابه، أنبأنا تميم بن أبي سعيد، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن، أنبأنا محمد بن أحمد، أنبأنا أحمد بن علي التميمي، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، وعبد الأعلى، قالا: حدثنا المعتمر، سمعت أبي، حدثنا أبو عُثْمَانَ قَالَ: لَمْ يَبْقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي تلك الأيام التي كان يقاتل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم غير طلحة وسعد عن حديثهما3 أخرجه الشيخان عن المقدمي.
1 صحيح: وقد تقدم.
2 أخرجه النسائي "6/ 29-30" في كتاب الجهاد، باب: ما يقول من يطعنه العدو، والبيهقي في "الدلائل" "3/ 236" وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" "7/ 417": إسناده جيد. وقال الألباني في "ضعيف سنن النسائي": حسن من قوله "فقطعت أصابعه
…
"، وما قبله يحتمل التحسين، وهو على شرط مسلم. ا. هـ.
قلت: أبو الزبير مدلس، وقد عنعنه، واحتج به مسلم مع عنعنته.
3 صحيح: أخرجه البخاري "3722، 3723" في كتاب فضائل الصحابة، باب: ذكر طلحة بن عبيد الله، ومسلم "2414" في كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما.
وبه إلى التميمي: حدثنا أبو كريب، حدثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، عن موسى وعيسى ابني طلحة، عن أبيهما إنّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالوا لأعرابي جاء يسأله عمن قضى نحبه: من هو، وكانوا لا يجترئون على مسألته صلى الله عليه وسلم يوقرونه ويهابونه، فسأله الأعرابي، فأعرض عنه، ثم سأله، فأعرض عنه، ثم إني طلعت من باب المسجد -على ثياب خضر- فلما رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أين السائل عمن قضى نحبه"؟ قال الأعرابي: أنا. ثم قال: "هذا ممن قضى نحبه"1.
وأخرجه الطيالسي في مسنده من حديث معاوية، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "طلحة ممن قضى نحبه"2.
وفي "صحيح مُسْلِمٍ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كَانَ عَلَى حِرَاءٍ هُوَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ:"اهْدَأْ! فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شهيد"3.
سويد بن سعيد: حدثنا صالح بن موسى، عن معاوية بن إسحاق، عن عائشة بنت طلحة، عَنْ عَائِشَةُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"من سره أن ينظر إلى رجل يمشي على الأرض قد قضى نحبه، فلينظر إلى طلحة"4.
قال الترمذي: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو عبد الرحمن نضر بن منصور، حدثنا عقبة بن علقمة اليشكري، سمعت عليًّا يوم الجمل يقول: سمعت من في رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ جَارَايَ فِي الْجَنَّةِ"5.
1 صحيح: أخرجه الترمذي "3763" في كتاب المناقب، باب: مناقب طلحة بن عبيد الله، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
2 صحيح: أخرجه الترمذي "3761" في المصدر السابق، وابن ماجه "127" في المقدمة، باب: في فضائل أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
3 صحيح: أخرجه مسلم "2417" في كتاب فضائل الصحابة، باب: فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما والترمذي "3716" في كتاب المناقب، باب: مناقب عثمان بن عفان.
4 إسناده ضعيف: صالح بن موسى وسويد بن سعيد كلاهما ضعيف، وقد تقدم بلفظ "من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على الأرض....".
5 ضعيف: أخرجه الترمذي "3762" في كتاب المناقب، باب: مناقب طلحة بن عبيد الله، وقال الألباني في "ضعيف سنن الترمذي" "782": ضعيف.
وهكذا رواه ابن زيدان البجلي، وأبو بكر الجارودي، عن الأشج، وشذ أبو يعلى الموصلي، فقال عن نصر، عن أبيه، عن عقبة.
دحيم: حدثنا محمد بن طلحة، عن موسى بن محمد، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ: ابْتَاعَ طَلْحَةُ بِئْرًا بِنَاحِيَةِ الْجَبَلِ، وَنَحَرَ جَزُورًا، فَأَطْعَمَ النَّاسَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَنْتَ طلحة الفياض"1.
سليمان بن أيوب بن عيسى بن موسى بن طلحة: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ مُوسَى بْنِ طلحة، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، سماه النبي صلى الله عليه وسلم طلحة الخبر. وفي غزوة ذي العشيرة، طلحة الفياض. ويوم خيبر، طلحة الجود2.
إسناد لين.
قال مجالد، عن الشعبي، عن قبيصة بن جابر قال: صَحِبْتُ طَلْحَةَ، فَمَا رَأَيْتُ أَعْطَى لِجَزِيلِ مَالٍ من غير مسألة منه3.
أبو إسماعيل الترمذي: حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عِيسَى بن موسى، حدثني أبي، عن جدي، عن موسى، عن أبيه، أنه أَتَاهُ مَالٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ، فَبَاتَ لَيْلَتَهُ يَتَمَلْمَلُ. فَقَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ. مَا لَكَ؟ قال: تفكرت منذ الليلة، فَقُلْتُ: مَا ظَنُّ رُجلٍ بِرَبِّهِ يَبِيتُ وَهَذَا المال في بيته؟ قالت: فأين أنت من بعض أخلائك فإذا أصبحت، فادع بجفان وقصاع فقسمه. فقال لها: رحمك الله، إنك موفقة بنت موفق، وهي أم كلثوم بنت الصديق، فلما أصبح، دعا بجفان، فَقَسَّمَهَا بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، فَبَعَثَ إِلَى عَلِيٍّ منها بجفنة، فقالت له زوجته: أبا محمد! أما كان لنا في هذا المال من نصيب؟ قال: فأين كنت منذ اليوم؟ فشأنك بما بقي. قالت: فكانت صرة فيها نحو ألف درهم4.
أخبرنا المسلم بن علان، وجماعة، كتابة، قالوا: أنبأنا عمر بن محمد،
1 أخرجه الطبراني في "الكبير""6224"، والحاكم "4/ 5604".
2 إسناده ضعيف: أخرجه الحاكم "5605"، وسليمان بن أيوب ضعيف كما في "الميزان""3428" وقد ذكر فيه هذا الحديث من مناكيره.
3 إسناده ضعيف: مجالد ضعيف كما تقدم، والأثر أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 117".
4 إسناده ضعيف: سليمان بن أيوب ضعيف كما تقدم.
أنبأنا هبة الله بن الحصين، أنبأنا بن غيلان، أنبأنا أبو بكر الشافعي، حدثنا إبراهيم الحربي، حدثنا عبد الله بن عمر، حدثنا محمد بن يعلي، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ قال: جاء أعرابي إلى طلحة يسأله، فتقرب إليه برحم فقال: إن هذه لَرَحِمٌ مَا سَأَلَنِي بِهَا أَحَدٌ قَبْلَكَ، إِنَّ لِي أَرْضًا قَدْ أَعْطَانِي بِهَا عُثْمَانُ ثَلاثَمِائَةِ ألف، فاقبضها، وإن شئت بعتُها عن عثمان، ودفعت إليك الثمن، فقال: الثمن. فأعطاه1.
الكديمي: حدثنا الأصمعي، حدثنا ابن عمران قاضي المدينة، أن طلحة فدى عشرة من أسارى بدر بماله، وسئل مرة برحم، فقال: قد بعت لي حائطا بسبعمائة ألف، وأنا فيه بالخيار، فإن شئت، خذه، وإن شئت، ثمنه. إسناده منقطع مع ضعف الكديمي2.
قال ابن سعد: أنبأنا سعيد بن منصور، حدثنا صالح بن موسى، عن معاوية ابن إسحاق، عن عائشة وأم إسحاق بنتي طلحة قالتا: جُرِحَ أبونا يوم أُحُد أربعًا وعشرين جراحة، وقع منها في رأسه شجعه مربعة، وقطع نساه -يعني العرق- وشلت أصبعه، وكان سائر الجراح في جسده، وغلبه الغشي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مكسورة رباعيته، مشجوج في وجهه، قد علاه الغشي، وطلحة محتمله، يرجع به القهقري، وكلما أدركه أحد من المشركين، قاتل دونه، حتى أسنده إلى الشعب.
ابن عيينة، عن طلحة بن يحيى، حدثتني جدتي سعدي بنت عوف المرية قالت: دخلت على طلحة يوما وهو خاثر فقلت: ما لك؟ لعل رابك من أهلك شيء؟ قال: لا والله، ونعم حليلة المسلم أنت، ولكن مال عندي قد غمني: فقلت: ما يغمك؟ عليك بقومك، قال: يا غلام! ادع لي قومي. فقسمه فيهم، فسألت الخازن: كم أعطى؟ قال: أربعمائة ألف.
هشام وعوف: عن الحسن البصري أن طلحة بن عبيد الله باع أرضا له بسبعمائة ألف. فبات أرقا من مخافة ذلك المال، حتى أصبح ففرقه.
محمد بن سعد: حدثنا محمد بن عمر، حدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم
1 إسناده ضعيف: علي بن زيد ضعيف الحفظ.
2 هو متروك كما في "الميزان""8353".
التيمي، عن أبيه قال: كان طلحة يغل بالعراق أربعمائة ألف، ويغل بالسراة عشرة آلاف دينار أو "أقل أو" أكثر، و"بالأعراض له غلات" وكان لا يدع أحدا من بني تيم عائلا إلا كفاه، وقضى دينه، ولقد كان يرسل إلى عائشة "إذا جاءت غلته" كل سنة بعشرة آلاف، ولقد قضى عن فلان التيمي ثلاثين ألفا1.
قال الزبير بن بكار: حدثني عثمان بن عبد الرحمن أن طلحة بن عبيد الله قضى عن عبيد الله بن معمر، وعبد الله بن عامر بن كريز ثمانين ألف درهم.
قال الحميدي: حدثنا ابن عيينة، حدثنا عمرو بن دينار، أخبرني مولى لطلحة قال: كانت غلة طلحة كل يوم ألف واف2.
قال الواقدي: حدثنا إسحاق بن يحيى، عن موسى بن طلحة أنّ معاوية سأله: كم ترك أَبُو محمد من العين، قال: ترك ألفي ألف درهم ومائتي ألف درهم، ومن الذهب مائتي ألف دينار، فقال معاوية، عاش حميدا سخيا شريفا، وقتل فقيدا3 -رحمه الله4.
وأنشد الرياشي لرجل من قريش:
أيا سائلي عن خيار العباد
…
صادفت ذا العلم والخبره
خيار العباد جميعا قريش
…
وخير قريش ذوو الهجره
وخير ذوي الهجرة السابقون
…
ثمانية وحدهم نصره
علي وعثمان ثم الزبير
…
وطلحة واثنان من زهره
وبران قد جاورا أحمدا
…
وجاور قبرهما قبره
فمن كان بعدهم فاخرا
…
فلا يذكرن بعدهم فخره
يحين بن معين: حدثنا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مصعب، أخبرني موسى بن عقبة، سمعت علقمة بن وقاص الليثي قال: لما خرج طلحة والزبير وعائشة للطلب بدم عثمان، عرجوا عن منصرفهم بذات عرق، فاستصغروا عروة
1 إسناده ضعيف جدا، أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 118".
2 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 117" عن ابن عيينة.
3 في المصدر الآتي "فقيرا".
4 إسناده ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 118".
بن الزبير، وأبا بكر بن عبد الرحمن فردوهما، قال: ورأيت طلحة، وأحب المجالس إليه أخلاها، وهو ضارب بلحيته على زوره، فقلت: يا أبا محمد! إني أراك وأحب المجالس إليك أخلاها، إن كنت تكره هذا الأمر، فدعه، فقال: يا علقمة! لا تلمني، كنا أمس يدا واحدة على من سوانا، فأصبحنا اليوم جَبَلَيْن من حديد، يزحف أحدنا إلى صاحبه، ولكنه كان مني شيء في أمر عثمان، مما لا أرى كفارته إلا سفك دمي، وطلب دمه.
قلت: الذي كان منه في حق عثمان تمغفل وتأليب، فعله باجتهاد، ثم تغير عندما شاهد مصرع عثمان، فندم على ترك نصرته رضي الله عنهما، وكان طلحة أول من بايع عليًّا، أرهقه قتله عثمان، وأحضروه حتى بايع.
قال البخاري: حدثنا موسى بن أعين، حدثنا أبو عوانة، عن حصين في حديث عمرو بن جاوان، قال: التقى القوم يوم الجمل، فقام كعب بن سور معه المصحف، فنشره بين الفريقين، وناشدهم الله والإسلام في دمائهم، فما زال حتّى قتل. وكان طلحة من أول قتيل. وذهب الزبير ليلحق ببنيه، فقتل.
يحيى القطان: عن عوف، حدثني أبو رجاء قال: رأيت طلحة على دابته وهو يقول: أيها الناس أنصتوا، فجعلوا يركبونه ولا ينصتون، فقال: أف! فراش النار، وذباب طمع.
قال ابن سعد: أخبرني من سمع إسماعيل بن أبي خالد، عن حكيم بن جابر قال: قال طلحة: إنا داهنا في أمر عثمان، فلا نجد اليوم أمثل من أن نبذل دماءنا فيه، اللَّهُمَّ خذ لعثمان منّي اليوم حتّى ترضى1.
وكيع: حدثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: رأيت مَروان بن الحكم حين رمى طلحة يومئذٍ بسهمٍ، فوقع في رُكبته، فما زال ينسح حتى مات.
رواه جماعة عنه، ولفظ عبد الحميد بن صالح عنه: هذا أعان على عثمان ولا أطلب بثأري بعد اليوم.
قلت: قاتل طلحة في الوزر، بمنزلة قاتل علي.
1 إسناده ضعيف: أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 118-119".
قال خليفة بن خياط: حدثنا من سمع جويرية بن أسماء، عن يحيى بن سعيد، عن عمه، أن مروان رمى طلحة بسهم، فقتله، ثم التفت إلى أبان فقال: قد كفيناك بعض قتلة أبيك.
هشيم: عن مُجالد، عن الشَّعْبيَّ قَالَ: رأى عليّ طلحة في واد ملقى، فنزل، فمسح التراب عن وجهه، وقال: عزيز على أبا محمد بأن أراك مجدلا في الأودية تحت نجوم السماء، إلى الله أشكو عُجَري وبُجَري. قَالَ الأصمعيّ: معناه: سرائري وأحزاني التي تموج في جَوْفي1.
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ: عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طلحة بن مُصَرِّف إنّ عليًّا انتهى إلى طلحة وقد مات، فنزل عن دابته وأجلسه، ومسح الغُبار عن وجهه ولحيته، وهو يترحم عليه، وقال: ليتني متُّ قبل هذا اليوم بعشرين سنة. مرسل2.
وروى زيد بن أبي أنيسة، عن محمد بن عبد الله من الأنصار، عن أبيه أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: بَشِّرُوا قَاتِلَ طَلْحَةَ بِالنَّارِ.
أخبرنا ابن أبي عصرون، عن أبي روح، أنبأنا تميم، حدثنا أبو سعد، أنبأنا ابن حمدان، أنبأنا أبو يعلى، حدثنا عمرو الناقد، حدثنا الخضر بن محمد الحراني، حدثنا محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم التميمي. عن مالك بن أبي عامر، قال: جاء رجل إلى طلحة فقال: أرأيتك هذا اليماني هو أعلم بحديث رسول الله منكم -يعني أبا هريرة- نسمع منه أشياء لا نسمعها منكم قال: أما إن قد سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع، فلا أشك، وسأخبرك: إنا كنا أهل بيوت، وكنا إنما نأتي رسول الله غدوة وعشية، وكان مسكينا لا مال له، إنما هو على باب رسول الله، فلا أشك أنه قد سمع ما لم نسمع، وهل تجد أَحَدًا فِيهِ خَيْرٌ يَقُولُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ يَقُلْ؟ 3.
وروى مجالد، عن الشعبي، عن جابر أنه سمع عمر يقول لطلحة: ما لي أراك شعثت واغبررت مذ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ لعله أن ما بك إمارة ابن عمك، يعني أبا بكر، قال: معاذ الله، إني سمعته يقول: "إني لأعلم كلمة لا
1 إسناده ضعيف: من أجل مجالد.
2 قلت: وليث ضعيف الحفظ.
3 إسناده ضعيف: أخرجه الترمذي "3863" في كتاب المناقب، باب: مناقب أبي هريرة رضي الله عنه وقال الألباني في "ضعيف سنن الترمذي""803": ضعيف الإسناد.
يقولها رجل يحضره الموت، إلا وجد روحه لها روحا حين تخرج من جسده، وكانت له نورا يوم القيامة" فلم أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها، ولم يخبرني بها فذاك الذي دخلني. قال عمر: فأنا أعلمها. قال: فلله الحمد، فما هي؟ قال: الكلمة التي قالها لعمه، قال: صدقت1.
أَبُو مُعَاوِيَةَ وَغَيْرُهُ: حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ، عن أبي حبيبة، مولى لطلحة، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ مَعَ عِمْرَانَ بْنِ طلحة بعد وقعة الجمل، فرحب به وأدناه، ثم قال: إني لأرجو أن يجعلني الله وَأَبَاكَ مِمَّنْ قَالَ فِيهِمْ: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} 2. فقال رجلان جالسان، أحدهما الحارث الأعور: الله أعدل من ذلك أن يقبلهم ويكونوا إخواننا في الجنة، قال: قُومَا أَبْعَدَ أَرْضٍ وَأَسْحَقَهَا. فَمَنْ هُوَ إِذَا لم أكن أنا وطلحة! يا ابن أَخِي: إِذَا كَانَتْ لَكَ حَاجَةٌ، فَأْتِنَا.
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لقد رأيتني يوم أحد، وما قُربي أحد غير جبريل عن يميني، وطلحة عن يساري"3، فقيل في ذلك:
وطلحة يوم الشعب آسى محمدا
…
لدى ساعة ضاقت عليه وسدت
وقاه بكفيه الرماح فقطعت
…
أصابعه تحت الرماح فشلت
وكان إمام الناس بعد محمد
…
أقر رحا الإسلام حتى استقرت
وعن طلحة قال: عقرت يوم أحد في جميع جسدي حتى في ذكري.
قال ابن سعد: حدثنا بن عمر، حدثني إسحاق بن يحيى، عن جدته سُعدى، بنت عوف، قالت: قتل طلحة وفي يد خازنه ألف ألف دِرْهِم ومائتا ألف دِرْهم، وَقُوِّمَتْ أصولُه وعقاره ثلاثين ألف ألف درهم4.
1 صحيح بنحوه: أخرجه ابن ماجه "3795" في كتاب الأدب، باب: فضل لا إله إلا الله، وأحمد، "1/ 161" وقال الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" "3062": صحيح.
2 سورة الحجر: 47.
3 إسناده ضعيف جدا: يأتي في ترجمة أبي دجانة "44".
4 إسناده ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 118".
أعجب ما مر بي قول ابن الجوزي في كلام له على حديث قال: وقد خلف طلحة ثلاثمائة حمل من الذهب.
وروى سعيد بن عامر الضبعي، عن المثني بن سعيد قال: أتى رجل عائشة بنت طلحة فقال: رأيت طلحة في المنام، فقال: قل لعائشة تحولني من هذا المكان! فإن النز قد آذاني. فركبت في حشمها، فضربوا عليه بناء واستثاروه. قال: فلم يتغير منه إلا شعيرات في إحدى شقي لحيته، أو قال رأسه، وكان بينهما بضع وثلاثون سنة وحكى المسعودي أن عائشة بنته هي التي رأت المنام.
وكان قتله في سنة ست وثلاثين في جمادى الآخرة، وقيل في رجب، وهو ابن اثنتين وستين سنة أو نحوها، وقبره بظاهر البصرة.
قال يحيى بن بكير، وخليفة بن خياط، وأبو نصر الكلاباذي: إن الذي قتل طلحة، مروان بن الحكم.
ولطلحة أولاد نجباء، أفضلهم محمد السجاد. كان شابا، خيرا، عابدا، قانتا لله.
وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قتل يوم الجمل أيضا، فحزن عليه علي، وقال: صرعه بره بأبيه.
8-
"ع" الزبير بن العوام "ت 36هـ" بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصيّ بْنُ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لؤي بن غالب.
حواريّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وابن عمته صفية بنت عبد المطلب، وأحدُ العشرة المشهود لهم بالجنّة، وأحد السّتّة أهل الشورى، وأول من سل سيفه في سبيل الله، أبو عبد الله رضي الله عنه أسلم وهو حدث، له ست عشرة سنة.
وروى الليث، عن أبي الأسود، عن عروة قال: أسلم الزبير، "وهو" ابن ثمان سِنِينَ، وَنَفَحَتْ نَفْحَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ أَنَّ رَسُولَ الله أُخِذَ بِأَعْلَى مَكَّةَ، فَخَرَجَ الزُّبَيْرُ وَهُوَ غُلامٌ، ابن اثنتي عشرة سنة، بيده السَّيْفُ، فَمَنْ رَآهُ عَجِبَ، وَقَالَ:
الغلام معه السيف، حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"مَا لك يا زبير"؟ فأخبره وقال: أتيت أضرب بسيفي من أخذك1.
