المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدمة الحمد لله الذي اختص بالبقاء والدوام، وكتب على جميع الخليقة - تدارك بقية العمر في تدبير سورة النصر

[سليمان اللاحم]

الفصل: ‌ ‌مقدمة الحمد لله الذي اختص بالبقاء والدوام، وكتب على جميع الخليقة

‌مقدمة

الحمد لله الذي اختص بالبقاء والدوام، وكتب على جميع الخليقة الفناء والزوال، والصلاة والسلام على الهادي البشير، والسراج المنير، وعلى آله وأصحابه خير صحب وآل

أما بعد:

فإن الله عز وجل خلق الخليقة وجعل الموت والحياة للابتلاء والامتحان، كما قال عز وجل {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} 1.

وحكم بأن مصير الخلائق كلها ومردها إليه سبحانه ليجازي كلاً بما عمل كما قال عز وجل: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} 2.

وجعل هذه الحياة الدنيا مزرعة للآخرة، يتزود فيها المؤمن العمل الصالح للدار الآخرة:{يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} 3، وجعل الدار الآخرة دار الجزاء والثواب أو العقاب، وأرسل عز وجل الرسل، وأنزل عليهم الكتب، إرشاداً للخلق وإقامة للحجة عليهم، كما قال عز وجل:{رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} 4.

ولم يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى إلا بعد أن بلغ أمته البلاغ المبين، وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها سواء لا يزيغ عنها إلا هالك وقد أعلمه ربه ـ بأبي هو وأمي ـ صلوات الله وسلامه عليه بدنوّ أجله

1 سورة الملك، آية:2.

2 سورة البقرة، آية:281.

3 سورة الشعراء، الآيتان: 88 ـ 89.

4 سورة النساء، آية:165.

ص: 13

ليكثر من العبادة، وتسبيح الله، وتحميده، واستغفاره استعداداً للقاء ربه ـ وهو الذي غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ـ فكان صلى الله عليه وسلم أكثر ما يكون اجتهاداً في أمر الآخرة استجابة لأمر الله عز وجل له بقوله:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} ولنا فيه صلوات الله وسلامه عليه الأسوة والقدوة. فينبغي للمسلم أن يستعد لهذا اللقاء العظيم، ويزداد استعداداً كلما تقدم به العمر ليتدارك بقية عمره ويعوض عما فاته.

فتدبر أخي الكريم هذه السورة العظيمة التي آذن الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم بدنو أجله ليتهيأ ويستعد للقاء ربه، وتدبر كلام أهل العلم عليها الذي لخصته في هذا الكتاب وسميته “تدارك بقية العمر في تدبر سورة النصر” عسى الله أن ينفعني وإياك بذلك، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتي ووالدي إنه جواد كريم ملك بر رؤوف رحيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 14