الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الصلاة
هي شرعا: أقوال وأفعال مخصوصة، مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم وسميت بذلك لاشتمالها على الصلاة لغة، وهي الدعاء.
والمفروضات العينية خمس في كل يوم وليلة، معلومة من الدين بالضرورة،
ــ
باب الصلاة
الباب معناه لغة: فرجعة في ستائر يتوصل منها من داخل إلى خارج.
واصطلاحا: اسم لجملة مخصوصة دالة على معان مخصوصة، مشتملة على فصول وفروع ومسائل غالبا.
والفصل معناه لغة: الحاجز بين الشيئين.
واصطلاحا: اسم لألفاظ مخصوصة مشتملة على فروع ومسائل غالبا.
والفرع لغة: ما انبنى على غيره، ويقابله الأصل.
واصطلاحا: اسم لألفاظ مخصوصة مشتملة على مسائل غالبا.
والمسألة لغة: السؤال.
واصطلاحا: مطلوب خبري يبرهن عليه في العلم.
والحاصل
عندهم لفظ كتاب، وهو لغة: الضم والجمع.
واصطلاحا: اسم لجملة مخصوصة مشتملة على أبواب وفصول وفروع ومسائل غالبا.
ولفظ باب ولفظ فصل ولفظ فرع ولفظ مسألة، ومعانيها ما ذكر.
وعندهم أيضا لفظ تنبيه، ومعناه لغة: الإيقاظ.
واصطلاحا: عنوان البحث اللاحق الذي تقدمت له إشارة في الكلام السابق بحيث يفهم منه إجمالا.
ولفظ خاتمة، وهي لغة: آخر الشئ.
واصطلاحا: اسم لألفاظ مخصوصة جعلت آخر كتاب أو باب.
ولفظ تتمة: وهي ما تمم به الكتاب أو الباب وهو قريب من معنى الخاتمة.
واعلم، رحمك الله تعالى، إن الغرض من بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام انتظام أحوال الخلق في المعاش والمعاد، ولا تنتظم أحوالهم إلا بكمال قواهم الإدراكية وقواهم الشهوانية وقواهم الغضبية.
فوضعوا لكمال قواهم الإدراكية ربع العبادات، ولقواهم الشهوانية البطنية ربع المعاملات، ولقواهم الشهوانية الفرجية ربع النكاح، ولقواهم الشهوانية الغضبية ربع الجنايات، وختموها بالعتق رجاء العتق من النار.
وقدموا ربع العبادات لشرفها بتعلقها بالخالق، ثم المعلامات لأنها أكثر وقوعا.
ورتبوا العبادات على ترتيب حديث: بني الإسلام على خمس
…
الحديث.
وإنما بدأ كتابه بالصلاة - وخالف المتقدمين والمتأخيرين في تقديمهم في كتبهم كتاب الطهارة وما يتعلق بها من وسائلها ومقاصدها - اهتماما بها، إذ هي أهم أحكام الشرع وأفضل عبادات البدن بعد الشهادتين.
(قوله: شرعا أقوال وأفعال الخ) واعترض هذا التعريف بأنه غير مانع لدخول سجدتي التلاوة والشكر مع أنهما ليسا من أنواع الصلاة، وغير جامع لخروج صلاة الأخرس والمريض والمربوط على خشبة، فإنها أقوال من غير أفعال في الآخرين، وأفعال من غير أقوال في الأول.
وأجيب عن الأول بأن المراد بالأفعال المخصوصة ما يشمل الركوع والاعتدال، فيخرجان حينئذ بقيد مخصوصة.
وأجيب عن الثاني بأن المراد بقوله: أقوال وأفعال ما يشمل الحكمية، أو يقال: أن صلاة من ذكر نادرة فلا ترد عليه.
(قوله: وسميت) أي الأقوال والأفعال وقوله: بذلك أي بلفظ الصلاة.
(قوله: خمس) وذلك لخبر الصحيحين: فرض الله على أمتي ليلة الإسراء خمسين صلاة، فلم أزل أراجعه
فيكفر جاحدها.
ولم تجتمع هذه الخمس لغير نبينا محمد (ص)، وفرضت ليلة الاسراء بعد النبوة بعشر سنين وثلاثة أشهر، ليلة سبع وعشرين من رجب، ولم تجب صبح يوم تلك الليلة لعدم العلم بكيفيتها.
(إنما تجب المكتوبة) أي الصلوات الخمس (على) كل (مسلم مكلف) أي بالغ عاقل، ذكر أو غيره، (طاهر) فلا تجب على كافر أصلي وصبي ومجنون ومغمى عليه وسكران بلا تعد، لعدم تكليفهم، ولا على حائض ونفساء لعدم صحتها منهما، ولا قضاء عليهما.
بل تجب على مرتد ومتعد بسكر (ويقتل) أي (المسلم)
ــ
وأسأله التخفيف حتى جعلها خمسا في كل يوم وليلة، وقوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: أخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة.
والحكمة في كون المكتوبات سبع عشرة ركعة أن زمن اليقظة من اليوم والليلة سبع عشرة ساعة غالبا، اثنا عشر في النهار، ونحو ثلاث ساعات من الغروب، وساعتين من قبيل الفجر، فجعل لكل ساعة ركعة جبرا لما يقع فيها من التقصير.
(قوله: ولم تجتمع هذه الخمس لغير نبينا محمد) أي بل كانت متفرقة في الأنبياء.
فالصبح
صلاة آدم، والظهر صلاة داود، والعصر صلاة سليمان، والمغرب صلاة يعقوب، والعشاء صلاة يونس، كما سيذكره الشارح في مبحث أوقات الصلاة عن الرافعي.
(قوله: وفرضت ليلة الإسراء) والحكمة في وقوع فرضها تلك الليلة أنه صلى الله عليه وسلم لما قدس ظاهرا وباطنا، حيث غسل بماء زمزم، وملئ بالإيمان والحكمة، ومن شأن الصلاة أن يتقدمها الطهر، ناسب ذلك أن تفرض فيها.
ولم تكن قبل الإسراء صلاة مفروضة إلا ما وقع الأمر به من قيام الليل من غير تحديد.
وذهب بعضهم إلى أنها كانت مفروضة، ركعتين بالغداة، وركعتين بالعشي.
ونقل الشافعي عن بعض أهل العلم أنها كانت مفروضة ثم نسخت.
اه بجيرمي بتصرف.
(قوله: لعدم العلم بكيفيتها) أي وأصل الوجوب كان معلقا على العلم بالكيفية.
وهنا توجيه آخر لعدم وجوب صبح ذلك اليوم، وهو أن الخمس إنما وجبت على وجه الابتداء بالظهر، أي أنها وجبت من ظهر ذلك اليوم.
اه سم بتصرف.
(قوله: إنما تجب المكتوبة) شروع في بيان من تجب عليه الصلاة وما يترتب عليه إذا تركها.
(قوله: على كل مسلم) أي ولو فيما مضى، فدخل المرتد.
(قوله: أي بالغ) سواء كان بالسن، أو بالاحتلام، أو بالحيض.
(قوله: فلا تجب على كافر) تفريع على المفهوم، والمنفي إنما هو وجوب المطالبة منا بها في الدنيا، فلا ينافي أنها تجب عليه وجوب عقاب عليها في الدار الآخرة عقابا زائدا على عقاب الكفر لأنه مخاطب بفروع الشريعة، وذلك لتمكنه منها بالإسلام، ولنص: * (لم نك من المصلين) * وإنما لم يجب القضاء عليه إذا أسلم ترغيبا له في الإسلام، ولقوله تعالى: * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) * (قوله: بلا تعد) قيد في المجنون والمغمى عليه والسكران، وإن كان ظاهر كلامه أنه قيد في الأخير، فإن حصل منهم تعد وجب عليهم قضاؤها، لأنهم بتعديهم صاروا في حكم المكلفين، فكأنه توجه عليهم الأداء فوجب القضاء نظرا لذلك.
(قوله: بل تجب على مرتد) أي فيلزمه قضاء ما فاته فيها بعد إسلامه تغليظا عليه، ولأنه التزمها بالإسلام، فلا تسقط عنه بالجحود كحق الآدمي.
(قوله: ومتعد بسكر) أي أو جنون أو إغماء، لما تقدم آنفا.
(قوله: ويقتل إلخ) لخبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله.
واعلم أن الفقهاء اختلفوا في موضع ذكر حكم تارك الصلاة، فمنهم من ذكره عقب فصل المرتد، لمناسبته له من جهة أنه يكون حكمه حكم المرتد إذا تركها جاحدا لوجوبها.
ومنهم من ذكره عقب الجنائز، لمناسبته لها من جهة أنه إذا قتل يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، إن كان تركها كسلا.
وهذه الأمور تذكر في الجنائز.
ومنهم من ذكره قبلها، كالنووي في منهاجه، وكشيخ الإسلام في منهجه، ليكون كالخاتمة لكتاب الصلاة.
ومنهم من ذكره قبل الأذان، لمناسبة ذكر
حكم تركها الذي هو التحريم، بعد ذكر حكم فعلها الذي هو الوجوب.
والمؤلف رحمه الله تعالى اختار هذا الأخير لما ذكر.
المكلف الطاهر حدا بضرب عنقه (إن أخرجها) أي المكتوبة، عامدا (عن وقت جمع) لها، إن كان كسلا مع اعتقاد وجوبها (إن لم يتب) بعد الاستتابة، وعلى ندب الاستتابة لا يضمن من قتله قبل التوبة لكنه يأثم.
ويقتل كفرا إن تركها جاحدا وجوبها، فلا يغسل ولا يصلى عليه.
(ويبادر) من مر (بفائت) وجوبا، إن فات بلا عذر، فيلزمه القضاء فورا.
قال شيخنا أحمد بن حجر رحمه الله تعالى: والذي يظهر أنه يلزمه صرف
ــ
وقوله: أي المسلم أي سواء كان عالما أو جاهلا غير معذور بجهله لكونه بين أظهرنا.
(قوله: حدا) أي يقتل حال كون قتله حدا، أي لا كفرا.
واستشكل كونه حدا بأن القتل يسقط بالتوبة والحدود لا تسقط بالتوبة.
وأجيب بأن المقصود من هذا القتل الحمل على أداء ما توجه عليه من الحق وهو الصلاة، فإذا أداه بأن صلى سقط لحصول المقصود، بخلاف سائر الحدود فإنها وضعت عقوبة على معصية سابقة فلا تسقط بالتوبة.
وقوله: بضرب عنقه، أي بنحو السيف.
ولا يجوز قتله بغير ذلك، لخبر: إذا قتلتم فأحسنوا القتلة.
واعلم أنه إذا قتل من ذكر يكون حكمه حكم المسلمين في الغسل والتكفين والصلاة عليه والدفن في مقابر المسلمين.
(قوله: أي المكتوبة) ومثل ترك المكتوبة ترك الطهارة لها، لأن ترك الطهارة بمنزلة ترك الصلاة.
ومثل الطهارة الأركان وسائر الشروط التي لا خلاف فيها أو فيها خلاف واه، بخلاف القوي.
فلو ترك النية في الوضوء أو الغسل أو مس الذكر أو لمس المرأة وصلى متعمدا لم يقتل، كما لو ترك فاقد الطهورين الصلاة لأن جواز صلاته مختلف فيه.
(قوله: عامدا) خرج به ما إذا أخرجها ناسيا فلا يقتل لعذره، ومثل النسيان: ما لو أبدى عذرا في التأخير كشدة برد أو جهل يعذر به أو نحوهما من الأعذار الصحيحة أو الباطلة.
(قوله: عن وقت جمع لها) أي فلا يقتل بالظهر حتى تغرب الشمس، ولا بالمغرب حتى يطلع الفجر، هذا إن كان لها وقت جمع وإلا فيقتل بخروج وقتها، كالصبح فإنه يقتل فيها بطلوع الشمس، وفي العصر بغروبها، وفي العشاء بطلوع الفجر، فيطالب بأدائها إن ضاق الوقت ويتوعد بالقتل إن أخرجها عن وقتها بأن نقول له عند ضيق الوقت: صل فإن صليت تركناك وإن أخرجتها عن الوقت قتلناك.
وظاهر أن المراد بوقت الجمع في الجمعة ضيق وقتها عن أقل ممكن من الخطبة والصلاة لأن وقت العصر ليس وقتا لها.
(قوله: إن كان كسلا) أي يقتل حدا إن كان إخراجه لها كسلا أي تهاونا وتساهلا بها.
وقوله: مع اعتقاد وجوبها سيأتي محترزه.
(قوله: إن لم يتب) أي بأن لم يمتثل أمر الإمام أو نائبه ولم يصل.
وقوله: بعد الاستتابة أي بعد طلب التوبة منه.
واختلف فيها، فقيل إنها مندوبة، وقيل إنها واجبة، والمعتمد الأول.
ويفرق بينه وبين المرتد، حيث وجبت استتابته بأن تركها فيه يوجب تخليده في النار - إجماعا - بخلاف هذا ويوجد في بعض النسخ الخطية بعد قوله الاستتابة ما نصه: ندبا، وقيل واجبا، وهو الموافق لقوله بعد: وعلى ندب الخ.
(قوله: وعلى ندب الاستتابة لا يضمن الخ) قال سم: مفهومه أن يضمنه على الوجوب.
ثم نقل عبارة شرح البهجة واستظهر منها عدم الضمان - حتى على القول بالوجوب - لأنه استحق القتل، فهو مهدر بالنسبة لقاتله الذي ليس هو
مثله.
اه.
(قوله: ويقتل) أي تارك الصلاة.
فالضمير يعود على معلوم من المقام، ويصح عودة على المسلم المتقدم.
ووصفه بالإسلام مع الحكم عليه بالكفر بسبب جحده وجوبها باعتبار ما كان.
وقوله: كفرا، أي لكفره بجحده وجوبها فقط، لا به مع الترك.
إذ الجحد وحده مقتض للكفر لإنكاره ما هو معلوم من الدين بالضرورة.
وقوله: إن تركها أي بأن لم يصلها حتى خرج وقتها، أولم يصلها أصلا.
(وقوله: جاحدا وجوبها) مثله جحد وجوب ركن مجمع عليه منها، أو فيه خلاف واه.
(قوله: فلا يغسل ولا يصلى عليه) أي ولا يدفن في مقابر المسلمين لكونه كافرا.
(قوله: ويبادر من مر) أي المسلم المكلف الطاهر.
وقوله: بفائت أي بقضائه.
(قوله: والذي يظهر أنه) أي من عليه فوائت فاتته بغير عذر.
جميع زمنه للقضاء ما عدا ما يحتاج لصرفه فيما لا بد منه، وأنه يحرم عليه التطوع، ويبادر به - ندبا - إن فات بعذر كنوم لم يتعد به ونسيان كذلك.
(ويسن ترتيبه) أي الفائت، فيقضي الصبح قبل الظهر، وهكذا.
(وتقديمه على حاضرة لا يخاف فوتها) إن فات بعذر، وإن خشي فوت جماعتها - على المعتمد -.
وإذا فات بلا عذر فيجب تقديمه عليها.
أما إذا خاف فوت الحاضرة بأن يقع بعضها - وإن قل - خارج الوقت فيلزمه البدء بها.
ويجب تقديم ما فات بغير عذر على ما فات بعذر.
وإن فقد الترتيب لانه سنة والبدار واجب.
ــ
(قوله: ما عدا ما يحتاج لصرفه فيما لا بد له منه) كنحو نوم، أو مؤنة من تلزمه مؤنته، أو فعل واجب آخر مضيق يخشى فوته.
(قوله: وأنه يحرم عليه التطوع) أي مع صحته، خلافا للزركشي.
(قوله: ويبادر به) أي بالقضاء وقوله: إن فات أي الفائت.
(قوله: كنوم لم يتعد به) بخلاف ما إذا تعدى، بأن نام في الوقت وظن عدم الاستيقاظ، أو شك فيه، فلا يكون عذرا.
وقوله: ونسيان كذلك أي لم يتعد به، وأما إن تعدى به بأن نشأ عن منهي عنه - كلعب شطرنج مثلا - فلا يكون عذرا.
(قوله: ويسن ترتيبه) أي إن فات بعذر، بدليل قوله: بعد، ويجب تقديم ما فات بغير عذر على ما فات بعذر، وكان عليه أن يذكر هذا القيد هنا كما ذكره فيما بعد.
والتقييد بما ذكر هو ما جرى عليه شيخه ابن حجر.
واعتمد م ر سنية ترتيب الفوائت مطلقا، فاتت كلها بعذر أو بغيره، أو بعضها بعذر وبعضها بغير عذر.
(قوله: وتقديمه) أي ويسن تقديمه، أي الفائت، لحديث الخندق: أنه صلى الله عليه وسلم صلى يوم العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب.
(قوله: إن فات بعذر) راجع لسنية التقديم، وسيذكر محترزه.
وقوله: وإن خشي فوت جماعتها، أي الحاضرة.
(قوله: أما إذا خاف فوت الحاضرة الخ) قال في النهاية: وتعبيره بالفوات يقتضي استحباب الترتيب أيضا إذا أمكنه إدراك ركعة من الحاضرة لأنها لم تفت.
وبه جزم في الكفاية، واقتضاه كلام المحرر والتحقيق والروض، وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى للخروج من خلاف وجوب الترتيب، إذ هو خلاف في الصحة كما تقدم، وإن قال الأسنوي أن فيه نظرا لما فيه من إخراج بعض الصلاة عن الوقت، وهو ممتنع.
والجواب عن ذلك أن محل تحريم إخراج بعضها عن وقتها في غير هذه الصورة.
اه.
(قوله: بأن يقع بعضها إلخ) صورة فوت الحاضرة بوقوع بعضها وإن قل خارج الوقت.
وهو ما جرى عليه ابن حجر، وخلاف ما جرى عليه الرملي كما يعلم من عبارته السابقة.
والحاصل: إذا علم لو قدم الفائتة يخرج بعض الحاضرة عن الوقت لزمه تقديم الحاضرة عند ابن حجر، لحرمة إخراج بعضها عن الوقت، واستحب له تقديم الفائتة عند م ر، للخروج من خلاف من أوجب الترتيب.
وإذا علم أنه لو قدمها يدرك دون ركعة من الحاضرة في الوقت فباتفاقهما يجب تقديم الحاضرة.
(قوله: وإن فقد الترتيب) يفيد فيمن فاته الظهر والعصر بعذر، والمغرب والعشاء بغير عذر، وجوب تقديم الأخيرين عليهما.
وهو مخالف لما مشى عليه الرملي من استحباب
ويندب تأخير الرواتب عن الفوائت بعذر، ويجب تأخيرها عن الفوائت بغير عذر.
