المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بسم الله الرحمن الرحيم - تحرير السلوك في تدبير الملوك

[محمد الأعرج]

الفصل: ‌بسم الله الرحمن الرحيم

‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

الْحَمد لله الَّذِي فضل مُلُوك الْأمة المحمدية وسلاطين الْملَّة الاحمدية على كثير من عباده تَفْضِيلًا وجعلهم للأنام من حوادث الْأَيَّام فِي أَفَاق بِلَاده ظلا ظليلا وأوضح لَهُم إِلَى اكْتِسَاب الْفَضَائِل وَاجْتنَاب الرذائل 2 / ب بعناية الأزلية سَبِيلا وَأقَام على سعادتهم فِي مناهج معجلتهم من يمن حركاتهم وسكناتهم دَلِيلا وعداهم للنَّظَر فِي مصَالح الرعايا باستعلام وقائع القضايا فَهِيَ تتلى عَلَيْهِم بكرَة وَأَصِيلا

نحمده على نعم لم تعزب عَنَّا طوالعها ونشكره على 3 / أَمن لم تنصب لدينا مشارعها حم من استنفد من الْقيام بشكره عدَّة أَيَّامه إِلَّا قَلِيلا

وَأشْهد أَن لَا اله إِلَّا الله مَالك الْملك الحكم الْعدْل الْغَنِيّ عَن الشَّرِيك والوزير وَالْكَفِيل والظهير والمعين والمشير القيوم الَّذِي لَو رامت الْعُقُول الْإِحَاطَة بكنة تَدْبيره 3 ب لرجع طرفها حسيرا وخذها كليلا

وَأشْهد أَن سيدنَا مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله الَّذِي سبغت بِهِ نعْمَة الْهِدَايَة اكمل سبوغ وَجعل لَهَا سُلْطَانا نَصِيرًا أَقْْضِي إِلَى دَرك غَايَة الظفر وَنِهَايَة الْبلُوغ وأيده بِالْكتاب الْعَزِيز الَّذِي ضمنه من نبأ الْأَوَّلين والآخرين مَا جعله بإعجازه كَفِيلا 4 / أشهادة تفيض على الْأَسْرَار نورها وتستفيض على الأنظار بظهورها وتلقى الشَّيْطَان مِنْهَا قولا ثقيلا وَنُصَلِّي ونسلم على الْمَبْعُوث بِالْآيَاتِ الباهرة وَالْأَحْكَام الزاهرة الَّتِي أبرأت بأنوار حَقّهَا الساطعة من أنصاب الْقُلُوب عليلا سيدنَا مُحَمَّد الْمَبْعُوث 4 / ب بِالصِّفَاتِ الطاهرة والمعجزات

ص: 23

الظَّاهِرَة الَّتِي شنت ببراهينها للقاطعة من اضْطِرَاب النُّفُوس غليلا وعَلى مبايعة ومتابعية الَّذين أعلاهم الله أَعلَى الْمَرَاتِب بأعظم الْوَسَائِل وأولاهم أولى المناقب بأكرم الشَّمَائِل صَلَاة وَسلَامًا لسنة 5 أدوامها المفترض تَحْويل وَرَضي الله عَن وُلَاة أُمُور الْمُوَحِّدين وحماة حوزة الدّين أَئِمَّة الْإِسْلَام الَّذين صدقُوا مَا هادوا الله عَلَيْهِ وَمَا بدلُوا تبديلا رضوانا يُحِلهُمْ بِهِ منَازِل آنسة من حظائر قدسه فِي جنَّات عدن خير مُسْتَقر وَأحسن 5 ب مقيلا أما بعد

