المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أسئلة من كتاب الصلاة - إرشاد أولى البصائر والألباب لنيل الفقة بأقرب الطرق وأيسر الأسباب

[عبد الرحمن السعدي]

الفصل: ‌أسئلة من كتاب الصلاة

‌أسئلة من كتاب الصلاة

وقد يتناول غيرها من بقية العبادات

ص: 57

الشروط الَّتِي تَشْتَرِكُ فِيهَا الصَّلاةُ والزَّكَاةُ والصِّيَامُ وَالْحج

16-

مَا هي الشروط الَّتِي تَشْتَرِكُ فِيهَا الصَّلاةُ والزَّكَاةُ والصِّيَامُ وَالْحج أَو يشترك فِيهَا اثْنَانِ مِنْهَا فأكثر والتي يتفرَّد بِهَا كُلُّ وَاحِدٍ منهَا؟

الجواب: وباللَّهِ التَّوفِيقُ والإِعانَةُ، ونسألهُ الهِدَايَةَ إِلَى الصَّوَاب.

اعلم: أَن هذه العباداتِ الأَربَعَ هي مَعَ الشَّهَادَتَيْنِ، أَرْكَانُ الإِسلامِ الَّتي ينبني عَلَيهَا، وَهْي أَعْظَم مُهِمَّاتِ الدِّينِ، وَأَكبَرُ مَا يُقَرَّبُ إِلَى رَبِّ العَالَميْنِ وَرِضَاهُ وَثَوَابه.

وفيهَا: مِنَ الفَضَائِلِ الإِيمَانِيَّةِ والأَخْلاقِيَّةِ وَالأَعْمَال ومحاسنِ الدِّين ومصالِحِ جميعِ المسلِمينَ مَا لا يَدخُلُ تَحْتَ الحَصْرِ والحَدِّ.

وفِيهَا: مِنْ تَكمِيلِ الإسْلامِ، وتحقِيقِ الأَيْمَان، وقِيَامِ شَعَائِرِ الدِّينِ وَزِيَادَةِ الإيمَانِ، وتكفِيرِ السَّيْئَات، وَزَيَادَة الحسَنَاتِ، وعُلُوِّ الدَّرَجَاتِ وَصِلاح الْقُلُوب والأرواحِ والأبدانِ والدَّنيا وَالأَخَرَة، وغيرِ ذلِكَ مما هُوَ مَعْرُوف.

فَكَلّ هَذِه المصَالِحِ اشتَرَكَتْ فِيهَا، وإن اختَصَّتْ كُلُّ وَاحِدَة مِنهَا بمَا اختصَّتْ به، ثم إِنَّهَا اشْتَرَكَتْ كُلّهَا في: وُجُوبها عَلَى الْمُسْلِمِينَ.

فَالإِسْلام:

هُوَ الشَّرطُ المشتَرَكُ؛ لأَن الْمُسْلِمِينَ همُ الَّذِينَ الْتَزَمُوا مَا جَاءَ بِهِ الشَّرْع وهَذَا أَعْظَمه.

ص: 59

وأَمَّا غَيْرُ المسلمِينَ: فَيُؤْمَرُونَ بالإِسْلامِ، ولا يُخَاطَبُونَ بهَذِه العِبَادَاتِ الأَرْبَع ابتداء، وإِنْ كَانُوا يُعاقَبُونَ على تركها في الآخرة كما يُعَاقَبُونَ على تركِ الإِسلامِ.

واشتَرَكَتْ كُلُّها أَيضًا: باشتِرَاطِ القُدْرَةِ عَلَيهَا.

إِذْ القُدْرَةُ هي مناطُ الأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي.

فمن لا يَقْدِرُ عَلَى الشَّيء لا يُلزَمُهُ فِعْلهُ.

وَمَنْ لا يَقْدِرُ عَلَى التَّركِ بَل هُوَ مُضْطَرّ: فَلا حَرَجَ عَلَيْهِ، وَلا يُكَلّف اللَّه نفسًا إلاّ وُسعَهَا.

ولكْنِ تختَلِفُ القُدرَةُ فِيهَا بحسَبهَا:

فالقُدْرَةُ عَلَى الصَّلاةِ: ثُبُوتُ العَقْلِ.

وَلِذَلِكَ قَالَ الفُقَهَاءُ: وَلا تَسقُطُ الصَّلاةُ مَادَامَ العَقلُ ثَابتًا، فيصلي قائمًا، فإِن عَجَزَ فقَاعِدًا، فإِن عَجَزَ فَعَلَى جَنْبه، وَيُومِئ برأسه، فَإِن عَجَزَ فيُومِئُ بطرفه، فإِنْ عَجَزَ استحضَرَ ذلكَ بِقَلْبِهِ.

هَذا الْمَذْهَب. وعند الشَّيخِ تَقِيٌّ الدِّين: الإِيماءُ بالرَّأْسِ آخِرُ الْمَرَاتِب؛ لأَن غيرَهُ لم يثبتْ بهِ الحَدِيث.

وهذا أَصَحُّ، والأَوَّلُ: أَحْوَط.

ص: 60

وأَمَّا القُدْرَة في الزكَاةِ: فهوِ ملكُ نصابٍ زَكوِي.

وأَمّا القدرَةُ عَلَى الصِّيَام: فهِيَ القدرَةُ عَلَيهِ مِنْ غيرِ ضَرَرٍ يلْحقهُ.

ولهذَا يَسقُطُ عن:

- الكَبِيرِ الَّذِي لا يَقْدرُ عَلَيْهِ.

- والمريضِ الْمَأْيُوس من بُرئهِ، وَيُطْعِم عَنْ كلِّ يومٍ مِسْكِينًا.

- وَأمَّا الَّذي يرجَى برؤه فيؤَخِّرُه إِلى البُرءِ.

وأمَّا القدرَةُ عَلَى الْحجْ: فهِيَ مِلْكُ زادٍ ورَاحِلَةٍ فاضِلين عَن ضَرُورَاته وَحَوَائِجه الأَصْلِيَّةِ.

فهَذَا الشرط اشتَرَكَتْ فيه كَمَا تَرَى، إلاّ أَنهُ فسّر بكُلِّ واحدةٍ بما يُنَاسِبهَا شِرْعًا.

وأمَّا التَّكْلِيفُ: وَهُوَ الْبُلُوغ والعَقْل.

فتشتركُ فيهُ: الصَّلاةُ، وَالصِّيامُ، وَالْحَحْ.

لحديثِ: «رَفْع القَلَمُ عَن ثَلاثَةٍ: النَّائِمُ حَتَّيَ يسْتَيْقِظَ، وَالصَّغِيرِ حَتىَّ يبْلَغ، وَالْمَجْنُون حَتَّى يُفِيقَ» .

ص: 61

فمن لا عَقلَ لَهُ، أَوْ لَمْ يبْلُغ: فَلا صَلاةَ عَلَيْهِ، وَلا صِيَامَ، ولا حَجّ؛ لأَن هذِه أعمالٌ بدنية محضَة، أو مَعَهَا مال كَالْحَجِّ.

وَهَذَا مِنْ حكمَةِ الشَّارِع: أن مَنْ لا عَقلَ لَهُ بِالْكُليةِ، أَو لَهُ عَقلٌ قَاصِرٌ كَالصَّغير: إِِنه لا يجب عَليهُِ شيءٌ يَفعَلُهُ.

ولما كَانَ الصَّغِيرُ لَه عَقْل صَحت عِبَادَاتهُ إِذَا كان مميزًا؛ لَوُجُود العَقلِ الَّذِي يَنْوِي بهِ.

- واختص الحج وَالْعَمْرَة بصحَّتِه ممن دُونَ التَّميِيزِ وَيَنْوِي عَنْه وَليُّهُ.

وَأَمَّا الزكَاةُ فَلا يُشْتَرَطُ لَهَا التَّكْلِيف عند جمهور العلماء: مالك والشافِعي أَحْمَدُ.

وَهُوَ ظَاهِرُ النصوص الشرعيَّةِ.

وظاهرُ الْمنْقُول عَنِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم.

والسَّبَب: أَن الزكَاةَ عِبَادَةٌ ماليَّةٌ محضَة متعلِّقَة بالمالِ؛ فَوَجِبْت في مالِ الصّغِيرِ، ومَال الْمَجْنُون المسلِمِ.

كما يجب في مَالِهِ: نَفَقَةُ مَنْ تَلزَمُهُ نفقته، وهَذِه حكمَةٌ مُنَاسِبَةٌ.

وتشترك أيضًا الأرْبع في: لزومِ النِّيَّةِ.

لحديث: «إنما الأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ» .

ص: 62

فلا تَصِحُّ: صَلاة وَلا زَكَاة ولا صيام ولا حج إلاّ بنية تَقَعُ مِنَ الفَاعِلِ لها تَتَقَدَّم عَلَيهَا.

إلاّ أَن الْمَجْنُون والصَّغِيرَ يَنْوِي الزكَاةَ عَنهُمَا وَلِيّهُمَا.

وَكَذَلِكَ يَنْوِي الحج عن مَنْ لَم يميز وليه.

وتشترك الصَّلاةُ والصِّيَامُ بِوُجُوبِهِمَا عَلَى الأَحرارِ والعَبِيدِ المكَلّفِيْنِ:

بخلافِ الزكَاةِ وَالْحج؛ فَإِنَّهُمَا يختصَّانِ بالأَحرَارِ.

وَالسَّبَب في ذَلِكَ: أَنَّهُ تَقَدّم أَن القُدرَةَ شَرط في الجميعِ، والزكَاةُ والحج عماد القُدرَةِ فيهمَا المالُ.

والعَبدُ المملوكُ لا مَالَ له فهُو كالفَقِيرِ المعسِرِ.

وكذَلِكَ العِبَادَاتُ الماليَّةُ: لا تجب على الأرقاء لِهَذَا السَّبَب.

فَصَارَتِ الحريةُ شَرْطًَا في: الزكاةِ وَالَْحجْ فَقَطْ.

ومِنَ الشُّرُوطِ المشتَرَكَةِ بَين الأَربعِ كُلِّها: الْوَقْت.

وَإِنَّهَا كُلَّهَا لا تَلزَمُ إلاّ بِدُخُول وقتِهَا.

وَالْوَقْت يختَلِفُ بِاخْتِلاف هَذه العِبَادَاتِ.

فأوقَاتُ الصِّلْوَات الخمسُِ: الظُّهْر، والعَصرُ، وَالمغرِبُ، وَالعشَاءُ، والفَجرُ. لا تَلزَمُ إلاّ بِدُخُولِهَا، ولا تَصِحّ إلاّ بِدُخُولِهَا.

فَالظَّهْر: مِنَ الزوَالِ إِلَى مصيرِ الفَيءِ مِثلهُ بَعدَ فَيْءِ الزوَالِ.

ص: 63

والعصرُ: مِن مَصِيرِه مثله إِلَى مثليه؛ عَلَى الْمَذْهَب.

وعَلَى الصَّحيح: إِلَى اصفِرَارِ الشمس ِ.

والمغرِبُ: مِنَ الغُرُوبِ إِلى مَغِيبِ الْحُمْرَة.

وَالعشَاءُ: من مغيب الحمرَة إِلَى ثُلُثِ الليلِ؛ عَلَى الْمَذْهَب.

أَو نَصْفه عَلَى الصَّحِيح.

والفجرُ من طُلُوعه إِلَى طُلُوع الشَّمْس.

والزَّكَاةُ: لا تَلزَمُ إلاّ بدخولِ وقتِهَا.

وهُوَ: تمامُ الحولِ في جَمِيعِ الأَمْوَال الزَّكُويَة إلاّ العشراتِ فوقتهَا حَصَادُهَا وجُذَاذُهَا.

كما قال تعالى: ? وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ? [الأنعام: 141] .

ولكنَّهُ يَجوز تقديمها قَبلَ ذَلِكَ حَيثُ وُجِدَ السَّبَب.

والصِّيَامُ: صِيَامُ رَمَضَانَ لا يلزَمُ.

ولا يَصِحُّ إلاّ بمجيء رَمَضَان.

والحجَّ: لا يُلزَمُ وَلا يَصِح إلاّ بُوقَته ? الْحج أشْهرٌ مَعْلُومَاتٍ?، بخلاف العُمرَةِ فإنَّها تَصِح كل وقت.

وممَّا تختص به الصَّلاة مِنَ الشّرُوطِ:

الطَّهَارَةُ مِنْ الْحَدَث، وَالْخَبَث.

ص: 64

ويشاركها في هذين من جزئيَّاتِ الحَجِّ:

1 -

الطَّوَافُ فقط.

2-

وسَتْرُ العورَةِ.

3-

واستقبَالُ القِبلَةِ.

4-

واجتِنَابُ النَّجَاسَةِ في البَدَنِ، وَالثَّوْب، وَالْبِقْعَة.

فالحاصِلُ أنّهَا اشتَرَكَتْ في أربعة أشياءَ:

1 -

الإِسلامُ.

2 -

وا لقُدرَةُ.

3 -

وَالنِّيَّةُ.

4 -

وَالْوَقْت.

واشتَرَكَتْ مَا سُوَى الزكاة بـ: التَّكلِيفِ.

واشْتَرَكَتِ الزَّكَاةُ والحجُّ: باشتِرَاطِ الحُرَّيةِ.

واختَصتِ الصَّلاةُ: بالبَقِيَّةِ.

لِشَرَفِهَا، وفَضْلِهَا، وَاعتِنَاءِ الشارع بِهَا، واللَّهُ أَعْلَم.

بأي شيء تدرك الصَّلاةُ؟

17-

بَأْي شيءٍ تُدْرَك الصَّلاةُ؟

الجواب: الإِدرَاكَاتُ مُتَعَدِّدَةٌ:

1-

إدراك الْوَقْت للجمَاعَةِ وَالْجُمْعَة.

2-

وإدراك الجماعَةِ.

ص: 65

3-

وإدراك الجُمعةِ.

4-

ومَنْ به مَانِعٌ فزَالَ وَأدْرَكَ الْوَقْت.

وكُلَّهَا عَلَى الصَّحِيحِ: - وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن الإمامِ أَحمد - لا تُدْرَكُ إلاّ بِرَكْعَة.

فمن أَدرَكَ منَ الْوَقْت رَكعةً: فقَدْ أَدْركَهُ.

وَمَن أَدرَكَ مِنَ الجمعَةِ أو الجماعَةِ ركعةً فقَد أَدَركَهُمَا.

ومَن أَدرَكَ مِنَ الوَقتِ رَكْعَةً بَعْدَ زَوَالِ مَانِعهِ: لزمَتْه تِلْكَ الصَّلاةُ.

ومن ِأَدرك أَقْلَّ مْنَ رَكعَةٍ: لم يدرِكْ فيها كُلِّها.

للحديثِ الصَّحيح: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةَ مِنَ الصَّلاةِ، فَقَدْ أَدْرَكَهَا» متَّفَقٌ عَلَيهِ.

وهَذَا يَعُم جَميعَ الإِدرَاكَاتِ الْمَذْكُورَة.

ولم يُعَلِّق الشَّارعُ بأَقلّ من الرَّكْعَةِ إِدْرَاك ركعَةٍ وَلا غَيرهَا.

وَالْمَشْهُور منَ المذهَبِ فِي هَذِهِ المسائِل: أَنَّها تُدرَك بإِدرَاكِ تكبِيرَةِ الإحرام في الوَقت أَو قَبلَ انقِضَاءِ الجماعَةِ.

وأَما الجمعةُ - صلاتها لا وقتها -: فلا تدرك إلا بركعة.

ص: 66

قَوْلاً وَاحِدًا في الْمَذْهَب.

وَالأَوْل أَصَحّ، كما تقدمَ.

حُكمُ الصَّلاة بعد خُرُوج وقتِهَا وحُكمُهَا في وَقتِهَا

18-

مَا حُكمُ الصَّلاةِ بَعْدَ خُرُوجِ وقتِهَا ومَا حُكمُهَا في وَقتِهَا؟

الجواب: لا يخلُوِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ الصَّلاةُ فَرْضًا أَو نفلاً.

فإِن كَانَتْ فَرضًا، وكَانَ المؤَخِّرُ متعمِّدًا غيرَ مَعذورٍ، وَلَيَس للتَّأخِيرِ عُذرٌ؛ فحكمُهُِ: أَنَه آثَم.

وإِن كان غيرَ متَعَمِّدٍ: فَلا إِثْم.

وأَمَّا القضَاءُ في تفوِيتهَا أَو فَوَاتِهَا:

فمنْها: مَالا يُقضَى كالجُمعَةِ؛ فإِنَّها إِذَا فَاتَتْ لم تُقضَ وَإنَّمَا يصلي بدلَهَا ظُهرًا.

ومِنهَا: مَالا يُقضَى جَماعَة إلاّ في نَظِير وقتِه كَالْعِيدَيْنِ إِذَا فَاتتا فُعِلَتْ من الْغَدِ أَو بَعدَهُ قَضَاءً.

ومِنهَا: مَا يَجِب قَضَاؤُه مُطْلقاً وهُوَ البَاقِي.

