الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تجريد
القواعد والفوائد الأصولية
لأبي الحسن علاء الدين ابن اللحام البعلي
ت: 803 هـ
تقديم
أ. د. خالد بن علي المشيقح
جرَّده
د. عبدالعزيز بن عدنان العيدان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد:
فقد قرأت في كتاب (تجريد القواعد والفوائد الأصولية) للشيخ عبد العزيز بن عدنان العيدان، فألفيته مختصرًا مفيدًا اجتهد مختصره في تجريده من الخلاف والاقتصار على أصول القواعد وأمثلتها؛ ليسهل تناوله من قبل طلبة العلم والإفادة من أصله، ويمكن تناوله في الدروس العلمية، نفع ا لله به كما نفع بأصله، وبالله التوفيق.
كتبه
د/ خالد بن علي المشيقح
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي فقَّه من شاء من عباده وعلَّم، وهدى من استهداه من خلقه وفهَّم، والصلاة والسلام على مَنْ به أكمل الدين وتمَّم، آتاه جوامع الكلم، فكان كلامه أصولاً وقواعد لمن تفقَّه وتعلَّم، وعلى آله وأصحابه والتابعين بإحسان ممن تأخر منهم أو تقدَّم.
وبعد:
فإنه يَعلم من تبصر بنور العلم وشنَّف سمعه بكلام أهله؛ ما للقواعد الأصولية من ضرورة لكل متفقه، إذ إنها تَنْظِم له منثورَ المسائل في سلك واحد، وترشده لأحكام النوازل وَفْق منهج متبع، وتبصره بأحكام الشريعة على سَنَن من سبق من الأئمة الأعلام، بلا وَكْسٍ ولا شَطَط، وأحسن الشوكاني إذ يقول عن علم أصول الفقه (هو العلم الذي تأوي إليه الأعلام، و الملجأ الذي يُلجأ إليه عند تحرير المسائل، وتقرير الدلائل في غالب الأحكام)
(1)
.
(1)
ينظر: إرشاد الفحول 1/ 53.
وممن شمَّر عن ساعده، وأضفى على علم أصول الفقه حُسناً بريشته: الإمام أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن عباس البعلي الحنبلي، المعروف بابن اللحام، المتوفى سنة 803 هـ رحمه الله تعالى، فقد ألَّف كتابه القواعد، وأتبعه بجملة من الفوائد، وأردف كل قاعدة جملة من المسائل الشوارد، فيقول ملخصاً موضوع كتابه:(استخرت الله في تأليف كتابٍ أذكر فيه قواعد وفوائد أصولية، وأردف كل قاعدة مسائل تتعلق بها من الأحكام الفروعية)
(1)
.
ولما رأيت الكتاب على نفاسته وما اشتمل عليه من درر منثورة في أثنائه قد عزف عنه جملة من طلبة العلم، بسبب ما صُبِغ به الكتاب من التطويل، وكثرة التفريعات والاستطرادات الأصولية والتعريجات الفقهية التخصصية، حاولت بجهد المقل أن أجرِّده؛ ليسهل تناوله والإفادة منه، والله المستعان.
(1)
ينظر: القواعد لابن اللحام 1/ 3.
وخلاصة عملي فيه:
• أني ذكرت جميع القواعد والفوائد المذكورة في الكتاب الأصل.
• واختصرت ما فصَّله في القواعد الأصولية.
• وأبقيت سائر المسائل الأصولية المتعلقة بالقاعدة الأم.
• وأبقيت سائر الأقوال التي ذكرها المؤلف في القواعد، مع حذف نسبة الأقوال إلى قائليها وتعليلاتهم غالباً.
• وأما ما يتعلق بالتفريعات الفقهية للقاعدة، فالقاعدة التي ذكر لها المؤلف أقل من عشرة فروع ذكرتها جميعاً، والقاعدة التي زادت فروعها عن العشرة اقتصرت على عشرة منها فقط.
• كما أني اختصرت تلك الفروع بما يتناسب مع القاعدة الأصولية.
• وما جزم به المؤلف من الفروع، أو قدَّمه، أو صحَّحه، وكان موافقًا لمذهب المتأخرين من الحنابلة فلا أتعرض له اختصارًا، وإن أطلق الخلاف فيها بينت المذهب عند المتأخرين، وإن جزم بقول أو صححه وكان مذهب المتأخرين مخالفًا له نبَّهت عليه.
• وكان اعتمادي في بيان مذهب المتأخرين على ما في الإنصاف للمرداوي، والإقناع للحجاوي، ومنتهى الإرادات
للفتوحي، حيث استقر عند المتأخرين أن ما اتفقت عليه هذه الثلاثة هي المذهب.
ومن الشِّيَم نسبة الفضل لأهله، فالفضل أولاً لله تعالى، ثم لمحقِّقَي كتاب القواعد، الشيخين الفاضلين: عايض بن عبدالله بن عبدالعزيز آل عزيز الشهراني، وناصر بن عثمان بن عمير الغامدي، فلقد أفدت من تحقيقهما وحواشيهما، واعتمدت على نسختهما في هذا التجريد، فاللهم تقبل عملهما.
وختامًا أقول ما قال غيري ممن سبقني فضلاً وعلماً وعصرًا، إن رأيتَ خللاً - وأجزم أنك لاقٍ - فأرشدني وادعُ الله لي بالمغفرة، فإني أسأل الله أن يجنبني وإياك أسباب الزيغ والزلل، ثم تذكر أن الله أبى العصمة لكتاب غير كتابه، والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه.
والحمد لله في الابتداء والانتهاء وفي الأثناء.
وجرَّده
عبد العزيز بن عدنان العيدان
1435 هـ - 2014 م
القاعدة الأولى
الفقه: هو العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية بالاستدلال.
وغالب الفقه مظنون، ولكن عُبِّر هنا بالعلم، لأنه يجب العمل بالمظنون كما يجب في المقطوع.
وإذا تقرر هذا، فيتفرع على العمل بالظن فروع كثيرة، ولم يَطَّرِد أصل أصحابنا في ذلك، ففي بعض الأماكن قالوا: يعمل بالظن، وفي بعضها قالوا: لا بد من اليقين.
وطرد أبو العباس ابن تيمية أصله وقال: (يعمل بالظن في عامة أمور الشرع)
(1)
.
• فروع القاعدة
(2)
:
الأولى: إذا غلب على ظن المصلي دخول الوقت؛ فله العمل به إذا لم يكن له سبيل إلى العلم، لغيم ونحوه.
الثانية: المستجمر إذا أتى بالعدد المعتبر؛ فإنه يكتفي بغلبة الظن في زوال النجاسة.
(1)
الاختيارات الفقهية ص 61.
(2)
ذكر المؤلف رحمه الله (68) مسألة تحت هذه القاعدة.
الثالثة: ما لو كان معه مال حلال وحرام، وجهل قدر الحرام؛ تصدق بما يغلب على ظنه أنه حرام.
الرابعة: إذا شك في طلوع الفجر في رمضان؛ فإنه يباح له الأكل حتى يستيقن طلوعه.
الخامسة: لا يصح بيع ما قُصد به الحرام؛ كبيع العصير لمن يتخذه خمرًا، ومحله: إذا علم ذلك.
وجرى أبو العباس ابن تيمية على أصله: أنه يكفي الظن.
(1)
السادسة: إذا شك في عدد الطلاق، أو عدد الرضعات؛ بني على اليقين.
السابعة: الشهادة، هل تجوز بغلبة الظن، أم لا بد من اليقين
(2)
؟
(1)
قال شيخ الإسلام مؤيدًا لأصله، معارضًا لقول الأصحاب في هذه المسألة:(يؤيده أن الأصحاب قالوا: لو ظن الآجر أن المستأجر يستأجر الدار لمعصية كبيع الخمر ونحوها لم يجز له أن يؤجره تلك الدار، ولم تصح الإجارة، والبيع والإجارة سواء). ينظر: الفتاوى الكبرى 5/ 388، القواعد لابن اللحام 1/ 23.
(2)
المذهب عند المتأخرين: لا بد من اليقين، وذكر ابن اللحام في القواعد بعض الصور التي قد تقبل فيها الشهادة بغير اليقين. ينظر: القواعد 1/ 29، الإنصاف 29/ 260، الإقناع 4/ 431، المنتهى 5/ 349.
الثامنة: فرض الكفاية واجب على الجميع، ويسقط بفعل البعض، فإن غلب على ظن جماعة أن غيرهم يقوم بذلك؛ سقط عنهم.
التاسعة: يتعين تقييد إباحة النظر إلى المخطوبة بمن إذا خطبها غلب على ظنه إجابته، ومتى غلب على ظنه عدم الإجابة لم يجز.
العاشرة: لا يجوز الإقدام على فعلٍ لا يعلم جوازه
(1)
.
ويتوجه: يجوز له الإقدام إذا ظن جوازه.
(1)
نقل المرداوي وابن النجار الفتوحي الإجماع على ذلك. ينظر: التحبير شرح التحرير 4/ 1893، شرح الكوكب المنير 2/ 409.
القاعدة الثانية
شرط التكليف: العقل، وفهم الخطاب
.
فلا تكليف على صبي غير مميز، ولا مجنون
(1)
.
وأما الصبي المميز، فالجمهور: على أنه ليس بمكلف، وهو الصحيح من المذهب.
وحكي عن أحمد رواية: بتكليفه؛ لفهمه الخطاب.
وعنه: يكلف المراهق.
• فرع: اختلف أصحابنا في سن التمييز:
فالأكثر: على أنه سبع سنين.
وقيل: المميز الذي يفهم الخطاب ويرد الجواب، ولا ينضبط بسن، بل يختلف باختلاف الأفهام
(2)
.
(1)
من اختار تكليفهما: إن أراد أنه يترتب على أفعالهما ما هو من خطاب الوضع فلا نزاع في ترتبه، وإن أراد خطاب التكليف: فإنه لا يلزمهما بلا نزاع، وإن اختُلِف في مسائل هل هي من خطاب الوضع أم من خطاب التكليف. ينظر: القواعد 1/ 46.
(2)
قال المرداوي: (وهو الصواب، والاشتقاق يدل عليه، ولعله مراد الأول، وأن ابن ست أو سبع يفهم ذلك غالبًا، وضبطوه بالسن) ينظر: الإنصاف 3/ 19.
• فرع: ما فعله المميز من العبادات، فإنه يثاب عليه وثوابه له.
• مسائل تتعلق بالتمييز
(1)
:
الأولى: إذا جامعَ أو جُومعَ، وكان مثله يطأ أو يوطأ؛ لزمه الغسل.
(2)
الثانية: لا تجب عليه الصلاة، وعنه: تجب عليه، وعنه: تجب على من بلغ عشراً، وعنه: تجب على المراهق
(3)
.
الثالثة: أذانه للبُلَّغ، هل يجزئ؟ فيه روايتان
(4)
.
وقال أبو العباس ابن تيمية: الأشبه أن الأذان الذي يُسقِط الفرضَ عن أهل القرية، ويعتمد في وقت الصلاة والصيام؛ لا يجوز أن يباشره صبي قولاً واحداً، ولا يسقط الفرض ولا
(1)
ذكر المؤلف رحمه الله (36) مسألة تحت هذه القاعدة.
(2)
المراد: إذا أراد ما يتوقف على الغسل؛ كقراءة القرآن والصلاة والطواف ومس المصحف. ينظر: كشاف القناع 1/ 143.
(3)
على القول بوجوب الصلاة عليه: فالصحيح من المذهب عدم وجوب الجمعة عليه وإن قلنا بتكليفه بالصلاة، قال المجد: هو كالإجماع؛ للخبر. ينظر: القواعد 1/ 50.
(4)
الصحيح من المذهب عند المتأخرين: أنه صحيح. ينظر: الإنصاف 3/ 101، والإقناع 1/ 76، ومنتهى الإرادات 1/ 41.
يعتمد في مواقيت العبادات، وأما الأذان الذي يكون سنة مؤكدة، في مثل المساجد التي في المصر ونحو ذلك، فهذا فيه روايتان، والصحيح: جوازه
(1)
.
الرابعة: لا يجب عليه الصوم حتى يبلغ، وفي رواية: يجب عليه إن أطاقه.
الخامسة: بيعه بإذن وليه للكثير صحيحٌ، وبغير إذنٍ صحيحٌ في الشيء اليسير.
وفي رواية: يصح في الكثير بلا إذن، موقوفاً على إجازة وليه.
السادسة: إمامته بالبالغ، هل تصح أم لا؟ ثلاث روايات، ثالثها: تصح في النفل دون الفرض، واختارها أكثر أصحابنا
(2)
.
السابعة: لو التقط لقطة وعرَّفها، فظاهر كلام ابن قدامة: عدم الإجزاء، وقال الحارثي: والأظهر خلافه.
(3)
(1)
ينظر: الاختيارات الفقهية ص 37، الإنصاف 1/ 424.
(2)
وهي المذهب عند المتأخرين: ينظر: الإنصاف 4/ 388، الإقناع 1/ 168، منتهى الإرادات 1/ 81.
(3)
ظاهر ما في الإقناع والمنتهى: عدم الإجزاء، قال في الإقناع:(وإن وجدها صغير أو سفيه أو مجنون قام وليه بتعريفها) ينظر: الإقناع 2/ 404، ومنتهى الإرادات 1/ 396.
الثامنة: هل تصح هبته؟ المنصوص عن أحمد: عدم الصحة، سواء أذن الولي أم لا
(1)
.
التاسعة: هل يكون وليًّا في النكاح؟ المذهب: لا يكون وليًّا
(2)
.
العاشرة: شهادته، وأصح الروايات عنه: أنها لا تقبل، وعنه: تقبل، ولنا قول: تقبل شهادته على مثله.
(1)
وهو المذهب عند المتأخرين. ينظر: الإنصاف 13/ 347، الإقناع 3/ 32.
(2)
إذا قلنا: بأنه يكون وليًّا، فمقدار سنِّه: عشر سنين، وعنه: اثنا عشرة سنة. ينظر: القواعد 1/ 79.
القاعدة الثالثة
لا تكليف على الناسي حال نسيانه
، وقيل: هو مكلف.
(1)
ولنا خلاف في المعذور إذا قضى ما فاته، هل هو بأمر جديد أم بالأمر السابق؟ وينبني على ذلك:
إن قلنا: بأمر جديد، فيكون أداء.
وإن قلنا: بالأمر الأول، فيكون قضاء.
• مسائل تتعلق بالناسي
(2)
:
الأولى: إذا نسي الماء وتيمم، فإنه يلزمه الإعادة إذا بان له الخطأ على أصح الروايتين.
الثانية: هل لمس الذكر ينقض وضوء الناسي؟ روايتان
(3)
.
(1)
يُحمل قول من قال: (ليس بمكلف حال نسيانه)، على أنه لا إثم عليه في تلك الحال، وأن الخِطاب لم يتوجه إليه، وما ثبت له من الأحكام المعلقة به فبدليل خارج.
ويُحمل قول من قال: (هو مكلف)، على أن الخطاب توجه إليه وتناوله، وتأخر الفعل إلى حال ذكره، وامتنع تأثيمه لعدم تركه قصدًا. ينظر: القواعد 1/ 95.
(2)
ذكر المؤلف رحمه الله (24) مسألة تحت هذه القاعدة.
(3)
المذهب عند المتأخرين: أنه ينقض. ينظر: الإنصاف 2/ 26، شرح المنتهى للبهوتي 1/ 71.
الثالثة: لو نسي ستر العورة، لم تجزئه الصلاة.
الرابعة: لا يفطر بالاستقاء ناسياً، على الصحيح من القولين
(1)
.
الخامسة: يفطر ويكفِّر بالجماع ناسياً، وعنه: لا يكفِّر، وعنه: لا يقضي، اختاره أبو العباس ابن تيمية
(2)
.
السادسة: العمل المستكثر من غير جنس الصلاة، إذا فعله ناسياً، هل تبطل صلاته أم لا؟ قولان
(3)
.
السابعة: لو حلق المحرم رأسه، أو قلم أظفاره، أو قتل صيداً، ناسياً؛ وجبت عليه الكفارة، وإن لبس، أو تطيب، أو غطى رأسه، ناسياً فلا كفارة عليه.
وقيل: لا كفارة في الجميع.
(1)
وهو المذهب عند المتأخرين. ينظر: الإنصاف 7/ 424، منتهى الإرادات 1/ 159.
(2)
ينظر: الاختيارات الفقهية ص 109.
(3)
المذهب عند المتأخرين: تبطل. ينظر: الإنصاف 4/ 18، منتهى الإرادات 1/ 65.
وقيل: تجب الكفارة في الجميع.
الثامنة: هل تسقط التسمية في الوضوء والحدث الأكبر والذبيحة بالنسيان؟ روايتان
(1)
.
التاسعة: إذا أصاب المظاهِرُ المظاهَرَ منها ناسياً، فهل ينقطع تتابع صيامه؟ روايتان
(2)
.
العاشرة: إذا حلف لايفعل شيئاً، ففعله ناسياً، فهل يحنث أم لا؟ ثلاث روايات.
ثالثها: يحنث في الطلاق والعتاق دون غيرهما، وهي المذهب.
واختار أبو العباس ابن تيمية: عدم الحنث مطلقاً
(3)
.
(1)
المذهب عند المتأخرين: سقوط التسمية بالنسيان في الوضوء والغسل والذبيحة. ينظر: الإنصاف 1/ 276، 2/ 141، 27/ 322، منتهى الإرادات 1/ 14، 2/ 318، كشاف القناع 6/ 209.
(2)
المذهب عند المتأخرين: ينقطع التتابع. ينظر: الإنصاف 23/ 338، الإقناع 4/ 92، المنتهى 2/ 192.
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى 22/ 100، وقال:(رواتها بقدر رواة التفرقة) أي: التفرقة بين الطلاق والعتاق وغيرهما.
القاعدة الرابعة
في المغمى عليه، هل هو مكلف أم لا؟
هو متردد بين النائم والمجنون:
- فبالنظر إلى كون عقله لم يَزُل بل ستره الإغماء: فهو كالنائم.
- وبالنظر إلى كونه إذا نُبِّه لم ينتبه: يشبه المجنون.
ولذلك اختلفوا في الأحكام المتعلقة به، فتارة يلحقونه بالنائم، وتارة بالمجنون، والأظهر: إلحاقه بالنائم في جميع الأحكام.
• مسائل تتعلق بالمغمى عليه:
الأولى: قضاء الصلاة، فالمنصوص عن أحمد: لزوم القضاء
(1)
.
ولنا قول: لا قضاء عليه.
(1)
وهو المذهب عند المتأخرين. ينظر: الإنصاف 3/ 10، الإقناع 1/ 73، المنتهى 1/ 39.
الثانية: إذا نوى الصوم ليلاً، ثم أغمي عليه جميع النهار؛ لم يصح صومه، وإذا لم يصح صومه لزمه قضاؤه في أصح القولين.
الثالثة: لو باع شيئاً أو اشتراه، فأغمي عليه في المجلس، فقال ابن قدامة: قام أبوه أو وصيه أو الحاكم مقامه؛ كالمجنون
(1)
.
الرابعة: الوكالة لا تبطل بالاغماء.
الخامسة: إذا حصل بعرفة مغمًى عليه، هل يجزيه عن الوقوف؟ المذهب: أنه لا يجزئه، إلحاقاً له بالمجنون.
وقيل: بالإجزاء؛ كالنائم.
السادسة: إذا أوجب العقدَ في النكاح، ثم أغمي عليه قبل أن يقبل الزوج، أو وُجد في عقد البيع، أو في الشركة، فهل يبطل حكم الإيجاب كالمجنون؟ في ذلك قولان
(2)
.
(1)
المذهب عند المتأخرين: أن المجنون لا يبطل خياره، بل هو على خياره إذا أفاق من جنونه، فلا خيار لوليه، قال الفتوحي في شرح المنتهى:(على الأصح؛ لأن الرغبة في المبيع أو عدمها لا تعلم إلا من جهته) ينظر: كشاف القناع 3/ 200، شرح المنتهى للبهوتي 2/ 37.
(2)
نص المتأخرون من الأصحاب في مسألة النكاح: أنه يبطل حكم الإيجاب. ينظر: الإنصاف 20/ 102، كشاف القناع 5/ 40، شرح منتهى الإرادات 2/ 633.
السابعة: الإغماء لا يبطل به الإحرام بالحج، وفي الجنون وجهان
(1)
.
(1)
المذهب عند المتأخرين: أنه لا يبطل الإحرام بالجنون. ينظر: الإنصاف 8/ 12، وكشاف القناع 2/ 378، شرح منتهى الإرادات 1/ 529.
القاعدة الخامسة
في السكران، هل هو مكلف أم لا؟
(1)
قولان لأهل العلم
(2)
:
• تنبيه: حدُّ السكر الذي تترتب عليه أحكامه: هو إذا كان يخلط في كلامه وقراءته، أو يسقط تمييزه بين الأعيان، ولا يشترط فيه أن يكون بحيث لا يميز بين السماء والأرض، وبين الذكر والأنثى.
• فرع: من زال عقله بالبنج نظرت:
- فإن تداوى به: فهو معذور، ويكون الحكم فيه كالمجنون.
- وإن تناوله متلاعباً أو قصداً ليزيل عقله ويصير مجنوناً: فحكمه حكم السكران.
…
(1)
محل الخلاف في السكران عند جمهور أصحابنا: إذا كان آثماً في سكره، فأما إن أكره على السكر، فحكمه حكم المجنون. ينظر: القواعد 1/ 130.
(2)
المذهب عند المتأخرين: أنه مكلف. والرواية الثانية: غير مكلف، واختارها ابن قدامة وابن تيمية. ينظر: شرح الكوكب المنير 1/ 505، مجموع الفتاوى 11/ 11، 14/ 115، 33/ 103.
القاعدة السادسة
المكرَه المحمول كالآلة؛ غير مكلف.
ولو أُكْرِه وباشر بنفسه، فمكلف؛ لصحة الفعل منه والترك، ولهذا يأثم المكره على القتل بلا خلاف.
وهذه القاعدة مختلفة الحكم في الفروع في المذهب بالنسبة إلى الأقوال والأفعال على ما لا يخفى.
وضابط المذهب: أن الإكراه لا يبيح الأفعال، وإنما يبيح الأقوال، وإن اخْتُلِف في بعض الأفعال واختلف الترجيح.
• فروع القاعدة:
(1)
الأولى: لو أُكره على الكلام في الصلاة، هل تفسد؟ قولان
(2)
.
الثانية: إذا أُكره الصائم على الأكل والشرب، فإنه لا يفطر، سواء أكره على الفطر حتى فعله، أو فُعِل به بأن صُبَّ
(1)
ذكر المؤلف رحمه الله (26) مسألة تحت هذه القاعدة.
(2)
المذهب عند المتأخرين: أنها تفسد. ينظر: الإنصاف 4/ 37، شرح المنتهى 1/ 225.
في حلقه الماء مكرهاً.
الثالثة: إذا أُكره المعتكف على الخروج من المسجد؛ لم يبطل اعتكافه ولو خَرَج بنفسه.
الرابعة: لو أُكره المحرِم على حلق رأسه؛ فإن الفدية تجب على الحالق.
وقيل: تجب على المحلوق، و يرجع بها على الحالق.
الخامسة: جميع عقود المكرَه وإقراراته، لا تصح.
السادسة: إذا ثبت خيار المجلس في صورة، فأُكره أحد المتعاقدين على مفارقة صاحبه، لم يبطل الخيار.
وقيل: يبطل.
السابعة: إذا أُكره مَنْ بيده الطلاق على الطلاق بغير حق، فنطق به يقصد دفع الإكراه عن نفسه؛ لم يقع الطلاق.
ولو قصد إيقاع الطلاق دون دفع الإكراه، ففيه قولان
(1)
.
الثامنة: لو أَكره مكلفاً على قتل إنسان يكافئه، فَقَتَل؛ فالقَوَدُ عليهما.
(1)
المذهب عند المتأخرين: وقوع الطلاق. ينظر: الإنصاف 22/ 157، كشاف القناع 5/ 237.
التاسعة: لو أُكره على السرقة، أو تناوُلِ المسكر، ففعل، فهل يجب عليه الحد أم لا؟ روايتان
(1)
، وقيل: يحد لشرب الخمر مكرهاً.
(2)
العاشرة: لو أُكره على الرضاع، فإنه يثبت حكمه.
•مسألة: اختلفت الرواية عن الإمام أحمد في صفة الإكراه المانع من ترتيب الأحكام عليه:
فعنه: أنه الضرب أو الحبس أو أخذ المال.
وعنه: أن التوعد بذلك إكراه، إذا خاف أنه يُفعل به ما توعده به.
وقال أبو العباس ابن تيمية: إذا غلب على ظنه أنه يضره في نفسه أو أهله أو ماله، فإنه يكون مكرهاً.
•مسألة: لا فرق بين أن يكون الإكراه من السلطان، أو من لص، أو من متغلب
(3)
.
(1)
المذهب عند المتأخرين: أنه لا يجب عليه الحد في المسألتين. ينظر: الإنصاف 26/ 468، 425.
(2)
قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: (رخص أكثر العلماء فيما يُكرَه عليه من المحرمات لحقِّ الله تعالى؛ كأكل الميتة، وشرب الخمر، وهو ظاهر مذهب أحمد). ينظر: الفروع 6/ 100، الإنصاف 10/ 231.