وقد ورد أن الزبير كان رجلا طويلا، إذا كرب خطت رجلاه الأرض، وكان خفيف اللحية والعارضين.
روى أحاديث يسيرة.
حدث عنه بنوه: عبد الله، ومصعب، وعروة، وجعفر، ومالك بن أوس بن الحدثان، والأحنف بن قيس، وعبد الله بن عامر بن كريز، ومسلم بن جندب، وأبو حكيم مولاه، وآخرون.
اتفقا له على حديثين، وانفرد له البخاري بأربعة أحاديث، ومسلم بحديث.
أخبرنا المسلم بن محمد وجماعة، إذنا، قالوا: أنبأنا حنبل، أنبأنا ابن الحصين، حدثنا ابن المذهب، أنبأنا أبو بكر القطيعي حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي "ح" وأنبأنا محمد بن عبد السلام، أنبأنا عبد المعز بن محمد، أنبأنا تميم، أنبأنا أبو سعد الطبيب، أنبأنا أبو عمرو الحيري، أنبأنا أبو يعلى، حدثنا زهير، قالا: حدثنا عبد الرحمن، حدثنا شعبة، عن جامع بن شداد عن عامر -ولفظ أبي يعلى: سَمِعْتُ عَامِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عن أبيه- قال: قلت لأبي: ما لك لا تحدث عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كما يحدث عنه فلان، وفلان؟ قال: ما فارقته منذ أسلمت، ولكن سمعت منه كلمة، سمعته يَقُولُ:"مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النار" 2، لم يقل أبو يعلى متعمدا.
أخبرنا أبو سعيد سنقر بن عبد الله الحلبي، أنبأنا عبد اللطيف بن يوسف، أنبأنا عبد الحق اليوسفي، أنبأنا علي بن محمد، أنبأنا علي بن أحمد المقرئ، حدثنا عبد الباقي بن قانع، حدثنا أحمد بن علي بن مسلم، حدثنا أبو الوليد "ح" وحدثنا بشر، حدثنا عمرو بن حكام، قالا: حدثنا شعبة، عن جامع بن شداد، عن عامر بن عبد الله، عن أبيه، قال: قلت لأبي: ما لك لا تحدث عن
1 مرسل: أخرجه الحاكم "5551" من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود به.
2 صحيح: أخرجه البخاري "107" في كتاب العلم، باب: إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم.
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا يحدث ابن مسعود؟ قال: أما إني لم أفارقه منذ أسلمت، ولكن سمعته يقول:"من كذب علي عامدا متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار"1.
رواه خالد بن عبد الله الطحان، عَنْ بَيَانِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ وَبَرَةَ، عَنْ عامر بن عبد الله نحوه. أخرج طريق شعبة البخاري، وأبو داود، والنسائي، والقزويني.
قال إسحاق بن يحيى: عن موسى بن طلحة قال: كان علي، والزبير، وطلحة، وسعد، عذار عام واحد، يعني ولدوا في سنة.
وقال المدائني: كان طلحة، والزبير، وعلي، أترابا.
وقال يتيم عروة: هاجر الزبير وهو ابن ثمان عشرة سنة، وكان عمه يعلقه ويدخن عليه وهو يقول: لا أرجع إلى الكفر أبدا.
وقال عروة: جاء الزبير بسيفه، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَا لك"؟ قال: أخبرت أنك أخذت، قال:"فكنت صانعا ماذا"؟ قال: كنت أضرب به من أخذك. فدعا له ولسيفه2.
وروى هشام عن أبيه عروة، أن الزبير كان طويلا تخط رجلاه الأرض إذا ركب الدابة، أشعر، وكانت أمه صفية تضربه ضربا شديدا وهو يتيم، فقيل لها: قتلته، أهلكته، قالت:
إنما أضربه لكي يدب
…
ويجر الجيش ذا الجلب
قال: وكسر يد غلام ذات يوم، فجيء بالغلام إلى صفية، فقيل لها ذلك، فقالت:
كيف وجدت وبرا
…
أأقطا أم تمرا
أم مشمعلا صقرا
قال ابن إسحاق: وأسلم على ما بلغني على يد أبي بكر: الزبير، عثمان، وطلحة، وعبد الرحمن، وسعد.
1 صحيح: انظر التخريج السابق.
2 مرسل: وقد تقدم.
وعن عمر بن مصعب بن الزبير قال: قاتل الزبير مع نبي الله، وله سبع عشرة.
أسد بن موسى، حدثنا جامع أبو سلمة، عن إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ الْبَهِيِّ قَالَ: كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فارسان: الزبير على فرس على الميمنة، والمقداد بن الأسود على فرس على الميسرة1.
وقال هشام بن عروة، عن أبيه، قال: كانت عَلَى الزُّبَيْرِ يَوْمَ بَدْرٍ عِمَامَةٌ صَفْرَاءُ، فَنَزَلَ جبريل على سيماء الزبير2.
الزبير بن بكار: عن عقبة بن مكرم، حدثنا مصعب بن سلام، عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر الباقر، قال: كانت على الزبير يوم بدر عمامة صفراء، فنزلت الملائكة كذلك3.
وفيه يقول عامر بْن صالح بْن عَبْد الله بْن الزُّبَيْر:
جَدِّي ابنُ عَمِّهِ أحمدٍ ووزِيرُه
…
عند البَلاء وفارِسُ الشَّقْراءِ
وغداة بدْرٍ كان أوّلَ فارسٍ
…
شهِدَ الْوَغَى في الّلأمَةِ الصَّفْراء
نَزَلَتْ بسِيماه الْمَلَائِكُ نُصْرَةً
…
بالحوض يوم تألب الأعداء
وهو ممن هاجر إلى الحبشة فيما نقله موسى بن عقبة، وابن إسحاق ولم يطول الإقامة بها.
أبو معاوية، عن هشام "بن عروة" عن أبيه، قالت عائشة: يابن أختي! كان أبواك -تَعْنِي الزُّبَيْرَ وَأَبَا بَكْرٍ- مِنَ {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} 4.
لَمَّا انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أُحُدٍ، وَأَصَابَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ مَا أَصَابَهُمْ، خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا، فَقَالَ: مَنْ يَنْتَدِبُ لِهَؤُلَاءِ في آثارهم، حتى يعلموا أن
1 مرسل.
2 مرسل.
3 مرسل.
4 سورة آل عمران: 172.
بنا قوة، فانتدب أبو بكر والزبير في سبعين، فخرجوا في آثار المشركين، فسمعوا بهم، فانصرفوا1، قال تعالى:{فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} الآية2 "أي" لم يلقوا عدوا.
وقال البخاري، ومسلم. "عَنْ" جَابِرٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يوم الخندق: مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ بَنِي قُرَيْظَةَ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا، فَذَهَبَ عَلَى فَرَسٍ، فَجَاءَ بِخَبَرِهِمْ، ثُمَّ قال الثانية، فقال الزبير: أنا، فذهب، ثم الثالثة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لكل نبي حواري، وحواري الزبير"3. رواه جماعة عن ابن المنكدر عنه.
وروى جماعة، عن هشام عن أبيه، عن ابن الزبير قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إن لكل نبي حواريا، وإن حواري الزبير"4.
أبو معاوية: عن هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"الزبير ابن عمتي، وحواري من أمتي"5.
يونس بن بكير: عن هشام عن أبيه عن الزبير قال: أخذ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم بِيَدِي فقال: "لكل نبي حواري وحواري الزبير وابن عمتي"6.
وبإسنادي في المسند إلى أحمد بن حنبل، حدثنا معاوية بن عمرو، حدثنا زائدة، عن عاصم، عن زر قال: اسْتَأْذَنَ ابْنُ جُرْمُوزٍ عَلَى عَلِيّ وَأَنَا عِنْدَهُ، فقال علي: بَشِّرْ قَاتِلَ ابْن صَفيَّةَ بِالنَّارِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:"لِكُلِّ نبي حواري وحواري الزبير"7. تابعه شيبان، وحماد بن سلمة.
1 صحيح: أخرجه البخاري "4077" في كتاب المغازي، باب: قوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} ، ومسلم "2418" في كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما وابن ماجه "124" في المقدمة، باب: في فضائل أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم والبيهقي في "الدلائل""3/ 312، 313".
2 سورة آل عمران: 174.
3 صحيح: أخرجه البخاري "3719" في كتاب فضائل الصحابة، باب: مناقب الزبير بن العوام، ومسلم "2415" في المصدر السابق، والترمذي "3766" في كتاب المناقب، باب: مناقب الزبير بن العوام، وابن ماجه "122" في المصدر السابق.
4 انظر السابق.
5 أخرجه بنحوه ابن سعد في "الطبقات "2/ 56" عن عروة مرسلا.
6 انظر ما تقدم.
7 أخرجه أحمد "1/ 103".
وروي جرير الضبي، عن مغيرة، عن أم موسى قالت: استأذن قاتل الزبير، فذكره.
وروى يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد اليزني أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:"وحواري من الرجال الزبير، ومن النساء عائشة"1.
ابن أبي عروبة: عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أنه سمع رجلا يقول: يا ابن حواري رسول الله! فقال ابن عمر: إن كنت من آل الزبير، وإلا فلا.
رواه ثقتان عنه، والحواري: الناصر.
وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: الْحَوَارِيُّ: الْخَالِصُ مِنْ كُلِّ شيء. وقال الكلبي: الحواري: الخليل.
هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَمَعَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أبويه2.
أخبرنا ابن أبي عصرون، أنبأنا أبو روح، أنبانا تميم المقرئ، أنبأنا أبو سعد الأديب، أنبأنا أبو عمرو الحيري، أنبأنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا حوثرة بن أشرس، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عن أبيه، أن ابن الزبير قال له: يا أبة! قد رأيتك تحمل على فرسك الأشقر يوم الخندق، قال: يا بني، رأيتني؟ قال: نعم، قال: فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يومئذ ليجمع لأبيك أبويه، يقول:"ارم فداك أبي وأمي"3.
أحمد في "مسنده": حدثنا أبو أسامة، حدثنا هشام، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير قال: لما كان يوم الخندق، كنت أنا وعمر بن أبي سلمة في
1 ضعيف: عزاه الألباني في "ضعيف الجامع""2745" للزبير بن بكار وابن عساكر وقال: ضعيف.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3720" في كتاب فضائل الصحابة، باب: مناقب الزبير بن العوام، ومسلم "2416" في كتاب فضائل الصحابة، باب: فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما والترمذي "3764" في كتاب المناقب، باب: مناقب الزبير بن العوام، وابن ماجه "123" في المقدمة، باب: في فضائل أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأحمد "1/ 164، 166".
3 أخرجه أحمد "1/ 164" وأصله عند البخاري "3720" في المصدر السابق.
الأطم الذي فيه نساء النبي صلى الله عليه وسلم أطم حسان، فكان عمر يرفعني وأرفعه، فإذا رفعني، عرفت أبي حين يمر إلى بني قريظة، فيقاتلهم.
الرياشي: حدثنا الأصمعي، حدثنا ابن أبي الزناد قال: ضرب الزُّبَيْر يوم الخَنْدَق عثمانَ بنَ عبد الله بن المغيرة بالسيف على مغفره، فقطعه إلى القُرْبُوس، فقالوا: مَا أجْوَدَ سيفك! فغضب الزبير، يريد أن العمل ليده لا للسيف.
أبو خيثمة: حدثنا محمد بن الحسن المديني، حدثني أم عزوة بنت جعفر، عن أختها عائشة، عن أبيها عن جدها الزبير أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أعطاه يوم فتح مكة لواء سعد بن عبادة، فدخل الزبير مكة بلواءين.
وعن أسماء قالت: عندي للزبير ساعدان من ديباج، كان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاهما إياه، فقاتل فيهما1.
رواه أحمد في "مسنده" من طريق ابن لهيعة.
علي بن حرب: حدثنا ابن وهب، عن ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عن أبيه، أعطى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الزُّبَيْرُ يلمق حرير محشو بالقز، يقاتل فيه.
وروى يحيى بن يحيى الغساني، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ الزبير: ما تخلفت عن غزوة غزاها المسلمون إلا أن أقبل فألقى ناسا يعقبون.
وعن الثوري قالا: هؤلاء الثلاثة نجدة الصحابة: حمزة، وعلي، والزبير.
حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، أخبرني من رأي الزبير وفي صدره أمثال العيون من الطعن والرمي.
معمر، عن هشام عن عروة قال: كان في الزُّبَيْر ثلاث ضربات بالسيف: إحداهُنَّ في عاتقه، إنْ كنت لأدْخِلُ أصابعي فيها، ضُرِبَ ثِنْتَيْنِ يوم بدْر، وواحدة يوم اليَرْمُوك2.
1 أخرجه أحمد "6/ 352".
2 أخرجه البخاري "3721" في المصدر السابق، وفيه أن الضربتين في وقعة اليرموك وأما في يوم بدر فضربة واحدة، ويأتي لفظه.
قال عروة: قال عبد الملك بن مروان، حين قتل ابن الزبير: يا عروة! هل تعرف سيف الزبير؟ قلت: نعم، قال: فما فيه؟ قلت: فلة فلها يوم بدر، فاستله فرآها فيه، فقال:
بهن فلول من قراع الكتائب
ثم أغمده ورده عليَّ، فأقمناه بيننا بثلاثة آلاف، فأخذه بعضنا، ولوددت أني كنت أخذته.
يحيى بن سعيد الأنصاري: عَنْ سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَلَى حراء، فتحرك. فقال:"اسْكُنْ حِرَاءُ! فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيقٌ، أَوْ شهيد"، وكان عليه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير1.
الحديث رواه معاوية بن عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعا، وذكر فيهم عليًّا.
وقد مر في تراجم الراشدين أن العشرة في الجنة، ومر في ترجمة طلحة عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"طلحة والزبير جاراي في الجنة"2.
أبو جعفر الرازي: عن حصين، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: إنهم يقولون: استخلف علينا، فإن حدث بي حدث، فالأمر في هؤلاء الستة الذين فارقهم رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عنهم راض، ثم سماهم.
أحمد في "مسنده": حدثنا زكريا بن عدي، حدثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهَرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن مروان، ولا إخاله متهما علينا، قال: أصاب عثمان رعاف سنة الرعاف، حتى تخلف عن الحج وأوصى، فدخل عليه رجل من قريش، فقال: استخلف، قال: وقالوه؟ قال: نعم. قال: من هو؟ فسكت، قال: ثم دخل عليه رجل آخر، فقال له مثل ذلك، ورد عليه نحو ذلك. قال: فقال عثمان: قالوا الزبير؟ قال: نعم. قال: أما والذي نفسي بيده، إن كان لخيرهم ما علمت، وأحبهم إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ3.
1 صحيح: وقد تقدم.
2 ضعيف: وقد تقدم.
3 صحيح: أخرجه أحمد "1/ 64" والبخاري "3717" في كتاب فضائل الصحابة، باب: مناقب الزبير بن العوام.
رواه أبو مروان الغساني، عن هشام نحوه.
وقال هشام، عن أبيه، قال عمر: لو عهِدْت أو تركتُ ترِكَةً، كان أحبّهم إليّ الزُّبَيْر، إنّه رُكْنٌ من أركان الدين.
ابن عيينة: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه قال: أوصى إلى الزبير سبعة من الصحابة، منهم عثمان، وابن مسعود، وعبد الرحمن، فكان يُنْفِقُ على الوَرَثة من ماله، ويحفظ أموالهم.
ابن وهب: حدثنا عمرو بن الحارث، حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، أن الزبير خرج غازيا نحو مصر، فكتب إليه أمير مصر: إن الأرض قد وقع بها الطاعون، فلا تدخلها، فقال: إنما خرجت للطعن والطاعون، فدخلها، فلقي طعنة في جبهته فأفرق.
عوف: عن أبي رجاء العطاردي، قال: شهدت الزبير يوما، وأتاه رجل، فقال: ما شأنكم أصحاب رسول الله؟ أراكم أخف الناس صلاة! قال: نبادر الوسواس.
الأوزاعي: حدثني نهيك بن مريم، حدثنا مغيث بن سمي، قال: كان للزبير بن العوام ألف مملوك يؤدون إليه الخراج، فلا يدخل بيته من خراجهم شيئا.
رواه سعيد بن عبد العزيز نحوه، وزاد: بل يتصدق بها كلها.
وقال الزبير بن بكار: حدثني أبو غزية محمد بن موسى، حدثنا عبد الله بن مصعب، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ المنذر، عن جدتها أسماء بنت أبي بكر قالت: مر الزبير بمجلس مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وحسان ينشدهم من شعره، وهم غير نشاط لما يسمعون منه فجلس معهم الزبير ثم قال: ما لي أركم غير أذنين لما تسمعون من شعر ابن الفريعة. فلقد كان يعرض به رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فيحسن استماعه، ويجزل عليه ثوابه، ولا يشتغل عنه، فقال حسان يمدح الزبير:
أقام على عهد النّبيّ وهدْيهِ
…
حَوَارِيُّهُ والقولُ بالفعل يعدل
أقام على مِنْهاجِه وطريِقهِ
…
يُوَالِي وَلِيَّ الْحَقِّ والحقُّ أعْدَلُ
هو الفارسُ المشهورُ والبطل الَّذِي
…
يصولُ إذا مَا كان يَوْمٌ مُحَجَّلُ
إذا كَشَفَتْ عن ساقِها الحربُ حَشَّها
…
بأبيضَ سباق إلى الموت يرقل
وإن امرءا كانت صفية أمه
…
ومن أسد في بيتها لمؤثل
له من رسول الله قربى قريبة
…
ومن نصرة الإسلام مجد مؤثل
فكم كُربةٍ ذبَّ الزُّبَيْر بسيْفِه
…
عن الْمُصْطَفَى والله يعطي فيجزل
ثناؤك خيرٌ من فِعالِ معاشِرٍ
…
وَفِعْلُكَ يابنَ الهاشمية أفضل1
قال جويرية بن أسماء: باع الزبير دارا لها بستمائة ألف، فقيل له: يا أبا عبد الله! غبنت! قال: كلا، هي في سبيل الله.
الليث: عن هشام بن عروة، أن الزبير لما قتل عمر، محا نفسه من الديوان، وأن ابنه عبد الله لما قتل عثمان، محا نفسه من الديوان.
أحمد في "المسند" حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم: حدثنا شداد بن سعيد، حدثنا غيلان بن جرير، عن مطرف: قلت للزبير: ما جاء بكم؟ ضيعتم الخليفة حتى قتل، ثم جئتم تطلبون بدمه؟ قال: إنا قرأنا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر، وعثمان:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} 2، لم تكن نحسب أن أهلها، حتى وقعت منا حيث وقعت3.
مبارك بن فضالة، عن الحسن، أن رجلا أتى الزبير وهو بالبصرة فقال: ألا أقتل عليًّا؟ قال: كيف تقتله ومعه الجنود؟ قال: ألحق به، فأكون معك، ثم أفتك به، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن"4.
هذا في المسند، وفي "الجعديات".
الدولابي في "الذرية الطاهرة": حدثنا الدقيقي، حدثنا يزيد، سمعت شريكا، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، حَدَّثَنِي مَنْ رَأَى الزبير يقتفي آثار الخيل قعصا بالرمح، فناداه علي: يا أبا عبد الله! فأقبل عليه، حتى التقت أعناق دوابهما،
1 إسناده ضعيف: أخرجه الحاكم "5599/ 5" وعبد الله بن مصعب ضعيف.
2 سورة الأنفال: 25.
3 أخرجه أحمد "1/ 165".
4 إسناده ضعيف: أخرجه أحمد "1/ 166" والحسن مبارك كلاهما مدلس، ولم يصرح أحد منهما بالسماع، والمرفوع منه صحيح أخرجه أبو داود "2769" في كتاب الجهاد، باب: في العدو يؤتى على غرة، وصححه الألباني في "صحيح الجامع".
فَقَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَتَذْكُرُ يَوْمَ كُنْتُ أُنَاجِيكَ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: تُنَاجِيهِ! فَوَاللَّهِ لَيُقَاتِلَنَّكَ وَهُوَ لَكَ ظَالِمٌ؟ قَالَ: فَلَمْ يَعْدُ أَنْ سَمِعَ الْحَدِيثَ، فَضَرَبَ وجه دابته، وذهب1.
قال أبو شهاب الحناط وغيره: عن هلاك بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ للزبير يوم الجمل: يابن صفية! هذه عائشة تملك الملك طلحة، فأنت علام تقاتل قريبك عليا؟
زاد فيه غير أبي شهاب: فرجع الزبير، فلقيه ابن جرموز فقتله.
قتيبة: حدثنا الليث عن ابن أَبِي فَرْوَةَ أَخِي إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: حاربني خمسة: أَطْوَعُ النَّاسِ فِي النَّاسِ: عَائِشَةُ، وَأَشْجَعُ النَّاسِ: الزبير، وأمكر الناس: طلحة لم يدركه مكر قط، وأعطى الناس: يعلى بن منية، وأعبد الناس: محمد بن طلحة، كان محمودا حتى استزله أبوه، وكان يعلى يعطي الرجل الواحد ثلاثين دينارا والسلاح والفرس على أن يحاربني.
