المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدّمة الحمد لله والصلاة والسلام على سيد الخلق وخير من أوقف - تاريخ المدارس الوقفية في المدينة المنورة

[طارق بن عبد الله حجار]

الفصل: ‌ ‌مقدّمة الحمد لله والصلاة والسلام على سيد الخلق وخير من أوقف

‌مقدّمة

الحمد لله والصلاة والسلام على سيد الخلق وخير من أوقف نبي الرحمة محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم السلام. يقول ربنا تبارك وتعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (البقرة/ 261)

رسول الرحمة الرؤوف الرحيم ويؤكد ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: " من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل إلاّ الطيب فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يربيها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل "1.

من خلال هذا التوجيه المبارك اندفع المسلمون في عهده صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم إلى مثل هذا العمل الفاضل فقد جاء عن ابن عمر قال: أصاب عمر أرضاً بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها فقال يا رسول الله:" أصبت أرضاً لم أصب مالاً قط أنفس منه، فكيف تأمرني به ". قال: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، فتصدق غير أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث "2.

فمن أهمية الوقف في الإسلام، أنه نوع من أنواع الترابط والتكافل الاجتماعي وربط السلف بالخلف وخدمة طلاب العلم والعلماء وإعمار المساجد والبر بين أبناء المسلمين، فمن خلال التوجيهات القرآنية والأحاديث النبوية قام المسلمون فدفعوا أكارم وأنفس أموالهم لله تعالى ثم لأبناء المسلمين ولقد استفاد العالم الإسلامي ومازال في ظل هذه الصدقات الجارية لبناء المساجد ودور العلم والمكتبات والأربطة والمدارس الوقفية في معظم دول العالم الإسلامي.فحدود البحث في تاريخ المدارس الوقفية المنقرضة في المدينة النبوية من

1 صحيح البخاري. د - ت، 2 / 134.

2 صحيح مسلم. د - ت، 3 / 1255.

ص: 461

القرن السادس إلى ما قبل عام 1340هـ.

ويهدف الباحث من دراسته إلى إبراز مكانة الوقف في التربية والتعليم في ظل تطبيق تشريع الدين الإسلامي الحنيف، وإلى التأكيد على أهمية مثل هذه المشاريع الحيوية التنموية بغية الاستمرار عليها حتى تستمر الروابط بين المسلمين وذلك من خلال مسح تاريخي شامل للمدارس الوقفية المنقرضة في المدينة المنورة سيدة المدن والأنموذج في الاستفادة من هذا النظام الإسلامي في الوقف.

والمنهج المناسب الذي طبق هو المنهج التاريخي الوصفي الذي يعطي صورة واضحة عن مدى حجم الأوقاف التعليمية التي انقرضت في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الدراسات السابقة:

تعددت الدراسات حول الوقف وأهميته وفوائده في المجتمع المسلم، إلاّ أن الباحث لم يتمكن من الاطلاع على دراسات ذات صلة مباشرة بموضوع دراسته الحالية. لكنه استفاد بدون شك من مجمل الدراسات التي عرضت للوقف أو لمست جانباً ممّا له علاقة بالمدارس الوقفية بدور الوقف في العملية التعليمية.ومن أهمها بحوث الندوتين اللتين عقدتهما وزارة الشؤون الإسلامية بالمدينة المنورة ومكة المكرمة عامي 1419 و 1420?،

حيث كان عنوان الأولى: المكتبات الوقفية في المملكة العربية السعودية، والثانية: مكانة الوقف وأثره في الدعوة والتنمية.

وسيعرض الباحث في الجزء التالي بعض الدراسات التي استفاد منها باختصار.

- دراسة الدكتور محمد بن عبد الرحمن الحصين التي كانت بعنوان: دور الوقف في تأسيس المدارس والأربطة والمحافظة عليها في المدينة المنورة قد عنيت الدراسة بجانب العمارة والتخطيط، كما عنيت بذكر الجانب التاريخي لبعض المدارس الوقفية بالمدينة المنورة، وقد استفاد الباحث في تحديد بعض أسماء

ص: 462

المدارس الوقفية في المدينة المنورة.