فقد وضح لِذَوي الدِّرَايَة والعرفان وَثَبت عِنْد أولي الرِّوَايَة بِالدَّلِيلِ والبرهان أَن السلطنة منزلَة عالية مَعْدُودَة من الرتب الْعِظَام المضبوط بهَا مصَالح الْخَواص والعوام وَأَن لعلو فخرها وعلو قدرهَا امتن الله (6 أ) بهَا على كليمة مُوسَى عليه السلام حِين استضعف نَفسه عَن أَدَاء رِسَالَة ربه وَخَافَ أَن لَا ينْهض مُنْفَردا بثقل أعباء مَا أمره الله بِهِ فَسَأَلَ الْحق جلّ وعَلى أَعَادَهُ بإسعافه فِي ذَلِك بأَخيه هَارُون فَقَالَ وَأخي هَارُون هُوَ أفْصح مني لِسَانا فَأرْسلهُ (6 ب معي ردْءًا يصدقني أَنِّي أَخَاف أَن يكذبُون) فَأَجَابَهُ الله إِلَى سُؤَاله وأجناه من شَجَرَة سؤله ثَمَرَة نواله ومنحه سلطنه يقصر عَن تأميل إِدْرَاكهَا الطالبون وَلَا يقدر على منالها بجد واجتهاد الراغبون فَقَالَ تَعَالَى سنشد عضدك بأخيك ونجعل لَكمَا سُلْطَانا (7 أَفلا يصلونَ إلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمن اتبعكما الغالبون) وَأَن الأحرى بِمن ارْتَضَاهُ الله لَهَا من خليقته وناط أزمة أمورها نقصا وإبراما بقضية أَن يَأْخُذ نَفسه برعاية أحوالها ويرضوها فِي أفعالها وأقوالها وَيعلم يَقِينا أَنه مَتى قدر على سياسته (7 ب) نَفسه كَانَ على سياسة غَيره أقدر وَإِذا أهمل أَمر نَفسه كَانَ بإهمال غَيره أَجْدَر كَمَا قيل

(أتطمع أَن يطيعك قلب سعدي

وتزعم أَن قَلْبك قد عصاكا)

وَقد تزين نفس الْإِنْسَان لَهُ حسن الظَّن بهَا فيعتقد أَنه متصف بمحاسن الْأَخْلَاق (8 أ) فَيعرض عَن مراعاتها وينقاد بزمام الرضى عَنْهَا إِلَى متابعتها فِي شهواتها فَيبقى وَهُوَ لَا يعلم فِي أسر هَوَاهُ مرتهنا معدودا مِمَّن زين لَهُ سوء عمله فَرَآهُ حسنا فيقوى نَفسه عَلَيْهِ حَتَّى تغلب عقله ويلعب بِهِ هَوَاهُ حَتَّى يستنفد فِي شهواته قَوْله وَفعله ويكشفه (8 ب) صوارف غفلاته عَن تَأمل إصْلَاح شَأْنه فتنسيه فروعه وَأَصله فَلَا يشْعر إِلَّا وَقد أشرف بِهِ الصلف على التّلف فأغسد أمره كُله فَمَتَى استظهر على هَذِه الْحَالة من مبدأ أمره وَاعْتبر مواقع تزين النَّفس الْمَارَّة بالسوء ببصيرة فكره وَحصر أَسبَاب التزيين (9 أ) فَقَطعه بشبا صبره وزجر قلبه عَن إتباع هَوَاهُ بموجبات زَجره وقهر نَفسه فانقادت طوع عقله فِي سره وجهره كَانَ خليقا أَن تنْقَلب خلائقه الذاتية حميدة وطرائقه المأتية سعيدة ونظراته فِي تصريف الحركات والسكنات سعيدة (9 ب) فَلَا جرم تكون دولته دائمة ومدته مديدة وَلَا يدْرك هَذَا الِاسْتِظْهَار بِعَين الْيَقِين إِلَّا إِذا أحَاط علما بِأَسْبَاب التزيين فقطعها بِحَدّ عزمه الْمُبين وَدفعهَا بِحَدّ ذِي الْقُوَّة المتين وانه يتَعَيَّن على من رزقه الله نعْمَة السلطنة وحلاه بعقدها وَأَتَاهُ أزمة حل (10 أ) الْأُمُور وعقدها وَجعله نَائِبا فِي حماية بِلَاده ورعاية عباده واليه مَال مرجعها ومردها أَن يصرف عناية اهتمامه المتقنة إِلَى النّظر فِي عشرَة أُمُور وَهِي قَرَار قَوَاعِد الْملك وقطب السلطنة الأول حفظ بَيْضَة الْإِسْلَام (10 ب) وَالْقِيَام بحمايته فِي جَمِيع أقطار بِلَاده ونواحي مَمْلَكَته لِئَلَّا يقوى عَلَيْهِ بشوكة كَافِر وَلَا تصل إِلَيْهِ يَد

