الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة المترجم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
أما بعد:
فهذا كتاب وضعه مؤلفه فؤاد سزكين باللغة الألمانية، ونقلناه إلى العربية خدمة للقارئ العربي سواء أكان باحثا أم طالب علم. وهو يعرض بين دفتيه تاريخ الكيمياء عامة وتاريخ الكيمياء العربية خاصة. كما يبحث في جزء منه تاريخ النبات. ويرى القارئ الكريم أن الحديث عن (جابر بن حيان) يحظى بأكثر صفحات الكتاب، وأن المؤلف لم يدخر وسعا في دحض الافتراءات التي ألصقت باسم (جابر) هادفة من وراء ذلك إلى الطعن في منزلة الكيمياء الإسلامية، والنيل من علوم المسلمين، وذلك من خلال إنكار صحة نسبة عدد ضخم من الكتب الكيميائية إلى جابر. فجابر- في رأي المنكرين له- شخصية وهمية لم يكن لها وجود، وما الكتب المنسوبة إليه إلا مؤلفات طائفة من المشتغلين بالصنعة، دونوها ونسبوها إليه على مدار مائة عام امتدت من عام 250 هـ- 350 هـ. على أن المؤلف سزكين وبعض الباحثين المنصفين يرون- من وجهة نظر الحق والصدق- أن جابرا كان شخصية فذة عاشت في القرن الثاني للهجرة وأنه كان المؤسس الأول لهذا العلم ورائد كل من عمل بعده في هذا الحقل، بل هو بمنزلة بويل وبريستلي ولافوازية في ميدان الكيمياء الحديثة.
ويلاحظ أن برتلو Berthelot كان أول من أثار الشكوك حول بعض كتب جابر في العصر الحديث، فقد حاول أن ينفي علاقة كتب- جبر المزعوم-، والمدونة باللغة
اللاتينية، بمؤلفات جابر بن حيان، كما حاول أن يبين أن مؤلفات جابر العربية بعيدة أشد البعد عن كتب- جبر هذا .. فلا تنقص المؤلف العربي كل معرفة بالحقائق الجديدة الأصيلة المتوافرة في الكتب اللاتينية فحسب، بل يستحيل على المرء أن يجد في الكتب اللاتينية صفحة واحدة أو مقطعا يمكن عده ترجمة عن المؤلفات العربية. (برتلو في La Chimieau Moyen Age: المجلد الثالث ص 23).
وبالرغم من أن هولميارد تناول هذه المسألة بالدراسة والمناقشة، وبالرغم من أنه توصل عام 1922 م إلى أن الكتب اللاتينية باسم جبر المزعوم-، ما هي إلا ترجمة لكتب جابر بن حيان المتوافرة باللغة العربية، وأن جابرا عاش في القرن الثامن الميلادي، وهو- كما يراه هولميارد- مؤسس الكيمياء الحديثة، بالرغم من هذا كله فقد أصر روسكا على أن تلك الكتب اللاتينية والجزء الأعظم من الكتب التي ذكرها ابن النديم باسم جابر ما هي إلا كتب مزيفة ومدسوسة على جابر بن حيان.
أما باول كراوس، وهو أكثر من اشتغل بمسألة جابر، وكانت لدراساته الجامعة الشاملة الأهمية العظمى حتى وقت قريب، فقد نشر عام 1942/ 1943 م كتابا فى مجلدين، سلّم في وقتها بآرائه التي جاءت فيه والتي تتعلق بحياة جابر وبمؤلفاته، أنكر في المجلد الأول صحة نسبة كتب جابر إليه، وزعم أنها مؤلفات مزيفة صنعتها طائفة من الكيميائيين الشيعة ما بين النصف الثاني من القرن التاسع والنصف الأول من القرن العاشر الميلاديين، وذكر في المجلد الثاني أن النظريات الكيميائية المنسوبة إلى جابر المزعوم- لا تمت إلى السيمياء القديمة بصلة، وذلك لأن كلمة (النشادر) وردت في الكتب المنسوبة إليه مع أن النشادر مادة لم تعرف إلا في زمن متأخر كانت الصنعة قد تطورت فيه، كما أن في هذه الكتب رفضا لاستعمال الألغاز التي اشتهرت بها السيمياء القديمة.
وقد تصدى المؤلف في كتابه الذي بين أيدينا لهذه الآراء والنظريات وراح يفندها رأيا رأيا، منطلقا من أن المقالات والكتب التي نشرت فيما مضى لم تعط صورة واضحة
بينة عن المشكلة. فلقد كانت الوثائق والمعلومات قليلة آنئذ، وهي لقلتها قاصرة عن تقديم صورة تامة عن الحضارة الاسلامية.