قال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الرقاشي: عن جده، عن أبي جرو المازِنّي، قَالَ: شهِدْت عليًّا والزُّبَيْر حتى توافقا، فقال عليّ: يا زُبير! أنْشُدُك الله، أسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إنك تقاتلني وأنت لي ظالم؟ قَالَ: نعم، ولم أَذْكُرُه إلّا في موقفي هذا، ثم انصرف.
رواه أبو يعلى في "مسنده" وقد روى نحوه من وجوه سقنا كثيرا منها في كتاب "فتح المطالب".
قال يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: انصرف الزُّبَيْر يوم الجمل عن علي، فلقيه ابن عبد الملك، فقال: وجبنا جبنا! قال: قد علم النّاس أنّي لست بجبانٍ، ولكن ذكَّرني عليّ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فحلفت أن لَا أقاتله، ثمّ قَالَ:
تَرْكُ الأمورِ التي أخشي عواقِبَها
…
في الله أحْسَنُ في الدُّنيا وفي الدين2
1 أخرجه الحاكم "5573، 5574".
2 إسناده ضعيف: من أجل يزيد بن أبي ضعيف، ضعيف كما تقدم.
وقيل: إنه أنشد:
ولقد علمت لو أن علمي نافعي
…
أن الحياة من الممات قريب
فلم ينشب أن قتله ابن جرموز.
وروى حُصَيْن بن عبد الرحمن، عن عَمْرو بن جاوان قال: قتل طلحة وانهزموا، فأتى الزبير سفوان فلقيه النعر المجاشعي، فقال: يا حواري رسول الله! أين تذهب؟ تعال، فأنت في ذمّتي، فسار معه، وجاء رجلٌ إلى الأحنف فقال: إن الزبير بسفوان، فما تأمر إن كان جاء فحمل بين المُسْلِمين، حتّى إذا ضرب بعضُهم حواجِبَ بعضٍ بالسيف، أراد أن يلحق ببنيه؟ قَالَ: فسمعها عمير بن جرموز، وفضالة بن حابس، ورجل يقال له نفيع، فانطلقوا حتى لقوه مقبلا مع النعر، وهم في طلبه، فأتاه عمير من خلفه، وطعنه طعنةً ضعيفة، فحمل عليه الزُّبَيْر، فلمّا استلْحمه وظنّ أنّه قاتله، قَالَ: يا فضّالة! يا نفيع! قال: فحملوا على الزبير حتى قتلوه.
عبيد الله بن موسى: حدثنا فُضَيْل بن مرزوق، حدّثني شقيق بن عقبة عن قُرَّةَ بن الحارث، عن جون بن قَتَادة قَالَ: كنت مع الزُّبَيْر يوم الجمل، وكانوا يسلمون عليه بالإمرة، إلى أن قال: فطعنه ابن جرموز ثانيا، فأثبته، فوقع، ودفن بوادي السباع، وجلس علي رضي الله عنه يبكي عليه هو وأصحابه.
قرة بن حبيب: حدثنا الفضل بن أبي الحكم، عن أبي نضرة قال: جيء برأس الزبير إلى علي، فقال علي: تبوأ يا أعرابي مقعدك من النار، حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ قاتل الزبير في النار1.
شعبة، عن منصور بن عبد الرحمن، سمعت الشعبي يقول: أدركت خمسمائة أو أكثر من الصحابة يقولون: عليّ، وعثمان، وطلحة، والزُّبَيْر في الجنة.
قلت: لأنهم من العشرة المشهود لهم بالجنة، ومن البدريين، ومن أهل بيعة الرضوان، ومن السابقين الأولين الذين أخبر تعالى أنه رضي عنهم ورضوا عنه،
1 ذكره في "مختصر تاريخ دمشق""9/ 25".
ولأن الأربعة قتلوا، ورزقوا الشهادة، فنحن محبون لهم، باغضون للأربعة الذين قتلوا الأربعة.
أبو أسامة، حدثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الزُّبَيْرِ قال: لقيت يوم بدر عبيدة بن سعيد بن العاص، وهو مدجج لا يرى إلا عيناه، وكان يكنى أبا ذات الكرش، فحملت عليه بالعنزة، فطعنته في عينه، فمات، فأخبرت1 أن الزبير قال: لقد وضعت رجلي عليه، ثم تمطيت، فكان الجهد أن نزعتها، يعني الحربة، فلقد انثنى طرفها.
قال عروة: فسأله إياها رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَاهُ إياها، فلما قبض، أخذها، ثم طلبها أبو بكر، فأعطاه إياها، فلما قبض أبو بكر، سألها عمر، فأعطاه إياها، فلما قبض أخذها، ثم طلبها عثمان منه، فأعطاه إياها، فلما قبض، وقعت عند آل علي، فطلبها عبد الله بن الزبير، فكانت عنده حتى قتل2. غريب، تفرد به البخاري.
ابن المبارك: أنبأنا هشام، عن أبيه إنّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالوا للزبير: ألا تشد فنشد معك؟ قال: إني إن شددت، كذبتم، فقالوا: لا نفعل.
فحمل عليهم حتى شق صفوفهم، فجاوزهم وما معه أحد، ثم رجع مقبلا، فأخذوا بلجامه فضربوه ضربتين، ضربة على عاتقه بينهما ضربة ضربها يوم بدر.
قال عروة: فكنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا صغير، قال: وكان معه عبد الله بن الزبير وهو ابن عشر سنين، فحمله على فرس، ووكل به رجلا3.
قلت: هذه الوقعة هي يوم اليمامة إن شاء الله4، فإن عبد الله كان إذا ذاك ابن عشر سنين.
أبو بكر بن عياش: حدثنا سليمان، عن الحسن قال: لما ظفر علي بالجمل،
1 قال الحافظ ابن حجر في "الفتح""7/ 366": لم أقف على تعيين المخبر بذلك.
2 أخرجه البخاري "3998" في كتاب المغازي، باب: رقم "12".
3 صحيح: أخرجه البخاري "3975" في كتاب المغازي، باب: قتل أبي جهل، ولفظه "قالوا للزبير يوم اليرموك
…
".
4 تقدم أن ذلك كان يوم اليرموك.
دخل الدار والناس معه، فقال علي: إني لأعلم قائد فتنة دخل الجنة، وأتباعه إلى النار! فقال الأحنف: من هو؟ قال: الزبير1.
في إسناده إرسال، وفي لفظه نكارة، فمعاذ الله أن نشهد على أتباع الزبير، أو جند معاوية أو علي بأنهم في النار، بل نفوض أمرهم إلى الله، ونستغفر لهم. بلى: الخوارج كلاب النار، وشر قتلى تحت أديم السماء؛ لأنهم مرقوا من الإسلام، ثم لا ندري مصيرهم إلى ماذا، ولا نحكم عليهم بخلود النار، بل نقف.
ولبعضهم:
إنّ الرَّزِيةَ مَن تَضَمَّنَ قبرَه
…
وادي السِّباع لِكُلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ
لمّا أتى خبرُ الزُّبَيْر تواضعت
…
سور المدينة والجبال الجشع
قال البخاري وغيره: قتل في رجب سنة ست وثلاثين.
وادي السِّباع: على سبعة فَرَاسخ من البصْرة.
قال الواقدي وابن نمير: قتل وله أربع وستون سنة. وقال غيرهما: قيل وله بضع وخمسون سنة، وهو أشبه.
قال القحذمي: كانت تحته أسماء بنت أبي بكر، وعاتكة أخت سعيد بن زيد، وأم خالد بنت خالد بن سعيد، وأم مصعب الكلبية.
قال ابن المديني: سمعت سفيان يقول: جاء ابن جُرْمُوز إلى مُصْعَب بن الزُّبَيْرِ -يعني لما ولي إمرة العراق لأخيه الخليفة عبد الله بن الزبير- فقال: أقدني بالزبير، فكتب في ذلك يشاور ابن الزبير، فجاءه الخبر: أنا أقتل ابن جرموز بالزبير؟ ولا بشسع نعله.
قلت: أكل المغتر يديه ندما على قتله، واستغفر، لا كقاتل طلحة، وقاتل عثمان، وقاتل علي.
الزبير: حدثني علي بن صالح، عن عامر بن صالح، عن مسالم بن
1 إسناده ضعيف: منقطع بين الحسن وعلي رضي الله عنه.
عبد الله بن عروة، عن أبيه، أن عمير بن جرموز أتي، حتى وضع يده في يد مصعب، فسجنه، وكتب إلى أخيه في أمره، فكتب إليه أن بئس ما صنعت، أظننت أني قاتل أعرابيا بالزبير؟ خل سبيله، فخلاه فلحق بقصر بالسواد عليه "أزج"، ثمّ أمر إنسانًا أن يطرحه عليه، فطرحه عليه، فقتله، وكان قد كرِه الحياة لما كان يهول عليه ويرى في منامه.
قال ابن قتيبة: حدثنا محمد بن عتبة، حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه أن الزبير ترك من العروض بخمسين ألف ألف دِرْهم، ومن العين خمسين ألف ألف درهم، كذا هذه الرواية. وقال ابن عيينة: عن هشام، عن أبيه قَالَ: اقتُسِم مالُ الزُّبَيْر على أربعين ألف ألف.
أبو أسامة: أخبرني هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ الزبير قال: لما وقف الزبير يوم الجمل، دعاني، فقمت إلى جنبه، فقال: يا بني! إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم، وإني لا أراني إلا سأقتل اليوم مظلوما، وإن من أكبر همي لديني، أفترى ديننا يبقى من مالنا شيئا؟ يا بني! بع ما لنا، فاقض ديني، فأوصى بالثلث وثلث الثلث إلى عبد الله، فإن فضل من مآلنا بعد قضاء الدين شيء، فثلث لولدك.
قال هشام: وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزبير وخبيب وعباد، وله يومئذ تسع بنات، قال عبد الله: فجعل يوصيني بدينه، ويقول: يا بني! إن عجزت عن شيء منه، فاستعن بمولاي، قال: فوالله ما دريت ما عنى حتى قلت: يا أبة! من مولاك؟ قال: الله عز وجل! قال: فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير اقض عنه، فيقضيه.
قال: وقتل الزبير، ولم يدع دينارا ولا درهما، إلا أرضين بالغابة، ودارا بالمدينة، ودارا بالبصرة ودارا بالكوفة، ودارا بمصر، قال: وإنما كان الذي عليه أن الرجل يجيء بالمال، فيستودعه، فيقول الزبير: لا ولكن هو سلف، إني أخشى عليه الضيعة: وما ولي إمارة قط، ولا جباية، ولا خراجا، ولا شيئا، إلا أن يكون في غزو مع النبي صلى الله عليه وسلم أو مع أبي بكر، وعمر، وعثمان، فحسبت دينه، فوجدته ألفي ألفي ومائتي ألف، فلقي حكيم بن حزام الأسدي عبد الله فقال: يا
ابن أخي! كم على أخي من الدين؟ فكتمه، وقال: مائة ألف، فقال حكيم: ما أرى أموالكم تتسع لهذه! فقال عبد الله: أفرأيت إن كانت ألفي ألفي ومائتي ألف! قال: ما أراكم تطيقون هذا، فإن عجزتم عن شيء، فاستعينوا بي، وكان الزبير قد اشتى الغابة بسبعين ومائة ألف، فباعها عبد الله بألف ألف وستمائة ألف، وقال: من كان له على الزبير دين، فليأتنا بالغابة. فأتاه عبد الله بن جعفر، وكان له على الزبير أربعمائة ألف، فقال لابن الزبير: إن شئت، تركتها لكم قال: لا، قال: فاقطعوا لي قطعة، قال: لك من ههنا إلى ههنا، قال: فباعه بقضاء دينه، قال: وبقي منها أربعة أسهم ونصف، فقال المنذر بن الزبير، قد أخذت سهما بمائة ألف، وقال عمرو بن عثمان: قد أخذت سهما بمائة ألف، وقال ابن ربيعة، قد أخذت سهما بمائة ألف، فقال معاوية، كم بقي؟ قال: سهم ونصف، قال: قد أخذته بمائة وخمسين ألفا، قال: وباع ابن جعفر نصيبه من معاوية بستمائة ألف، فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دينه، قال بنو الزبير، اقسم بيننا ميراثنا، قال: لا والله! حتى أنادي بالموسم أربع سنين: ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه، فجعل كل سنة ينادي بالموسم، فلما مضت أربع سنين قسم بينهم. فكان للزبير، أربع نسوة. قال: فرفع الثلث، فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائة ألف، فجمع ماله خمسون ألفا ألفا ومائتا ألف1.
للزبير في "مسند بقي بن مخلد" ثمانية وثلاثون حديثا، منها في "الصحيحين" حديثان وانفرد البخاري بسبعة أحاديث.
قال هشام: عن أبيه، قال: بلغ حصة عاتكة بنت زيد بْن عمرو بْن نُفَيْلٍ زوجة الزبير من ميراثه ثمانين ألف درهم.
وقالت ترثيه:
غدر ابن جرموز بفارس بهمة
…
يوم اللقاء وكان غير معرد
يا عمرو لو نبهته لوجدته
…
لا طائشا رعش البنان ولا اليد
ثكلتك أمك إن ظفرت بمثله
…
فيما مضى مما تروح وتغتدي
كم غمرة قد خاضها لم يثنه
…
عنها طرادك يا ابن فقع الفدفد
والله ربك إن قتلت لمسلما
…
حلت عليك عقوبة المتعمد
1 صحيح: أخرجه بطوله البخاري "3129" في كتاب فرض الخمس، باب: بركة الغازي في ماله حيا وميتا، وابن سعد في "الطبقات""2/ 58-59".
9-
"ع" عبد الرحمن بن عوف "ت 32هـ" بن عبد عوف بن عبد بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ بْنُ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لؤي، أبو محمد.
أحد العشرة، وأحد الستة أهل الشورى، وأحد السابقين البدريين، القرشي الزهري، وهو أحد الثمانية الذين بادروا إلى الإسلام، له عدة أحاديث.
روى عنه ابن عباس، وابن عمر، وأنس بن مالك، وبنوه: إبراهيم، وحميد، وأبو سلمة، وعمرو، ومصعب بنو عبد الرحمن، ومالك بن أوس، وطائفة سواهم. له في "الصحيحين" حديثان. وانفرد له البخاري بخمسة أحاديث. ومجموع ما له في "مسند بقي" خمسة وستون حديثا.
وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو، وقيل عبد الكعبة، فسمّاه النّبيّ صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن1.
وحدث عنه أيضا من الصحابة: جبير بن مطعم، وجابر بن عبد الله، والمسور بن مخرمة، وعبد الله بن عامر بن ربيعة.
وقدم الجابية مع عمرو، فكان على الميمنة، وكان في نوبة سرغ على الميسرة.
أخبرنا محمد بن حازم بن حامد، ومحمد بن علي بن فضل، قالا: أنبأنا أبو القاسم بن صصري، أنبأنا أبو القاسم بن البن الأسدي "ح" وأنبأنا محمد بن على السلمي، وأحمد بن عبد الرحمن الصوري، قالا: أنبأنا أبو القاسم الحسين بن هبة الله التغلبي، أنبأنا أبو القاسم بن البن، ونصر بن أحمد السوسي، قالا: أنبأنا علي بن محمد بن علي الفقيه، أنبأنا أَبُو منصور محمد، وأبو عبد الله أَحْمَد، أنبأنا الحسين بن سهل بن الصباح، ببلد، في ربيع الآخر سنة سبع وعشرين وأربعمائة، قالا: حدثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن أحمد الإمام، حدثنا علي بن حرب الطائي، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، سمع بجالة يقول: كنت كاتبا لجزء بن معاوية، عم الأحنف بن قيس، فأتانا كتاب عمر قبل موته بسنة، أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، وفرقوا بين كل ذي محرم من المجوس، وانهوهم عن الزمزمة2. فقتلنا ثلاث سواحر، وجعلنا نفرق بين الرجل
1 ذكره ابن سعد في "الطبقات""2/ 66" ويأتي تخريجه.
2 الزمزمة: الصوت المبهم من الخيشوم. لا يتحرك فيه لسان ولا شفة.
وحريمته في كتاب الله. وصنع لهم طعاما كثيرا، ودعا المجوس، وعرض السيف على فخذه، وألقي وقر1 بغل أو بغلين من ورق، وأكلوا بغير زمزمة. ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس، حتى شهد عبد الرحمن بْن عَوْفُ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر2.
هذا حديث غريب مخرج في صحيح البخاري، وسنن أبي داود، والنسائي، والترمذي من طريق سفيان، فوقع لنا بدلا. ورواه حجاج بن أرطاة عن عمرو مختصرا، وروى منه أخذ الجزية من المجوس أبو داود، عن الثقة، عن يحيى بن حسان، عن هشيم، عن داود بن أبي هند، عن قشير بن عمرو، عن بجالة بن عبدة، عن ابن عباس، عن ابن عوف.
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد العلوي، أنبأنا محمد بن أحمد القطيعي، أنبأنا محمد بن عبيد الله المجلد "ح" وأنبأنا أحمد بن إسحاق الزاهد، أنبأنا أبو نصر عمر بن محمد التيمي، أنبأنا هبة الله بن أحمد الشبلي، قالا: أنبأنا محمد بن محمد الهاشمي، أنبأنا أبو طاهر المخلص، حدثنا عبد الله البغوي حدثنا أبو نصر التمار، حدثنا القاسم بن فضل الحداني عن النضر بن شيبان قال: قلت لأبي سلمة: حدثني بشيء سمعته من أبيك يحدث به عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال: حدثني أبي في شهر رمضان قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فرض "الله" عليكم شهر رمضان، وسننت لكم قيامة، فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا، خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه"3.
هذا حديث حسن غريب. أخرجه النسائي، عن أبي راهويه، عن النضر بن
1 وقر: حمل.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3156، 3157" في كتاب الجزية والموادعة، باب: رقم "11"، وأبو داود "3043" في كتاب الخراج، باب: في أخذ الجزية من المجوس، والترمذي "1592، 1593" في كتاب السير، باب: ما جاء في أخذ الجزية من المجوس.
3 ضعيف دون الشطر الثاني منه: أخرجه النسائي "4/ 158" في كتاب الصيام، باب: ذكر اختلاف يحيى بن أبي كثير والنصر بن شيبان فيه، وابن ماجه "1328" في كتاب الصيام باب: ما جاء في قيام شهر رمضان، وقال الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" ضعيف والشطر الثاني منه صحيح.
شميل. وابن ماجه، عن يحيى بن حكيم، عن أبي داود الطيالسي، جميعا عن الحداني.
قال النسائي: الصواب حديث الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
أخبرنا محمد بن عبد السلام العصروي، أنبأنا عبد المعز بن محمد الهروي، أنبأنا تميم الجرجاني، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن النيسابوري، أنبأنا محمد بن أحمد الحيري، أنبأنا أحمد بن على الموصلي، حدثنا أبو خيثمة، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني مكحول، عن كريب، عن ابن عباس قال: جلسنا مع عمر، فقال: هل سَمِعْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شيئا أمر به المرء المسلم إذا سها في صلاته، كيف يصنع؟ فقلت: لا والله، أو ما سمعت أنت يا أمير المؤمين من رسول الله في ذلك شيئا؟ فقال: لا والله. فبينا نحن في ذلك أتى عبد الرحمن بن عوف فقال: فيم أنتما؟ فقال عمر: سألته، فأخبره.
فقال له عبد الرحمن: لكني قد سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يأمر في ذلك. فقال له عمر: فأنت عندنا عدل، فماذا سمعت؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إذا سها أحدكم في صلاته حتى لا يدري أزاد أم نقص، فإن كان شك في الواحدة والثنتين، فليجعلها واحدة، وإذا شك في الثنتين أو الثلاث، فليجعلها ثنتين، وإذا شك في الثلاث والأربع، فليجعلها ثلاثا حتى يكون الوهم في الزيادة، ثم يسجد سجدتين، وهو جالس، قبل أن يسلم، ثم يسلم"1.
هذا حديث حسن، صححه الترمذي، ورواه عن بندار، عن محمد بن خالد بن عثمة، عن إبراهيم بن سعد، فطريقنا أعلى بدرجة. ورواه الحافظ ابن عساكر في صدر ترجمة ابن عوف وفيه: فقال: فحدثنا، فأنت عندنا العدل والرضا.
فأصحاب رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّ كانوا عدولا فبعضهم أعدل من بعض وأثبت. فهنا عمر قنع بخبر عبد الرحمن، وفي قصة الاستئذان يقول: ائت بمن
1 صحيح: أخرجه الترمذي "398" في كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الرجل يصلي فيشك في الزيادة والنقصان، وابن ماجه "1209" في كتاب الإقامة، باب: ما جاء فيمن شك في صلاته فرجع إلى اليقين، وأحمد "1/ 190" وقال الألباني في "صحيح الجامع" "630": صحيح.
يشهد معك1، وعلي بن أبي طالب يقول: كان إذا حدثني رجل عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم استحلفته، وحدثني أبو بكر، وصدق أبو بكر2، فلم يحتج على أن يستحلف الصديق، والله أعلم.