ص: 24

فَاجر وَذَلِكَ بِإِقَامَة الْأُمَرَاء والأجناد وإعداد الأهبة والاستعداد وَتَحْصِيل مهمات الْإِمْدَاد لإرهاب الْأَعْدَاء (11 أ) والأضداد

وَالثَّانِي تفقد المعاقل والحصون والثغور بِاعْتِبَار أَحْوَال ولاتها وَاخْتِيَار رجال حماتها والمبادرة إِلَى إصْلَاح عمائرها وذخائرها ومهماتها

وَالثَّالِث إِقَامَة السياسات لدفع العتاة والمفسدين وردع الطغاة (11 ب) والمعتدين فَإِن بهَا يسترعى الرعايا لتَحْصِيل المعايش والأقوات ويعم نفع البرايا بالأسفار الَّتِي لَا تحصل إِلَّا بأمن الطرقات

وَالرَّابِع إِقَامَة حُدُود الله الْمَانِعَة من ارْتِكَاب الْمَحَارِم الوازعة من اقتراف الجرائم الرادعة عَن اكْتِسَاب الْمَظَالِم فقد جعلهَا (12 أ) الله لحفظ النُّفُوس وحراسة الْأَمْوَال وَأمر بإقامتها فَلَا يحل إِسْقَاطهَا بشفاعة وَلَا سُؤال

وَالْخَامِس دوَام تمسكة بِحَبل الشَّرِيعَة الغراء والتزامها واعتماده فِي أَمر وَنَهْيه على نَقصهَا وإبرامها وَاعْتِبَار أُمُور القائمين بِأَحْكَام (12 ب) أَحْكَامهَا واعتناؤه بِإِقَامَة صلحاء قضاتها وحكامها فبنصبه فيأصل الْقُضَاة قطع النزاع وصيانة الْأَمْوَال والحقوق عَن الْإِتْلَاف والضياع وَحفظ ذَلِك من أَن تمد إِلَيْهِ أَيدي الاقتطاع من ذَوي الْبَغي وأولي الأطماع (13 أ) وَإِقَامَة الْعُقُود الْمُحْتَاج إِلَيْهَا على مَالهَا من الأوضاع

وَالسَّادِس الْقيام بإقطاع الْأُمَرَاء والأجناد وأرزاق الْحُقُوق اللَّازِمَة من الْعباد وترتيبهم على مِقْدَار مَنَازِلهمْ وأحوالهم وتفضيلهم بِمَا يُوجِبهُ تفاضل الِاحْتِيَاج إِلَيْهِم فِي أَعْمَالهم

(13 ب) وَالسَّابِع الاهتمام بجهاب الْأَمْوَال لاجتلاب أَنْوَاعهَا ومواطن الغلال الَّتِي بهَا تَقْوِيَة الْبِلَاد بِاعْتِبَار مزارع ضياعها وان لَا تُؤْخَذ إِلَّا بِالْحَقِّ وَالْعدْل فَهُوَ أكبر حارس لَهَا من ضياعها

ص: 26

وَالثَّامِن اسْتِخْدَام الكفاة والأمناء والأتقياء وَاسْتِعْمَال (14 أ) النصحاء الصلحاء الأقوياء لتَكون الْأَحْوَال يكفايتهم ملحوظة مضبوطة وبأمانتهم ونصحهم مَحْفُوظَة محوطة

وَالتَّاسِع الانتصاب لأمور الْعَامَّة بِأَن يجلس لَهَا وقتا من الْأَوْقَات لكشف الْمَظَالِم ولإقامة فَرِيضَة الْعدْل لإِزَالَة الْمَظَالِم