ومِنْ أَحكَامِ هَذَا القَضَاءِ: وُجُوبُ الفورية فِيهِ.

لأن الأَمرَ المطلََقَ يقتَضِي الْفَوْرِيَّة، وإِن كانت مُتَعَدِّدَاتٍ وجَبَ أَيضًا التَّرتيب.

ص: 67

فالفَورِيةُ لا تَسْقُطُ إلاّ مَعَ الضَّرَرِ.

والترتيب، يسقط بالنِّسيان وبضيقِ الْوَقْت قَوْلاً واحِدًا في الْمَذْهَب.

وبالجهل وخوفِ فوت الجماعة على الصَّحيح.

ومن أحكَامِ هذا القَضَاءِ أيضًا: أنَّ مَن عَلَيه فرائضُ متعدِّدَةٌ وجَهِلَهَا أَبْرَأَ ذِمَّتَه واحتَاطَ بما يَعلَمُ خروجَهُ مِنَ التّبعَةِ.

وإِنْ كَانتِ الفائتةُ صَلاةً نافلةً: اُسْتُحِبَّ قَضَّاؤُهَا.

إلاّ الرَّوَاتِب إِذَا فَاتَتْ مَعَ فرائِضَ كثيرةٍ: فإنَّهُ يشتَغِلُ بأداءِ الفَرَائِضِ سوَى سُنَّةِ الفَجر فيقضيهَا مُطْلَقًا.

وَإلاّ النَّوافِلَ المشرُوعَةَ لأسباب: فتفوت بِفَوَات تلك الأسبابِ.

فلا تُقضَى الْكُسُوف وَلا الاستسقَاءُ ولا تحيَّةُ المسجدِ ولا نحوِها ممَّا له سَبَب شُرِعَ لأجلهِ ثم فَاتت مَعَ سببَهَا: فَلا يُشْرَعُ قَضَّاؤُهَا وَاللَّه أعلَمُ.

وأَمَّا حُكمُ الصَّلاةِ في وقتِهَا:

فالأَصْلُ: أَنَّهُ يجوز أَوَّلُهُ وَأَوْسَطه وآخِرُه بحيثُ لا يخرج جزءٌ مِنهَا عَن الْوَقْت هَذَا مُن جِهَة الْجَوَاز.

وَأَّمَا مِنْ جِهَةِ الفَضِيلَةِ والكَمالِ: فَأَول الْوَقْت: هُوَ الأفضَلُ إلا في شِدةِ الحرَّ.

فَيُسْنُ: تأخِيرُ الظُّهْر مُطْلَقًا أو مَعَ غَيْم لمنِ يصلِّي جماعةً؛ ليَكُون

ص: 68

َ الخروج لهما واحداً

وكذلك يُستَحبُّ: تأخير العِشاء الآخِرة حيَثُ لا مشقَّة.

وَيُستَحبُّ أيضاً: من يرجو وجُود الماء لعادمه، إذا رجاه في آخر الوقت.

وَيُستَحبُّ التأخير للمغرب ليلة مزدلفة للحاجّ.

وكذلكَ كُلّ جمع استحب تَأخِيره بِأن يكُون أرفق.

وضابط ذلك: أن التقديم أوْلى، إلا إذا كانَ في التَّأخير مصْلحة شَرْعية.

وقد يجب تقديم الصلاة أول وقتها، لمن يظنُّ وُجود مانع في آخر الوَقْت كالمرأة التي تظن الحيضَ ونحوه.

وقد يجب التأخير كَمَنْ يشتغل بِتَحْصِيلِ شرط الصَّلاةِ أوْ ركْنها الَّذي لا يفرغ منه إلا في آخر الوقت، وكتحصيل الجماعة الواجِبة لَها.

وكما قال الفقهاء: لوْ أمَرَهُ أبوهُ بالتَّأخير لِيُصَلِّي بأبيه وَجَبَ عَلَيْه التأخير؛ لكن هذه الصورة مبنية على منع النفل خلف الفرض، والله أعلم.

هل تشترك صلاة الفرض وصلاة النفل في الأحكام؟

19-

هل تشترك صلاة الفرض وصلاة النفل في الأحكام أم بينهما فرقً؟

الجواب: الأصل اشتراك الفرض والنفل في جميع الأمور الواجبة

ص: 69

والمكمِّلَةِ، والمفسِدَةِ، والمنقِصَةِ.

فما ثبتَ حكمُه في أحدِهِمَا؛ ثبتَ للآخَر، إلا مَا دَلّ الدَّلِيلُ عَلَى تَخصِيصهِ. ولهذَا أَخَذ العُلَمَاءُ أَحْكَامَ صَلاةِ الفَرضِ والنَّفلِ مِن مُطَّلَق صَلاته صلى الله عليه وسلم وأَمرِه وَنَهِيهِ.

ولكن مع هَذَا فَبَيْنهمَا فُروقٌ كَثِيرَةٌ تَرجِعُ إِلَى سُهُولَة الأَمْر في النَّفلِ والتَّرغِيب فِي فعله.

فمنها: أن الْقِيَام عَلَى القَادِرِ رُكْنٌ في الفَرْضِ لا فِي النَّفلِ فَيَصِح النَّفلُ جَالسًا للقَاعِدِ وَلكن صلاةَ القَاعِدِ عَلَى النِّصفِ مِن صَلاةِ القَائِمِ.

ومِنهَا: جَوَاز صَلاةِ النَّفلِ للمُسَافِرِ رَاكِبًا مُتَوَجَّهًا إِلَى جِهَةِ سَيْرِه وكذلك مَاشيًا وَسَوَاءً كَانَ السَّفَرُ طَوِيلاً أَو قَصِيرًا.

وَأَمَّا الفرضُ: فلا يصحُّ عَلَى الرَّاحِلَة إلاّ عِنْدَ الاضْطِرَارِ إِلَيْهِ كَخَوْف عَلَى نَفْسه بِنُزُولِهِ أَوَ خوفِ فَوَات مَا يضرُّه فَوَاته، أَوْ إِذَا كَانَتِ الأَرْض ماشيةً ماءً والسَّماءُ تَهْطُلُ بِالْمَطرِ، ونحوِ ذَلِكَ مِن مَسَائِلِ الاضطرَارِ.

وَمِنهَا: أَنَّهُم اشْتَرَطُوا في الفَرضِ سترَ الرَّجُلِ أَحَدَ عاتِقَيهِ دَوْن النَّفْلِ.

مَعَ أَن الصَّحِيحَ اشتِرَاكُهُمَا في هَذَا الحكمِ وأَن الجميعَ مَشرُوعٌ فِيهِ سَترُ الْمنكب َلا وَاجِبٌ؛ لأَنَّهُ غَيْر عَورَةٍ، والحديثُ:«لا يُصَلِّيَن أَحَدكُمْ في ثَوْبٍ لَيْس عَلَى عَاتِقِهِ مُنْهُ شَيْءٌ» عامٌ في الفَرضِ والنَّفلِ.

ص: 70

ومِنهَا: جوَاز النَّفْلِ فِي جَوْف الكَعبَةِ بخِلافِ الفَرضِ عَلَى الْمَذْهَب.

والصَّحِيحُ: عَدَمُ المنع أيضًا في الفَرضِ.

لأنَّ الحَدِيثَ الَّذِي احْتَجُّوا به عَلَى المنعِ غَيْرُ صَحِيحٍ.

فَبقِيَ الأَمرُ عَلَى الأَصْل.

ومِنهَا: أنَّ أوقَاتَ النَّهيِ خَاصةٌ بالنَّهيِ عَن النَّوَافِل دُوْن الفَرَائِضِ.

ومِنهَا: مَا قَالُوا بِجوَاز يَسِيرِ الشُّربِ فِي النَّفلِ دُونَ الفَرضِ.

ومِنهَا: أن مَن دَخَلَ في فَرضٍ وجب إِتمامُهُ، وَلَم يَجزْ قَطْعه إلاّ لعُذرٍ بخلافِ النَّفلِ إلاّ الْحَجْ والعُمرَة.

وهذَا فَرقٌ عامٌّ بين الفُرُوضِ والنَّوافِلِ.

وَاعْلَمْ أَن هَذِه الْفُرُوق، غيرُ الفُرُوقِ العَامَّةِ الْوَاقِعَة بين الفرائضِ وَالنَّوَافِل مِن:

- تَعيُّنِ الفُرُوضِ والإِثمِ والعقوبةِ عَلَى تارِكِهَا لغير عُذرٍ.

- وتقدّمِهَا عِندَ المزاحمَةِ.

- وَعِظَم أَجْرِهَا أو رفعَةِ درجاتِهَا.

فإن هَذَا مَعْلُوم، من حَدِّ الفَرضِ وحدُّ النَّفلِ، لا يُحْتَاجُ إلَى ذِكرِه في المسَائِلِ المعينةِ، وإنما يُذكَرُ عِندَ الكَلامِ عَلَى الأُمُورِ الكُلِّيَّةِ العَامَّةِ.

ص: 71

العورة التي يجب سترها

20-

مَا هي العَوْرَةُ الَّتي يَجِبُ سَترُهَا؟

الجواب: لِلعَوِرَةِ إطلاقٌ في بَاب سُترَةِ الصَّلاةِ، وإطلاقٌ في بَابِ تحريمِ النَّطرِ.

والحكمُ فيهمَا مُتَفَاوِتٌ:

أَمَّا العَوِرَةُ في بَاب سَترَةِ الصَّلاةِ:

فمنها: مخففَةٌ: وهِي عَوْرَة ابن سبعِ سنين إِلَى تمامِ العَشْرِ.

فلا يَجب أَن يَسْتُرَ في الصَّلاةِ إلاّ الْفَرْجَيْنِ فقط.

ومِنهَا: مغلَّظة: وهِيَ عَوْرَةُ الحرَّةِ البالِغَةِ.

فَكُلُّهَا عَوْرَةٌ في الصَّلاةِ إلاّ وَجْههَا وَفي كَفيهَا وَقَدَمَيهَا عَن أَحمد روايتان، المشهورُ وُجُوب سَتْرِهِمَا.

ومنها مُتَوَسَّطَة: وَهُوَ مَن عَدَا المذكُورَيْنِ.

فيَدخُلُ فِيهُِ:

- عَورَةُ الأَمَةِ، وإِنْ كَانَتْ بَالِغَة.

- والحرَّةِ غَيرِ البَالغَةِ.

- والرَّجُلِ البَالِغِ.

ص: 72

- وابنِ عَشْرٍ إِلَى البُلُوغِ من حُر وعَبدٍ.

فَكُلُّ هَؤلاءِ عَوْرَتهمْ في الصَّلاةِ: من السُّرَّةِ إِلَى الركبَةِ.

وأَقل مجزي في ذَلِكَ: مَا يَستُرُ بشرَةَ البَدَنِ.

وَلابدَّ أَن يُكون السَّاتِرُ مُبَاحاً.

وسيأتي إِنَّ شاءَ اللَّهُ: تفصيلُ الثِّيَابِ المبَاحَةِ مِنَ المحرَّمَةِ في غَيرِ هَذَا السُّؤَال وَالجواب.

وثم قِسمٌ آخِر: وَهُوَ أَنَّهُ يَجِب سَترُ جَمِيعِ بَدنِ الميِّت بِثَوبٍ لا يَصِفُ البَشرَةَ صَغِيرًا كان الميتُ أَو كَبِيرًا أَو ذَكرًا أَو أُنثَى.

الحالُ الثَّانَيْ: عورة في باب النَّظرِ:

وَهُوَ النَّطرُ إِلَى ما ورَاءَ الثِّيابِ مِن بَدَنِ الإنسَانِ.

فَهُوَ أيضًا ثلاثَةُ أَقسَامٍ:

1-

شَدِيدٌ: وَهُوَ نَظَر الرَّجلِ البَالِغِ ذِي الشَّهوَةِ لِلْحُرَّةِ البَالِغَةِ الأَجنبيَّةِ غير الْقَوَاعِد فيحرُم إِلَى شيءٍ من بَدنِهَا لا وَجهِهَا وَلا يَدَيهَا وَلا قدمَيهَا وَلا شَعرِهَا المتَّصِل لِغَيرِ حَاجَةٍ.

2-

وخَفِيفٌ: وهو نَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى زَوجَتِهِ وَسَرِيَّته ونَظَرُهَا إِلَيْهِ.

فَيجَوز لِكُلّ: نظرَ جَميعِ بَدنِ الآَخِر.

وكذَلِكَ نَظر عَوْرَة مَن دَوْن سَبعِ سنين.

ص: 73

وتسميةُ هَذَا النَّوْع عَورَةً تَجُوزُ لأجلِ التَّقْسِيم.

3-

ونَوعٌ مُتَوَسَّط: وهو:

- نَظَر الرَّجْل إِلَى الرَّجُلِ.

- وَنَظْر المرأَةِ للرَّجُلِ وللمَرأَةِ.

- ونظَره لَذَوَات محارِمهُ، نَسبًا، ورِضاعَا، وصِهرًا.

- وَالنَّظْر لحاجَةِ خِطبة، ومُعَاملةٍ، وَنظَر الأَمَةِ.

فيجوز من ذلك: ما جَرَتْ بهِ العادة وما احْتِيجَ إِلَيْهِ.

وَشَرْط هَذَا: أن لا يكون مَعَه شَهْوَة.

فإن كَانَ: لم يَجُزْ.

ومِثلُهُ: النَّظر للاضْطِرَار: كَنَظر الطَّبِيب، وَالْمُنْقِذ مِن مَهلكَةٍ، وَنحوِ ذَلِكَ: فهَذَا يجوز؛ لما يحتَاجُ إِلَيْهِ، واللَّهُ أَعْلَم.

الثيَابِ المحرَّمَةِ هل تصحُّ بها الصَّلاةُ؟

21-

مَا الفَارقُ بين الثِّيَابِ المبَاحَةِ من المحرَّمَةِ؟ وَاذَا كَانَ مُحرَّمًا فهل تصحّ به الصَّلاة أَمْ لا؟

الجواب: الأَصلُ في الثِّيابِ وَاللِّباسِ: الإِبَاحَة.

* قال اللهُ تَعَالَى: ? قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ? [الأعراف: 32] .

ص: 74

فَأنْكَرَ عَلَى مَنِ حَرَّمَ اللِّبَاسَ وَالْمَطَاعِم وَالْمَشَارِب، الَّتي أخرَجَهَا لعبادِه نعمةً مِنهُ ورَحْمة، فدلّ عَلَى: أن أَصلَهَا الإِباحةُ، حتَّى يأتي مِنَ الشرعِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ.

ودَخَلَ فِي هَذَا الأَصْلِ: جَمِيعُ ما تُتخَذ مِنْهُ الأَكْسِيَة من أَيِّ نَوْع كَانَ فَهُوَ مُبَاحٌ، وَلَم يُحرِّمِ الشَّارِعُ إلاّ أشياءَ مَخْصُوصَة ترجِعُ إِلَى دَفْعِ الضَّرَرِ وَحِفْظِ العِبَادِ في دِينهِم ومَعَاشِهِم.

وَالْمُحرَّم مِنَ اللبَاس:

إِمَّا لَمَكْسَبه الخَبِيثِ، كَالْمَغْصُوبِ ونَحوِه، فهذا تَحرِيمُه عام للذُّكُورِ والإناثِ؛ لاشتراكِ الجَمِيعِ في المعنَى الَّذي حُرِّمَ لأَجْله.

وإِمَّا مُحَرَّمٌ لَهَيئَته الْمُشْتَمِلَة على مَفْسَدَةٍ، فَكَذَلِكَ هَذَا مُحَرَّمٌ عَلَى الصِّنفَينِ فيدخلُ فيهِ:

- اللبَاسُ الَّذِي يَحصُلُ فيهِ التَّشَبُّه الخَاصُّ بِالْكَفَّارِ.

- وتشبُّه الرِّجَال بِلِبَاس النِّسَاءِ الخَاصِّ بهن.

- وكذَلِكَ تَشَبُّه النِّسَاء بِلِبَاسِ الرجَالِ الخَاصِّ بِهِم.

فَهَذَا النَّوعُ الحكم فِيهِ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ.

فمتى وُجِدَ الشَّبَه الْمَحْذُور؛ فالحكمُ بقَاءُ المحظُورِ، ومتَى زَالَ زَالَ.

ومِنْ هَذَا النَّوْع:

ص: 75

- اللباسُ الَّذِي فَيِهِ صُور الْحَيَوَانَات.

- ولباسُ الفَخرِ والخيلاءِ.

فَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى الرجَالِ وَالنِّسَاء.

ومِنَ اللباسِ مَا يكون محرَّماً عَلَى الرجَالِ محلَّلاً لَلنِّسَاء، وذلك كـ:

- الذَّهْب وَالْفِضَة.

- وأكْسِيَةِ الحَرِيرِ الخَالِصَةِ.

- أَوِ التي غَالِبُهَا حَرِيرٌ، أَوْ فِيهَا أَكثرُ مِنْ أَربعِ أَصَابعِ مِنَ الحرِيرِ.

وَيُستَثنَى مِن هَذَا للرَّجُلِ:

- مَا دَوْن أرْبَع أصَابع من الحَرِيرِ، أَوْ أَربع فَقَط.