(3)
وحكي عن أحمد رواية: أنه لا يكون الإكراه من غير السلطان.
وحكي عنه رواية: إن هدده بقتل أو قطع عضو فإكراه، وإلا فلا. ينظر: القواعد 1/ 160.
•مسألة: الشتم والسب لا يكون إكراهاً رواية واحدة، في حق كل أحد ممن يتألم بالشتم أو لا يتألم.
وقيل: إن كان من ذوي المروءات على وجه يكون إخراقاً بصاحبه وغضًّا له وشهرة في حقه، فهو كالضرب الكثير في حق غيره.
• فرع: إن أكرهه بتعذيب ولده:
فقالت طائفة: إنه لا يكون إكراهاً.
والصحيح في المذهب: أنه يكون إكراهاً.
ويتوجه: بتعدِّيه إلى كل من يشق عليه تعذيبه مشقة عظيمة، من والدٍ وزوجةٍ وصديق.
•
…
خاتمة: هل الأفضل لمن أُكره على شيء من المحرمات، أن يجيب إلى ما أُكره عليه، أو يصبر؟ نزاعٌ بين العلماء.
والمنصوص عن أحمد: إن صبر فله الشرف، وإن لم يصبر فله الرخصة.
القاعدة السابعة
الكفار مخاطبون بالإيمان إجماعاً
(1)
.
وبفروع الإسلام في الصحيح عن أحمد.
وفي رواية: لا يخاطبون بالأوامر، ويخاطبون بالنواهي.
وحكى بعض أصحابنا رواية: أنهم غير مخاطبين بشيء من الفروع، الأوامر والنواهي.
• إذا تقرر هذا: فهل يظهر للخلاف فائدة في الدنيا، أو فائدة التكليف - إذا قلنا به - زيادة العقاب في الآخرة؟
غالب الأصوليين: أن فائدته زيادة العقاب في الآخرة فقط.
وقيل: للخلاف فائدة في الدنيا.
والذي يظهر: أن بناء الفروع التي تتعلق بالكفار على الخلاف في المسألة غير مطرد ولا منعكس في جميعها.
(1)
نقله القرافي. ينظر: القواعد 1/ 165، شرح تنقيح الفصول ص 162.
• مسائل تتعلق بالكفار بناها بعضهم على التكليف بالفروع وعدمه
(1)
:
الأولى: أن الزوج لا يُجبِر الذمية على غسل الحيض، وأنه يطأ بدونه
(2)
.
ولعل هذا مبني على أنهم ليسوا بمخاطبين.
الثانية: الذمي، هل يُمنع من قراءة القرآن؟ المنصوص عن أحمد: المنع
(3)
، وقيل: لا يمنع.
وهذا يحسن أن يكون مبنيًّا على القاعدة.
الثالثة: المرتد إذا أسلم، فهل يلزمه قضاء ما ترك من العبادات زمن الردة؟ على روايتين، المذهب: عدم اللزوم.
وبناه بعضهم على القاعدة، وليس هذا بناء جيداً.
الرابعة: هل يجوز للكافر لبس الحرير؟ المذهب: لا يجوز.
(1)
ذكر المؤلف رحمه الله (18) مسألة تحت هذه القاعدة.
(2)
المذهب عند المتأخرين: له إجبار زوجته الكتابية على غسل الحيض. ينظر: الإنصاف 21/ 396، كشاف القناع 5/ 190.
(3)
وهو المذهب عند المتأخرين. ينظر: الإنصاف 2/ 78.
وبناه بعض الأصحاب على القاعدة.
واختار أبو العباس ابن تيمية: الجواز
(1)
.
الخامسة: إذا أسلم الكافر بعد تجاوز الميقات وأراد الإحرام، فإنه يُحرِم من موضعه، وهل يلزمه دم؟ على روايتين، المذهب: لا دم عليه.
وبناه بعضهم على القاعدة.
السادسة: أن أهل الذمة هل يمنعون من إظهار الأكل والشرب في نهار رمضان؟ المذهب: يمنعون.
وهذا قد يكون مبنيًّا على تكليفهم.
السابعة: استئجار الكافر للجهاد، فإنه يصح.
بناه بعضهم على القاعدة، وليس بناء جيداً.
الثامنة: إذا أتلف الكافر صيداً في الحرم، فإنه يضمنه.
وبناه بعضهم على هذه القاعدة، وليس بناء جيداً.
التاسعة: أنكحة الكفار، هل هي صحيحة أم لا
(2)
؟
(1)
وقال: (وعلى قياسه بيع آنية الذهب والفضة للكفار، وإذا جاز بيعها لهم جاز صنعها ليبيعها منهم وعملها لهم بالأجرة). ينظر: الآداب الشرعية 3/ 501.
(2)
المذهب عند المتأخرين: أن حكم نكاح الكفار حكم نكاح المسلمين فيما يجب به وفي تحريم المحرمات، وأنهم يقرون على الأنكحة المحرمة بشرطين: الأول: أن يعتقدوا حلها، والثاني: أن لا يترافعوا إلينا. ينظر: الإنصاف 21/ 5، كشاف القناع 5/ 115.
صوب أبوالعباس ابن تيمية: أن أنكحتهم صحيحة من وجه، فاسدة من وجه، فإنه إن أريد نفوذه وترتب أحكام الزوجية عليه، من حصول الحل به للمطلق ثلاثاً، ووقوع الطلاق فيه، وثبوت الإحصان به؛ فصحيح.
وبنى بعضهم هذه المسألة على هذه القاعدة وطرده في جميع عقودهم.
العاشرة: إذا نذر الكافر عبادة صح نذره.
وهذا يحسن بناؤه على القاعدة.
القاعدة الثامنة
يشترط لصحة التكليف: أن يكون المكلف عالماً بما كُلِّف به، ويُعبر عنه بـ (تكليف الغافل (.
فيه خلاف مبني على التكليف بالمحال.
• مسائل تتعلق بجاهل الحكم، هل هو معذور أم لا؟
(1)
(2)
الأولى: إذا تكلم في الصلاة جاهلاً بتحريم الكلام، أو الإبطال به، ففيه قولان للأصحاب، المذهب: تبطل.
الثانية: إذا أكل في الصلاة أو شرب يسيراً، جاهلاً بتحريم ذلك، فهل تبطل صلاته؟ روايتان، وإن كثر بَطَلت رواية واحدة.
(3)
(1)
فإذا قلنا: يعذر، فإنما محله إذا لم يقصِّر ويفرِّط في تعلم الحكم، أما إذا قَصَّر أو فَرَّط فلا يعذر جزماً. ينظر: القواعد 1/ 199.
(2)
ذكر المؤلف رحمه الله (22) مسألة تحت هذه القاعدة.
(3)
المذهب عند المتأخرين: أن الجهل بذلك كالسهو، ولا تبطل الصلاة بيسير الأكل ناسياً، وتبطل بالكثير. ينظر: الإنصاف 4/ 21، شرح المنتهى 1/ 224.
الثالثة: هل تجب الكفارة على الجاهل إذا وطئ الحائض؟ روايتان.
(1)
الرابعة: إذا كان جاهلاً بالنهي عن الصلاة في المقبرة والحمام والحُشّ وعطن الإبل، فروايتان، المذهب: عدم الصحة.
الخامسة: إذا قلنا: لا تصح صلاة الرجل فَذًّا خلف الصف، فلو كان غير عالم بالحديث، فهل تصح صلاته؟ روايتان
(2)
.
السادسة: إذا أكل الصائم أو شرب أو احتجم، وكان جاهلاً بتحريمه؛ فسد صومه، وقيل: لا يفسد.
السابعة: لو لبس أو تطيب أو غطى رأسه، جاهلاً تحريم ذلك، قال بعض المتأخرين: يتوجه أن يكون كالصوم
(3)
.
الثامنة: الحدود، لا تجب إلا على عالم بالتحريم، ولو
(1)
المذهب عند المتأخرين: وجوبها على الجاهل. ينظر: الإنصاف 2/ 380، شرح منتهى الإرادات 1/ 113.
(2)
المذهب عند المتأخرين: عدم الصحة. ينظر: الإنصاف 4/ 437، كشاف القناع 1/ 490.
(3)
المذهب عند المتأخرين: لا تلزمه الكفارة. ينظر: الإنصاف 8/ 428، كشاف القناع 2/ 458.
علم التحريم وجهل وجوب الحد، فإنه لا يسقط عنه بجهله.
التاسعة: يجب الترتيب في قضاء الفوائت، ولا يعذر بالجهل بوجوبه، وفي قول: يعذر.
العاشرة: إذا فعل فعلاً مستكثراً من غير جنس الصلاة، وكان جاهلاً بتحريمه، هل تبطل صلاته أم لا؟ قولان
(1)
.
(1)
المذهب عند المتأخرين: أنه يُبطل الصلاة إن لم تكن ضرورة. ينظر: الإنصاف 3/ 613، كشاف القناع 1/ 397.
القاعدة التاسعة
الترك، هل هو من قسم الأفعال أم لا؟ فيه مذهبان.
(1)
وقال طائفة من أصحابنا: لا تكليف إلا بفعل، ومتعلقه في النهي: كف النفس.
• فروع القاعدة:
الأولى: إذا ألقى إنسان إنساناً في نار أو ماء، وأمكنه التخلص، فلم يفعل حتى هلك؛ فلا قصاص لأجل الشبهة، وهل تجب الدية؟ ثلاثة أوجه
(2)
:
أحدها: يضمن ما أصابت النار منه فقط.
والثاني: يضمن الدية، لأن الترك فعل.
والثالث: يضمنه في الإلقاء في النار دون الماء اليسير.
(1)
الجمهور: على أن الترك فعل، وأكثر المعتزلة: على أنه ليس بفعل. ينظر: روضة الناظر 1/ 241، شرح الكوكب المنير 1/ 491.
(2)
المذهب عند المتأخرين: أنه هدر. ينظر: الإنصاف 25/ 22، شرح المنتهى 3/ 256.
الثانية: لو جرحه إنسان، فترك مداواة جرحه؛ فلا يسقط الضمان.
الثالثة: لو حبس إنساناً ومنعه الطعام والشراب، وهو يقدر على أخذه من غيره فتركه حتى مات؛ فلا ضمان فيه.
الرابعة: لو أمكنه إنجاء إنسان من هلكة، فلم ينجه حتى تلف، فهل يضمن؟ وجهان
(1)
.
الخامسة: إذا اضطرت بهيمة الأجنبي إلى طعامه، ولا ضرر يلحقه ببذله، فلم يبذله حتى ماتت؛ فإنه يضمنها، قاله ابن قدامة.
(1)
المذهب عند المتأخرين: أنه لا يضمن. ينظر: الإنصاف 25/ 355، كشاف القناع 6/ 15، شرح المنتهى 3/ 298.
القاعدة العاشرة
الفرض والواجب مترادفان شرعاً في أصح الروايتين عن أحمد، وبه قال الشافعية.
وعن أحمد: الفرض آكد، وقاله الحنفية.
(1)
• فرع: على الرواية الثانية: يجوز أن يقال: بعض الواجبات أوجب من بعض.
وقيل: إن فائدته: أنه يثاب على أحدهما أكثر، وأن طريق أحدهما مقطوع به، وطريق الآخر مظنون.
• فرع: قال غير واحد: النزاع في المسألة لفظي.
فإن أريد أن المأمور به ينقسم إلى مقطوع به ومظنون، فلا نزاع في ذلك.
وإن أريد أنه لا تختلف أحكامها، فهذا محل نظر؛ فإن الحنفية ذكروا مسائل فرقوا فيها بين الفرض والواجب.
(1)
فعلى هذه الرواية، الفرض: ما ثبت بدليل مقطوع به. وقيل: ما لا يسقط في عمد ولا سهو. وقيل: الفرض ما لزم بالقرآن، والواجب ما كان بالسنة. ينظر: القواعد 1/ 219.
• مسائل فرَّق فيها أصحابنا بين الفرض والواجب:
الأولى: الصلاة، فإنها مشتملة على فروض وواجبات، والمراد بالفروض: الأركان، وأن الفرض لا يتسامح في تركه عمداً ولا سهواً، والواجب يسامح في تركه سهواً ولا يُسامح في تركه عمداً.
الثانية: الحج، فإنه مشتمل على فروض وواجبات، وأن الفرض لا يتم النسك إلا به، والواجب يجبر بدم.
الثالثة: المضمضة والاستنشاق، واختلف قول أحمد فيهما، هل يسميان فرضاً أو لا؟
(1)
(1)
المذهب عند المتأخرين: يسميان فرضاً ولا يسقطان سهواً. ينظر: الإنصاف 1/ 326، شرح المنتهى 1/ 55.
القاعدةُ الحاديةَ عشرةَ
الوجوب قد يتعلق بمعيَّن؛ كالصلاة والحج وغيرهما، ويسمى واجباً معيناً.
وقد يتعلق بأحد أمور معينة؛ كخصال كفارة اليمين، وكفارة الأذى، وكفارة الصيد.
وقال بعض المعتزلة: الواجب مبهم عندنا، معيَّن عند الله تعالى، إما بعد اختياره، وإما قبله بأن يلهمه الله تعالى إلى اختياره.
• فرع: هل هذا النزاع في اللفظ أم في المعنى؟
قال أبو الحسن البصري وغيره: الخلاف في اللفظ دون المعنى، فأما في اللفظ، فالمعتزلة يقولون: وجوب الجميع على التخيير، والفقهاء يقولون: وجوب واحد من حيث هو أحدها، وأما المعنى فهو واحد.
وقيل: الخلاف معنوي، فمن المعتزلة من يقول: يثاب ويعاقب على كل واحد، ولو أتى بواحد يسقط عنه الباقي، وعند الفقهاء: لا يثاب ولا يعاقب إلا على فعل واجب واحد
أو ترك واجب واحد، وإن كان المعتبرون من المعتزلة يوافقون الفقهاء في المسألة.
• ومما ينبني على القاعدة: إذا أوصى في الكفارة المخيرة بخصلة معينة، وكانت قيمتها تزيد على قيمة الخصلتين الباقيتين، فهل يعتبر الجميع من رأس المال، أم الزائد من الثُّلث؟
وحاصلها يرجع إلى أن الواجب المخيَّر هل هو كالواجب المعيَّن أم لا؟
والذي يظهر فيها: أن الجميع معتبر من رأس المال.
القاعدةُ الثانيةَ عشرةَ
يجوز تحريم واحدٍ لا بعينه
عند أصحابنا والشافعية.
كقوله: لا تُكلِّم زيداً أو بكراً، فهو منع من أحدهما لا بعينه.
والكلام فيه كالكلام في الواجب المخير
(1)
.
• فروع القاعدة:
الأولى: إذا كان له أمتان وهما أختان، فهل يجوز له الجمع بينهما في الوطء مع الكراهة أم يحرم؟ قولان
(2)
.
فإذا قلنا بالتحريم: فله وطء أيتهما شاء، فإذا وطئ إحداهما لم تبح له الأخرى حتى يحرِّم الموطوءة على نفسه
(1)
قال القرافي: يصح التخيير في المأمور به، ولا يصح في المنهي عنه، لأن القاعدة تقتضي أن النهي متعلق بمشترك حرمت أفراده كلها، لأنه لو دخل فرد إلى الوجود، لدخل في ضمنه المشترك، فيلزم المحظور، ولا يلزم من إيجاب المشترك كل فرد منها حصلت في ضمنه واستغنى عن غيره. ينظر: القواعد 1/ 236
(2)
المذهب عند المتأخرين: يحرم. ينظر: الإنصاف 20/ 313، شرح المنتهى 2/ 656.
بتزويجها أو إزالة مِلكه عنها.
وحيث أبحنا له إحداهما بتحريم الأخرى، فهو جارٍ على القاعدة، إذ هو تحريم واحد لا بعينه.
الثانية: إذا أسلم الكافر وتحته أكثر من أربع نسوة، فأسلمْنَ معه أو كن كتابيات؛ أمسك منهن أربعاً وفارق سائرهن، وهو جارٍ على القاعدة، إذ هو تحريمُ بعضٍ غير معين.
القاعدةُ الثالثةَ عشرةَ
وقت الواجب: إما بقدر فعله، وهو الواجب المضيَّق، أو أقلُّ منه، والتكليف به خارج على تكليف المحال، أو أكثرُ منه، وهو الواجب الموسَّع.
والوجوب يتعلق بجميع الوقت وجوباً موسعاً عند أصحابنا
(1)
.
وقال بعض الحنفية: بل يتعلق بآخر الوقت، واختلفوا فيما إذا فعله في أوله
(2)
.
وقيل: متعلق بجزء من الوقت غير معين، كما تعلق في الكفارة بواحد غير معين
(3)
.
(1)
وهل يشترط لجواز التأخير عن أول الوقت العزم؟ وجهان. ينظر: القواعد 1/ 242.
(2)
فقال بعضهم: يقع نفلاً يمنع لزوم الفرض.
وقال بعضهم: إن بقي الفاعل مكلفاً إلى آخر الوقت كان ما فعله قبل ذلك واجباً، وإلا فهو نفل. ينظر: القواعد 1/ 243.
(3)
قال أبو البركات ابن تيمية: (وهذا أصح عندي، وأشبه بأصولنا في الكفارات، فيجب أن يُحمل مراد أصحابنا عليه، ويكون الخلل في العبارة)، وكلام ابن عقيل يوافق ما اختاره أبو البركات. ينظر: القواعد 1/ 244.
القاعدةُ الرابعةَ عشرةَ
يستقر الوجوب في العبادة الموسَّعة بمجرد دخول الوقت، ولا يشترط إمكان الأداء على الصحيح من المذهب.
ونعني بالاستقرار: وجوب القضاء، إذ الفعل أداءً غير ممكن، ولا مأثوم على تركه.
• فروع القاعدة:
الأولى: إذا دخل وقت الصلاة على المكلَّف بها، ثم جُنَّ، أو حاضت المرأة قبل أن يمضيَ زمن يسع الصلاة؛ فإن القضاء يجب عندنا في أصح الروايتين.
الثانية: إذا أيسر من لم يحج، ثم مات من تلك السنة قبل التمكن من الحج، فهل يجب قضاء الحج عنه؟ روايتان، أظهرهما: الوجوب.
الثالثة: إن تلف النصاب بعد الحول وقبل التمكن من الأداء، فالمذهب المشهور: أنه يجب عليه ضمان الزكاة ولا تسقط بذلك إلا زكاة الزرع والثمار إذا تلف بجائحة قبل القطع، فتسقط زكاتها اتفاقاً.
وعن أحمد رواية ثانية: بالسقوط.
فمن الأصحاب من قال: هي عامة في جميع الأموال، ومنهم: من خصها بالمال الباطن دون الظاهر، ومنهم: من عكس ذلك، ومنهم: من خصها بالمواشي.
أما لو أمكنه الأداء فلم يُزَكِّ: لم تسقط عنه؛ كزكاة الفطر والحج.
الرابعة: الصيام، فإذا بلغ الصبي مفطراً، أو أفاق مجنون في أثناء يوم من رمضان، أو أسلم فيه كافر؛ لزمهم القضاء في أصح الروايتين.
الخامسة: إذا وصل عادم الماء إلى الماء، وقد ضاق الوقت؛ فعليه أن يتطهر ويصلي بعد الوقت.
وقيل: يصلي بالتيمم.
•
…
فرع: قضاء العبادات: اعتبر الأصحاب له إمكان الأداء، فقالوا فيمن أخَّر قضاء رمضان لعذر ثم مات قبل زواله: إنه لا يطعم عنه، وإن مات بعد زواله والتمكن من القضاء؛ أطعم عنه.
• فرع: المنذورات: ففي اشتراط التمكن لها من الأداء، وجهان.
فلو نذر صياماً أو حجًّا ثم مات قبل التمكن منه، فهل يقضى عنه؟ على الوجهين
(1)
.
• فرع: قريب من هذه القاعدة مسألتان، والصحيح فيهما أنه يشترط إمكان الفعل:
إحداهما: إذا أحرم الإنسان وفي يده صيد؛ فإنه يجب عليه إرساله.
فإن مات الصيد قبل التمكن من إرساله فلا ضمان.
وقال بعض الأصحاب: يضمن
(2)
.
الثانية: إذا نذر أضحيَّة أو الصدقة بدراهم معينة، فتلفت، فهل يضمن أم لا؟ روايتان
(3)
.
• قريب من القاعدة أيضاً: إذا وجب عليه حق، فلم يؤدِّه حتى وُجِد ما لو كان موجوداً حالة الوجوب لمنع الوجوب، هل يمنع الوجوب أم لا؟
(1)
المذهب عند المتأخرين: أنه في صوم النذر لا يقضى عنه ما لم يتمكن منه، وفي الحج: يحج عنه مطلقًا تمكن أو لم يتمكن. ينظر: الإنصاف 7/ 508، كشاف القناع 2/ 335، شرح المنتهى 1/ 491.
(2)
ينظر: المبدع 3/ 155، الإنصاف 3/ 482.
(3)
إن تلفت بغير تفريطه، لم يضمنها بلا نزاع، وإن تلفت بتفريطه ضمنها. ينظر: الإنصاف 9/ 394، كشاف القناع 3/ 13.
وفي ذلك مسائل:
الأولى: إذا جامع في رمضان ثم مرض؛ لم تسقط عنه الكفارة.
وكذلك إذا جامع في رمضان ثم مات، أو حاضت المرأة أو نفست.
وقيل: إنها تسقط بالحيض والنفاس والموت.
الثانية: إذا سافر بعد دخول وقت الصلاة، فهل يجوز له قصر الصلاة أم لا؟ روايتان
(1)
.
الثالثة: لو سافر في أثناء يوم في رمضان، هل له الفطر أم لا؟ روايتان
(2)
.
الرابعة: إذا قتل ذميٌّ أو عبدٌ ذميًّا أو عبداً، ثم أسلم القاتل، أو عَتَق قبل استيفاء القصاص منه؛ لم يسقط عنه القصاص في المنصوص عن الإمام أحمد
(3)
.
(1)
المذهب عند المتأخرين: أنه لا يجوز له القصر. ينظر: الإنصاف 5/ 53، شرح المنتهى 1/ 294.
(2)
المذهب عند المتأخرين: يجوز الفطر. ينظر: الإنصاف 7/ 379، كشاف القناع 2/ 312.
(3)
وهو المذهب عند المتأخرين. ينظر: الإنصاف 25/ 104، شرح المنتهى 3/ 267.
وفي قول: عدمُ قتلِ مَن أسلم.
الخامسة: لو قَتَل وهو بالغ عاقل، فلم يُستوف منه حتى جُنَّ، فإنه يُستوفى منه حال جنونه.
السادسة: إذا زنى بامرأة، ثم تزوجها أو ملكها قبل إقامة الحد؛ لم يسقط عنه الحد.
السابعة: لو سرق نصاباً فلم يقطع حتى نَقَصَت قيمته؛ لم يسقط عنه القطع.
وكذا لو ملَّكه سارقه.
القاعدةُ الخامسةَ عشْرةَ
الأمر الذي أُريد به جواز التراخي، إذا مات المأمور به بعد تمكنه منه وقبل الفعل؛ لم يمت عاصياً عند الأكثرين.
وقال قوم: يموت عاصياً.
وحاصل ذلك يرجع إلى من أُبيح له فعل شيء أو تركُه؛ فإنه لا يترتب عليه شيء.
• فروع القاعدة
(1)
:
الأولى: إذا مات من أبيح له التأخير في أثناء وقت الصلاة قبل الفعل وقبل ضيق الوقت، وتمكن من الأداء، فهل يموت عاصياً أم لا؟ وجهان، أصحهما: العصيان.
(2)
الثانية: إذا ضرب المستأجر الدابة، أو الرائضُ، بقدر العادة، أو كبحها، فتلفت؛ لم يضمنها.
وكذلك المعلمُ إذا ضرب الصبيَّ، أو الزوجُ امرأتَه في النشوز؛ لإباحة ذلك له.
(1)
ذكر المؤلف رحمه الله (13) مسألة تحت هذه القاعدة.
(2)
المذهب عند المتأخرين: أنه لا يأثم بذلك. ينظر: الإنصاف 3/ 27، كشاف القناع 1/ 227.
الثالثة: لو ذُكرت امرأة عند السلطان بسوء، فأرسل ليحضرها، فماتت فزعاً، فهل يضمنها أم لا؟ وجهان
(1)
.
وكذلك الوجهان، فيما لو استعدى عليها رجل بالشرطى في دعوى له، فماتت فزعاً فهل يضمنها المستعدي أم لا
(2)
؟
الرابعة: لو أوقفت دابة في طريق واسع، فأتلفت شيئاً، فهل يضمن مالكها أم لا؟ روايتان
(3)
.
الخامسة: لو فعل بالمسجد ما تعم مصلحته؛ كبسط حصير وتعليق قنديل أو نصب عمد أو باب؛ فلا ضمان لما تلف به، أذن الإمام أو متولي المسجد أو جيرانه أم لا.
وقيل: إن لم يأذن الإمام فإنه يضمن.
السادسة: إخراج الأجنحة
(4)
والساباطات
(5)
والخشب
(1)
المذهب: أنه يضمنها. ينظر: الإنصاف 1/ 54، المغني 9/ 579.