والعاشر (14 ب) التطلع إِلَى مجددات الْأَحْوَال وحوادث الْمُرُور وَاسْتِعْمَال الفكرة فِيمَا يَتَجَدَّد مِنْهَا مَخَافَة طرئان مكررة ومحذور بِأَن يَجْعَل لَهُ عيُونا يعتمدهم بصددها وثقاة يعدهم لرصدها فَإِن حوادث الأقدار وتقلبات الأدوار (15 أ) قد تجْعَل الْمُوَافق مُخَالفا والموالي مجانبا والأمين خائنا والناصح غاشا والساكن متحركا والمقرب مباينا فَإِذا تطلع إِلَى معرفَة مجددات الْأَسْبَاب ظهر لَهُ الْخَطَأ من الصَّوَاب وَعلم المحق من الْمُبْطل المرتاب فبادر إِلَى إصْلَاح الْخلَل وَإِزَالَة الِاضْطِرَاب (15 ب) فَهَذِهِ الْأُمُور الْعشْرَة أصُول شوامخ ينشأ مِنْهَا شعب متفرعة وقواعد ورواسخ يَنْبَنِي عَلَيْهَا أَحْكَام فَإِذا لحظها السُّلْطَان بِعَين يقظتة وَأدْخل أَحْكَام أَحْكَامهَا فِي بَاب مَعْرفَته أَقَامَ بِمَا وَجب عَلَيْهِ من حراسة الْملَّة وسياسة (16 أ) رَعيته

هَذَا وأنى لما رَأَيْت بإعانة وُلَاة الْأَمر الْأَئِمَّة على مَا تَحملُوهُ من أعباء مصَالح الْأمة المهمة بتعريفهم مناهج إرشادهم وإسعافهم بمباهج إسعادهم من لَوَازِم طاعتهم الَّتِي لَا بُد لكل مُسلم مِنْهَا وَتَمام نصرتهم (16 ب) الَّتِي لَا غنى لمستمسك بدين الله عَنْهَا

ص: 27

والغيت المصنفات الْمُعْتَبرَة فِي أَحْكَام رياسة أَئِمَّة الْإِسْلَام المرعية والمؤلفات المشتهرة فِي أَحْكَام سياسة الْخَاص والعوام من الرّعية أما بسط مُمل العزمات عَن تصفحة عليلة أَو وجيزة مخل الرغبات (17 أ) فِي تلمحة قَليلَة حدانى غَرَض أختلع فِي سرى وأمل عتلج فِي صحرى على أَن أصرف همتي الفاترة وأبعث قريحتي القاصرة إِلَى تأليف مُخْتَصر فِي قَوَاعِد تَعْرِيف رياسة الإِمَام ومعاقدها وعوائد تصريف سياسة الآنام ومراشدها (17 ب) جَامع لزبد هَذِه الْأَسْبَاب قَاطع بِمَا يشْتَمل عَلَيْهِ من الْفَوَائِد وزوائد الْمَقَاصِد شبه الارتياب وَاقع بإفادة التَّحْقِيق وإجادة التدقيق موقع الْغَرَض من هَذَا الْبَاب

فاستخرت الله الَّذِي مَا خَابَ من استخارة وَلَا بُد من آب إِلَيْهِ (18 ب) واستجارة والفت هَذَا الْكتاب البديع واللباب الرفيع من شرائف المعارف المسطورة فِي نفائس كتب هَذَا الْفَنّ الْمَشْهُور وَجَعَلته فِي هَذَا الشان عدَّة لكل حام حَامِل لأعباء الْأُمُور وعمدة لكل كَاف بمصالح الْجُمْهُور (18 ب) وسميته إِذا رسمته بتحرير السلوك فِي تَدْبِير الْمُلُوك ورتبته بعد أَن هذبته على مُقَدّمَة مهمة وواسطة وخاتمة متمة

أما الْمُقدمَة فتشمل على مَا يتخلى عَنهُ ولى الْأَمر من غرر النقائص الفاضحة وَمَا يتحلى بِهِ من غرر الخصائص الْوَاضِحَة (19 أ) وَأما الْوَاسِطَة فتشتمل على مَا يعتده ولي الْأَمر عِنْد النّظر فِي الْمَظَالِم من الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة وَمَا يعتمده حِين الحكم من السياسات الدِّينِيَّة

وَأما الخاتمة فتشتمل على التِّبْيَان لما يحكمه ولي الْأَمر من الْأَعْمَال عِنْد النّظر فِي الجرائم بواضح الْبَيَان

(19 ب) وَأَنا رَاغِب لكل خَاطب وصاله وطلاب نواله أَعْيَان السادات وسادات الْأَعْيَان الحائزين فِي حلبات الْبَيَان قصبات الرِّهَان إِذا جليت

ص: 28