- وَاسْتِعْمَاله في الحربِ

- أَوْ لمرضٍ مِنْ حكَّة وَنَحْوهَا.

- وكذَلِكَ: كسوةُ الكعبَةِ والمصحَفِ بِالْحَرِيرِ، كُلُّ هَذا جَائِزٌ.

وأَمَّا تحريم الأَكسيَةِ النَّجِسَةِ كَجُلُود السِّبَاعِ: فهذا من بَاب وُجُوبِ تَجَنُّبِ الْخَبَائِث كُلِّهَا في كُلِّ شيءٍ.

وأَمَّا صحةُ الصَّلاة وَعَدَمُهَا في الثَّوبِ المحرَّمِ المتعلِّقُ بِسَترِ العَوْرَةِ:

فَإِنَّها لا تَصِحُّ بِهِ الِْصْلاة فَرْضًا وَلا نَفْلاً إلاّ مَعْذُورًا بِجَهْلٍ أَوْ نِسْيَانٍ.

وكذلك المضطر، فإِنَّ كلَّ مَعْذُورٍ إِذَا فَعَلَ مَحْظُورًا في العبَادَةِ فعبَادَتُه غَيْر فَاسِدَةٍ، كما أنَّه غَيْرُ آثمٍ.

ص: 76

الصورُ الَّتي تصح الصَّلاةُ فِيهَا لِغَيرِ الكَعبَةِ

22-

مَا هِيَ الصُّوَر الَّتي تَصِحّ الصَّلاةُ فِيهَا لِغيرِ الكَعبَةِ؟

الجواب: الأَصْلُ أنَّ: استِقبَالَ القِبلَةِ شَرْطٌ لِصحَّة الصَّلاةِ، وأن من تَرَكَ الاستِقبَالَ فصَلاتُه بَاطِلَة.

لكن يُستَثنَى مِنْ هَذَا صُوَر، منها: -

المربُوط والمصلُوبُ لغير القِبلَةِ.

وفي شِدَّةِ القِتَالِ.

وهذَا يَرجِعُ لِعَدَمِ القُدرَةِ على الاستِقبَالِ.

وكُلُّ من عَجَزَ عن شرطٍ مِن شُرُوط الصَّلاةِ، أو رُكنٍ مِن أرْكَانِهَا سَقَطَ عَنْهُ.

ومنها: المتنفِّلُ عَلَى الرَّاحِلَةِ في السَّفَرِ يَتَوَجَّه جِهَة سَيرِهِ، وَلا يُلزَمُهُ الاستِقبَالُ في شيءٍ مِن صَلاته عَلَى الصَّحِيحِ.

وعَلَى المذهَبِِ: يلْزَمهُ افتِتَاحُ الصَّلاة إِلَى القِبلَةِ، إِذَا تمكَّنَ مِن ذَلِكَ وكذَلِكَ الماشِي، ويلزَمُهُ الرُّكُوع وَالسُّجُود إِليهَا عَلَى الْمَذْهَب.

ومنهَا: مَنِ اشتَبهَتْ عَلَيهِ الْقَبْلَة في السَّفَرِ واجتَهَدَ، ثم تبينَ لَه بَعْد الفَرَاغِ أَنه لِغَيرِ القِبلَةِ فَلا إِعَادَة عَلَيْهِ.

وعَلَى المسألتين قَوْله تعالى: ? وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ

ص: 77

وَجْهُ اللهِ ? [الْبَقَرَة: 115] .

فُسِّرَ بَكْل منْهما.

والصَّحيحُ: أن الآية تعم ذَلِكَ، ومَا هُوَ أعم مِنْهُ.

وممَّا يُسقِطُ وُجُوب اسْتِقْبَال القِبلَةِ: إِذَا رَكب السَّفِينَةَ، وَهُوَ لا يَتَمَكَّنُ مِنَ الاستِقبَالِ: لم يُلْزَمهُ.

وَإِنْ تمكَّن: لَزمه فِي الفَرْضِ دُونَ النَّفل، فَلا يلزَمه أَنْ يدور بِدَوَرَانِهَا، وَاللَّهَ أعلم.

الِعُبُودِيِّة الخاصَّة للجوارح في الصَّلاةِ

23-

قد اشتُهِرَ عند أَهْلِ العِلْمِ أَن لِكُلِّ جَارِحَةٍ مِنْ أَعضَاءِ البَدَنِ عُبُودِيَّة خاصّةً في الصَّلاةِ، فما هَذِهِ الخَواص؟

الجواب: وَمَا تَوْفِيقِيّ إلاّ بِاللَّه عَلَيْهِ تَوَكَّلَتُ وَإِلَيْهِ أُنْيَب.

الأصلُ فِي هَذَا: أنْ تَعلَمَ أن الصَّلاةَ الْمَقْصُود الأعظَم بِهَا إِقَامَة ذِكرِ اللَّهِ، والخشُوعُ لهُ، وَالْحُضُور بين يَدْيه، ومُنَاجَاتهُ بِعِبَادَتِهِ.

وهَذَا الْمَقْصُود للقَلبِ أصلاً، وَالْجَوَارِح كُلُّهَا تَبَع لَهُ.

ولِهَذَا يَتَنقَّل العَبْد في الصَّلاة مِن قِيَامٍ إِلَى رُكُوع، ومِنه إِلَى سُجُود وَمنْه إلى رَفعٍ. وَهُوَ في ذَلِكَ يَتَنَوَّع في الخشُوع لرَبّه، وَالقِيَامِ بِعُبُوديتهِ.

ويَتَنقَّلُ مِن حَالٍ إِلى حَالٍ.

وَلكُلِّ رُكنٍ مِنَ الحِكَمِ وَالأَسْرَار مَا هُوَ مِن أَعَظْم مَصَالِحِ الْقَلْب وَالرُّوح وَالإِيمَان.

ص: 78

ولِهَذَا عَلَّقَ اللَّهُ الْفَلاح التَّام عَلَى هَذَا في قوِلهُ: ? قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الذِينَ هُم في صَلاتِهِم خَاشِعُونَ ? [الْمُؤْمِنُونَ: 1، 2] .

وَجماع هَذَا: أَنْ يَجْتَهِدَ العَبْدُ في تَدَبُّرِ ما يَقُولُهُ مِنَ القِرَاءَةِ وَالذَّكَر والدُّعَاءِ، ومَا يَفْعَلهُ مِن هَذِهِ التنقُّلاتِ.

وَكَمَال هذا: أَنْ يَعْبُدَ اللَّه كأَنَّهُ يرَاهَ، فإِنْ لم يقْوَ عَلَى هَذَا استَحضَرَ رُؤيَةَ الله لَهُ.

وَبحسَبِ حُصُول هَذَا الْمَقْصُود يَحصُلُ تأخِيرُهَا لِلعَبدِ لَهُ مِنَ الأَجْرِ وَالثَّوَاب والقَبُولِ والقُربِ مِن رَبّه مَا يَحصُلُ.

وَلِهَذَا ورَدَ في الأَثَرِ: «لَيَس لَك مِنْ صَلاتِكَ إلاّ مَا عَقِلْتَ مِنْهَا» .

مَعْنَاهُ حُصُول هَذهِ المقَاصِدِ الجليلَةِ، وَإلاّ إِبرَاءُ الذِّمَّةِ، وزَوَالُ التَّبِعَةِ تحصُلُ بأَدَاءِ جَمِيعِ لازِمَاتِ الصَّلاةِ، ولكن يَتَفَاوَت الْمُؤْمِنُونَ في صَلاتِهِم بحسَب تَفَاوُت إِيمانِهِم.

فَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذكرتُهُ وأَشَرْتُ إِلَيْهِ تَشتَرِكُ فِيهِ جميعُ الْجَوَارِح الطَّاهِرَةِ والبَاطِنَةِ.

ثُم بعدَ هذا الإجمَالِ:

فَاللِّسَان بَعدَ القَلبِ أَعْظَمهَا وأكثَرُهَا عُبُودِيَّة؛ لأنَّه يتنقَّلُ في صَلاته

ص: 79

مِن قِرَاءةٍ إِلَى أذكَارٍ مُتَنَوِّعَة، إِلَى أَدعِيَةٍ بُغْضهَا أَركَانٌ وبَعضُهَا واجِبَاتٌ وبعضُها مُكَمِّلاتٌ.

أمَّا الأَركَانُ المتعلِّقةُ باللسَانِ:

1-

فتَكْبِيرةُ الإِحْرَام.

2-

وقِرَاءَةُ الفَاتِحَةِ في كُلِّ رَكْعَةٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ إلاّ المأْمُومُ إِذا جَهَر إِمَامه عَلى الْقَوْل الصَّحِيحِ، فيتحمَّلهَا عَنْهُ.

وَعَلَى المذهَبِِ: حتَّى في السِّرِّ.

3-

وَالتَّشَهُّد الأخِيرُ.

4-

والصَّلاةُ عَلَى اَلنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.

5-

والتَّسليمَتَانِ.

وأَمَّا واجِبَاتُ اللسَانِ:

1-

فالتَّكبِيرَاتُ كُلّهَا غَيرَ تَكبِيرَةِ الإِحرَامِ وغَيرَ التَّكبيرةِ الثَّانِيَةِ لَلرُّكُوع في حَقِّ الْمَسْبُوق إِذَا أَدرَكَ الإمَامَ رَاكِعًا ثُم كَبَّر للإِحرَامِ فإِنَّها تُجزِئُه عَنْ تَكبِيرَةِ الرُّكُوع لاجتِماعِ عِبَادَتَيْنِ في وَقتٍ وَاحِدٍ من جَنْس وَاحِدٍ فَاكتُفِيَ فِيهِمَا بفِعلٍ وَاحِدٍ، فإِنْ كبَرّ لَلرُّكُوع فَهُوَ أكمَلُ.

فَتَبَيَّنَ بهَذَا التَّفصِيلِ أن التَّكبِيرَاتِ ثَلاثَةُ أَقْسَامٍ:

- رُكنٌ، وهو تكبيرةُ الإِحرَامِ.

- وَمَسْنُونٌ، وهو هَذِهِ الأخِيرَةُ.

ص: 80

- وَوَاجِب، وهو باقِيهَا.

ومن وَاجِبَاتِهُ:

2-

قَولُ: (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) للإِمَام والمنفَرِدِ.

3-

وقولُ: (رَينا وَلَكَ الحَمدُ) للإِمَام والمنفَرِدِ وَالْمَأْمُوم.

4-

وقول: (سبحان ربي الْعَظِيم) مرَّة فِي الرُّكُوع.

5-

و (سُبحَانَ رَبِّي الأعلَى) مرَّةً في السُّجُود.

6-

و (رَبّ اغفِر لي) بين السَّجْدَتَيْنِ.

ومَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فهوِ مَسْنُون مُكَمِّلٌ.

7-

وَالتَّشَهُّد الأَوَّلُ.

وَأَمًّا: باقي القِرَاءةِ بعد الفَاتِحَةِ.

- وبَاقِي التَّسبِيحَاتِ.

- والأدعِيَةِ.

- وَتكمِيل التَّشهُّد.

فإنَّهَا سَنّن مُكْمِلات.

فَلا يُشرَعُ في الصلاة سُكُوت أَصْلا، إلاّ إِذا جَهَرَ الإِمَامُ فَيُشرَعُ للمأمُومِ الإنصَاتُ لَقِرَاءَته. وَكَذَلِكَ لَقُنُوته؛ كما قال تعالى: ? وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأنْصِتُوا ? [الأعراف: 204] .

ص: 81

وكما أَن اللسَانَ يتنقَّلُ في هَذِهِ الأَنْوَاع التَّعبُّديةِ فلا يَحِلّ أن يُشْغَلَ بغيرِهَا؛ ولهذا كانَتْ حركَتُهُ بِغَيرِ ما يتعلَّقُ بِالصَّلاةِ مُبْطِلَة كالكَلامِ عمدًا فإِنَّه مُبْطِل إِجْمَاعًا، كمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم:«إِن صَلاتنا هَذِهِ لا يَصْلُحُ وَلا يَحِلُّ فِيهَا شَيْء مِن كَلامِ النَّاسِ» .

فإِنْ كَانَ الكَلامُ من جَاهِلِ الحكمِ أو جَاهِلِ الْحَال أو نَاسٍ: فَالْمَشْهُور من المذهَبِ إِبْطَال الصَّلاةِ به، إلاّ إِن نَامَ فتكلَّمَ أَو غَلْب الكَلامُ عَلَيْهِ حَالَ قِرَاءَته.

وعَلَى الصَّحِيحِ: كَلامُ المَعْذُور غَيرُ مُبْطِل للصَّلاةِ.

لأَن النبي صلى الله عليه وسلم لم يَأمُر المتكلَّمَ في صَلاتِه جَاهِلاً بالإِعَادَةِ بل أخبره بالحكم فَقَط.

وَكَذَلِكَ لما تكلَّم الْمُسْلِمُونَ حين سَهَا فسلَّمَ قبل إِتْمَامهَا؛ لم يأمرهم بِالإِعَادَةِ بل تكلَّمَ هو وَهُم وبَنوا جميعًا عَلَى مَا مَضَى.

وأَمَّا ما يتعلَّقُ باليَدينِ:

فَرَفعُ اليَدَينِ إِلَى حَذوِ الْمنكَبين في أَمَاكِنِهَا.

وَهِيَ عِندَ:

1-

تَكبِيرَةِ الإِحْرَامِ.

ص: 82

2-

وعِنْدَ تَكبِيرَةِ الرُّكُوع.

3-

وَعِندَ الرَّفعِ منْهُ.

4-

وَكَذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ: عند الرَّفْعِ مِنَ التشَّهُّد الأَوَّل.

كَما ثَبَتَ بِه الْحَدِيث. وَالْمَشْهُور: الاقْتِصَار عَلى الثَّلاثَةِ الأُوَلِ.

5-

وكذلك تَكْبِيرَاتُ العِيدِ اللاتِي بَعدَ تَكبِيرَةِ الإِحرَامِ وَبَعْد تَكبِيرَةِ الانتِقَالِ للرَّكعَة الثَّانيَةِ.

6-

وَتَكْبِيرَات الجنَازَةِ كُلّهَا.

7-

وَالاسْتِسْقَاء كالعِيدِ.

وَكَذَلِكَ على المذهَبِ: تكبيرةُ السُّجودِ للتِّلاوَةِ وَالشُّكرِ.

وَالصَّحِيح: لا يُسْتَحَبّ رفعها بهما؛ لأَن النَّبي صلى الله عليه وسلم كَانَ لا يرفعُهمَا في السّجود.

ومِن عِبَادَةِ اليَدَينِ:

أَنْ يكون في حَال قِيَامه قَابضًا يُسْرَاه بِيُمْنَاهُ، وَاضِعًا لَهُمَا عَلَى سُرَّته أَو تحتها أو فوقِهَا.

وأَن يَجْعَلهُمَا عَلَى ركْبتيْهِ فِي الرُّكُوعِ مفرقتين.

ص: 83

وَلا يُستَحَب تَفرِيقُ أَصابِعِهِمَا في غَيرِ هَذَا الْموضِع.

وَأَن يَجعلهُمَا في سُجُودِهِ حَذْوَ منكبِيهِ مُسْتَقْبلاً بِهمَا القِبلَةَ مجافِيًا لَهُما عَن جَنبيهِ، مَبْسُوطَتَيْنِ مَضْمُومَتَيْ الأَصَابع.

وأن يَجعَلَهُمَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ أو فَخْذَيْهِ فِي الْجُلُوس بين السَّجْدَتَيْنِ مَبْسُوطَتين مَضْمُومَتَيْ الأَصَابع، مُوجِّهَا أَصَابِعهُما لِلقِبْلَةِ.

وَكَذَلِكَ في التَّشَهُّدَيْنِ إلاّ أَنه ينبغي في التَّشَهُّدَينِ أَن يقبضَ مِنَ اليُمْنَى الخنْصر وَالْبنصر، وَيُحَلِّق الإِبهام مَعَ الْوُسْطَى.

وأَن يُشِيرَ بِالسَّبابةِ إِلَى تَوْحِيد اللَّه وذِكرِه.

ومِن خَوَّاص اليَدَينِ:

في حَقِّ الْمَرْأَة عنْدَ تنبيه الإِمَامِ إِلَى سَهْوٍ: أَن تصَفِّقَ بِهِمَا.

وأَمَّا الرَّجُلُ: فالمشْرُوعُ في حقّهُ التَّسْبِيحُ.

كما أمَرَ بذلِكَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم.

وَالفَرقُ بين الرَّجُلِ وَالْمَرْأَة ظَاهِرٌ؛ لأَن المَطْلُوب مِنهَا الاسْتِتَار لِشَخصِهَا وَكِلامهَا.

فَهَذَا مَا يتعلَّقُ باليَدَينِ.

ص: 84

وَمِنَ المشتَرَكِ بينَهُمَا وَيَبِنّ بَقِيهِ الأَعضَاءِ السَّبُعَة الرُّكْبتَينِ وَالْقُدْمِينَ والجبهة مَعَ الأَنفِ: أَن السُّجُود عَلَيهِمَا رُكنٌ لا تتم الصَّلاةُ إلاّ بِهِ.