قال المدائني: ولد عبد الرحمن بعد عام الفيل بعشر سنين3.
وقال الزبير: ولد الحارث بن زهرة عبدا، وعبد الله، وأمهما قيلة. ومن ولد عبد عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد.
وكذا نسبه ابن إسحاق، وابن سعد، وأسقط البخاري والفسوي "عبدا" من نسبه، وقاله قبلهما عروة، والزهري.
وقال الهيثم الشاشي وأبو نصر الكلاباذي وغيرهما: عبد عَوْف بْن عبد الحارث بْن زُهْرَةَ. وأم عبد الرحمن هي: الشفاء بنت عوف بن عبد الحارث بن زهرة. قاله جماعة. وقال أبو أحمد الحاكم: أمه صفية بنت عبد مناف بن زهرة بن كلاب، ويقال: الشفاء بنت عوف.
إبراهيم بن سعيد: حدثني أبي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قال: كان اسمي عبد عمرو، فلما أسلمت، سمّاني رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ الرحمن4.
إبراهيم بن المنذر: حدثنا عبد العزيز بن أبي ثابت، عن سعيد بن زياد، عن حسن بن عمر، عن سهلة بنت عاصم قالت: كان عبد الرحمن بن عوف أبيض.
1 صحيح: أخرجه البخاري "6245" في كتاب الاستئذان، باب: التسليم والاستئذان ثلاثا، ومسلم "2153/ 34" في كتاب الآداب، باب: الاستئذان.
2 صحيح: أخرجه أبو داود "1521" في كتاب الصلاة، باب: في الاستغفار، والترمذي "3017" في كتاب التفسير، باب: ومن سورة آل عمران، وابن ماجه "1395" في كتاب الإقامة، باب: ما جاء أن الصلاة كفارة، وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" "1/ 407": هو حديث حسن. وكذلك قال الحافظ ابن حجر في "الفتح""11/ 101" وقال الألباني في "صحيح الجامع""5738": صحيح.
3 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 66" عن يعقوب الأخنسي بإسناد ضعيف جدا.
4 أخرجه الحاكم "5332".
أعين، أهدب الأشفار، أفتى، طويل النابين الأعليين، وربما أدمى نابه شفته، له جمة أسفل من أذنيه، أعنق، ضخم الكتفين.
وروى زياد البكائي عن ابن إسحاق قال: كان ساقط الثنيتين، أهتم، أعسر، أعرج. كان أُصيب يوم أُحُدٍ فَهَتِم، وجُرِح عشرين جراحةً، بعضها في رجله، فعرج.
الواقدي: حدثنا عبدَ الله بْن جَعْفَر، عَنْ يعقوب بن عتبة قال: وكان عبد الرحمن رجلا طوالا، حسن الوجه، رقيق البشرة، فيه جنأ، أبيض، مشربا حمرة، لا يغير شيبه.
وقال ابن إسحاق: حدثنا صَالِحُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ قال: كنا نسير مع عثمان في طريق مكة، إذ رأى عبد الرحمن بن عوف، فَقَالَ عثمان: مَا يستطيع أحدٌ أن يعتدَّ على هذا الشيخ فضلًا في الهجرتين جميعًا.
وروى نحوه العقدي عن عبد الله بن جعفر، عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عن أبيه، عن المسور بن مخرمة، أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد، وجماعة، قالوا: أنبأنا عبد الله بن عمر، أنبأنا أبو الوقت، أنبأنا أبو الحسن الداودي، أنبأنا أبو محمد عبد الله بن عمر، أنبأنا أبو الوقت، أنبأنا أبو الحسن الداودي، أنبأنا أبو محمد بن حمويه، أنبأنا إبراهيم بن خزيم، حدثنا عبد بن حميد، حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا عمارة بن زاذان، عن ثابت، عن أنس أن عبد الرحمن بن عوف لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بينه وبين عثمان، كذا هذا، فقال: إن لي حائطين، فاختر أيهما شئت. قال: بل دلني على السوق، إلى أن قال: فكثر ماله، حتى قدمت له سبعمائة راحلة تحمل البر والدقيق والطعام، فلما دخلت سمع لأهل المدينة رجة، فبلغ عائشة، فَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "عبد الرحمن لَا يدخل الجنة إلَّا حَبْوًا".
فلمّا بلغه قال: يا أمه! إني أُشْهِدُكِ أَنَّها بأحمالها وأحلاسها1 في سبيل الله2.
1 الأحلاس: جمع حلس، وهو كل ما يوضع على ظهر البعير.
2 أخرجه أحمد "6/ 115".
أخرجه أحمد في "مسند" عن عبد الصمد بن حسان، عن عمارة، وقال: حديث منكر.
قلت: وفي لفظ أحمد: فَقَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "قد رأيت عبد الرحمن لا يدخل الجنة إلا حبوا"، فقال: إن استطعت لأدخلنها قائما. فجعلها بأقتابها وأحمالها في سبيل الله1.
أخبرنا جماعة، كتابة، عن أبي الفرج بن الجوزي، وأجاز لنا ابن علان وغيره، أنبأنا الكندي، قالا: أنبأنا أبو منصور القزاز، أنبأنا أبو بكر الخطيب أنبأنا ابن المذهب، أنبأنا القطيعي حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا هذيل بن ميمون، عن مطرح بن يزيد، عن عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "دخلت الجنة فسمعت خشفة، فقلت: ما هذا؟ " قيل: بلال.
إلى أن قال: "فاستبطأت عبد الرحمن بن عوف، ثم جاء بعد الإياس. فقلت: عبد الرحمن؟ " فقال: بأبي وأمي يا رسول الله! ما خلصت إليك حتى ظننت أني لا أنظر إليك أبدا. قال: "وما ذاك" قال: من كثرة مالي أحاسب، وأمحص2.
إسناده واه. وأما الذي قبله فتفرد به عمارة، وفيه لين.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَقَالَ ابْنُ معين: صالح.
وقال ابن عدي: عندي لا بأس به. قلت: لم يحتج به النسائي.
وبكل حال فلو تأخر عبد الرحمن عن رفاقه للحساب، ودخل الجنة حبوا على سبيل الاستعارة، وضرب المثل، فإن منزلته في الجنة ليست بدون منزلة علي والزبير، رضي الله عن الكل.
ومن مناقبه أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بالجنة، وأنه من أهل بدر الذين قيل
1 هو لفظ أحمد السابق.
2 إسناده ضعيف: أخرجه أحمد "5/ 259" وعلي بن يزيد ضعيف كما في "الميزان""5966".
لهم "اعملوا ما شئتم" 1 ومن أهل هذه الآية: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} 2 وقد صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وراءه3.
أحمد في "المسند": حدثنا إسماعيل، حدثنا أيوب، عن محمد، عن عمرو بن وهب الثقفي قال: كنا مع المغيرة بن شعبة، فسئل: هل أم النبي صلى الله عليه وسلم أحد من هذه الأمة غير أبي بكر؟ فقال: نعم. فذكر إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ، ومسح على خفيه وعمامته، وأنه صلى خلف عبد الرحمن بن عوف، وأنا معه، ركعة من الصبح، وقضينا الركعة التي سبقنا4.
ولحميد الطويل نحوه عن بكر بن عبد الله، عن حمزة بن المغيرة، عن أبيه إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ: عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انتهى إلى عبد الرحمن بن عوف وهو يصلي بالناس، فأراد عبد الرحمن أن يتأخر، فأومأ إليه: أن مكانك، فصلى وصلى رسول الله بصلاة عبد الرحمن5.
وروى الإمام أحمد في "المسند" عن الهيثم بن خارجة، عن رشدين، عن عبد الله بن الوليد، سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه بنحوه.
هشام: عن قتادة، عن الحسن، عن المغيرة بن شعبة، بمثل هذا. ورواه زرارة بن أوفى، عن المغيرة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صلى خلف عبد الرحمن بن
1 ورد في قصة حاطب بن أبي بلتعة المشهورة، وذلك فيما أخرجه البخاري "3007" في كتاب الجهاد، باب: الجاسوس، ومسلم "2494" في كتاب فضائل الصحابة، باب: فضائل أهل بدر، وأبو داود "2650" في كتاب الجهاد، باب: في حكم الجاسوس إذا كان مسلما، والترمذي "3316" في كتاب الجهاد، باب: في حكم الجاسوس إذا كان مسلما، والترمذي "3316" في كتاب التفسير، باب: ومن سورة الممتحنة، والنسائي في "الكبرى""11585" وأحمد "1/ 79-80/ 105" وابن جرير في "تفسيره""28/ 38" وأبو يعلى "394-398" والبيهقي في "سننه""9/ 146" وفي "الدلائل""5/ 17"، وابن حبان "6499" من حديث عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِب رضي الله عنه.
2 سورة الفتح: الآية 18.
3 صحيح: يأتي.
4 صحيح: أخرجه أحمد "4/ 244" ومسلم "274/ 81" في كتاب الطهارة، باب: المسح على الناصية والعمامة، وأبو داود "150" في كتاب الطهارة، باب: المسح على الخفين، والترمذي "100" في كتاب الطهارة، باب: ما جاء في المسح على الجوربين والعمامة، والنسائي "1/ 76" في كتاب الطهارة، باب: المسح على العمامة مع الناصية.
5 انظر السابق.
عوف1، وجاء عن خليد بن دعلج، عن الحسن، عن المغيرة، والحسن مدلس لم يسمع من المغيرة.
عيسى بن يونس: عن عثمان بن عطاء، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ عَبْدَ الرحمن بن عوف في سرية وعقد له اللواء بيده2.
عثمان ضعيف3، لكن روى نحوه أبو ضمرة، عن نافع بن عبد الله، عن فروة بْنُ قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عن ابن عمر.
معمر: عن قتادة {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِين} 4 قال: تصدق عبد الرحمن بن عوف بشرط ماله أربعة آلاف دينار. فقال أناس من المنافقين: إن عبد الرحمن لعظيم الرياء.
وقال ابن المبارك: أنبأنا معمر، عن الزهري قال: تصدق ابن عوف عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بشرط ماله أربعة آلاف، ثم تصدق بأربعين ألف دينار، وحمل على خمسمائة فرس في سبيل الله، ثم حمل على خمسمائة راحلة في سبيل الله. وكان عامة ماله من التجارة5. أخرجه في "الزهد" له.
سليمان ابن بنت شرحبيل: أنبأنا خَالِد بْن يَزِيد بْن أَبِي مالك، عَنْ أبيه، عن عطاء بن أبي رباح، عن إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:"يابن عوف! إنك من الأغنياء، ولن تدخل الجنة إلا زحفا، فأقرض الله تعالى، يطلق لك قدميك". قال: فما أقرض يا رسول الله؟ فأرسل إليه: "أتاني جبريل فقال: مُرْهُ فليضف الضيف، وليُعط في النائبة، وليُطعم المسكين"6.
1 صحيح: انظر التخريج السابق.
2 إسناده ضعيف: انظر التعليق الآتي.
3 هو عثمان بْن عطاء بْن أَبِي مسلم الخُراسانيّ، ضعفه مسلم وابن معين والدارقطني، والجوزجاني وابن خزيمة، وقال دحيم: لا بأس به، وقال الحافظ ابن حجر: ضعيف وهو الراجح: والله أعلم.
4 سورة التوبة: 79.
5 مرسل.
6 أخرجه الحاكم "5358".
خالد بن الحارث وغيره، قالا: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أبيه قَالَ: رأيت الجنة، وأني دخلتُها حبْوًا، ورأيت أنه لا يدخلها إلا الفقراء.
قلت: إسناده حسن، فهو وغيره منام، والمنام له تأويل. وقد انتفع ابن عوف رضي الله عنه بما رأى، وبما بلغه، حتى تصدق بأموال عظيمة، أطلقت له ولله الحمد قدميه، وصار من ورثة الفردوس، فلا ضير.
أنبأنا ابن أبي عمر، أنبأنا حنبل، أنبأنا ابن الحصين، حدثنا ابن المذهب حدثنا أبو بكر، حدثنا عبد اللهن حدثني أبي، حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا الأعمش، عن شقيق قال: دخل عبد الرحمن على أم سلمة، فقال: يا أم المؤمنين! إني أخشى أن أكون قد هلكت، إني من أكثر قريش مالا، بعت أرضا لي بأربعين ألف دينار. قالت: يا بني! أنفق، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"إن من أصحابي من لن يراني بعد أن أفارقه"، فأتيت عمر فأخبرته. فأتاها، فقال: بالله! أنا منهم؟ قالت: اللهم لا، ولن أبرئ أحدا بعدك1.
رواه أيضا أحمد، عن أبي معاوية، عن الأعمش فقال: عن شقيق، عن أم سلمة.
زائدة: عن عاصم، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كان بين خالد وعبد الرحمن بن عوف شَيْءٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"دعوا لي أصحابي أو أصيحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا لم يدرك مد أحدهم ولا نصيفه"2.
وأما الأعمش فرواه عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري3، وفي الباب حديث زهير بن معاوية عن حميد، عن أنس.
أبو إسماعيل المؤدب: عن إسماعيل بن أبي خالد، "عن الشعبي" عن ابن
1 أخرجه أحمد "6/ 290".
2 صحيح: أخرجه مسلم "2540"، وابن ماجه "161" في المقدمة، باب: في فضائل أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم والطبراني في "الأوسط""687". وفي الباب عن أبي سعيد الخدري، أخرجه البخاري "3673" في كتاب فضائل الصحابة، باب: فضل أبي بكر الصديق، ومسلم "2541" في كتاب فضائل الصحابة، باب: تحريم سب الصحابة، والترمذي "3887" في كتاب المناقب، باب: في من سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
3 انظر التخريج السابق.
أبي أوفى قال: شكا عبد الرحمن بن عوف خالدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "يا خالد! لَا تُؤْذِ رجلًا من أهل بدْر، فلو أنفقْتَ مثل أُحُدٍ ذهبا، لم تدرك عمله".
قال: يقعون في فأرد عليهم. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لا تؤذوا خالدا، فإنه سيف من سيوف الله، صبه الله على الكفار"1.
لم يروه عن المؤدب سوى الربيع بن ثعلب. وقد روى نحوه جرير بن حازم، عن الحسن مرسلا.
شعبة: أنبأنا حصين، سمعت هلال بن يساف يحدث عن عبد الله بن ظالم المازني، عن سعيد بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان على حراء ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف فقال:"أثبت حراء! فإنما عليك نبي أو صديق أو شهيد"2.
وذكر سعيد أنه كان معهم. وكذا رواه جرير، وهشيم، وأبو الأحوض، والأبار، عن حصين.
وأخرجه أرباب السنن الأربعة من طريق شعبة وجماعة كذلك، ورواه ابن إدريس ووكيع، عن سفيان، عن منصور عن هلال بن يساف.
قال أبو داود: ورواه الأشجعي عن سفيان، عن منصور، فقال: عن هلال، عن ابن حبان، عن عبد الله بن ظالم، عن سعيد، تابعه قاسم الجرمي عن سفيان، وصححه الترمذي. وجاء عن سفيان، عن منصور وحصين، عن هلال عن سعيد نفسه.
أبو قلابة الرقاشي: حدثنا عمر بن أيوب، حدثنا محمد بن معن الغفاري،
1 أخرجه الخطيب في "تاريخه""12/ 149-150" وأخرجه الطبراني في "الكبير""3801" مختصرا.
2 صحيح: أخرجه أبو داود "4648" في كتاب السنة، باب: في الخلفاء، والترمذي "3778" في كتاب المناقب، باب: مناقب سعيد بن زيد، وابن ماجه "134" في المقدمة، باب: في فضائل أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأبو نعيم في "الحلية""5928" وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
حدثنا مجمع بن يعقوب، عن أبيه، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مجمع أن عمر قال لأم كلثوم بنت عقبة، امرأة عبد الرحمن بن عوف: أقال لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "انكحي سيد المسلمين عبد الرحمن بن عوف؟ " قالت: نعم1.
علي بن المديني: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح أن عمر سأل أم كلثوم بنحوه. ويروى عن حصين، عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّهِ أم كلثوم نحوه.
معمر: عن الزهري: حدثني عبيد الله بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أعطى رهطا فيهم عبد الرحمن بن عوف، فلم يعطه، فخرج يبكي. فلقيه عمر فقال: ما يبكيك؟ فذكر له، وقال: أخشى أن يكون منعه موجدة وجدها علي.
فأبلغ عمر رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "لكني وكلته إلى إيمانه"2.
قريش بن أنس: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ:"خِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِي"، فأوصى لهن عبد الرحمن بحديقة، قومت بأربعمائة ألف3.
قال عبد الله بن جعفر الزهري: حدثنا أُمُّ بَكْرٍ بِنْتَ الْمِسْوَرِ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بَاعَ أَرْضًا لَهُ مِنْ عُثْمَانَ بِأَرْبَعِينَ أَلْفِ دينار، فقسمه فِي فُقَرَاءِ بَنِي زُهْرَةَ، وَفِي الْمُهَاجِرِينَ، وَأُمَّهَاتِ المؤمنين.
قال المسور: فأتيت عائشة بنصيبها، فقالت: من أرسل بهذا؟ قلت: عبد الرحمن. قَالَتْ: أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لا يحنو عليكن بعدي إلا الصابرون". سَقَى اللَّهُ ابْنَ عَوْفٍ مِنْ سَلْسَبِيلِ الْجَنَّةِ4.
1 إسناده ضعيف: أبو قلابة الرقاشي هو عَبْد الملك بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه، قال الحافظ ابن حجر في "التقريب" "4210": صدوق يخطئ تغير حفظه لما سكن بغداد.
2 مرسل.
3 في إسناده نظر: قريش بن أنس ثقة، ولكنه اختلط قبل موته بست سنين كما في "الميزان""6892". والحديث أخرجه الترمذي "3771" في كتاب المناقب، باب: مناقب عبد الرحمن بن عوف، دون ذكر المرفوع منه، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
4 حسن: أخرجه الترمذي "3370" في المصدر السابق، وزاد "وقد كان وصل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بمال بيعت بأربعين ألفا، وقال الألباني في "صحيح الجامع" "2002" حسن. وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" "312" من حديث المسور.
أخرجه أحمد في "مسنده".
علي بن ثابت الجزري، عن الوازع، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نساءه في مرضه فقال: "سيحفظني فيكن الصابرون الصادقون"1.
ومن أفضل أعمال عبد الرحمن عزله نفسه من الأمر وقت الشورى، واختياره للأُمة من أشار به أهل الحل والعقد، فنهض في ذلك أتم نهوض على جمع الأمة على عثمان، ولو كان محابيا فيها لأخذها لنفسه، أو لولاها ابن عمه وأقرب الجماعة إليه سعد بن أبي وقاص.
ويروى عن عبد الله بن نيار الأسلمي، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عوف ممّن يُفْتي فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر بما سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ يزيد بن هارون: حدثنا أبو الْمُعَلَّى الْجَزَرِيُّ، عَنْ مَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابن عمر، أن عبد الرحمن قال لأهل الشُّورَى: هَلْ لَكُمْ أَنْ أَخْتَارَ لَكُمْ وَأَنْفَصِلُ منها؟ قال علي: نعم. أَنَا أَوَّلُ مَنْ رَضِيَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"إنك أمين في أهل السماء، أمين في أهل الأرض"2.
أخرجه الشاشي، في "مسنده" وأبو المعلى ضعيف.
ذكر مجالد، عن الشعبي أن عبد الرحمن بن عوف حج بالمسلمين في سنة ثلاث عشرة3.
جويرية بن أسماء: عن مالك، عن الزهري، عن سعيد أن سعد بن أبي وقاص أرسل إلى عبد الرحمن رجلا وهو قائم يخاطب: أن ارفع رأسك إلى أمر
1 إسناده ضعيف جدا: الوازع هو ابن نافع، متروك، كما في "الميزان""9320".
2 إسناده ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "2/ 71" وأبو المعلى الجزري هو فرات بن السائب، متروك كما في "الميزان""6689".
3 مرسل إسناده ضعيف.
الناس. أي إلى نفسك. فقال عبد الرحمن: ثكلتك أمك! إنه لن يلي هذا الأمر أحد بعد عمر إلا لامه الناس.
تابعه أبو أويس عبد الله، عن الزهري.
ابن سعد: أنبأنا عبد العزيز الأويسي، حدثنا عبد الله بن جعفر، عن أم بكر، عن أبيها المسور قال: لما ولي عبد الرحمن بن عوف "الشوري" كان أحب الناس إليَّ أنه يليه، فإن ترك، فسعد. فلحقني عمرو بن العاص فقال: ما ظن خالك عبد الرحمن بالله، إن أولى هذا الأمر أحدا، وهو يعلم أنه خير منه؟ فأتيت عبد الرحمن فذكرت ذلك له.
فقال: والله لأن تؤخذ مدية، فتوضع في حلقي ثم ينفذ بها "إلى الجانب الآخر"، أحب إليَّ من ذلك.