(2)
وقال ابن قدامة: يضمنها إن كان ظالماً لها، وإن كانت هي الظالمة فلا يضمنها.
قال ابن اللحام: والذي قاله صاحب المغني بأنه يضمنها إن كان ظالماً لها فلا تردد فيه، وإن لم يكن ظالماً فهذا ينبغي أن يكون محل الخلاف، والله أعلم. ينظر: القواعد 1/ 267.
(3)
المعتمد من المذهب: أنه يضمن. ينظر: الإنصاف 6/ 220.
(4)
الجناح: ما يخرج إلى الطريق من الخشب. المطلع ص 251.
(5)
الساباط: سقيفة بين حائطين تحتها طريق نافذ، والجمع سوابيط وساباطات. الصحاح 3/ 1129.
والحجارة من الجُدُر إلى الطريق إذا لم يضر به، هل يجوز أم لا؟ نص أحمد في رواية: أنه لا يجوز ويضمن، ولم يعتبر إذن الإمام في ذلك.
والأكثرون من الأصحاب: يجوزون ذلك بإذن الإمام مع انتفاء الضرر، وحينئذ لا ضمان
(1)
.
السابعة: أن سراية القود غير مضمونة، فلو قطع اليد قصاصاً فسرى إلى النفس؛ فلا ضمان.
الثامنة: لو أريدت نفسه أو ماله أو حُرْمَتُه؛ دفع عن ذلك بأسهل ما يعلم أنه يندفع به
(2)
.
التاسعة: لو عض إنسان إنساناً، فانتزع يده من فيه فسقطت ثناياه، ذهبت هدراً، هذا هو المذهب.
وقال جماعة من الأصحاب: يدفعه بالأسهل فالأسهل كالصائل.
(1)
هذا هو المذهب عند المتأخرين. ينظر: الإنصاف 13/ 184، كشاف القناع 3/ 406.
(2)
واختار ابن قدامة: له دفعه بالأسهل إن خاف أن يبدره، فإن قُتل الدافع فهو شهيد، وإن قُتل المدفوع، فلا ضمان فيه. ينظر: القواعد 1/ 277.
العاشرة: لو نظر إنسان في بيت إنسان، فحذف عينه ففقأها، فلا شيء عليه
(1)
.
• مسألة: قضاء رمضان على التراخي، فإذا أمكنه القضاء فلم يقض؛ فإنه يلزمه الإطعام لكل مسكين يوماً.
ومقتضى ما تقرر من قاعدة المذهب: أنه لا يلزمه شيء، لكن روي الإطعام عن ابن عباس
(2)
و أبي هريرة رضي الله عنهما
(3)
.
(1)
وقال بعض الأصحاب: يدفعه بالأسهل فالأسهل كالصائل.
وقال بعض أصحابنا: إذا كان في الدار نساء من محارمه ولم يكنَّ متجردات فليس لصاحب الدار رميه.
ولو كان أعمى وتسمَّع لم يجز طعن أذنه، وأجازه ابن عقيل وقال: لا ضمان فيه. ينظر: القواعد 1/ 281.
(2)
أخرجه عبدالرزاق في المصنف (7628)، والبيهقي في سننه (4/ 253) وغيرهما، عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفاً، وعلقه البخاري جازماً به (2/ 293).
(3)
أخرجه عبدالرزاق في المصنف (7620)، والدارقطني (2/ 196)، والبيهقي (4/ 253)، عن أبي هريرة رضي ا لله عنه موقوفاً.
القاعدةُ السادسةَ عشْرةَ
إذا ظن المكلف أنه لا يعيش إلى آخر وقت العبادة الموسَّعة: تضيَّقت العبادة عليه، ولا يجوز تأخيرها عن الوقت الذي غلب على ظنه أنه لا يبقى بعده؛ لأن الظن مناط التعبد.
والضابط في ذلك: هو ظن الإخراج عن وقته بأي سبب كان)
(1)
.
• فرع: إذا فعل المكلف العبادة مع ظن المانع، فلا كلام.
وأما إذا لم يبادر وبان له خطأ ظنه - بأن عاش - ففعل بعد الوقت الذي ظنه، فهل يكون قضاء؟ قولان
(2)
.
(1)
نقل بعض أصحابنا الإجماع على إثم من أخَّر الواجب الموسع مع ظن مانعٍ من موت أو غيره. ونقل بعضهم: يأثم مع عدم ظن البقاء إجماعاً. ينظر: القواعد 1/ 286.
(2)
جمهور العلماء: أنه أداء؛ لبقاء الوقت، ولا يلتفت إلى ظنه الذي بان خطؤه. ينظر: روضة الناظر 1/ 322، شرح الكوكب المنير 1/ 372.
• فروع القاعدة:
(1)
الأولى: إذا باع مال أبيه يظن حياته، ثم بان ميتاً، فهل يصح البيع أم لا؟ قولان
(2)
.
الثانية: إذا طلق امرأةً يظنها أجنبية، فبانت زوجته، هل تطلق؟ روايتان.
(3)
الثالثة: لو رمى شيئاً يظنه حجراً، فإذا هو صيد، فهل يحل أم لا؟ المذهب: أنه لا يحل.
وقيل: يحل، واختاره ابن قدامة.
الرابعة: لو أكل يظن أو يعتقد أنه ليل، فبان نهاراً في أوله أو آخره، فهل يجب القضاء أم لا؟ المذهب: وجوب القضاء.
واختار أبو العباس ابن تيمية: عدم القضاء
(4)
.
الخامسة: لو حلف على شيء يظنه، فبان بخلافه، فهل
(1)
ذكر المؤلف رحمه الله (56) مسألة تحت هذه القاعدة.
(2)
المذهب عند المتأخرين: أنه يصح البيع. ينظر: الإنصاف 11/ 60، كشاف القناع 3/ 157.
(3)
المذهب عند المتأخرين: أنها تطلق. ينظر: الإنصاف 23/ 73، شرح المنتهى 3/ 145.
(4)
ينظر: الفتاوى الكبرى 5/ 377.
يحنث أم لا؟ روايتان
(1)
.
السادسة: لو قال لزوجته: إن خرجت بغير إذني فأنت طالق، ثم أذن لها، فخرجت ظنًّا أنه لم يأذن، فهل تطلق؟ وجهان، المذهب المنصوص: أنها تطلق.
السابعة: لو وكَّل شخصاً في التصرف في شيء ثم عزله، ولم يعلم الوكيل بالعزل، أو مات الموكِّل، ثم تصرف الوكيل بعد ذلك بناء على الوكالة المتقدمة، هل يصح تصرفه أم لا؟ روايتان، المذهب: أنه لا يصح.
وذكر أبو العباس وجهاً بالفرق بين موت الموكل وعزله، فينعزل بالموت لا بالعزل
(2)
.
الثامنة: لو لم يُعلم وجود الأقرب في أولياء النكاح حتى زوَّج الأبعدُ، فهل يصح النكاح أم لا
(3)
؟
على الروايتين في انعزال الوكيل قبل علمه بالعزل، ورجَّح أبو العباس وابن رجب الصحة هنا.
(1)
المذهب عند المتأخرين: أنه لا يحنث. ينظر: الإنصاف 27/ 475، شرح المنتهى 3/ 136.
(2)
ينظر: الفروع 7/ 42، الإنصاف 13/ 479.
(3)
المذهب عند المتأخرين: صحة النكاح. ينظر: الإنصاف 20/ 191، كشاف القناع 5/ 55.
التاسعة: لو دفع الزكاة إلى من يظنه مستحقًّا لها، فبان غنيًّا هل يجزيه؟ روايتان، المذهب: الإجزاء.
العاشرة: لو صلى من اشتبهت عليه القبلة من غير اجتهاد ولا تقليد، ثم بان مصيباً، فهل تلزمه الإعادة؟ قولان، المذهب: لزوم الإعادة.
القاعدةُ السابعةَ عشْرةَ
ما لا يتم الواجب إلا به
، للناس في ضبطه طريقان:
الطريقة الأولى: أنه ينقسم إلى قسمين:
الأول: غير مقدور للمكلف؛ كحضور الإمام والعدد للجمعة: فلا يكون واجباً.
الثاني: ما يكون مقدوراً له؛ كالطهارة، وقطع المسافة إلى الجمعة والمشاعر: فيكون واجباً.
الطريقة الثانية: أن ما لا يتم الوجوب إلا به، فليس بواجب؛ كالقسم الأول، وكالمال في الحج والكفارات.
وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب مطلقاً، وهذه طريقة الأكثرين من أصحابنا وغيرهم.
(1)
(1)
سواء كان شرطاً أم سبباً.
وقال بعض الأصوليين: يكون أمراً بالسبب دون الشرط.
وقال بعضهم: لا يكون أمراً بواحد منهما.
…
وقيل: إن كان شرطاً شرعيًّا وجب، وإن كان عقليًّا أو عاديًّا فلا. ينظر: القواعد 1/ 316.
• فروع القاعدة
(1)
:
الأولى: هل يجب على الصائم إمساك جزء من الليل أم لا؟ قولان
(2)
.
الثانية: إذا اشتبهت زوجته بأجنبية، فيجب عليه الكف عن الجميع
(3)
.
الثالثة: إذا اشتبهت الثياب الطاهرة بالنجسة، فإنه يلزمه أن يصلي بعدد النجس ويزيد صلاة، ولا يتحرى.
وقيل: يتحرى إذا كثرت الثياب النجسة للمشقة.
وقيل: يتحرى مطلقاً.
الرابعة: الأكل مِن مالِ مَنْ في ماله حرام، هل يجوز أم
(1)
ولنا مسائل كثيرة نأخذ فيها باليقين أو بغلبة الظن وهي مبنية على هذه القاعدة.
وقد تقدم في قاعدة حد الفقه.
وضابط ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب: إما أن يكون بالأداء؛ لتبرأ الذمة، أو بالاجتناب؛ ليحصل ترك الحرام، إذ تركه واجب. ينظر: القواعد 1/ 343
تنبيه: ذكر المؤلف رحمه الله (36) مسألة تحت هذه القاعدة.
(2)
قدَّم في الفروع: أنه لا يجب، وتبعه في الإنصاف. ينظر: الفروع 5/ 31، الإنصاف 7/ 490.
(3)
ومثله: لو اشتبهت محرَّمة بأجنبيات محصورات بعشر، فهل له أن ينكح واحدة منهن أم لا؟ وجهان، وحيث قلنا بالجواز، فهل يلزمه التحري أم لا؟ وجهان. ينظر: القواعد 1/ 318.
لا؟ في المسألة أربعة أقوال:
أحدها: التحريم مطلقاً.
والثاني: إن زاد الحرام على الثُّلث حَرُم الكل، وإلا فلا؛ لأن الثُّلث ضابط في مواضع.
والثالث: إن كان الأكثر الحرام حَرُم وإلا فلا؛ إقامة للأكثر مقام الكل.
والرابع: عدم التحريم مطلقاً، قلَّ الحرام أو كثر، لكن يكره، وتقوى الكراهة وتضعف بحسب كثرة الحرام
(1)
.
الخامسة: الذبيحة في بلدة فيها مجوس أو عبدة أوثان يذبحون، فلا يجوز أكلها، وإن جاز أن تكون ذبيحة مسلم.
وكذلك إن كان فيه أخلاط من المسلمين والمجوس.
فأما إن كان ذلك في بلد الإسلام؛ فالظاهر إباحتها. قاله في المغني
(2)
.
السادسة: لو نسي صلاة من خمس، فهل يلزمه قضاء الخمس أم لا؟
(1)
وهو المذهب عند المتأخرين. ينظر: الإنصاف 21/ 328، كشاف القناع 3/ 496.
(2)
(4/ 202).
المذهب: لزوم قضاء الخمس، وينوي بكل واحدة الفرض.
وعنه: يلزمه مغرب وفجر ورباعية؛ بناء على أن نية التعيين لا تشترط.
السابعة: لو خَفي عليه موضع النجاسة؛ لزمه غسل ما يتيقن به إزالتها.
الثامنة: الحائض أو النفساء إذا ظنت نسيان القرآن؛ وجب عليها درسه، ذكره أبو العباس ابن تيمية
(1)
، فعلى قوله: هو من القاعدة.
والمذهب: تحريم القراءة عليها.
التاسعة: لو غصب شيئاً؛ فإنه يلزمه رده، ولو غرم عليه أضعاف قيمته.
العاشر: لو غصب آجُرًّا ولوحاً وبنى فوقه، فهل يلزمه رده وإن أفضى إلى هدم البناء أم لا؟ قولان:
الأول: لزوم الرد، بناء على القاعدة
(2)
.
والثاني: لا يلزمه الرد، بل يغرم القيمة.
(1)
ينظر: الفروع 1/ 261، الاختيارات الفقهية ص 27.
(2)
وهو المذهب عند المتأخرين. ينظر: شرح المنتهى 2/ 298، كشاف القناع 4/ 79.
القاعدةُ الثامنةَ عشْرةَ
الزيادة على الواجب:
- إن تميزت؛ كصلاة التطوع بالنسبة إلى المكتوبات: فهي ندب بالاتفاق.
- وإن لم تتميز، فهل هي واجبة أم لا؟ قولان
(1)
.
• فروع القاعدة:
الأولى: إذا وجب عليه شاة، فذبح بدلها بدنة، فهل كلها واجبة أو سُبُعها؟ وجهان
(2)
.
وينبني على الوجهين: هل يجوز له أكل ما عدا السُّبُعَ أم لا؟
وينبني على ذلك أيضاً: زيادة الثواب، فإن ثواب الواجب أعظم من ثواب التطوع.
(1)
جمهور العلماء: أنها نفل، ونسبه المرداوي والفتوحي إلى الأئمة الأربعة. ينظر: روضة الناظر 1/ 186، التحبير شرح التحرير 2/ 756، شرح الكوكب المنير 1/ 411.
(2)
المذهب عند المتأخرين: وجوب الكل. ينظر: الإنصاف 9/ 411، شرح المنتهى 1/ 610.
الثانية: لو أدى عن خَمْسٍ من الإبل بعيراً، فهل كله واجب أو خُمُسُه؟ فيه وجهان
(1)
، ينبني عليهما مسائل:
1 -
هل يجزئ عن عشرين بعيراً أيضاً أم لا؟ إن قلنا: خُمُسُه الواجب، أجزأ عن عشرين بعيراً، وإن قلنا: الكل واجب، لا يجزئ.
2 -
لو اقتضى الحال الرجوع، فهل يرجع بكلِّه أو خُمُسِه؟ فإن قلنا: الجميع واجب رجع بكلِّه، وإن قلنا: الواجب الخُمُس والزائد تطوع، فيرجع بالواجب لا بالتطوع.
3 -
النية، فإن كان الجميع فرضاً فلا بد أن ينوي الجميع أنه الزكاة.
4 -
إذا أخرج في الزكاة سنًّا أعلى من الواجب، فهل كله فرض أو بعضه تطوع؟ قولان
(2)
.
(1)
المذهب عند المتأخرين: أنه لو أخرج بعيرًا عن خمس من الإبل لم يجزئه؛ لأنه عدل عن المنصوص عليه إلى غير جنسه، والوجهان هنا على القول بالإجزاء، قال المرداوي:(قلت: الأولى أن الواجب كله). ينظر: الإنصاف 6/ 398، كشاف القناع 2/ 184.
(2)
قال أبو الخطاب: كله فرض. قال ابن اللحام: وهو مخالف للقاعدة.
وقال القاضي: بعضه تطوع، ورجَّحه ابن رجب وقال:(وهو الصواب؛ لأن الشارع أعطاه جبراناً عن الزيادة). ينظر: القواعد 1/ 348، الإنصاف 6/ 421.
الثالثة: إذا مسح رأسه كله دفعة واحدة، وقلنا: الفرض منه قدر الناصية؛ فالواجب هو الفرض، والزائد نفل
(1)
.
الرابعة: إذا أدرك الإمام في الركوع بعد فوات قدر الإجزاء منه، هل يكون مدركاً له في الفريضة أم لا؟
(2)
يخرَّج على الوجهين، إذا قلنا: لا يصح اقتداء المفترض بالمتنفل.
وقيل: تجري الزيادة مجرى الواجب في باب الإتباع خاصة، إذ الإتباع قد يسقط الواجب كما في المسبوق.
الخامسة: إذا أوصى ببدنةٍ من وجب عليه سُبُعها، أو من وجب عليه شاة:
إن قلنا: إن الزائد يكون نفلاً؛ حُسب من الثلث.
وإن جعلناه واجباً؛ فيكون كما لو أوصى بالعتق في كفارة مخيرة، هل تحسب من رأس المال أو من الثلث؟ وجهان
(3)
.
(1)
المذهب عند المتأخرين: وجوب مسح جميع الرأس. ينظر: الإنصاف 1/ 348، كشاف القناع 1/ 98.
(2)
المذهب عند المتأخرين: يكون مدركاً له، سواء أدرك معه الطمأنينة أم لا، بشرط أن يطمئن هو. ينظر: الإنصاف 4/ 293، شرح المنتهى 1/ 262.
(3)
تقدم الوجهان في قاعدة الواجب المخير، ورجَّح المؤلف هناك أن الجميع معتبر من رأس المال. ينظر: القواعد 1/ 232.
القاعدةُ التاسعةَ عشْرةَ
الأمر المطلق لا يتناول المكروه
عند أصحابنا.
وقيل: يتناوله.
فعلى الأول: لا يستدل لصحة طواف الحائض بقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29]، ولا بآية الوضوء على أن الترتيب لا يجب، إذا قدَّرنا أنه لا دلالة فيها؛ للتنافي، إذ المأمور به مطلوب إيجاده، والمنهي عنه مطلوب إعدامه.
وكلام الأصحاب صريح بأن المراد بالمكروه هنا كراهة التنزيه، فيكون التحريم أولى بأن لا يتناوله الأمر المطلق.
وإذا كان المراد كراهة التنزيه، فيبقى ذلك مشكلاً في الصلاة وغيرها، فإن مقتضى هذه القاعدة: أن كل عبادة مكروهة لا تصح؛ كالصلاة إلى المتحدث والنائم، واستقباله صورة أو وجه إنسان، وكصلاة الحاقن، وكالصلاة المشتملة على التخصر والسدل ورفع البصر إلى السماء واشتمال الصماء والالتفات، ونحو ذلك من المكروهات في الصلاة وغيرها من العبادات.
والمذهب: الصحة في الجميع، وإن كان في بعض الصور خلاف في المذهب.
(1)
(1)
ذكر المؤلف جواب ابن الزاغوني عن هذا الإشكال: بأن معنى المكروه هنا عند أصحابنا: المحرم، وليس مرادهم كراهة التنزيه. ينظر: القواعد 1/ 356.
القاعدة العشرون
الأعيان المنتفع بها قبل الشرع
، مباحة عند الجمهور.
وقيل: محرمة. وقيل: لا حكم لها.
فعلى القول بأنه على التحريم: يباح ما يحتاج إليه، كالنَّفس وسد الرمق.
• إذا تقرر هذا: فقد قال بعض من تكلم في هذه المسألة: إن الكلام فيها تكلف وعناء.
فعلى هذا، لا يتصور الخلاف إلا في تقدير أن الأشياء لو لم يرد بها شرع، ما حكمه؟
وقال بعض أصحابنا: إن هذه المسألة تتصور في شخص خلقه الله تعالى في بريَّة لا يَعرف شيئاً من الشرعيات، وهناك فواكه وأطعمة؛ هي على الحظر حتى يرد الشرع أو على الإباحة?
وذكر بعض الأصحاب: يفيد في الفقه أن من حَرَّم شيئاً أو أباحه، يبقى على حكم أصله من حظر أو إباحة عند عدم الأدلة، وفي هذا الكلام بحث ونظر ظاهر.
القاعدة الحادية والعشرون
البطلان والفساد مترادفان
عندنا وعند الشافعية.
وقال أبو حنيفة: إنهما متباينان.
فالباطل عنده: ما لم يشرع بالكلية؛ كبيع المضامين والملاقيح.
والفاسد: ما شرع أصله، ولكن امتنع لاشتماله على وصف محرم؛ كالربا.
• إذا تقرر هذا: فذكر أصحابنا مسائل فرَّقوا فيها بين الفاسد والباطل، ظن بعض المتأخرين أنها مخالفة للقاعدة.
والذي يظهر والله أعلم: أن ذلك ليس بمخالفة للقاعدة؛ لأن البطلان والفساد مترادفان في مقابلة قول أبي حنيفة السابق.
• وإنما فرقوا بين الفاسد والباطل في مسائل لدليل:
الأولى: إذا أحرم الواطئ حال وطئه، هل ينعقد إحرامه أم لا؟
قيل: ينعقد
(1)
، وقيل: لا ينعقد، فيكون باطلاً.
ولو جامع قبل التحلل الأول؛ فسد حجه.
وحكم الباطل: لا يجب المضي فيه، والفاسد: يجب المضي فيه.
الثانية: الكتابة، فإنه إذا كاتب من لا يصح العقد منه، فإنها تكون كتابة باطلة، ولا يترتب عليها العقد.
وكذا لو كاتبه على عوض غير منجَّم، فالعقد باطل.
وأما إذا كاتبه بعوض مجهول فهي فاسدة، لكل واحد منهما فسخها، ويجعل العتق فيها بالأداء دون الإبراء.
الثالثة: إذا قبض العين في العقد الباطل، فإنها تكون مضمونة عليه على كل حال، سواء كانت صحيحةُ العين مضمونة فيه أو غير مضمونة.
وإن قبضها في الفاسد وكانت صحيحةُ العين فيه غير مضمونة، ففاسد كذلك، ذكره صاحب المغني
(2)
.
(1)
وهو المذهب عند المتأخرين. ينظر: الإنصاف 8/ 135.
(2)
قال في المغني (5/ 81): (والقبض في العقد الفاسد كالقبض في الصحيح، فما كان القبض في صحيحه مضموناً كان مضموناً في فاسده، وما كان غير مضمون في صحيحه كان غير مضمون في فاسده).
الرابعة: المخالفة من الوكيل تقتضي فساد الوكالة لا بطلانها، فيفسد عقد الوكالة، ويصير الوكيل متصرِّفاً بمجرد الإذن.
وفي وجه: أن الوكالة تبطل بذلك؛ كالوديعة.
الخامسة: الفاسد من النكاح: ما كان يسوغ فيه الاجتهاد، والباطل: ما كان مجمعاً على بطلانه.
فالباطل: لا يترتب عليه شيء من أحكام الصحيح، إلا في الطلاق إذا تزوجها في عدةٍ من غيره، هل يقع؟ فيه روايتان
(1)
.
وأما الفاسد: فيثبت فيه أحكام الصحيح، منها:
1 -
اللعان: فيصح في النكاح الفاسد لإسقاط الحد ونفي النسب.
2 -
الخلوة في الفاسد: فإنها تكمل الصداق كالصحيح.
وفي رواية: لا شيء بها.
3 -
عدة الوفاة: فإنها تجب في النكاح الفاسد.
وقيل: لا عدة عليها.
(1)
المذهب: لا يقع. ينظر: الإنصاف 22/ 159، كشاف القناع 5/ 237.
4 -
في المطلقة في النكاح الفاسد: فإنها تجتنب ما تجتنبه المطلقة في النكاح الصحيح.
5 -
الميراث: فلا يتوارث الزوجان في النكاح الفاسد.
6 -
الإحصان: هل يحصل به أم لا؟ المجزوم به عند الأصحاب: لا يحصل.
7 -
الطلاق في النكاح الفاسد: يقع.
وقيل: لا يقع حتى يعتقد صحته.
القاعدةُ الثانيةُ والعشرون
العزيمة لغة: القصد المؤكد.
وشرعاً: الحكم الثابت بدليل شرعي خلا عن معارض.
وقولنا (بدليل شرعي) يتناول: الواجب، وتحريم الحرام، وكراهة المكروه.
والرخصة: لغة: السهولة.
وشرعاً: ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح
(1)
.
• مسائل تتعلق بالرخصة والعزيمة:
الأولى: التيمم وأكل الميتة عند الضرورة، هل يسمَّيان رخصة أم لا؟
(1)
وقيل: الرخصة هي: استباحة المحظور مع قيام السبب الحاظر. ينظر: القواعد 1/ 382.
وجعل بعضهم الرخصة والعزيمة من أقسام الحكم، وجعلها بعضهم من خطاب الوضع. ينظر: القواعد 1/ 383.
فائدة: قد يكون سبب الرخصة اختياريًّا؛ كالسفر، أو اضطراريًّا؛ كالاغتصاص باللقمة المبيح لشرب الخمر. ينظر: القواعد 1/ 395.
قيل: لا يسميان رخصة؛ لأن كلًّا منهما عزيمة يتعين فعله في موضعه، ولا يجوز الإخلال به.
وقيل: أكل الميتة له جهتان، فمن حيثُ إن المضطر لم يكلَّف بإهلاك جسمه بالجوع، بل أبيح له دفعه ضرورةً بالمحرَّم وأُسقِط عنه العتاب، هو رخصة، ومن حيثُ إنه يجب عليه الأكل، ويُعاقب على تركه، هو عزيمة.
وأما التيمم، فإن كان لعدم الماء فليس برخصة بل عزيمة، وإن كان التيمم مع وجود الماء، لعذرٍ من مرض أو غيره فهو رخصة.