وَأَمَّا ما يتعلَّقُ بًالقَدَميْنِ:

- فالقيامُ في الفرضِ رُكنٌ لا تَتِم إلاّ بِهِ عَلَى القَادِرِ.

- وَيَنْبَغِي أَن يُفرِّقهَا وَلا يضم بَعْضَهَا إِلى بَعضٍ حَيثُ أمكَنَ بِلا مَشَقَّةٍ

- وأَن يَكُونَا فِي السُّجُود مَنْصُوبَتَيْنِ وَبُطُون أصَابِعِهمَا عَلَى الأَرْضِ مُوَجِّهَة أَطْرَافهَا إِلَى القِبلَةِ.

وأمَّا في الجلوسِ: فينصبِ الْيُمْنَى، وَيُوجه أَصَابِعَهَا إِلَى القِبلَةِ، ويفتَرش اليُسرَى ويجلسُ عَلَيها إلاّ في التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ فَيتَوَرَّك بأَن يخرجهَا من تَحتِهِ ويجلسُ عَلَى الأرضِ.

وَكَذَلِكَ يَنبغِي مُوَازَنَةُ الرَّجلين فَلا يُقَدِّمُ أَحَدَهُمَا عَلَى الأُخرى.

وإذا كانوا جماعة سَوَّوْا صُفُوفَهُم بمسَاوَاةِ المنَاكِبِ والأَكعُبِِ.

وأمَّا ما يتعلَّقُ بالعينين:

فَالْمَشْرُوع: أن يَكُون نَظَرُه إلَى مَوْضِع سُجُودِهِ؛ لأَنه أَعْوَن لَهُ عَلَى الخشُوعِ وعَدَمِ تَفَرُّق الْقَلْب.

كَما شُرِعَ لأَجْلِ هَذَا المعنَى أَن يُصَلِّيَ الإِنسَانُ إِلَى سُترَةٍ.

فإِن في السُّترَةِ فَوَائِدَ عَدِيدَةً: مِنهَا هَذَا الْمَقْصَد.

ص: 85

ويُستَثْنَى مِنْ هَذَا إِذَا كَانَ في التَّشَهُّدِ فإنَّه يَنْطُر إِلَى سَبَّابَته عِنْدَ الإِشَارَةِ إِلَى التَّوحِيدِ.

وَاسْتَثْنَى الأَصْحَاب إذا كَانَ مُشَاهِدًا للكَعبَةِ فإِنَّهُم قَالُوا: يَنطُرُ إِلَيْهَا.

والصَّحِيحُ: أنُهِ لا يستحب في الصَّلاةِ النَّظَرُ إِلَى الكَعبَةِ، وإِن كَانَ النَّطْر إِلَيْهَا خَارِجَ الصَّلاة عِبَادَةً؛ لأَنه في الصَّلاةِ يُفَوّت الخشُوعَ خُصُوصًا إذا كَانَ الْمَطَاف مَشغُولاً بِالطَّائِفِينَ.

ويُستَثْنَى مِن ذَلِكَ أيْضًا: صَلاة الْخَوْف؛ فإِنَّهُ يَنبَغِي أَنْ يَكُونَ نظَره إِلَى جِهَةِ عَدُوِّهِ الَّذِي في قِبْلَته لِكَمالِ الاحتِرَازِ، وليجمع بين الصَّلاةِ والجِهَادِ.

وكَمَا أنه يُسْتَحَبّ نَظَرُه إِلَى مَوضِعِ سُجُوده؛ فيُكرَهُ نَظَرُه في صَلاته إِلى كُلِّ مَا يُلهِي قَلبَهُ وَيُشَوِّشهُ.

وَلِهَذَا كَرِه العُلَمَاءُ: أَن يَكُون في قِبلَةِ المصلِّي مَا يُلهِي مِن زَخرَفَةٍ أو غَيرِهَا.

ويُكْرَهُ: أَنْ يُغمِضَ عَينيهِ، أَو يَرفَعَ نَظَرَه إِلَى السَّمَاءِ.

وَيُكْرَهُ: العَبَث بشَيءٍ مِنَ الأعضَاءِ.

فإن كَثُرَ وَتَوَالَى لِغَيرِ ضَرُورَة: بَطلَتْ بِهِ الصَّلاةُ.

وَيُكْرَهُ: افتِرَاشُ ذِرَاعَيهِ سَاجِدًا، وتخصُّرُه، وَتَمَطِّيه.

وإِنْ تَثَاوَبَ كَظم، فإِنْ لم يَسْتَطِعْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيه.

ص: 86

ويُكرَهُ مِنَ الجلوسِ الإقعَاءُ، وَهُوَ أن ينصبَ قَدَمَيهِ ويَجلسَ عَلَيهِمَا.

وقيل: هُوَ أن يَنصُبَ قَدَمَيهِ ويجلسَ بَينَهُمَا.

ويُكرَهُ: فرقَعَةُ الأَصَابِع وَتَشْبِيكهَا.

ومما يتعلَّقُ بالأَعضَاءِ كُلِّها: الصِّفَاتُ اَلْمَشْرُوعَة في هَيئَاتِ اَلرُّكُوع وَالسُّجُود والجلوسِ.

فَهَذَا اَلْجِوَاب يَأتي عَلَى غَالِبِ أو كُلِّ صِفَةِ اَلصَّلاة والله أعْلَمُ.

المَوَاضِعُ الَّتِي لا تَصحُّ الصَّلاةُ فِيهَا

24-

مَا هِيَ اَلْمَوَاضِع التي لا تَصِحُّ اَلصَّلاة فِيهَا؟

الجواب: الأَصْلُ في هَذَا قوله صلى الله عليه وسلم: «جُعِلَتْ لِيَ اَلأَرْضُ كُلُّهَا مَسجِدًا وَطَهُورًا» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

فالأصْلُ: أَن جَمِيعَ الموَاضِع مِنَ الأَرضِ تَصِحُّ فيها اَلصَّلاة كَما هُوَ صَرِيحُ الحَدِيثِ.

فمتَى ادَّعَى أَحَدٌ عَدَمَ اَلصِّحَّة في مَوضِعٍ مِنهَا مِن غَيرِ دَلِيلٍ شَرعِي صَحِيحٍ فَقَولُه مَردُودٌ.

والذِي يَصح النهي عَنهُ غَير:

ص: 87

1 -

الأمَاكِنِ النَّجِسَةِ

2 -

والمغصُوبَةِ.

3 -

والحمامِ.

4 -

وأعطانِ الإِبلِ.

5 -

والمقبرَةِ - سِوَى صَلاةِ جِنَازَة فِيهَا فَلا تَضُرُّ.

6-

والحَشّ مِن بَابِ أَوْلَى وأَحْرَى.

وَأَما النَّهيُ عَنِ: المجزَرَةِ، والمزبَلَةِ، وقَارِعَةِ اَلطَّرِيق، وفَوقَ ظَهرِ بَيتِ اللَّهِ:

فَهُو ضَعِيف لا تَقُوم بِه حُجةٌ.

وَأَضْعَفُ مِن ذَلِكَ: قَولُهم أَسَطحَتُهَا مِثلهَا.

فالصَّوَابُ: جَوَازُ الصَّلاةِ في هَذِه الأمَاكِنِ - المجزرَة وَمَا بَعدَهَا - وإنْ كان المذهب أنّهَا كُلَّهَا لا تصِح فِيهَا.

النيَّةُ المشتَرَطَةُ للصَّلاةِ وغيرها

25-

مَا هِيَ النِّيةُ المشتَرَطَةُ لَلصَّلاة وغيرها؟

الجواب: اعلَمْ أن النيةَ الَّتي يتكلَّمُ عَلَيهَا العُلَمَاءُ نَوعَانِ:

ا- نِيَّةُ المعمُولِ له.

2-

ونِيَّةُ نَفْسِ العَمَل.

ص: 88

أَمَّا نيَّةُ المعمُولِ لَهُ: فَهُوَ الإِخْلاصُ الَّذِي لا يَقْبَلُ اللَّهُ عَمَلاً خَلا مِنْهُ.

بأَنْ يَقْصِدَ العَبْدُ بِعَمَلِه رِضْوَانَ اللَّهِ وَثَوَابَهُ.

وضِدُّه: العَمَلُ لِغَيرِ اللَّهِ، أو الإشرَاكُ بِهِ في العَمَلِ بِالرِّيَاءِ.

وهذا النَّوعُ لا يتوسَّعُ الفُقَهَاءُ بالكَلامِ عَلَيهِ، وإنما يتوسعُ به أهلُ الحقَائِقِ وأعمال القُلُوبِ.

وإنما يتكلَّمُ الفُقَهَاءُ بـ: النَّوعِ الثَّاني وهوَ: نِيَّة العَمَلِ.

فهذَا لَه مرتَبتَانِ:

إحدَاهُمَا: تَميِيزُ العَادَةِ عَنِ العِبَادَةِ.

لأنَّه مثلاً غَسَلَ الأَعضَاءَ والبدَنَ تارة يَقَعُ عِبَادَةً في الوُضُوءِ والغُسلِ وتَارة يَقَعُ عَادَةً لتَنظِيفٍ وتَبرِيدٍ ونحوها.

وكذَلِكَ مثلاً اَلصِّيَام: تَارةً يُمسِكُ عَنِ المفطِرَاتِ يَومَه كُلَّه بِنيَّةِ الصَّومِ وتَارةً من دونِ نيَّةٍ.

فلابد في هذه المرتَبَةِ مِن نِيَّةِ العِبَادَةِ؛ لأَجْلِ أَنْ تتميز عَنِ العَادَةِ.

ثُمَّ المرتبة الثَّانِيَةُ: إِذا نوى العِبَادَةَ، فَلا يَخلُو:

- إِمَّا أَنْ تَكُونَ مطلَقة كـ: الصَّلاةِ المطلَقَةِ، والصَّومِ المطلَقِ.

فَهَذَا يَكفِي فِيهِ: نِيَّةُ مُطلَقِ تِلكَ العِبَادَة.

- وإِمَّا أَن تَكُونَ مقيَّدَة كَـ: صَلاةِ القَرضِ، وَالرَّاتِبَة، والوترِ.

ص: 89

فَلابَدّ مَعَ ذَلِكَ مِن: نِيَّةِ ذَلِكَ العَين؛ لأجلِ تميِيز العِبَادَاتِ بعضها عَن بعضٍ.

فَهَذِه ضَوَابِطُ في النِّيَّةِ، نَافِعَةٌ مغنِيَةٌ عَن تَطوِيلِ البَحثِ في النِّيَّةِ وتحصيلهَا.

وكون هَذَا زمنها أو هذا أو نحو ذَلِكَ مِنَ اَلأُمُور الَّتي إِن صَحَّتْ فَهِيَ مِن بَابِ تَحصِيلِ الشَّيءِ الحَاصِلِ.

وكذَلِكَ مُسَائِلِ الشُّكُوكِ في النِّيَّة الَّتي إِذَا اهتم بها الإِنسَانُ فَتَحَتْ عليهِ أبوَابَ الوَسواسِ.

ومِنَ المعلُومِ: أنَّ مَن مَعَهُ عَقلُه لا يُمكِنهُ أن يباشر عِبَادَةً بِلا نِيَّةٍ، حتى قَالَ بَعضُ العُلَمَاءِ:«لو كَلِّفَنَّا اللَّهُ عملاً بِلا نِيَّةٍ لكَانَ مِن بَابِ تَكلِيفِ مَا لا يُطَاقُ» ، واللَّهُ اَلْمُوفِق للصَّوابِ.

اَلانْتِقَال في الصلاة مِن حَالَة إِلى أُخرَى للإمام والمأموم

26-

اَلْمُصِلُّونَ إِمامٌ أَو مأمومٌ أَوْ مُنفرِد فهل يسوغُ أن ينتقِلَ أثنَاءَ صِلاته مِن حَالَةٍ إِلى أخرَى؟

الجواب: أَما من دُونِ عُذرٍ:

فَلا يَسُوغ أن يَنتقِلَ مِن إِمَامَةٍ إِلَى ائتمامٍ أَو انفرَادٍ، ومِن ائتمامٍ إِلَى إِمَامَةٍ أَو انفرَادٍ، ومِن انفِرَادٍ إِلَى إِمَامَةٍ أَو ائتمامٍ، ومِن إِمامٍ إِلَى آخَر.

وأَمَّا عِندَ العُذرِ والحاجَةِ إِلى شيء مِنْ ذَلِكَ:

فالصَّوَابُ: جَوَازُ ذلك كُلِّه؛ لِوُرُودِ النَّصِّ في أفرادٍ مِن هَذِهِ الأُمُورِ

ص: 90

ولم يرد ما يدلَّ عَلَى المنعِ في هَذِهِ الحَالِ.

وأَمَّا المشهُورُ مِنَ المذهَبِ: فَجَوَّزُوهُ في صُوَرٍ مخصُوصَةٍ.

مِنهَا: إذَا صَلَّى لغيبَةِ الإِمَامِ اَلرَّاتِب، ثم حَضَرَ اَلرَّاتِب في أثناءِ الصَّلاةِ جاز أنْ يَرجِعَ النَّائِبُ مِنَ الإمَامَةِ إِلَى الائتِمَامِ بِالرَّاتِبِ.

ومنها: إِذَا سَبَقَ اِثْنَانِ فِي الصَّلاةِ فائتم أَحَدهمَا بالآخَرِ في قَضَاءِ ما فَاتَهُما بَعْدَ سَلامِ الإمَامِ اَلأَوَّل فَقَد انتَقَلَ مِن إمَامٍ إلَى إمَامٍ كَالأُولَى.

ومِنهَا: إذَا أَحرَمَ مُنفَرِدًا ظَانًّا حُضُورَ مَأمُومٍ ثُمَّ حَضَرَ المأمُومُ فقد انتَقَلَ مِن انفِرَادِ إلَى إمَامَةٍ.

وقد يُقَالُ: إنَّه في هَذِه الحالِ كَانَ قَد نَوَى إِمامَةَ مَن سَيَدخُلُ معه.

ومِنهَا: إذَا عَرَضَ لِلإِمَامِ عَارِضٌ يسوغ لَهُ الخُروجُ مِنَ الصَّلاةِ أو الانفِرَادُ ثم استَنَابَ بَعضَ المأمُومِينَ: جَازَ.

فقد انتَقَلَ مِنَ ائتمامٍ إلى إمامَةٍ عَكس الأُولَى.

ومِنهَا: إذا عَرَضَ للإِمَام أو المأمُومِ عُذرٌ أو شُغلٌ يبيحُ تَركَ الجَمَاعَةِ: جَازَ أَن يَنفَرِدَ، ويُكمِلَ صَلاتَه وَحْدَهُ.

فقد انتَقَلَ مِن إمَامَةٍ إلَى انْفِرَادٍ، ومِن ائتمامٍ إِلى انفِرَادٍ.

ومنها: إذَا صَلَّى بِمَأْمُوم ثم فارَقَهُ المأمومُ لعُذرٍ أو لا، نَوَى الإِمَامُ الانفِرَادَ وكَمَّلَ صَلاتَهُ.

فَقَدِ انتَفَلَ مِنْ إِمَامَةٍ إلَى انفِرَادٍ، واللَّهُ الموفِّقُ للصَّوَابِ.

ص: 91

سجود السهو أسبابه وكيفيته

27-

أسباب سُجُودِ اَلسَّهْو، وكيفيَّةِ حُكمِ تِلكَ الأسبَابِ؟

الجواب: وباللَّهِ التَّوفِيقُ.

هذا سُؤَالٌ جَامِعٌ يحتَاجُ إلَى جَوَابٍ جامعٍ لجميع تَفَاصِيلِ سُجُودِ السهو، وما يُنَاسِبُها ويرتَبِطُ بِهَا.

وهذَا البَابُ مِن أصعَبِ أبوَابِ العِبَادَاتِ؛ لانتِشَارِ مَسَائِلِه، وَاشْتِبَاههَا وبحَولِ اللَّهِ سَيَأتي الجوابُ جَامِعًا لَمُتَفَرِّقَاته، مُقْرِّباً لِبَعِيدِه مُسَهِّلاً لِشَدِيدِه.

اعْلَم - رَحِمَكَ اللَّه بالعِلمِ النَّافِعِ والعَمَلِ الصَّالحِ - أن أَسْبَاب سُجُودِ اَلسَّهْو ثَلاثَةٌ لا غَير:

1-

زِيَادَةٌ

2-

ونقصَانٌ.

3-

وشَك في الصَّلاةِ.

1) أمَّا الزِّيادةُ في الصَّلاةِ:

فَلا تَخلُو مِن حَالَينِ:

1-

إِمَّا أَنَّ تَكُونَ من جنسِ الصَّلاةِ: كَزِيَادَةِ قِيَامٍ أَوْ قُعُودٍ أَوْ رُكُوعٍ.

فهذِهِ زِيَادَةٌ فعليَّةٌ.

إِن تَعَمَّدَهَا: اَلْمُصْلِي بَطَلَتْ صلاتُه.

