الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ما جاء في سورة الفرقان من تعجب المشركين من كون النبي صلى الله عليه وسلم بشراً من البشر وما جاء من تعجيزهم له، وما جاء من رد الله تعالى عليهم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
يخبر الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات عن المشركين الذين تعجبوا من كونه صلى الله عليه وسلم بشراً من البشر، وأنه يأكل الطعام، وأنه يمشي في الأسواق، قال تعالى:{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} [الفرقان:7]، فهم يعجبون من حاله صلوات الله وسلامه عليه، ويطلبون أن ينزل إليه من السماء ملك ليكون منذراً مع النبي صلوات الله وسلامه عليه، أو يلقى إليه كنز، أو تكون له جنة يأكل منها، وهذا من باب التعنت معه صلوات الله وسلامه عليه.
فهم لا يريدون أن يسمعوا له عليه الصلاة والسلام، ولا يريدون أن يتبعوه في دينه، إنما يريدون وضع العوائق والعقبات أمام دعوته صلوات الله وسلامه عليه، فهم يقولون: إذا كنت تريد أن نقبل منك، فاجعل ملكاً ينزل ويمشي معك في الأرض كي نعرف أنك صادق فنتبعك، أو ينزل عليك كنز من السماء كي نصبح أغنياء، أو يكون لك بستان كبير واسع، وتأكل من هذا البستان، وفي هذه الحالة نعرف أنك رسول حق.
وهكذا نظروا إلى أشياء مادية على وجه التعنت، وإلا فالتحدي قائم بهذا القرآن على أن يأتوا بكتاب مثله، أو يأتوا بعشر سور مثله مفتريات، أو بسورة من مثله، ولم يقدروا على ذلك، فانصرفوا عن قبول هذا التحدي، إلى وضع العقبات أمامه صلى الله عليه وسلم، وكأنهم يقولون: لا، لن نقبل منك دعوتك، إلا أن تستجيب لنا في ذلك.
قال تعالى: {وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} [الفرقان:8]، أي: تتبعون رجلاً ساحراً، أو رجلاً كغيره من البشر له سحر، يعني: له رئة، يتنفس كما تتنفسون، وله صدر وبطن ويأكل الطعام، فلا ينفع ذلك في أن يكون رسولاً من الرسل عليه الصلاة والسلام.
هذا الذي قالوه مع علمهم اليقين بأن إبراهيم كان نبياً عليه الصلاة والسلام، وكان بشراً من البشر، وكان يأكل الطعام، وكان يكنى بأبي الضيفان، عليه الصلاة والسلام، فهم يعرفون ذلك، ولكن المقصد من كلامهم التعنت معه صلى الله عليه وسلم ورد ما جاء به.
فقال الله مكذباً لهم، ومعجباً له من فعلهم:{انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ} [الفرقان:9]، أي: أنظر إلى تعنتهم وإلى كلامهم الباطل، وإلى هذا الهراء الذي يزعمونه، قال سبحانه:{انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} [الفرقان:9]، أي انظر كيف ضربوا لك هذه الأمثال التي يقولونها؛ ليتوصلوا إلى الباطل وليس إلى الحق، فيا للعجب من ذلك؛ لأن الأصل في ضرب المثل: أن يضرب لتقريب المعنى، ولإحقاق الحق، أما ضرب الأمثلة لإبطال الحق، فهذا من العجب، فاعجب لهم، فإنهم يتعجبون من غير عجب، ولكن اعجب لما يقولونه من أشياء باطلة، قال تعالى:{فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} [الفرقان:9]، أي: لا يستطيعون للوصول إلى الحق سبيلاً، أو إلى تصحيح ما يقولونه.
قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ} [الفرقان:10]، أي: كثرت بركته، تبارك وتعالى وتقدس وتمجد سبحانه وتعالى، الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك، وهذه الأشياء التي يطلبونها هي أشياء يسيرة جداً أمام الله سبحانه، لا قيمة لها، فهو سبحانه إن شاء جعل لك خيراً من ذلك جنات وليس بستاناً واحداً فقط ولا جنة تأكل منها، بل يجعل لك جنات كثيرات، فلو كان الأمر على ذلك لجعل لك تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصوراً، وليس بيتاً من حجر، وليس خيمة، وليس بيتاً من طوب، ولكن قصوراً عظيمة كبيرة، قال تعالى:{وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} [الفرقان:10].
وقوله تعالى: {وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} [الفرقان:10]، هذه قراءة الجمهور بالإدغام على أنها مجزومة، وقراءة ابن كثير وابن عامر وشعبة عن عاصم:(ويجعلُ لك قصوراً) على الرفع والاستئناف، أي: أن الله قادر على أن يجعل لك ذلك، قال:{وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} [الفرقان:10].