(تنبيه) من مات وعليه صلاة فرض لم تقض ولم تفد عنه، وفي قول أنها تفعل عنه - أوصى بها أم لا ما حكاه العبادي عن الشافعي لخبر فيه، وفعل به السبكي عن بعض أقاربه.
(ويؤمر) ذو صبا ذكر أو انثى (مميز) بأن صار يأكل ويشرب ويستنجي وحده.
أي يجب على كل من أبويه وإن علا، ثم الوصي.
وعلى مالك الرقيق أن يأمر (بها) أي الصلاة، ولو قضاء، وبجميع شروطها (لسبع) أي بعد سبع من السنين، أي عند تمامها، وإن ميز قبلها.
وينبغي مع صيغة الامر التهديد.
(ويضرب) ضربا غير مبرح - وجوبا - ممن ذكر (عليها) أي على تركها - ولو قضاء - أو ترك شرط من شروطها (لعشر) أي بعد استكمالها، للحديث الصحيح: مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها.
(كصوم أطاقه) فإنه يؤمر به لسبع ويضرب عليه لعشر كالصلاة.
وحكمة ذلك التمرين على العبادة ليتعودها فلا يتركها.
ــ
تقديم الأول فالأول مطلقا.
(قوله: لأنه سنة والبدار واجب) القائل باستحبابه مطلقا يقول: الترتيب المطلوب لا ينافي البدار لأنه مشتغل بالعبادة وغير مقصر، كما أن تقديم راتبة المقضية القبلية عليها لا ينافي البدار الواجب.
(قوله: تنبيه: من مات إلخ) ذكر الشارح هذا المبحث في باب الصوم بأبسط مما هنا، ويحسن أن نذكره هنا تعجيلا للفائدة.
ونص عبارته هناك: (فائدة) من مات وعليه صلاة فلا قضاء ولا فدية.
وفي قول - كجمع مجتهدين - أنها تقضى عنه لخبر البخاري وغيره، ومن ثم اختاره جمع من أئمتنا، وفعل به السبكي عن بعض أقاربه.
ونقل ابن برهان عن القديم أنه يلزم الولي إن خلف تركة أن يصلى عنه، كالصوم.
وفي وجه - عليه كثيرون من أصحابنا - أنه يطعم عن كل صلاة مدا.
وقال المحب الطبري: يصل للميت كل عبادة تفعل، واجبة أو مندوبة.
وفي شرح المختار لمؤلفه: مذهب أهل السنة، إن للإنسان أن يجعل ثواب عمله وصلاته لغيره ويصله.
اه.
وقوله: لم تقض ولم تفد عنه وعند الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه: تفدى عنه إذا أوصى بها ولا تقضى عنه.
ونص عبارة الدر مع الأصل: ولو مات وعليه صلوات فائتة، وأوصى بالكفارة، يعطى لكل صلاة نصف صاع من بر كالفطرة، وكذا حكم الوتر والصوم.
وإنما يعطى من ثلث ماله، ولو لم يترك مالا يستقرض وارثه نصف صاع مثلا ويدفعه للفقير ثم يدفعه الفقير للوارث، ثم وثم حتى يتم.
ولو قضاها وارثه بأمره لم يجز لأنها عبادة بدنية.
اه.
وكتب العلامة الشامي ما نصه: قوله: يستقرض وارثه نصف صاع أي أو قيمة ذلك.
اه.
(قوله: بأن صار يأكل إلخ) هذا أحسن ما قيل في ضابط المميز.
وقيل: أن يعرف يمينه من شماله.
وقيل: أن يفهم الخطاب ويرد الجواب.
والمراد بمعرفة يمينه من شماله معرفة ما يضره وينفعه.
ويوافق التفسير الثاني خبر أبي دواد أنه صلى الله عليه وسلم سئل: متى يؤمر الصبي بالصلاة؟ فقال: إذا عرف يمينه من شماله.
أي ما يضره مما ينفعه.
اه ع ش بتصرف.
(قوله: أي يجب على كل من أبويه وإن علا) أي ولو من جهة الأم.
والوجوب كفائي فيسقط بفعل أحدهما: لأنه من الأمر بالمعروف، ولذا خوطبت به الأم ولا ولاية لها.
(قوله: التهديد) أي إن احتيج إليه.
اه سم.
(قوله: غير مبرح) بكسر الراء المشددة، أي مؤلم.
قال ع ش: أي وإن كثر.
خلافا لما نقل عن ابن سريج من أنه لا يضرب فوق ثلاث ضربات، أخذا من حديث: غط جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات في ابتداء الوحي.
اه.
ولو لم يفد إلا المبرح تركهما وفاقا لابن عبد السلام، وخلافا لقول البلقيني: يفعل غير المبرح
وبحث الاذرعي في قن صغير كافر نطق بالشهادتين أنه يؤمر ندبا بالصلاة والصوم، يحث عليهما من غير ضرب ليألف الخير بعد بلوغه، وإن أبى القياس ذلك.
انتهى.
ويجب أيضا على من مر نهيه عن المحرمات وتعليمه الواجبات، ونحوها من سائر الشرائع الظاهرة، ولو سنة كسواك، وأمره بذلك.
ولا ينتهي وجوب ما مر
على من مر إلا ببلوغه رشيدا، وأجرة تعليمه ذلك - كالقرآن والآداب - في ماله ثم على أبيه ثم على أمه.
(تنبيه) ذكر السمعاني في زوجة صغيرة ذات أبوين أن وجوب ما مر عليهما فالزوج، وقضيته وجوب ضربها.
وبه - ولو في الكبيرة - صرح جمال الاسلام البزري.
قال شيخنا: وهو ظاهر إن لم يخش نشوزا.
وأطلق الزركشي الندب.
ــ
كالحد.
اه تحفة.
(قوله: وبحث الأذرعي الخ) عبارة التحفة: نعم، بحث الأذرعي في قن صغير لا يعرف إسلامه أنه لا يؤمر بها، أي وجوبا، لاحتمال كفره، ولا ينهى عنها لعدم تحقق كفره.
والأوجه ندب أمره ليألفها بعد البلوغ.
واحتمال كفره إنما يمنع الوجوب فقط.
اه.
وفي ع ش ما نصه: قال الشهاب الرملي في حواشي شرح الروض: إنه يجب أمره بها نظرا لظاهر الإسلام.
ومثله في الخطيب على المنهاج.
أي ثم إن كان مسلما في نفس الأمر صحت صلاته وإلا فلا.
وينبغي أيضا أنه لا يصح الاقتداء به.
اه.
وقوله: وإن أبى القياس ذلك.
أي ندب الأمر، لأنه كافر احتمالا.
(قوله: ويجب أيضا على من مر) أي من الأبوين والوصي ومالك الرقيق، ومثلهم الملتقط والمودع والمستعير، فالإمام فصلحاء المسلمين.
(قوله: وتعليمه الواجبات) أي كالصلاة والصوم والزكاة والحج، وما يتعلق بها من الأركان والشروط.
(قوله: ولو سنة كسواك) وخالف في شرح الروض عن المهمات في ذلك فقال: المراد بالشرائع ما كان في معنى الطهارة والصلاة كالصوم ونحوه، لأنه المضروب على تركه.
وذكر نحوه الزركشي.
اه.
ثم رأيت في شرح العباب ذكر أن ظاهر كلام القمولي الضرب على السنن.
اه سم بتصرف.
(قوله: وجوب ما مر) أي من الأمر والضرب على من مر، أي كل من الأبوين، الخ.
(قوله: في ماله) أي الصبي، ولا يجب ذلك على الأب والأم.
ومعنى أن الوجوب في ماله ثبوتها في ذمته ووجوب إخراجها من ماله على وليه، فإن بقيت إلى كماله لزمه إخراجها وإن تلف المال.
(قوله: ذكر السمعاني الخ) حاصل ما ذكره أنه يجب على الأبوين ما مر، أي من نحو التعليم والضرب للزوجة الصغيرة، فإن فقدا فالوجوب على الزوج.
(قوله: وبه إلخ) أي وبوجوب الضرب، ولو في الزوجة الكبيرة، صرح جمال الإسلام البزري، قال في التحفة في فصل التعزيز: وبحث ابن البزري - بكسر الموحدة - أنه يلزمه أمر زوجته بالصلاة في أوقاتها وضربها عليها.
وهو متجه حتى في وجوب ضرب المكلفة، لكن لا مطلقا بل إن توقف الفعل عليه ولم يخش أن يترتب عليه مشوش للعشرة يعسر تداركه.
اه.
(قوله: إن لم يخش نشوزا) قال في شرح العباب: بخلاف ما لو خشي ذلك لما فيه من الضرر عليه.
اه.
(قوله: وأطلق الزركشي الندب) أي أنه جري على ندب ضربها مطلقا
(وأول واجب) حتى على الامر بالصلاة كما قالوا (على الآباء) ثم على مر من (تعليمه) أي المميز (أن نبينا محمدا (ص) بعث بمكة) وولد بها (ودفن بالمدينة) ومات بها.
ــ
خشي نشوزا أم لا.
(قوله: وأول واجب إلخ) يعني أن أول ما يجب تعليمه للصبي أن نبينا صلى الله عليه وسلم إلخ، ويكون ذلك مقدما على
الأمر بالصلاة.
قال في التحفة: يجب تعليمه ما يضطر إلى معرفته من الأمور الضرورية التي يكفر جاحدها ويشترك فيها العام والخاص، ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بمكة ودفن بالمدينة، كذا اقتصروا عليهما.
وكأن وجهه أن إنكار أحدهما كفر، لكن لا ينحصر الأمر فيهما.
وحينئذ فلا بد أن يذكر له من أوصافه صلى الله عليه وسلم الظاهرة المتواترة ما يميزه ولو بوجه، ثم ذينك.
وأما مجرد الحكم بهما قبل تمييزه بوجه فغير مفيد، فيجب بيان النبوة والرسالة وأن محمدا الذي هو من قريش واسم أبيه كذا واسم أمه كذا وبعث ودفن بكذا نبي الله ورسوله إلى الخلق كافة.
ويتعين أيضا ذكر لونه، ثم أمره بها، أي الصلاة ولو قضاء.
اه.
والحاصل: يجب على الآباء والأمهات أن يعلموا أبناءهم جميع ما يجب على المكلف معرفته، كي يرسخ الإيمان في قلوبهم ويعتادوا الطاعات، كتعليمهم ما يجب لمولانا عزوجل، وما يستحيل، وما يجوز.
وجملة ذلك إحدى وأربعون عقيدة فأولها الوجود، ويستحيل عليه العدم.
والثاني القدم، ومعناه لا أول لوجوده، ويستحيل عليه الحدوث.
والثالث البقاء، ومعناه الذي لا آخر لوجوده، ويستحيل عليه الفناء.
والرابع مخالفته تعالى للحوادث في ذاته وصفاته وأفعاله، ويستحيل عليه المماثلة.
والخامس قيامه تعالى بالنفس، ومعناه عدم احتياجه إلى ذات يقوم بها، ولا إلى موجد يوجده، ويستحيل عليه أن لا يكون قائما بنفسه.
والسادس الوحدانية، بمعنى أنه سبحانه وتعالى واحد في ذاته وصفاته وأفعاله، ويستحيل عليه التعدد.
والسابع القدرة، ويستحيل عليه العجز.
والثامن الإرادة، ويستحيل عليه الكراهية.
والتاسع العلم، ويستحيل عليه الجهل.
والعاشر الحياة، ويستحيل عليه الموت.
والحادي عشر السمع، ويستحيل عليه الصمم.
والثاني عشر البصر، ويستحيل عليه العمى.
والثالث عشر الكلام، ويستحيل عليه البكم.
والرابع عشر كونه قادرا، ويستحيل عليه كونه عاجزا.
والخامس عشر كونه مريدا، ويستحيل عليه كونه مكرها.
والسادس عشر كونه عالما، ويستحيل عليه كونه جاهلا.
والسابع عشر كونه حيا، ويستحيل عليه كونه ميتا.
والثامن عشر كونه سميعا، ويستحيل عليه كونه أصم.
والتاسع عشر كونه بصيرا، ويستحيل عليه كونه أعمى.
والعشرون كونه متكلما، ويستحيل عليه كونه أبكم.
فهذه أربعون عشرون واجبة، وعشرون مستحيلة، والواحد والأربعون الجائز في حقه تعالى وهو فعل كل ممكن أو تركه.
وتعليمهم ما يجب في حق الرسل عليهم الصلاة والسلام، وما يستحيل، وما يجوز.
وجملة ذلك تسع عقائد.
فالواجب: الصدق والأمانة، والتبليغ، والفطانة.
والمستحيل: الكذب، والخيانة، وكتمان شئ مما أمروا بتبليغه، والبلادة.
والجائز في حقهم ما هو من الأعراض البشرية التي لا تؤدي إلى نقص مراتبهم العلية، كالأكل والشرب والجماع والمرض الخفيف.
فهم عليهم الصلاة والسلام أكمل الناس عقلا وعلما، بعثهم الله وأظهر صدقهم بالمعجزات الظاهرة، فبلغوا أمره ونهيه ووعده ووعيده.
وتعليمهم أن
الله سبحانه وتعالى بعث النبي الأمي العربي القرشي الهاشمي سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم برسالته إلى كافة الخلق، العرب والعجم والملائكة والإنس والجن والجمادات.
وأن شريعته نسخت الشرائع، وأن الله فضله على سائر المخلوقات.
ومنع صحة التوحيد بقول لا إله إلا الله، إلا إن أضاف الناطق إليه محمد رسول الله.
وألزم سبحانه وتعالى الخلق تصديقه في كل ما أخبر به عن الله عن أمور الدنيا والآخرة، وتعليمهم أنه ولد بمكة وهاجر إلى المدينة وتوفي فيها، وأنه أبيض مشرب بحمرة، وأنه أكمل الناس خلقا.
وتعليمهم نسبه صلى الله عليه وسلم من جهة أبيه وأمه.
وزاد بعضهم أولاده، لأنهم سادات الأمة.
فلا ينبغي للشخص أن يهملهم، وهم سبعة: ثلاثة ذكور وأربعة إناث، وترتيبهم في الولادة: القاسم وهو أول أولاده صلى الله عليه وسلم، ثم زينب، ثم رقيه،
(فصل) في شروط الصلاة.
الشرط ما يتوقف عليه صحة الصلاة، وليس منها.
وقدمت الشروط على الاركان لانها أولى بالتقديم، إذ الشرط ما يجب تقديمه على الصلاة واستمراره فيها.
(شروط الصلاة خمسة: أحدها: طهارة عن حدث وجنابة الطهارة: لغة)، النظافة والخلوص من الدنس.
وشرعا: رفع المنع المترتب على الحدث أو النجس.
(فالاولى) أي الطهارة عن الحدث: (الوضوء) هو - بضم الواو - استعمال الماء في أعضاء مخصوصة مفتتحا بنية.
وبفتحها: ما يتوضأ به.
وكان ابتداء وجوبه مع ابتداء وجو ب المكتوبة ليلة الاسراء.
(وشروطه) أي الوضوء كشروط الغسل خمسة.
أحدها: (ماء مطلق)،
ــ
ثم فاطمة، ثم أم كلثوم، ثم عبد الله وهو الملقب بالطاهر وبالطيب، وكلهم من سيدتنا خديخة رضي الله عنها، والسابع إبراهيم، وهو من مارية القبطية.
وقد نظم بعضهم أسماء هم متوسلا بهم، فقال: يا ربنا بالقاسم ابن محمد فبزينب فرقية فبفاطمة فبأم كلثوم فبعد الله ثم بحق إبراهيم نجي ناظمه فهذه نبذة من العقائد اللازمة، وقد تكفل بها علماء التوحيد، فيجب على من مر تعليم المميز ذلك حتى تكون نشأته على أكمل الإيمان، وبالله التوفيق.
فصل في شروط الصلاة أي في بيان الشروط المتوقف عليها صحة الصلاة.
وهي جمع شرط بسكون الراء، وهو لغة: تعليق أمر مستقبل بمثله، أو إلزام الشئ والتزامه.
وبفتحها، العلامة.
واصطلاحا: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود، ولا عدم لذاته.
اه.
تحفة.
إذا علمت ذلك تعلم إن قول الشارح: الشرط ما يتوقف عليه صحة الصلاة وليس منها ليس معنى لغويا ولا اصطلاحيا له، وإنما هو بيان لما يراد به هنا - أي في الصلاة - وليس هذا من شأن التعاريف.
وقوله: وليس منها قيد لإخراج الركن.
(قوله: لأنها أولى بالتقديم) أي لأن الشروط أحق بالتقديم.
(قوله: إذ الشرط الخ) أي فهو مقدم طبعا فناسب أن يقدم وضعا.
واعلم أن الشروط قسمان: قسم يعتبر قبل الشروع فيها ويستصحب إلى آخرها، وقسم يعتبر بعد الشروع ويستصحب كترك الأفعال وترك الكلام وترك الأكل فقوله: ما يجب تقديمه إلخ هو بالنظر للأول (قوله: شروط الصلاة خمسة) وإنما لم يعد من شروطها الإسلام، والتمييز، والعلم بفرضيتها، وكيفيتها، وتمييز فرائضها من سننها، لأنها غير مختصة
بالصلاة.
وبعضهم عدها وجعل الشروط تسعة.
(قوله: الطهارة لغة إلخ) أي بفتح الطاء، وأما بضمها فاسم لبقية الماء.
(قوله: النظافة) أي من الأقذار - ولو طاهرة كالمخاط والبصاق - حسية كانت كالأنجاس، أو معنوية كالعيوب من الحقد والحسد وغيرهما.
(وقوله: والخلوص من الدنس) عطف تفسير (قوله: وشرعا رفع المنع إلخ) اعلم أن الطهارة الشرعية لها
فلا يرفع الحدث ولا يزيل النجس ولا يحصل سائر الطهارة - ولو مسنونة - إلا الماء المطلق، وهو ما يقع عليه اسم الماء بلا قيد، وإن رشح من بخار الماء الطهور المغلى، أو استهلك فيه الخليط، أو قيد بموافقة الواقع كماء البحر.
بخلاف ما لا يذكر إلا مقيدا كماء الورد، (غير مستعمل في) فرض طهارة، من (رفع حدث)
ــ
وضعان: وضع حقيقي، وهو إطلاقها على الوصف المترتب على الفعل، وهو زوال المنع المترتب على الحدث أو الخبث.
وإن شئت قلت: ارتفاع المنع المترتب على ذلك.
ومجازي: وهو إطلاقها على الفعل، كتعريف الشارح فهو من إطلاق اسم المسبب على السبب.
واعلم أنهم قسموها إلى قسمين، عينية وحكمية.
فالأولى: هي ما لا تجاوز محل حلول موجبها كغسل الخبث، والثانية: هي ما تجاوز ما ذكر كالوضوء، فإنه يجاوز المحل الذي حل فيه الموجب وهو خروج شئ من أحد السبيلين.