ومن العلماء من قال: التيمم رخصة بكل حال.
وهذا على قول من يقول: إن التيمم لا يرفع الحدث.
(1)
الثانية: المسح على الخفين، قال أكثر أصحابنا: هو رخصة، وقيل: بأنه عزيمة.
(2)
(1)
قيل: ينبني على أن التيمم رخصة أو عزيمة: التيمم بتراب مغصوب، وفي سفر المعصية ونحوها.
قال المؤلف: وفيه نظر؛ لأن الوضوء عزيمة، ومع هذا فلو توضأ بماء مغصوب لا يصح وضوؤه. ينظر: القواعد 1/ 386.
(2)
قيل: من فوائدها المسح في سفر المعصية، وتعيين المسح على لابسه. قال المؤلف: وفيه نظر. ينظر: القواعد 1/ 386.
• فرع: الرخصة تنقسم إلى أقسام:
القسم الأول: ما هو واجب:
1 -
كأكل الميتة عند الضرورة.
2 -
من خاف التلف بصومه، فإنه يجب عليه الفطر.
(1)
القسم الثاني: ما فعله مستحب: كقصر الصلاة، والفطر في الصوم في السفر.
وفيه وجه: الإتمام والصوم أفضل.
القسم الثالث: ما الأفضل عدم فعله: كالإكراه على التلفظ بكلمة الكفر.
• فرع: اختلف في مسائل من الرُّخص، هل الأفضل فعلها أم تركها؟
الأولى: الجمع بين الصلاتين، فهل الأفضل فعله أو تركه؟ روايتان، أظهرهما: الثاني.
الثانية: المسح على الخفين، فعن أحمد: المسح
(1)
المذهب عند المتأخرين: أنه يكره له الصيام، وإذا صام أجزأه. الإنصاف 7/ 369، كشاف القناع 2/ 310.
أفضل
(1)
، وعنه: الغسل أفضل، وعنه: هما سواء.
قال أبو العباس ابن تيمية: الأفضل في حق كل واحد ما هو الموافق لحال قدمه.
الثالثة: تقديم الكفارة بعد اليمين وقبل الحنث، فهل الأفضل التقديم، أو التأخير إلى بعد الحنث، أو هما سواء؟ ثلاث روايات، المذهب: أنهما سواء.
الرابعة: هل الأفضل تعجيل الزكاة إذا كمل النصاب أم لا؟ المنصوص عن أحمد: لا بأس بالتعجيل.
وقيل: هما على حد واحد.
وظاهر كلام الأصحاب: أن ترك التعجيل أفضل
(2)
.
وقال بعض المتأخرين
(3)
: يتوجه أن تعتبر المصلحة.
الخامسة: المتخلي، هل الأفضل له استعمال الحجر أو استعمال الماء؟ روايتان، المذهب: الثاني.
(1)
وهو المذهب عند المتأخرين. ينظر: الإنصاف 1/ 377، شرح المنتهى 1/ 60.
(2)
وهو المذهب عند المتأخرين. ينظر: الإنصاف 7/ 179، كشاف القناع 2/ 265.
(3)
هو ابن مفلح كما في الفروع 4/ 276.
القسم الرابع: ما هو مكروه: كالسفر للترخص
(1)
.
القسم الخامس: ما هو مباح: كالعرايا والمساقاة والمزارعة والكتابة والشفعة وغير ذلك من العقود الثابتة على خلاف القياس
(2)
.
(1)
وقد ذكر غيره من الأصحاب: لو سافر ليفطر حرم السفر والفطر. ينظر: القواعد 1/ 392
تنبيه: هل الكراهة في السفر مانعة من الترخص؟ ظاهر كلام جمهور الأصحاب: أنها مانعة، لأنهم قالوا: من سافر سفراً مباحاً فله الترخص، والمكروه ليس بمباح. قاله المؤلف، وهو المذهب عند المتأخرين. ينظر: القواعد 1/ 392، الإنصاف 5/ 36، كشاف القناع 1/ 505.
(2)
قال أبو العباس ابن تيمية: ليس شيء من العقود وغيرها الثابتة المستقر حكمها على خلاف القياس، وقرر ذلك بأحسن تقرير. ينظر: القواعد 1/ 395.
القاعدة الثالثة والعشرون
تثبت اللغة قياساً عند أكثر أصحابنا، ونفاه بعضهم
(1)
.
• تحرير محل النزاع:
- الإجماع منعقد على منعه في الأعلام والألقاب؛ لوضعها لغير معنًى جامع.
- والإجماع منعقد على منعه في الصفات؛ لأن العالم من قام به العلم، فيجب طرده، فإطلاقه بوضع اللغة.
- ومحل الخلاف: في الاسم الموضوع لمسمًّى مستلزِمٍ لمعنًى في محله وجوداً وعدماً.
• ذكر طائفة من الأصوليين أن ما ينبني على هذه القاعدة من الفروع:
الأولى: اللائط يحدُّ؛ قياساً على الزاني، بجامع الإيلاج المحرم.
(1)
للنحاة قولان اجتهاداً، فلا يحسن قول من قال: من أثبت مقدم على غيره. ينظر: القواعد 1/ 397.
الثانية: شارب النبيذ يحدُّ؛ قياساً على شارب الخمر، بجامع السكر والتخمير.
الثالثة: نباش القبور يُقطع؛ قياساً على سارق أموال الأحياء، بجامع أخذ الأموال خفية.
وهذا البناء ليس بناءً جيداً، بل هو واضح البطلان، والله أعلم.
القاعدة الرابعة والعشرون
من أنواع المجاز: إطلاق اسم البعض على الكل، وعكسه.
• فروع القاعدة:
الأولى: إذا قال لزوجته: أنت طالق نصف طلقة؛ فإنها تطلق طلقة كاملة.
الثانية: لو نذر صوم نصف يوم؛ فإنه يلزمه يوم كامل.
الثالثة: إذا حلف لا يشرب له الماء من العطش، والنية أو السبب قطع منَّتِه؛ حنث بكل ما فيه مِنَّة؛ لأن فيه جهة صحيحة، وهي إطلاق اسم البعض وإرادة الكل.
القاعدة الخامسة والعشرون
إذا دار اللفظ بين الحقيقة المرجوحة والمجاز الراجح
، فما الذي يقدم؟
قيل: يحمل على الحقيقة.
وقيل: على المجاز.
وقيل: يستويان، فلا ينصرف إلى أحدهما إلا بالنية.
• محل الخلاف: أن يكون المجاز راجحاً على الحقيقة، بحيث يكون هو المتبادِرَ إلى الذهن عند الإطلاق، والحقيقة تتعاهد في بعض الأوقات
(1)
.
(1)
تحرير محل النزاع، أن المجاز له أقسام:
أحدها: أن يكون مرجوحاً لا يفهم إلا بقرينة، كالأسد للشجاع: فلا إشكال في تقديم الحقيقة.
الثاني: أن يغلب استعماله حتى يساوي الحقيقة: فتقدم الحقيقة؛ كالنكاح يطلق على العقد والوطء إطلاقاً متساوياً، وهو حقيقة في العقد.
الثالث: أن يكون راجحاً، والحقيقة مُماتةً لا تراد في العرف: فيقدم المجاز.
والرابع: أن يكون راجحاً، والحقيقة تتعاهد في بعض الأوقات: فهذا موضوع الخلاف، كما لو قال: لأشربنَّ من هذا النهر، فهو حقيقة في الكَرْع من النهر بفيه، وإذا اغترف بالكوز وشرب فهو مجاز؛ لأنه شرب من الكوز لا من النهر، لكنه المجاز الراجح المتبادر إلى الفهم، والحقيقة قد تراد؛ لأن كثيراً من الرعاء وغيرهم يكرع بفيه. ينظر: القواعد 1/ 405.
• من فروع القاعدة:
إذا حلف لا يشرب من دجلة أو من الفرات.
فمن قدَّم المجاز الراجح يقول: يحنث باغترافه منه بإناءٍ ونحوه وشربه منه، وهذا قول أصحابنا.
ومن قدَّم الحقيقة المرجوحة قال: لا يحنث إلا بأن يَكرَع منه.
القاعدة السادسة والعشرون
إذا لم ينتظم الكلام إلا بارتكاب مجازٍ، إما بارتكاب الزيادة أو النقصان، فمجاز النقصان أولى؛ لأن الحذف في كلام العرب أكثر من الزيادة.
• من فروع القاعدة:
إذا قال الزوج لزوجتيه: إن حضتما حيضة فأنتما طالقتان، فلأصحابنا أربعة أوجه:
أحدها: سلوك الزيادة، وذلك بدعوى أن قوله:(حيضة) زائدة، ويصير التقدير: إن حضتما فأنتما طالقتان، فإذا طعنتا في الحيض طَلَقَتا
(1)
.
والثاني: سلوك النقص، وهو الإضمار، ويكون التقدير: إن حاضت كل واحدة منكما حيضة واحدة فأنتما طالقتان، وهو موافق للقاعدة
(2)
.
(1)
وهو المذهب عند المتأخرين. ينظر: التنقيح المشبع ص 390، كشاف القناع 5/ 295، شرح المنتهى 3/ 120.
(2)
وهو اختيار ابن قدامة. وقال فيه المرداوي في الإنصاف: إنه الصحيح من المذهب. ينظر: المغني 8/ 365، الإنصاف 22/ 480.
والثالث: تطلقان بحيضة من إحداهما؛ لأنه لما تعذَّر وجود الفعل منهما، وجبت إضافته إلى أحدهما.
والرابع: لا يطلقان بحال؛ بناء على أنه لا يقع الطلاق المعلَّق على المستحيل.
القاعدة السابعة والعشرون
إذا تعارض المجاز والإضمار:
قيل: هما سواء، فيكون اللفظ مجملاً حتى لا يترجح أحدهما على الآخر إلا بدليل.
وقيل: إن المجاز أولى.
• من فروع القاعدة:
إذا قال لعبده الذي هو أكبر منه: أنت ابني، فهل نُعتقه عليه ظاهراً؟
لأنه يحتمل أن يكون قد عبر بالبنوة عن العتق، فيحكم بعتقه.
ويحتمل أن يكون فيه إضمارٌ، تقديره: مثل ابني في الحنو، فلا يعتق.
للأصحاب فيه خلاف
(1)
.
(1)
المذهب عند المتأخرين: أنه لا يعتق. ينظر: الإنصاف 19/ 18، كشاف القناع 4/ 512.
القاعدة الثامنة والعشرون
إطلاق المشتق - كاسم الفاعل واسم المفعول - على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: إطلاقه باعتبار الحالِ: فهو حقيقة بلا نزاع، كحين القبول والإيجاب بالنسبة إلى المتبايعين.
القسم الثاني: إطلاقه باعتبار المستقبل: فهل هو على الحقيقة؟ قولان
(1)
.
القسم الثالث: إطلاقه باعتبار الماضي، ففي المسألة مذاهب:
الأول: أنه مجاز مطلقاً.
والثاني: أنه حقيقة مطلقاً.
(1)
وقال أبو العباس ابن تيمية: بل هو نوعان:
أحدهما: أن يراد الصفة لا الفعل، كقولهم: سيف قطوع، وماء مُروٍ، وخبز نقيع، فقيل: هذا مجاز، وقيل: بل هو حقيقة.
والثاني: أن يراد الفعل الذي يحدث وجوده في المستقبل، وأن لا يتغير الفاعل بفعله كأفعال الله، هذا عند أصحابنا وجمهور أهل السنة، أن الله سبحانه موصوف في الأزل بالخالق والرازق حقيقة. ينظر: القواعد 1/ 417، المسودة ص 570.
والثالث: التفصيل بين الممكن وغيره
(1)
.
والرابع: الفرق بين ما يعدم عقب وجود مسمَّاه؛ كالبيع والنكاح والاغتسال والتوضؤ، فإن الاسم يقع عليه بعد ذلك حقيقة، وما يدوم بعد وجود المسمَّى، كالقيام والقعود، فإذا عدم المسمى جميعه، كان الاسم مجازاً.
والخامس: أن هذه الأسماء حقيقة عقب وجود المعنى المشتق منه، بخلاف ما إذا طال الزمان.
(2)
• فرعان يتعلقان باسم الفاعل:
الأولى: إذا قال الكافر: أنا مؤمن أو مسلم، فإنه يحكم بإسلامه.
(3)
(1)
فإن كان معنى المشتق منه مما يمكن بقاؤه، كالقيام والقعود، اشتُرِط بقاؤه في كون المشتق حقيقة، وإلا فلا. ينظر: الإبهاج في شرح المنهاج 1/ 229، البحر المحيط 2/ 338.
(2)
قيل: إن محل الخلاف فيما إذا لم يطرأ على المحل وصف وجوديٌّ يناقض المعنى الأول، كالسَّواد مع البياض، والقيام مع القعود، فإنه يكون مجازاً اتفاقاً. ينظر: القواعد 1/ 420
(3)
وقيل: هذا في الكافر الأصلي، وفيمن جحد الوحدانية، أما من كفر بجحد نبي أو كتاب أو فريضة أو نحو هذا، فإنه لا يصير مسلماً بذلك؛ لأنه ربما اعتقد أن الإسلام ما هو عليه، فإن أهل البدع كلهم يعتقدون أنهم هم المسلمون. ينظر: القواعد 1/ 423.
الثانية: إذا قال المدَّعى عليه: أنا مقِرٌّ بما يدعيه، فإنه يكون إقراراً، بخلاف ما لو قال: أنا مُقِرٌّ، ولم يقل: به، فإنه لا يكون إقراراً؛ لاحتمال أنه يريد الإقرار بأنه لا شيء عليه.
واختار أبو العباس ابن تيمية: أنه يكون إقراراً.
• قاعدة من جنس قاعدة المشتق من معنًى بعدَ زوال ذلك المعنى، وهي:
المضاف بعد زوال موجب الإضافة؛ كقوله تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [الأحزاب: 27]، وقوله:{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12]، وقوله صلى الله عليه وسلم:«أيما رجل وجد ماله عند رجل قد أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه»
(1)
.
قال القاضي: وهذا مجاز مستعمل يجري مجرى الحقيقة.
قال المجد ابن تيمية: (والصواب أن هذا حقيقة؛ لأن الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة، لكن قد يكون عند الإطلاق له معنى، وعند الاقتران بلفظ آخر له معنى، فيرجع إلى أن القرينة اللفظية الدالة بالوضع، هل يكون ما اقترن بها دلالة بالحقيقة أو المجاز؟) ثم قال: (والصواب المقطوع به أنه حقيقة، وإن كان قد قال طائفة من أصحابنا وغيرهم: إنه مجاز).
(1)
رواه ابن ماجه (2360)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
القاعدة التاسعة والعشرون
(الواو) العاطفة، هل تفيد الترتيب
أم لا؟ في ذلك مذاهب:
الذي عليه جمهور النحاة والفقهاء: أنها لا تدل على ترتيب ولا معية، وإنما هي لمطلق الجمع.
والمذهب الثاني: أنها تدل على المعية، وهو قول في المذهب.
والمذهب الثالث: أنها تدل على الترتيب، وهو قول في المذهب، وأنكر جمع من أهل اللغة ذلك.
(1)
(1)
والمذهب الرابع: أن الواو العاطفة إن كان كل واحد من معطوفاتها مرتبطاً بالآخر، ويتوقف صحته على صحته، أفادت الترتيب بين معطوفاتها، كقوله تعالى:(ارْكَعُوا واسجدوا)[الحج: 77]، وقوله تعالى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]، وكآية الوضوء، وإن لم يتوقف صحة بعض معطوفاتها على بعض، لم تدل على الترتيب، كقوله تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]، وقوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]، وهو قول بعض الأصحاب.
المذهب الخامس: أن الواو للترتيب إذا تعذر الجمع. ينظر: القواعد 1/ 436.
وقال أبو العباس ابن تيمية: (حرف الواو كما لا يقتضي الترتيب فلا ينفيه، لكن هي ساكتة عنه نفياً وإثباتاً، ولكن تدل على التشريك وهو الجمع المطلق). ينظر: القواعد 1/ 440، الاختيارات الفقهية ص 180.
• فروع القاعدة
(1)
:
الأولى: إذا قال لزوجته: إن قمت وقعدت فأنت طالق، فلا يقع الطلاق إلا بالقيام والقعود، ولا يكفي أحدهما على الصحيح من الروايتين.
الثانية: إذا قال لزوجته التي لم يدخل بها: أنت طالق وطالق وطالق، طَلَقَتْ ثلاثاً، بناء على القاعدة أنها لمطلق الجمع.
وعن أحمد: تبين بالأولى، بناء على أن الواو للترتيب.
الثالثة: لو وقف على أولاده، وأولاد أولاده، وأولاد أولاد أولاده، فإنه يكون مشتركاً بين البطون كلها، بناء على القاعدة.
الرابعة: ما قاله بعضهم: إن وجوب الترتيب في الوضوء، والبداءة بالصفا، بناء على أن الواو للترتيب، وليس بناء جيداً، وإنما ثبت وجوب ذلك بأدلة غير (الواو).
(1)
ذكر المؤلف (10) مسائل، وما لم أذكره فهو في مسائل الوصايا والطلاق.
القاعدة الثلاثون
(الفاء) تقتضي تشريك ما بعدها لما قبلها في حكمه، إذ الجمهور على أنها تدل على الترتيب بلا مهلة، ويعبر عنه بالتعقيب، كأن الثاني أخذ بعقب الأول.
• فروع القاعدة:
الأولى: إذا قال لزوجته: إن قمت فقعدت فأنت طالق؛ لم تطلق إلا بهما مرتبين.
الثانية: إذا قال لزوجته قبل الدخول: أنت طالق فطالق؛ فإنها تطلق بالأولى ولا يلحقها ما بعدها، سواء في ذلك التعليق والتنجيز.
القاعدة الحادية والثلاثون
(ثم) من حروف العطف، وهي تفيد الترتيب ولكن بمهلة، وتفيد التشريك في الحكم.
وقيل: تستعمل للترتيب أيضاً بلا مهلة، كالفاء.
وقيل: إنها لا تدل على الترتيب بالكلية.
• فروع القاعدة:
الأولى: إذا قال لزوجته: إن قمت ثم قعدت فأنت طالق؛ لم تطلق إلا بهما مرتبين.
الثانية: في الوقف، إذا وقف على أولاده، ثم على أولاد أولاده، ثم على المساكين، فينتقل الوقف إلى الموقوف عليهم مرتباً، فلا يستحق أحد شيئاً من البطن الثاني مع وجود أحد من البطن الأول.
الثالثة: إذا قال لزوجته التي لم يدخل بها: إن دخلت الدار فأنت طالق ثم طالق ثم طالق، فدخلت؛ طَلَقَتْ واحدة فبانت بها، ولم يقع غيرها.
القاعدة الثانية والثلاثون
(إنما) بالكسر، تفيد الحصر، وقيل: إنها لا تفيده، بل تفيد تأكيد الإثبات.
وإذا قلنا: إنها تفيد الحصر، فهل تفيده بالمنطوق أو بالمفهوم؟ مذهبان.
• فرع: وأما (أنما) بالفتح، فقيل: إنها تفيد الحصر كـ (إنما).
وقد اجتمعا في قوله تعالى (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)[الكهف: 110].
القاعدة الثالثة والثلاثون
(الباء) للإلصاق، سواء دخلت على فعل لازم أم متعد، عند جمهور أهل اللغة.
وقال بعضهم: الباء للتبعيض.
(1)
• فرَّع بعضهم على هذا الخلاف: الخلاف في استيعاب مسح الرأس بالماء في الوضوء.
وهذا التفريع ضعيف، فقد أنكر حذاق أهل العربية ورودها للتبعيض.
(2)
وأثبت قوم من أهل العربية: أنها للتبعيض.
(3)
(1)
وقال بعضهم: إذا دخلت على متعدٍّ اقتضت التبعيض، كقوله:{وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} [المائدة: 6]، صوناً للكلام عن العبث.
جوابه: قد تكون في الفعل المتعدي زائدة للتأكيد، كقوله تعالى:{تُنْبِتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون: 20] أي: تُنْبِت الدهن، وكقوله تعالى:{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] أي: أيديكم. ينظر: القواعد 1/ 462.
(2)
كابن دريد وابن جني وابن بَرْهان وغيرهم، وذكر سيبويه أنها للإلصاق ولم يذكر سواه. ينظر: القواعد 1/ 463.
(3)
منهم الأصمعي والقتيبي والفارسي، ومن المتأخرين ابن مالك. ينظر: القواعد 1/ 464.
والأظهر: حمل قول من قال: إنها للتبعيض على أنه مجاز، ومن قال: إنها للإلصاق على أنه حقيقة، كما قال غير واحد من أئمة العربية: الباء أصلها للإلصاق.
القاعدة الرابعة والثلاثون
(حتى) للغاية
، ومواضعها متعددة.
وهي في قوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة: 230] كذلك، ومعناها: انتهاء التحريم الثابت بطلاق الزوج الأول عند وطء الثاني، فيعود الحل الذي كان قبل الطلاق بعقد جديد.
• وفَرَّع بعضهم على هذا: الخلاف في مسألة هدم الطلاق، وهي: أن من طلق زوجته دون الثلاث، وتزوجت، ثم عادت إليه بنكاح جديد، فإنها تعود على ما بقي من نكاحها الأول.
وعند أبي حنيفة: تعود بطلاق كامل؛ لأن الزواج رفع آثار العقد الأول وقطع حكمه.
القاعدة الخامسة والثلاثون
(إلى) موضوعة لانتهاء الغاية، وهل يدخل ما بعدها فيما قبلها؟ في المسألة مذاهب:
أحدها، وهو المشهور: أنه لا يدخل، بل تدل على خروجه.
والثاني: أن الغاية المحصورة تدخل.
والثالث: إن كانت الغاية من جنس المحدود؛ كآية الوضوء، دخلت، وإن كانت من غير جنسه؛ كقوله تعالى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 18]، لم تدخل.
(1)
(1)
والمذهب الرابع: إن لم يكن معه (مِن) دخل، وإلا فلا، نحو: بعتك من هذه الشجرة إلى هذه الشجرة.
والمذهب الخامس: إن كان منفصلاً عما قبله بمنفصل معلوم بالجنس، كقوله تعالى (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)[البقرة 187]، فإنه لا يدخل، وإلا فيدخل، كقوله تعالى {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) [المائدة: 6]، فإن المرفق منفصل بجزء مشتبه، وليس تعيين بعض الأجزاء أولى من تعيين البعض، فوجب الحكم بالدخول.
والمذهب السادس: إن اقترنت بـ (مِنْ) فلا يدخل، وإلا فيحتمل الأمرين.
والمذهب السابع: أنها لا تدل على شيء. ينظر: القواعد 1/ 473.
• فروع القاعدة
(1)
:
الأولى: إذا شرط العاقدان الخيار في البيع - أو غيرِه مما يشرع فيه الخيار - إلى الليل أو الغد؛ لم يدخل الليل أو الغد في المدة، بناء على المشهور من القاعدة.
وفي رواية: يدخل، بناء على الرواية الثانية المقيدة في القاعدة.
الثانية: هل يجب إدخال المرفقين والكعبين في الوضوء أم لا؟ قولان، مذهبنا: الوجوب.
(2)
الثالثة: إذا قال: أنت طالق من واحدة إلى ثلاث، فهل تطلق ثلاثاً أم اثنتين؟ على روايتين، والمذهب: أنها تطلق اثنتين.
ومأخذ الروايتين البناء على القاعدة.
الرابعة: إذا حلف لا يفعل شيئاً إلى يوم الفطر، فلما كان
(1)
ذكر المؤلف رحمه الله (11) مسألة تحت القاعدة، وما لم أذكره من الفروع متعلق بمسائل الوصايا ونحوها.
(2)
قال الطوفي: والخلاف في الوجوب وعدمه ينبني على هذه القاعدة.
وليس هذا بناء جيداً؛ لأن المذهب أن ما بعد الغاية لا يدخل فيما قبلها، والمذهب: وجوب الغسل. ينظر: القواعد 1/ 477.
يوم الفطر فعله، فهل يحنث؟ وجهان في المذهب.
الخامسة: إذا أجَّل المسْلَم - أو غيره من الديون - إلى شهر المحرَّم مثلاً؛ تعلَّق بأوله.
ويتخرج لنا وجه: أنه لا يحل إلا بانقضائه.
السادسة: إذا قال المقِرُّ: له علي من درهم إلى عشرة، فماذا يلزمه؟ ثلاثة أوجه:
أصحها: أنه يلزمه تسعة؛ بناء على أن ما بعد الغاية لا يدخل فقط، وهو الدرهم العاشر.
والوجه الثاني: عشرة؛ بناء على تناول ما بعدها.
والوجه الثالث: ثمانية؛ إلغاءً للطرفين.
القاعدة السادسة والثلاثون
(في) للظرفية:
- تحقيقاً؛ كزيد في الدار.
- أو تقديراً؛ كقوله {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71].
- أو مجازاً محضاً؛ كزيد ينظر في العلم، أو يخوض في الباطل.
• فرع: أنكر جماعة من الأدباء كونها للسببية.
وقال القرافي: الصحيح ثبوته.