ابن وهب: حدثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أبي عبيد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أزهر، عن أبيه، عن جده أَنَّ عُثْمَانَ اشْتَكَى رُعَافًا، فَدَعَا حُمْرَانَ، فَقَالَ: اكْتُبْ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَهْدَ مِنْ بَعْدِي، فَكَتَبَ له، وانطلق حمران إلى عبد الرحمن، فقال: البشرى! قال: وما ذاك؟ قال: إن عثمان قد كَتَبَ لَكَ الْعَهْدَ مِنْ بَعْدِهِ. فَقَامَ بَيْنَ القبر والمنبر، فدعا فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مِنْ تَوْلِيَةِ عُثْمَانَ إياي هذا الأمر، فأمتنى قبله. فلم يمكث إلا ستة أشهر حتى قبضه الله.
يعقوب بن محمد الزهري: حدثنا إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ رجل، عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال: كان أهل المدينة عيالا على عبد الرحمن بن عوف: ثلث يقرضهم ماله، وثلث يقضي دينهم، ويصل ثلثا1.
مبارك بن فضالة: عن عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: كان بين طلحة وابن عوف تباعد. فمرض طلحة، فجاء عبد الرحمن يعوده، فقال طلحة: أنت والله يا أخي خير مني. قال: لا تفعل يا أخي، قال: بلى والله؛ لأنك لو مرضت ما عدتك2.
ضمرة بن ربيعة، عن سعد بْن الحسن قَالَ: كان عبد الرحمن بْن عوف لَا يُعرف من بين عبيده.
1 إسناده ضعيف: للجهالة فيه.
2 إسناده ضعيف: علي بن زيد ضعيف الحفظ، ومبارك يدلس، وقد عنعنه.
شعيب بن أبي حمزة: عن الزهري، حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن، قال: غشي على عبد الرحمن بن عوف في وجعه حتى ظنوا أنه قد فاضت نفسه، حتى قاموا من عنده، وجللوه. فأفاق يكبر، فكبر أهل البيت، ثم قال لهم: غشي على آنفا؟ قالوا: نعم. قال: صدقتم! انطلق بي في غشيتي رجلان أجد فيهما شدة وفظاظة، فقالا: انطلق نحاكمك إلى العزيز الأمين، فانطلقا بي حتى لقيا رجلا، قال: أين تذهبان بهذا؟ قالا: نحاكمه إلى العزيز الأمين. فقال: ارجعا، فإنه من الذين كتب الله لهم السعادة والمغفرة وهم في بطون أمهاتهم، وإنه سيمتع به بنوه إلى ما شاء الله، نعاش بعد ذلك شهرا.
رواه الزبيدي وجماعة عن الزهري، ورواه سعيد بن إبراهيم عن أبيه.
ابن لهيعة: عن أبي الأسود، عن عروة أن عبد الرحمن بن عوف أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله، فكان الرجل يعطى منها ألف دينار1.
وعن الزهري أن عبد الرحمن أوصى للبدريين، فوجدوا مائة، فأعطى كل واحد منهم أربعمائة دينار، فكان منهم عثمان، فأخذها.
وبإسناد آخر، عن الزهري: أن عبد الرحمن أوصى بألف فرس في سبيل الله.
قال إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ: عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: سمع عليا يقول يوم مات عبد الرحمن بن عوف: اذهب يابن عوف! فقد أدركت صفوها وسبقت زنقها.
الرنق: الكدر.
قال سعد بن إبراهيم، عن أبيه قال: رأيت سعدا في جنازة عبد الرحمن بن عوف، وهو بين يدي السرير، وهو يقول: واجبلاه!
رواه جماعة عن سعد.
معمر: عن ثابت، عن أنس قال: رأيت عبد الرحمن بن عوف، قسم لكل امرأة من نسائه بعد موته مائة ألف.
وروى هشام عن ابن سيرين قال: اقتسمن ثمنهن ثلاثمائة ألف وعشرين ألفا.
1 إسناده ضعيف: ابن لهيعة ضعيف.
وروى نحوه ليث بن أبي سليم، عن مجاهد.
وقد استوفى صاحب تاريخ دمشق أخبار عبد الرحمن في أربعة كراريس.
ولما هاجر إلى المدينة كان فقيرا لا شيء له، فآخى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وبين سعد بن الربيع أحد النقباء، فعرض عليه أن يشاطره نعمته، وأن يطلق له أحسن زوجتيه، فقال له: بارَكَ الله لك في أهلك ومالك، ولكن دلني على السوق. فذهب. فباع واشترى، وربح ثم لم ينشب أن صار معه دراهم، فتزوج امرأة على زنة نواة من ذهب، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وقد رأى عليه أثرا من صفرة:"أولم ولو بشاة" 1، ثم آل أمره في التجارة إلى ما آل.
أرخ المدائني، والهيثم بن عدي، وجماعة وفاته في سنة اثنتين وثلاثين وقال المدائني: ودفن بالبقيع، وقال يعقوب بن المغيرة: عاش خمسا وسبعين سنة.
قال أبو عمر بن عبد البر: كان مجدودا في التجارة. خلف ألف بعير، وثلاثة آلاف شاة، ومائة فرس، وكان يزرع بالجرف على عشرين ناضجا.
قلت: هذا هو الغني الشاكر، وأويس فقير صابر، وأبو ذر أو أبو عبيدة زاهد عفيف.
حسين الجعفي: عن جعفر بن برقان قال: بلغني أن عبد الرحمن بن عوف أعتق ثلاثين ألف بيت.
10-
"ع" سعد بن أبي وقاص "ت 55هـ" واسم أبي وقاص: مالك بن أهيب بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ بْن مُرَّة بْن كعب بْن لؤي.
الأمير أبو إسحاق القرشي الزهري المكي. أحد العشرة، وأحد السابقين الأولين، وأحد من شهد بدرا والحديبية، وأحد الستة أهل الشورى.
1 صحيح: أخرجه البخاري "2049" في كتاب البيوع، باب: ما جاء في قول الله عز وجل: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} الآية، ومسلم "1427" في كتاب النكاح، باب: الصداق، والترمذي "1940" في كتاب البر والصلة، باب: مواساة الأخ، وابن ماجه "1907" في كتاب النكاح، باب: الوليمة، وأحمد "3/ 271، 274، 278" من حديث أنس.
روى جملة صالحة من الحديث، وله في "الصحيحين" خمسة عشر حديثا، وانفرد له البخاري بخمسة أحاديث، ومسلم بثمانية عشر حديثا.
حدث عنه: ابن عمر، وعائشة، وابن عباس، والسائب بن يزيد، وبنوه: عامر، وعمر، ومحمد، ومصعب، وإبراهيم، وعائشة، وقيس بن أبي حازم، وسعيد بن المسيب، وأبو عثمان النهدي، وعمرو بن ميمون، والأحنف بن قيس، وعلقمة بن قيس، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، ومجاهد، وشريح بن عبيد الحمصي، وأيمن المكي، وبشر بن سعيد، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو صالح ذكوان، وعروة بن الزبير، وخلق سواهم.
أخبرنا محمد بن عبد السلام بن المطهر التميمي، أنبأنا عبد المعز بن محمد، في كتابه، أنبأنا تميم بن أبي سعيد، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن، أنبأنا أبو عمرو ابن حمدان، أنبأنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا علي بن الجعد، أنبأنا شعبة، عن أبي عون: سمعت جابر بن سمرة قال: قال عمر لسعد: قد شكوك في كل شيء حتى في الصلاة.
قال: أما أنا، فإني أمد في الأوليين وأحذف في الأخريين، وما آلو ما اقتديت به من صَلاةُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ذاك الظن بك، أو كذاك الظن بك1.
أبو عون الثقفي. هو محمد بن عبيد الله، متفق عليه.
وبه، إلى أبي يعلى: حدثنا زهير، حدثنا إسماعيل بن عمر، حدثنا يونس بن أبي إسحاق، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سعد، حدثني والدي، عن أبيه قال: مررت بعثمان في المسجد، فسلمت عليه، فملأ عينيه "مني" ثم لم يرد علي السلام: فأتيت عمر، فقلت: يا أمير المؤمنين! هل حدث في الإسلام شيء؟ قال: "لا" وما ذاك؟ قلت: "لا إلا" إني مررت بعثمان آنفا، فسلمت، "عليه فملأ عينيه
1 صحيح: أخرجه البخاري "755" في كتاب الأذان، باب: وجوب القراءة للإمام، ومسلم "453" في كتاب الصلاة، باب: القراءة في الظهر والعصر، وأبو داود "803" في كتاب الصلاة، باب: تخفيف الأخريين، والنسائي "2/ 174" في كتاب الافتتاح، باب: الركود في الركعتين الأوليين.
مني" فلم يرد عليَّ. فأرسل عمر إلى عثمان، فأتاه، فقال: ما يمنعك أن تكون رددت على أخيك السلام؟ قال: ما فعلت: قلت: بلى، حتى حلف وحلفت، ثم إنه ذكر فقال: بلى، فأستغفر الله وأتوب إليه، إنك مررت بي آنفا، وأنا أحدث نفسي بكلمة سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا والله ما ذكرتها قط إلا يغشى بصري وقلبي غشاوة. فقال سعد: فأنا أنبئك بها. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذكر لنا أول دعوة، ثم جاءه أعرابي فشغله، ثم قام رسول الله، فاتبعته، فلما أشفقت أن يسبقني إلى منزله، ضربت بقدمي الأرض، فالتفتَ إلي، فالتفت، فقال: "أبو إسحاق"؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: "فَمَهْ" قلت: لا والله، إلا أنك ذكرت لنا أول دعوة ثم جاء هذا الأعرابي، فقال: "نعم، دعوة ذي النون:{لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} 1. فإنها لم يَدْعُ بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له" 2.
أخرجه الترمذي من طريق الفريابي، عن يونس.
ابن وهْب: حَدَّثَنِي أسامة بْن زيد اللَّيْثي، حدثني ابن شهاب أن عبد الرحمن بن المسور قال: خرجت مع أبي، وسعد، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث عام أذرح. فوقع الوجع بالشام، فأقمنا بسرغ خمسين ليلة، ودخل علينا رمضان، فصام المسور وعبد الرحمن، وأفطر سعد وأبي أن يصوم، فقلت له: يا أبا إسحاق! أَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وشهدت بدرا. وأنت تفطر وهما صائمان؟ قال: أنا أفقه منهما.
ابن جريج: حدثني زكريا بن عمرو أن سعد بن أبي وقاص وفد على معاوية، فأقام عنده شهرا يقصر الصلاة، وجاء شهر رمضان. فأفطره منقطع.
شعبة وغيره: عن حبيب بن أبي ثابت سمعت عبد الرحمن بن المسور قال: كنا في قرية من قرى الشام يقال لها: عمان، ويصلى سعد ركعتين، فسألناه، فقال: إنا نحن أعلم.
1 سورة الأنبياء: 87.
2 أخرجه أحمد "1/ 170"، وأخرجه الترمذي "3516" في كتاب الدعوات، باب:"81" مختصرا على المرفوع، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
ابن عيينة: عن عمرو قال: شهد سعد وابن عمر الحكمين.
ابن عيينة عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المسيب، عن سعد: قلت: يا رسول الله من أنا؟ قال: "سعد بن مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة، من قال غير هذا، فعليه لعنة الله"1.
قال ابن سعد: وأمه حمة بِنْت سفيان بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْد شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مناف.
قال ابن منده: أسلم سعد ابن سبع عشرة سنة. وكان قصيرا، دحداحا، شثن الأصابع، غليظا، ذا هامة. توفي بالعقيق في قصره، على سبعة أميال من المدينة. وحمل إليها سنة خمس وخمسين.
الواقدي: عن بكير بن مسمار عن عائشة بنت سعد قالت: كان أبي رجلا قصيرًا، دحداحًا غليظًا، ذا هامة، شثن الأصابع، أشعر، يخضب بالسواد.
وعن إسماعيل بن محمد بن سعد، قال: كان سعد جعد الشعر، أشعر الجسد، آدم، أفطس، طويلا.
يعقوب بن محمد الزهري: أنبأنا إسحاق بن جعفر، وعبد العزيز بن عمران، عن عبد الله بن جعفر بن المسور، عن إسماعيل بن محمد بن سعد، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عمير بن أبي وقاص عن بدر، استصغره، فبكى عمير، فأجازه، فعقدت عليه حمالة سيفه، ولقد شهدت بدرا وما في وجهي شعرة واحدة أمسحها بيدي2.
جماعة: عن هاشم بن هاشم، عن سعيد بن المسيب، سمعت سعدا يقول: ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت، ولقد مكثت سبع ليال وإني لثلث الإسلام3.
1 إسناده ضعيف: أخرجه الخطيب البغدادي في "تاريخه""1/ 144" وعلي بن زيد ضعيف الحفظ.
2 إسناده ضعيف: يعقوب بن محمد الزهري ضعيف الحفظ كما في "الميزان""9826"، وعبد العزيز بن عمران متروك، ولكنه توبع.
3 صحيح: أخرجه البخاري "3726" في كتاب فضائل الصحابة، باب: مناقب سعد بن أبي وقاص، وابن ماجه "132" في المقدمة، باب: في فضائل أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وقال يوسف بن الماجشون: سمعت عائشة بنت سعد تقول: مكث أبي يوما إلى الليل وإنه لثلث الإسلام.
إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ: عَنْ قَيْسٍ قَالَ: قال سعد بن مالك: مَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد قبلي. ولقد رأيته وإنه ليقل لي: "يا سعد ارم فداك أبي وأمي"1.
وإني لأول المسلمين رمى المشركين بسهم. ولقد رأيتني مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَابِعَ سَبْعَةٍ مَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا وَرَقَ السَّمُرِ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ كما تَضَعُ الشَّاةُ، ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُنِي عَلَى الْإِسْلَامِ، لَقَدْ خِبْتُ إِذَنْ وَضَلَّ سَعْيِي2.
متفق عليه، رواه جماعة عن إسماعيل.
وروى المسعودي عن القاسم بْن عَبْد الرَّحْمَن: أوّل من رمى بسهم في سبيل الله، سعد، وإنه من أخوال النبي -صلى الله عليه وسلم3.
حاتم بن إسماعيل: عن بُكَيْرُ بْنُ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ لَهُ أَبَوَيْهِ. قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَحْرَقَ الْمُسْلِمِينَ. فَقَالَ رسول الله: "ارم فداك أبي وأمي" فَنَزَعْتُ بِسَهْمٍ لَيْسَ فِيهِ نَصْلٌ، فَأَصَبْتُ جَبْهَتَهُ، فوقع وانكشفت عَوْرَتُهُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بدت نواجذه4.
1 صحيح: أخرجه البخاري "4055" في كتاب المغازي، باب: قوله تعالى: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا} ، ومسلم "2414" في كتاب فضائل الصحابة، باب: فضل سعد بن أبي وقاص، والترمذي "3775" في كتاب المناقب، باب: مناقب سعد بن أبي وقاص، وابن ماجه "130" في المصدر السابق.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3728" في كتاب فضائل الصحابة، باب: مناقب سعد بن أبي وقاص، ومسلم "2966" في أول كتاب الزهد، والترمذي "2372"، 2373" في كتاب الزهد، باب: معيشة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفي "الشمائل" له "374" وأبو نعيم في "الحلية" "31".
3 صحيح: ورد مفرقا، وأما شطره الأول فقد ورد ضمن الحديث السابق وأما شطره الثاني فقد أخرج الترمذي "3773" في المصدر السابق، عن جابر قال: أقبل سعد فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "هَذَا خالي فليرني امرؤ خاله"، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
4 صحيح: تقدم تخريجه.
عبد الله بن مصعب، حدثنا موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قَالَ: قَتَلَ سَعْدٌ يَوْمَ أُحُدٍ بِسَهْمٍ رُمِيَ به، فقتل، فرد عليهم فرموا به، فأخذه سعد، فرمى به الثانية، فقتل، فرد عليهم، فرمى به الثالثة، فقتل، فعجب الناس مما فعل، إسناده منقطع.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنِ بعض آل سعد، عن سعد أنه رمى يوم أحد، قال: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يناولني النبل ويقول: "ارم فداك أبي وأمي" حتى إنه ليناولني السهم ما له من نصل، فأرمى به1.
قال ابن المسيب: كان جيد الرمي، سمعته يقول: جَمَعَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد2.
أخرجه البخاري. وقد ساقه الحافظ ابن عساكر من بضعة عشر وجها. وساق حديث ابن أبي خالد عن قيس من سبعة عشر طريقا بألفاظها، وبمثل هذا كبر تاريخه. وساق حديث عبد الله بن شداد عن علي: ما سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جمع أبويه لأحد غير سعد3، من ستة عشر وجها. رواه مسعر وشعبة وسفيان، عن سعد بن إبراهيم، عنه.
ابن عيينة: عن يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قال علي: ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يجمع أَبويه لأحد غير سعد4. تفرد به ابن عيينة، وقد رواه شعبة وزائدة، وغيرهما عن يحيى بن سعيد، عن سعد، وهو أصح.
ابن زنجويه: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن عائشة بنت سعد، سمعتها تقول: أنا ابنة المهاجر الذي فداه رسول الله يوم أحد بالأبوين.
الأعمش: عن إبراهيم، قال عبد الله بن مسعود: لقد رأيت سعدا يقاتل يوم
1 إسناده ضعيف: وقد تقدم بنحوه.
2 صحيح: وقد تقدم.
3 صحيح: أخرجه الترمذي "3776" في المصدر السابق، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
4 صحيح: انظر السابق.
بدر قتال الفارس في الرجال1. رواه بعضهم عن الأعمش فقال: عن إبراهيم، عن علقمة.
يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ: عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرحمن الوقاصي، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سرية، فِيهَا سعد بن أبي وقاص إلى جانب من الحجاز يُدعى رابغ، وَهُوَ من جانب الجُحْفَة، فانكفأ المشركون على المسلمين، فحماهم سعد يومئذ بسهامه، فكان هذا أول قتال في الإسلام، فقال سعد:
ألا هل أتى رَسُول اللَّهِ أني
…
حَمَيْتُ صَحابتي بصدور نَبْلِي
فما يَعْتَدُّ رامٍ في عدُوٍ
…
بسهمٍ يا رسول الله قبلي2
وفي البخاري: لمروان بن معاوية: أخبرني هاشم بن هاشم، سمعت سعيد بن المسيب، سمعت سَعْدًا يَقُولُ: نَثَلَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كِنَانَتَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَقَالَ: "ارم! فداك أبي وأمي"3.
أنبأنا به أحمد بن سلامة، عن ابن كليب، أنبأنا ابن بيان، أنبأنا ابن مخلد، أخبرنا إسماعيل الصفار، حدثنا الصفار بن عرفة، حدثنا مروان فذكره.
القعنبي، وخالد بن مخالد قالا: حدثنا سليمان بْن بلال، عَنْ يحيى بْن سعيد، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عائشة قالت: أرق رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقَالَ:"ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة".
قالت: فسمعنا صوت السلاح، فقال رسول الله:"من هذا"؟ قال سعد بن أبي وقاص: أنا يا رسول الله جئت أحرسك، فنام رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى سمعت غطيطه4.
أبو بكر الحنفي عبد الكبير: حدثنا بُكَيْرُ بْنُ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ أن أباه سعدا، كان في غنم له، فجاء ابنه عمر، فلما رآه قال: أعوذ بالله من شر هذا
1 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 75".
2 مرسل.
3 صحيح: وقد تقدم.
4 صحيح: أخرجه البخاري "2885" في كتاب الجهاد، باب: الحراسة في الغزو، ومسلم "2410" في كتاب فضائل الصحابة، باب: في فضل سعد بن أبي وقاص، والترمذي "3777" في كتاب المناقب، باب: مناقب سعد بن أبي وقاص.
الراكب، فلما انتهى إليه، قال: يا أبة أرضيت أن تكون أعرابيا في غنمك، والناس يتنازعون في الملك بالمدينة، فضرب صدر عمر، وقال: اسكت، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"إن الله عز وجل يحب العبد التقي الغني الخفي"1.
روح، والأنصاري، واللفظ له: أنبأنا ابن عون، عن محمد بن محمد بن الأسود، عن عامر بن سعد قال: قال سعد: لقد رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضحك يوم الخندق، حتى بدت نواجذه. كان رجل معه ترس، وكان سعد راميا، فجعل يقول كذا يحوي بالترس، ويغطي جبهته، فنزع له سعد بسهم، فلما رفع رأسه، رماه فلم يخط هذه منه يعني جبهته فانقلب، وأشال برجله، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ فعله، حتى بدت نواجذه2.
يحيى القطان وجماعة: عن صدقة بن المثنى، حدثني جدي رياح بن الحارث، أن المغيرة كان في المسجد الأكبر، وعنده أهل الكوفة، "عن يمينه وعن يساره" فجاءه رجل "يدعى سعيد بن زيد، فحياه المغيرة وأجلسه عند رجليه على السرير، فجاء رجل من أهل الكوفة" فاستقبل المغيرة، فسب، وسب، فقال سعيد بن زيد: من يسب هذا يا مغيرة؟ قال: يسب علي بن أبي طالب، قال: يا مغير بن شعيب، يا مغير بن شعيب! ألا تسمع أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يسبون عندك، ولا تنكر ولا تغير؟ فأنا أشهد عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بما سمعت أذناني، ووعاه قلبي من رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فإني لم أكن أروى عنه كذبا، إنه قال:"أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعلي في الجنة وعثمان في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن في الجنة، وسعد بن مالك في الجنة"، وتاسع المؤمنين في الجنة، ولو شئت أن اسميه لسميته، فضج أهل المسجد يناشدونه: يا صاحب رسول الله! من التاسع؟ قال: ناشدتموني بالله والله عظيم، أنا هو، والعاشر رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاللَّهُ لمشهد شهده رجل مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أفضل من عمل أحدكم، ولو عُمِّر ما عُمِّر نوح3.