وحينما كان سزكين يعد ملحقا لكتاب بروكلمان «تاريخ الآداب العربية» اكتشف مخطوطات ومصادر ذات أهمية بالغة، وبخاصة فيما يتعلق بتاريخ الكيمياء الإسلامية، تفضل في قيمتها العلمية كل ما عرف من شواهد ومخطوطات سابقة على الاطلاق.
هذا وقد بين المؤلف حين عرض الوثائق والشواهد والأدلة، التي اهتدى إليها أثناء تحرياته، أن جابرا كان- بلا أدنى شك- حيّا في القرن الثاني للهجرة. ولم يكن جابر رجلا عاديّا وإنما كان عالما يتمثل فيه مركز الثقل في موضوع الكيمياء الإسلامية برمتها.
ومن هنا كان لا بد- في رأيه- من تحديد حياة جابر وبوضوح تام قبل مواصلة البحث بالنسبة لتاريخ الكيمياء الإسلامية والكيميائيين الاسلاميين الأوائل. وبالفعل سيلمس القارئ العربي الجهد العظيم الذى بذله المؤلف سزكين في هذا المجال. ولا غرو فهو من العلماء المسلمين القلائل الذين وقفوا حياتهم على دراسة تاريخ التراث الإسلامي العربي ونالوا شهرة عالمية فيه. وما هذا الكتاب الذي بين أيدينا إلا المجلد الرابع من بين المجلدات التسعة للسفر الضخم، (في تاريخ التراث العربي). وكما يعرف الكثير من المهتمين بهذا الموضوع فقد نال المؤلف- الذي يعمل أستاذا لتاريخ التراث الإسلامي ومنذ عشرين عاما في جامعة فرانكفورت- جائزة الملك فيصل العالمية تقديرا لجهوده القيمة التي بذلها في تصنيف المجلدات الستة الأولى من كتابه الضخم هذا.
إنه لمن حسن حظ القاريء العربى، الذي لا يعرف اللغة الألمانية أن تقوم جامعة الملك سعود (الرياض سابقا) وجامعة الإمام محمد بن سعود بترجمة هذه المجلدات؛ تعهدت جامعة الملك سعود بترجمة المجلدات التي تتناول العلوم الطبيعية والرياضية منها وهي: المجلد الثالث (الطب والبيطرة) والمجلد الرابع (الكيمياء والنبات) والمجلد الخامس (الرياضيات) والمجلد السادس (علم الفلك) والمجلد السابع (الأنواء والأجواء).
وقبل ثلاث سنوات ونيف (1) كلفتني جامعة الملك سعود (الرياض سابقا)، وكان على رأسها الاستاذ الدكتور عبد العزيز الفدا، بترجمة المجلد الرابع والقيام بتنسيق أعمال لجنة الترجمة التي شكلت آنئذ، ومنذ ذلك التاريخ وأنا أترجم، وقد أعدت العمل مرات وقابلت بعضه على بعض حتى انتهيت إلى الصيغة التي بين أيدينا، وأنا مع هذا لا أدعي كمال العمل، فالخطأ والتقصير هما من طبيعة البشر. وليس هناك كتاب، غير كتاب الله عز وجل، خال من النقص أو العيوب وإنني لأرجو أن يعذرني القارئ الكريم، إذا وجد شيئا منهما في ترجمتي هذه مع أني عملت بكل جد ونشاط وبأمانة وإخلاص. وحين عرضت ترجمتي على المؤلف، أثناء زيارتي لألمانيا في شباط من عام 1981 م رأى أن أثبت عناوين الكتب والمجلات والمقالات وأصحابها باللغة التي جاءت فيها وأن أبقى الشواهد والنصوص التى وردت بغير اللغة الألمانية على اللغة التي جاءت فيها كذلك، وقد فعلت هذا رغم أن الأمر استهلك مني أكثر من ثلاثة أشهر.
وأخيرا فلقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو المعلم الكامل الذي لا ينطق عن الهوى أن من لا يشكر الناس لا يشكر الله. وما علي إلا أن أشكر كل من ساعدني خلال عملي هذا، وأخص بالذكر والشكر الاستاذ الفاضل الشيخ ناجي الطنطاوي الذي قرأ مدخل الكتاب والجزء المتعلق بالكيميائيين العرب وصحح، لغة، ما اقتضى تصحيحه، كما أثني على الأستاذ الكريم الشيخ عبد الرحمن الباني، الذي كان لي نعم الناصح والمشجع. وأسجل هنا كذلك شكري مع الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى، أن يجزي زوجتي أميرة بنت محمد دياب عني خير الجزاء، فلقد كانت لي ولا تزال خير عون في الصبر على إنجاز هذه الترجمة وغيرها من أعمال. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الرياض: جامعة الملك سعود: مطلع شعبان سنة 1401 هـ الموافق لمطلع آذار 1981 م الدكتور عبد الله حجازى
(1) مطلع عام 1399 هـ