• فرع: تستعمل (في) بمعنى (مع)؛ كقوله تعالى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29].
• فروع القاعدة:
الأولى: إذا قال لزوجته: أنت طالق في يوم كذا، أو شهر كذا؛ طَلَقَتْ بأوله؛ لأنه جعل الشهر أو اليوم ظرفاً للطلاق، فإذا وجد ما يكون ظرفاً له طَلَقَتْ، بناء على القاعدة، فلو قال: أردت آخره؛ دُيِّن.
الثانية: لو قال: أنت طالق في الحول، فقولان في المذهب:
الأول: أنها تطلق في رأسه.
والثاني: أنها تطلق في الحال.
الثالثة: إذا قال: أنت طالق طلقة في اثنتين، ونوى طلقة مع طلقتين؛ طلقت ثلاثاً، بناء على ما تقدم من أن (في) تستعمل بمعنى (مع) وقد نواه، فيترتب عليه مقتضاه.
وإن لم يكن له نية، فماذا يلزمه؟ لنا في المسألة أربعة أوجه.
(1)
(1)
الوجه الأول: يلزمه طلقتان، وهو المذهب عند المتأخرين. والثاني: طلقة. والثالث: يلزم امرأةَ الذي يعرف الحساب طلقتان، وغيرِه واحدةٌ. والرابع: طلقتان للحاسب، وثلاث لغيره. ينظر: القواعد 1/ 493، الإنصاف 22/ 329، كشاف القناع 5/ 263.
القاعدة السابعة والثلاثون
لفظة (من) تأتي على خمسة عشر وجهاً
(1)
، وأشهر معانيها: التبعيض، والتبيين، وابتداء الغاية.
ومن أمثلة التبعيض: قوله تعالى: {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} [البقرة: 253]، وعلامتها: إمكان سد (بعض) مسدها.
ومن أمثلة بيان الجنس: قوله تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} [الكهف: 31]، وقوله:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [الحج: 30].
ومن أمثلة ابتداء الغاية: قوله تعالى: {من المسجد الحرام} [الإسراء: 1]، وقوله:{من أول يوم} [التوبة:].
• فروع القاعدة:
الأولى: قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]، ذهب الإمام أحمد: إلى أنها للتبعيض.
(2)
(1)
ذكرها ابن هشام في مغني اللبيب. ينظر: القواعد 1/ 494، مغني اللبيب ص 419.
(2)
وأيد قوله: بما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «الصعيد تراب الحرث» ، وقوله صلى الله عليه وسلم:«جعلت الأرض كلها لنا مسجدًا، وجعل ترابها لنا طهورًا» رواه مسلم. ينظر: القواعد 1/ 497.
الثانية: إذا قال رجل لآخر: بع ما شئت من مالي، فهل يبيع الجميع؛ استعمالاً للفظة (من) بمعنى التبيين، أو البعضَ؛ استعمالاً لها بمعنى التبعيض؟ ظاهر كلام الأصحاب: جواز بيع الجميع.
الثالثة: لو قال لوكيله: تصدق من مالي، فهل يملك الوكيل التصدق بالكثير الزائد على ما يتناوله الاسم؟ منعه أبو الخطاب وابن عقيل ثم سلَّماه
(1)
.
الرابعة: لو وصَّى السيد أن يوضَع عن مكاتَبِه ما شاء من مال الكتابة، لم يوضع الكل؛ لأن من للتبعيض
(2)
.
الخامسة: لو قال قائل لآخر: خُذ من هذا الكيس ما شئت؛ له أخذ ما فيه جميعاً.
ولو قال: خُذ من هذه الدراهم ما شئت؛ لم يملك أخذ كلها؛ إذ الكيس ظرف، فإذا أخذ المظروف، حَسُن أن يقال:
(1)
قال المرداوي: (الصواب الرجوع في ذلك إلى القرائن والعرف عند انتفاء ذلك). ثم قال: (القول الثاني أقوى - أي: يتناول ما قل وكثر -، والأحوط القول الأول - أي: ما تناوله الاسم-). ينظر: تصحيح الفروع 7/ 496.
(2)
قال الحارثي: وفيه نظر، فإنه لا يمنع أن تكون من لبيان الجنس. ينظر: القواعد 1/ 503.
أخذت من الكيس ما فيه، ولا يحسن أن يقال: أخذت من الدراهم كلها.
القاعدة الثامنة والثلاثون
الكلام ونحوه؛ كالقول والكلمة، تطلق عندنا على الحروف المسموعة حقيقة، وتطلق على مدلول ذلك مجازاً
(1)
.
• فروع القاعدة:
اختلاف أصحابنا في قوله صلى الله عليه وسلم: «فإذا كان يوم صيام أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، فإن أحد شاتمه أو قاتله فليقل: إني صائم»
(2)
هل يقول ذلك بلسانه أم بقلبه؟ على ثلاثة أوجه:
أحدها: يقوله مع نفسه، يعني: يزجرها، ولا يطلع الناس للرياء.
والثاني: يجهر به مطلقاً؛ وهو اختيار أبي العباس ابن تيمية؛ لأن القول المطلق باللسان.
والثالث: إن كان في رمضان جهر به، وإن كان في غيره يقوله في نفسه، وهو اختيار المجد؛ لأنه لا رياء في رمضان، بخلاف غيره.
(1)
وقال بعض المتكلمين: الكلام حقيقةٌ في مدلوله، مجازٌ في لفظه.
وقيل: هو مشترك بينهما، والأقوال الثلاثة منقولة عن الأشعري. ينظر: القواعد 2/ 512.
(2)
أخرجه البخاري (1894)، ومسلم (1151)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
القاعدة التاسعة والثلاثون
لا يشترط في الكلام أن يكون من ناطق واحد
على الصحيح.
• فروع القاعدة:
إذا قال رجل: امرأة فلان طالق، فقال الزوج: ثلاثاً.
ومثلها، ما لو قال: لي عليك ألف، فقال: صحاح.
وفيها وجهان
(1)
.
(1)
والمسألتان متشابهتان كما قال أبو العباس ابن تيمية. ينظر: شرح مختصر التحرير 1/ 118.
والمذهب عند المتأخرين في المسألة الثانية: أنه يكون مُقِرًّا. ينظر: الإنصاف 30/ 207، كشاف القناع 6/ 465.
القاعدة الأربعون
القراءة الشاذة؛ كقراءة ابن مسعود رضي الله عنه في كفارة اليمين: {فصيام ثلاثة أيام متتابعات} هل هي حجة أم لا؟
مذهبنا ومذهب أبي حنيفة: أنها حجة
(1)
.
والقول الثاني: أنه لا يحتج بها، وهي رواية عن أحمد.
• من فروع القاعدة:
هل يجب التتابع في صيام كفارة اليمين أم لا؟ المذهب: الوجوب.
وفي رواية: لا يجب.
(1)
ينظر: أصول السرخسي 1/ 281، تيسير التحرير 3/ 9.
القاعدة الحادية والأربعون
لا يلزم المكلفَ حكمُ الناسخ قبل علمه به
.
وفي وجه من المذهب: اللزوم.
وليس الحكم مختصًّا بالناسخ، بل يشمل الحكم المبتدأ.
• ومحل الخلاف: إذا وصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
أما إذا كان مع جبريل قبل بلوغه النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يثبت حكمه في حق المكلفين اتفاقاً.
وقد تقدم بعض مسائل تتعلق بهذه القاعدة في قاعدة: (إذا لم يبادر المكلف وظن موته ثم بان خطؤه)
(1)
، بما يغني عن إعادة ذلك هنا.
(1)
القاعدة السادسة عشرة.
القاعدة الثانية والأربعون
(أ م ر) هي حقيقة في القول المخصوص، وفي الفعل مجاز، هذا قول الجمهور.
وقال بعض الفقهاء: هي مشتركة بين القول والفعل، نحو قولنا:(كنا في أمر عظيم)، إذا كانوا في الصلاة.
واشترط جمهور المعتزلة في حد الأمر: العلو دون الاستعلاء
(1)
.
وجمهور أهل العلم والفقه: الاستعلاء دون العلو.
وقيل: يشترطان.
وقيل: لا يشترط العلو ولا الاستعلاء.
(1)
الاستعلاء: هو الطلب لا على وجه التذلل، بغلظة ورفع صوت. والعلو: أن يكون الطالب أعلى مرتبة. ومع التساوي: فهو التماس، ومع دنو الطالب: فهو سؤال. ينظر: القواعد 2/ 545.
القاعدة الثالثة والأربعون
الأمر المجرد عن قرينة، هل يقتضي الوجوب أم لا؟ في المسألة مذاهب
(1)
، أشهرها:
المذهب الأول: أنه يقتضي الوجوب، ما لم تقم قرينة تصرفه إلى غيره، وهو الحق، وبه قال جمهور الفقهاء.
والمذهب الثاني: أنه حقيقة في الندب.
والمذهب الثالث: أنه حقيقة في الإباحة.
والمذهب الرابع: أنه مشترك بين الوجوب والندب.
• إذا تقرر هذا: فيتعلق بالقاعدة على الصحيح من المذهب مسائل كثيرة جدًّا ليس هذا موضعَ ذكرها، ولكنِ العالم ذو الدربة والنظر يستخرجها ويبنيها على القاعدة.
وفي المذهب فروع كثيرة ادعى الأصحاب أنها خرجت عن الوجوب بقرائن صرفتها عنه، وفي كون تلك القرائن صارفة للأمر عن الوجوب، نظر ظاهر، والله أعلم.
(1)
ذكر المؤلف رحمه الله في هذه المسألة خمسةَ عشرَ قولاً. ينظر: القواعد 2/ 459.
• فوائد أصولية تتعلق بالقاعدة:
الأولى: أن الكتابة أو الإشارة هل تسمى أمراً أم لا؟ قولان.
الثانية: فعل النبي صلى الله عليه وسلم، هل يسمى أمراً حقيقة أم لا؟
قول إمامنا وأصحابه والجمهور: لا يسمى أمراً حقيقة بل مجازاً.
وقيل: يسمى أمراً حقيقة
(1)
.
الثالثة: إذا قلنا: إطلاق الأمر يقتضي الوجوب، إلا أن تصرفه قرينة، فإطلاق التوعد لفعل ما توعد عليه، أو إطلاق الوجوب، أو الفرض، هل يكون ذلك نصًّا في الوجوب لا يقبل التأويل أم لا؟ قولان.
والأظهر: أنه نصٌّ في الوجوب لا يقبل التأويل؛ إذ يمتنع وجود الشيء بدون ثبوته.
الرابعة: إذا صُرِف الأمر عن الوجوب، جاز أن يحتج به على الندب أو الإباحة
(2)
.
(1)
قال المؤلف رحمه الله: وهذا ينبغي إذا ثبت التأسي بفعله صلى الله عليه وسلم. ينظر: القواعد 2/ 563.
(2)
وقال بعضهم: لا يحتج به، اختاره ابن برهان، وقال: الأمر إذا دل على وجوب فعل، ثم نسخ وجوبه، لا يبقى دليلاً على الجواز، بل يرجع إلى ما كان عليه، خلافاً للحنفية. ينظر: القواعد 2/ 565، المسودة ص 14.
الخامسة: إذا كان المأمور به بعضه واجباً، وبعضه مستحبًّا؛ كقوله تعالى:{وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} ، وقوله صلى الله عليه وسلم:«دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك»
(1)
، ونحو ذلك، وهو كثير في الكتابة والسنة، فقال أبو العباس ابن تيمية: هذا الأمر أريد به الواجب في الواجبات، والمستحب في المستحبات
(2)
.
السادس: لفظ الأمر، إذا أريد به الندب، فهو حقيقة فيه على المذهب، وقيل: هو مجاز.
(1)
رواه أحمد (1727)، والترمذي (2518)، والنسائي (5711)، من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما.
(2)
وقال العز بن عبد السلام: الحمل على الوجوب مع التزام التخصيص أولى؛ لأن الغالب على صيغة الأمر الإيجاب، والغالب على العموم التخصيص، فحمله على الغالب أولى.
وقال أبو العباس ابن تيمية: والصواب أن يقال: الأمر عام في كل ما يتناوله؛ لقيام المقتضي للعموم، قال: ثم لك مسلكان:
أحدهما: هو دال على القدر المشترك بين الوجوب والاستحباب، وما امتاز به بعضها من الإذن في الترك والمنع، مستفاد من دليل منفصل.
والمسلك الثاني وهو أظهر: أن هذا الأمر أريد به الواجب في الواجبات، والمستحب في المستحبات. ينظر: القواعد 2/ 568، قواعد الأحكام 2/ 61.
وإن أريد به الإباحة، فعند أبي البركات وغيره: أنه مجاز. وقال القاضي: يكون حقيقة
(1)
.
…
(1)
قال أبو العباس ابن تيمية: والتحقيق في مسألة (أمر الندب) مع قولنا: الأمر المطلق يفيد الإيجاب، أن يقال: الأمر المطلق لا يكون إلا إيجاباً، وأما المندوب إليه: فهو مأمور به أمراً مقيداً لا مطلقاً، فيدخل في مطلق الأمر لا في الأمر المطلق.
يبقى أن يقال: فهل يكون حقيقة أو مجازاً؟ فهذا بحث اصطلاحي. ينظر: القواعد 2/ 571، المسودة ص 6.
القاعدة الرابعة والأربعون
إذا ورد الأمر المجرد الدال على الوجوب بعد الحظر، فماذا يقتضي
(1)
؟ في المسألة مذاهب:
أحدها: الإباحة، هذا قول جمهور أصحابنا.
والثاني: الاستحباب.
والثالث: الوجوب، كما لو لم يتقدمه حظر.
والرابع: أن حكمه حكم ما كان قبل الحظر، فإن كان مباحاً كان مباحاً، وإن كان واجباً أو مستحباً كان كذلك.
(2)
والخامس: إن كان بعد الحظر أمر صريح بلفظه، كما لو قال: أمرتكم بالصيد إذا حللتم، فيقتضي الوجوب، بخلاف صيغة (افعل).
(3)
(1)
قال المؤلف رحمه الله: محل الخلاف في الأمر بعد الحظر إذا كان من غير استئذان في الفعل، أما إذا استأذن في الفعل بعد الحظر، فلا يقتضي الوجوب بغير خلاف. ينظر: القواعد 2/ 581.
(2)
وهذا اختيار أبي العباس ابن تيمية، قال: وهو المعروف عن السلف والأئمة. ينظر: القواعد 2/ 578.
(3)
قال المؤلف رحمه الله: وللقاضي أبي بكر في الأمر بعد الحظر تفصيل حسن، وهو: إن كان الحظر السابق على الأمر حظرَ ابتداء لا لعلة عارضة فالأمر هنا كالأمر المبتدأ الذي لم يسبقه حظر أصلاً، وإن كان الحظر لعلة عارضة بعد تقدم إطلاقه وإباحته، فالأظهر حمل الأمر على الإذن ورفع الحظر، وعليه تنزل أوامر القرآن. ينظر: القواعد 2/ 580.
• فروع القاعدة:
الأولى: الأمر بزيارة القبور للرجال، قال غير واحد من أصحابنا: إنها مباحة، بناء على القاعدة.
ولكن المذهب: أنها مستحبة، وذكره بعضهم إجماعاً؛ لأنه وإن كان بعد حظر لكنه علله صلى الله عليه وسلم بتذكر الموت والآخرة
(1)
، وذلك أمر مطلوب شرعاً.
الثانية: لا يجب على الزوج أن يخرج مع امرأته إلى الحج في أصح الروايتين عن أحمد؛ لأنه وإن كان قد جاء الأمر به، لكنه أمر بعد حظر؛ لأن المأمور كان قد اكْتُتِبَ في غزاة، فتعين عليه، ثم لما أمره النبى صلى الله عليه وسلم بالخروج مع امرأته صار أمراً بعد حظر.
(2)
(1)
رواه مسلم (976)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
الحديث رواه البخاري (3006)، ومسلم (1341)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:«لا يخلون رجل بامرأة، ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم» ، فقام رجل فقال: يا رسول الله، اكتتبت في غزوة كذا وكذا، وخرجت امرأتي حاجَّةً، قال:«اذهب فحج مع امرأتك» .
والرواية الأخرى: يجب عليه الخروج؛ أخذاً بظاهر الأمر. لكن هذا فيه نظر.
الثالثة: الأمر بقبول الحوالة على المليء في قوله صلى الله عليه وسلم: «مَطْل الغني ظلم وإذا أُتبِع أحدُكم على مليء فليتبع»
(1)
، قال طائفة من العلماء: إنه أمر بعد حظر؛ لأن ذلك بيع دَينٍ بدَين، وذلك لا يجوز.
وهذا فيه نظر، فإن الحوالة من جنس إيفاء الحق، لا من جنس البيع.
الرابعة: الأمر بالكتابة في قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} ، قال طائفة من أصحابنا: هو أمر بعد حظر؛ لأن الكتابة بيع الرجل ماله بماله، فإن العبد مالُه، وكَسْبَه من ماله، فبيع بعضه ببعض أكلُ مال بالباطل، فيدخل في النهي عن أكل المال بالباطل، وإذا كانت الكتابة محظورة في الأصل، فالأمر بها بعد ذلك أمر بعد حظر، فلا يفيد الوجوب بناء على القاعدة.
وفي قول: أن الكتابة في هذه الحال واجبة، وما قيل من أنه أمر ورد بعد حظر، فلا يصح، وإنما غاية ما يقال فيه: إنه
(1)
رواه البخاري (2287)، ومسلم (1564)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
رخصة؛ لأنه شرع مع قيام السبب المحَرِّم لعذر، وهو الحاجة إلى تخليص رقبته من الرق، وليست الرخص من قاعدة الأمر بعد الحظر.
الخامسة: أمره صلى الله عليه وسلم بالنظر إلى المخطوبة، هو أمر بعد حظر، فيقتضى الإباحة، بناء على القاعدة.
والوجه الثاني: استحباب النظر إلى المخطوبة؛ لأنه وإن كان أمراً بعد حظر، لكنه معلل بعلة تدل على أنه أريد بالأمر الندب، وهي قوله صلى الله عليه وسلم:«فهو أحرى أن يؤدم بينكما»
(1)
.
السادسة: الأمر بحمل السلاح في صلاة الخوف في قوله تعالى: {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} ، قال طائفة من الأصحاب: حمله في الصلاة في غير صلاة الخوف محظور، فهو أمر بعد حظر، وهو للإباحة، لكن قالوا باستحبابه.
وهذا فيه نظر، إذ لم يقم دليل على كراهته فضلاً عن تحريمه، فليس من الأمر بعد الحظر.
واختار طائفة من أصحابنا: الوجوب.
(2)
(1)
أخرجه أحمد (18137)، والترمذي (1087)، والنسائي (3235)، وابن ماجه (1865)، من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
(2)
ومحل هذا في الخفيف من السلاح، أما ما يُثقِله أو يمنع إكمال الصلاة أو يضر غيره، فإنه يكره. ينظر: القواعد 2/ 592.
القاعدة الخامسة والأربعون
الأمر المجرد المتيقن للوجوب، إذا وجد بعد استئذان؛ فإنه لا يقتضي الوجوب، بل الإباحة.
(1)
• إذا تقرر هذا: فلا يستقيم الاستدلال على نقض الوضوء بلحم الإبل، بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم، لما سئل عن التوضؤ من لحوم الإبل، فقال:«نعم، فتوضأ من لحوم الإبل»
(2)
.
•فرع: الأمر بماهية مخصوصة بعد سؤال التعليم لا يقتضي الوجوب؛ لأنه شبيه في المعنى بالأمر بعد الاستئذان.
وحينئذ؛ فلا يستقيم استدلال أصحابنا على وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير، بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
(1)
ذكره القاضي وابن عقيل محل وفاق. ينظر: القواعد 2/ 597.
(2)
رواه مسلم (360)، من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه.
قال المؤلف رحمه الله: وقد يقال: الحديث إنما ذُكر فيه بيان وجوب ما يُتوضأ منه، بدليل أنه لما سئل عن الوضوء من لحوم الغنم قال:«إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ» ، مع أن التوضيَ من لحوم الغنم مباح، فلما خيَّر في لحم الغنم، وأمر بالوضوء من لحوم الإبل، دل على أن الأمر ليس هو لمجرد الإذن، بل للطلب الجازم. ينظر: القواعد 2/ 599.
قيل له: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ فقال:«قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد»
(1)
.
(1)
رواه البخاري (3370)، ومسلم (406)، من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه.
القاعدة السادسة والأربعون
الأمر لا يخلو من ثلاث حالات:
الحالة الأولى: إذا ورد مقيَّداً بالمدة أو التكرار: فيُحمل عليه، ولم أر فيه خلافاً.
الحالة الثانية: إذا ورد مطلقاً لم يقيد بشيء، فما يقتضي؟ في ذلك مذاهب:
أحدها: يقتضي التكرار، وهو المذهب.
الثاني: لا يدل على المرة ولا على التكرار، بل يفيد طلب الماهية من غير إشعار بتكرار أو مرة، إلا أنه لا يُمكن إدخال تلك الماهية في الوجود بأقل من المرة الواحدة، فصارت المرة من ضروريات الإتيان بالمأمور به، واختاره ابن قدامة.
الثالث: أنه يدل على المرة.
الرابع: التوقف.
الحالة الثالثة: إن ورد معلقاً على شرط:
فإن قلنا: المطلق يقتضي التكرار، فالمعلق على شرط عند
تكرار شرطه يقتضي التكرار بطريق الأولى.
وإن قلنا: المطلق لا يقتضي التكرار، فهل يقتضيه هنا أم لا؟ مذهبان
(1)
.
من ذلك: إذا سمع مؤذناً بعد آخر، فهل تستحب إجابة الجميع، لقوله صلى الله عليه وسلم:«إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول»
(2)
؟
ظاهر كلام الأصحاب: يستحب، وبناؤه على ذلك متجه.
(3)
•مسألة: إن علق على علة ثابتة، وجب تكراره بتكرارها، اتفاقاً.
(1)
أحدهما: لا يقتضيه، اختاره ابن الحاجب.
والثاني: يقتضي التكرار بتكرار شرطه، وحكاه في المسودة عن بعض الحنفية والشافعية، واختاره المجد وأبو العباس ابن تيمية. ينظر: القواعد 2/ 612.
(2)
رواه مسلم (384)، من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
(3)
محل هذا: إذا كان الثاني مشروعاً، قاله أبو العباس ابن تيمية. ينظر: القواعد 2/ 628.
•مسألة: إذا تكرر لفظ الأمر، وقلنا: الأمر المطلق لا يقتضي التكرار، فهل يقتضي التأكيد أم التأسيس؟ مذهبان
(1)
.
وعلى هذا: إذا قال الرجل لزوجته المدخول بها: أنت طالق أنت طالق، فإن أراد التأسيس أو التأكيد أو الإفهام حُمل عليه.
وإن أطلق، فالمعروف في المذهب: حمله على التأسيس.
•فائدة: جزم النحْويون بأن فائدة التأكيد بـ (كل) ونحوها، هو رفع احتمال التخصيص.
• ويتفرع على ذلك:
إذا قال: كلُّ عبدٍ لي أو في ملكي حرٌ، فإنه يَعْتِقُ عليه جميع عبيده، نوى العموم أم لم ينوِ، نوى بعضَهم دون بعض أم لا؛ لأن النية لا أثر لها في الصريح على الصحيح.
(1)
قال المؤلف رحمه الله: ومحل الخلاف: إذا كان الثاني غير معطوف على الأول، فأما إن كان الثاني معطوفاً على الأول بغير تعريف، كقوله: صل ركعتين وصل ركعتين؛ فإنه يفيد التكرار، وإن كان المعطوف عليه معرفاً مثل: صل ركعتين وصل الركعتين، فإنه يحمل على الصلاة الأولى. ينظر: القواعد 2/ 614.
القاعدة السابعة والأربعون
إذا قلنا: الأمر المطلق يقتضي التكرار: فيقتضي الفور اتفاقاً.
وإن قلنا: لا يقتضي التكرار، فهل يقتضي الفور أم لا؟ في ذلك مذاهب:
أحدها: أنه يقتضي الفور، وهذا قول أصحابنا.
(1)
الثاني: أنه لا يقتضي الفور ولا التراخي، بل يدل على طلب الفعل.
الثالث: أنه يفيد التراخي، أي: جوازاً.
(2)
(1)
اختلف القائلون بالفور، فقيل: لا يتصور ذلك إلا إذا تعلق الأمر بفعل واحد.
وقيل: يتصور إذا تعلق بجملة أفعال.
ثم اختلف القائلون بأنه يقتضي فعلاً واحداً فيما إذا تركه، فمذهبنا ومذهب الجمهور: أنه يجب عليه الإتيان ببدله بنفس الأمر الأول. وقيل: لا يجب قضاؤه إلا بأمر جديد، كالوقت. ينظر: القواعد 2/ 645.
(2)
قال أبو إسحاق الشيرازي: والتعبير بكونه يفيد التراخي غلط.
قال الجويني في البرهان: إنه لفظ مدخولٌ، فإن مقتضى إفادة التراخي أنه لو فرض الامتثال على الفور لم يعتد به، وليس هذا معتقَدَ أحد. ينظر: القواعد 2/ 644.
• فرع: اختلف القائلون بالتراخي إلى متى يجوز التأخير؟ على أقوال
(1)
.