1 صحيح: أخرجه مسلم "2965" في أول كتاب الزهد، وأحمد "1/ 168، 177".
2 أخرجه أحمد "1/ 186".
3 صحيح: أخرجه أبو داود "4650" في كتاب السنة، باب: في الخفاء، وابن ماجه "133" في المقدمة، باب: في فضائل أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".
أخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، من طريق صدقة.
شعبة، عن الحر: سمعت رجلًا يقال "له""عبد" الرحمن بن الأخنس، قال: خطب المغيرة بن شعبة فنال من علي، فقام سعيد بن زيد فقال: ما تريد إلى هذا. أشهد عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لقال: "عشرة في الجنة: رسول الله في الجنة، وأبو بكر في الجنة" 1 الحديث.
الحر هو ابن الصياح.
عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ: عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عبيد الله، حدثنا الحر، بنحوه.
ابن أبي بديك: حدثنا موسى بن يعقوب. عن عمر بن سعيد بن سريج، أن عبد الرحمن بن حميد حدثه، عن أبيه حميد بن عبد الرحمن، حدثني سعيد بن زيد في نفر، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:"عشرة في الجنة: أبو بكر في الجنة، وسمَّى فيهم أبا عبيدة"2.
ابن عيينة: عن سعير بن الخمس، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عمر: قال رسول الله: "عشرة من قريش في الجنة، أبو بكر، ثم سمى العشرة"3.
أخبرنا ابن أبي عمر وجماعة، إذنا، قالوا: أنبأنا حنبل، أنبأنا هبة الله، أنبأنا ابن المذهب، حدثنا أحمد بن جعفر، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة، عن حصين، عن هلال بن يساف، عن عبد الله بن ظالم قال: خطب المغيرة فنال من علي. فخرج سعيد بن زيد فقال: ألا تعجب من هذا يسب عليًّا، أشهد عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنا كنا على حراء أو أُحُدٍ، فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اثبت حراء أو أحد! فإنما عليك نبي أو صديق أو شهيد" فسمى النبي، وأبا بكر، وعمر، وعثمان وعليا،، وطلحة، والزبير، وسعدا، وعبد الرحمن. وسمى سعيد نفسه، رضوان الله عليهم4. وله طرق.
1 صحيح: أخرجه أبو داود "4649" في المصدر السابق، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".
2 صحيح: وقد تقدم.
3 في إسناده ضعف: حبيب بن أبي ثابت يدلس كما في "التقريب""1084" وقد عنعنه، وهو صحيح بما تقدم.
4 صحيح: وقد تقدم.
ومنها: عاصم بن علي: حدثنا محمد بن طلحة، عن أبيه، عن هلال بن يساف، عن سعيد نفسه، وقال:"اسكن حراء".
أخبرنا ابن أبي الخير، أنبأنا عبد الغني الحافظ، في كتابه إلينا، أنبأنا المبارك بن المبارك السمسار، أنبأنا النعالي، أنبأنا أبو القاسم بن المنذر، أنبأنا إسماعيل الصفار، حدثنا الدقيقي، حدثنا يونس بن محمد، حدثنا الليث، عن يزيد بن الهادي، عن أبي بكر بن حزم قال: جاءت أروى بنت أويس إلى محمد بن عمرو بن حزم فقالت: إن سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قد بنى ضفيرة في حقي، فأته، فكلمه، فوالله لئن لم يفعل، لأصيحن به فِي مسجد رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فأته، فكلمه، فوالله لئن لم يفعل، لأصيحن به فِي مسجد رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لها: لا تؤذي صاحب رسول الله! ما كان ليظلمك، ما كان ليأخذ لك حقا، فخرجت، فجاءت عمارة بن عمرو وعبد الله بن سلمة، فقالت لهما: ائتيا سعيد بن زيد، فإنه قد ظلمني، وبنى ضفيرة في حقي، فوالله لئن لم ينزع، لأصيحن به فِي مسجد رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فخرجا حتى أتياه في أرضه بالعقيق، فقال لهما: ما أتى بكما؟ قالا: جاء بنا أروى، زعمت أنك بنيت ضفيرة في حقها، وحلفت بالله لئن لم تنزع لتصيحن بك فِي مسجد رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فأحببنا أن نأتيك، ونذكرك بذلك، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:"من أخذ شبرا من الأرض بغير حق، طوقه يوم القيامة من سبع أرضين" لتأتين، فلتأخذ ما كان لها من حق، اللهم إن كانت علي، فلا تمتها حتى تعمي بصرها، وتجعل منيتها فيها. ارجعوا فأخبروها بذلك، فجاءت، فهدمت الضفيرة، وبنت بيتا، فلم تمكث إلا قليلا حتى عميت، وكانت تقوم من الليل، ومعها جارية تقودها، فقامت ليلة، ولم توقظ الجارية فسقطت في البئر، فماتت1.
هذا يؤخر إلى ترجمة سعيد بن زيد.
أحمد في "مسنده": حدثنا سليمان بن داود الهاشمي، حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عن سعد قال: رأيت رجلين عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم ويساره يوم أحد، عليهما ثياب بيض، يقاتلان عنه كأشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد2.
1 صحيح: أخرجه البخاري "3198" في كتاب بدء الخلق، باب: ما جاء في سبع أرضين، ومسلم "1610" في كتاب المساقاة، باب: تحريم الظلم.
2 صحيح: أخرجه البخاري "4045" في كتاب المغازي، باب: قوله تعالى {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا} ، ومسلم "2306" في كتاب الفضائل، باب: في قتال جبريل وميكائيل، وأحمد "1/ 177"، وأبو نعيم في "الحلية""3701"، والبيهقي في "الدلائل""3/ 254".
الثوري: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ ابن مسعود قال: اشتركت أنا، وسعد، وعمار، يَوْم بدر فيما أصبنا من الغنيمة، فجاء سعد بأسيرين، ولم أجئ أنا وعمار بشيء1.
شريك: عن أبي إسحاق قال: أشد الصحابة أربعة: عمر، وعلي، والزبير، وسعد.
أبو يعلى في "مسنده" حدثنا محمد بن المثني، حدثنا عبد الله بن قيس الرقاشي، حدثنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قَالَ: كنا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "يدخل عليكم من هذا الباب رجل من أهل الجنة" فطلع سعد بن أبي وقاص2.
رشدين بن سعد: عن الحجاج بن شداد، عن أبي صالح الغفاري، عن عبد الله بن عمرو أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أول من يدخل من هذا الباب رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ" فَدَخَلَ سَعْدُ بْنُ أبي وقاص3.
ابن وهب: أخبرني حيوة، أخبرنا عقيل، عن ابن شهاب، حدثني من لا أتهم، عن أنس قال: بينا نحن جلوس عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة" فطلع سعد4.
الثوري، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن سعد {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} 5. قال: نزلت في ستة أنا وابن مسعود منهم6.
1 ضعيف: أخرجه أبو داود "3388" في كتاب البيوع، باب: في الشركة على غير رأس مال، والنسائي "7/ 319" في كتاب البيوع، باب: الشركة بغير مال، وابن ماجه "2288" في كتاب التجارات، باب: الشركة والمضاربة، وقال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" "735": ضعيف.
2 إسناده ضعيف: عبد الله بن قيس الرقاشي فيه ضعف كما في "الميزان""4518" وانظر الآتي.
3 إسناده ضعيف: رشدين بن سعد ضعيف كما في "التقريب""1942".
4 إسناده ضعيف: للجهالة فيه.
5 سورة الأنعام، الآية "52".
6 صحيح: أخرجه مسلم "2413" في كتاب فضائل الصحابة، باب: فضل سعد بن أبي وقاص، وابن ماجه "4128" في كتاب الزهد، باب: مجالسة الفقراء، وأبو نعيم في "الحلية""1215".
مسلمة بن علقمة: حدثنا داود بن أبي هند، عن أبي عثمان أن سعدا قال: نزلت هذه الآية في {وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} 1. قال: كنت برا بأمي، فلما أسلمت، قالت: يا سعد! ما هذا الدين الذي قد أحدثت؟ لتدعن دينك هذا، أو لا آكل، ولا أشرب، حتى أموت، فتعير بي، فيقال: يا قاتل أمه، قلت: لا تفعلي يا أمه، إني لا أدع ديني هذا لشيء، فمكثت يوما لا تأكل ولا تشرب وليلة، وأصبحت وقد جهدت، فلما رأيت ذلك، قلت: يا أمه! تعلمين والله لو كان لك مائة نفس، فخرجت نفسا نفسا، ما تركت ديني. إن شئت فكلي أو لا تأكلي فلما رأت ذلك، أكلت2.
رواه أبو يعلى في "مسنده".
مجالد: عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أقبل سعد بن مالك فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "هَذَا خالي، فليرني امرؤ خاله"3.
قلت: لأن أم النبي صلى الله عليه وسلم زهرية، وهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف، ابنة عم أبي وقاص.
يحيى القطان: عن الجعد بن أوس، حدثتني عائشة بنت سعد قالت: قال سعد: اشتكيت بمكة، فدخل عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يعودني، فمسح وجهي وصدري وبطني، وقال:"اللهم اشف سعدا" فما زلت يخيل إلي أني أجد برد يده صلى الله عليه وسلم على كبدي حتى الساعة4.
أخرجه البخاري والنسائي.
أحمد في "مسنده": حدثنا أبو المغيرة، حدثنا معان بن رفاعة، حدثني علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة قال: جلسنا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فذكرنا، ورققنا.
1 سورة العنكبوت، الآية "8".
2 صحيح: أخرجه مسلم "1748" في المصدر السابق، والترمذي "3200" في كتاب التفسير باب: ومن سورة العنكبوت.
3 صحيح: وقد تقدم.
4 صحيح: أخرجه البخاري "5659" في كتاب المرضى، باب: وضع اليد على المريض، وأخرج أصله النسائي "6/ 241، 244" في كتاب الوصايا، باب: الوصية بالثلث.
فبكى سعد بن أبي وقاص، فأكثر البكاء. فقال: يا ليتني مت! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا سعد أتتمنى الموت عندي"؟ فردد ذلك ثلاث مرات، ثم قال:"يا سعد! إن كنت خلقت للجنة، فما طال عمرك أو حسن من عملك، فهو خير لك"1.
محمد بن الوليد البسري، حدثنا يحيى بن سعيد، عن إسماعيل، عن قيس أخبرني سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: $"اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ لِسَعْدٍ إِذَا دَعَاكَ"2.
رواه جعفر بن عون، عن إسماعيل، عن قيس أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَهُ.
عبد الرحمن بن مغراء: عن سعيد بن المرزبان، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ أحد:"اللهم استجب لسعد" ثلاث مرات3.
ابن وهب: حدثني أبو صخر: عن يزيد بن قسيط، عن إسحاق بن سعد بن أبي وقاص، حدثني أبي: أن عبد الله بن جحش قال يوم أحد: ألا تأتي ندعو الله تعالى، فخلوا في ناحية، فدعا سعد، فقال: يا رب! إذا لقينا العدو غدا، فلقني رجلا شديدا بأسه، شديدا حرده، أقاتله، ويقاتلني، ثم ارزقني الظفر عليه، حتى أقتله وآخذ سلبه.
فأمن عبد الله، ثم قال: الله ارزقني غدا رجلا شديدا بأسه، شديدا حرده، فأقاتله، ويقاتلني، ثم يأخذني، فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غدا قلت لي: يا عبد الله! فيم جدع أنفك وأذناك؟ فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول: صدقت.
قال سعد: كانت دعوته خيرا من دعوتي، فلقد رأيته آخر النهار، وإن أنفه وأذنه لمعلق في خيط.
أبو عوانة وجماعة: حدثنا عَبْد الْمَلِكِ بْنِ عُمَير، عَن جَابِرِ بْنِ سمرة قال:
1 إسناده ضعيف: أخرجه أحمد "5/ 266-267" وعلي بن يزيد هو الألهاني، ضعيف الحفظ.
2 صحيح: أخرجه الترمذي "3772" في كتاب المناقب، باب: مناقب سعد بن أبي وقاص، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
3 إسناده ضعيف: سعيد بن المرزبان ضعيف كما في "الميزان""3271".
شكا أهل الكوفة سعدا إلى عمر، فقالوا: إنه لا يحسن أن يصلي. فقال سعد: أما أنا، فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله، صلاتي في العشي لا أحرم منها، أركُد في الأوليين وأحذَف في الأخريين، فقال عمر: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق. فبعث رجالا يسألون عنه بالكوفة، فكانوا لَا يأتون مسجدًا من مساجد الْكُوفَة، إلا قالوا خيرا، حتى أتوا مسجدا لبني عبْس، فَقَالَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو سعدة: أما إذ نشدتمونا باللَّه، فإِنَّهُ كَانَ لَا يَعدل في القضية، ولا يقسم بالسوية، ولا يسير بالسرية، فَقَالَ سعد: اللَّهم إن كَانَ كاذبًا، فأعْمِ بصره، وأطل عُمره، وعرضه للفِتَن. قَالَ عَبْد الملك: فأنا رأيته بعدُ يتعرض للإماء في السكك. فإذا سئل كيف أنت؟ يقول: كبير فقير مفتون، أصابتني دعوة سعد1. متفق عليه.
محمد بن جحادة: حدثنا الزبير بن عدي، عن مصعب بن سعد أن سعدا خطبهم بالكوفة فقال: يَا أَهْل الْكُوفَة! أي أمير كنت لكم؟ فقام رجل فقال: اللهم إن كنت مَا علمتك لَا تعدل في الرعية، وَلَا تقسم بالسوية، وَلَا تغزو في السرية، فَقَالَ سعد: اللَّهم إن كَانَ كاذبًا، فاعْمٍ بصره، وعجل فَقْره، وأطِل عُمُرَه، وعرضه للفتن.
قال: فما مات حتى عمي، فكان يلتمس الجدرات، وافتقر حتى سأل، وأدرك فتنة المختار فقتل بها.
عمرو بن مرزوق: حدثنا شُعْبة، عَن سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سَعِيدِ بن المسيب قال: خرجت جارية لسعد عليها قميص جديد، فكشفتها الرِّيحُ، فَشَدَّ عُمَرُ عَلَيْهَا بِالدَّرَّةِ، وَجَاءَ سَعْدٌ ليمنعه، فتناوله بالدرة، فذهب سعد يدعو عَلَى عُمَرَ، فَنَاوَلَهُ الدَّرَّةَ وَقَالَ: اقْتَصْ، فَعَفَا عن عمر.
أسد بن موسى: حدثنا يحيى بن زكريا، حدثنا إسماعيل عن قيس قال: كان لابن مسعود على سعد مال: فقال له ابن مسعود: أد المال! قال: ويحك مالي، ولك؟ مال: أد المال الذي قبلك. فقال سعد: والله إني لأراك لاق مني شرا، هل أنت إلا ابن مسعود وعبد بني هذيل. قال: أجل والله! وإنك لابن
1 صحيح: وقد تقدم.
حمنة: فقال لهما هاشم بن عتبة: إنكما صاحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليكما الناس. فطرح سعد عودا كان في يده، ثم رفع يده، فقال: اللهم رب السماوات! فقال له عبد الله: قل قولا ولا تلعن، فسكت، ثم قال سعد: أما والله لولا اتقاء الله، لدعوت عليك دعوة لا تخطئك.
رواه ابن المديني، عن سفيان، عن إسماعيل وكان قد أقرضه شيئا من بيت المال.
ومن مناقب سعد أن فتح العراق كان على يدي سعد، وهو كان مقدم الجيوش يوم وقعة القادسية، ونصر الله دينه، ونزل سعد بالمدائن، ثم كان أمير الناس يوم جلولاء فكان النصر على يده، واستأصل الله الأكاسرة.
فروى زِيَادٌ الْبَكَّائِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عن قبيصة بن جابر قال: فقال ابن عم لنا رجل منا يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ نصره
…
وسعد بباب الْقَادِسِيَّةِ مُعْصمٌ
فَأُبْنَا وَقَدْ آمَتْ نِسَاءٌ كَثِيرَةٌ
…
ونسوة سعد ليس فيهن أيم
فلما بلغ سعدا قال: اللهم اقطع عني لسانه ويده. فجاءت نشابة أصابت فَاهُ، فَخَرَسَ، ثُمَّ قُطِعَتْ يَدُهُ فِي الْقِتَالِ. وَكَانَ فِي جَسَدِ سَعْدٍ قُرُوحٌ، فَأَخْبَرَ النَّاسَ بعذره عن شهود القتال.
وروى نحوه سيف بن عمر، عن عبد الملك.
هشيم: عن أبي مسلم، عن مصعب بن سعد، إن رجلًا نال من عليّ، فنهاه سعد، فلم ينته، فدعا عَلَيْهِ. فما برح حَتَّى جاء بعير ناد1 فخبطه حتى مات.
ولهذه الواقعة طرق جمة رواها ابن أبي الدنيا في "مجابي الدعوة" وروى نحوها الزبير بن بكار، عن إبراهيم بن حمزة، عن أبي أسامة، عن ابن عون، عن محمد بن محمد الزهري، عن عامر بن سعد. وحدث بها أبو كريب، عن أبي أسامة. ورواه ابن حميد، عن ابن المبارك، عن ابن عون، عن محمد بن محمد بن الأسود.
1 ناد: شارد.
وقرأتها على عمر بن القواس، عن الكندي، أنبأنا أبو بكر القاضي، أنبأنا أبو إسحاق البرمكي، حضورا، أنبأنا ابن ماسي، أنبأنا أبو مسلم، حدثنا الأنصاري، حدثنا ابن عون، وحدث بها ابن علية، عن محمد بن محمد.
ورواها ابن جدعان: عن ابن المسيب أن رجلا كان يقع في علي وطلحة والزبير، فجعل سعد ينهاه ويقول: لا تقع في إخواني، فأبى، فقام سعد: وصلى ركعتين ودعا، فجاء بختي يشق الناس، فأخذه بالبلاط، فوضعه بين كركرته والبلاط حتى سحقه، فأنا رأيت الناس يتبعون سعدا يقولون: هنيئا لك يا أبا إسحاق! استجيبت دعوتك1.
قلت: في هذا كرامة مشتركة بين الداعي والذين نيل منهم.
جرير الضبي: عن مغيرة، عَن أمه قالت: زرنا آل سعد، فرأينا جارية كان طولها شبرا. قلت: من هَذِهِ؟ قالْوَا: مَا تعرفينها؟ هَذِهِ بنت سعد، غمست يدها في طهوره، فقال: قطع الله قرنك، فما شبت بعد.
وروى عبد الرزاق: عن أبيه، عن مينا مولى عبد الرحمن بن عوف، أن امرأة كانت تطلع على سعد، فينهاها، فلم تنته، فاطلعت يوما وهو يتوضأ، فقال: شاه وجهك، فعاد وجهها في قفاها.
ميا: متروك2.
حاتم بن إسماعيل: حدثنا يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ "أَبِي" لَبِيبَةَ، عن جده قال: دعا سعد بن أبي وقاص فقال: يا رب! بني صغار فأخر عني الموت حتى يبلغوا، فأخر عنه الموت عشرين سنة3.
قال خليفة بن خياط: وفي سنة خمس عشرة وقعة القادسية، وعلى المسلمين سعد، وفي سنة إحدى وعشرين شكا أهل الكوفة سعدا أميرهم إلى عمر، فعزله.
1 إسناده ضعيف: ابن جدعان هو علي بن زيد، ضعيف الحفظ.
2 هو مينا بن أبي مينا، كذبه أبو حاتم، وقال ابن معين والنسائي. ليس بثقة. وقال الدارقطني: متروك. "الميزان""8981".
3 إسناده ضعيف: يحيى بن عبد الرحمن ضعفه ابن معين كما في "الميزان""9571".
وقال الليث بن سعد: كان فتح جلولاء سنة تسع عشرة، افتتحها سعد بن أبي وقاص.
قلت: قتل المجوس يوم جلولاء قتلا ذريعا، فيقال: بلغت الغنيمة ثلاثين ألف ألف درهم.
وعن أبي وائل قال: سميت جلولاء فتح الفتوح.
قال الزهري: لما استخلف عثمان، عزل عن الكوفة المغيرة، وأمر عليها سعدا.
وروى حصين، عن عمرو بن ميمون، عن عمر أنه لما أصيب، جعل الأمر شورى في الستة وقال، من استخلفوه فهو الخليفة بعدي، وإن أصابت سعدا، وإلا فليستعن به الخليفة بعدي، فإنني لم أنزعه، يعني عن الكوفة، من ضعف ولا خيانة.