وإِنْ فعلَهَا ناسيَا أو جَاهِلاً: صَحَّتْ صَلاتُهُ، وعَلَيهِ سُجُودُ اَلسَّهْو.

فهذِه زيادةُ أَفعَالٍ من جنسِ الصَّلاةِ.

ص: 92

وَإِنْ كانَتِ الزِّيَادَةُ الَّتي مِن جِنسِ الصَّلاةِ زِيَادَةَ أقوالٍ، كَأَنْ يأْتيَ بِقَولٍ مَشْرُوعٍ في غَيرِ محلِّه.

- فإِن كَانَ سَهوًا: استُحِبَّ السُّجُودُ لَهُ، ولم يَجِبْ.

- وإِنْ كَانَ عَمدًا: فَهُو مَكرُوهٌ؛ إِن كَانَ قِرَاءَةً في رُكُوع أَو سُجُودٍ أو تَشَهُّدٍ في قِيَامٍ.

- وإن كَانَ غَيرَ ذَلِكَ: فَهُوَ تَركٌ للأَوْلَى.

وإِن كَانَتِ الزِّيَادَةُ الفعليَّةُ أَو القَوليَّةُ من غير جِنسِ الصَّلاةِ:

مثَالُ الفعليَّةِ: اَلْحَرَكَة والأَكْلُ والشَّربُ.

فَهَذِه لا سُجُود فِيهَا، ولَكن يُبحَثُ عن حُكمِهَا مِن جِهَةِ إِبطَالِ الصَّلاةِ وعَدَمِه.

أَمَّا (الحَرَكَةُ) فَهِيَ ثَلاثَةُ أَقسَامٍ:

1-

حَرَكَةٌ مبطِلَةٌ: وهِيَ الكَثِيرَةُ عُرفًا، المتوالِيَةُ لغَيرِ ضَرُورَةٍ.

2-

وحَرَكَةٌ مكْرُوهَةٌ: وهِيَ اليَسِيرَةُ لِغَيرِ حَاجَةٍ.

3-

وحَرَكَةٌ جَائِزةٌ: وهِيَ اليَسِيرَةُ لحاجَةٍ أو الكَثِيرَةُ لَلضَّرُورَة، وقد تَكُونُ مأمورًا بهَا كالتَّقدُّم والتَّأخُّر فِي صَلاةِ الجوفِ.

ومثلُه: التَّقدُّم إِلَى مَكَانٍ فَاضِلٍ.

وأمَّا (الأكْلُ والشُّربُ) :

ص: 93

- فإن كَانَ عَمدًا أبطلها إلا يَسِيرَ اَلشُّرْب في النَّفلِ.

- وَإِنْ كَانَ سَهْوًا أبطَلَها الكَثِيرُ.

ومِثَالُ القَولِيَّةِ الَّتي مِن غَيرِ جِنْسِ الصَّلاةِ (الكلام) .

- فإِن كَانّ عَمدًا غَير جَاهِل أبطَلَها.

- وإنْ كَانَ سَهوًا أو جَهلاً: فالصَّحِيحُ أنه لا يُبْطِلهَا

والمذهَبُ: الإِبطالُ كما تقدَّمَ.

2) وأَمًّا اَلنُّقْصَان:

فَلا يَخلُو:

- إِمَّا أن يَكُونَ نقصَ رُكْنٍ.

- أو نقصَ واجِبٍ.

أو نقصَ مَسْنُونٍ.

فإِن كَانَ نَقصَ رُكنٍ: وذَكرَة قبلَ اَلسّلام، وقَبلَ شُرُوعِه في قِرَاءَةِ اَلرَّكْعَة الَّتي بَعدَ المترُوكِ مِنهَا: لَزِمَهُ أَنْ يأْتيَ بِه وبما بَعدَهُ.

وإِن كَانَ بعد شُرُوعِه فِي قِرَاءةِ الَّتي بَعدَها: فكَذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ.

لأَنَّ الَّذِي فَعَلَهُ بعد المترُوكِ وَقَعَ لاغِيًا عَفْوًا، فيرجع فَيَأْتِي بِالْمَتْرُوكِ وبما بَعْدَهُ إِنْ لم يَصِلْ إِلَى محلّه فَلا حَاجَةَ إِلَى الرُّجُوعِ؛ لأنهُ قَد حَصَلَ الوُصُولُ إِلَيهِ.

ص: 94

وعَلَى المذهَبِ: لا يَرجعُ بَعدَ الشُّروعِ في القِرَاءَة بل تَقُومُ هَذِه اَلرَّكْعَة مَقَامَ اَلرَّكْعَة المترُوكَةِ مِنهَا الرُّكنُ، وتَنُوبُ مَنَابَهَا، وتَلغُو تِلكَ اَلرَّكْعَة وعَلَيه السُّجود للسَّهوِ في هَذِه اَلصَّوْر.

وإِنْ ذَكَرَ المترُوكَ بَعدَ اَلسِّلام: فكتَركِه قَبلَه، عَلَى الصَّحِيحِ.

وعَلَى المذهَبِ: كَتَركِ رَكعَةٍ كَامِلَةٍ، فيأتِي بِرَكْعَةٍ كَامِلَةٍ إِلا أن يَكُونَ المترُوكُ تَشَهُّدًا أَخِيرًا أَو جُلُوسًا له فيأتي بِهِ.

وعَلَيْهِ السُّجُود في هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا.

فهَذَا تَفصِيلُ القَولِ في تَركِ الأَرْكَانِ.

ويُستَثنَى مِنهَا: إِذَا كَانَ المترُوكُ تَكبِيرَةَ الإِحْرَامِ: فَإِنّ اَلصَّلاة وَقَعَتْ غَيرَ مُجْزِيَةٍ، فَتُعَادُ مِنْ أَصْلِهَا.

وأَمَّا نَقْصُ الوَاجِبِ: فَإِنْ ذَكَرَهُ قَبلَ الوصُولِ إِلى الرُّكْنِ الَّذِي يَليهِ وَجَبَ عَلَيهِ الرُّجُوعُ.

وإِن وَصَلَ إِلَى الرُّكْنِ الَّذِي يَليهِ لَمْ يَرْجِع مطلقًا، عَلَى الصَّحِيحِ.

وَعَلَى المذهَبِ: يُسْتَثْنَى التَّشَهُّدُ اَلأَوَّلُ إِذَا وَصَلَ إِلَى القِيَامِ قَبْلَ أَن يَشْرَعَ في القِرَاءَة يجوزُ له الرُّجُوعُ، والأَوْلَى عَدَمُ الرُّجُوعِ، وعَلَيهِ سُجُودُ اَلسَّهْو في كُلِّ هَذِه الصُّوَرِ.

وإِن كَانَ تَركَ الرُّكْنَ والواجب عمدًا: بَطَلَت الصَّلاةُ.

وأمَّا نُقصَانُ المسنُونِ:

فإِذَا تَركَ مَسنُونًا: لم تَبطُل صَلاتُه وَلَم يُشرَع السُّجُودِ لِتَركِه سَهوًا.

ص: 95

فإِنْ سَجَدَ فَلا بَأسَ، ولكنَّه يُقَيَّد بِمَسنُونٍ كَانَ مِن عَزمِه أَن يأَْتيَ به فتركه سَهْوًا.

أَمَّا اَلْمَسْنُون الَّذِي لم يخْطُر لَهُ عَلَى بَالٍ أَو كَانَ مِن عَادَتِه تَرْكه: فَلا يحل اَلسُّجُود لِتَركِه؛ لأنه لا مُوجِبَ لِهَذِه الزِّيَادَةِ.

3) وأَمَّا الشك:

فَإِنْ كَانَ بَعْدَ السَّلامِ: لم يُلتَفَتْ إِلَيهِ.

وكذَلِكَ إذا كَثُرَتِ اَلشُّكُوك: لا يُلتَفَتُ إلَيهَا.

وإن لَم يَكُن: كَذَلِكَ.

فالشك إمَّا في زِيَادَةٍ أو نقصَانٍ.

فالشَّكُّ في زِيَادَةِ رُكنٍ أو وَاجِبٍ في غَيرِ المحلّ اَلَّذِي هُو فِيهِ: لا يَسْجُد له.

وأمَّا اَلشَّكّ في الزيَادَةِ وَقتَ فِعلِهَا: فيُسجَدُ لَهُ.

وأمَّا الشَّك في نَقصِ اَلأَرْكَان: فَكَتَرْكِهَا.

وَالشَّكّ في تَركِ الوَاجِبِ: لا يُوجِبُ السُّجُودَ.

وإِذَا حَصَلَ له الشَّكُّ: بَنَى عَلَى اليَقِينِ وَهُوَ الأَقَل تَسَاوَى عِندَهُ الأَمرَانِ أو غَلَبَ أحَدُهُما أَمَّا مَا كَانَ أَو غَيرُه هَذَا المذهَبِ.

وعن أحمد: يَبني عَلَى اليَقِينِ إِلَاّ إِذَا كَانَ عندَهُ غَلبَة ظَنّ فيأخُذُ بغَلَبَةِ

ص: 96

ظَنِّهِ، وهَذَا القَولُ هُوَ الَّذِي تدلّ عَلَيْهِ اَلنُّصُوص الشَّرعِيَّةُ.

فَهَذِهِ أسبَابُ سُجُودِ اَلسَّهْو وتَفَاصِيلُهَا لا يَشِذ عَنهَا شَي.

وحَيثُ وَجَبَ عَلَيهِ سُجُودُ السَّهْوِ أَو شُرِعَ لَهُ: فَهُوَ مُخَيَّرَ إنْ شَاءَ جَعَلَهُ قَبل اَلسّلام، وإِنْ شَاءَ بَعدَهُ، واللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم.

حكم اَلسُّجُود عَلَى حائِل

28-

مَا حُكمُ السُّجُودِ عَلَى حَائِلٍ؟

الجواب: السُّجودُ عَلَى حَايل ثَلاثةُ أنواعٍ: مَمنُوعٌ، وجَائِزٌ، ومَكرُوة.

فالممْنُوعُ: إِذَا جَعَلَ بَعْضَ أَعْضَاءِ سُجودِهِ عَلَى بَعْضٍ كَأَنْ يَجْعَلَ يديه أَوْ إحْدَاهُمَا على رُكْبتَيْهِ أَوْ يسجُدَ بجبهتِه عَلَى يَدَيهِ أو يَضَع إِحدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأخْرَى.

فَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ، وَهُوَ مبطل للصَّلاةِ؛ لأَنّ اَلسُّجُود عَلَى اَلأَعْضَاء السَّبْعَةِ رُكْن.

وَفِي هَذِه الحَالِ تَرَكَ منها ذَلِكَ العُضو وصَارَ الحكم للعضوِ السَّاجِد.

وأَمَّا الحائِلُ المكرُوهُ: فأَنْ يَسْجُدَ عَلَى ثَوبه المتَّصِلِ بِهِ أَو عمَامَتِه مِن غَيرِ عُذرٍ.

وأَمَّا اَلْجَائِز: فإِذَا كَانَ الحَائِلُ غير مُتَّصِلٍ بالإِنسَانِ فَدخَلَ في ذلك الصَّلاة على جَميعِ مَا يُفرَشُ مِنَ الفُرُشِ المباحَةِ.

ص: 97

سترة المصلي

29-

ما حُكْم ستْرَةِ المصلي؟

الجواب: لها حُكمانِ:

1 -

حُكم فِي حَقِّ اَلْمُصلِّي.

2 -

وَحُكْمٌ في حق المار.

أَمّا اَلْمُصْلِي: فَيُسَنّ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى سترَةٍ شَاخِصَة، وَيَدْنُوَ مِنْهَا، وَيَجْعَلَهَا يمينَه أَو يَسَارَهُ، فإِن لم يَجِد شَاخِصًا خَط خَطًّا.

وفِي ذَلِكَ فَوَائِدُ:

مِنهَا: اتبَاعُ السُّنَّةِ وطاعَةُ اللَّهِ ورَسُولِه.

ومِنهَا: أَنهُ يردُّ البَصَرَ عن مُجَاوَزَتِه فيمنعُ القَلبَ من الالتِفَاتِ، ولها فِي هَذَا المعنَى خَاصِّيَّة عَجِيبَةٌ.

ومنها: اُنْهُ يُفِيدُهُ أَنَّه لا يَقْطَعُ صَلاتَه، ولا ينقصُهَا مَن مَرَّ ورَاءَها؛ فإِن مَرّ أَحَدٌ دونَهَا نقص صَلاته إِلا أَنْ يَكُونَ المارّ امْرأَةَ أَو حِمَارًا أَو كَليًا أسودَ بهيمًا فإنَّه يبطِلُهَا، كما صَح به الحدِيثُ.

ص: 98

والمشهُورَ: أَنَّ المرأَةَ والحِمَارَ لا يُبطِلانِهَا، لكن الأَوَّلَ أَوْلَى.

وأمَّا في حُكمِ المارِّ: فيحرُمُ اَلْمُرُور بين المصَلِّي وسترَتِه.

فإِنْ لم يَكُن سُترَة، فإذَا مرُّ وبين يَدَيهِ نَحوَ ثَلاثَةِ أذرُعٍ، فَإِنهُ يَأثَمُ المار إِثمًا عَظِيمًا إِلَاّ أَنْ يُصَلِّيَ في مَوضِعٍ يحتَاجُ النَّاسُ إِلَى المرُورِ فِيهِ أو في المسجِدِ الحرَام خُصُوصًا فيما قَرُبَ مِنَ البَيتِ.

والصَّحِيحُ: أَنَّهُ يُقَيدُ ذلك بالحَاجَةِ، والحاجَةُ تختَلِفُ بحسَبِ كَثرَةِ النَّاسِ في البَيتِ اَلْحِرَام وقِلَّتِهِم.

وإِذَا مَرّ بَينَ يَدَيهِ في الحَالَةِ الَّتِي لا يَجُوزُ لَه المرُورُ، دَفعَهُ عَنه بالأَسهَلِ فالأسْهَلُ.

الحالَةُ الّتِي يسْقط فِيهَا شَيء مِنَ الأركَانِ في الصَّلاةِ مَعَ اَلْقُدْرَة

30 -

مَا هِيَ الحالَةُ الَّتِي يَسْقُط فِيهَا شَيء مِنَ الأركَانِ في الصَّلاةِ مَعَ القُدرَةِ؟

الجواب: يَسقُط القِيَامُ عَنِ المأمُومين:

- إذا صَلَّى بِهِمُ الإِمَامُ اَلرَّاتِب جَالِسًا لعجزه عَنِ القِيَامِ فَيُشْرَعُ لَهُمُ الجلوس وهُوَ أولَى مِنَ القِيَامِ إِلَاّ إِذَا ابتَدأَ بِهِم الصَّلاةَ قَائمًا.

- ويسقط بالمداواة إذا كان القيام يمنع الحصول المقصود.

- ويسقط أيضًا إذا خاف عدوا ينظر إليه إذا قام.

ص: 99

- وتَسقُطُ الفَاتِحة عَنِ المأمُومُ إِذَا جَهَرَ إِمَامُهُ فيتحمَّلُهَا الإِمَامُ عَنهُ.

- ويَسقُطُ القِيَامُ أيْضًا للعريان على المذْهَبِ.

والصَّحِيحُ: عَدَمُ السُّقُوط لِعَدَمِ الدَّلِيلِ على سُقُوطِه.

- وكَذَلِكَ على المذهَبِ إِذَا قَدَر أَنْ يُصَلِّي في غَيرِ الجمَاعَةِ قَائمًا وإِذَا حَضَرَ الجَماعَةَ لم يقدر على القِيَامِ.

فالمذهب: أنه يُخَيَّرُ. وقِيلَ: يُقَدّمُ القِيَامَ.

وقِيلَ: يُقَدِّمُ صَلاةَ الجَماعَةِ وَهوَ أولَى؛ لأنَّ القِيَامَ فِي حقِّه يَصِيرُ غَيْرَ رُكْنٍ لعَجزِهِ عَنهُ، ويُدرِكُ الجماعَةَ الَّتي لا تُعَدُّ مَصَالحِهَا.

السُّوَرُ والآياتُ المخصوصةُ المشروعة قراءتها في الصَّلاة

31-

مَا هِي السُّوَرُ وَالآيَات المخصوصة المشْرُوعَةُ قراءتها في الصَّلاة؟

الجواب: يُشْرَعُ قِرَاءَةُ ? قُلْ يا أيهَا الكَافِرُونَ ? بَعدَ الفَاتِحَةِ في اَلرَّكْعَة اَلأُولَى، وفي الثَّانِيَةِ: ? قُل هُو اللَّه أَحَد? في سُنَّةِ الفَجرِ، وكَذَا المغْرِب وآخر اَلْوتْر، وسُنَّة الطَّوَافِ.

ص: 100

ويُشرَع أيْضًا في: ركعَتَي الفَجرِ في اَلرَّكْعَة اَلأُولَى بَعْدَ الفَاتِحَةِ ? قُولُوا آمَنَّا بِأَلَلِهِ) [البقرة: 136] إِلَى آخِرِ اَلآيَة، وفي الثَّانِيَةِ ? قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وبينكم ? الآية [آل عمران: 64] .