• فرع: واختلف القائلون بالتراخي:
- فمنهم من قال: لا يجوز التأخير إلا إلى بدل، هو العزم على أدائه في المستقبل؛ ليفارق المندوب.
- وقيل: العزم ليس بدلاً، بل شرط في جواز التأخير.
• فرع: القائلون بالتراخي اختلفوا، هل هو في الواجب خاصة، أم يعم الواجب والمندوب؟
(2)
• فروع القاعدة:
الأولى: قضاء الصلوات المفروضات، فإنه يجب على
(1)
قيل: إلى غير غاية على الإطلاق. وقيل: يجوز تأخيره إلى غير غاية بشرط السلامة، فإن مات قبل الفعل أثم. وقيل: لا إثم عليه إلا أن يغلب فواته ولم يفعله. وقيل: إن غلب على ظنه أنه لا يموت، فمات؛ لم يأثم. ينظر: القواعد 2/ 646.
(2)
وجه الفرق: أن التراخي معناه أنه لا يأثم بالتأخير، وذلك متعذر في المندوب؛ لتعذر الإثم في نفسه في المندوب.
ويُردُّ هذا الفرق: بأنه قد يندب على التراخي، كما في صدقة التطوع، وقد يكون على الفور، كتحية المسجد. ينظر: القواعد 2/ 647.
الفور؛ لإطلاق الأمر به، هذا هو المذهب
(1)
.
الثانية: أداء الزكاة مع القدرة، يجب على الفور
(2)
.
ولنا قول: لا يجب على الفور.
الثالثة: أداء النذر والكفارة، وفي لزوم الفورية وجهان، المذهب: اللزوم.
الرابعة: أداء الحج والعمرة، فالمذهب: لزوم الفورية؛ لإطلاق الأمر.
وفي وجه: على التراخي.
الخامسة: أداء ديون الآدميين عند المطالبة، فإنه واجب على الفور.
وبدون المطالبة هل يجب على الفور أم لا؟ وجهان،
(1)
قال المؤلف رحمه الله: لكن محل ذلك إن لم يتضرر في بدنه أو معيشة يحتاجها، نص عليه الإمام أحمد. ينظر: القواعد 2/ 648.
(2)
وعلى هذا القول: يجوز للمالك التأخير إذا خشي ضرراً من عَوْد ساع، أو خاف على نفسه أو ماله أو نحوه.
وللإمام والساعي التأخير لعذر قحط ونحوه.
وكذا يجوز للمالك تأخير الإخراج لحاجته إلى زكاته، نص عليه.
وهل يجوز للمالك التأخير لانتظار قريب ذي حاجة؟ وجهان، وقيَّد بعضهم ذلك بالزمن اليسير. ينظر: القواعد 2/ 649.
المذهب: أنه لا يجب
(1)
.
السادسة: إذا أودَعَ شخص شخصاً وديعة في السوق، وقال: احرِزْها في بيتك، فتركها في السوق إلى وقت المصير إلى منزله، فعدمت؛ فإنه يضمن؛ بناء على القاعدة.
وصحح الحارثي: أنه لا ضمان؛ إذ عادة الإيداع في السوق إمساكها في حانوته إلى وقت المصير إلى منزله، فصار كالمأذون فيه نطقاً.
السابعة: الأمر بتعريف اللقطة حولاً، فإنه يجب على الفور، لو أخَّر مع الإمكان، فلا إشكال في الإثم واستقرار الضمان.
(1)
قال ابن رجب رحمه الله: محل هذا إذا لم يكن عُيِّن له وقت للوفاء، فأما إن عيَّن له وقتاً للوفاء كيوم كذا، فلا ينبغي أن يجوز تأخيره؛ لأنه لا فائدة للتوقيت إلا وجوب الوفاء فيه بدون مطالبة، فإن تعيين الوفاء فيه أولاً كالمطالبة.
قال المؤلف رحمه الله: وينبغي أن يكون محل جواز التأخير: إذا كان صاحب المال عالماً بأنه يستحق في ذمة المدين الدين، أما إذا لم يكن عالماً فيجب إعلامه به. ينظر: القواعد 2/ 653.
القاعدة الثامنة والأربعون
الأمر بالشيء نهيٌ عن أضداده.
والنهي عنه أمر بأحد أضداده
، من طريق المعنى دون اللفظ
(1)
.
وهل يعم الواجب والندب أم يختص الواجب؟ قولان، أصحهما: أنه لا فرق، فيعم الواجب والندب.
• فروع القاعدة:
الأولى: إذا قال لزوجته: إن خالفتِ أمري فأنت طالق، ولا نية، ثم نهاها، فخالفته، فلأصحابنا في وقوع الطلاق ثلاثة أوجه
(2)
.
(1)
قال المؤلف رحمه الله: وقال الأشعرية: من طريق اللفظ، وزيَّف الجويني قول أصحابه.
وقال طوائف من المعتزلة: لا يكون منهيًّا عن أضداده لا لفظاً ولا معنًى؛ بناء على أصل المعتزلة في اعتبار إرادة الناهي والآمر. ينظر: القواعد 2/ 660.
(2)
المذهب: لا تطلق، لأن النهي عن الشيء أمر بضده، فإذا خالفته وفعلت المنهي عنه فقد تركت ضده المأمور به. ينظر: الإنصاف 22/ 545، شرح المنتهى 3/ 130.
الوجه الثالث: إن كان الحالف عارفاً بحقيقة الأمر والنهي لم يحنث، وإلا حَنِث، ولعل هذا أقرب إلى الفقه والتحقيق.
(1)
الثانية: وجوب النكاح، مبني على هذه القاعدة، فالمكلف منهي عن الزنى، فيكون مأموراً بضده وهو النكاح، والأمر يقتضي الوجوب، فيكون النكاح واجباً.
وهذا فيمن كان له شهوة وخاف على نفسه الوقوع في الزنى، فإن الوطء المباح يتعين دون بقية الأضداد، إذ ليس غيره يقوم مقامه في كسر الشهوة.
أما من لا شهوة له، فيمكنه ترك الزنى بغير النكاح، والاستعفاف مع العزوبة.
(1)
قال المؤلف رحمه الله: وأما عكسها فلم أرها مسطورة فيما وقفت عليه من كتب أصحابنا، ويتوجه تخريجها عليها، إلا أن يفرق بينهما بفرق مؤثر فيمتنع التخريج، والله أعلم. ينظر: القواعد 2/ 663.
القاعدة التاسعة والأربعون
إذا طُلِب الفعلُ الواجب من كل واحد بخصوصه، أو من واحد معين؛ كخصائص النبي صلى الله عليه وسلم، فهو: فرض العين.
وإن كان المقصود من الوجوب إنما هو إيقاع الفعل، مع قطع النظر عن الفاعل، فيسمى: فرضاً على الكفاية
(1)
.
• وتحرير الفرق بين فرض العين والكفاية: أن فرض العين ما تكررت مصلحته بتكرره؛ كالصلوات الخمس، فإن مصلحتها الخضوع لله وتعظيمه ومناجاته والتذلل له والمثول بين يديه، وهذه الآداب تكثر كلما كررت الصلاة.
وفرض الكفاية ما لا تتكرر مصلحته بتكريره؛ كإنقاذ الغريق إذا شاله إنسان، فالنازل بعد ذلك إلى البحر لا يحصِّل شيئاً، فجعله صاحب الشرع على الكفاية؛ نفياً للعبث في الأفعال.
•فرع: فرض الكفاية والأعيان كما يتصور في الواجبات، يتصور في المندوبات؛ كالأذان والإقامة،
(1)
قال المؤلف رحمه الله: سُمي بذلك؛ لأن فعل البعض فيه يكفي في سقوط الإثم عن الباقين. ينظر: القواعد 2/ 671.
والتشميت، والتسليم، وما يفعل بالأموات من المندوبات، فهذه على الكفاية.
والذي على الأعيان؛ كالوتر، وصيام الأيام الفاضلة، وصلاة العيدين، والطواف في غير النسك، والصدقات.
• مسائل تتعلق بفرض الكفاية:
الأولى: هل هو واجب على الجميع ويسقط بفعل البعض، أم على بعض غير معين؟ قولان:
أحدهما، وهو الذي نص عليه أحمد: أنه واجب على الجميع، ويسقط بفعل البعض.
والثاني: أنه واجب على بعض غير معين.
إذا قلنا بالأول، فلا فرق بين فرض الكفاية وفرض العين في الابتداء، وإنما يفترقان في ثاني الحال.
الثانية: فرض الكفاية: إذا فعله الكل كان كله فرضاً
(1)
.
وأما إذا فعله البعض بعد البعض، ففي كون الثاني فرضاً وجهان.
(1)
ذكره ابن عقيل محل وفاق، وقال أبو العباس ابن تيمية: لعله إذا فعلوه جميعاً فإنه لا خلاف فيه. ينظر: القواعد 2/ 675.
وينبني عليها: جواز فعل صلاة الجنازة بعد الفجر والعصر مرة ثانية.
الثالثة: أيما أفضل، فاعل فرض العين أو فاعل فرض الكفاية؟ قولان
(1)
.
الرابعة: أن فرض الكفاية هل يلزم بالشروع أم لا؟ قولان.
الخامسة: أنه يكفي في سقوط فرض الكفاية غلبة الظن، فإذا غلب على ظن طائفة أن غيرها قام به سقط عنها.
السادسة: أن فاعل فرض الكفاية أفضل من غير فاعله؛ ضرورة أنه حصَّل مصلحته دون غيره.
نعم هما سيان في الخروج عن العهدة، لكن هذا خرج بفعله، وذاك خرج لانتفاء القابل لفعله.
(1)
القول الأول: أن فاعل فرض العين أفضل؛ لأن فرضه أهم، ولذلك وجب على الأعيان.
والقول الثاني: أن فاعل فرض الكفاية أفضل؛ لأن نفعه أعم. ينظر: القواعد 2/ 677.
القاعدة الخمسون
يجوز أن يأمر الله تعالى المكلف بما يعلم الله منه أنه لا يفعله، خلافاً للمعتزلة
(1)
.
وفائدة جواز التكليف: إظهار المطيع من العاصي.
• من فروع القاعدة:
من أفسد صوم يوم من رمضان بما يوجب الكفارة ثم مات، لم تسقط عنه الكفارة؛ لأنه قد بان عصيانه بإقدامه على الإفساد، فحصلت فائدة التكليف، فلا يقدح فيه انتفاء صحة صوم اليوم بموته.
•فائدة: الأمر بالأمر بالشيء ليس أمراً به مع عدم الدليل عليه.
وحينئذ، فلا يستقيم استدلال من استدل من الأصحاب
(1)
قال أبو العباس ابن تيمية: والتحقيق أن الخلاف فيها مع غلاة القدرية من المعتزلة وغيرهم، وهم الذين يقولون: لم يعلم الله أفعال العباد حتى عملوها، مثل مَعْبَدٍ الجُهَني، وعمرِو بن عبيد، وهم كفار. ينظر: القواعد 2/ 683، المسودة ص 48.
على مراجعة الحائض إذا طُلِّقت في الحيض بأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر أن يأمر ابنه رضي الله عنهما بمراجعة زوجته لما طلقها وهي حائض
(1)
.
(1)
رواه البخاري (5251)، ومسلم (1471)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
القاعدة الحادية والخمسون
صيغة (لا تفعل) من الأعلى للأدنى، إذا تجردت عن قرينة فهي نهي
(1)
.
وماذا يقتضي إطلاق النهي؟ في المسألة مذاهب
(2)
:
أحدها: الأصل في إطلاقه التحريم، وهو المذهب.
والثاني: كراهة التنزيه.
والثالث: أنه للقدر المشترك بين التحريم والكراهة، وهو مطلق الترك.
•فوائد أصولية:
منها: نُقِل عن الإمام أحمد أنه قال: ما أَمَر به النبي صلى الله عليه وسلم عندي أسهل مما نهى عنه.
ومنها: أن النهي يقتضي التكرار، ولو قيل: إن الأمر لا يقتضيه.
(1)
وقد تقدم في الأمر هل يشترط العلو والاستعلاء أم لا يشترطان، فالنهي مثله. ينظر: القواعد 2/ 685.
(2)
ذكر المؤلف رحمه الله سبعة أقوال في المسألة. ينظر: القواعد 2/ 689.
ومنها: صيغة النهي بعد سابقة الوجوب، فيه وجهان:
الأول: أنه يفيد التنزيه.
الثاني: التحريم.
وقيل: الإباحة.
•مسألة: إطلاق النهي هل يدل على الفساد أم لا؟ فيه مذاهب:
أحدها: أنه يدل على الفساد مطلقاً.
(1)
والثاني: لا يدل عليه مطلقاً.
(2)
والثالث: يدل عليه في العبادات دون المعاملات.
والرابع: أنه يدل عليه مطلقاً في العبادات، وكذلك في المعاملات، إلا إذا رجع إلى أمر مقارن للعقد غير لازم له بل ينفك عنه؛ كالنهي عن البيع يوم الجمعة وقت النداء، فإن النهي إنما هو لخوف تفويت الصلاة لا لخصوص البيع، إذ الأعمال كلها كذلك، والتفويت غير لازم لماهية البيع.
(1)
قيل: يدل من جهة اللغة، وقيل: إنه لا يدل إلا من جهة الشرع. ينظر: القواعد 2/ 700.
(2)
بالغ بعضهم وقال: يدل على الصحة. ينظر: القواعد 2/ 701.
• فائدة: إذا قام دليل على أن النهي ليس للفساد، لم يكن مجازاً؛ لأنه لم ينتقل عن جميع موجبه، وإنما انتقل عن بعض موجبه، فصار كالعموم الذي خرج بعضه، فإنه يبقى حقيقة فيما بقي.
وكذلك إذا قامت الدلالة على نقله عن التحريم، فإنه يبقى نهياً حقيقة على التنزيه، كما إذا قامت دلالة الأمر على أنه ليس على الوجوب.
• إذا تقرر هذا، فالتفريع على دلالة النهي عنه كثيرة في المذهب جدًّا في العبادات والمعاملات وغيرهما، وفي المذهب فروع منهي عنها لم يقولوا فيها بالفساد، ادعى الأصحاب أنها خرجت بدليل، وفيه نظر.
فصل
في العموم والخصوص
جمهور العلماء على أن العرب وضعت للعموم صيغاً تخصه، فإن استعملت في الخصوص كان مجازاً.
وعكس آخرون، وقالوا: تلك الصيغ حقيقة في الخصوص، مجاز في العموم.
القاعدة الثانية والخمسون
المفرد المحلى بالألف واللام، يقتضي العموم
إذا لم يكن هناك قرينة عهد، وسواء كان المعهود عرفيًّا أم شرعيًّا.
• فروع القاعدة:
الأولى: دعوى أن الأصل جواز البيع في كل ما يُنتفع به ولم يُنه عنه، عملاً بقوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} ، حتى يُستدل به مثلاً على جواز بيع لبن الآدميات ونحوه مما وقع فيه الخلاف، وجمهور العلماء على أنه للعموم.
وهل هو من العموم المخصوص، أو من العام الذي أريد به الخصوص؟ قولان
(1)
.
وعلى كلا القولين يجوز الاستدلال به على إباحة البيوع المختلف فيها، ما لم يقم دليل التخصيص على إخراجها من العموم.
(1)
الفرق بين العام المخصوص والعام الذي أريد به الخصوص من وجهين:
أحدهما: أن العام المخصوص ما يكون المراد باللفظ أكثر، والعام الذي أريد به الخصوص ما يكون المراد باللفظ أقل.
والفرق الثاني: أن البيان فيما أريد به الخصوص متقدم على اللفظ، وفيما أريد به العموم متأخر عن اللفظ أو مقترن به. ينظر: القواعد 2/ 714.
وكذلك الاستدلال على بطلان ما فيه غرر بحديث: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر»
(1)
.
وكذلك الاستدلال على بطلان بيع اللحم بالحيوان - مأكولاً أو غير مأكول - بحديث: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع اللحم بالحيوان»
(2)
.
الثانية: إذا قال الزوج: الطلاق يلزمني، أو أنت الطلاق، فهل يلزمه ثلاث أو واحدة إذا لم ينوه؟ روايتان:
الأولى: لزوم الثلاث؛ بناء على المحلى.
والثانية: ولزوم الواحدة؛ بناء على تقديم المعهود على العموم، إذ معنى المعهود سُنِّيٌّ، وهو أن السنة أن يطلقها واحدة.
(3)
الثالثة: دعوى أن الأصل في الأبوال كلها النجاسة؛ استدلالاً بقوله صلى الله عليه وسلم: «تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه»
(4)
.
(1)
رواه مسلم (1513)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
رواه مالك (2414) عن سعيد بن المسيب مرسلاً.
(3)
ولعل هاتين الروايتين مبنيَّتان على أن طلاق الثلاث هل هو سني أو بدعي؟ ينظر: القواعد 2/ 717.
(4)
أخرجه الدارقطني (459)، من حديث أنس رضي الله عنه.
ولكن أصحابنا حملوا الألف واللام هنا على العهد، وهو بول الآدمي بقرينة.
الرابعة: دعوى جواز التكبير في الصلاة بقول المصلي: (الله الأكبر) أو (الله الكبير)؛ استدلالاً بقوله صلى الله عليه وسلم: «تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم»
(1)
.
والمذهب: لا يجزئه إلا قول: (الله أكبر)، فتكون الألف واللام للعهد؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كبَّر بغيرها، وقد جاء الخبر في نفي قبول الصلاة بغير:(الله أكبر)، والمعنى الموجود فيها لا يوجد في غيرها.
الخامسة: دعوى جواز السلام للخروج من الصلاة، بقوله:(عليكم السلام)
(2)
، و (سلام عليكم)، بغير تعريف
(3)
، وفي المسألتين خلاف.
(1)
أخرجه أحمد (1006)، وأبو داود (61)، والترمذي (3)، وابن ماجه (275)، من حديث علي رضي الله عنه.
(2)
المذهب عند المتأخرين: لا يجزئه السلام منكساً. ينظر: الإنصاف 3/ 569، شرح المنتهى 1/ 204.
(3)
المذهب عند المتأخرين: لا يجزئه. ينظر: الإنصاف 3/ 569، شرح المنتهى 1/ 204.
ومُدْرَكُ الخلاف: هل المراد بالألف واللام العموم أو العهد؟
السادسة: لو حلف الحالف: لا أرى منكراً إلا رفعته إلى الوالي، من غير تعيين، فهل يتعين المنصوبُ في الحالِ، أم يبرأ بالرفع إلى كل من يُنْصَبُ بعده؟ وجهان؛ لتردد الألف واللام بين الجنس والعهد
(1)
.
السابعة: إذا نوى المتيمم بتيممه الصلاة وأطلق، ولم ينو فرضاً ولا نافلة، فهل يتناول تيممه الفرض والنفل بالقاعدة، أم النفل خاصة؛ تنزيلاً له على الأدنى؟ قولان، أشهرهما: الثاني.
الثامنة: إذا قال السيد لعبده: إذا قرأت القرآن فأنت مدبَّر، فقرأ بعضه؛ لا يصير مدبَّراً؛ حملاً لها على الاستغراق، إلا بدليل.
(1)
صوَّب المرداوي عدم التعيين حيث لا نية ولا سبب، فيكون للجنس، فيشمل كل والٍ يولى. ينظر: تصحيح الفروع 11/ 23.
القاعدة الثالثة والخمسون
المفرد المضاف يعم
.
• فروع القاعدة:
الأولى: إذا قال: زوجتي طالق، وعبدي حر، ولم ينو معيناً؛ فالمنصوص عن أحمد: أنه تطلق جميع زوجاته، ويَعْتِقُ جميع عبيده.
واختار ابن قدامة: أنه تطلق إحداهن، ويَعْتِقُ أحدهم، ويخرج بالقرعة.
(1)
الثانية: إذا نذر ذبح ولده، وقلنا: يلزمه ذبح كبش
(2)
، فكان له أولاد، فإنه يلزمه أن يذبح عن كل واحدٍ كبشاً.
الثالثة: إذا أوصى لحمل امرأة، فولدت ذكراً أو أنثى؛ فهما سواء.
(1)
ينظر: المغني 8/ 431.
(2)
إذا نذر ذبح ولده، فما الواجب عليه؟ المذهب عند المتأخرين: أنه يلزمه كفارة يمين.
الرواية الثانية: يلزمه ذبح كبش، واختارها الشيخ تقي الدين ابن تيمية إذا قصد بذلك النذر لا اليمين. ينظر: الشرح الكبير والإنصاف 28/ 182، المبدع 8/ 124.
الرابعة: إذا قال: إن كان حملك ذكراً فأنت طالق طلقة، وإن كان أنثى فطلقتين، فولدت ذكراً وأنثى؛ لا تطلق، وعللوه: بأن حملها ليس بذكر ولا أنثى، بل بعضه هكذا وبعضه هكذا، وهو موافق لكون المضاف للعموم.
الخامسة: إذا وقف على ولده، فإنه يتناول جميع أولاده الذكور والإناث.
السادسة: إذا قال: وقفت على ابني وقرابتي؛ فإنه يتناول الجميع.
القاعدة الرابعة والخمسون
النكرة في سياق النفي تعم
، سواء باشرها النافي، نحو:(ما أحد قائماً)، أو باشرها عاملها، نحو:(ما قام أحد)، وسواء كان النافي، نحو:(ما) أو (لم) أو (لن) أو (ليس) أو غيرها.
فإذا قلت: ما جاءني أحد، حصل العموم، وإذا قلت: ما جاءني من أحد، كانت (مِنْ) مؤكدةً للعموم لا مُنْشِئةً للعموم.
• فروع القاعدة:
الأولى: صحة الاستدلال على منع الحائض والجنب من قراءة القرآن ولو دون آية، بقوله صلى الله عليه وسلم:«لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن» إذا صححنا الحديث
(1)
.
الثانية: إذا قال المدعي: لا بينة لي، ثم أتى ببينة، فالمذهب المنصوص: أنها لا تسمع بينته.
ولنا قول: أنها تسمع.
(1)
رواه الترمذي (131)، وابن ماجه (595) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وضعفه الألباني. ينظر: إرواء الغليل 1/ 206.
القاعدة الخامسة والخمسون
النكرة في سياق الإثبات:
- إن كانت للامتنان: عمَّت
.
- وإن لم تكن النكرة المثبتة للامتنان: فإنها لا تعم.
• من فروع القاعدة:
الأولى: إذا حلف لا يأكل فاكهة؛ فإنه يحنث بأكل التمر والرمان، لقوله تعالى:{فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ}
(1)
.
الثانية: الاستدلال على طهورية كل ما نزل من السماء، أو نبع من الأرض، بقوله تعالى:{وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} .
(1)
ذكر ابن قدامة أن العطف في الآية للتشريف ولا يقصد به المغايرة، بل المقصود به الاهتمام بالمعطوف وبيان عظم شأنه. ينظر: المغني 11/ 315.
القاعدة السادسة والخمسون
النكرة في سياق الشرط تعم
.
• من فروع القاعدة:
الأولى: إذا قلت: من يأتني بأسير فله دينار؛ فإنها تعم كل أسير، وكذلك ما أشبهه.
الثانية: إذا قال الموصي: إن ولدتِ أنثى فلها مائة، وإن ولدتِ ذكراً فله ألف، فولدت ذكرين وأنثيين، فإنه يشرَّك بين الذكرين في الألف، وبين الأنثيين في المائة
(1)
.
(1)
قال ابن قدامة في الكافي: لأنه ليس أحدهما أولى من الآخر، فيكون عامًّا. ينظر: القواعد 2/ 758، الكافي 2/ 277.
القاعدة السابعة والخمسون
المتكلم من الخلق يدخل في عموم متعلق خطابه عند الأكثرين، سواء كان أمراً أو نهياً أو خبراً أو إنشاء.
وقيل: لا يدخل مطلقاً.
وقيل: يدخل إلا في الأمر.
• من فروع القاعدة:
الأولى: هل كان للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بلا ولي ولا شهود وفي زمن الإحرام؟ وجهان
(1)
.
الثانية: الواقف مَصْرِفاً لوقفه، كما إذا وقف على الفقراء، ثم افتقر، فإنه يدخل على المذهب.
الثالثة: لو انقطع مصرف الوقف، وقلنا: يرجع إلى أقاربه
(1)
المذهب عند المتأخرين: جواز ذلك له. ينظر: التحبير للمرداوي 5/ 2499.
وقفاً
(1)
، فكان الواقف حيًّا، هل يرجع إليه؟ على روايتين
(2)
.
الرابعة: لو وقف على أولاده وأنسالهم أبداً، على أن من توفي منهم عن غير ولد رجع نصيبه إلى أقرب الناس إليه، فتوفي أحد أولاده عن غير ولد، والأب الواقف حي، فهل يعود نصيبه إليه، لكونه أقرب الناس إليه أم لا؟ تُخرَّج على ما قبلها.
الخامسة: إذا قال الرجل: إن دخل أحد الدار فامرأتي طالق، فدخل هو؛ لم تطلق امرأته، وهو مخالف للقاعدة لدليل، وهو أن قرينة حال المتكلم تدل على أنه إنما يحلف على غيره ويمنع من سواه، فيخرج هو من العموم.