ابن علية: حدثنا أيوب، عن محمد قال: نُبئت أن سعدًا قَالَ: مَا أزعم أني بقميصي هذا أحق مني بالخلافة، جاهدت وأنا أعرف بالجهاد، ولا أبخع نفسي إن كان رجلا خيرا مني، لا أقاتل حتى يأتوني بسيف له عينان ولسان، فيقول: هذا مؤمن وهذا كافر1 وتابعه معمر، عن أيوب.
أخبرنا أبو الغنائم القيسي، وجماعة، كتابة، قالوا: أنبأنا حنبل، أنبأنا هبة الله، أنبأنا ابن المذهب، أنبأنا القطيعي، حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا عبد الملك بن عمرو، حدثنا كثير بن زيد، عن المطلب، عن عمر بن سعد، عن أبيه أنه جاءه ابنه عامر فقال: أي بني! أفي الفتنة تأمرني أن أكون رأسا؟ لا والله، حتى أعطى سيفا، إن ضربت به مسلما، نبا عنه، وإن ضربت كافرا، قتله، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"إن الله يحب الغني الخفي التقي"2.
الزبير: حدثنا مُحَمَّد بْن الضَّحّاك الحِزَامِيّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قام عليٌّ على مِنبْرَ الكوفة، فقال حين اختلف الحَكَمان: لقد كنت نَهَيْتُكم عن هَذِهِ الحكومة، فعصيتموني. فقام إليه فتى آدم، فقال: إنك والله ما نهيتنا، بل أمرتنا وذمرتنا3،
1 إسناده ضعيف: أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 76" وفي إسناده جهالة.
2 صحيح: وقد تقدم.
3 ذمر: حض وشجع.
فَلَمَّا كان منها مَا تكرهُ، برَّأْتَ نَفْسَكَ، ونحلتنا ذنبك. فقال علي رضي الله عنه: مَا أنت وهذا الكلام قبَّحَكَ الله! واللهِ لقد كَانَتِ الجماعة، فكنت فيها خاملًا، فَلَمَّا ظهرت الفتنة، نجمت فيها نجوم قرن الماعز: ثم التفت إلى الناس فَقَالَ: للَّهِ منزل نزله سعد بن مالك، وعبد الله بن عمر، والله لئن كان ذنبا، إِنَّهُ لصغير مغفور، ولئن كَانَ حسنًا، إِنَّهُ لعظيم مشكور.
أبو نعيم: حدثنا أبو أحمد الحاكم، حدثنا ابن خزيمة، حدثنا عمران بن موسى، حدثنا عبد الوارث، حدثنا محمد بن جحاد، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي حازم، عن حسين بن خارجة الأشجعي قال: لما قُتل عثمان، أشكلت علي الفتنة، فقلت: اللهم أرني من الحق أمرا أتمسك به، فرأيت في النوم الدنيا والآخرة بينهما حائط، فهبطت الحائط، فإذا بنفر، فقالوا: نحن الملائكة، قلت: فأين الشهداء؟ قالوا: اصعد الدرجات، فصعدت درجة ثم أخرى، فإذا محمد وإبراهيم -صلى الله عليهما- وإذا محمد يقول لإبراهيم: استغفر لأمتي، قال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم اهرقوا دماءهم، وقتلوا إمامهم، ألا فعلوا كما فعل خليلي سعد؟ قال: قلت: لقد رأيت رؤيا، فأتيت سعدا، فقصصتها عليه، فما أكثر فرحا، وقال: قد خاب من لم يكن إبراهيم عليه السلام خليله، قلت: مع أي الطائفتين أنت؟ قال: ما أنا مع واحد منهما، قلت: فما تأمرني؟ قال: هل لك من غنم؟ قلت: لا، قال: فاشتر غنما، فكن فيها حتى تنجلي.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، أنبأنا أبو محمد بن قدامة، أنبانا هبة الله بن الحسن، أنبأنا عبد الله بن علي الدقاق، أخبرنا علي بن محمد، أنبأنا محمد بن عمرو، حدثنا سعدان بن نصر، حدثنا سفيان، عن الزهري، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ مرضت عام الفتح، مرضا أشفيت منه، فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يعودني، فقلت: يا رسول الله! إن لي مالا كثيرا، وليس يرثني إلا ابنة، أفأوصي بما لي كله؟ قال:"لا"، قال: فالشطر، قال:"لا"، قلت: فالثلث، قال:"والثلث كثير، إنك أن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس، لعلك تؤخر على جميع أصحابك، وإنك لن تتفق نفقة تريد بها وجه الله، إلا أجرت فيها، حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك"، قلت: يا رسول الله إني أرهب أن أموت بأرض هاجرت منها، قال: "لعلك أن تبقى حتى ينتفع بك أقوام
ويضر بك آخرون، اللهم امض لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خولة" يرثي له أنه مات بمكة1.
متفق عليه من طرق عن الزهري.
وعن علي بن زيد: عن الحسن قال: لما كان الهيج في الناس، جعل رجل يسأل عن أفاضل الصحابة، فكان لا يسأل أحدا إلا دله على سعد بن مالك2.
وروى عمر بن الحكم: عن عوانه أنه قال: دَخَلَ سعد عَلَى مُعَاوِيَة، فلم يسَلم عَلَيْهِ بالإمرة، فَقَالَ مُعَاوِيَة: لَوْ شئت أن تقول غيرها لقلت، قَالَ: فنحن المؤمنون وَلَمْ نؤمرك، فإنك مُعجَب بما أنت فِيهِ، واللَّه مَا يسُرني أني عَلَى الّذي أنت عَلَيْهِ وإني هرقت محجمة دم.
قلت: اعتزل سعد الفتنة، فلا حضر الجمل ولا صفين ولا التحكيم ولقد كان أهلا للإمامة، كبير الشأن رضي الله عنه.
روى نعيم بن حماد، حدثنا ابن إدريس، عن هشام، عن ابن سيرين أن سعد بن أبي وقاص طاف عَلَى تسع جوارٍ في ليلة، ثُمَّ استيقظت العاشرة لما أيقظها، فنام هو، فاستحيت أن توقظه3.
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ مُصْعَبِ بن سعد أنه قال: كان رأسي أَبِي فِي حِجْرِي، وَهُوَ يَقْضِي. فَبَكَيْتُ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيَّ، فَقَالَ: أَيْ بُني مَا يُبْكِيكَ؟ قلت: لمكانك وما أرى بك. قال: لا تَبْكِ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُعَذِّبُنِي أَبَدًا. وإني من أهل الجنة4.
قلت: صدق والله، فهنيئا له.
1 صحيح: أخرجه البخاري "1295" في كتاب الجنائز، باب: رثاء النّبيّ صلى الله عليه وسلم سعدَ بن خولة، ومسلم "1628" في كتاب الوصية، الوصية بالثلث، وأبو داود "2864" في كتاب الوصايا، باب: ما جاء في ما لا يجوز للموصي بماله، والترمذي "2123" في كتاب الوصايا، باب: الوصية بالثلث، والنسائي "6/ 241، 242" في كتاب الوصايا، باب: الوصية بالثلث، وابن ماجه "2708" في كتاب الوصايا، باب: الوصية بالثلث، وأبو نعيم في "الحلية" 297".
2 إسناده ضعيف.
3 إسناده ضعيف: نعيم بن حماد ضعيف.
4 أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 78".
الليث: عن عقيل، عن الزهري أن سعد بن أبي وقاص لما احتضر، دعا بخلق جبة صوف، فقال: كفنوني فيها، فإني لقيت المشركين فيها يوم بدر، وإنما خبأتها لهذا اليوم.
ابن سعد: أنبأنا محمد بن عمر، حدثنا فروة بن زبيد عن عائشة بنت سعد قالت: أرسل أبي إلى مروان بزكاته خمسة آلاف، وترك يوم مات مائتي ألف وخمسين ألفا1.
قَالَ الزبير بن بكار: كَانَ سعد قَدِ اعتزل في آخر عمره، في قصر بناه بطرف حمراء الأسد.
وعن أم سلمة أنها قالت: لما مات سعد، وجيء بسريره، فأدخل عليها، جعلت تبكي وتقول: بقية أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
النعمان بن راشد: عن الزهري، عن عامر بن مسعد قال: كان سعد آخر المهاجرين وفاة.
قال المدائني، وأبو عبيدة، وجماعة: توفي سنة خمس وخمسين.
وروى نوح بن يزيد عن إبراهيم بن سعد أن سعدا مات وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، في سنة ست وخمسين، وقيل: سنة سبع.
وقال أبو نعيم الملائي: سنة ثمان وخمسين. وتبعه بن المحرز. والأول هو الصحيح.
وقع له في "مسند بقي بن مخلد" مائتان وسبعون حديثا. فمن ذاك في الصحيح ثمانية وثلاثون حديثا.
11-
"ع" سعيد بن زيد "ت 50هـ" بن عمرو بن نفيل بْن عبد العُزَّى بْن رياح بْن قُرط بْن رزَاح بْن عديّ بْن كعْب بن لؤي بن غالب، أبو الأعور القرشي العدوي.
أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، ومن السابقين الأولين البدريين، ومن الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه.
1 إسناده ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 79" ومحمد بن عمر هو الواقدي، متروك.
شهِدَ الْمَشَاهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وشهد حصار دمشق وفتحها، فولاه عليها أبو عبيدة بن الجراح، فهو أول من عمل نيابة دمشق من هذه الأمة.
وله أحاديث يسيرة، فله حديثان في الصحيحين. وانفرد البخاري له بحديث.
رَوَى عَنْهُ ابن عمر، وأَبُو الطُّفَيْلِ، وعمرو بن حريث، وزر بن حبيش، وأبو عثمان النهدي، وعروة بن الزبير، وعبد الله بن ظالم، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وطائفة.
قرأت على أحمد بن عبد الحميد، أخبركم الإمام أبو محمد بن قدامة سنة ثمان عشرة وستمائة، أخبرتنا شهدة بنت أحمد الكاتبة، بقراءتي، أنبأنا طراد بن محمد الزينبي، أنبأنا ابن رزقويه، أنبأنا أبو جعفر محمد بن يحيى الطائي، سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَن عَبْد الملك بْن عمير، عَن عَمْرو بن حريث، عن سعيد بن زيد بْن عَمْرو، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الكمأة من المن الذي أنزل الله على بني إسرائيل، وماؤها شفاء للعين"1.
أخرجه البخاري من طريق ابن عيينة فوقع لنا بدلا عاليا.
قرأت على علي بن عيسى التغلبي، أخبركم محمد بن إبراهيم الصوفي سنة عشرين وستمائة، أنبأنا أبو طاهر السلفي، أنبأنا أبو عبد الله الثقفي، أنبأنا أحمد بن الحسن، أنبأنا حاجب بن أحمد، حدثنا عبد الرحيم، هو ابن منيب، حدثنا سفيان عن الزهري، عن طلحة عن سعيد بن زيد يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ ظلم من الأرض شبرا طوقه من سبع أرضين: ومن قتل دون ماله فهو شهيد"2.
1 صحيح: أخرجه البخاري "4478" في كتاب التفسير، باب: قوله تعالى {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ} الآية، ومسلم "2049" في كتاب الأشربة، باب: فضل الكمأة، والترمذي "2074" في كتاب الطب، باب: الكمأة والعجوة، وابن ماجه "3454" في كتاب الطب، باب: الكمأة والعجوة.
2 صحيح: أخرجه أبو داود "4772" في كتاب السنة، باب: في قتال اللصوص، والترمذي "1423" في كتاب الديات، باب: فيمن قتل دون ماله فهو شهيد، والنسائي "7/ 115، 116" 6 في كتاب تحريم الدم، باب: من قتل دون ماله، وابن ماجه "2580" في كتاب الحدود، باب: من قتل دون ماله فهو شهيد، وقال الألباني في "صحيح الجامع" "6445": صحيح.
هذا حديث صالح الإسناد، لكنه فيه انقطاع؛ لأن طلحة بن عبد الله بن عوف لم يسمعه من سعيد. رواه مالك، ويونس، وشهيب وجماعة، عن الزهري فأدخلوا بين طلحة وسعيد: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ الأَنْصَارِيُّ. أخرجه البخاري عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري.
كان والده زيد بن عمرو ممن فر إلى الله من عبادة الأصنام، وساح في أرض الشام يتطلب الدين القيم، فرأى النصارى واليهود، فكره دينهم، وقال: اللهم إني على دين إبراهيم ولكن لم يظفر بشريعة إبراهيم عليه السلام كما ينبغي، ولا أرى من يوقفه عليها، وهو من أهل النجاة، فقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه "يبعث أمة وحدة" 1 وهو ابن عم الإمام عمر بن الخطاب، رأي النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعش حتى بعث، فنقل يونس بن بكير، وهو من أوعية العلم بالسير، عن محمد بن إسحاق قال: قد كان في نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ: زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نفيل، وورقة بن نوفل، وعثمان بن الحارث بن أسد، وعبيد بن جحش، وأميمة ابنة عبد المطلب حَضَرُوا قُرَيْشًا عِنْدَ وَثَنٍ لَهُمْ، كَانُوا يَذْبَحُونَ عِنْدَهُ لِعِيدٍ مِنْ أَعْيَادِهِمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا، خَلَا أولئك النفر بعضهم إلى بعض، وقالوا: تصادقوا وتكاتموا، فَقَالَ قَائِلُهُمْ: تَعْلَمُنَّ وَاللَّهِ مَا قَوْمُكُمْ عَلَى شيء، لقد أخطئوا دين إبراهيم وخالفوه، فما وَثَنٌ يُعْبَدُ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ، فَابْتَغُوا لأنفسكم، قال: فَخَرَجُوا يَطْلُبُونَ وَيَسِيرُونَ فِي الأَرْضِ، يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ كتاب من اليهود والنصارى والملل كلها يتطلبون الحنيفية، فأما ورقة فتنصر، واستحكم في النصرانية، وحصل الكتب، وعلم علما كثيرا ولم يكن فيهم أعدل شأنا من زيد، اعتزل الأوثان والملل إلا دين إبراهيم يوحد الله تعالى ولا يأكل من ذبائح قومه، وكان الخطاب عمه قد آذاه، فنزح عنه إلى أعلى مكة، فنزل حراء، فوكل به الخطاب شبابا سفهاء لا يدعونه يدخل مكة، فكان لا يدخلها إلا سرا. وكان الخطاب أخاه أيضا من أمه، فكان يلومه على فراق دينه. فسار زيد إلى الشام والجزيرة والموصل يسأل عن الدين.
أخبرنا يوسف بن أحمد بن أبي بكر الحجار، أنبأنا موسى بن عبد القادر، أنبأنا سعيد بن أحمد البنا، "ح" وأنبأنا أحمد بن المؤيد، أنبأنا الحسن بن إسحاق،
1 أخرجه أحمد "1/ 189-190" وفي إسناده المسعودي اختلط، وله شاهد مرسل عند ابن سعد "في الطبقات""2/ 204".
أخبرنا محمد بن عبيد الله بن الزاغوني، وقرأت عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ، فِي سَنَةِ ثلاث وتسعين، عن أبي اليمن الكندي، إجازة في سنة ثمان وستمائة، أنبأنا أبو الفضل مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن المهتدي بالله، قالوا: أنبأنا محمد بن محمد الزينبي، أنبأنا محمد بن عمر الوراق، حدثنا عبد الله بن سليمان، حدثنا عيسى بن حماد، أنبأنا الليث بن سعد، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! والله ما فيكم أَحَدٌ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي، وَكَانَ يُحْيِي المؤودة، يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ: مه! لا تقتلها. أنا أكفيك مؤنتها، فَيَأْخُذَهَا، فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ، قَالَ لِأَبِيهَا: إِنْ شَئْتَ، دفعتها إليك، وإن شئت، كفيتك مؤنتها1.
هذا حديث صحيح غريب، تفرد به الليث، وإنما يرويه عن هشام كتابة.
وقد علقه البخاري في "صحيحه" فقال: وقال الليث: كتب إلى هشام، فذكره.
وقد سمعه ابن إسحاق من هشام.
وعندي بالإسناد المذكور إلى الليث، عن هشام نسخة، فمن أنكر ما فيها: عن أبيه عروة أنه قال: مر ورقة بن نوفل على بلال وهو يعذب، يلصق ظهره بالرمضاء وهو يَقُولُ: أحد أحد، فَقَالَ ورقة: أحد أحد يا بلال، صبرا يا بلال، لِمَ تعذبونه؟ فوالذي نفسي بيده لئن قتلتموه لأتخذنه حنانا. يقول: لأتمسحن به.
هذا مرسل. ورقة لو أدرك هذا، لعد من الصحابة، وإنما مات الرجل في فترة الوحي بعد النبوة وقبل الرسالة كما في الصحيح.
يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي هشام، عن أبيه، عن أسماء أن ورقة كان يقول: اللهم إني لو أعلم أحب الوجوه إليك، عبدتك به، ولكني لا أعلم، ثم يسجد على راحته2.
1 صحيح علقه البخاري "3828" في كتاب مناقب الأنصار، حديث زيد بن عمرو بن نفيل، وقد وصله النسائي في "الكبرى" "8187" وقال الألباني في تحقيقه "فقه السيرة" "ص97": حديث صحيح.
2 إسناده حسن.
يونس بن بكير، وعدة: عن الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ نُفَيْلِ بْنِ هِشَامِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: مر زيد بن عمرو عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وزيد بن حارثة، فدعواه إلى سفرة لهما، فقال: يابن أخي، إني لا آكل مما ذبح على النصب، فما رئي رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم بعد ذلك اليوم يأكل مما ذبح على النصب. المسعودي ليس بحجة1.
أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" عن يزيد، عن المسعودي، ثم زاد في آخره: قال سعيد: فقلت يا رسول الله! إن أبي كان كما قد رأيت وبلغك "ولو أدركك لآمن بك واتبعك" فاستغفر له. قال: "نعم، فأستغفر له، فإنه يبعث أمة وحدة"2.
وقد رواه إبراهيم الحربي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد، حدثنا أبو قطن، عن المسعودي، عن نفيل، عن أبيه، عن جده قال: مر زيد برسول الله صلى الله عليه وسلم وبابن حارثة وهما يأكلان في سفره فدعواه، فقال: إني لَا آكُلُ مِمَّا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ. قَالَ: وما رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم آكلا مما ذُبح على النصب3.
فهذا اللفظ مليح يفسر ما قبله. وما زال المصطفى محفوظا محروسا قبل الوحي وبعده ولو احتمل جواز ذلك، فبالضرورة ندري أنه كان يأكل من ذبائح قريش قبل الوحي، وكان ذلك على الإباحة، وإنما توصف ذبائحهم على التحريم بعد نزول الآية، كما أن الخمرة كانت على الإباحة، إلى أن نزل تحريمها بالمدينة بعد يوم أحد، والذي لا ريب فيه، أنه كان معصوما قبل الوحي وبعده وقبل التشريع من الزنى قطعا، ومن الخيانة، والعذر، والكذب، والسكر، والسجود لوثن، والاستقسام بالأزلام، ومن الرذائل، والسفه، وبذاء اللسان، وكشف العورة، فلم يكن يطوف عريانا، ولا كان يقف يوم عرفة مع قومه بمزدلفة، بل كان يقف بعرفة. وبكل حال لو بدا منه شيء من ذلك، لما كان عليه تبعة لأنه كان لا يعرف، ولكن رتبة الكمال تأبى وقوع ذلك منه صلى الله عليه وسلم تسليما.
1 وذلك لأنه اختلط.
2 إسناده ضعيف: أخرجه أحمد "1/ 189-190".
3 إسناده ضعيف: المسعودي اختلط كما تقدم.
أَبُو مُعَاوِيَةَ: عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، فَرَأَيْتُ لِزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نفيل دوحتين"1.
غريب. رواه الباغندي عن الأشج، عنه.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامٍ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أسماء قالت: رأيت زيد بن عمرو شَيْخًا كَبِيرًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ وَهُوَ يقول: ويحكم يا معشر قريش! إياكم والزنى، فإنه يورث الفقر.
أبو الحسن المدائني: عن إسماعيل بن مجالد عن أبيه، عن الشعبي، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ قال: قال زيد بن عمرو: شاممت النصرانية واليهودية، فكرهتهما، فكنت بالشام، فأتيت راهبا، فقصصت عليه أمري، فقال: أراك تريد دين إبراهيم عليه السلام يا أخا أهل مكة! إنك لتطلب دينا ما يوجد اليوم، فالحق ببلدك، فإن الله يبعث من قومك من يأتي بدين إبراهيم بالحنيفية، وهو أكرم الخلق على الله2.
وبإسناد ضعيف: عن حجير بن أبي إهاب قال: رأيت زيد بن عمرو يراقب الشمس، فإذا زالت، استقبل الكعبة، فصلى ركعة، وسجد سجدتين.