وَيُسَن: أن يَقرأَ في فَجرِ الجمعَةِ ? الم تنْزِيلُ) السَّجْدَةُ، وفي الثَّانِيَة ? هل أتى على الإِنْسَانِ ?.

وفي صَلاةِ الجمعَةِ: سبَّح والغَاشِيَة، أَوْ سُورةَ الجمعَةِ والمنَافِقين.

وفي العيدين: بـ ? ق وَالْقُرْآن المجيدِ ?، وَ? اقْتَرَبَتْ الساعة ? أو بـ (سبح والغَاشِيَةْ) .

فهذه الصَّلَواتُ الَّتي خُصِّصَتْ فِيهَا هَذِه اَلسُّوَر والآيَاتُ لِحِكَمٍ لا تخفَى على مَنْ تَدَبَّرهَا مَعَ جَوَازِ قراءَةِ غيرِهَا.

الَّذِي يَجُوزُ مِنَ الصلوات أَوْقَات اَلنَّهَى

32-

مَا الَّذِي يَجُوزُ مِنَ الصَّلَوَاتِ أَوقَاتَ النَّهيِ.

الجوَابُ: يَجوزُ فِيهِ:

ص: 101

1-

الفَرَائضُ.

2 -

والمنذورَات.

3-

وسُنَّةُ الظهْر إِذَا جَمَع بينهَا وبين العَصْرِ.

4-

وإِعادة جَمَاعَةٍ أُقِيمَتْ وَهُوَ في المسجِدِ على المذهَبِ.

وعَلَى الصَّحِيحِ: وَلَو أقِيمَتْ وَهُوَ خَارِجُ اَلْمَسْجَد.

5-

وسُنَّة الطَّوَافِ.

6-

وإِذَا دَخَلَ والإِمَامُ يَخْطُبُ.

7-

وكَذَلِكَ على الصَّحِيحِ ذَوَات اَلأَسْبَاب.

الذي تَجِب عليه الجماعَةُ والجمعة.

33-

مَنِ الَّذِي تَجِبُ عَلَيهِ الجماعَةُ والجمعةُ؟

الجواب: تجبُ الجماعَةُ على: الذكُورِ، المكلَّفين، القَادِرِينَ.

ويُشْتَرَطُ أيضًا في وجوبِ الجمعَةِ: أَنْ يَكُونَ مُستَوطنًا بقرية.

وهَلِ اَلْحُرِّيَّة شَرطٌ لِوُجُوبِ الجُمْعَةِ والجَمَاعَةِ؟

عَلَى فَولَين: المذهَبُ مِنهُما اشتِرَاطُهَا، فَلا تَجِبَانِ عَلَى عَبد مَمْلُوك لاشْتِغَاله بخدمَةِ سَيِّدِه.

والصَّحِيحُ: وُجُوبُ جميعِ التَّكالِيفِ البَدَنِيَّة على المكَلَّفين مِنَ الأَرِقاءِ جَماعَةً أو جُمعةَ أو غَيرهما؛ لأَنَّ النُّصُوصَ الموجِبَةَ لِذَلِكَ تتنَاوَلُ الأَرِقاء

ص: 102

كما تَتنَاوَلُ الأحرَارَ؛ ولأَنّ وُجُوب الصَّلاةِ والصِّيَامِ وَنَحْوِهِمَا لَمْ يَخْتَلِف النَّاسُ أَنَّهَا شَامِلَة للصِّنفَيْنِ، فكَذَلِكَ يجب أَنْ تَكُونَ الجُمعَةُ والجمَاعَةُ.

وقَولهم: (العَبدُ مَشغُولٌ بخدمةِ سَيِّده) .

يُجَابُ عَنْه: بأنه لا طَاعَةَ لمخلُوقٍ في مَعصِيَةِ الخالِقِ، والخِدمةُ الوَاجِبَةُ لَلسِّيد مؤخرةٌ عَن حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى.

فالعَبدُ وَسَيِّدُه دَاخِلانِ في رِقِّ التَّكلِيفِ.

أمَّا العِبَادَاتُ الماليَّةُ كالزَّكَاةِ وَالحجِّ حَيْثُ احتَاجَ للمَالِ والكفارَاتِ والنُّذُورِ اَلْمَالِيَة، فالعَبدُ فِيهَا في حُكم المعسِر؛ لأنهُ لا يَملِك ولو ملَّكَهُ اَلسِّيد، فالمالُ الَّذِي بِيَدِه لَلسِّيد يتعلَّقُ بِالسِّيدِ أحكامه، واللَّهُ أعلمُ.

ما يقضيه المسبوقُ هَل هوَ أول صَلاتِه أو آخرها؟

34-

الَّذِي يقضيه المسبُوقُ هَلْ هُوَ أوَّلُ صَلاتِه أوْ آخرها؟

الجواب: لَيسَ بأوَّلِهَا في ابتِدَاءِ النِّيَّةِ وتَكبِيرَةُ الإِحرَامِ قَولاً وَاحِدَا.

وكَذَلِكَ: إِذَا أَدرَكَ المسبوقُ مِنَ الثُّلاثيَّةِ أَو الرُّبَاعِيَّةِ رَكعَةً فإِنَّه إذَا قَامَ يَقضِي مَا عَلَيهِ، لا يسردُ رَكْعَتين بَل يُصَلِّي ركعَة، ثم يَجلسُ للتشَهُّدِ ثمَّ يتمّ مَا عَلَيهِ.

ومَا سوَى هَذِه الصَّوَرِ الثَّلاثِ: فِيهَا قَولانِ في المذهَبِ، هما رِوَايتَانِ عَنِ الإِمامِ أَحمد، المشهورُ عِندَ المتَأَخِّرينَ أنَّ مَا يَقضِيهِ أَوَّلُ صَلاتهِ فيَستَفتِحُ له، ويَستَعِيذُ، ويَقرَأُ مَعَ الفَاتِحَةِ غَيرَهَا، وهَذَا لأَنّ آلْقَضَاء

ص: 103

يَحكِي الأدَاءَ، فيقتَضِي أَنَّ الَّذِي يَقضِيهِ يَكُونُ بصفَةِ مَا فَاتَهُ سِوَى الصُّورِ المتقدِّمَةِ.

هَذَا حُجة هَذَا القَولِ.

وأَمَّا استِدلالُ بَعْضِهِم بأنّ فِي بَعضِ أَلفَاظِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيرةَ: «فَمَا أَدْرَكْتُم فَصَلَّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» .

فليسَ الاستِدلالُ صحيحًا؛ لأنَ القَضَاء بمعنى الإِتمامِ كَما هُوَ طَرِيقَةُ الكِتَابِ والسُّنَّةِ.

والقَولُ الآخر: أن اَلَّذِي يَقضِيه هُو آخِرُ صَلاتِه.

وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي تَدل عَلَيهِ الأَدِلَّةُ والأُصُولُ والوَاقِعُ، فإِنّ اَلْحَدِيث صَح بِلا شَكّ قوله:«وَمَا فَاتَكُمْ فأتموا» ، والإتمامُ بِنَاءُ الآخرِ على الأوَّلِ وتَتمِيمُه لَهُ، ولفظَةُ:«فاقضُوا» بمعنَاهَا.

ويَدلّ عَلَى ذَلِكَ: الصُّوَر السَّابِقَةُ فَلَوْ كَانَ مَا يَقْضِيهِ أَوْل صَلاته لَوَجَبَ عَلَيهِ ابتدَاءُ النيةِ وتَكبِيرَةُ الإِحْرامِ في قَضَائه.

وأَيضًا: هَذَا خِلافُ الوَاقِع فَليسَ آخر الشَّيءِ هُوَ أوله، لكن قَالَ بَعْضُ القَائِلينَ بِهَذَا القَولِ إذَا قَامَ لِقَضَاءِ أُولَتِي الرُّبَاعِيَّةِ أَو الثُّلاثِيَّةِ فَرَأ مَعَ الفَاتِحَةِ اسْتِدْراكًا للقِرَاءَة الفَائِتَةِ، وهَذَا قَول حَسَنٌ.

ص: 104

إذَا سَبَقَ اَلْمَأْمُوم إِمَامَهُ فما حُكمُ ذَلِكَ

35-

إذَا سَبَقَ اَلْمَأْمُوم إِمَامَهُ فما حُكمُ ذَلِكَ؟

الجواب: المشرُوعُ أنَّ المأمُومَ لا يَشْرَعُ فِي رُكْنٍ حَتَّى يَصِلَ إِمَامُهُ إِلَى الرُّكنِ الَّذِي يليه كَمَا دَلَّتْ عَلَيهِ الأحَادِيثُ، وعَمَلُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم.

وأمَّا سبقُ المأْمومِ لاٍمَامِهِ: فهذَا مُحَرَّم، منهِي عَنهُ، مُتَوَعِّد عَلَيهِ بالعقُوبَةِ، كما قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم:«أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَع رَأْسَهُ قَبْلَ الإمَامِ أن يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رأس حِمَارٍ، أَوْ يَجْعَلَ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ» .

وقال: «إنما جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَم بِهِ» .

والحديثَانِ في الصَّحِيحين.

وأمًّا حُكْمُ سَبْقِهِ لَهُ، فلا يَخلُو الحالُ:

- إِمَّا أَن يَكُونَ السَّبْقُ عَمدًا.

- وإِمَّا أَنْ يَكُونَ جَهلاً أَو نسيانًا.

فالعَمدُ: يبحَثُ فيه عَنِ الإثمِ، وعَن بُطلانِ اَلرَّكْعَة، وبُطلان الصَّلاةِ.

والجهلِ والنِّسيَانِ: إنما يُبحَثُ فِيهِما عَن بُطْلان الركعَةِ فَقَط.

ص: 105

وبيان ذَلِكَ: أَنَّه إِن سَبَقَهُ عَمْدًا ذَاكِرًا بِرُكْنِ الرُّكوعِ أَو بِرُكنَينِ غَير الركُوعَ؛ فإن صِلاته تَبْطُلُ بمجرّدِ هَذَا السَّبقِ.

مِثَالُ سَبقِهِ بِرُكنِ: الرُّكُوع أَن يَركَعَ المأمومُ، ويَرفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ قَبلَ أَن يَصِلَ الإِمَامُ للرُّكُوعِ.

ومثَالُ السَّبقِ بِرُكْنين: أَن يَسجُدَ المأمُومُ قَبْلَ سُجُودِ إِمامِه ثُم يرفع ثم يسجُدُ السَّجدَةَ الثَّانِيَةَ قبل أن يَصِلَهُ الإِمَامُ: فهذَا تَبطُلُ صَلاتُه ويُعِيدُهَا مِن أوَّلِهَا.

وإنْ سَبَقَه بِركنٍ غَيرِ ركُوعٍ أَو إِلَى رَكْن الرُّكُوعِ بأَنْ رَكَعَ مثلاً قبل رُكُوعِ إِمَامه: فَهَذا عَلَيه أَنْ يَرجِعَ ليَأتيَ بالرُّكُوعِ بَعدَ إِمَامِه.

فَإنْ لَم يَفعَلْ حتَّى أَدرَكَهُ الإِمَامُ فيه: بَطُلَتْ صَلاتُه.

وَلا تَبطُلُ صَلاتَهُ بِمُجَرَّد هَذَا السَّبقِ إِلى رُكْن الرُّكُوعِ أَو برُكنٍ وَاحِدٍ غيرِ الرُّكُوعِ عَلَى المذهَب.

وعَن أحمَد مَا يَدُلُّ على بُطلانِ صَلاتِه بِمُجَرَّد السَّبقِ وَهُوَ ظَاهِرُ الأَدِلَّةِ.

فَهَذَا حُكمُ المتعمِّد.

وأَمَّا إِذَا وَقَعَ السَّبقُ نِسيَانًا أو جَهلاً: فَلا يَخلُو: إِمَّا أَنْ يَرجِعَ فِيَأتِي بما سُبِقَ بِهِ مَعَ الإِمَامِ، أَوْ لا.

فإِنْ رجعَ: صَحَّتْ رَكْعَته مطلقًا سَوَاءً كان السَّبقُ إِلى رُكْنٍ أَو بِرُكْنٍ أَوْ بركنين أَوْ أَكثر.

ص: 106

فإنْ لم يرجِعْ حَتَّى لحَقَهُ الإِمَامُ:

فإِنْ كَانَ سَبقُه إِلَى رُكنِ الركُوع، بأن رَكَعَ سَاهِيًا أو جَاهِلاً فبل إمَامِه ثُمَّ رَكَعَ الإمَامُ والسَّابِقُ في رُكُوعِه: صَحَّت رَكْعَته واعتَدّ بِهَا ومِثلُه: السَّبق بِرُكنٍ وَاحِدٍ غَيرِ الرُّكُوعِ.

وإِن كَانَ السَّبق بِرُكنِ الرُّكوعِ أو بِرُكنَينِ غَيرِ الرُّكوع:

- فَإن رَجَعَ قَبْلَ وُصُولِ الإِمَامِ له: صَحتْ أيضًا رَكْعتُه.

- وإِنْ لحَقَه الإِمَامُ: لغت الركعَة الَّتِي وَقَعَ فيها السَّبقُ.

هَذَا تَفصِيلٌ جَامِعٌ لأَحْوَالِ اَلْمُسَابَقَة، وَقَدْ تبَيَّنَ: أنَّ الجَاهِل لا تَبطُلُ صَلاتُهُ على كُلِّ حَالٍ، وكَذَلِكَ النَّاسِي، وإنما التَّفصِيلُ المذكُورُ في رَكعَتِهِ هَل يُعْتَدَّ بِهَا أَمْ لا؟

اَلصِّفَات المعتَبرَةُ فِي الإمَام فِي اَلصَّلاة اِشْتِرَاطًا وأَوْلَويَّة

36-

مَا هِيَ الصِّفَاتُ المعتَبرَةُ فِي الإِمَامِ فِي الصَّلاةِ اشْتِرَاطًا وأَوْلَوِيَّةً؟

الجواب: إِذَا جَمَعَ الإِمَامُ خَمْسَةَ أُمُورٍ:

1-

اَلذُّكُورِيَّة.

2-

والتَّكلِيفُ.

3-

والإِسْلامُ.

4 -

والعَدَالَةُ.

5-

والقُدرَةُ عَلَى جَمِيعِ شُرُوط الصَّلاةِ وأَرْكَانِهَا: صَحَّتْ إِمَامَته في كُلِّ الأَحْوَالِ إِلا الجمعة فيُشتَرَطُ مَعَ الخمسَةِ:

1-

اَلْحُرِّيَّة.

2-

والاستِيطَانُ في القَريَةِ.

فَإِنِ اخْتل مِن هَذِهِ الأُمُورِ شيْء:

ص: 107

- فَإِمَّا أن لا تَصِح صَلاتُهُ وإمَامَتُه كالكَافِرِ.

- وإِمَّا أَنْ تَصِح صَلاته دُونَ إِمَامَتِه كالفَاسِقِ.

- وإمَّا أَنْ تَصِح إمَامَتُهُ في النَّفلِ مُطلقًا، وفي الفَرضِ بمثلِهِ كالصَّبيِّ المميَّزِ.

- وإِمَّا أَنْ تَصِح إِمَامَتُه بمثْلِهِ فَقَطْ، كَالْمَرْأَةِ والعَاجِزِ عَن شَيْء مِنَ اَلأَرْكَان وَالشُّرُوط.

ويُستَثنَى: الإمَامُ اَلرَّاتِب، إِذَا عَجَزَ عَنِ القِيَامِ فَتَصِح إِمَامَتُه بالقَادِرِينَ عَلَيهِ.

وكَذَلِكَ: اَلرَّقِيق، والمسَافِرُ، وغَيرُ المتَوَطِّنِ: لا تَصِحُّ إمَامَتهُم في الجُمعَةِ.

هَذَا اَلتَّفْصِيل المذكُورُ هُوَ المشهُور في المذهَبِ.

وفِيهِ قَولٌ آخرُ: وَهُوَ الأَصَحُّ دَلِيلاً: أنَّ كُل مَن صَحَّتْ صَلاتُهُ لِنَفسِهِ صَحَّتْ إمَامَتُه، بَلْ مَن لم تَصِح صَلاتُهُ لنفسِه إذا لم يَعلم به اَلْمَأْمُوم حتَّى فَرغَ فَلا إِعَادَةَ.

وَلَيسَ ثَمّ دَلِيل يَجِبُ المصِيرُ إِلَيهِ في إبطَالِ إِمَامَةِ الفَاسِقِ والعَاجِزِ عَنِ اَلشُّرُوط والأَرْكَانِ والصَّبيُّ البَالِغُ بل عُمُومُ اَلأَدْلَة تدلُّ على جَوَازِ ذَلِكَ:

وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ في أَئمَّةِ الجورِ: «يُصَلُّونَ لَكمْ فإِنْ أَصَابُوا فَلَهُمْ وَلَكمْ وَإِنْ أَخْطئوا فَعَلَيْهِمْ وَلَكمْ» .