ولها وسائل أربع ومقاصد كذلك، فالأول: الماء، والتراب، والحجر، والدابغ.
والثانية: الوضوء، والغسل، والتيمم، وإزالة النجاسة.
وأما الأواني والاجتهاد فهما من وسائل الوسائل فإطلاق الوسيلة عليهما مجاز.
(قوله: وهو ما يقع عليه اسم الماء) أي ما يطلق عليه اسم الماء لا مصاحبة قيد لازم، فشمل المتغير كيثرا بما لا يضر، أو بمجاور كعود ودهن وقوله: وإن رشح هذه الغاية للرد على الرافعي حيث قال: نازع فيه عامة الأصحاب، وقالوا يسمونه بخارا ورشحا لا ماء.
وفي جعله الرشح من البخار نظر، إذ هو من الماء لا منه.
وأجيب: بجعل من للتعليل، ومتعلق رشح محذوف، أي وإن رشح من الماء لأجل البخار وقوله: المغلى بضم الميم وفتح اللام من أغلى، أو بفتح الميم وكسر اللام من غلي.
(قوله: أو استهلك فيه الخليط) أي بحيث لا يسلبه اسم الماء.
والمستهلك فيه الخليط هو الذي لم يغيره ذلك الخليط لا حسا ولا تقديرا.
(قوله: أو قيد) بفتح القاف وسكون الياء على أنه مصدر معطوف على قوله بلا قيد، أو بضم أوله وكسر الياء المشددة على أنه فعل مبني للمجهول معطوف على قوله وإن رشح.
قوله: إلا مقيدا) أي بإضافة كماء ورد، أو بصفة كماء دافق، أو بلام العهد كالماء في قوله صلى الله عليه وسلم: نعم.
إذا رأت الماء.
(قوله: غير مستعمل في فرض طهارة) أي غير مؤدي به ما لا بد منه.
فالمراد بالفرض ما لا بد منه، أثم الشخص بتركه أم لا، عبادة كان أم لا، فشمل ماء وضوء الصبي ولو غير مميز بأن وضأه وليه للطواف فهو مستعمل لأنه أدى به ما لا بد منه، وإن كان لا إثم عليه بتركه.
وشمل أيضا ماء غسل الكافرة لتحل لحليلها المسلم لأنه أدى به ما لا بد منه، وإن لم يكن غسلها عبادة وقوله: من رفع حدث بيان
لفرض والمراد برفع الحدث عند مستعمله، فشمل ماء وضوء الحنفي بلا نية لأنه استعمل في رفع حدث عنده، وإن لم يرفع الحدث عندنا لعدم النية.
فقوله بعد: ولو من طهر حنفي.
إشارة إلى ذلك.
وإنما لم يصح اقتداء الشافعي به إذا مس فرجه اعتبارا باعتقاد المأموم لاشتراط الرابطة، أي نية الاقتداء في الصلاة دون الطهارة واحتياطا في البابين.
ولذا لا يصح
أصغر أو أكبر، ولو من طهر حنفي لم ينو، أو صبي لم يميز لطواف.
(و) إزالة (نجس) ولو معفوا عنه.
(قليلا) أي حال كون المستعمل قليلا، أي دون القلتين.
فإن جمع المستعمل فبلغ قلتين فمطهر، كما لو جمع المتنجس فبلغ قلتين ولم يتغير، وإن قل بعد بتفريقه.
فعلم أن الاستعمال لا يثبت إلا مع قلة الماء، أي
وبعد فصله عن المحل المستعمل ولو حكما، كأن جاوز منكب المتوضئ أو ركبته، وإن عاد لمحله أو انتقل من يد لاخرى.
نعم، لا يضر في المحدث انفصال الماء من الكف إلى الساعد، ولا في الجنب انفصاله من الرأس إلى نحو الصدر، مما يغلب فيه التقاذف.
ــ
الاقتداء به إذا توضأ بلا نية على الأظهر، مع حكمنا على مائه بالاستعمال، فننظر لمعتقده ونحكم باستعمال الماء، ولمعتقدنا ونحكم بعدم صحة وضوئه لعدم نيته.
ولا يخفى ما في ذلك من الاحتياط.
وقوله: ولو من طهر الخ أي ولو كان الاستعمال للماء حصل من طهر حنفي، الخ.
وقوله: أو صبي الخ أي ولو كان من طهر صبي غير مميز، طهره وليه لأجل أن يطوف به.
(قوله: ولو معفوا عنه) أي كقليل دم أجنبي غير مغلظ، أو كثير من نحو براغيث وغير ذلك.
(قوله: فعلم) أي من تقييد المستعمل بكونه قليلا.
وقوله: أي وبعد فصله عن المحل وذلك لأن الماء ما دام مترددا على العضو لا يثبت له حكم الاستعمال.
واعلم أن شروط الاستعمال أربعة، تعلم من كلامه: قلة الماء واستعماله فيما لا بد منه، وأن ينفصل عن العضو، وعدم نية الاغتراف في محلها وهو في الغسل بعد نيته، وعند مماسة الماء لشئ من بدنه.
فلو نوى الغسل من الجنابة ثم وضع كفه في ماء قليل ولم ينو الاغتراف صار مستعملا.
وفي الوضوء بعد غسل الوجه وعند إرادة غسل اليدين، فلو لم ينو الاغتراف حينئذ صار الماء مستعملا.
وفي ع ش ما نصه: (فائدة) لو اغترف بإناء في يده فاتصلت يده بالماء الذي اغترف منه، فإن قصد الاغتراف أو ما في معناه، كملء هذا الإناء من الماء، فلا استعمال.
وإن لم يقصد شيئا مطلقا فهل يندفع الاستعمال؟ لأن الإناء قرينة على الاغتراف دون رفع الحدث، كما لو أدخل يده بعد غسلة الوجه الأولى من اعتماد التثليث، حيث لا يصير الماء مستعملا لقرينة اعتياد التثليث، أو يصير مستعملا.
ويفرق بأن العادة توجب عدم دخول وقت غسل اليد بخلافه هناك، فإن اليد دخلت في وقت غسلها.
فيه نظر ويتجه الثاني.
اه.
(قوله: كان جاوز) مثال للمنفصل حكما وقوله: منكب المتوضئ أي أو جاوز صدر الجنب، كأن تقاذف الماء من رأسه إلى ساقه.
(قوله: مما يغلب فيه التقاذف) بيان لنحو الصدر، أي من كل عضو يصل إليه الماء
(فرع) لو أدخل المتوضئ يده بقصد الغسل عن الحدث أولا بقصد بعد نية الجنب، أو تثليث وجه المحدث، أو بعد الغسلة الاولى، إن قصد الاقتصار عليها، بلا نية اغتراف ولا قصد أخذ الماء لغرض آخر صار مستعملا بالنسبة لغير يده فله أن يغسل بما فيها باقي ساعدها.
(و) غير (متغير) تغيرا (كثيرا) بحيث يمنع إطلاق اسم الماء عليه، بأن تغير أحد صفاته من طعم أو لون أو ريح، ولو تقديريا أو كان التغير بما على عضو المتطهر في الاصح، وإنما يؤثر التغير إن كان (بخليط) أي مخالطا
ــ
المتقاذف، أي المتطاير، غالبا.
(قوله: لو أدخل المتوضئ) أي أو الجنب، بدليل قوله: بعد نية الجنب.
ولو قال المتطهر لكان
أولى، لشموله الجنب.
(قوله: بعد نية الجنب) متعلق بأدخل.
(قوله: أو تثليث الخ) معطوف على نية الجنب، أي أو أدخل يده بعد تثليث الخ.
وقوله: أو بعد الغسلة الأولى معطوف على بعد نية الجنب، والأولى حذف بعد، فيكون معطوفا على تثليث.
وقوله: إن قصد الاقتصار عليها أي الأولى قيد في الأخير.
وقوله: بلا نية اغتراف متعلق بأدخل أيضا، أي بأن أدخلها بقصد غسلها في الإناء وأطلق.
أما إذا نوى الاغتراف، أي قصد إخراج الماء من الإناء ليرفع به الحدث خارجه، فلا يصير الماء مستعملا.
ونية الاغتراف محلها قبل مماسة الماء فلا يعتد بها بعدها.
(قوله: ولا قصد) عطف على بلا نية اغتراف.
(وقوله: لغرض آخر أي غير التطهر به خارج الإناء، بأن قصد بأخذ الماء شربه أو غسل إناء به مثلا.
وفي سم ما نصه (قوله: لغرض آخر أي كالشرب، بل قد يقال قصد أخذ الماء لغرض آخر من إفراد نية الاغتراف، لأن المراد بها أن يقصد بإدخال يده إخراج الماء أعم من أن يكون لغرض غير التطهر به خارج الإناء أولا، فليتأمل.
(قوله: صار مستعملا) جواب له، وإنما صار الماء مستعملا بذلك لانتقال المنع إليه وقوله: بالنسبة لغير يده أي من بقية أعضاء الوضوء بالنسبة للمحدث، أو بقية البدن بالنسبة للجنب.
وقوله فله أن يغسل الخ مرتب على محذوف، أي أما بالنسبة ليده فلا يصير مستعملا، فله أن يغسل إلخ.
يعني: له إن لم يتم غسلها أن يغسل بقيتها بما في كفه، لأن الماء ما دام مترددا على العضو له حكم التطهير.
وقوله: باقي ساعدها في الروض ما نصه: فلو غسل بما في كفه باقي يده لا غيرها أجزأه.
اه.
(قوله: وغير متغير الخ) معطوف على غير مستعمل.
وقوله: بحيث يمنع الخ تصوير لكون التغير كثيرا.
وقوله: بأن تغير أحد صفاته تصوير ثان له أيضا، أو تصوير لمنع إطلاق اسم الماء عليه.
(قوله: ولو تقديريا) أي ولو كان التغير حاصلا بالفرض والتقدير لا بالحس، وهو ما يدرك بإحدى الحواس التي هي الشم والذوق والبصر، وذلك بأن يقع في الماء ما يوافقه في جميع صفاته، كماء مستعمل، أو في بعضها كماء ورد منقطع الرائحة وله لون وطعم أو أحدهما ولم يتغير الماء به، فيقدر حينئذ مخالفا وسطا، الطعم طعم الرمان واللون لون العصير والريح ريح اللاذن - بفتح الذال المعجمة - فإذا كان الواقع في الماء قدر رطل مثلا من ماء الورد الذي لا ريح له ولا طعم ولا لون، نقول: لو كان الواقع فيه قدر رطل من ماء الرمان هل يغير طعمه أم لا؟ فإن قالوا: يغيره.
انتفت الطهورية.
وإن قالوا لا يغيره.
نقول: لو كان الواقع فيه قدر رطل من اللاذن هل يغير ريحه أو لا؟ فإن قالوا: يغيره.
انتفت الطهورية.
وإن قالوا: لا يغيره.
نقول: لو كان الواقع فيه قدر رطل من عصير العنب هل يغير لونه أو لا؟ فإن قالوا: يغيره.
سلبناه الطهورية.
وإن قالوا: لا يغيره، فهو باق على طهوريته.
وهذا إذا فقدت الصفات كلها، فإن فقد بعضها ووجد بعضها قدر المفقود، لأن الموجود إذا لم يغير فلا معنى لفرضه.
للماء، وهو ما لا يتميز في رأي العين (طاهر) وقد (غني) الماء (عنه) كزعفران، وثمر شجر نبت قرب الماء، وورق طرح ثم تفتت، لا تراب وملح ماء وإن طرحا فيه.
ولا يضر تغير لا يمنع الاسم لقلته ولو احتمالا، بأن شك أهو كثير أو قليل.
وخرج بقولي بخليط المجاور، وهو ما يتميز للناظر، كعود ودهن ولو مطيبين، ومنه البخور وإن كثر وظهر نحو ريحه، خلافا لجمع.
ومنه أيضا ماء أغلي فيه نحو بر وتمر حيث لم يعلم انفصال عين فيه مخالطة، بأن لم يصل إلى حد بحيث له اسم آخر كالمرقة، ولو شك في شئ أمخالط هو أم مجاور، له حكم
ــ
واعلم أن التقدير المذكور مندوب لا واجب، فلو هجم شخص واستعمل الماء أجزأه ذلك.
(قوله: أو كان التغير بما على عضو المتطهر) أي بأن كان عليه نحو سدر أو زعفران فتغير الماء به فإنه يضر.
وخرج بقوله: بما على عضو.
ما إذا أريد تطهير السدر أو نحوه، وتغير الماء قبل وصوله إلى جيمع أجزائه فإنه لا يضر لكونه ضروريا في تطهيره.
اه ع ش بالمعنى.
(قوله: وإنما يؤثر التغير) أي في طهورية الماء بحيث لا يصح التطهير به، وإن كان طاهرا في نفسه.
(قوله: إن كان بخليط) سيأتي محترزه.
(قوله: وهو) أي الخليط.
(قوله: ما لا يتميز في رأي العين) أي الشئ الذي لا يرى متميزا عن الماء.
وقيل: هو الذي لا يمكن فصله.
(قوله: وقد غني) بكسر النون، ومضارعه يغنى بفتحها، بمعنى استغنى.
(قوله: كزعفران إلخ) تمثيل للخليط الطاهر المستغنى عنه.
(قوله: وثمر شجر إلخ) أي وكثمر شجر.
ويضر سقوطه في الماء مطلقا، سواء كان بنفسه أو بفعل الفاعل، بدليل تقييده الورق بالطرح، أي بفعل الفاعل.
وكما في النهاية، ونصها: ويضر التغير بالثمار الساقطة بسبب ما انحل منها، سواء أوقع بنفسه أم بإيقاع، كان على صورة الورق كالورد أم لا.
اه.
(قوله: وورق طرح) خرج به ما إذا لم يطرح بل تناثر بنفسه فلا يضر وإن تفتت كما سيذكره.
وقوله: ثم تفتت خرج به ما إذا لم يتفتت فلا يضر لأنه مجاور.
والترتيب المستفاد من ثم ليس بقيد بل مثله بالأولى ما إذا تفتت ثم طرح.
(قوله: لا تراب) أي لا إن كان التغير بتراب، فإنه لا يضر لموافقته للماء في الطهورية، ولأن تغيره به مجرد كدورة.
وقوله: وملح ماء أولا إن كان التغير بملح ناشئ من الماء، فإنه لا يضر أيضا لكونه منعقدا من الماء، فسومح فيه، بخلاف الجبلي فإنه يضر لكونه غير منعقد من الماء، فهو مستغنى عنه.
(قوله: وإن طرحا فيه) أي وإن طرح التراب وملح الماء في الماء فإنه لا يضر.
والغاية للرد بالنسبة للتراب وللتعميم بالنسبة للملح.
(قوله: ولا يضر تغير الخ) محترز قوله كثيرا.
وقوله: لقلته أي التغير.
وقوله: ولو احتمالا أي ولو كانت قلة التغير احتمالا لا يقينا فإنه لا يضر، لأنا لا نسلب الطهورية بالمحتمل، أي المشكوك فيه.
قال في شرح الروض: نعم، لو تغير كثيرا ثم زال بعضه بنفسه أو بماء مطلق، ثم شك في أن التغير الآن يسير أو كثير لم يطهر، عملا بالأصل.
قاله الأذرعي.
اه.
(قوله: المجاور وهو ما يتميز للناظر) وقيل إنه ما يمكن فصله.
وقيل فيه وفي المخالط: المتبع العرف.
وقوله: ولو مطيبين بفتح الياء المشددة، أي حصل الطيب لهما بغيرهما.
وقيل: بكسر الياء، أي مطيبين لغيرهما.
(قوله: ومنه) أي المجاور البخور.
وفي النهاية: ويظهر في الماء المبخر - الذي غير البخور طعمه أو لونه أو ريحه - عدم سلبه الطهورية، لأنا لم نتحقق انحلال الأجزاء والمخالطة، وإن بناه بعضهم على الوجهين في دخان النجاسة.
اه.
أي فإن قلنل
دخان النجاسة ينجس الماء، قلنا هنا: يسلب الطهورية.
وإن قلنا بعدم التنجيس، ثم قلنا بعدم سلبها هنا.
لكن المعتمد عدم سلب الطهورية هنا مطلقا.
والفرق أن الدخان أجزاء تفصلها النار، وقد اتصلت بالماء فتنجسه ولو مجاورة، إذ لا فرق في تأثير ملاقاة النجس بين المجاور والمخالط.
بخلاف البخور فإنه طاهر وهو لا يسلب الطهورية إلا إن كان مخالطا، ولم تتحقق المخالطة.
اه ع ش.
(قوله: ومنه الخ) أي ومن المجاور أيضا ماء أغلى فيه نحو بر وتمر فإنه لا يضر بالقيد الذي
المجاور.
وبقولي غني عنه ما لا يستغنى عنه، كما في مقرة وممره، من نحو طين وطحلب متفتت وكبريت، وكالتغير بطول المكث أو بأوراق متناثرة بنفسها وإن تفتتت وبعدت الشجرة عن الماء.
(أو بنجس) وأن قل التغير.
(ولو كان) الماء (كثيرا) أي قلتين أو أكثر في صورتي التغيير بالطاهر والنجس.
والقلتان بالوزن: خمسمائة رطل بغدادي تقريبا، وبالمساحة في المربع: ذراع وربع طولا وعرضا وعمقا، بذراع اليد المعتدلة.
ــ
ذكره.
وفي سم ما نصه: قال الشارح في شرح العباب: والحب كالبر والثمر، إن غير وهو بحاله فمجاور، وإن انحل منه شئ فمخالط، فإن طبخ وغير ولم ينحل منه شئ فوجهان.
ثم قال: وأوجه الوجهين أنه لا أثر لمجرد الطبخ، بل لا بد من تيقن انحلال شئ منه بحيث يحدث له بسبب ذلك اسم آخر، لأنه حينئذ مجاور، التغير به لا يضر، وإن حدث بسببه اسم آخر.
فالحاصل أن ما أغلي من نحو الحبوب والثمار وما لم يغل، إن تيقن انحلال شئ منه فمخالط، وإلا فمجاورر.
وإن حدث له بذلك اسم آخر، ما لم ينسلب عنه اطلاقه اسم الماء بالكلية.
اه.
(قوله: وبقولي غني عنه) أي وخرج بقولي إلخ، فهو معطوف على بقولي الأول.
(قوله: كما في مقره) أي موضع قراره، أي الماء، ومنه كما هو ظاهر القرب التي يدهن باطنها بالقطران - وهي جديدة - لإصلاح ما يوضع فيها بعد من الماء، وإن كان من القطران المخالط.
وقوله: وممره أي موضع مروره، أي الماء.