وأنشد الضحاك بن عثمان الحزامي لزيد:
"و" أسلمت وجهي لمن أسلمت
…
له المزن تحمل عذبا زلالا3
إذا سقيت بلدة من بلاد
…
سيقت إليها فسحت سجالا4
وأسلمت وجهي لمن أسلمت
…
له الأرض تحمل صخرا ثقالا
دحاها فلما استوت شدها
…
سواء وأرسى عليها الجبالا
وروى هشام بن عروة فيما نقله عنه ابن أبي الزناد، أنه بلغه أن زيد بن عمرو كان بالشام. فلما بلغه خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم اقبل يريده، فقتله أهل ميفعة بالشام5.
1 حسن بلفظ "درجتين": أخرجه ابن عساكر من الطريق المذكور كما في "الصحيحين""1406" بلفظ "درجتين"، وقال الألباني: هذا سند حسن.
2 إسناده ضعيف: مجالد ضعيف كما تقدم.
3 المزن: السحاب. والزلال: الماء العذب الصافي البارد.
4 سحت: سالت.
5 إسناده ضعيف.
وروى الواقدي أنه مات فدفن بأصل حراء، وقال ابن إسحاق: قتل ببلاد لخم.
عبد العزيز بن المختار: أنبأنا موسى بن عقبة، أخبرني سالم، سمع ابن عمر يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنه لقي زيد بن عمرو أسفل بلدح1 قبل الوحي.
فقدم إلى زيد سُفْرَةً فِيهَا لَحْمٌ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ، وَقَالَ: لا آكل مما تذبحون على أنصابكم، أَنَا لَا آكُلُ إِلَّا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ الله عليه2.
أخرجه البخاري وزاد في آخره: وكان يعيب على قريش وَيَقُولُ: الشَّاةُ خَلَقَهَا اللَّهُ، وَأَنْزَلَ لَهَا مِنَ السماء، وَأَنْبَتَ لَهَا مِنَ الْأَرْضِ، ثُمَّ تَذْبَحُونَهَا عَلَى غير اسم الله؟
أبو أسامة وغيره قالا: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عن زيد بن حارثة قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهو مردفي إلى نصب من الأنصاب، فذبحنا له ضمير له راجع إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شاة، ووضعناها في التنور، حتى إذا نضجت، جعلناها في سفرتنا، ثم أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يسير، وهو مردفي، في أيام الحر. حتى إذا كنا بأعلى الوادي، أتى زيد بن عمرو، فحيى أحدهما الآخر، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَا لِي أَرَى قَوْمَكَ قَدْ شَنِفُوا لَكَ" أي: أبغضوك؟ قال: أما والله إن ذلك مني لغير نائرة3 كانت مني إليهم، ولكني أراهم على ضلالة، فخرجت أبغي الدين، حتى قدمت على أحبار أيلة، فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به، فدللت على شيخ بالجزيرة، فقدمت عليه، فأخبرته، فقال: إن كل من رأيت في ذلالة، إنك لتسأل عن دين هو دين الله وملائكته، وقد خرج في أرضك نبي، أو هو خارج، ارجع إليه، وابتعه. فرجعت، فلم أحسن شيئا، فأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم البعير، ثم قدمنا إليه السفرة، فقال:"ما هذه"؟ قلنا: شاة ذبحناها للنصب كذا.
1 بلدح: واد قبل مكة من جهة المغرب.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3826" في كتاب مناقب الأنصار، باب: حديث زيد بن عمرو بن نفيل.
3 نائرة: عدواة.
قال: فقال: "إني لا آكل مما ذبح لغير الله"، ثم تفرقا، ومات زيد قبل المبعث، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"يأتي أمة وحده"1.
رواه إبراهيم الحربي في "الغريب" عن شيخين له، عن أبي أسامة، ثم قال: في ذبحها على النصب وجهان: إما أن زيدا فعله عن غير أمر النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه كان معه، فنسب ذلك إليه؛ لأن زيدا لم يكن معه من العصمة والتوفيق ما أعطاه الله لنبيه، وكيف يجوز ذلك وهو عليه السلام قد منع زيدا أن يمس صنما، وما مسه هو قبل نبوته، فكيف يرضى أن يذبح للصنم؟ هذا محال.
الثاني: أن يكون ذبح لله واتفق ذلك عند صنم كانوا يذبحون عنده.
قلت: هذا حسن، فإنما الأعمال بالنية، زيد، أخذ بالظاهر، وكان الباطن لله، وربما النبي صلى الله عليه وسلم عن الإفصاح خوف الشر، فإنا مع علمنا بكراهيته للأوثان، نعلم أيضا أنه ما كان قبل النبوة مجاهرا بذمها بين قريش، ولا معلنا بمقتها قبل المبعث، والظاهر أن زيدا رحمه الله توفي قبل المبعث، فقد نقل ابن إسحاق أن ورقة بن نوفل رثاه بأبيات، وهي:
رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما
…
تجنبت تنورا من النار حاميا
بدينك ربا ليس أب كمثله
…
وتركك أوثان الطواغي كما هيا
وإدراكك الدين الذي قد طلبته
…
ولم تك عن توحيد ربك ساهيا
فأصبحت في دار كريم مقامها
…
تعلل فيها بالكرامة لاهيا
وقد يكرك الإنسان رحمة ربه
…
ولو كان تحت الأرض سبعين واديا
نعم، وعد عروة سعيد بن زيد في البدريين فقال: قدم من الشام بعد بدر، فكلم رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَضَرَبَ لَهُ بسهمه وآجره، وكذلك قال موسى بن عقبة وابن إسحاق.
وامرأته هي ابنة عمه فاطمة، أخت عمر بن الخطاب.
أسلم سعيد قَبْلَ دُخُولِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دَارَ الْأَرْقَمِ.
وأخرج البخاري من ثلاثة أوجه، عن إسماعيل، عن قيس بن أبي حازم
1 أخرجه أبو يعلى "7212".
قال: قال سعيد بن زيد لقد رأيتني وإن عمر لموثقي على الإسلام وأخته، ولو أن أحدا انقض بما صنعتم بعثمان لكان حقيقا1. وقد ذكرنا في إسلام عمر فضلا في المعنى.
وذكر ابن سعد في "طبقاته" عن الواقدي، عن رجاله قالوا: لم تحين رسول الله صلى الله عليه وسلم وصول عير قريش من الشام، بعث طلحة وسعيد بن زيد قبل خروجه من المدينة بعشر، يتحسسان خبر العير فبلغا الحوراء، فلم يزالا مقيمين هناك، حتى مرت بهم العير، فتساحلت، فبلغ نبي الله الخبر قبل مجيئهما، فندب أصحابه، وخرج يطلب العير، فتساحلت وساروا الليل والنهار، ورجع طلحة وسعيد ليخبرا، فوصلا المدينة يوم الوقعة، فخرجا يؤمانه، وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمهما وأجورهما. وشهد سعيد أحدا والخندق والحديبية، والمشاهد2.
وقد تقدمت عدة أحاديث في أنه من أهل الجنة، وأنه من الشهداء.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: سَأَلْتُ أَبِي عَن الشهادة لأبي بكر وعمر أنهما في الجنة، قال: نعم، اذهب إلى حديث سعيد بن زيد.
هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ إِنَّ أَرْوَى بنت أويس ادعت أن سعيد بن زيد أخذ شيئا من أرضها، فخاصمته إلى مروان، فقال سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها شيئا يعد الذي سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ:"مَنْ أخذ شيئا من الأرض طوقه إلى سبع أرضين" قال مَرْوَانُ: لَا أَسْأَلُكَ بَيِّنَةً بَعْدَ هَذَا، فَقَالَ سَعِيدٌ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً، فَاعْمِ بَصَرَهَا، واقتلها في أرضها، فما ماتت حتى عميت، وَبَيْنَا هِيَ تَمْشِي في أَرْضِهَا، إِذْ وَقَعَتْ في حفرة فماتت3.
أخرجه مسلم. وروى عبد العزيز بن أبي حازم، عن العلاء بن عبد الرحمن نحوه، عن أبيه وروى الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عمر، نحوه.
1 صحيح: أخرجه البخاري "3862" في كتاب مناقب الأنصار، باب: إسلام سعيد بن زيد رضي الله عنه.
2 إسناده ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات""2/ 205" والواقدي متروك كما تقدم.
3 صحيح: وقد تقدم.
وقال ابن أبي حازم في حديثه: سألت أروى سعيدا أن يدعو لها، وقالت: قد ظلمتك. فقال: لا أرد على الله شيئا أعطانيه.
قلت: لم يكن سعيد متأخرا عن رتبة أهل الشورى في السابقة والجلالة، وإنما تركه عمر رضي الله عنه لئلا يبقى له فيه شائبة حظ؛ لأنه ختنه وابن عمه، ولو ذكره في أهل الشورى لقال الرافضي: حابى ابن عمه. فأخرج منها ولده وعصبته فكذلك فليكن العمل لله.
خالد الطحان: عن عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ. عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ قال: كتب معاوية إلى مروان، وإلى المدينة، ليبايع لابنه يزيد، فقال رجل من جند الشَّام: مَا يحبسك؟ قَالَ: حَتَّى يجيء سَعِيد بن زيد فيبايع، فأَنَّهُ سيد أَهْل البلد، وإذا بايع، بايع الناس، قال: أفلا أذهب فآتيك به؟ وذكر الحديث1.
أُنبئنا وأُخبرنا عن حنبل سماعا، أنبأنا ابن الحصين، أنبأنا ابن المذهب، أنبأنا القطيعي، حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن حصين ومنصور، عن هلال بن يساف، عن سعيد بن زيد. وقال ابن حصين: عن ابن ظالم، عن سعيد بن زيد. أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"اسْكُنْ حِرَاءُ فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شهيد"، وعليه النبي، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، وسعد، وعبد الرحمن، وسعيد بن زيد2.
ابن سعد: أنبأنا أبو ضمرة، عن يحيى بن سعيد، أخبرني نافع، عن ابن عمر أنه استصرخ على سعيد بن زيد يوم الجمعة بعدما ارتفع النهار، فأتاه ابن عمر بالعقيق، وترك الجمعة3. أخرجه البخاري.
وقال إسماعيل بن أمية: عن نافع قال: مات سعيد بن زيد وكان يذرب4.
فقالت أم سعيد لعبد الله بن عمر: أتحنطه بالمسك؟ فقال: وأي طيب أطيب من المسك! فناولته مسكا.
1 عطاء بن السائب اختلط.
2 صحيح: وقد تقدم.
3 صحيح: أخرجه البخاري "3990" في كتاب المغازي، باب: رقم "10"، وابن سعد في "الطبقات""2/ 205-206".
4 الذرب: داء يعرض للمعدة فلا تهضم الطعام، ويفسد فيها، ولا تمسكه.
سليمان بن بلال: حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن، عن عائشة بنت سعد قالت: مات سَعِيد بن زيد بالعقيق، فغسَله سعد بن أبي وقاص، وكفنه، وخرج معه.
وقال غير واحد، عن مالك قال: مات سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ، وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ بالعقيق. قال الواقدي: توفي سعيد بن زيد سَنَة إحدى وخمسين، وَهُوَ ابن بضع وسبعين سنة، وقبر بالمدينة: نزل في قبره سعد، وابن عمر، وكذا قال أبو عبيد، ويحيى بن بكير، وشهاب. قال الواقدي: كان سعيد رجلا، آدم، طويلا، أشعر.
وقد شذ الهيثم بن عدي فقال: مات بالكوفة. وقال عبيد الله بن سعد الزهري: مات سنة اثنتين وخمسين رضي الله عنه.
فهذا ما تيسر من سيرة العشرة. وهم أفضل قريش، وأفضل السابقين المهاجرين، وأفضل البدريين، وأفضل أصحاب الشجرة، وسادة هذه الأمة في الدنيا والآخرة. فأبعد الله الرافضة، ما أغواهم وأشد هواهم، كيف اعترفوا بفضل واحد منهم وبخسوا التسعة حقهم، وافتروا عليهم بأنهم كتموا النص في علي أنه الخليفة. فوالله ما جرى من ذلك شيء، وأنهم زورا الأمر عنه بزعمهم، وخالفوا نبيهم، وبادروا إلى بيعة رجل من بني تيم يتجر ويتكسب، لا لرغبة في أمواله ولا لرهبة من عشيرته ورجاله، ويحك! أيفعل هذا من له مسكة عقل؟ ولو جاز هذا على واحد لما جاز على جماعة، ولو جاز وقوعه من جماعة، لاستحال وقوعه، والحالة هذه، من ألوف من سادة المهاجرين والأنصار، وفرسان الأمة، وأبطال الإسلام، لكن لا حيلة في برء الرفض فإنه داء مزمن، والهدى نور من الله يقذفه الله في قلب من يشاء، فلا قوة إلا بالله.
حديث مشترك، وهو منكر جدا. رواه الطبراني في "المعجم الكبير" حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، وقال أبو عمرو بن حمدان: حدثنا الحسن بن سفيان، في مسنده، قالا: حدثنا نصر بن علي، حدثنا عبد المؤمن بن عباد العبدي، حدثنا يزيد بن معن، حدثني عبد الله بن شرحبيل، عن رجل من قريش، عن زيد بن أبي أوفى رضي الله عنه قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مسجد المدينة، فجعل يقول:"أين فلان، أين فلان"؟ فلم يزل يتفقدهم ويبعث إليهم حتى اجتمعوا،
فقال: "إن محدثكم بحديث فاحفظوه، وعوه: إن الله اصطفى من خلقه خلقا يدخلهم الجنة، وإني مصطف منكم ومؤاخ بينكم كما آخى الله بين الملائكة. قم يا أبا بكر"! فقام، فقال:"إن لك عندي يدا، إن الله يجزيك بها، فلو كنت متخذا خليلا لاتخذتك، فأنت مني بمنزلة قميصي من جسدي، ادن يا عمر"! فدنا، فقال:"قد كنت شديد الشعب علينا، فدعوت الله أن يعز بك الدين أو بأبي جهل، ففعل الله بك ذلك، وأنت معي في الجنة ثالث ثلاثة"، ثم آخى بينه وبين أبي بكر، ثم دعا عثمان، فلم يزل يدنيه حتى ألصق ركبته بركبته، ثم نظر إلى السماء، فسبح ثلاثا، ثم قال:"إن لك شأنا في أهل السماء، أنت ممن يرد على الحوض، وأوداجه تشخب، فأقول: من فعل بك هذا؟ فتقول: فلان"، ثم دعا عبد الرحمن بن عوف فقال:"ادن يا أمين الله، والأمين في السماء، يسلطك الله على مالك بالحق، أما إن لك عندي دعوة قد أخرتها"، قال: خر لي يا رسول الله! قال: "حملتني أمانى أكثر الله مالك"، وآخى بينه وبين عثمان، ثم دعا طلحة والزبير، فدنوا منه، فقال:"أنتما حواري كحواري عيسى"، وآخى بينهما، ثم دعا سعدا وعمارا.
فقال: "يا عمار! تقتلك الفئة الباغية"، ثم آخى بينهما، ثم دعا أبا الدرداء وسلمان، فقال:"يا سلمان! أنت منا أهل البيت، وقد آتاك الله العلم الأول والعلم الآخر، يا أبا الدرداء! إن تنقدهم ينقدوك، وإن تتركهم يتركوك، وإن تهرب منهم يدركوك، فأقرضهم عرضك ليوم فقرك"، ثم آخى بينهما، ثم نظر إلى ابن عمر، فقال:"الحمد لله الذي يهدي من الضلالة"، فقال علي: يا رسول الله! ذهب روحي، وانقطع ظهري حين تركتني، فقال:"ما أخرتك إلا لنفسي، وأنت عندي بمنزلة هارون من موسى، ووارثي"، قال: ما أرث منك؟ قال: "كتاب الله وسنة نبيه، وأنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة". وتلا: {إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} 1.
زيد لا يعرف إلا في هذا الحديث الموضوع. وقد رواه محمد بن جرير الطبري، عن حسين الدراع، عن عبد المؤمن. فأسقط منه عن رجل.
وقال محمد بن الجهم السمري: حدثنا عبد الرحيم بن واقد، حدثنا شعيب
1 سورة الحجر: الآية "47"، والحديث إسناده ضعيف، للجهالة فيه، وعبد المؤمن بن عباد ضعيف كما في "الميزان""5275".
بن يونس، حدثنا موسى بن صهيب، عن يحيى بن زكريا، عن عبد الله بن شرحبيل. عن رجل، عن زيد.
ورواه مطين مختصرا، حدثنا ثابت بن يعقوب، حدثنا ثابت بن حماد النصري، عن موسى بن صهيب، عن عبادة بن نسي، عن عبد الله بن أبي أوفى.
وقال الحسن بن علي الحلواني: حدثنا شبابة بن سوار، حدثنا أبو عبد الله الباهلي يقال اسمه جعفر بن مرزوق، عن غياث بن شقير، عن عبد الرحمن بن سابط، عن سعيد بن عامر الجمحي، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذات يوم "يا أبا بكر! تعال، ويا عمر! تعال"1. ذكر حديث المؤاخاة، إلا أنه خالف في أسماء الإخوان، وزاد ونقص منهم تفرد به شابة ولا يصح.
والمحفوظ أنه آخى بين المهاجرين والأنصار، ليحصل بذلك مؤازرة ومعاونة لهؤلاء بهؤلاء.
لسعيد بن زيد ثمانية وأربعون حديثا، اتفقا له على حديثين، وانفرد البخاري بثالث.
السابقون الأولون هم:
خديجة بنت خويلد.
وعلي بن أبي طالب.
وأبو بكر الصديق.
وزيد بن حارثة النبوي، ثم عثمان، والزبير.
وسعد بن أبي وقاص.
وطلحة بن عبيد الله.
وعبد الرحمن بن عوف، ثم أبو عبيد بن الجراح.
وأبو سلمة بن عبد الأسد.
وَالأَرْقَمُ بْنُ أَبِي الأَرْقَمِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الله بن عمر، المخزوميان.
1 لم أجده.
وعثمان بن مظعون الجمحي.
وعبيدة بن الحارث بن المطلب الْمُطَّلِبِيُّ.
وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ العدوي، وأسماء بنت الصديق.
وخباب بن الأرت الخزاعي، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ.
وَعُمَيْرُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، أخو سعد.
وعبد الله بن مسعود الهذلي، من حلفاء بني زهرة.
ومسعود بن ربيعة القارئ من البدريين.
وَسُلَيْطُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ الْعَامِرِيُّ.
وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ. وامرأته أسماء بنت سلامة التميمية.
وَخُنَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ.
وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ العنزي، حليف آل الخطاب.
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ الْأَسَدِيُّ، حليف بني أمية.
وجعفر بن أبي طالب الهاشمي. وَامْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ.
وَحَاطِبُ بْنُ الْحَارِثِ الجمجي. وامرأته فاطمة بنت المجلل العامرية. وأخوه خطاب. وامرأته فكيهة بنت يسار، وأخوهما: معمر بن الحارث.
والسائب ولد عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ.
وَالْمُطَّلِبُ بْنُ أَزْهَرَ بْنِ عبد عوف الزهري، وامرأته رملة بنت أبي عوف السهمية.
والنحام نعيم بن عبد الله العدوي.
وعامر بن فهيرة، مولى الصديق.
وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وامرأته أميمة بنت خلف الخزاعية.
وحاطب بن عمرو العامري.
وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة العبشمي.
وواقد بن عبد الله بن عبد مناف التميمي اليربوعي، حَلِيفُ بَنِي عَدِيٍّ.
وَخَالِدُ، وَعَامِرُ، وَعَاقِلُ، وَإِيَاسُ، بنو البكير بن عبد ياليل الليثي، حلفاء بني عدي.
وعمار بن ياسر بن عامر العنسي بنون، حليف بني مخزوم.
وصهيب بن سنان بن مالك النمري، الرومي المنشأ، وولاؤه لعبد الله بن جدعان.
وأبو ذر جندب بن جنادة الغفاري.
وأبو نجيح عمرو بن عنبسة السلمي البجلي، لكنهما رجعا إلى بلادهما.
فهؤلاء الخمسون من السابقين الأولين: وبعدهم أسلم: أسد الله حمزة بن عبد المطلب، والفاروق عمر بن الخطاب، عز الدين رضي الله عنهم أجمعين.
12-
مصعب بن عمير بْن هاشم بْن عَبْد مَنَاف بْن عبد الدارين بن قصي بن كلاب "ت 3هـ".
السيد الشهيد السابق البدري القرشي العبدري
قال البراء بن عازب: أول من قدم علينا من المهاجرين مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَقُلْنَا لَهُ: مَا فَعَلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: هو مكانه، وأصحابه على أثري. ثم أتانا بعده عمرو بن أم مكتوم أخو بني فهر الأعمى. وذكر الحديث1.
الْأَعْمَشُ: عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ خَبَّابٍ قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ونحن نبتغي وجه الله، فوقع أجرنا على الله، فمنا من مضي لسبيله لما يأكل من أجره شيئا، مِنْهُمْ: مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، ولم يترك إلا نمرة، كنا إذا غطينا رأسه بدت رجلاه، وإذا غطينا رجليه بدا رَأْسُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
1 صحيح: أخرجه البخاري "3924، 3925" في كتاب مناقب الأنصار، باب: مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة.
ما بعد الخلفاء الراشدون حتى سنة 41ه
ـ
…