ص: 108

والعَاجِزُ عَن وَاجِبَاتِ الصَّلاةِ لا يَصِيرُ مُخِلاًّ بِوَاجِبٍ عَلَيهِ، فَكَما أنهُ مَعْذُور؛ فالمصلِّي خَلفَهُ كَذَلِكَ.

وعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «يؤم القَوْمَ أَقْرَؤهُم لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِن كَانُوا فِي القِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُم بِالسَّنَّةِ فَإِن كَانُوا بِالسُّنَّةِ سَوَاءً فَأقْدَمُهُمْ هِجْرَة» - وَهُوَ في الصَّحِيحِ - يتناول العَدلَ، والفَاسِقَ، والحرُّ، والعَبْدَ، والكَبِير وَالصَّغِير، والمسَافِرَ، والمقِيمَ، والجُمعَةَ، والجَماعَةَ، والقَادِرَ، عَلَى جَمِيعِ اَلأَرْكَان والشُّروطِ والعَاجِزُ عَن بَعضِهَا.

وَقَد أَمَّ عَمرو بن سَلمَةَ قَومَهُ وَهُوَ ابنُ سَبعِ سِنين في زَمَنِ النبي صلى الله عليه وسلم.

هَذَا في صِحَّةِ الإِمَامَةِ بَل فَقَط بِقَطعِ النَّظَرِ عَن اَلأَوْلَوِيَّة.

وأَمّا مَن هُوَ أَولَى بالإِمَامَةِ: فاعلم أَنَّ جَمِيعَ الوِلايَاتِ والتَّقدِيمَاتِ الشَّرعِيَّةِ يُنظَرُ فِيهَا إِلَى مَن هُوَ أقوَمُ بمقاصِدِ تِلكَ الوِلايَةِ، وأعظَمُهُم كَفاءَةً وقُدرَةً عَليهَا وَمِنهَا الإِمَامَةُ.

وقَد فَصَّلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِيهَا الأَمرَ فِي الحَدِيثِ السَّابِقِ، وجَعَلَ العِلمَ بالكِتَابِ والسُّنَّةِ والدِّين هي أولَى مَا يُقَدَّمُ بِهِ الإِمَامُ.

فمن جَمَعَ القِرَاءَةَ والعِلمَ والدِّينَ فَهُوَ أَحقُّ بالإِمَامَةِ.

فَإِن اِشْتَرَكَ اثنَانِ فأكْثَر فِي هَذِه الصِّفَاتِ، فَالْمُتَمَيِّز مِنهُما وَالرَّاجِح

ص: 109

يُرجّحُ، والتَّرجِيحَاتُ مُتَعَدِّدَةٌ فد ذَكَرَهَا الفُقَهَاءُ. ومَعَ الاستوَاءِ في وُجُودِهَا أو عَدَمِهَا الأَسَن، وهَذَا في ابتِدَاءِ الأَمرِ، وَإِلاّ مَنْ كَانَ مُتَرَتِّبًا في مَسجِدٍ أو في بَيتِه فَهُوَ أحق بالإِمَامَةِ مِن غَيرِهِ، وإنْ كَانَ الغَيرُ أَفضَلَ مِنهُ بِتِلكَ الصِّفَاتِ.

وَهَذَا مُطَّرِدٌ في جَمِيعِ الوِلايَاتِ والوَظَائِفِ الدِّينيَّةِ إذَا كَانَ المتولَّي لها غَيرَ مُخِلِّ بمقصُودِهَا، فَلا يُفتَاتُ عَلَيهِ ويُقَدَّمُ غَيرُه وَلَو أَفضَل مِنهُ.

وأمَّا الَّذِي يُعتَبرُ التقدِيمَ بهِ في الفَضلِ في الصِّفَات المقصُودَة ففي ابتِدَاءِ الأَمرِ لا في استِمرَارِهِ ودَوَامِه، فَلا تُؤْخَذُ أَحكَامُ الابتِدَاءِ مِن أَحْكَامِ الدوامِ وَلا بِالعَكسِ، واللَّهُ أعلَمُ.

مَا الَّذي يُعْتَبَرُ في اقتداء اَلْمَأْمُوم بإمَامِهِ؟

37-

مَا الَّذي يُعْتَبَرُ في اقتِدَاءِ اَلْمَأْمُوم بإمَامِهِ؟

الجواب: الشَّرْط الَّذِي لا يختَلِفُ العُلَمَاءُ فِيهِ: أَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ اَلْمَأْمُوم مُتَابَعَةَ إِمَامِهِ، فَلابِد مِن هَذَا الشَّرطِ وإِمْكَانُ مُتَابَعتِهِ بِرُؤيَةٍ للإِمَامِ أَو لمن خَلفَهُ أَو سَمَاعِ صَوتِهِ أَو صَوتِ المبلِّغِ عَنهُ.

فمتَى فُقِدَ هَذَا الشَّرط: لم يَصِحّ الافتِدَاءُ.

ومتَى وُجِدَ والإِمَامُ والمأْمومُ في المسجِدِ: لم يُشتَرَطُ غَيرُه.

فإِن كَانَ أَحدُهُما خَارِجَ المسجِدِ: فَلابِد مِن رُؤيَةِ المأمُومِ لِلإِمَامِ أو لمن خَلفَهُ وَلَو في بَعضِ الصَّلاةِ.

ص: 110

وَلا بُدَّ أَيضًا: أَن لا يَكُونَ بينهُمَا طَرِيقٌ مَسلُوك، أو نَهرٌ تَجرِي فيهِ السُّفُنُ عَلَى المذهَبِ.

والصّحِيحُ: عَدَمُ اعتِبَارِ اَلأَمِرِينَ.

وَهُوَ أَحَدُ القَولَينِ فِي المذهَبِ؛ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ على إِيجَابِ ذَلكَ مَعَ إِمكانِ الاقتِدَاءِ، ولعَدَمِ المانِع في مَوضِعِ صَلاتِهِمَا، فَلا يَضُرُّ الحائِلُ المانِعُ هَذَا مَعَ قَولِنَا: إِنَّ اَلصَّلاة لا تَصِحُّ في الطَّريقِ.

وإِن قُلنَا بصحَّتِها، وهُوَ الصَّحِيحُ. فالأمرُ وَاضِحٌ.

مَوقِفِ المأمُوم مَعَ إمَامِهِ في الصَّلاةِ؟

38-

في مَوقِفِ المأمُومِ مَعَ إمَامِهِ في الصَّلاةِ؟

الجوابُ: الموقِفُ أربعة: وَاجِبٌ، ومندُوبٌ، وجَائزٌ، وممنُوعٌ.

أَمَّا المندُوبُ:

- فَهُو وقُوفُ المأمُومِينَ إذا كَانُوا اثنين فأكثَرَ خَلفَ الإمَامِ.

- ووُقُوفُ المرأَةِ الوَاحِدَةِ خَلفَ اَلرَّجْلِ.

والجَائِزُ:

- وُقُوفُ اَلْمَأْمُومِينَ جَانِبِيّ الإِمَامِ أو عَن يَمينه.

- ووقُوف المرأةِ عَن يَمينِ الرجُلِ.

واختُلِفَ فِي: الوُقُوفِ عَن يَسَارِ الإمَامِ مَع خُلُوِّ يمينِه.

ص: 111

والمذهَبُ: أنَّه مَمْنُوع.

والصَّحِيحُ: أنَّه مِنَ الجَائِزِ.

وإِدَارَةُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ابن عَباسٍ لما وَقَفَ عَن يَسَارِه إلَى يَمينِه يَدُلُّ على استِحبَابِ ذَلِكَ، واستِحبَابِ اَلْإِدَارَة لا وُجُوبهَا؛ لأنَّ فعله صلى الله عليه وسلم يدلُّ على النَّدبِ.

والموقِفُ الوَاجِبُ:

- وُقُوفُ الرجُلِ الوَاحِدِ عَن يَمينِ إمَامِه.

والموقِفُ اَلْمَمْتُوعُ:

- وُقُوفُ الرجُلِ وَحدَهُ خَلفَ الإمَامِ أو خَلفَ الصَّفِّ مُطلَقًا، عَلَى المذهَبِ.

وعلى اَلقَوْلِ اَلثَّانِي: في حَالِ إِمكَانِ اصطِفَافه.

فَإن لم يمكنه بأن لم يجدْ في الصَّفِّ مَكَاناً: سقَطَ عَنهُ وجُوبُ الاصطِفَافِ، ووقَفَ وَحدَهُ.

وإمَامُ العُرَاةِ: يَقِفُ بينهُم وجُوبًا.

والمرأَةُ إذا أَمّتِ النِّساءَ: تَقِفَ وَسطهن اِسْتِحْبَابًا.

ص: 112

فَإِن وقَفَ مَعَهُ من يَعلَمُ عَدَم صحَّةِ صَلاتِه: فَهُوَ منفَرِدٌ.

وإنْ وَقفَ مَعَهُ محدثٌ أو نَجِسٌ لا يَعلَمُ مِنهُ ذَلك: فالاصطِفَافُ صحيحٌ.

وإن وَقَفَ مَعَهُ صبي وَهُوَ رَجلٌ: لم يَصِحّ عَلَى المذهَبِ.

وعَلَى القَولَ الصحِيحِ: يَصِحُّ. والله أعلم.

رخص السفر

39-

عن رُخَصِ السفر مَا هِيَ؟

الجوابُ: من قَوَاعِدِ الشَّريعةِ: (المشقة تَجلِبُ اليُسرَ) .

ولما كَانَ السَّفَرُ قِطْعَة مِنَ العَذَابِ - يمنع العَبدَ نَومَهُ ورَاحتَهُ وقَرَارَهُ - رتب الشَّارِعُ عَلَيهِ مَا رتبَ مِنَ الرُّخَصِ حتَّى وَلَو فُرِضَ خُلوُّهُ عن المشقاتِ؛ لأَنَّ الأَحْكَامَ تُعلَّقُ بعللها العَامةِ، وإِن تخلَّفت في بَعضِ الصُّورِ والأَفرَادِ.

فالحكمُ الفَردُ يُلحَقُ بالأَعَمِّ، ولا يُفْرَدُ بالحكمِ، وهَذَا معنى قَولِ الفُقَهَاءِ:(النَّادِرِ لا حُكمَ لَهُ) .

ص: 113

يعني: لا يُنقِصُ القَاعِدَةَ، ولا يُخَالِفُ حُكمُهُ حُكمَهَا.

فهذَا أَصلٌ يَجِبُ اعتِبَارُه.

فأعظَمُ رُخَصِ السفر وأَكْثرُهَا حَاجَةً:

القَصرُ، وَلذَلِكَ لَيسَ لِلقَصرِ مِنَ الأَسبَابِ غَيرُ السَّفَرِ، وَلِهَذَا أضِيفَ السَّفَرُ إِلَى القَصرِ لاختِصَاصِه به، فتُقْصَرُ الرُّباعِيَّةُ مِن أَربِع إِلَى رَكعَتين.

وَمِن مَعَانِي القَصرِ: قَصرُ أَرْكَانِ الصَّلاةِ وهَيئَاتِهَا.

وَلِذَلِكَ قَالَ الفُقَهَاءُ فِي قِرَاءَةِ قصارِ اَلْمُفَصَّل (الفجر) : لا ينبَغِي إلا في السَّقَرِ.

وَمِنْ رُخَصِه:

الجَمْعُ بين الظُّهرِ والعَصرِ، والمغرِبِ والعِشَاءِ في وقتِ إحدَاهُمَا.

والجمعُ أَوسَعُ مِنَ القَصْرِ، وَلِهَذَا له أَسبَابٌ أُخرُ غَيرُ السَّفَرِ كَالْمَرَضِ والاستِحَاضَةِ، ونَحوهَا مِنَ الحاجَاتِ، والقصر أَفضل من الإِتمام بل يُكْرَه الإتمام لغير سَبَب.

وأَمَّا الجمعُ في السَّفَرِ: فالأَفضَلُ تَركُه إِلا عِندَ الحاجَةِ إلَيهِ أَو إِدرَاكِ الجَماعَةِ به، فإِذَا اقترنَ بِه مَصلَحَةٌ جَازَ.

ومَن رُخَصِ السّفَرِ:

الفِطرُ في رَمَضَانَ.

ص: 114

وَالصَّلاةُ النَّافِلَةُ عَلَى الرّاحِلَةِ إِلَى جِهَةِ مَميرِهِ.

وَكَذَلِكَ المتنفِّل الماشِي.

ومِنهَا:

المسْحُ عَلَى الخفين، والعِمَامَةِ، والخمارِ، ونَحوِهَا، ثَلاثَةُ أيَّامٍ بِلَيَالِيهَا.

وأَمَّا اَلتَّيَمُّم فَلَيسَ سَببه السَّفَر، وإنْ كَانَ الغَالِبُ أَنَّ الحاجَةَ إِلَيهِ في السَّفَرِ أكثر مِنهُ في الحَضَر. وَلَعَلِّ هَذَا السَّببَ في ذكر السَّفر في آية التَّيمُّم: ? وَإِن كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ على سَفَرٍ ? [المائدة: 6] الآية.

وإنما سَبَبُ التَّيَمُّم: العَدَم للمَاءِ أو الضرر باستِعمَالِه.

قَالَ تَعَالَى ? فَلَم تجدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا ? [المائدة: 6] .

وكَذَلِكَ أَكلُ الميتَةِ للمضطَرّ عَامّ في السَّفَرِ والحَضَرِ، ولَكن الغَالِب وُجُود الضرُورَة في السَّفَر.

ومِن رُخَصِ السَّفَرِ أَيْضًا:

أنه موسع لِلإِنسَانِ أن يَترُكَ اَلرَّوَاتِب في سَفَرِهِ، وَلا يُكرَهُ لَهُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّه يُكرَهُ تركُهَا في الحَضَرِ.

ومِن رُخَصِ السَّفَرِ:

مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ اَلنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَرِضَ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ

ص: 115

مَا كَانَ يَعْمَلُ صَحِيحاً مُقِيمًا» .

فالأعمَالُ الَّتِي يعمَلُهَا في حَضَرِهِ مِنَ الأَعمَالِ القَاصِرَةِ والمتعدِّيةِ يجري لَهُ أجرُهَا إِذَا سَافَرَ، وكذَلِكَ إذَا مَرِضَ.

فيَالَهَا نعمَةٌ ما أجلَّهَا؟ وأَعظَمَهَا؟.

وأَمَّا صلاة الخوف: فليس سببه اَلسّفَر، ولكنَّه فيه أَكْثَر.

الأمور التي اشتركت فيهَا الجمعَةُ مع العيدين والتي افترقت

40-

مَا هِيَ الأُمورُ الَّتي اشتَركَتْ فِيهَا الجمعَةُ مَعَ العِيدَينِ والَّتي افترقَتْ؟

الجواب: وباللَّهِ الإِعانَةُ والوصُولُ إِلَى ما يحبه وَبَرْضَاهُ.

اعلَمْ أنَّ الشَّارِعَ مِن حِكمَتِه، ومحَاسِنِ شَرعِهِ، شَرَعَ للمسلِمِينَ الاجتماعَ للصَّلَواتِ وأنوَاعِ اَلتَّعَبُّدَات. وَهُوَ:

إما اجتماعٌ خَاص كاجتمَاعِ أَهْلِ المحالِّ المتقَارِبَةِ لجماعةِ الصَّلَواتِ الخَمسِ.

وإِمَّا اجتمَاعٌ عَام يجتَمِعُ فيه أهلُ البَلَدِ في مَسْجِدٍ وَاحِدٍ للجمعَةِ.

وإِمَّا اجْتمَاعٌ أَعَم مِن ذَلِكَ كاجتماعِ أَهْلِ البَلَدِ رجَالهم ونِسَائهم أحرارِهِم وأَرِقَّائِهم في الأَعيَادِ.

ص: 116

وإِمَّا اجتماعٌ أَعمَّ مِن ذَلِكَ كُلِّه كاجتماعِ المسلِمين مِن جَمِيعِ أَقْطَارِ الأَرضِ فِي عَرَفَةَ ومَنَاسِكِ الحجِّ.

وفي هَذِه الاجتِمَاعَاتِ مِنَ الحِكَمِ وَالأَسْرَار ومَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ ومَصْلَحَةِ الأُمَّة مَالا يُعدُّ وَلا يُحصَرُ.

فمنهَا: إِظْهَار شَعَائِرِ الدِّين وبُرُوزِهَا مُشَاهَدًا جمالها عِندَ الموافِقين والمخالِفين، فإِن الدِّين نفسَه وَشَعَائِره مِن أكبرِ اَلأَدلَّة على أَنَّه الحَقُّ، وأَنَّهُ شرعَ لِوُصُولِ الخلقِ إِلَى صَلاح دينهِم ودُنيَاهُم وَصِلاح أخلاقِهِم وأعمَالِهم وسَعَادَتهِم اَلدُّنْيَوِيَّة وَالأُخْرَوِيَّة، فوقُوف الخلقِ عَلَى حَقِيقَةِ دِينِ الإسْلامِ وشرحِه لإِفهام النَّاسِ كافٍ وَحْدَهُ لِكُلِّ مُنصِفٍ قصده الحقيقةُ لمحبته وبَيَانُ أنَّه لا دِينَ إلَاّ هوَ، وأَنَّ ما خَالَفَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ وإِيصَالُ هَذَا المعنَى لأَفهَامِ الخَلقِ لَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ مِن أَبْلَغهَا وأَجلِّهَا إِظْهَارُ هَذِهِ الشَّعَائرِ، ومَا احتَوَتْ عَلَيهِ مِنَ التَّقَرُّبَاتِ، وأصنَافِ العِبَادَاتِ، ولِهَذَا كَانَتْ هَذِهِ الشَّعَائر عَلمًا على بَلَدِ الإِسْلامِ وظُهُورِ الدِّينِ وعُلُوِّه عَلَى سَائِر الأَديَانِ.