وفي النهاية ما نصه: وظاهر كلامهم أن المراد بما في المقر والممر ما كان خلقيا في الأرض، أو مصنوعا فيها بحيث صار يشبه الخلقي، بخلاف الموضع فيها لا بتلك الحيثية، فإن الماء يستغنى عنه.
اه.
(قوله: من نحو طين) بيان لما، واندرج تحت نحو النورة والزرنيخ ونحوهما.
(قوله: وطحلب) بضم أوله مع ضم ثالثه أو فتحه، شئ أخضر يعلو الماء من طول المكث، ولا يشترط أن يكون بمقر الماء أو ممره، وإن أوهمته عبارة الشارح.
وقوله: مفتت أي ما لم يطرح، فإن طرح وصار مخالطا ضر.
(قوله: وكالتغير بطول المكث) معطوف على كما في مقره، أي فهو لا يضر لعدم الاستغناء عنه.
وعبارته صريحة في أنه من المخالط، لكن الذي لا غنى عنه مع أنه لا من المخالط ولا من المجاور.
ولو أخرجه بمخالط لكان له وجه، وذلك لأن غير المخالط صادق بالمجاور وبالذي ليس بمجاور ولا مخالط.
(قوله: أو بأوراق) معطوف على بطول المكث.
وقوله: متناثرة بنفسها أي لا بفعل الفاعل.
وهو مفهوم قوله سابقا: طرح.
(قوله: أو بنجس) معطوف على بخليط، لكن بقطع النظر عن تقييد التغير فيه بالكثرة.
أي وغير متغير بنجس مطلقا، قليلا كان التغير أو كثيرا.
(قوله: في صورتي إلخ) قصده بيان أن الغاية راجعة للصورتين، صورة التغير بالطاهر وصورة التغير بالنجس.
أي لا فرق في التغير بالطاهر بين أن
يكون الماء قليلا أو كثيرا، أو بالنجس كذلك، إلا أنه يشترط في التغير بالأول أن يكون التغير كثيرا كما علمت.
(قوله: والقلتان) هما في الأصل الجرتان العظيمتان، فالقلة الجرة العظيمة، سميت بذلك لأن الرجل العظيم يقلها أي يرفعها.
وهي تسع قربتين ونصفا من قرب الحجاز، والقربة منها لا تزيد على مائة رطل بغدادي.
وفي عرف الفقهاء: اسم للماء المعلوم.
(قوله: خمسمائة رطل بغدادي) الرطل البغدادي عند النووي مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم، وعند الرافعي مائة وثلاثون درهما، وهو خلاف المعتمد.
وقوله: تقريبا أي لا تحديدا.
فلا يضر نقص رطل أو رطلين - على الأشهر في الروضة -.
(قوله: وبالمساحة) أي والقلتان بالمساحة.
وهي بكسر الميم الذرع.
وقوله: في المربع ذراع إلخ بيان ذلك أن كلا من الطول والعرض والعمق يبسط من جنس الكسر، وهو الربع.
فجملة كل واحد خمسة أرباع، ويعبر عنها بأذرع
وفي المدور: ذراع من سائر الجوانب بذراع الآدمي، وذراعان عمقا بذراع النجار، وهو ذراع وربع.
ولا تنجس
قلتا ماء ولو احتمالا، كأن شك في ماء أبلغهما أم لا، وإن تيقنت قلته قبل بملاقاة نجس ما لم يتغير به، وإن استهلكت النجاسة فيه.
ولا يجب التباعد من نجس في ماء كثير.
ولو بال في البحر مثلا فارتفعت منه رغوة فهي نجسة إن تحقق أنها من عين النجاسة، أو من المتغير أحد أوصافه بها، وإلا فلا.
ولو طرحت فيه بعرة، فوقعت
ــ
قصيرة، وتضرب خمسة الطول في خمسة العرض يكون الحاصل خمسة وعشرين، تضرب في خمسة العمق يكون الحاصل مائة وخمسة وعشرين، وكل ربع يسع أربعة أرطال فتضرب في المائة والخمسة والعشرين تبلغ خمسمائة رطل.
(قوله: وفي المدور ذراع من سائر الجوانب إلخ) بيان ذلك فيه أن العمق ذراعان بذراع النجار، وهو ذراع وربع بذراع الآدمي، فهما به ذراعان ونصف، وأن العرض ذراع، وإذا كان العرض كذلك، يكون المحيط ثلاثة أذرع وسبعا، لأن محيط كل دائرة ثلاثة أمثال عرضها وسبع مثله.
وتبسط كلا من العمق والعرض أرباعا، فيكون العمق عشرة أذرع والعرض أربعة، وإذا كان العرض أربعة كان المحيط اثنى عشر وأربعة أسباع، فتضرب نصف العرض في نصف المحيط يكون الخارج اثنى عشرى وأربعة أسباع، ثم تضرب ما ذكر في عشرة العمق يكون الخارج مائة وخمسة وعشرين وخمسة أسباع.
لأن حاصل ضرب اثنتي عشرة في عشرة بمائة وعشرين، وحاصل ضرب أربعة أسباع في عشرة أربعون سبعا خمسة وثلاثون بخمسة صحيحة - ولا تضر زيادة الأسباع - وكل ربع يسع أربعة أرطال، فتضرب في المائة والخمسة والعشرين يبلغ خمسمائة رطل.
(قوله: ولا تنجس قلتا ماء) للخبر الصحيح: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث أي لم يقبله.
كما صرحت به ر واية: لم ينجس.
وهي صحيحة أيضا.
(قوله: ولو احتمالا) أي ولو كانت القلتان احتمالا لا يقينا، فلا تنجس لأن الأصل الطهارة.
وقوله: كأن شك الخ تمثيل له.
(قوله: إن تيقنت قلته) غاية للغاية.
وقوله قبل أي قبل الشك بأن كان قليلا يقينا ثم زيد عليه، واحتمل بلوغه وعدمه.
(قوله: بملاقاة نجس) متعلق بتنجس.
(قوله: ما لم يتغير) أي الماء الذي بلغ قلتين.
وقوله: به أي بالنجس.
فإن تغير به تنجس، ولا فرق في التغير بين أن يكون حسيا أو تقديريا، بأن وقع في الماء نجس يوافقه في صفاته - كالبول المنقطع الرائحة
واللون والطعم - فيقدر مخالفا أشد، الطعم طعم الخل واللون لون الحبر والريح ريح المسك.
فلو كان الواقع قدر رطل من البول المذكور مثلا، نقدر ونقول: لو كان الواقع قدر رطل من الخل هل يغير طعم الماء أو لا؟ فإن قالوا: يغيره.
حكمنا بنجاسته.
وإن قالوا: لا يغيره.
نقول: لو كان الواقع قدر رطل من الحبر هل يغير لون الماء أو لا؟ فإن قالوا: يغيره.
حكمنا بنجاسته.
وإن قالوا: لا يغيره.
نقول: لو كان الواقع قدر رطل من المسك هل يغير ريحه أو لا؟ فإن قالوا: يغيره.
حكمنا بنجاسته.
وإن قالوا: لا يغيره.
حكمنا بطهارته.
وهذا إذا كان الواقع فقدت فيه الأوصاف الثلاثة، فإن فقدت صفة واحدة فرض المخالف المناسب لها فقط، كما تقدم في الطاهر.
(قوله: وإن استهلكت النجاسة فيه) يحتمل ارتباط هذه الغاية بقوله: ولا تنجس قلتا ماء بملاقاة نجس إن لم يتغير به، سواء كان النجس الواقع في الماء متميزا عنه، بحيث يرى بأن كان جامدا، أو استهلك فيه بأن كان مائعا، أو امتزج بالماء بحيث صار لم يبق له طعم ولا لون ولا ريح.
ويحتمل ارتباطه بمفهوم قوله: ما لم يتغير، أي فإن تغير به تنجس، سواء استهلكت النجاسة فيه أم لا، والأول أقرب.
(قوله: ولا يجب التباعد من نجس في ماء كثير) يعني ولا يجب التباعد من النجس الكائن في ماء كثير حال الاغتراف منه، بل له إن يغترف من حيث شاء، حتى من أقرب موضع إلى النجاسة، كما صرح بذلك في النهاية.
قال في الروض: فإن غرف دلوا من ماء قلتين فقط، وفيه نجاسة جامدة لم يغرفها مع الماء، فباطن الدلو طاهر لانفصال ما فيه عن الباقي قبل أن ينقص عن قلتين، لا ظاهر لتنجسه بالباقي المتنجس بالنجاسة لقلته.
فإن غرفها مع الماء بأن دخلت معه أو قبله في الدلو انعكس الحكم.
اه.
(قوله: ولو بال في البحر مثلا) أي أو في ماء كثير.
(قوله: فارتفعت منه) أي من البحر بسبب البول.
وقوله: رغوة هي الزبد الذي يرتفع على وجه الماء.
(قوله: فهي) أي الرغوة، نجسة.
وقوله: إن تحقق أنها أي الرغوة، من عين النجاسة، أي البول.
كأن كانت برائحة البول أو طعمه أو لونه.
وقوله: أو من المتغير الخ أي أو تحقق أنها من الماء المتغير أحد أوصافه بذلك البول.
(قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يتحقق أنها من ذلك فلا يحكم عليها بالنجاسة.
(قوله: ولو طرحت فيه) أي في البحر مثلا.
وقوله: بعرة
من أجل الطرح قطرة على شئ لم تنجسه، وينجس قليل الماء - وهو ما دون القلتين - حيث لم يكن واردا بوصول نجس إليه يرى بالبصر المعتدل، غير معفو عنه في الماء، ولو معفوا عنه في الصلاة، كغيره من رطب ومائع، وإن كثر.
لا بوصول ميتة لا دم لجنسها سائل عند شق عضو منها، كعقرب ووزع، إلا إن تغير ما أصابته
ــ
أي ونحوها من كل نجاسة جامدة.
(قوله: فوقعت إلخ) في الكلام حذف، أي فارتفعت من أجل قوة الطرح قطرة منه فوقعت على شئ.
وقوله لم تنجسه جواب لو.
أي لم تنجس تلك القطرة الشئ الذي وقعت عليه لطهارتها.
(قوله: وينجس قليل الماء إلخ) أي لمفهوم الحديث المتقدم، إذ مفهومه أن ما دونهما يحمل الخبث، أي يتأثر به.
وقوله: حيث لم يكن واردا أي حيث لم يكن الماء واردا على النجس، فإن كان واردا ففيه تفصيل يأتي.
وحاصله: أنه إذا ورد الماء على المحل
النجس ولم ينفصل عنه فهو طاهر مطهر.
فإن انفصل عنه، ولم يتغير ولم يزد وزنه بعد اعتبار ما يأخذه المحل، وطهر المحل، فهو طاهر غير مطهر.
فإن فقد واحد من هذه القيود فهو نجس.
(قوله: بوصول نجس إليه) أي إلى الماء القليل، وهو متعلق بينجس، وخرج به ما إذا كان بقرب الماء جيفة مثلا وتغير الماء بها فإنه لا يؤثر.
وقوله: يرى بالبصر المعتدل خرج به غير المرئي به، فإنه لا يؤثر.
وإن كان بمواضع متفرقة، وكان بحيث لو جمع لرؤي، وكان المجموع قليلا ولو من مغلظ وبفعله عند م ر.
وقوله: غير معفو عنه في الماء خرج به المعفو عنه فيه.
وهو ما أشار إليه بقوله: لا بوصول ميتة.
وقوله: ولو معفوا عنه في الصلاة أي ولو كان النجس الذي لا يعفى عنه في الماء معفوا عنه في الصلاة فإنه يضر، وذلك كقليل دم أجنبي غير مغلظ، أو كثير من نحو براغيث.
فإن ما ذكر يعفى عنه إذا كان في نحو ثوب المصلي، ولا يعفى عنه في الماء.
(قوله: كغيره) أي كغير الماء وهو مرتبط بقوله: وينجس إلخ.
أي وينجس قليل الماء بما ذكر، كما أن غيره من المائعات ينجس به أيضا إلا أنه لا يتقيد بالقلة.
وقوله: من رطب ومائع بيان للغير ثم إن كان المراد بالرطب الجامد كان عطف ما بعده عليه للمغايرة.
إلا أنه يشكل عليه أن الجامد إنما ينجس ظاهره الملاقي للنجس، لا كله، كما سيأتي، وإن كان المراد به ما يعم المائع كان العطف عليه من عطف الخاص على العام، ويشكل عليه أيضا ما ذكر.
وظاهر عبارة الروض تخصيص الرطب بالمائع، ونص عبارته مع شرحه: ودونهما - أي القلتين - قليل فينجس هو ورطب غيره كزيت، وإن كثر بملاقاة نجاسة مؤثرة في التنجس وإن لم يتغير.
ثم قال: وخرج بالرطب الجامد الخالي عن رطوبة عند الملاقاة، وبالمؤثرة غيرها مما يأتي.
اه.
وقوله: وإن كثر أي ينجس غير الماء وإن كان كثيرا.
والفرق بينه حيث تنجس مطلقا بوصول النجاسة إليه وبين الماء حيث اختص بالقلة، أن غير الماء ليس في معناه لقوة الماء ومشقة حفظه من النجس، بخلاف غيره.
(قوله: لا بوصول ميتة الخ) أي لا ينجس قليل الماء وغيره من المائعات بوصول ما ذكر للعفو عنه في الماء.
وقوله: لا دم لجنسها سائل تعبيره بذلك أولى من تعبير غيره بقوله لا دم لها سائل، إذ العبرة بجنسها لا بها.
فلو فرض أن لها دما يسيل وجنسها ليس له ذلك ألحقت به، ولا يضر وقوعها فيه.
أو فرض أنها ليس لها دم يسيل وجنسها له ذلك ألحقت به وضر وقوعها.
(فائدة) خبر لا في هذا التركيب محذوف تقديره موجود، وسائل صفة ويجوز فيه الرفع على أنه صفة لاسم لا مراعاة له قبل دخولها لأنه كان مرفوعا بالابتداء، والنصب على أنه صفة له باعتبار محله، إذ محله نصب بلا، ولا يجوز بناؤه على الفتح لوجود الفاصل بينهما.
كما قال إبن مالك: وغير ما يلي وغير المفردلا تبن وانصبه أو الرفع اقصد
وقوله: عند شق عضو منها متعلق بسائل، أي: سائل عند شق عضو منها في حياتها أو عند قتلها.
ويحرم الشق المذكور أو القتل بالقصد للتعذيب، واختلف فيما شك في سيل دمه وعدمه، فهل يجوز شق عضو منه أو لا؟ قال بالأول الرملي تبعا للغزالي، لأنه لحاجة.
وقال بالثاني ابن حجر تبعا لإمام الحرمين، لما فيه من التعذيب، وله حكم ما لا يسيل دمه - فيما يظهر من كلامهم - عملا بكون الأصل في الماء الطهارة فلا ننجسه الشك، ويحتمل عدم العفو، لأن العفو رخصة فلا يصار إليها إلا
- ولو يسيرا - فحينئذ ينجس.
لا سرطان وضفدع فينجس بهما، خلافا لجمع، ولا بميتة كان نشؤها من الماء كالعلق، ولو طرح فيه ميتة من ذلك نجس، وإن كان الطارح غير مكلف، ولا أثر لطرح الحي مطلقا.
واختار كثيرون من أئمتنا مذهب مالك: أن الماء لا ينجس مطلقا إلا بالتغير، والجاري كراكد وفي القديم: لا ينجس قليله بلا تغير، وهو مذهب مالك.
قال في المجموع: سواء كانت النجاسة مائعة أو جامدة.
والماء القليل إذا تنجس يطهر ببلوغه قلتين - ولو بماء متنجس - حيث لا تغير به، والكثير يطهر بزوال تغيره بنفسه أو بماء زيد عليه
ــ
بيقين.
(قوله: كعقرب ووزغ) تمثيل للميتة التي ليس لجنسها دم سائل.
(قوله: إلا إن تغير) استثناء من عدم التنجس بوصول الميتة وقوله: فيحنئذ ينجس أي فحين إذ تغير بها ينجس.
والفاء واقعة في جواب الشرط.
(قوله: لا سرطان وضفدع) عطف على كقعرب ووزع.
وقوله: فينجس بهما أي بالسرطان والضفدع، لأن لجنسهما دما سائلا.
(قوله: خلافا لجمع) أي قالوا بعدم التنجس بهما.
(قوله: ولا بميتة) عطف على لا بوصول ميتة، أي ولا ينجس أيضا بوصول ميتة، إلخ.
وقوله: كالعلق بفتحتين، دود الماء.
(قوله: ولو طرح فيه ميتة من ذلك) ظاهره عود اسم الإشارة على المذكور من الميتة التي لا دم لجنسها سائل والتي نشؤها من الماء، وهو ما جرى عليه جمع.
وجرى الشيخان على أن ما كان نشؤه من الماء لا يضر طرحه مطلقا.
وظاهر كلام ابن حجر تأييده.
ونص عبارة التحفة: ولا أثر لطرح الحي مطلقا أو الميتة التي نشؤها منه.
كما هو ظاهر كلامهما.
وفرض كلامهما في حي طرح فيما نشؤه منه ثم مات فيه بدليل كلام التهذيب ممنوع.
اه.
وظاهر كلام الرملي يؤيد الأول ونص عبارته، وحاصل المعتمد في ذلك كما اقتضاه كلام البهجة منطوقا ومفهوما، واعتمده الوالد رحمه الله وأفتى به، أنها إن طرحت حية لم يضر، سواء كان نشؤها منه أم لا، وسواء أماتت فيه بعد ذلك أم لا، إن لم تغيره.
وإن طرحت ميتة ضر، سواء كان نشؤها منه أم لا.
وإن وقوعها بنفسها لا يضر مطلقا، أي حية أو ميتة، فيعفى عنه كما يعفى عما يقع بالريح، وإن كان ميتا ولم يكن نشؤه منه، إن لم يغير، وليس الصبي - ولو غير مميز - والبهيمة كالريح لأن لهما اختيارا في الجملة.
اه.
وكتب ع ش ما نصه: قوله: والبهيمة كالريح قال ابن حجر: وإن كان الطارح غير مكلف لكن من جنسه، وهي تخرج البهيمة لأنها ليست من جنس الصبي.
وقال سم على المنهج: وفي إلحاق البهيمة بالآدمي تأمل.
(قوله: ولا أثر لطرح الحي مطلقا) أي سواء كان نشؤه منه أم لا.
(قوله: واختار كثيرون الخ) مرتبط بقوله وينجس قليل الماء الخ.
(قوله: لا ينجس مطلقا) أي قليلا كان أو كثيرا.
قال ابن حجر: وكأنهم نظروا للتسهيل على الناس، وإلا فالدليل ظاهر في التفصيل.