(1)
إذا وقف على جهة تنقطع، ولم يذكر له مآلاً، فإنه يعود على أقاربه، وهو المذهب، وهناك أربع روايات غيرها. الإنصاف 7/ 29
(2)
المذهب عند المتأخرين: يرجع إليه. ينظر: الإنصاف 16/ 412، شرح المنتهى 2/ 407.
القاعدة الثامنة والخمسون
المخاطَب، هل يدخل في العمومات الواقعة معه
؟
قاعدة المذهب: تقتضي عدم الدخول.
ولكن المرجَّح عند أكثر الأصوليين: أن الخطاب العام، مثل قوله:(يا أيها الناس)، يتناول الرسول.
وقال طائفة من الفقهاء والمتكلمين: لا يتناوله.
وقد يقال: إنما كانت قاعدة المذهب مخالِفة لقاعدة الأصول هنا لدليل، وهو: أن خطاب الشارع المراد به التعبد، وهو عام، إذ قد تقرَّر من أصلنا: أن الخطاب الثابت للصحابة ثابت للنبي صلى الله عليه وسلم.
وأما قاعدة المذهب: فهي في أقوال غير الشارع، وقد تقرَّر أن المكلف لا يلزم إذا قال شيئاً أو حكم بشيء لعلة أن يتعدى، بخلاف الشارع.
• من فروع القاعدة:
الأولى: إجابة المؤذن نفسه، المنصوص عن أحمد: أنه يجيب، وهذا مخالف لقاعدة المذهب لدليل، وهو الحث على
جمع الأجرين له: الدعاء والإجابة.
الثانية: إذا وكل عبده أو غريمه بإعتاق عبيده أو إبراء غرمائه، هل يملك عِتْقَ نفسه وإبراءَها؟ قولان، المذهب: أنه لا يملك عتق نفسه ولا إبراءَها.
وكذلك إذا قال لزوجته: طلقي نسائي، هل تطلِّق نفسها أم لا؟
الثالثة: الوكيل في البيع، هل له الشراء من نفسه؟ روايتان، المذهب: ليس له ذلك.
الرابعة: المأذون له أن يتصدق بمال، هل له أن يأخذ منه لنفسه إذا كان من أهل الصدقة؟ المذهب: أنه لا يجوز
(1)
.
الخامسة: الأموال التى تجب الصدقة بها شرعاً؛ كالمغصوب، والودائع، هل لمن هي في يده الأخذ منها أم لا؟
المنصوص عن أحمد: أنه لا يجوز.
وأفتى أبو العباس ابن تيمية في الغاصب إذا تاب: بالجواز.
(2)
(1)
أبدى في المغني احتمالين آخرين، أحدهما: الجواز مطلقاً، والثاني: إن دلت قرينة على إرادة أخذه منه، مثل أن يكون ممن يستحق صرف ذلك إليه، أو عادته الأخذ من مثله، فله الأخذ، وإلا فلا. ينظر: القواعد 2/ 778.
(2)
ينظر: الاختيارات الفقهية ص 165، الإنصاف 15/ 295.
السادسة: الوكيل في نكاح امرأة، ليس له أن يزوجها لنفسه على المذهب.
فأما من ولايته بالشرع؛ كالولي والحاكم، فله أن يزوج نفسه.
السابعة: إذا قال الرجل لآخر: إن دخل دارك أحد فعبدي حر، فدخلها صاحبها، فقال القاضي وغيره: لا يَعْتِقُ.
(1)
الثامنة: الوصي في إخراج حجة، ليس له صرفها إلى نفسه بدون إذن، نص عليه أحمد.
(1)
أبدى في المغني احتمالاً بالعتق؛ أخذاً بعموم اللفظ.
القاعدة التاسعة والخمسون
العبيد يدخلون في مطلق الخطاب
، إلا أن يدل دليل على إخراجهم.
وقيل: لا يدخلون.
وادعى الأصحاب في صور كثيرة أنها خرجت عن القاعدة بدليل، وفي كون ذلك دليلاً مُخْرِجًا نَظَرٌ.
والأظهر: جعله كالحرِّ في جميع أحكامه، إلا ما أجمع على خلافه، أو صح الحديث بخلافه.
• من فروع القاعدة
(1)
:
الأولى: لا فرق بين الحر والعبد في وجوب صلاة الجماعة عند الأكثرين من أصحابنا
(2)
.
الثانية: الحج والجهاد لا يجبان عليه.
الثالثة: هل يجري الربا بين العبد وبين سيده؟ المذهب المنصوص: أنه لا يجري.
(1)
ذكر المؤلف رحمه الله (40) مسألة تحت هذه القاعدة.
(2)
المذهب عند المتأخرين: لا تجب صلاة الجماعة على العبيد. ينظر: الإنصاف 4/ 266، شرح المنتهى 1/ 259.
الرابعة: هل يملك العبد بالتمليك أم لا؟ روايتان، أشهرهما: أنه لا يملك.
الخامسة: هبته، هل تصح أم لا؟ المنصوص عن أحمد: أنها تصح بإذن سيده لا بدونها.
السادسة: هل يكون العبد وليًّا في النكاح على موليته أم لا؟ المذهب: أنه لا يكون وليًّا.
وفي رواية: أنه يكون وليًّا، وهي الأظهر.
السابعة: هل للعبد حضانة أم لا؟ المذهب: لا حضانة له.
وصحح ابن القيم: منع التفريق؛ للأحاديث.
(1)
الثامنة: الحدود، فإنه على النصف من حد الحر في الزنى وشرب الخمر والقذف، ولا يغرَّب في حد الزنى.
التاسعة: هل يجب الحد على قاذفه أم لا؟ المذهب: أنه لا يجب ولكن يعزر.
وقيل: يحد.
العاشرة: هل يصح توليته القضاء أم لا؟ المشهور في المذهب: أنه لا يصح توليته القضاء.
وقيل: يصح.
(1)
ينظر: زاد المعاد 5/ 462.
فوائد أصولية
•الأولى: دلالة العام على أفراده، هل هي بطريق الظهور، أو بطريق التنصيص على كل فرد من الأفراد؟ مذهبان، المشهور عند أصحابنا: الأول.
•الثانية: العام هل يقصر على مقصوده أم لا؟ الجمهور: أنه لا يقصر. وقيل: يقصر
(1)
.
• الثالثة: قول الشافعي رحمه الله: حكاية الحال إذا تطرق إليها الاحتمال؛ كساها ثوب الإجمال، وسقط منها الاستدلال.
ونقل عنه أيضاً: ترك الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتمال؛ ينزل منزلة العموم في المقال، ويحسن بها الاستدلال.
(1)
قال به القاضي عبد الوهاب من المالكية، ومال إليه أبو البركات ابن تيمية، وخصَّه به أيضاً وحفيده أبو العباس. قالوا: المتبادر إلى الفهم من لمس النساء ما يقصد منهن غالباً من الشهوة، ثم لو عمَّت خُصَّت به.
وقول الله تعالى: (وأحل الله البيع)، قصد به الفرق بينه وبين الربا، وكذا قوله صلى الله عليه وسلم:«فيما سقت السماء العشر» ، قصده فيما يجب فيه العشر ونصفه، فلا يحتج بعموم ذلك. ينظر: القواعد 2/ 874.
اختلفت أجوبة الفضلاء عن ذلك، وجمع القرافي بينهما:
أن المراد في الجملة الأولى: إذا استوت الاحتمالات في كلام صاحب الشرع.
والمراد بالجملة الثانية: إذا كانت الاحتمالات في محل المدلول دون الدليل
(1)
.
•الرابعة: الأمر بالمطلق، هل يكون أمراً بمفرداته، ويكون عامًّا؟ قولان:
أحدهما: العموم، وهو قول الأكثرين.
والقول الثاني: أن المفردات ليس مأموراً بها، لكن متى أتى بالمأمور أجزأ، فلا يأتي به إلا مقروناً ببعض المفردات
(2)
.
من أمثلة ذلك على القول الأول:
الأولى: جواز القضاء في المسجد؛ لقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} ، ولم يفرق بين أن يحكم في المسجد وبين أن يحكم
(1)
ينظر: الفروق 2/ 87، شرح تنقيح الفصول ص 187.
(2)
اختار هذا القول بعض الحنابلة، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية. ينظر: القواعد 2/ 878، المسودة ص 89، مجموع الفتاوى 19/ 299، 20/ 196.
في غيره، فهذا أمر بالحكم في عموم الأمكنة والأزمنة، إلا ما خصَّه الدليل.
الثانية: جواز إقامة الحدود على الملتجئ إلى الحرم، بآية القصاص والسرقة والزنى، فالأمر بذلك في تلك الآيات مطلق في الأمكنة والأزمنة.
وأجاب عنه أصحاب القول الثاني: بأنها تتناول مكاناً ضرورة إقامته، فيمكن في غير الحرم.
•الخامسة: إذا ذكر العام، وذكر بعده أو قبله اسم لو لم يصرح به لدخل في العام، فهل إفراده يقتضي عدم دخوله في العام أم لا؟
مذهبان للأصوليين والنحاة.
وقاعدة المذهب: تقتضي عدم الدخول.
•السادسة: العام في الأشخاص عام في الأحوال، هذا هو المعروف عند العلماء.
وقيل
(1)
: إنه يكون مطلقاً في الأحوال. وأبطل هذا
(1)
منهم القرافي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن قاضي الجبل. ينظر: القواعد 2/ 882، شرح تنقيح الفصول ص 200، المسودة ص 92، شرح الكوكب المنير 3/ 116.
المذهب ابن دقيق العيد
(1)
.
•السابعة: قول الصحابي: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كذا)، هل يفيد التكرار أم لا؟ قولان.
•الثامنة: مفهوم المخالفة، هل هو عام فيما سوى المنطوق أم لا؟ مذهبان:
أحدهما: أنه عام فيما سوى المنطوق، يجوز تخصيصه بما يجوز به تخصيص العام.
الثاني: أنه لا يعم، وأنه يكفي المخالفة بصورة ما
(2)
.
(1)
قال ابن دقيق العيد: مثال ذلك: إذا قال: من دخل داري فأعطه درهماً، فمقتضى الصيغة العموم في كل ذات صدق عليها أنها الداخلة.
فإذا قال قائل: هو مطلق في الأزمان، فأعمل به في الذوات الداخلة الدار في أول النهار مثلاً ولا أعمل به في غير ذلك الوقت؛ لأنه مطلق في الزمان وقد عملت به مرة، فلا يلزم أن أعمل به أخرى؛ لعدم عموم المطلق.
قلنا: دلت الصيغة على العموم في كل ذات دخلت الدار، ومن جملتها الداخلة في آخر النهار، فإذا أخرجت تلك الذوات فقد أخرجت ما دلت الصيغة على دخوله. ينظر: إحكام الإحكام 1/ 98، القواعد 2/ 883.
(2)
اختاره ابن قدامة، وابن عقيل، وأبو العباس ابن تيمية، والغزالي، وابن دقيق العيد. ينظر: القواعد 2/ 886.
القاعدة الستون
ألفاظ الجموع المنكرة؛ كـ (مسلمين) و (مشركين)؛ لا يفيد العموم في إحدى الروايتين.
والأخرى: يحمل على العموم
(1)
.
وإذا قلنا: بعدم العموم، فيحمل على أقل الجمع.
وأقل الجمع ثلاثة. وقيل: اثنان
(2)
.
• من فروع القاعدة:
إذا نذر الصدقة بدراهم، أو نذر عتق عبيد، أو صوم أيام، أو أن يتوضأ مرات، أو يتمضمض بغرفات، أو حلف بالطلاق
(1)
محل النزاع: في أبنية الجمع نحو: (الزيدين) و (رجال)، لا في لفظ (ج م ع) فإنه يطلق على اثنين بلا خلاف.
ولا خلاف أيضاً في نحو: نحن فعلنا، ولا في باب:{فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} . ينظر: القواعد 2/ 895.
(2)
وأما في لفظ الجماعة؛ فقيل: أقلها اثنان. وقيل: أقلها ثلاثة.
وينبغي أن يكون محل هذا القول في غير الصلاة، فإنه قد روى ابن ماجه (972)، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، والدارقطني (1088)، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الاثنان فما فوقهما جماعة» . ينظر: القواعد 2/ 896.
ليتزوجنَّ زوجات، أو علَّق طلاق زوجته على إعطاء عبيد أو دراهم أو ثياب:
فإنه يُحمل على ثلاث على قول الأكثرين، بناء على القاعدة.
ويحمل على اثنين على قول غيرهم.
القاعدة الحادية والستون
إذا ورد دليل عام مستقل، ولكن على سبب خاص، فهل العبرة بعموم اللفظ أم بخصوص السبب؟ في ذلك مذهبان.
وكون العبرة بعموم اللفظ هو قول أحمد وأصحابه
(1)
.
وأما محل السبب؛ فلا يجوز إخراجه بالاجتهاد إجماعاً.
• من فروع القاعدة:
الأولى: أن الأفضل عندنا في السفر الفطر مطلقاً، سواء وجد مشقة أو لم يجد، أخذاً بعموم قوله صلى الله عليه وسلم:«ليس من البر الصيام في السفر»
(2)
.
الثانية: أن متروك التسمية لا يحل عندنا، أخذاً بعموم قوله تعالى:{وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} .
(1)
هذا الكلام في الدليل الوارد من الشارع.
أما كلام غير الشارع، فهل العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ ككلام الشارع، أو العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ؟ وجهان، اختار ابن قدامة والمجد وأبو العباس: الأخذ بخصوص السبب لا بعموم اللفظ. ينظر: القواعد 2/ 910.
(2)
رواه مسلم (1115)، من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.
القاعدة الثانية والستون
الاستثناء: إخراج بعض الجملة بـ (إلا) - وهي أم الباب - أو ما قام مقامها، وهي: غير، وليس، ولا يكون، وحاشا، وخلا، وعدا، وسوى، وما عدا، وما خلا.
والاستثناء هو: إخراج ما لولاه لوجب دخوله لغة.
• فرع: الاستثناء على قول الأكثرين: تخصيص.
• مسائل تتعلق بالاستثناء:
الأولى: أنه لا يجوز أن يستثنى الأكثر من عدد مسمًّى.
وفي قول: جواز استثناء الأكثر.
ولنا في النصف، وجهان
(1)
.
ولا خلاف في جواز استثناء الأكثر إذا كانت الكثرة مفهومة من دليل خارجي لا من اللفظ.
وأما الاستثناء المستغرق؛ فباطل إجماعاً.
(1)
المذهب عند المتأخرين: صحة الاستثناء. ينظر: الإنصاف 30/ 233، شرح الكوكب المنير 3/ 306.
ومحل امتناع الاستثناء في غير الصفة، أما في الصفة فإنه يجوز استثناء الأكثر والكل.
الثانية: لو أوصى بثلثه إلا شيئاً، أو بألف إلا شيئاً:
فعلى المذهب: له النصف وأدنى متمول.
وعلى القول باستثناء الأكثر: له أدنى متمول.
الثالثة: لا فرق في الاستثناء بين الطلاق وغيره، هذا المذهب.
وقيل: لا يصح الاستثناء في الطلاق.
الرابعة: يشترط للاستثناء الاتصال لفظاً، أو حكماً؛ كانقطاعه بتنفس ونحوه، عند الأئمة الأربعة وغيرهم
(1)
.
(1)
قال الإمام أحمد: قول ابن عباس: إذا استثنى بعد سنة فله ثنياه، ليس هو في الأيمان، إنما تأويله قول الله عز وجل:{وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً*إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} فهذا استثناء من الكذب؛ لأن الكذب ليس فيه كفارة، وهو أشد من اليمين؛ لأن اليمين تكفَّر والكذب لا يكفَّر.
قال المؤلف رحمه الله: مراد أحمد رضي الله عنه، والله أعلم، أنه إذا نسي أن يقول: أفعل كذا إن شاء الله تعالى، فيقول متى ذَكَر، وعليه يحمل مذهب ابن عباس. ينظر: القواعد 2/ 955.
وفي رواية: يصح الاستثناء في اليمين منفصلاً في زمن يسير.
الخامسة: يشترط نية الاستثناء، هذا المذهب.
وفي محلها ثلاثة أقوال:
أحدها: أول الكلام.
والثاني: أنه يصح ولو بعده، واختاره أبو العباس ابن تيمية، وقال: لا يضر فصل يسير بالنية.
(1)
والثالث: أن محله قبل تكميل المستثنى منه.
السادسة: لا يجوز تقديم المستثنى في أول الكلام؛ كقولك: إلا زيداً قام القومُ، كحرف العطف.
السابعة: أنه يصح الاستثناء من الاستثناء، كقوله تعالى:{قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ*إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ*إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ} .
(1)
ينظر: مجموع الفتاوى 33/ 238، الاختيارات الفقهية ص 267
الثامنة: هل يرجع الاستثناء إلى ما يملكه المكلف أو إلى ما تلفظ به؟ وجهان
(1)
.
التاسعة: الاستثناء من غير الجنس، لا يصح عند أحمد وأصحابه.
وفي قول: يصح.
العاشرة: الاستثناء إذا تعقب جملاً عطف بعضها على بعض بالواو، ويصلح عوده إلى كل واحد منها؛ فإنه يعود إلى جميعها إلا أن يرد دليل بخلافه.
مثال ذلك:
أولاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يَؤُمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في أهله، ولا يجلس على تكرِمته، إلا بإذنه»
(2)
، فالاستثناء عائد على الكل.
(1)
مثال ذلك: إذا قال الزوج لزوجته: أنت طالق خمساً إلا واحدة، فإن قلنا: يرجع إلى ما تلفظ به، فيقع الثلاث، وإن قلنا: يرجع إلى ما يملكه، فيقع اثنان، كأنه استثناء واحدة من ثلاث. ينظر: القواعد 2/ 969.
ذكر القاضي أبو يعلى أنه يعود إلى ما يملكه المكلف، وقد ذكر ذلك في مسائل كثيرة، وهي قاعدة المذهب كما ذكر المرداوي. ينظر: الإنصاف 22/ 380.
(2)
رواه مسلم (673)، من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه.
وقالت الحنفية: يعود إلى الأخيرة.
ثانياً: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] تضمنت الآية الكريمة: أن القذف يتعلق به ثلاثة أحكام: وجوب الجلد، ورد الشهادة، وثبوت الفسق.
فمن رأى أن الاستثناء يعود إلى الأخيرة فقط - وهو أبو حنيفة -، قال: إذا تاب القاذف زال فسقه، ولم تقبل شهادته إذا جلد.
وأما من رأى عوده إلى الجميع، فقال جماعة منهم: مقتضى هذا الأصل أن يعود إلى الفسق ورد الشهادة والحد، لكن منع من عوده إلى الجلد الإجماع، فإن حد القذف لا يسقط بالتوبة بالإجماع، فيبقى الباقي على مقتضى الأصل.
ودعوى الإجماع لا تصح.
•فرع: الشرط، إذا قُيِّد به أحد المتعاطفين، فإن الحنفية قد وافقونا على عوده إلى الجميع، ومن أمثلة ذلك:
الأول: إذا قال: أنتِ علي حرام، والله لا أكلمك، إن شاء الله تعالى؛ أن الاستثناء يعود إليهما.
الثاني: لو حلف: لأضربنَّ زيداً ثم عمراً ثم بكراً، إن شاء الله؛ أنه للجميع في كلام بعض أصحابنا
(1)
.
الثالث: وإن قال لمدخولٍ بها: إن دخلتِ الدار فأنت طالق وطالق وطالق، فدخلت؛ وقع ثلاثاً.
•فرع: التخصيص بالصفة، نحو:(أكرِمْ بني تميم الداخلين)؛ يعود إلى الجميع.
•فرع: عطف البيان والتوكيد والبدل ونحو ذلك من الأسماء المخصصة، والجار والمجرور مثل أن يقول: على أنه، أو بشرط أنه، ونحو ذلك؛ فإنه ينبغي أن يتعلق بالجميع؛ كالاستثناء.
مثل لو قال: أكرم بني تميم، أو بني أسد، أو بني غطفان، بشرط أن يكونوا مؤمنين، أو على أن يكونوا مؤمنين، فهو متناول للجميع
(2)
.
•فرع: التخصيص بالغاية؛ كـ (أكرم بني تميم حتى يدخلوا)، كالاستثناء بعد جمل في العود.
(1)
قال ذلك أبو العباس ابن تيمية. ينظر: مجموع الفتاوى 31/ 155.
(2)
قاله أبو العباس ابن تيمية. ينظر: القواعد 2/ 992، المسودة ص 141، ومجموع الفتاوى 31/ 156.
•فرع: الإشارة بلفظ (ذلك) بعد الجمل؛ يعود إلى الجميع.
•فرع: التقييد بالتمييز بعد العطف؛ يعود إلى الجميع.
مثاله: إذا قال: له علي ألف وخمسون درهماً؛ فالجميع دراهم.
•فرع: الضمير يعود إلى جميع ما تقدم، كقولك: أدخل بني هاشم، ثم بني المطلب، ثم سائر قريش، وأكرمهم.
الحادية عشرة: الاستثناء من الإثبات نفي، كقولك: قام القوم إلا زيداً، فإنه يكون نفياً للقيام عن زيد.
وأما الاستثناء من النفي، نحو: ما قام أحد إلا زيد، فعندنا وعند الجمهور: يكون إثباتاً لقيام زيد.
وقال أبو حنيفة: لا يكون إثباتاً بل دليلاً على إخراجه عن المحكوم عليهم، وحينئذ فلا يلزم منه الحكم بالقيام.
• من فروع هذه المسألة:
الأولى: إذا حلف الحالف: لا يَلْبَسُ إلا الكتان، فهل الكتان محلوف على لبسه، فإذا جلس عُرياناً حَنِث، بناء على قاعدة الاستثناء من النفي إثبات؟ أو لا يحنث؛ لأن المقصود
أنه يمتنع من لبس كل شيء إلا الكتان، فإنه لا يمتنع من لبسه فلا يكون محلوفاً عليه؟ قولان.
الثانية: إذا قال الزوج لزوجته: أنت طالق واحدة إلا أن تشائي ثلاثاً، فشاءت الثلاث؛ لم تطلق في أحد الوجهين، بناء على أن الاستثناء من الإثبات نفي.
الثالثة: لو قال: امرأتي طالق إن كنت أملك إلا مائة، ولم ينو شيئاً، وكان يملك أكثر أو أقل؛ حنث.
• مسألة: الاستثناء بالمشيئة على نوعين:
النوع الأول: أن يكون بصيغة التنجيز؛ كقوله لامرأته: أنت طالق إن شاء الله، ولعبده: أنت حر إن شاء الله، فالمذهب: الوقوع
(1)
.
(1)
اختار أبو العباس ابن تيمية في هذه المسألة تحقيقاً حسناً، وتفصيلاً بيناً، وهو: أن الزوج إن أراد بقوله: أنت طالق إن شاء الله، وقوع الطلاق عليها بهذا التطليق؛ طَلَقَتْ؛ لأن هذا كقوله: أنت طالق بمشيئة الله، وهذا مريد للطلاق قاصد لإيقاعه؛ فعلمنا أن الله قد شاء وقوع طلاقه بذلك، وليس قوله:(إن شاء الله) تعليقاً، بل هو توكيد للوقوع وتحقيق له.
وإن أراد بقوله: (إن شاء الله)، حقيقة التعليق على مشيئة مستقبلة؛ لم يقع به الطلاق حتى تطلق بعد ذلك؛ لأنه لم يرد إيقاع هذا الطلاق عليها الآن، وإنما قصد تأخير وقوع الطلاق عليها إلى أن يشاء الله وقوع طلاق عليها في المستقبل، فلا تطلق حتى يطلقها الزوج. ينظر: القواعد 2/ 1003.
النوع الثاني: صيغة التعليق والقسم؛ كقوله: أنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله تعالى، أو أنت طالق لتدخلن الدار إن شاء الله، أو أنت طالق لا تدخلين الدار إن شاء الله، ونحو ذلك، فهذا فيه نزاع معروف في مذهب الإمام أحمد على قولين:
القول الأول: عدم صحة الاستثناء مطلقاً، سواء كان الحلف بصيغة القسم أو بصيغة الجزاء.
القول الثاني: التفريق بين الحلف بالطلاق بصيغة القسم والتعليق على شرط يقصد به الحض والمنع فيصح فيه الاستثناء، وبين التعليق على شرط يقصد به وقوع الطلاق بنية، فلا ينفع فيه الاستثناء؛ كقوله: أنت طالق إذا طلعت الشمس إن شاء الله.
(1)
• تنبيه: حيث قلنا: يفيد الاستثناء بالمشيئة، فسواء كان متقدماً على الجزاء أو متأخراً عنه.
•فرع: لا بد في الاستثناء من نطقه، إلا أن يكون مظلوماً خائفاً؛ فيصح استثناؤه في نفسه.
(1)
وهذه طريقة اختيار أبي العباس ابن تيمية. ينظر: القواعد 2/ 1010، مجموع الفتاوى 33/ 141.
وحيث قلنا: يجب نطقه، فهل يجب إسماع نفسه أو يكفي الإتيان بالحروف وإن لم يسمعها؟
•فرع: تعتبر نية الاستثناء على الصحيح.
وقيل: يصح من غير نية.
