الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجلد الأول
مقدمة
…
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد؛ فإن الحديث النبوي الشريف قد استحوذ على هم الصحابة والتابعين وكل العلماء، فما من صغيرة ولا كبيرة، وما من أمر عظيم أو دقيق، حتى ما يتعلق في جزئيات حياته صلى الله عليه وسلم من طعام أو شراب أو قيام أو قعود أو سفر أو حضر أو التفاتة إلا وأحاطوها بالعناية الكبرى فحفظوها وتناقلوها جيلا بعد جيل، وأمة بعد أمة، فالصحابة إذًا هم ذوو الفضل ولهم اليد الكريمة والعظيمة في علم الرواية للحديث حيث وضعوا القوانين والمبادئ التي تحقق ضبط العدل للحديث، ومن هم الرجال الذين يؤخذ عنهم ويُسمع منهم ومن هم الذين يترك كلامهم ولا تقبل منهم روايتهم.
ولقد وضع العلماء لرواة الحديث ألقابا كل حسب درجته وقوة ذكائه وكثرة حفظه وغير ذلك، ومن هذه الألقاب:
1-
المسند: وهو من يروي الحديث بإسناده، سواء كان عنده علم به أو ليس له إلا مجرد الرواية.
2-
المحدث: وهو كما قال ابن سيد الناس: "من اشتغل بالحديث رواية ودراية، وجمع رواة، واطلع على كثير من الرواة والروايات في عصره، وتميز في ذلك حتى عرف فيه خطه واشتهر فيه ضبطه" انظر تدريب الراوي ص11. وقسم الرواة ص197.
3-
الحافظ: وهو أرفع من المحدث وفي تعريفه يقول ابن الجزري: "من روى ما يصل إليه ووعى ما يحتاج لديه".
4-
الحجة: وهو الحافظ العظيم الإتقان والمدقق فيما يحفظ من الأسانيد والمتون تدقيقا بالغا ليصل حينذاك إلى لقب الحجة. أما المتأخرون من العلماء فقد عرفوه بأنه الذي يحفظ ثلاثمائة ألف حديث مع معرفة أسانيدها ومتونها.
5-
الحاكم: وهو الذي أحاط علما بجميع الأحاديث حتى لا يفوته منها إلا اليسير.
6-
أمير المؤمنين في الحديث: وهو الذي فاق حفظا وإتقانا في علم الأحاديث ومن هؤلاء: سفيان الثوري، وعبد الله بن المبارك، وأحمد بن حنبل، والبخاري، ومسلم. أما من المتأخرين فمنهم الحافظ بن علي بن حجر العسقلاني.
ولقد صنف الإمام الذهبي "تذكرة الحفاظ" جمع فيها من لقب بالحفاظ بالمعنى الذي يشمل الحافظ والحجة فما فوق.
الذهبي:
هو الحافظ محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز بن عبد الله، التركماني الأصل، الفارقي ثم الدمشقي، أبو عبد الله شمس الدين الذهبي.
هكذا ذكر نسبه الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه "الدرر الكامنة" ويذكر لمحات عن حياته فيقول:
ولد في ثالث ربيع الآخر سنة 673، وأجاز له في تلك السنة بعناية أخيه من الرضاعة الشيخ علاء الدين ابن العطار أحمد بن أبي الخير وابن الدرجي وابن علان وابن أبي اليسر وابن أبي عمر والفخر علي.