(قوله: والجاري كراكد) أي في جميع ما مر من التفرقة بين القليل والكثير، وأن الأول يتنجس بمجرد الملاقاة.
لكن
العبرة في الجاري بالجرية نفسها لا مجموع الماء.
فإذا كانت الجرية - وهي الدفعة التي بين حافتي النهر - في العرض دون قلتين تنجست بمجرد الملاقاة، ويكون محل تلك الجرية من النهر نجسا ويطهر بالجرية بعدها، وتكون في حكم غسالة النجاسة.
هذا في نجاسة تجري بجري الماء، فإن كانت جامدة واقفة فذلك المحل نجس وكل جرية تمر بها نجسة إلى أن يجتمع قلتان في حوض.
وبه يلغز فيقال: ماء ألف قلة غير متغير وهو نجس، أي لأنه ما دام لم يجتمع فهو نجس، وإن طال محل جري الماء.
والفرض أن كل جرية أقل من قلتين.
(قوله: لا ينجس قليله) أي الجاري لقوته بوروده على النجاسة، فأشبه الماء الذي نطهرها به.
وعليه فمقتضاه أن يكون طاهرا لا طهورا.
اه نهاية.
(قوله: وهو مذهب مالك) أي ما في القديم من جملة ما ذهب إليه الإمام مالك.
(قوله: قال في المجموع إلخ) هذا مرتبط بقوله فيما تقدم وينجس قليل الماء بوصول نجس، فهو تعميم في النجس، أي سواء كان جامدا أو مائعا.
(قوله: والماء القليل إذا تنجس) أي بوقوع نجاسة فيه وقوله: يطهر ببلوغه قلتين أي بانضمام ماء إليه لا بانضمام مائع فلا يطهر، ولو استهلك فيه وقوله: ولو بماء متنجس أي ولو كابلوغه ما ذكر بانضمام ماء متنجس إليه، أي أو بماء مستعمل أو متغير أو بثلج أو برد أذيب.
قال في التحفة: ومن بلوغهما به ما لو كان النجس أو الطهور بحفرة أو حوض آخر وفتح بينهما حاجز واتسع بحيث يتحرك ما في كل بتحرك الآخر تحركا عنيفا، وإن لم تزل كدورة أحدهما ومضى زمن يزول فيه تغير لو كان.
وقوله: حيث لا تغير به أي يطهر بما ذكر، حيث لم يوجد فيه تغير لا حسا ولا تقديرا، فإن وجد فيه ذلك لم يطهر.
(قوله: والكثير يطهر بزوال تغيره) أي الحسي والتقديري.
وقوله: بنفسه
أو نقص عنه وكان الباقي كثيرا.
(و) ثانيها: (جري ماء على عضو) مغسول، فلا يكفي أن يمسه الماء بلا جريان لانه لا يسمى غسلا.
(و) ثالثها: (أن لا يكون عليه) أي على العضو (مغير للماء تغيرا ضارا) كزعفران وصندل، خلافا لجمع.
(و) رابعها: (أن لا يكون على العضو حائل) بين الماء والمغسول، (كنورة) وشمع
ــ
أي لا بانضمام شئ إليه، كأن زال بطول المكث.
وقوله: أو بماء زيد عليه أي أو زال تغيره بانضمام ماء إليه.
أي ولو كان متنجسا أو مستعملا أو غير ذلك، لا إن زال بغير ذلك كمسك وخل وتراب فلا يطهر للشك في أن التغير استتر أو زال، بل الظاهر أنه استتر.
وقوله: أو نقص عنه أي أو زال التغير أو بماء نقص عنه.
وقوله: وكان الباقي كثيرا قيد في الأخيرة.
أي وكان الباقي بعد نقص شئ منه كثيرا، أي يبلغ قلتين.
(تتمة) لم يتعرض المؤلف للاجتهاد مع أنه وسيلة للماء، ولنتعرض له تكميلا للفائدة، فنقول: اعلم أنهم ذكروا للاجتهاد شروطا، أحدها: بقاء المشتبهين إلى تمام الاجتهاد.
فلو انصب أحدهما أو تلف امتنع الاجتهاد، ويتيمم ويصلي بلا إعادة.
ثانيها: أن يتأيد الاجتهاد بأصل الحل، فلا يجتهد في ماء اشتبه ببول وإن كان يتوقع ظهور العلامة، إذ لا أصل للبول في حل المطلوب، وهو التطهير هنا.
ثالثها: أن يكون للعلامة فيه مجال، أي مدخل، كالأواني والثياب، فلا يجتهد فيما إذا
اشتبهت محرمه بأجنبيات محصورات للنكاح لأنه يحتاط له.
رابعها: الحصر في المشتبه به، فلو اشتبه إناء نجس بأوان غير محصورة فلا اجتهاد بل يأخذ منها ما شاء إلى أن يبقى عدد محصور - عند ابن حجر - وزاد بعضهم: سعة الوقت.
فلو ضاق الوقت عن الاجتهاد تيمم وصلى، والأوجه خلافه.
واشترط بعضهم أيضا أن يكون الإنآن لواحد، فإن كانا لاثنين، لكل واحد، توضأ كل بإنائه، والأوجه - كما في الإحياء - خلافه عملا بإطلاقهم إذا علمت ذلك.
فلو اشتبه ماء طاهر أو تراب كذلك بماء متنجس أو تراب كذلك، أو اشتبه ماء طهور أو تراب كذلك بماء مستعمل أو بمتنجس أو تراب كذلك، اجتهد في المشتبهين جوازا إن قدر على طاهر بيقين، ووجوبا إن لم يقدر على ذلك، واستعمل ما ظنه بالاجتهاد طاهرا أو طهورا، ويسن له قبل الاستعمال أن يريق المظنون نجاسته لئلا يغلط فيستعمله أو يتغير اجتهاده فيشتبه عليه الأمر، فإن تركه بلا إراقة وتغير ظنه باجتهاده ثانيا لم يعمل بالثاني من الاجتهادين لئلا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد إن غسل ما أصابه ماء الأول بماء الثاني ويصلي بنجاسة إن لم يغسله.
ولا يعمل بالاجتهاد الأول أيضا عند م ر، فلا يصلي بالوضوء الحاصل منه.
واعتمد ابن حجر خلافه.
أو اشتبه ماء وبول أو ماء وماء ورد فلا يجتهد، بل في الأول يريقهما أو أحدهما، أو يخلط أحدهما أو شيئا منه على الآخر ثم يتيمم ولا إعادة عليه.
فلو تيمم قبل ذلك لا يصح تيممه، لأن شرط صحته أن لا يتيمم بحضرة ماء متيقن الطهارة، ويتوضأ بكل مرة في الثاني.
ومثل الاجتهاد في الماء والتراب الاجتهاد في الثياب والأطعمة والحيوانات، فلو اشتبه عليه ثوب نجس بثوب طاهر، أو طعام نجس بطعام طاهر، أو اشتبه عليه شاته بشاة غيره، اجتهد في ذلك، فما أداه اجتهاده إلى أنه طاهر أو ملكه، عمل به، وما لا فلا.
(قوله: وثانيها) أي وثاني شروط الوضوء.
(قوله: على عضو مغسول) أي كالوجه واليدين والرجلين، وخرج به الممسوح كالرأس فلا يشترط فيه الجري.
(قوله: فلا يكفي أن يمسه الماء) قال في العباب: ومن ثم لم يجز الغسل بالثلج والبرد إلا إن ذابا وجريا على العضو.
(قوله: لأنه لا يسمى غسلا) أي لأن المس المذكور لا يسمى غسلا، مع أن المأمور به في الآية الشريفة الغسل.
قال في النهاية: ولا يمنع من عد هذا شرطا كونه معلوما من مفهوم الغسل لأنه قد يراد به - أي الغسل - ما يعم النضح.
اه.
(قوله: وثالثها) أي ثالث شروط الوضوء.
(قوله: تغيرا ضارا) بأن يكون كثيرا بحيث يمنع إطلاق اسم الماء عليه كما تقدم.
(قوله: كزعفران وصندل) تمثيل للمغير الذي على العضو.
(قوله: خلافا لجمع) أي قالوا: يغتفر ما على العضو.
(قوله: ورابعها) أي رابع شروط الوضوء.
(قوله: حائل) أي جرم كثيف يمنع وصول الماء للبشرة.
(قوله: بين الماء
ودهن جامد وعين حبر وحناء، بخلاف دهن جار أي مائع - وإن لم يثبت الماء عليه - وأثر حبر وحناء.
وكذا يشترط - على ما جزم به كثيرون - أن لا يكون وسخ تحت ظفر يمنع وصول الماء لما تحته، خلافا لجمع منهم الغزالي والزركشي وغيرهما، وأطالوا في ترجيحه وصرحوا بالمسامحة عما تحتها من الوسخ دون نحو العجين.
وأشار الاذرعي وغيره إلى ضعف مقالتهم.
وقد صرح في التتمة وغيرها، بما في الروضة وغيرها، من عدم
المسامحة بشئ مما تحتها حيث منع وصول الماء بمحله.
وأفتى البغوي في وسخ حصل من غبار بأنه يمنع صحة الوضوء، بخلاف ما نشأ من بدنه وهو العرق المتجمد.
وجزم به في الانوار.
(و) خامسها: (دخول وقت
ــ
والمغسول) مثله الممسوح كما هو ظاهر.
(قوله: كنورة إلخ) تمثيل للحائل.
(قوله: بخلاف دهن جار) أي بخلاف ما إذا كان على العضو دهن جار فإنه لا يعد حائلا فيصح الوضوء معه، وإن لم يثبت الماء على العضو لأن ثبوت الماء ليس بشرط.
(قوله: وأثر حبر وحناء) أي وبخلاف أثر حبر وحناء فإنه لا يضر.
والمراد بالأثر مجرد اللون بحيث لا يتحصل بالحت مثلا منه شئ.
(قوله: أن لا يكون وسخ تحت ظفر) أي من أظفار اليدين أو الرجلين.
قال الزيادي: وهذه المسألة مما تعم بها البلوى، فقل من يسلم من وسخ تحت أظفار يديه أو رجليه، فليتفطن لذلك.
(قوله: خلافا لجمع) أي قالوا بعدم اشتراط ذلك.
(قوله: وأطالوا في ترجيحه) أي مستدلين بأنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بتقليم الأظفار ورمي ما تحتها ولم يأمرهم بإعادة الصلاة.
قال في شرح العباب: وما في الإحياء - مما نقله الزركشي عن كثيرين، وأطال هو وغيره في ترجيحه، وأنه الصحيح المعروف من المسامحة عما تحتها من الوسخ دون نحو العجين - ضعيف، بل غريب كما أشار إليه الأذرعي اه.
(قوله: بشئ مما تحتها) أي سواء كان من الوسخ أو من العجين.
(قوله: حيث منع) أي ذلك الشئ - وسخا أو غيره - وقوله: بمحله أي ذلك الشئ.
(قوله: وأفتى البغوي في وسخ إلخ) لا يختص هذا بما تحت الأظفار بل يعم سائر البدن وعبارة ابن حجر: وكوسخ تحت الأظفار، خلافا للغزالي، وكغبار على البدن، بخلاف العرق المتجمد عليه لأنه كالجزء منه.
ومن ثم نقض مسه.
اه.
(قوله: وهو العرق المتجمد) قضيته وإن لم يصر كالجزء ولم يتأذ بإزالته - وهو ظاهر لكثرة تكرره والمشقة في إزالته - لكن في ابن عبد الحق: نعم، هن صار الجرم المتولد من العرق جزءا من البدن لا يمكن فصله عنه فله حكمه، فلا يمنع صحة الوضوء ولا النقض بمسه.
اه ع ش.
(قوله: وخامسها) أي وخامس شروط الوضوء.
وبقي من الشروط: عدم المنافي من حيض ومس ذكر، وعدم الصارف ويعبر عنه بدوام النية حكما، والإسلام، والتمييز، ومعرفة كيفية الوضوء بأن لا يقصد بفرض معين نفلا، وغسل ما لا يتم الواجب إلا به.
وقد عد بعضهم شروط الوضوء خمسة عشر شرطا، ونظمها في قوله: أيا طالبا مني شروط وضوئه فخذها على الترتيب، إذ أنت سامع شروط وضوء عشرة ثم خمسة فخذ عدها والغسل للطهر جامع طهارة أعضاء نقاء وعلمه بكيفية المشروع والعلم نافع وترك مناف في الدوام وصارف عن الرفع والإسلام قد تم سابع وتمييزه واستثن فعل وليه إذا طاف عنه وهو بالمهد راضع ولا حال نحو الشمع والوسخ الذي حوى ظفر والرمص في العين مانع
وجري على عضو وإيصال مائه وويل لأعقاب من النار واقع وتخليل ما بين الأصابع واجب إذا لم يصل إلا ما هو قالع وماء طهور والتراب نيابة وبعد دخول الوقت إن فات رافع كتقطير بول ناقض واستحاضة وودي ومذي أو مني يدافع وليس يضر البول من ثقبة علت كجرح على عضو به الدم ناقع ونيته للاغتراف محلها إذا تمت الأولى من الوجه تابع ونية غسل بعدها فانو واغترف وإلا فالاستعمال لا شك واقع
لدائم حدث) كسلس ومستحاضة.
ويشترط له أيضا ظن دخوله، فلا يتوضأ - كالمتيمم - لفرض أو نفل مؤقت قبل وقت فعله، ولصلاة جنازة قبل الغسل، وتحية قبل دخول المسجد، وللرواتب المتأخرة قبل فعل الفرض، ولزم وضوآن أو تيممان على خطيب دائم الحدث، أحدهما: للخطبتين والآخر بعدهما لصلاة جمعة، ويكفي واحد لهما لغيره، ويجب عليه الوضوء لكل فرض - كالتيمم وكذا غسل الفرج وإبدال القطنة التي بفمه والعصابة، وإن لم تزل عن موضعها.
وعلى نحو سلس مبادرة بالصلاة، فلو أخر لمصلحتها كانتظار
ــ
وقد صححوا غسلا مع البول إن جرى خلاف وضوء خذه والعلم واسع ووشم بلا كره وعظمة جابرتشق بلا خوف ويكشط مانع (وقوله: كسلس) بكسر اللام على أنه اسم فاعل، وبفتحها على أنه مصدر، ويقدر مضاف، أي ذي سلس.
وشمل سلس البول وسلس الريح، فلو توضأ قبل دخول الوقت لم يصح لأنه طهارة ضرورة، ولا ضرورة قبل الوقت.
(قوله: ويشترط له أيضا إلخ) الأنسب والأخصر أن يقول بعد قوله دخول وقت لدائم الحدث ولو ظنا، أي سواء كان دخوله يقينا أو كان ظنا، فيما إذا اشتبه عليه الوقت أدخل أم لا، فاجتهد فأداه اجتهاده إلى دخوله.
وعبارة المنهج القويم: ودخول الوقت لدائم الحدث أو ظن دخوله.
اه.
وهي ظاهرة، تأمل.
(قوله: فلا يتوضأ) أي دائم الحدث.
وقوله: كالمتيمم أي حال كونه كالمتيمم، فإنه يشترط في تيممه دخول الوقت سواء كان دائم الحدث أم لا.
(قوله: أو نفل مؤقت) كالكسوفين والعيدين.
(قوله: قبل وقت فعله) متعلق بيتوضأ.
(قوله: ولصلاة جنازة) أي ولا يتوضأ لصلاة جنازة قبل غسل الميت لأن وقتها إنما يدخل بعده.
(قوله: وتحية قبل دخول المسجد) أي ولا يتوضأ لصلاة التحية قبل دخول المسجد.
(قوله: وللرواتب المتأخرة قبل فعل الفرض) أي ولا يتوضأ قبل فعل الفرض لأجل الرواتب، أي بقصد استباحة فعل الرواتب.
فلو توضأ لأجل ذلك لم يصح وضوءه أصلا لأن وقتها إنما يدخل بعد فعل الفرض.
واعلم أن دائم الحدث - كالمتيمم - يستباح له بوضوئه للفرض أن يصلي الفرض وما شاء من النوافل، وإذا علم ذلك فلا ينظر لمفهوم قوله ولا يتوضأ للرواتب قبل الفرض من أنه يتوضأ لها بعده.
(قوله: أو تيممان) هو ساقط في بعض نسخ الخط، وهو أولى، لأن التيممين يلزمان دائم الحدث والسليم.
تأمل.
(قوله: أحدهما) أي أحد الوضوأين أو التيممين - على ما في بعض النسخ - يكون للخطبتين لأن الخطبة، وإن كانت فرض كفاية هي قائمة مقام ركعتين فالتحقت بفرائض الأعيان (قوله: والآخر بعدهما) أي والوضوء أو التيمم الآخر يكون بعد الخطبتين لأجل صلاة الجمعة.
(قوله: ويكفي واحد لهما لغيره) أي غير دائم الحدث، وهو السليم.
وصريحه أنه يكفي وضوء واحد أو تيمم واحد للخطبتين والجمعة لغير دائم الحدث، وليس كذلك بالنسبة للتيمم كما علمت، فيتعين حمل قوله واحد على خصوص الوضوء، (قوله: ويجب عليه الوضوء الخ) أي ويجب على دائم الحدث الوضوء لكل فرض ولو منذورا، فلا يجوز أن يجمع بوضوء واحد بين فرضين، كما أنه لا يجوز أن يجمع بتيمم واحد بينهما.
وسيأتي تفصيل ما يستباح للمتيمم من الصلوات وغيرهما بتيممه في بابه، ويقاس عليه دائم الحدث في جميع ما يأتي فيه.
(قوله: وكذا غسل الفرج الخ) أي وكذا يجب على دائم الحدث إلخ.
وحاصل ما يجب عليه - سواء كان مستحاضة أو سلسا - أن يغسل فرجه أولا عما فيه من النجاسة، ثم يحشوه بنحو قطنة - إلا إذا تأذى به أو كان صائما - وأن يعصبه بعد الحشو بخرقة إن لم يكفه الحشو لكثرة الدم، ثم يتوضأ أو يتيمم، ويبادر بعده إلى الصلاة، ويفعل هكذا لكل فرض وإن لم تزل العصابة عن محلها.
وقوله: التي بفمه أي الفرج.
وقوله: والعصابة أي وإبدال العصابة، أي تجديدها.
وقوله: وإن لم تزل عن موضعها أي يجب تجديدها، وإن لم تنتقل عن موضعها، وإن لم يظهر الدم مثلا من جوانبها.
(قوله: وعلى نحو سلس) أي ويجب على نحو سلس.
والمقام للإضمار، فلو قال: - كالذي قبله - وعليه مبادرة، لكان أولى.
(وقوله: بالصلاة) أطلقها للإشارة إلى أنه لا فرق بين أن تكون فرضا أو نفلا.