- دور الوقف في العملية التعليمية لعبد الله بن عبد العزيز المعيلي المقدم لندوة مكة المكرمة، الذي تحدث عن المجالات التعليمية التي شملها الوقف في العصور السابقة ومنها الوقف على المدارس، وقد ذكر الباحث عدداً منها مثل المدرسة الصالحية بمصر والظاهرية بدمشق والسعودية ببغداد ثم انتقل لبيان حال الوقف على المكتبات حيث ساهمت أموال الواقفين من تنمية تلك المكتبات وتزويدها بما تحتاجها ويحتاجه طلاب العلم المرتادون لها، مما كان له كبير الأثر في نشر العلم والتعليم. ومكن من تلك المكتبات ما هو كائن في مدن الشام والعراق والقاهرة إضافة إلى ما عرف منها في مكة المكرمة والمدينة المنورة.ولم يهمل الباحث الحديث عن الأوقاف المخصصة للمعلمين والمتعلمين. والجيد في هذه الدراسة ما تضمنته من تصور مقترح وآلية مناسبة لتفعيل دور الوقف في العملية التعليمية.

- كما إن اطلاع الباحث على دراسة الدكتور/صالح بن سلمان الوهيبي، بعنوان: دور الوقف في دعم المؤسسات والوسائل التعليمية المقدم للندوة السالفة الذكر، أفاده في زيادة معرفته بمزايا الوقف على المؤسسات التعليمية ودوره في دعمها وزيادة فاعليتها في أداء واجباتها بالشكل الذي يحقق أهدافها. وقد خصص الباحث جزءاً من دراسته لإيضاح دور الوقف في توفير المباني التعليمية والوسائل التعليمية، حيث نادى بتخصيص جزء من ريع الوقف للاهتمام بهما وتمويل احتياجاتهما لأنهما من الجوانب الهامة في العملية التعليمية.

- ومن دراسات ندوة: مكانة الوقف وأثره في الدعوة والتنمية دراسة سليمان بن صالح الطفيل وعنوانها: الوقف كمصدر اقتصادي لتنمية المجتمعات

ص: 463

الإسلامية، الذي حدد هدف بحثه بابراز اسهام الوقف في دعم الاقتصاد وتنمية المجتمعات الإسلامية، ومن أهم النتائج التي توصل إليها الباحث حاجة المجتمعات الإسلامية إلى إعادة الاعتبار الاقتصادي للوقف في عملية التنمية، وألاّ يقتصر الاستثمار في رأس المال فحسب، وإنما يتسع ليشمل الاستثمار في رأس المال البشري الذي يفيد أفراد المجتمع. كما يشمل الاستثمار في رأس المال الاجتماعي اللازم لمساندة التنمية ودفع مسيرتها.

- ومن البحوث والدراسات التي تناولت جانب الافادة من البحث العلمي في خدمة الوقف، دراسة الدكتور ناصر بن سعد الرشيد الأستاذ بجامعة الملك سعود الذي أوضح في دراسته تسخير البحث العلمي في خدمة الأوقاف وتطويرها المقدمة لندوة مكة المكرمة، حيث أورد أسماء عدد من المدارس التي أوقف عليها كم كبير من الأموال والعقارات، وذكر أن منها مدرسة فيما وراء النهر كانت تسع ثلاثة آلاف طالب، ينفق على الدراسة فيها من أموال موقوفة لهذا الغرض.

وعلى كل فإن إفادة الباحث من ندوة مكانة الوقف وأثره في الدعوة والتنمية كان مجملاً وبشكل عام إذ لم تتضمن أبحاث تلك الندوة موضوع الدراسة بشكل مباشر، بل إن الجهد المتواضع الذي بذله الباحث في تقصي الدراسات السابقة حول موضوعه أبرز عدم توفر دراسات تتصل به.

والباحث يسأل الله العظيم أن يكون هذا العمل خالصاً لوجهه، وما أصبت فمن الله وما أخطأت فمن نفسي. وفيما يلي عرض عن الوقف في الإسلام وأثره في المجتمع المسلم ثم عرض تاريخي وصفي للمدارس الوقفية في المدينة المنورة منذ القرن السادس الهجري وحتى سنة 1340هـ

ص: 464