وتظهر فائدة الخلاف: فيمن سبق الاستثناء على لسانه عادة أو أتى به تبركاً.
•فرع: إذا شك الحالف في الاستثناء؛ فالأصل عدمه.
وقال أبو العباس ابن تيمية: إلا مَنْ عادتُه الاستثناء، واحتج بالمستحاضة تعمل بالعادة.
(1)
(1)
ينظر: الاختيارات الفقهية ص 268، والإنصاف 27/ 495.
القاعدة الثالثة والستون
إذا بَطَل الخصوص، هل يبطل العموم
؟ في ذلك خلاف بين العلماء.
• من فروع القاعدة:
الأولى: إذا نسخ الوجوب فيبقى الجواز.
وقيل: لا يبقى دليلاً على الجواز، بل يرجع الأمر إلى ما كان قبل الوجوب، من البراءة الأصلية، أو الإباحة، أو التحريم، وصار الوجوب بالنسخ كأن لم يكن.
الثانية: إذا ظن دخول وقت صلاة فريضة، فأحرم بفرض، فبان قبل وقته؛ لا يجزئه عن الفرض جزماً.
وهل ينعقد نفلاً أم لا؟ روايتان، المذهب: أنه ينعقد نفلاً.
الثالثة: إذا نوى المتيمم رفع الحدث، وقلنا على المذهب: التيمم مبيح، ففي صحة تيممه وجهان؛ لأن نية الرفع تستلزم الإباحة، وصحح طائفة: عدم الصحة
(1)
.
(1)
وهو المذهب عند المتأخرين، وعليه جماهير الأصحاب. ينظر: الإنصاف 2/ 230، شرح المنتهى 1/ 98.
الرابعة: لو أحرم بفرض، ثم نقله تطوعاً، هل يبطل أم لا؟ قولان
(1)
.
وبيان تخريج هذه المسألة على القاعدة: أن نية الفرض تشتمل على نية الصلاة من حيثُ الجملةُ، وخصوصُ الفرض، فإذا بَطَل خصوصُ الفرض، بقي أصل نية الصلاة
(2)
.
الخامسة: إذا ظن رب المال أن عليه زكاة فأخرجها، ثم بان أن لا شيء عليه، لم يرجع بها على المسكين؛ لوقوعها نفلاً.
السادسة: إذا نذر صوم يوم العيد؛ صح نذره، ولزمه يوم آخر، في إحدى الروايتين
(3)
.
السابعة: لو نذر الطواف على أربع - يعني: على رجليه ويديه -، لغا خصوص الطواف على الهيئة المنهي عنها، ولزمه الطواف على الوجه المشروع - وهو الطواف على رجليه فقط -
(4)
.
(1)
المذهب عند المتأخرين: أنه لا يبطل. ينظر: الإنصاف 4/ 237، كشاف القناع 1/ 304.
(2)
محل هذا الكلام: إذا نقل الفرض إلى النفل لغير غرض صحيح، أما إذا كان لغرض صحيح، مثل أن يحرم منفرداً، فيريد الصلاة في جماعة، فإن المذهب الصحيح: أنه يصح؛ لأنه إكمال في المعنى. ينظر: القواعد 2/ 1033.
(3)
وهو المذهب عند المتأخرين. ينظر: الإنصاف 28/ 181، شرح المنتهى 3/ 474.
(4)
المذهب عند المتأخرين: عليه طوافان، أحدهما عن يديه، والآخر عن رجليه. ينظر: الإنصاف 28/ 249، شرح المنتهى 3/ 480.
الثامنة: لو نذر العبادة على وجه منهي عنه؛ كنذره الصلاة عُرياناً، أو في مكان منهي عنه، والحجَّ حافياً حاسراً، والمرأة تحج حاسرة؛ فقياس المذهب: الوفاء بالطاعة على الوجه المشروع، وإلغاء تلك الصفة
(1)
.
التاسعة: لو وقف على مسجدٍ قنديلَ ذهب أو فضة؛ لم يجز، وبَطَل خصوص الوقف.
وهل يبطل عموم الصدقة به على المسجد؟ قولان:
أحدهما: بطلان الوقف، وبقاء الموقوف على ملك مالكه
(2)
.
الثاني: أنه يزول ملك الواقف عنه، ويكسَّر ويصرف في مصالح المسجد وعمارته. ذكره في المغني
(3)
.
العاشرة: إذا نذر المشي إلى بيت الله الحرام؛ لزمه إتيانه حاجًّا أو معتمراً.
(1)
وهو المذهب عند المتأخرين. ينظر: الإنصاف 28/ 250، شرح المنتهى 3/ 481.
(2)
وهو المذهب عند المتأخرين. ينظر: الإنصاف 16/ 378، كشاف القناع 2/ 238.
(3)
ينظر: المغني 2/ 612.
القاعدة الرابعة والستون
المطلق: ما يتناول واحداً غير معين باعتبار حقيقة شاملة لجنسه؛ نحو قوله تعالى: (تحرير رقبة) [البقرة:
…
].
والمقيد: ما يتناول معيناً أو موصوفاً بزائد على حقيقة جنسه، نحو قوله تعالى:(تحرير رقبة مؤمنة).
• فرع: إن ورد مطلق ومقيد، فلا يخلو من أحوال:
الحالة الأولى: أن يختلف حكمهما: فلا يحمل أحدهما على الآخر.
سواء اتفق السبب؛ كالتقييد بالتتابع في الصيام في كفارة الظهار وإطلاق الإطعام فيها.
أو اختلف؛ كتقييد الصيام بالتتابع في كفارة اليمين وإطلاق الأحكام في كفارة الظهار.
الحالة الثانية: أن يتحد حكمهما ويتحد سببهما: فلها حالتان:
الأولى: أن يكونا مثبتين؛ نحو: أعتق في الظهار رقبة، ثم قال: أعتق في الظهار رقبة مؤمنة: حمل المطلق على المقيد عند الأئمة الأربعة، وذكره أبو البركات إجماعاً
(1)
.
الثانية: أن يكونا نهيين؛ نحو: لا تُعتِق مكاتباً، لا تُعتِق مكاتَباً كافراً، أو: لا تكفِّر بعتق، لا تُعتق مكاتَباً كافراً، فالقيد دل بالمفهوم، فهل يعمل بالمقيد، أو يعمل بالمطلق؟ قولان
(2)
.
فمن لا يراه حجه، أو لا يخص العموم به: فإنه يعمل بمقتضى الإطلاق.
(1)
ينظر: المسودة ص 131، وقال:(إن كانت دلالة المقيد من حيث المفهومُ دون اللفظ فكذلك أيضاً على أصلنا وأصل من يرى دليل الخطاب، ويقدم خاصُّه على العموم، فأما من لا يرى دليل الخطاب، أو لا يخصص العموم به؛ فيعمل بمقتضى الإطلاق، فتدبر ما ذكرناه فإنه يغلط فيه كثير من الناس). ينظر: القواعد 2/ 1069.
(2)
ذكر غير واحد من الأصوليين، أنه إذا اتحد الحكم والسبب وكانا نهيين، أنهما من صور المطلق والمقيد.
والذي يظهر: أن ذلك ليس من صور المطلق والمقيد، بل هو من صور العام والخاص؛ لأنه نكرة في سياق نفي، والنكرة في سياق النفي عامة لا مطلقة. ينظر: القواعد 2/ 1072.
ومن يراه حجة ويخص العموم به: فإنه يعمل بالمقيد
(1)
.
الحالة الثالثة: أن يتحدا حُكماً ويختلفا سبباً؛ كالرقبة المؤمنة في القتل، والرقبة المطْلَقة في الظهار، فعلى روايتين:
إحداهما: يحمل المطلق على المقيد من طريق اللغة.
والثانية: لا يحمل.
•فرع: حَمْل المطلق على المقيد بعلة جامعة بينهما: جائز عندنا.
•فائدة: إذا أطلقت الصورة الواحدة، ثم قيدت تلك الصورة بعينها بقيدين متنافيين، كقوله صلى الله عليه وسلم:«إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات»
(2)
، فإنه قد ورد في رواية:
(1)
قاله أبو الخطاب والمجد.
وقال القاضي: يعمل بالمطلق؛ لأنه لا يخص الشيء بذكر ما تحته.
وذكر الآمدي في الأحكام: أنه لا خلاف في العمل بمدلولهما والجمع بينهما إذ لا يعذر فيه.
ومعناه: أنه يلزم من نفي المطلق نفي المقيد فيمكن العمل بهما، فلا يَعتق في مثالنا رقبة لا مؤمنة ولا كافرة؛ بناء على أن ذكر بعض أفراد العموم لا يكون مخصصاً.
وصرح بذلك أبو الحسين البصري في المعتمد، وحينئذ فلا فرق بين هذا القول وبين قول من قال: يعمل بالمطلق، كما هو قول القاضي. ينظر: القواعد 2/ 1070.
(2)
رواه مسلم (279)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
«إحداهن بالتراب»
(1)
وفي رواية: «أولاهن بالتراب»
(2)
، وفي الأخرى:«السابعة بالتراب»
(3)
.
فلما كان القيدان متنافيين تساقطا، ورجعنا إلى الإطلاق في إحداهن؛ لأنهما لما تعارضا ولم يكن أحد القيدين أولى من الآخر؛ تساقطا وبقي التخيير.
•فائدة: إن المطلق من الأسماء يتناول الكامل من المسميات في الإثبات، لا في النفي.
•فائدة: إذا قلنا: يحمل المطلق على المقيد؛ فإنما محله إذا لم يستلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، فإن استلزمه حمل على إطلاقه.
أمثلة ذلك:
الأول: إطلاق النبي صلى الله عليه وسلم لبس الخفين بعرفات، وكان معه الخلق العظيم من أهل مكة والبوادي واليمن، لم يشهدوا خطبته بالمدينة، فإنه لا يقيد بما قاله في المدينة، وهو قطع الخفين.
(1)
أخرجه الدارقطني (192)، من حديث علي رضي الله عنه، وضعفه الألباني، وقال:(سنده ضعيف جدًّا، فيه الجارود بن يزيد وهو متروك). ينظر: الإرواء 1/ 62.
(2)
رواه مسلم (279) من حديث علي رضي الله عنه.
(3)
رواه أبو داود (73) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
الثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن سألته عن دم الحيض؟ «حُتِّيهِ ثم اقْرُصيهِ ثم اغسليه بالماء»
(1)
، ولم يشترط عدداً، مع أنه وقت حاجة، فلو كان العدد شرطاً لَبَيَّنه، ولم يُحِلْها على ولوغ الكلب، فإنها ربما لم تسمعه، ولعله لم يكن شرع الأمر بغسل وَلُوغِه.
(1)
رواه البخاري (227)، ومسلم (291)، من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، بلفظ:«تَحُتُّه ثم تَقرُصه بالماء وتَنضَحُه وتصلي فيه» .
القاعدة الخامسة والستون
المفهوم
على قسمين: مفهوم موافقة، ومفهوم مخالفة.
• فأما مفهوم الموافقة: فهو أن يكون المسكوت عنه موافقاً في الحكم للمنطوق وأولى منه.
مثال ذلك: قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} ، وكتأدية ما دون القنطار من قوله:{يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} ، وهذا تنبيه بالأعلى على الأدنى، وما قبله بالأدنى على الأعلى.
• فرع: وهو حجة، ذكره بعضهم إجماعاً.
واختلف في دلالته:
فقيل: دلالته لفظية. وقيل: هو قياس جلي.
•وأما مفهوم المخالفة: فهو على أقسام:
الأول: مفهوم الصفة: وهو أن يقترن بعامٍّ صفةٌ خاصةٌ، كقوله صلى الله عليه وسلم:«في الغنم في سائمتها الزكاة»
(1)
مفهومه: لا زكاة
(1)
رواه البخاري (1454)، من حديث أنس رضي الله عنه.
في معلوفة الغنم.
ولم يقل بمفهوم الصفة جماعة من الفقهاء.
• فرع: لمفهوم الصفة صورتان:
أحدهما: أن يقترن بعامٍّ صفةٌ خاصة، أو يُقْسَم اللفظ إلى قسمين، ويذكر صفة مع كل قسم من القسمين، نحو حديث:«الثيِّب أحق بنفسها، والبكر تستأذن»
(1)
.
والثانية: أن تفرد الصفة بالذكر؛ كقوله: «الثيب أحق بنفسها من وليها» ، وهذه الصورة دون التي قبلها في القوة.
(2)
الثاني: مفهوم الشرط: نحو قوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ} .
وهو أقوى من الصفة، فلهذا قال به جماعة ممن لم يقل بمفهوم الشرط.
(1)
رواه مسلم (1421)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
والفرق بين هذه الصورة والتي قبلها: أن ذكر الثيب يظهر معه أنه ذاكر للبكر، ويحتمل الغفلة عن الذكر، فصار المفهوم ظاهراً، وعند ذكر الوصف الخاص مع العام، انقطع احتمال عدم الحضور، فصار المفهوم هنا أظهر. ينظر: القواعد 2/ 1102.
ويتفرع على مفهوم الصفة والشرط فروع كثيرة: في الوقف، والوصايا، والتعاليق، والنذور، والأيمان.
الثالث: مفهوم الغاية: نحو قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} .
وهو أقوى من الشرط، فلهذا قال به جماعة ممن لم يقل بمفهوم الشرط.
الرابع: مفهوم العدد الخاص: كقوله تعالى: (ثمانين جلدة).
ونفاه جماعة من الفقهاء.
الخامس: مفهوم اللقب: وهو تخصيص اسم بحكم.
وهو حجة عند أكثر أصحابنا وغيرهم من الفقهاء.
ونفاه أكثر العلماء
(1)
.
وقيده بعضهم: بغير المشتق
(2)
.
(1)
منهم ابن عقيل وابن قدامة. ينظر: القواعد 2/ 1112.
(2)
واختار أبو البركات ابن تيمية: أنه حجة بعد سابقة ما يعم له ولغيره، كقوله صلى الله عليه وسلم:«وترابها طهورًا» ، بعد قوله:«جعلت لي الأرض مسجدًا» .
وعلى هذا لو قال: "عليكم في الإبل الزكاة" لم يكن له مفهوم؛ لأنه لا يوجب تخصيص عام قد ذكر، ويمكن أن غيرها لم تخطر بباله، ولو قيل: يا رسول الله هل في بهيمة الأنعام الزكاة؟ فقال: في الإبل الزكاة، لكان له مفهوم؛ لما ذكرنا.
وقال: (وأكثر مفهومات اللقب التي جاءت عن أحمد لا يخرج عما ذكرته لمن تدبرها). ينظر: القواعد 2/ 1113.
وجعل بعض أصحابنا مفهوم اللقب حجة في اسم جنس لا اسم عين.
• فرع: شروط العمل بمفهوم المخالفة:
الأول: أن لا يظهر في المسكوت عنه أولوية ولا مساواة، فإن ظهر أولوية أو مساواة، كان المسكوت عنه موافقاً للمنطوق.
الثاني: أن لا يكون خرج مخرج الغالب.
وعلى القول الأول بأنه ليس بحجة: إذا خرج مخرج الغالب، فهل يكون عامًّا في المسكوت عنه والمنطوق أم لا؟ كلام الأكثرين من أصحابنا يدل على أنه ليس بعام.
الثالث: أن لا يخرج جواباً لسؤال.
الرابع: أن تكون الصفة التي علق الحكم بها، قصد بها تعليق الحكم بها، فإن علق بصفة غير مقصودة، مثل قوله تعالى:{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236]، فلا دليل له؛ لأن الصفة لم تذكر
لتعليق الحكم بها، وإنما قصد بها رفع الجناح عمن طلق قبل المسيس، وإيجاب المتعة على وجه التبع، فصار كأنه مذكور ابتداء من غير تعليق على صفة.
•فائدة: قال بعض أصحابنا: إن العام إذا خُصَّ بعض أفراده، فهل يخص العموم بمفهوم تخصيص الحكم بهذا الفرد؟
الأكثرون: أنه لا تخصيص، ويكون تخصيص الفرد لتأكيد الحكم فيه ونحوه
(1)
.
•فائدة: تخصيص العموم بالمفهوم إنما هو في كلامين منفصلين من متكلم واحد، أو في حكم الواحد ككلام الله ورسوله، لا في كلام واحد متصل، ولا متكلمين يجب اتحاد مقصودهما، كبينة شهدت: أن جميع الدار لزيد، وأخرى شهدت: أن الموضع الفلاني منها لعمرو، فإنهما يتعارضان في ذلك الموضع
(2)
.
(1)
وحكي عن أبي ثور أنه يكون مخصِّصاً، وهو من القائلين بمفهوم اللقب، فلذلك قال بالتخصيص في مثل قوله صلى الله عليه وسلم في شاة ميمونة:«دباغها طَهورها» وجعله مخصصاً لقوله صلى الله عليه وسلم: «أيما إهاب دبغ فقد طهر» .
وأما إذا قلنا: بأن المفهوم غير معتبر فلا يكون بعض أفراد العموم مخصصاً بلا نزاع. ينظر: القواعد 2/ 1122.
(2)
ذكر هذا الكلام أبو العباس ابن تيمية في مجموع الفتاوى 31/ 106.
القاعدة السادسة والستون
إجماع الخلفاء الأربعة
مع مخالفة مجتهد صحابي لهم على حكم، ليس بإجماع ولا حجة عند أحمد وأكثر الفقهاء.
وفي رواية: أنه إجماع.
وفي رواية: أنه حجة لا إجماع.
• فرع: وأما الصحابي غيرهم، إذا قال قولاً وانتشر، ولم يُنكر قبل استقرار المذهب: فإجماع عند أحمد وأصحابه.
وإن لم ينتشر، فعن أحمد في ذلك روايتان:
إحداهما: أنه حجة مقدمة على القياس.
والثانية: ليس بحجة، ويقدم القياس عليه
(1)
.
• فرع: إذا قال الصحابي قولاً يخالف القياس؛ فإنه يجب العمل به، ويجعل في حكم التوقيف، بحيث يعمل به وإن
(1)
إذا قلنا بأنه حجة، فمحله على غير صحابي، أما الصحابي فليس كل مذهب صحابي حجة على صحابي آخر إجماعاً.
والمراد في حكاية الإجماع: أن قول صحابي لا يكون حجة على صحابي آخر فيما عدا الخلفاءَ الراشدين. ينظر: القواعد 2/ 1140.
خالفه قول صحابي آخر.
وقيل: لا يحمل على التوقيف، بل حكمه حكم مجتهداته.
• فرع: إذا قلنا قول الصحابي حجة، فهل يُخص به العموم أم لا؟ في ذلك مذهبان:
أحدهما، وهو المنصوص عن أحمد وقاله جمهور أصحابنا: أنه يخص.
والثاني: لا يخص مطلقاً.
وقال أبو العباس ابن تيمية: إن كان الصحابي سمع العام وخالفه، قوي تخصيص العموم بقوله، أما إذا لم يسمع فقد يقال: هو لو سمع العموم لترك مذهبه؛ لجواز أن يكون مستنده استصحاباً، ودليل العام أقوى منه، وقد يقال: لو سمعه لما ترك مذهبه؛ لأن عنده دليلاً خاصًّا مقدماً عليه.
(1)
(1)
ينظر: المسودة ص 115.
•فرع: تتابع جماعة من الأصوليين على أن مذهب الشافعي في الجديد: أن قول الصحابي ليس بحجة.
وهذا فيه نظر ظاهر جدًّا، فإنه لا يحفظ له في الجديد حرف واحد أن قول الصحابي ليس بحجة
(1)
.
•فائدة: إن قال التابعي قولاً يخالف القياس، فهل يكون حكمه في ذلك حكم الصحابي، بأن يجعل في حكم التوقيف - على القول به -، أم يجعل كمجتهداته؟ ظاهر كلام أصحابنا وغيرهم: أنه ليس بحجة.
(2)
(1)
وغاية ما تعلق به من نقل ذلك: أن الشافعي يحكي أقوالاً للصحابة في الجديد ثم يخالفها، وهذا تعلق ضعيف جدًّا، فإن مخالفة المجتهد للدليل المعين لما هو أقوى منه في نظره لا يدل على أنه لا يراه دليلاً من حيث الجملة، بل خالف دليلاً لدليل أرجح عنده منه.
وأيضاً فقد نص الشافعي رحمه الله في مواضع من الأم، على أن قول الصحابي حجة، وقدمه على القياس في بعضها.
فمن ذلك: في كتاب الحكم في قتال المشركين، فقال ما نصه: وكل من يحبس نفسه بالترهب تركنا قتله؛ اتباعاً لأبي بكر رضي الله عنه، ثم قال: وإنما قلنا هذا اتباعاً لا قياساً. ينظر: القواعد 2/ 1146.
(2)
وذكره ابن عقيل محل وفاق.
وظاهر كلام أبي البركات ابن تيمية: أنه حجة. ينظر: القواعد 2/ 1154.
وأما إذا لم يخالف القياس: فجمهور العلماء على أنه ليس بحجة.
•فائدة: تفسير الصحابي كقوله.
وعلى القول بأنه ليس بحجة، ونقل كلام العرب: صِير إليه.
وإن فسَّره اجتهاداً أو قياساً على كلام العرب: لم يلزم المصير إليه.
•فائدة: إذا اختلف التابعون في الحادثة، جاز لغيرهم الدخول معهم في الاجتهاد إذا كانوا من أهل الاجتهاد.
وفي رواية: أنهم لا يدخلون معهم في الاجتهاد، ويسقط قولهم معهم.
الفوائد الملحقة بآخر القواعد
الفائدة الأولى
القائف، هل هو كحاكم أو شاهد
؟ قولان:
الأكثرون: على أنه كحاكم.
• ينبني على هذا الخلاف مسائل:
الأولى: إذا قلنا: هو حاكم؛ فتشترط حريته، وإن قلنا: شاهد؛ فلا تشترط حريته، بناء على أصلنا في قبول شهادة العبد.
الثانية: هل يشترط تعدد القائف أم لا؟ روايتان
(1)
.
الثالثة: هل يعتبر لفظ الشهادة في القائف أم لا؟ قولان
(2)
.
(1)
المذهب عند المتأخرين: لا يشترط ذلك ويكفي قائف واحد. ينظر: الإنصاف 16/ 355، شرح المنتهى 2/ 395.
(2)
المذهب عند المتأخرين: لا يعتبر لفظ الشهادة، فيكفي مجرد خبره. ينظر: الإنصاف 16/ 357، كشاف القناع 4/ 240، شرح المنتهى 2/ 395.
الفائدة الثانية
إذا غصب جارية ووطئها عالماً بالتحريم
؛ وجب عليه الحد بلا خلاف.
ويجب على الجارية إذا كانت مُطاوِعة عالِمة بالتحريم.
ويجب عليه المهر إن كانت مكرهة.
وإن كانت مطاوِعة، فالمذهب: وجوب المهر. وقيل: لا مهر لها مع المطاوِعة.
ولا فرق بين كونها بكراً أو ثيباً. وعن أحمد رواية أخرى: بانتفاء المهر للثيب.
ويجب أرش البكارة بكل حال: وهو ما بين قيمتها بكراً وثيباً، وجد الجهل أو لا، أو الطواعية من المرأة أو لا؛ لوجود النقص في المغصوب.
لكن حيث يجب المهر، هل يفرد عنه الأرش أو يدخل فيه؟ المحكي للأصحاب: هو الأول؛ لتعدد السبب، فإن المهر وجب لمطلق الوطء، والأرش وجب لنقص العين.
الفائدة الثالثة
• مسألة الظَّفَر
(1)
: اختلف العلماء فيها:
فمنهم من قال: بعدم الجواز بكل حال.
ومنهم: من أجازه.
لكنِ القائلون بالجواز اختلفوا على أقوال:
الأول: أنه عام في كل شيء.
الثاني: أنه يجوز إذا كان سبب الحق ظاهراً؛ كالزوجة، والرهن إذا كان مركوباً أو محلوباً، والسلعة عند المفلس، والضيف إذا لم يَقْرِه من نزل به بقدر قِراه
(2)
.
(1)
مسألة الظفر: هي أن يكون لشخص على آخر حق مالي لم يُوَفِّه إِياه، فيظفر هذا الشخص بمال لمن عليه الحق، فيستوفي حقه منه. ينظر: فتح الباري 9/ 509.
والمذهب عند المتأخرين: أن من له على إنسان حق لم يمكن أخذه منه بحاكم، وقدر له على مال؛ لم يجز في الباطن أخذ قدر حقه، إلا إذا تعذر على ضيف أخذ حقه من الضيافة بحاكم، أو مَنع زوج ومن في معناه ما وجب عليه من نفقة ونحوها؛ فله ذلك. ينظر: كشاف القناع 6/ 357، شرح المنتهى 3/ 536.
(2)
وهذا اختيار ابن القيم.
واختار أبو العباس ابن تيمية: الجواز فيما إذا كان الحق ظاهراً أو ثابتاً ببينة أو إقرار. ينظر: القواعد 2/ 1200، مجموع الفتاوى 30/ 371، إعلام الموقعين 5/ 427.
الثالث: يجوز إذا كان سبب الحق غير ظاهر.
الرابع: يفرق بين الأمانات وغيرها، فيباح الأخذ من غير الأمانات، ولا يباح من الأمانات كالودائع.
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب،
والحمد لله رب العالمين.