(قوله: فلو أخر لمصلحتها الخ) مقابل لمحذوف تقديره فإن أخر لغير مصلحتها كأكل ضر ذلك
جماعة أو جمعة وإن أخرت عن أول الوقت وكذهاب إلى مسجد لم يضره.
(وفروضه ستة) أحدها: (نية) وضوء أو أداء (فرض وضوء) أو رفع حدث لغير دائم حدث، حتى في الوضوء المجدد أو الطهارة عنه، أو الطهارة لنحو الصلاة، مما لا يباح إلا بالوضوء، أو استباحة مفتقر إلى وضوء كالصلاة ومس المصحف.
ولا تكفي نية استباحة ما يندب له الوضوء، كقراءة القرآن أو الحديث، وكدخول مسجد وزيارة قبر.
والاصل في
ــ
واستأنف جميع ما تقدم عند فعل الصلاة، فلو أخر إلخ.
(قوله: كانتظار إلخ) أي وكإجابة المؤذن والاجتهاد في القبلة وستر العورة.
وقوله: جماعة أي مشروعة لتلك الصلاة بأن تكون صلاتها مما يسن لها الجماعة، وإلا كالمنذورة مثلا مما لا تشرع فيه الجماعة، لا يغتفر التأخير لأجلها.
وقوله: وإن أخرت أي الجماعة أو الجمعة، عن أول وقتها، فإنه لا يضر انتظارها.
(قوله: وكذهاب إلى مسجد) معطوف على كانتظار.
(قوله: لم يضره) جواب لو.
(قوله: وفروضه الخ) لما أنهى الكلام على شروطه شرع يتكلم على فروضه.
وقوله: ستة أي فقط، في حق السليم وغيره.
قال في التحفة: أربعة منها ثبتت بنص القرآن واثنان بالسنة.
(قوله: أحدها نية) هي لغة: القصد.
وشرعا: قصد الشئ مقترنا بفعله.
واعلم أن الكلام عليها من سبعة أوجه، نظمها بعضهم بقوله: حقيقة، حكم محل وزمن كيفية شرط ومقصود حسن فحقيقتها - لغة وشرعا - ما تقدم، وحكمها الوجوب، ومحلها القلب، وزمنها أول الواجبات، وكيفيتها تختلف بحسب الأبواب، وشرطها إسلام الناوي وتمييزه وعمله بالمنوي، وعدم الإتيان بما ينافيها بأن يستصحبها حكما.
والمقصود بها تمييز العبادة عن العادة، كالجلوس مثلا للاعتكاف أو للاستراحة.
(قوله: أو أداء فرض وضوء) أي أو نية ذلك، بأن يقول: نويت أداء فرض الوضوء.
(قوله: أو رفع حدث) أي أو نية رفع حدث، بأن تقول: نويت رفع الحدث.
والمراد رفع حكمه، وهو المنع من الصلاة.
وقوله: لغير دائم حدث قيد في الأخير لا غير، وخرج به دائمه فلا ينوي رفع الحدث لأن حدثه لا يرتفع.
(قوله: حتى في الوضوء المجدد) يعني أنه يأتي بالأمور المتقدمة - أعني نية الوضوء أو أداء فرض الوضوء أو نية رفع الحدث - حتى في الوضوء المجدد، قياسا على الصلاة المعادة.
وخالف في بعض ذلك الرملي، وعبارته: ومحل الاكتفاء بالأمور المتقدمة في غير الوضوء المجدد.
أما هو فالقياس عدم الاكتفاء فيه بنية الرفع أو الاستباحة، وإن ذهب الأسنوي إلى الاكتفاء بذلك، كالصلاة المعادة.
اه.
إذا علمت ذلك تعلم أن الغاية المذكورة للرد بالنسبة لبعضها، وكان الأولى تأخيرها عن جميع ما يأتي من صيغ النية.
(قوله: أو الطهارة عنه) أي أو نية الطهارة عن الحدث.
فهو معطوف على قوله وضوء.
ولو قال: نويت الطهارة، من غير أن يقول عن الحدث لم يكف، لأن الطهارة لغة: مطلق النظافة.
(قوله: أو الطهارة لنحو الصلاة) أي أو نية الطهارة لنحو الصلاة.
وقوله: مما الخ بيان لنحو الصلاة.
والمراد كل عبادة متوقفة على الوضوء، كالطواف ومس المصحف وحمله.
(قوله: أو استباحة مفتقر إلى وضوء) أي أو نية استباحة ما يفتقر إلى وضوء، بأن يقول: نويت استباحة الصلاة أو الطواف أو مس المصحف، فيأتي بإفراد هذه الكلية، ويصح أن يأتي بهذه الصيغة الكلية بأن يقول: نويت استباحة مفتقر إلى وضوء.
(قوله: ولا تكفي نية الخ) أي لأنه يستبيحه مع الحدث فلم يتضمن قصده قصد رفع الحدث.
اه نهاية.
وقال ع ش: وصورة ذلك - أي عدم الاكتفاء بالنية المذكورة - أنه ينوي استباحة ذلك، كأن يقول: نويت استباحة القراءة.
أما لو نوى الوضوء للقراءة، فقال ابن حجر: أنه - أي الوضوء، لا يبطل إلا إذا نوى التعليق أولا،
وجوب النية خبر، إنما الاعمال بالنيات.
أي إنما صحتها لاكمالها.
ويجب قرنها (عند) أول (غسل) جزء من (وجه)، فلو قرنها بأثنائه كفى ووجب إعادة غسل ما سبقها.
ولا يكفي قرنها بما قبله حيث لم يستصحبها إلى غسل شئ منه، وما قارنها هو أوله، فتفوت سنة المضمضة إن انغسل معها شئ من الوجه - كحمرة الشفة - بعد النية فالاولى أن يفرق النية بأن ينوي عند كل من غسل الكفين والمضمضة والاستنشاق سنة الوضوء، ثم فرض الوضوء عند غسل الوجه، حتى لا تفوت فضيلة استصحاب النية من أوله.
وفضيلة المضمضة والاستنشاق مع انغسال حمرة الشفة.
(و) ثانيها: (غسل) ظاهر (وجهه) لآ ية: * (فاغسلوا وجوهكم) * (وهو) طولا (ما بين
ــ
بخلاف ما إذا لم ينوه إلا بعد ذكره الوضوء، لصحة النية حينئذ، فلا يبطلها ما وقع بعد.
اه بتصرف.
(قوله: إنما الأعمال بالنيات) أي بنياتها، (فأل) عوض عن الضمير.
قال بعضهم: وآثر ذكر الأعمال على ذكر الأفعال لأن الأول خاص بذوي
العقول، بخلاف الثاني فإنه عام فيهم وفي غيرهم.
اه.
(قوله: أي إنما صحتها) أي صحة الأعمال.
والمراد بها: المعتد بها شرعا ليخرج نحو الأكل والشرب، وخروج بعض الأعمال المذكورة عن اعتبار النية فيه كالأذان والخطبة والعتق والوقف ونحو ذلك مما لا يتوقف على نية لدليل آخر.
وقوله: لإكمالها أي ليس المراد إنما كمال الأعمال، كما قاله الإمام أبو حنيفة، فتصح عنده الوسائل بغير نية، كالوضوء والغسل.
(قوله: ويجب قرنها) دخول على المتن.
وهو غير ملائم لقوله عند أول إلخ.
فلو قال: ويجب وقوعها عند أول الخ، لكان أنسب، تأمل.
وقوله: عند أول الخ إنما وجب قرنها به لأجل الاعتداد بفعله لا لأجل الاعتداد بالنية، فلا ينافي ما يأتي من أنه لو أتى بها في الأثناء كفى.
وإذا سقط غسل وجهه لعلة ولا جبيرة فالأوجه - كما في التحفة - وجوب قرنها بأول مغسول من اليد، فإن سقطتا أيضا فالراس فالرجل، ولا يكتفي بنية التيمم لاستقلاله، كما لا تكفي نية الوضوء في محلها عن التيمم لنحو اليد كما هو ظاهر.
(قوله: بأثنائه) أي أثناء غسل الوجه.
(قوله: كفى) أي أجزأ قرنها به.
(قوله: ووجب إعادة غسل ما سبقها) أي إعادة غسل الجزء الذي غسل قبل النية لعدم الاعتداد به.
(قوله: ولا يكفي قرنها بما قبله) أي بما قبل غسل الوجه من السنن، كغسل الكفين وكالمضمضة والاستنشاق.
ومحل عدم الاكتفاء بقرنها بهما إن لم ينغسل معهما جزء من الوجه، كحمرة الشفتين، وإلا كفاه.
وفاته ثواب السنة، كما سيذكره.
وقوله: حيث لم يستصحبها أي النية، إلى غسل شئ منه، أي الوجه، فإن استصحبها كفت.
(قوله: وما قارنها هو أوله) أي والجزء الذي قارن غسله النية هو أول الغسل ولو كان وسط الوجه أو أسفله.
(قوله: فتفوت سنة المضمضة) أي والاستنشاق، وهو تفريع على كون ما قارن النية هو أول الغسل.
(وقوله: إن انغسل معها) أي مع المضمضة، أي ومع الاستنشاق كما علمت، وإنما فاتت السنة بذلك لأنه يشترط في حصولها تقدمهما على غسل الوجه، ولم يوجد.
واعلم أن هذا الجزء الذي انغسل مع المضمضة أو الاستنشاق لا تجب إعادة غسله إن غسله بنية الوجه فقط، أما إذا غسله بنية المضمضة أو الاستنشاق، أو بنيتهما مع الوجه، أو أطلق، وجبت إعادته، وهذا هو المعتمد.
وقيل: لا يعيده إلا إن قصد السنة فقط لا إن قصد الوجه فقط، أو قصده والسنة، أو أطلق.
والحاصل أن الكلام هنا في ثلاثة مقامات: الأول في الاكتفاء بالنية.
الثاني في فوات ثواب المضمضة والاستنشاق.
الثالث في إعادة ذلك الجزء، وفيه تفصيل قد علمته.
(قوله: فالأولى) أي لأجل أن لا تفوت عليه سنة المضمضة والاستنشاق.
وقوله: أن يفرق النية أي أو يدخل الماء في محلهما من أنبوبة حتى لا ينغسل معهما شئ من الوجه.
(قوله: حتى لا تفوت إلخ) علة للأولوية.
وقوله: من أوله أي
من أول غسل الوجه.
(وقوله: وفضيلة المضمضة الخ) أي حتى لا تفوت فضيلة المضمضة أو الاستنشاق، لما علمت من أن شرط حصولها تقدمهما على غسل الوجه.
وقوله: مع انغسال الأولى بانغسال، بباء السببية.
(قوله: وثانيهما) أي ثاني
منابت) شعر (رأسه) غالبا (و) تحت (منتهى لحييه) - بفتح اللام - فهو من الوجه دون ما تحته، والشعر النابت
على ما تحته، (و) عرضا (ما بين أذنيه).
ويجب غسل شعر الوجه من هدب وحاجب وشارب وعنفقة ولحية - وهي ما نبت على الذقن - وهو مجتمع اللحيين - وعذار - هو ما نبت على العظم المحاذي للاذن - وعارض - وهو ما انحط عنه إلى اللحية -.
ومن الوجه حمرة الشفتين وموضع الغمم - وهو ما نبت عليه الشعر من الجبهة دون محل التحذيف على الاصح، وهو ما نبت عليه الشعر الخفيف بين ابتداء العذار والنزعة - ودون وتد الاذن والنزعتين - وهما بياضان يكتنفان الناصية - وموضع الصلع - وهو ما بينهما إذا انحسر عنه الشعر -.
ويسن غسل
ــ
فروض الوضوء.
وقوله: غسل ظاهر وجهه يعني انغساله ولو بفعل غيره بلا إذنه، أو بسقوطه في نحو نهر إن كان ذاكرا للنية فيهما، كما في التحفة.
وخرج بظاهر الوجه الباطن منه، كداخل الفم والأنف والعين، فلا يجب غسله، وإن وجب في النجاسة لغلظ أمرها.
نعم، لو قطع أنفه أو شفته وجب غسل ما باشرته السكين فقط، وكذا لو كشط وجهه فيجب غسل ما ظهر بالكشط لأنه صار في حكم الظاهر.
(قوله: وهو) أي الوجه، أي حده.
وقوله: طولا منصوب على التمييز المحول عن المضاف، والأصل طوله.
وكذا يقال في قوله عرضا لأنه معطوف على التمييز.
(قوله: ما بين منابت إلخ) هي جمع منبت - بفتح الباء - كمقعد.
والمراد به ما نبت عليه الشعر بالفعل، لأجل أن يكون لقوله بعد غالبا فائدة وإلا كان ضائعا.
وبيان ذلك أنه إن أريد بالمنبت ما نبت عليه الشعر بالفعل يخرج عنه موضع الصلع، ويدخل بقوله غالبا.
وإن أريد به ما شأنه النبات عليه يدخل فيه موضع الصلع، فإن من شأنه ذلك.
وأما انحسار الشعر فيه فهو لعارض، ويكون قوله غالبا ضائعا، أي لا فائدة فيه.
وخرج بإضافة منابت إلى شعر الرأس موضع الغمم، لأن الجبهة ليست منبته وإن نبت عليها الشعر.
(قوله: وتحت) بالجر، لأنه من الظروف المتصرفة، معطوف على منابت.
(قوله: بفتح اللام) أي في الأشهر، عكس اللحية فإنها بكسر اللام في الأفصح.
(قوله: فهو من الوجه) أي المنتهى الذي هو طرف المقبل من لحييه كائن من الوجه.
(قوله: دون ما تحته) أي المنتهى، فهو ليس من الوجه.
(قوله: والشعر النابت) معطوف على ما تحته، أي ودون الشعر النابت على ما تحته.
(قوله: ما بين أذنيه) أي وتديهما، والوتد الهنية الناشزة في مقدم الأذن، وإنما كان حد الطول والعرض ما ذكر لحصول المواجهة به.
(قوله: ويجب غسل شعر الوجه) اعلم أن شعور الوجه سبعة عشر، ثلاثة مفردة وهي: اللحية، والعنفقة، والشارب.
وأربعة عشر مثناة وهي: العذاران، والعارضان، والسبالان - وهما طرفا الشارب -، والحاجبان، والأهداب الأربعة، وشعر الخدين.
(قوله: من هدب) بضم الهاء مع سكون الدال وضمهما وبفتحهما معا، الشعر النابت على أجفان العين.
(قوله: وحاجب) وهو الشعر النابت على أعلى العين، سمي بذلك لأنه يحجب عن العين شعاع الشمس.
(قوله: وشارب) وهو الشعر النابت على الشفة العليا، سمي بذلك لملاقاته الماء عند شرب الإنسان فكأنه يشرب معه.
(قوله: وعنفقة) بفتح العين، الشعر النابت على الشفة السفلى.
(قوله: وهي) أي اللحية.
وقوله: ما نبت على الذقن أي الشعر
النابت على الذقن، وهو بفتح القاف أفصح من إسكانها.
(قوله: وهو) أي الذقن.
(وقوله: مجتمع اللحيين) تثنية لحي بفتح اللام، وهما العظمان اللذان ينبت عليهما الأسنان السفلى، يجتمع مقدمهما في الذقن ومؤخرهما في الأذنين، فهما كقوس معوج.
(قوله: وعذار) بالذال المعجمة، وهو أول ما ينبت للأمرد غالبا.
(قوله: وعارض) وهو الشعر الذي بين اللحية والعذار، سمي بذلك لتعرضه لزوال المرودة.
(قوله: وهو) أي العارض.
وقوله: ما انحط عنه أي الذي نزل عن العذار.
وقوله: إلى اللحية متعلق بمحذوف، أي وانتهى إلى اللحية.
(قوله: دون محل التحذيف) وضابطه كما قاله الإمام: أن تضع طرف خيط على رأس الأذن - والمراد به الجزء المحاذي لأعلى العذار - قريبا من الوتد، والطرف الثاني على أعلى الجبهة.
ويفرض هذا الخيط مستقيما مما نزل عنه إلى جانب الوجه فهو موضع التحذيف، وسمي بذلك لأن النساء والأشراف يحذفون الشعر عنه ليتسع الوجه.
(قوله: ودون وتد الأذن) معطوف على دون محل التحذيف، فهو ليس من الوجه.
والوتد بكسر التاء والفتح لغة.
(قوله: والنزعتين) بفتح الزاي، ويجوز إسكانها، معطوف على وتد.
أي ودون النزعتين فهما ليستا من الوجه لأنهما في حد تدوير الرأس.
وقوله: وهما بياضان يكتنفان الناصية أي يحيطان بها.
والناصية:
كل ما قيل إنه ليس من الوجه.
ويجب غسل ظاهر وباطن كل من الشعور السابقة - وإن كثف - لندرة الكثافة فيها، لا باطن كثيف لحية وعارض - والكثيف ما لم تر البشرة من خلاله في مجلس التخاطب عرفا - ويجب غسل ما لا يتحقق غسل جميعه إلا بغسله، لان ما لا يتم الواجب إلا به واجب.
(و) ثالثها: (غسل يديه) من كفيه وذراعيه (بكل مرفق) للآية.
ويجب غسل جميع ما في محل الفرض من شعر وظفر، وإن طال.
(فرع) لو نسي لمعة فانغسلت في تثليث، أو إعادة وضوء لنسيان له، لا تجديد واحتياط، أجزأه.
ــ
مقدم الرأس حال كونه من أعلى الجبين.
(قوله: وموضع الصلع) أي ودونه، فهو ليس من الوجه أيضا: وقوله: وهو أي موضع الصلع.
وقوله: ما بينهما أي النزعتين.
وعبارة ابن حجر: وهو ما انحسر عنه الشعر من مقدم الرأس.
وقوله: إذا انحسر أي زال.
(قوله: ويسن غسل إلخ) وذلك كموضع الصلع والتحذيف والنزعتين والصدغين.
(قوله: ويجب غسل ظاهر وباطن إلخ) وفي النهاية ما نصه: وحاصل ذلك - أي ما يجب غسله ظاهرا وباطنا، أو ظاهرا فقط - أن شعور الوجه إن لم تخرج عن حده فإما أن تكون نادرة الكثافة - كالهدب والشارب والعنفقة ولحية المرأة والخنثى - فيجب غسلها ظاهرا وباطنا، خفت أو كثفت.
أو غير نادرة الكثافة - وهي لحية الرجل وعارضاه - فإن خفت بأن ترى البشرة من تحتها في مجلس التخاطب وجب غسل ظاهرها وباطنها، وإن كثفت وجب غسل ظاهرها فقط، فإن خف بعضها وكثف بعضها فلكل حكمه إن تميز، فإن لم يتميز وجب غسل الجميع.