مهر في فن الحديث وجمع فيه المجاميع المفيدة الكثيرة حتى كان أكثر أهل عصره تصنيفا، فله:
أخبار أبي مسلم الخراساني، أخبار قضاة دمشق، الإعلام بالوفيات، تاريخ الإسلام في اثني عشر مجلدا، التبيان في مناقب عثمان بن عفان، التجريد في أسماء الصحابة، تحريم الأدبار مجلدين، تشبيه الخسيس بأهل الخميس، التعزية الحسنة بالآخرة، تقويم البلدان، توقيف أهل التوقيف في مناقب أبي بكر الصديق، تهذيب التهذيب في أسماء الرجال، الدرة اليتيمة في سيرة ابن تيمية أعني تقي الدين أحمد، دول الإسلام في التاريخ. الروع والأوجال في نبأ المسيح والدجال، سيرة الحلاج، سير النبلاء في التاريخ والتراجم في عشرين مجلدا، العبر في خبر من غبر، العذب السلسل في الحديث المسلسل، العلو للعلي الأعلى الغفار في إيضاح الأخبار، عنوان السير في ذكر الصحابة، فتح المطالب في مناقب علي بن أبي طالب، قض نهارك بأخبار ابن مبارك، الكاشف في أسماء الرجال، المقتضب من تهذيب الكمال للمزي، كتاب العرش وصفته، كتاب الكبائر جزآن، كتاب الوتر، كشف الكربة عند فقد الأحبة، ما بعد الموت مجلد، المجرد في رجال الكتب الستة المختصر في محدثي العصر، مختصر سلاح المؤمن، مختصر معجم الشيوخ، المستحلى في اختصار المحلى، مشتبه النسبة في الأنساب، المعجم الصغير المسمى
باللطيف، المعجم الكبير، معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار، المغني في الضعفاء وبعض الثقات، المقتنى في سرد الكنى، منية الطالب لأعز المطالب، ميزان الاعتدال في نقد الرجال مجلدين مطبوع في الهند، نعم السمر في مناقب عمر رضي الله عنه، نقض الجعبة في أخبار شعبة، هالة البدر في عدد أهل بدر وغير ذلك1.
رأي العلماء في الإمام الذهبي:
يقول تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى "9/ 201، 102": "وأما أستاذنا أبو عبد الله، فبَصَر لا نظير له، وكنز هو الملجأ إذا نزلت المعضلة، إمام الوجود حفظا، وذَهَبُ العصر معنى ولفظا، وشيخ الجرح والتعديل، ورجل الرجال في كل سبيل، كأنما جمعت الأمة في صعيد واحد فنظرها ثم أخذ يخبر عنها أخبار من حضرها".
ثم يقول أيضا:
"وسمع منه الجمع الكثير، وما زال يخدم هذا الفن إلى أن رسخت فيه قدمه، وتعب الليل والنهار وما تعب لسانه وقلمه، وضربت باسمه الأمثال، وسار اسمه مسير الشمس إلا أنه لا يتقلص بالمطر، ولا يدبر إذا أقبلت الليال""9/ 103".
ويقول ابن كثير في "البداية والنهاية""14/ 255":
"وقد ختم به شيوخ الحديث وحفاظه".
ويقول ابن شاكر الكتبي في "فوات الوفيات""2/ 370":
"حافظ لا يجارى، ولاحظ لا يبارى، أتقن الحديث ورجاله، ونظر علله وأحواله، وعرف تراجم الناس وأبان الإبهام في تواريخهم والإلباس. جمع الكثير، ونفع الجم الغفير، وأكثر من التصنيف، ووفر بالاختصار مؤنة التطويل في التأليف".
ويذكر ابن حجر مدح الصلاح الصفدي له فيقول:
"لم يكن عنده جمود المحدثين ولا كودنة "بلادة" النقلة، بل كان فقيه النفس، له دربة بأقوال الناس".
أما في نهاية حياته فيقول الإمام ابن حجر:
"وكان قد أضر قبل موته بسنوات، وكان يغضب إذا قيل له لو قدحت عينك لأبصرت؛ لأنه كان نزل فيها ماء، ويقول: ليس هذا ماء أنا ما زلت أعرف بصري ينقص قليلا قليلا إلى أن تكامل عدمه". ومات في ليلة الثالث من ذي القعدة سنة 748هـ".
1 انظر هدية العارفين "2/ 154، 155".