ومِنهَا: أَنُّ حَقَائقَ هَذِهِ العِبَادَاتِ لا تَحصُلُ بِدُونِ الاجتِمَاعَاتِ المذكُورَةِ، فالحكَمُ الَّتِي شُرِعَتْ لأَجْلهَا مُتَوَقِّفَةٌ على هَذَا الاجتِمَاعِ.

ومِنهَا: أَنَّ اجتِمَاعَ الخَلقِ لهَذِه العِبَادَاتِ مِن أَعظَمِ مَحبُوبَاتِ الربِّ، لما فِيهَا مِن تَنشِيطِ العِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ رَبِّهم، وزِيَادَةِ رَغْبَتهمْ، وتنافُسِهِم في قُربهِ، وحُصُولِ ثَوَابِه، وسُهُولَةِ العِبَادَةِ عَلَيهم وخفتِهَا، وكثرَةِ ما

ص: 117

تَشتَمِلُ عَلَيهِ مِن الانكِسَارِ لعظَمَةِ الرّبِّ، وَالتَّذَلُّل لَهُ والتَّضَرُّعِ وخُشُوعِ القُلُوبِ، وحُضورِهَا بين يَدَي اللَّهِ، واجتمَاعِهِم عَلَى طَلَبِهِم مِن رَبِّهِم مَصَالحهم العَامَّة المشتَرَكَة والخاصة.

ومنهَا: مَا في اجتِمَاعِ المسلِمين مِن قِيَامِ اَلأُلْفَة والمودَّة؛ لأَنَّ الاجتِمَاعَ الظَّاهِرَ عِنوَانُ الاجتِمَاعِ البَاطِنِ، وتفكِيرُهُم في مَصَالحِهم، والسَّعيُ للعَمَلِ لها، وتَعلِيمُ بعضِهِم بَعضًا، وتَعَلُّمُ بعضِهِم مِن بَعضٍ.

فالعِلمُ الَّذِي لابِد مِنهُ للصَّغِيرِ والكَبِيرِ والذكَرِ والأُنثَى فَد تَكَفلتْ هَذِه الاجتماعَاتُ بحصُولِه.

وَلَولا هذه الاجتِمَاعَاتِ لم يَعرِفِ النَّاسُ مِن مَبَادِئِ دِينهِم وأصُولِه شَيئًا إِلا أَفذاذًا مِنهُم. وَلِهَذَا كَانَ الوَافِدُ يَفِدُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ويسألُه عَنِ الصَّلَوَاتِ الخَمسِ فَيأمُرُه بحضورِ الصَّلاةِ مَعَه يَومًا أو يَومَينِ ثم ينصَرفُ مِن عِندِهِ فَاهِمًا لِصَلاةِ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وقَالَ:«صَلَوَا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلي» .

وَقَد حَج النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعدَ فَرضِ الحجِّ مَرَّة وَاحِدَة وَحَجّ مَعَهُ المسلِمُونَ وَقَالَ: «خُذُوا عَنّي مَنَاسِكَكُمْ» .

فانصرَفَ النَّاسُ آخِذِينَ عن نَبِيّهمْ صلى الله عليه وسلم أحكَامَ اَلْحَجّ الكُلِّيَّة والتَّفصِيلِيَّةِ والتَّعليمُ العَمَليُّ أبلَغُ مِنَ التَّعلِيمِ القَوليِّ، والجمعُ بينهُمَا أكمَلُ.

ص: 118

ومِنهَا: أَن فِي هَذِه الاجتمَاعَاتِ مِن مَعرِفَةِ مَرَاتِبِ المسلِمين، ومَا هُمْ عَلَيهِ مِنَ العِلمِ والدِّينِ والأخلاقِ، والمحافَظَةِ على الشَّرائِعِ أَو غَيرِ ذَلِكَ مِن أَعظَمِ الفَوَائِدِ المميِّزةِ؛ لتحصُلَ مُعَامَلَتُهُم بحسَبِ ذَلِكَ.

وَلَولا هَذَا الاجتمَاعُ لَكانَ نَاقِصُ الدِّينِ قَلِيلُ الاهتِمَامِ به يَتَمَكَّنُ مِن تَركِ شَرَائِعه، وَلا يُمكِنُ إِلزَامُه بهَا، وفي ذَلِكَ مِنْ مَضَرَّته، وَمَضَرَّة العُمُومِ مَا فِيهِ.

وفي الجملةِ: فِيهَا مِن صَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا مَا هُوَ مِنَ الضرُورَاتِ الَّتي لا بُدَّ مِنهَا.

فَهَذِه الفَوَائِدُ وغَيرُهَا قد اشتَرَكَتْ فِيهَا.

وبأنها مِن شُرُوطِ الدِّين وَوَاجِبَاتِه.

وبأنها رَكعتَانِ يجهر فِيهِمَا في القِرَاءةِ.

وبمشروعيَّة الخُطبَتين فيهمَا.

فالَّذِي اشْتَرَكَتْ فيه أَكثَرُ ممَّا افترقت.

واستِحبَابُ اَلتَّجَمُّل والتَّطَيُّب وتَبْكِيرُ المأمُومِ إليهِما وتأخر الإِمَامِ إِلَى وَقتِ الصَّلاةِ والاستِيطَانِ والعَدَدِ عَلَى القَولِ بِه.

وافتَرقَتْ بِأَشْيَاء بحسَبِ أحوَالِها، وَمُنَاسَبَة الحَالِ الوَاقِعَةِ:

فمنها: الوَقتُ: الجمعةُ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى وَقتِ العَصرِ عندَ أَكْثَرِ العُلَمَاءِ وعِندَ الإِمَامِ أَحمد مِن أَوَّلِ صَلاةِ العِيدِ إِلَى وَقتِ العَصرِ، وَوَقتُ العِيد

ص: 119

ِ مِن ارتفَاعِ الشَّمسِ قَيدَ رُمحٍ إِلى قُبَيلَ الزَّوَالِ.

ومِنهَا: أَنَّ صَلاةَ الجمعَةِ إِذَا فَاتَتْ لا تُقضَى بَل يُصَلُّونَ ظُهرًا، وأَمَّا العِيدُ فتُقضَى مِنَ الغَد بِنَظِيرِ وَقتِهَا.

والفَرقُ: أَن العِيدَ لما كَانَ لا يَتَكَرَّرُ إلَاّ بتَكَرُّرِ العَامِ وَلا يُمكِنُ تَفوِيتُ مَا في ذَلِكَ الاجتِمَاعِ مِنَ المصَالِحِ شُرِعَ قَضَاؤُه، وأَمَّا الجُمعَةُ فتتكرَّرُ بالأُسبُوعِ، فإذَا فَاتَ أسبوعٌ حَصَلَ المقصُودُ بِالآخَرِ، مَعَ حِكمَةٍ أُخرَى وَهِيَ أَنَّ العِيدَ كَثِيرًا مَا يُعذَرُ النَّاسُ بفَوَاتِه؛ لتعلُّقِه بالأَهِلَّة بِخِلافِ الجمعَةِ.

ومِنهَا: أَنَّ الجمعَة الخُطبَتانِ قَبَلَهَا والعِيدَينِ بعدَهُما، وفد ذكر الحِكمَة في ذَلِكَ أَنَّهمَا في العِيدِ سُنَّةٌ، وفي الجمعَةِ شَرط لازِمٌ، فاهتَمّ بتَقدِيمه وهَذَا أَيضًا فَرق آخَرُ.

ومِنهَا: أَنَّه يُشرَعُ في صَلاةِ العِيدِ تَكبِيرَاتٌ زَوَائِد في أَوَّلِ كُلِّ ركعَةٍ في الأُولَى سِتًّا بَعدَ تَكبِيرَةِ الإِحْرَامِ، وفي الثَّانِيَةِ خَمسًا بَعدَ تَكبِيرَةِ الانتِقَالِ.

ومِنهَا: أَنَّ المشْرُوعَ أَن تَكُونَ صَلاة العِيدَين في الصَّحرَاءِ إِلا لِعُذرٍ، والجُمعَةُ المشرُوعُ أن تَكُونَ في قصَبَةِ البَلَدِ إلَاّ لِعذرٍ.

ومِنَ الحِكمَةِ في ذَلِكَ لاشتِهَارِ العِيدِ، وزِيَادَةِ إِظهَارِه، ولاشتِرَاكِ اَلرِّجَال والنِّسَاءِ فِيهِ، وهَذَا أيضًا مِنَ اَلْفُرُوق بينَهُمَا.

ص: 120

ولِذَلِكَ كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَأمُرُ النِّسَاءَ بالخُرُوجِ للعِيدِ حَتَّى يَأمُرُ ذَوَات اَلْخُدُورِ، وحتَّى يَأْمُرُ الحُيَّضَ لِيُحْضَرْنَ دَعْوةَ المسلِمين، فَإنَّ دعوتَهُم مجتمعةً أقرَبُ للإِجَابَة.

كَما أنَّ العِبَادَةَ المشتَرَكَة أفضَلُ مِنَ اَلْمُنْفرِدَة حتَّى فُضِّلَتْ صَلاةُ الجماعَةِ عَلَى صَلاةِ الفَذِّ بِسَبعٍ وعِشرِينَ ضِعفًا.

وهَذَا مِنَ المعَاتي المشتَرَكَةِ.

ومِنهَا: وُجُوبُ فِطْرِ يَومِ العِيدِ دُونَ الجمعَةِ، فإنَّ إِفرَادَ صَومِه مَكرُوهٌ لِكَونِ العِبَادِ أَضيافَ كَرَمِ الكَرِيمِ فِيهمَا.

وَمِنها: أنه في العِيدِ ينبغِي أن يَخرُجَ مِن طَرِيقٍ ويَرجِعَ فِي آخَر بِخِلافِ الجمعَةِ.

ومِنهَا: كَرَاهَةُ التنفُّلِ في مُصَلَّى العِيدِ قَبلَ الصَّلاةِ وبَعدَهَا بخِلافِ الجمعَةِ..

ومِنهَا: أن الجمعَةَ فَرضُ عَينٍ بالإِجمَاعِ، وأمَّا العِيدَانِ ففيهمَا خِلافٌ مَعرُوفٌ، المشهُورُ مِنَ المذهَبِ أَنَّهُمَا فَرضَا كِفَايَة.

ص: 121

والصَّحِيحُ: أَنَّهُمَا فَرضَا عَينٍ، وَهُوَ إِحدَى اَلرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحمد، اختَارَهَا الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ.

ومِنها: ما يتعلَّقُ بالعِيدَينِ مِن زَكَاةِ الفِطرِ والتَّكبِيرِ المطلَقِ والمقَيَّدِ ومِنَ اَلأَضَاحِيّ والهَدْي فَلا تُشَارِكُهَا الجمعَةُ فِيهَا.

ومِنهَا: أنَّ في الجمعَةِ سَاعَة، لا يُوافِقُهَا مُسلِمٌ يَدعُو اللَّه إِلا استُجِيبَ لَهُ، ولم يَرِد مِثلُ هَذَا في العِيدَينِ.

وكذَلِكَ: استَحبَّ العُلَمَاءُ زِيَارَةَ القُبُورِ يَومَ الجُمعَةِ دونَ العِيدَينِ؛ فالجُمعَةُ تتأكدُ فِيهَا الزِّيارَةُ والعِيدُ استحبَابٌ مطلَقٌ كسائِرِ اَلأَيَّام.

ومِنَ الفُرُوقِ: ما قَالَهُ الأَصحَابُ: أَنَّ خطْبتِي العِيدَينِ تُستَفتَحُ الأُولَى بتِسعِ تَكبِيرَاتٍ، والثَّانِيَةُ بِسَبعٍ، بخِلافِ الجمعَةِ فإِنَّهَا تُستَفتَحُ بالحَمْدِ.

والصَّحِيحُ: استِوَاؤهُمَا بالاستِفتَاحِ بالحمدِ كَما كَانَ النَّبيُّ ص يستَفتِحُ جَمِيعَ خُطَبِه بالحمدِ.

ص: 122

وتَشتَرِكُ صَلاةُ عِيدِ الفِطرِ وصَلاةُ عِيدِ النَّحرِ في جَمِيعِ هَذِهِ الأحكَامِ، ويفتَرِقَانِ في أَمُورٍ يَسِيرَةٍ بحَسَبِ وَقتِهِمَا:

فَفِي الفِطرِ: يَنْبَغِي أَن لا يَخرُجَ مِن بيته حتَّى يأكل تَمرَاتٍ وَتْرًا تحقِيقًا للفَرقِ بينهُ وبين اَلأَيَّام الَّتي قَبلَهُ فِي وُجُوبِ الصِّيَامِ وَوُجُوبِ الفِطرِ.

كَما يُكْرَهُ أَن يتقدَّمَ شَهر رَمَضَانَ بِصِيامِ يَومٍ أَو يَومَينِ، وكَما يُكرَهُ قَرنُ الفَرَائِضِ بِسُنَنِهَا، وَكُرِهَ للإِمَامِ أَن يَتَطَوَّع مَوضِعَ المكتُوبَةِ.

والحِكْمَةُ في ذَلِكَ لأَجلِ أن يَتمَيزَ الفَرضُ مِن غَيرِه.

وأمَّا النَّحرُ: فَلا ينبَغِي أَن يأكل إِلا مِنْ أُضحِيته بَعدَ الصَّلاةِ.

وعِيدُ الفِطرِ تتعلَّقُ به أَحكَامُ صَدَقَةِ القِطرِ، وعِيدُ النَّحرِ تَتَعَلَّق بِه أَحْكَامُ الأَضَاحِي.

ولِهَذَا يَنبَغِي فِي خُطبة عِيدِ الفِطرِ أَن يَذكُرَ أَحْكَامَ صَدَقَةِ الفِطرِ، وفي النَّحرِ أَنْ يَذكُرَ أحكَامَ اَلأَضَاحِيّ. وهَذَا مِنَ الفُرُوقِ.

بَل يَنبَغِي لِكُلِّ خَاطِبٍ وَمُذَكِّرٍ أَن يَعْتَنِي بِهَذَا المقصُودِ، فيُذكِّر النَّاسَ مَا يحتَاجُونَ إِلَيهِ بحسَبِ الزَّمَانِ والمكَانِ والأَحْوَالِ وَالأَسْبَاب كما كَانَتْ خُطْبُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم على هَذَا النَّمَطِ؛ لأنَّ المقصُودَ بالخُطَبِ أَمرَانِ تَعلِيمُ النَّاسِ ما يَنْفَعُهُم مِن مُهِمَّاتِ دِينهِم وتَرغِيبُهُم وتَرهِيبُهُم بالوَعْظِ عَنِ التَّقصِيرِ بِالْمَأْمُورِ، والوُقُوع في المحظُورِ.

ص: 123

الأَحْكامُ المتعلِّقَةُ بالميت عَلَى وَجهِ الإجمَال

41-

مَاهِيَ الأَحْكَامُ المتعلِّقَةُ بالميِّتِ على وَجهِ الإِجمَالِ؟

الجواب: أحكَامُه نَوعَانِ:

1-

نَوعٌ يتعلَّقُ بذَاتِهِ.

2-

ونَوعٌ يتعلَّقُ بمخَلَّفاتِه.

أَمَّا النَّوعُ الأَوَّلُ:

فَهُو تجهِيزُه بِالتَّغْسِيلِ والتَّكفين والصَّلاةِ عَلَيهِ ودفنُه وحملُه.

وَهِيَ فَرضُ كِفَايَةٍ لشِدَّةِ حَاجَتِه، وضَرُورَتهِ إِلَى هَذِه الأُمُورِ، وتجهِيزِه إِلَى رَبّه بأَحسَنِ الأَحْوَالِ مِن تَمامِ النَّظَافَةِ، وشَفَاعَةِ إِخْوَانه المسلِمين ودُعَائهم لَه، وإِكرَامِهِ، واحتِرَامِه الشَّرعيَّاتِ.

وأَمَّا المتعلِّقُ بمخلَّفاتِهِ:

فيتعلَّقُ بِتَرِكتِهِ أربَعَةُ حُقُوقٍ مرتبة:

1-

مُؤَنُ اَلتَّجْهِيز تُقَدَّمُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ.

2-

ثُمّ اَلدُّيُونُ الَّتِي عَلَيهِ.

3-

ثم تنفذ وَصَايَاهُ مِن ثُلُثِه.

4-

ثم يُقَسَّمُ اَلْبَاقِي على وَرَثَتِهِ.

والحمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالمينَ

-

ص: 124