فإن خرجت عن حد الوجه وكانت كثيفة وجب غسل ظاهرها فقط، وإن كانت نادرة الكثافة وإن خفت، وجب غسل ظاهرها وباطنها.
ووقع لبعضهم في هذا المقام ما يخالف ما تقرر فاحذره.
اه.
(قوله: لا باطن كثيف لحية وعارض) أي لا يجب غسل باطن كثيف لحية وعارض.
(قوله: والكثيف ما لم تر، إلخ) هذا عند الفقهاء، وعند غيرهم الثخين، الغليظ، مأخوذ من الكثافة، وهي الثخن والغلظ.
(واعلم) أن لحيته عليه الصلاة والسلام كانت عظيمة، ولا يقال كثيفة لما فيه من البشاعة، وكان عدد شعرها مائة ألف وأربعة وعشرين ألفا، بعدد الأنبياء، كما في رواية.
وقوله: البشرة أي التي تحت الشعر.
وقوله: خلاله أي أثنائه.
(قوله: ويجب غسل ما لا يتحقق إلخ) وذلك كجزء من الرأس ومن تحت الحنك ومن الأذنين، وجزء فوق الواجب غسله من اليدين والرجلين.
(قوله: وثالثها) أي ثالث فروض الوضوء.
وقوله: غسل يديه أي انغسالهما ولو بفعل غيره كما مر.
(قوله: من كفيه وذراعيه) أي به.
لأن حقيقة اليد من رؤوس الأصابع إلى المنكب، فدفعه بقوله من كفيه إلخ.
اه بجيرمي.
(قوله: بكل مرفق) أي مع كل مرفق، وهو مجتمع عظم الساعد والعضد.
(قوله: للآية) وهي قوله تعالى: * (وأيديكم إلى المرافق) * أي ولما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه توضأ فغسل وجهه وأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى شرع في العضد، ثم اليسرى كذلك إلى آخره، ثم قال: هكذا رأيت ر سول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ.
(قوله: ويجب غسل جميع إلخ) ويجب أيضا إزالة ما عليه من الحائل - كالوسخ المتراكم وغيره - كما مر في شروط الوضوء.
(قوله: من شعر) ظاهرا أو باطنا.
أي وإن كثف.
قال بعضهم: بل وإن طال وخرج عن الحد المعتاد.
(قوله: وظفر) أي وجلدة معلقة في محل الفرض، وأصبع زائدة، فيجب غسلهما.
ولو توضأ ثم تبين أن الماء لم يصب ظفره فقلمه لم يجزه بل عليه أن يغسل محل القلم ثم يعيد مسح رأسه وغسل رجليه مراعاة للترتيب.
ولو كان ذلك في الغسل كفاه غسل محل القلم لأنه لا ترتيب فيه.
وقوله: وإن طال أي الظفر، ويحتمل أن يعود الضمير على المذكور من الشعر والظفر.
(قوله: لو نسي) أي المتوضئ.
وقوله: لمعة قال في القاموس: بضم اللام، قطعة من النبت والموضع الذي لا يصيبه الماء في الوضوء أو الغسل.
اه بالمعنى.
(قوله: فانغسلت) أي اللمعة.
وقوله: في ثتليث أي للغسل.
أي بأن نسيها من الأولى فانغسلت في الثانية أو الثالثة.
فيجزئ ذلك لأن الثلاث كطهارة واحدة، فلو انغسلت في رابعة لم يجزئ.
قال في فتح الجواد: وفارق أي انغسالها في الثانية أو الثالثة انغسالها في الرابعة بأن قصد الثانية أو الثالثة لا ينافي نيته - أي الوضوء - لتضمنها لهما، بخلاف قصد
(و) رابعها: (مسح بعض رأسه) كالنزعة والبياض الذي وراء الاذن بشر أو شعر في حده، ولو بعض شعرة واحدة، للآية.
قال البغوي: ينبغي أن لا يجزئ أقل من قدر الناصية، وهي ما بين النزعتين، لانه (ص) لم يمسح أقل منها، وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى، والمشهور عنه وجوب مسح الربع.
(و) خامسها: (غسل رجليه) بكل كعب من كل رجل، للآية.
أو مسح خفيهما بشروطه.
ويجب غسل باطن ثقب وشق.
ــ
الرابعة في ظنه، فهي كسجدة التلاوة فلا تحسب عن سجدة الصلاة، وهما كسجدة الركعة الثانية تحسب عن الأولى.
اه.
(قوله: لنسيان له) أي أو انغسلت في وضوء معاد لنسيان للوضوء الأول، بأن أغفلها في وضوء ثم نسي أنه توضأ فأعاده ظانا وجوبه فيجزئ غسلها فيه.
وقوله: لا تجديد واحتياط أي لا إن انغسلت في وضوء مجدد أو في وضوء احتياط، بأن تطهر فشك هل أحدث فتوضأ أحتياطا، فلا يجزئ انغسالها فيهما، فيعيدها حيث علم الحال لأن النية في المجدد لم تتوجه لرفع
الحدث أصلا بل هي صارفة عنه، ونية وضوء الاحتياط غير جازمة مع عدم الضرورة بخلاف ما إذا لم يبين الحال فإنه يجزئه للضرورة.
اه فتح الجواد.
(قوله: أجزأه) جواب لو، أي أجزأه انغسالها فيما ذكر، ولا يجب عليه أن يجدد غسلها.
(قوله: ورابعها) أي رابع فروض الوضوء.
وقوله: مسح بعض رأسه أي انمساحه، وإن لم يكن بفعله كما مر في نظيره.
ولا تتعين اليد في المسح بل يجوز بخرقة وغيرها، ولو بل يده ووضعها على بعض رأسه ولم يحركها جاز لأن ذلك يسمى مسحا، إذ لا يشترط فيه تحريك.
ولو كان له رأسان، فإن كانا أصليين كفى مسح بعض أحدهما، وإن كان أحدهما أصليا والآخر زائدا وتميز: وجب مسح بعض الأصلي دون الزائد، ولو سامت أو اشتبه: وجب مسح بعض كل منهما.
وقوله: كالنزعة بفتح الزاي، ويجوز إسكانها كما مر.
(قوله: والبياض الذي وراء الأذن) أي لأنه من حدود الرأس أي وكالجزء الذي يجب غسله مع الوجه تبعا فإنه يكفي مسحه.
(قوله: بشر) بدل من بعض الرأس.
وظاهر عدم تقييده بكونه في حد الرأس وتقييده به فيما بعد أنه يكفي المسح على البشرة ولو خرجت عن حد الرأس، كسلعة نبتت فيه وخرجت عنه.
وهو أيضا ظاهر عبارة التحفة والنهاية.
وقال ع ش: ينبغي أن يأتي تفصيل الشعر المذكور فيما لو خلق له سلعة برأسه أو تدلت.
اه.
أي فلا يكفي مسح الخارج عن حده من السلعة.
(قوله: أو شعر في حده) أي الرأس، بأن لم يخرج عن حده بمده من جهة استرساله، فإن خرج عنه به منها لم يكف المسح على النازل عن حد الرأس ولو بالقوة، كما لو كان متلبدا أو معقوصا، ولو مد لخرج، وإنما أجزأ تقصيره في النسك مطلقا.
ولو خرج عن حد الرأس لتعلق فرضه بشعر الرأس وهو صادق بالخارج بخلاف فرض المسح فإنه يتعلق بالرأس، وهو ما ترأس وعلا.
والخارج لا يسمى رأسا.
(قوله: ولو بعض شعرة واحدة) أي ولو كان الممسوح بعض شعرة واحدة فإنه يكفي.
(قوله: للآية) علة لوجوب مسح بعض الرأس، وهي قوله تعالى: * (فامسحوا برؤوسكم) * ووجه دلالتها على الاكتفاء بمسح البعض أن الباء إذا دخلت على متعدد - كما في الآية - تكون للتبعيض، أو على غير متعدد كما في قوله تعالى: * (وليطوفوا بالبيت العتيق) * تكون للإلصاق.
وإنما وجب التعميم في التيمم - مع أن آيته كهذه الآية - لثبوت ذلك بالسنة، ولأنه بدل فاعتبر مبدله، ومسح الرأس أصل فاعتبر لفظه.
وروى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته وعلى العمامة، فدل ذلك على الاكتفاء بمسح البعض.
ولا يقال: إن الناصية متعينة للنص عليها في الحديث.
لأنا نقول: صد عن ذلك الإجماع.
وأيضا فالمسح اسم جنس يصدق بالبعض والكل، ومسح الناصية فرد من أفراده، وذكر فرد من أفراد العام بحكم العام لا يخصصه.
(قوله: قال البغوي: ينبغي إلخ) ضعيف، مخالف للإجماع كما علمت.
وقوله: أن لا يجزئ أقل من قدر الناصية أي مسح أقل من قدرها.
(قوله: وهي) أي الناصية.
(قوله: لأنه الخ) علة لعدم الإجزاء.
وقوله: لم
يمسح أقل منها أي من قدر الناصية.
ولم يذكر الضمير لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه.
(قوله: وهو) أي عدم إجزاء مسح أقل من الناصية رواية إلخ.
(قوله: وخامسها) أي خامس فروض الوضوء.
(قوله: غسل رجليه) أي انغسالهما ولو بغير فعله - كما مر - إن لم يكن لابسا للخفين.
وينبغي أن يتنبه لما يقع كثيرا أن الشخص يغسل رجليه في محل من الميضأة مثلا - بعد
(فرع) لو دخلت شوكة في رجله وظهر بعضها، وجب قلعها وغسل محلها لانه صار في حكم الطاهر، فإن استترت كلها صارت في حكم الباطن فيصح وضوؤه.
ولو تنفط في رجل أو غيره لم يجب غسل باطنه ما لم يتشقق، فإن تشقق وجب غسل باطنه ما لم يرتتق.
(تنبيه) ذكروا في الغسل أنه يعفى عن باطن عقد الشعر أي إذا انعقد بنفسه وألحق بها من ابتلي بنحو طبوع لصق بأصول شعره حتى منع وصول الماء إليها ولم يمكن إزالته.
وقد صرح شيخ شيوخنا زكريا الانصاري
بأنه لا يلحق بها، بل عليه التيمم.
لكن قال تلميذه - شيخنا -: والذي يتجه العفو للضرورة.
ــ
غسل وجهه ويديه ومسح رأسه في محل آخر - بنية إزالة الوسخ مع الغفلة عن نية الوضوء فإنه لا يصح، ويجب عليه إعادة غسلهما بنية الوضوء.
بخلاف ما إذا ليغفل عن نية الوضوء أو أطلق فإنه لا يضر.
(قوله: بكل كعب) الباء بمعنى مع.
وقوله: من كل رجل أشار بذلك إلى تعدد الكعب في كل رجل، فإن لكل رجل كعبين، وهما العظمان الناتئان من الجانبين عند مفصل الساق والقدم.
(قوله: للاية) أي وللاتباع (قوله: أو مسح خفيهما) معطوف على غسل رجليه.
وقوله: بشروطه أي المسح على الخفين، وهي لبسهما على طهارة كاملة، وأن يكون الخف طاهرا، وأن يكون قويا يمكن متابعة المشي عليه، وأن يكون ساترا لمحل ما يجب غسله.
(قوله: ويجب غسل باطن ثقب وشق) محله ما لم يكن لهما غور في اللحم، فإن كان لهما ذلك لم يجب إلا غسل ما ظهر من الثقب والشق.
والثقب بفتح المثلثة - وقيل بضمها - ما كان مستديرا.
والشق - بفتح الشين - ما كان مستطيلا.
(قوله: لو دخلت شوكة) أو نحوها كإبرة.
(قوله: في رجله) أي أو نحوها، كيده أو وجهه.
(قوله: وظهر بعضها) أي بعض الشوكة.
(قوله: وجب قلعها وغسل محلها) ظاهره أنه متى كان بعض الشوكة ظاهرا اشترط قلعها مطلقا وغسل موضعها.
وفصل بعضهم فقال: يجب قلعها إن كان موضعها يبقى مجوفا بعد القلع، وإن كان لا يبقى مجوفا بل يلتحم وينطبق بعده لم يجب قلعها، ويصح وضوءه مع وجودها.
لكن إن غارت في اللحم واختلطت بالدم الكثير، مع بقاء رأسها ظاهرا، لم تصح الصلاة معها وإن صح الوضوء.
(قوله: لأنه) أي لأن محلها صار في حكم الظاهر وهو يجب غسله.
(قوله: فإن استترت كلها) محترز قوله وظهر بعضها.
وقوله: صارت في حكم الباطن أي وهو لا يجب غسله.
وقوله: فيصح وضوؤه أي مع وجودها، وكذا تصح صلاته.
(قوله: تنفط) أي بدن المتوضئ، أي ظهر فيه النفط - وهو الجدري - قال في المصباح: يقال نفطت يده نفطا من باب تعب، ونفيطا إذا صار بين الجلد واللحم ماء.
الواحدة نفطة ككلمة، والجمع نفط ككلم، وهو الجدري.
(قوله: في رجل) حال من مصدر الفعل.
قيل: ولو حذف في وجعل ما بعدها فاعلا بالفعل لكان أولى.
وقوله: أو غيره أي كيد ووجه.
والأولى أو غيرها، بضمير المؤنث للقاعدة: أن ما كان متعددا من الأعضاء يؤنث - كاليد والرجل والعين والأذن -، وما كان غير متعدد كالرأس والأنف يذكر غالبا.
(قوله:
لم يجب غسل باطنه) أي باطن النفط.
(قوله: ما لم يتشقق) أي ينفتح ذلك النفط.
(قوله: ما لم يرتتق) أي ما لم يلتحم ويلتئم بعد انفتاحه وتشققه، فإن ارتتق لم يجب غسل باطنه.
(قوله: تنبيه: ذكروا في الغسل) أي وما ذكروه في الغسل يجري نظيره في الوضوء.
فلو انعقدت لحية المتوضئ غير الكثة لم يجب غسل باطنها، وألحق به من ابتلي بنحو طبوع فيها حتى منع من وصول الماء إلى أصولها ولم يمكن إزالته فيعفى عنه، ولا يجب غسل باطنها.
(قوله: عقد الشعر) العقد بضم ففتح جمع عقدة.
والاضافة من إضافة الصفة للموصوف، أي الشعر المنعقد.
(قوله: إذا انعقد بنفسه) أي وإن كثر، كما في التحفة.
فإن عقد بفعل فاعل وجب غسل باطنه، ووجب نقضه إذا لم يصل الماء إلى باطن الشعر إلا به.
قال الكردي: وله أي لابن حجر احتمال في الإمداد والإيعاب في العفو عما عقده بفعله.
وينبغي كما في الإيعاب ندب قطع المعقود خروجا من خلاف من أوجبه.
اه.
(قوله: وألحق بها) أي بعقد الشعر.
(قوله: طبوع) بوزن تنور، وهو بيض القمل.
(قوله: حتى منع وصول الماء إليها) أي إلى أصول الشعر.
(قوله: ولم يمكن إزالته) أي نحو الطبوع.
(قوله: بأنه لا يلحق بها) أي بعقد الشعر.
(قوله: لكن قال تلميذه شيخنا: والذي إلخ) وقال أيضا: فإن أمكنه حلق محله فالذي يتجه أيضا وجوبه ما لم يحصل له به
(و) سادسها: (ترتيب) كما ذكر من تقديم غسل الوجه فاليدين فالرأس فالرجلين للاتباع.
ولو انغمس محدث، ولو في ماء قليل بنية معتبرة مما مر أجزأه عن الوضوء، ولو لم يمكث في الانغماس زمنا يمكن فيه الترتيب.
نعم، لو اغتسل بنيته فيشترط فيه الترتيب حقيقة، ولا يضر نسيان لمعة أو لمع في غير أعضاء الوضوء، بل لو كان على ما عدا أعضائه، مانع كشمع لم يضر - كما استظهره شيخنا -.
ولو أحدث وأجنب أجزأه الغسل عنهما بنيته.
ولا يجب تيقن عموم الماء جميع العضو بل يكفي غلبة الظن به.
(فرع) لو شك المتوضئ أو المغتسل في تطهير عضو قبل الفراغ من وضوئه أو غسله طهره، وكذا ما بعده في الوضوء، أو بعد الفراغ من طهره، لم يؤثر.
ولو كان الشك في النية لم يؤثر أيضا على الاوجه، كما في شرح
ــ
مثلة لا تحتمل عادة.
اه.
(قوله: وسادسها) أي سادس فروض الوضوء.
(قوله: ترتيب) هو وضع كل شئ في مرتبته ومحله.
(قوله: كما ذكر) أي ترتيب كائن كما ذكر في عد الأركان.
(قوله: من تقديم الخ) بيان لما، ولم يذكر النية لأنه لا ترتيب بينها وبين غسل الوجه لوجوب اقترانها به.
(قوله: للاتباع) تعليل لوجوب الترتيب، وهو فعله صلى الله عليه وسلم المبين للوضوء المأمور به، فإنه عليه السلام لم يتوضأ إلا مرتبا.
وقوله عليه السلام في حجة الوداع، لما قالوا له: أنبدأ بالصفا أو المروة؟ ابدؤا بما بدأ الله به.
والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ومما يدل على وجوب الترتيب أنه تعالى ذكر ممسوحا بين مغسولات في آية الوضوء.
وتفريق المتجانس لا ترتكبه العرب إلا لفائدة، وهي هنا وجوب الترتيب، لا ندبه بقرينة الأمر في الخبر، ولأن الآية وردت لبيان الوضوء الواجب.
ومحل وجوب الترتيب إن لم يكن هناك حدث أكبر، وإلا سقط الترتيب لاندراج الأصغر في الأكبر.
حتى لو اغتسل الجنب إلا أعضاء وضوئه لم يجب عليه ترتيب فيها.
ولو اغتسل الجنب إلا رجليه مثلا، ثم أحدث حدثا أصغر ثم توضأ، فله تقديم غسل الرجلين وتأخيره وتوسيطه، فلو غسلهما عن الجنابة ثم توضأ لم يجب غسلهما في الوضوء.
وبه يلغز فيقال: لنا وضوء خال عن غسل عضو مكشوف بلا ضرورة؟
(قوله: ولو انغمس محدث) أي حدثا أصغر، لانصرافه إليه عند الإطلاق.
وقوله: ولو في ماء قليل غاية لمقدر، أي انغمس في ماء مطلق ولو كان قليلا.
لكن محل الاكتفاء بالانغماس فيه كما في الكردي فيما إذا نوى المحدث بعد تمام الانغماس رفع الحدث، وإلا ارتفع الحدث عن الوجه فقط إن قارنته النية، وحكم باستعمال الماء.
(قوله: بنية معتبرة مما مر) كنية رفع الحدث، أو نية الوضوء، أو فرض الوضوء.
(قوله: أجزأه) أي لأن الترتيب يحصل في لحظات لطيفة.
(قوله: ولو لم يمكث إلخ) الغاية للرد على الرافعي القائل بأنه لا بد للإجزاء من إمكان الترتيب، بأن يغطس ويمكث قدر الترتيب.
(قوله: نعم، لو اغتسل بنيته) أي نية رفع الحدث ونحوه مما مر.
ومراده الاغتسال بالصب بنحو إبريق فهو مقابل للانغماس وعبارة فتح الجواد: وخرج بالإنغماس الاغتسال، فيشترط فيه الترتيب حقيقة.
اه.
إذا علمت ذلك تعلم أنه لا محل للاستدراك، فلو حذف لفظ نعم وقال: لو الخ، لكان أولى.
(قوله: ولا يضر إلخ) أي فيما إذا انغمس أو اغتسل.
(قوله: بل لو كان إلخ) إضراب انتقالي وأفاد به أن النسيان ليس بقيد.
(قوله: أعضاءه) أي الوضوء.
(قوله: مانع) أي يمنع وصول الماء للعضو.
(قوله: أجزأه الغسل) أي من غير ترتيب، لاندراج الحدث الأصغر في الأكبر.
وقوله: بنيته أي الغسل.
(قوله: ولا يجب تيقن الخ) أي في الوضوء وفي الغسل.
وقوله: عموم الماء أي استيعابه جميع العضو.
(قوله: بل يكفي غلبة الظن به) أي بعموم الماء جميع العضو.
(قوله: في تطهير عضو) متعلق بشك، ومثله الظرف الذي بعده.
(قوله: أو غسله) أي أو قبل الفراغ من غسله.
(قوله: طهره) أي طهر ذلك العضو المشكوك فيه.
(قوله: وكذا ما بعده) أي وكذلك طهر ما بعده من الأعضاء.
(قوله: في الوضوء) أي بالنسبة له، لاشتراط الترتيب فيه بخلاف الغسل، فلا يعيد غسل ما بعد العضو المشكوك فيه لعدم اشتراط الترتيب فيه.
(قوله: أو بعد الفراغ) معطوف على قبل الفراغ، أي أو شك بعد الفراغ من طهره.
(قوله: لم يؤثر) أي لم يضر شكه بعد الفراغ استصحابا لأصل الطهر فلا نظر لكونه يدخل الصلاة بطهر مشكوك فيه.
اه تحفة.
المنهاج لشيخنا، وقال: فيه قياس ما يأتي في الشك بعد الفاتحة وقبل الركوع: أنه لو شك بعد عضو في أصل غسله لزمه إعادته، أو بعضه لم تلزمه.
فليحمل كلامهم الاول على الشك في أصل العضو لا بعضه.
(وسن) للمتوضئ - ولو بماء مغصوب على الاوجه - (تسمية أوله) أي أول الوضوء - للاتباع - وأقلها باسم الله، وأكملها بسم الله الرحمن الرحيم.
وتجب عند أحمد، ويسن قبلها التعوذ وبعدها الشهادتان والحمد لله الذي جعل الماء طهورا.
ويسن لمن تركها أوله أن يأتي بها أثناءه قائلا: باسم الله أوله وآخره.
لا بعد فراغه.
وكذا في نحو الاكل والشرب والتأليف، والاكتحال مما يسن له التسمية.
والمنقول عن الشافعي وكثير من الاصحاب أن أول السنن التسمية، وبه جزم النووي في المجموع وغيره.
فينوي معها عند غسل اليدين.
وقال جمع متقدمون: إن أولها السواك ثم بعده التسمية.
ــ
(قوله: ولو كان الشك في النية) كذا نقل عن فتاوى شيخنا الشهاب الرملي، وقاسه على الصوم.
لكن الذي استقر رأيه عليه في الفتاوى التي قرأها ولده عليه أنه يؤثر كما في الصلاة.
وقال: أن الفرق بين الوضوء والصوم واضح.
اه.
وسيأتي أن الشك في الطهارة بعد الصلاة لا يؤثر، وحينئذ يتحصل أنه إذا شك في نية الوضوء بعد فراغه ضر، أو بعد الصلاة لم يضر بالنسبة للصلاة، لأن الشك في نيته بعدها لا يزيد على الشك فيه نفسه بعدها.
ويضر بالنسبة لغيرها.
حتى لو أراد مس المصحف أو صلاة أخرى امتنع ذلك.
م ر اهـ سم بالحرف.
(قوله: وقال فيه) أي في شرح المنهاج.
(قوله: قياس ما يأتي) أي في باب
الصلاة.
وعبارته هناك: فرع: شك قبل ركوعه في أصل قراءة الفاتحة لزمه قراءتها، أو في بعضها فلا.
اه.
(قوله: أنه لو شك الخ) أن وما بعدها في تأويل مصدر خبر قياس.
(قوله: في أصل غسله) يعني شك، هل غسله كله أو تركه؟.
(قوله: أو بعضه) أي أو شك في غسل بعضه.
(قوله: لم تلزمه) أي إعادة غسل ذلك البعض.
(قوله: فليحمل كلامهم الأول) وهو أنه إذا شك في تطهير عضو قبل الفراغ.
الخ.
(قوله: علي الشك إلخ) متعلق بيحمل.
(قوله: لا بعضه) أي لا الشك في بعضه فإنه لا يؤثر مطلقا، سواء كان الشك وقع فيه بعد الفراغ من الوضوء أم قبله.
(قوله: وسن للمتوضئ الخ) لما أنهى الكلام على شروط الوضوء وفروضه، شرع في بيان سننه، فقال: وسن، الخ.
واعلم أن السنة والتطوع والنفل والمندوب والحسن والمرغب فيه: ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه، فهي ألفاظ مترادفه.
لكن قال بعضهم: إن الحسن يشمل المباح، إلا أن يقال إنه مختص بمرادفته للسنة في اصطلاح الفقهاء.
وسنن الوضوء كثيرة، أورد منها في الرحيمية ستا وستين، والمصنف أورد بعضها.
(قوله: ولو بماء مغصوب) أي سن التسمية ولو كان الوضوء بماء مغصوب، ولا ينافي ذلك حرمة الوضوء به لأنها لعارض، والمحرم لعارض لا تحرم البسملة في ابتدائه - كما مر أول الكتاب -.
(قوله: للاتباع) أي وهو ما رواه النسائي بإسناد جيد عن أنس، قال: طلب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وضوءا فلم يجدوا، فقال صلى الله عليه وسلم: هل مع أحد منكم ماء؟ فأتي بماء فوضع يده في الإناء الذي فيه الماء ثم قال: توضؤا باسم الله.
فرأيت الماء يفور من بين أصابعه حتى توضأ نحو سبعين رجلا.
وقوله: توضؤا باسم الله.
أي قائلين ذلك.
اه شرح الروض.
(قوله: وأقلها) أي التسمية.
(قوله: وتجب) أي التسمية عند أحمد، مستدلا بخبر: لا وضوء لمن لم يسم.
ورده الشافعية بضعفه أو حمله على الكامل.
(قوله: ويسن قبلها) أي قبل التسمية.
(قوله: ويسن لمن تركها أوله أن يأتي بها أثناءه) أي بصيغة أخرى.
وهي التي ذكرها بقوله: قائلا باسم الله أوله وآخره.
(قوله: لا بعد فراغه) أي لا يسن الإتيان بها بعد فراغ الوضوء.
(قوله: وكذا في نحو الأكل والشرب، إلخ) أي كذلك يأتي بها في الأول، فإن تركها فيه ففي الأثناء، ولا يأتي بها بعد الفراغ.
هكذا يستفاد من صنيعه، وهو الذي جرى عليه ابن حجر في التحفة وفتح الجواد.
والمعتمد عند شيخ الإسلام وم ر: سنية الإتيان بها بعد فراغ الأكل والشرب، للأمر بذلك في حديث الترمذي وغيره.
ومحل الإتيان بها في الأثناء في غير ما يكره الكلام فيه كالجماع، وإلا فلا يؤتى بها في أثنائه.
(قوله: وبه) أي بكون أول السن التسمية، جزم النووي في المجموع وغير المجموع من كتبه.
(قوله: فينوي) أي الوضوء،
(فرع) تسن التسمية لتلاوة القرآن، ولو من أثناء سورة في صلاة أو خارجها، ولغسل وتيمم وذبح.
(فغسل الكفين) معا إلى الكوعين مع التسمية المقترنة بالنية، وإن توضأ من نحو إبريق أو علم طهرهما - للاتباع - (فسواك) عرضا في الاسنان ظاهرا وباطنا وطولا في اللسان، للخبر الصحيح: لولا أن أشق على
ــ
أو سنن الوضوء وهو الأولى، لئلا تفوته سنية المضمضة والاستنشاق كما مر.
(قوله: معها) أي التسمية، فإن قلت: كيف يتصور مقارنة النية للتسمية؟ مع أن التلفظ بكل منهما سنة؟ فالجواب: أن المراد أنه ينوي بقلبه حال كونه مسميا بلسانه، ثم بعد التسمية يتلفظ بما نواه.
قال في التحفة: وعليه جريت في شرح الإرشاد لتشمله بركة التسمية.
ويحتمل أنه يتلفظ بها قبلها، كما يتلفظ بها قبل التحرم، ثم يأتي بالبسملة مقارنة للنية القبلية، كما يأتي بتكبير التحرم كذلك.
اه.
(قوله: وقال جمع متقدمون: إن أولها السواك) وجمع بينهما بأن أول السنن القولية التسمية، وأول السنن الفعلية السواك.
وإنما يجعل التعوذ أول السنن لأنه ليس مقصودا بالذات.
(قوله: تسن التسمية لتلاوة، إلخ) أي ولكل أمر ذي بال - أي شأن - بحيث لا يكون محرما لذاته، ولا مكروها لذاته ولا من سفاسف الأمور، وليس ذكرا محضا، ولا جعل الشارع مبدأ له، كما مر معظم ذلك أول الكتاب.
(قوله: وذبح) فإن قلت: إن البسملة مشتملة على الرحمة، والذبح ليس من آثارها؟.
أجيب بأنه رحمة بالنسبة للحيوان، لأن موته لا بد منه، وهو بهذا الطريق أسهل.
(قوله: فغسل الكفين) بالرفع، عطف على تسمية أي.
وسن عقب التسمية غسل الكفين، أي انغسالهما، ولو من غير فعل فاعل كما مر.
وقوله: معا أي ويسن غسلهما معا، فلا يسن فيهما تيامن.
وكان الأولى أن يقول: ومعا.
لأن المعية سنة مستقلة، وليفيد حصول أصل السنة ولو بالغسل مرتبا، أفاده في فتح الجواد.
(قوله: إلى الكوعين) أي مع الكوعين، والكوع هو الذي يلي إبهام اليد، وأما البوع فهو العظم الذي يلي إبهام الرجل، وقد نظم بعضهم معناهما مع معنى الكرسوع والرسغ، فقال: وعظم يلي الإبهام كوع وما يلي لخنصره الكرسوع والرسغ موسط وعظم يلي إبهام رجل ملقب ببوع فخذ بالعلم واحذر من الغلط قال بعضهم: الغبي هو الذي لا يعرف كوعه من بوعه.
(قوله: مع التسمية المقترنة بالنية) أي القلبية، فينوي بقلبه ويبسمل بلسانه مع أول غسل الكفين كما مر.
(قوله: وإن توضأ من نحو إبريق) أي يسن الغسل وإن لم يرد إدخالهما في الإناء، كأن صب على كفيه بنحو إبريق، أو تيقن طهرهما، للاتباع.
فإن شك في طهرهما كره غمسهما في ماء قليل لا كثير قبل غسلهما ثلاثا، لخبر: إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده.
رواه الشيخان، إلا قوله: ثلاثا.
فمسلم أشار فيما علل به إلى احتمال نجاسة اليد في النوم، وألحق بالنوم غيره في ذلك.
أما إذا تيقن طهرهما فلا يكره غمسهما، ولا يسن غسلهما قبله.
(قوله: فسواك) معطوف أيضا على تسمية.
أي وسن سواك.
وهو لغة: الدلك.
وشرعا: استعمال عود أو نحوه، كأشنان في الأسنان وما حولها.
والأصل فيه
قوله عليه السلام: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء.
وفي رواية: لفرضت عليهم السواك مع كل وضوء.
وتعتريه أحكام أربعة: الوجوب فيما إذا توقف عليه زوال النجاسة، أو ريح كريه في نحو جمعة، والحرمة فيما إذا استعمل سواك غيره بغير إذنه ولم يعلم رضاه، والكراهة للصائم بعد الزوال، وفيما إذا استعمله طولا في غير اللسان، والندب في كل حال.
ولا تعتريه الإباحة لأن القاعدة أن ما كان أصله الندب لا تأتي الإباحة فيه.
وله فوائد كثيرة، أوصلها بعضهم إلى نيف وسبعين.
منها: أنه يطهر الفم، ويرضي الرب، ويبيض الأسنان، ويطيب النكهة، ويسوي الظهر، ويشد اللثة، ويبطئ الشيب، ويصفي الخلقة، ويزكي الفطنة، ويضاعف الأجر، ويسهل النزع، ويذكر الشهادة عند
أمتي لامرتهم بالسواك عند كل وضوء.
أي أمر إيجاب.
ويحصل (بكل خشن) ولو بنحو خرقة أو أشنان، والعود أفضل من غيره، وأولاه ذو الريح الطيب، وأفضله الاراك.
لا بأصبعه ولو خشنة، خلافا لما اختاره النووي.
ــ
الموت.
وإدامته تورث السعة والغنى وتيسر الرزق، وتطيب الفم، وتسكن الصداع، وتذهب جميع ما في الرأس من الأذى والبلغم، وتقوي الأسنان، وتجلي البصر، وتزيد في الحسنات، وتفرح الملائكة وتصافحه لنور وجهه وتشيعه إذا خرج للصلاة، ويعطى الكتاب باليمين، وتذهب الجذام، وتنمي المال والأولاد، وتؤانس الإنسان في قبره، ويأتيه ملك الموت عليه السلام عند قبض روحه في صورة حسنة.
(قوله: عرضا) أي في عرض الأسنان.
ولو قال: وعرضا، لكان أولى، إذ هو سنة مستقلة، لخبر: إذا استكتم فاستاكوا عرضا ويجزئ طولا لكنه يكره.
وكيفية الاستياك المسنون أن يبدأ بجانب فمه الأيمن فيستوعبه باستعمال السواك في الأسنان العليا ظهرا وبطنا إلى الوسط، ثم السفلى كذلك، ثم الأيسر كذلك، ثم يمره على سقف حلقه إمرارا لطيفا.
ويسن أن يكون ذلك باليد اليمنى، وأن يجعل الخنصر من أسفله والبنصر والوسطى والسبابة فوقه والإبهام أسفل رأسه، ثم يضعه بعد أن يستاك خلف أذنه اليسرى، لخبر فيه، واقتداء بالصحابة.
واستحب بعضهم أن يقول في أوله: اللهم بيض به أسناني، وشد به لثاتي، وثبت به لهاتي، وبارك لي فيه يا أرحم الراحمين.
ويكره أن يزيد طول السواك على شبر، لما قيل: إن الشيطان يركب على الزائد.
(قوله: ظاهرا وباطنا) أي ظاهر الأسنان وهو ما يلي الشفنين، وباطنها وهو ما يلي الحلق.
(قوله: وطولا في اللسان) فيكره عرضا.
(قوله: للخبر الصحيح) أي دليل سنية السواك.
(قوله: أي أمر إيجاب) دفع به ما يقال إنه قد أمرهم أمر ندب.
والحديث يقتضي امتناع الأمر.
وحاصل الدفع أن الممتنع أمر الإيجاب فلا ينافي أنه أمرهم أمر ندب، أي أن الله تعالى خيره بين الأمرين فاختار الثاني لمشقة الأمة، فجعل الله تعالى الأمر في ذلك مفوضا إليه.
فلا يرد أن الآمر هو الله تعالى فكيف نسبه صلى الله عليه وسلم لنفسه.
اه شرقاوي.
(قوله: بكل خشن) أي طاهر، وفاقا للرملي وخلافا لابن حجر حيث قال: يكفي النجس
ولو من مغلظ.
ورد بقوله عليه السلام: السواك مطهرة للفم.
وهذا منجسة، لكنه أجاب: بأن المراد الطهارة اللغوية، وهي تنقية الأوساخ من الأسنان.
وخشن بكسرتين كما قاله الأشموني في شرح قوله: وفعل أولى وفعيل بفعل لكن جوز القاموس فيه فتح الخاء وكسر الشين.
اه بجيرمي.
(قوله: ولو بنحو خرقة) أي ولو كان الاستياك بنحو خرقة.
(قوله: وأشنان) بضم الهمزة، وكسرها لغة، وهو الغاسول أو حبه.
(قوله، أفضل من غيره) كخرقة وأشنان.
(قوله: وأولاه) أي أولى أنواع العود ذو الريح الطيب.
(قوله: وأفضله) أي أفضل ذي الريح الطيب الأراك.
والحاصل أن الاستياك بالأراك أفضل، ثم بجريد النخل، ثم الزيتون، ثم ذي الريح الطيب، ثم غيره من بقية العيدان وفي معناه الخرقة.
فهذه خمس مراتب، ويجري في كل واحد من الخمسة خمس مراتب، فالجملة خمسة وعشرون، لأن أفضل الأراك المندى بالماء، ثم المندى بماء الورد، ثم المندى بالريق، ثم اليابس غير المندى، ثم الرطب بفتح الراء وسكون الطاء، وبعضهم يقدم الرطب على اليابس.
وهكذا يقال في الجريد وما بعده.
نعم، الخرقة لا يتأتى فيها المرتبة الخامسة، ويستثنى من ذي الريح الطيب عود الريحان فإنه يكره الاستياك به لما قيل من أنه يورث الجذام والعياذ بالله
وإنما يتأكد السواك - ولو لمن لا أسنان له - لكل وضوء.
(ولكل صلاة) فرضها ونفلها وإن سلم من كل ركعتين أو استاك لوضوئها، وإن لم يفصل بينهما فاصل حيث لم يخش تنجس فمه، وذلك لخبر الحميدي بإسناد جيد: ركعتان بسواك أفضل من سبعين ركعة بلا سواك.
ولو تركه أولها تداركه أثناءها بفعل قليل، كالتعمم، ويتأكد أيضا لتلاوة قرآن أو حديث أو علم شرعي، أو تغير فم - ريحا أو لونا - بنحو نوم أو أكل كريه، أو سن بنحو صفرة، أو استيقاظ من نوم وإرادته، ودخول مسجد ومنزل، وفي السحر وعند الاحتضار، كما دل عليه خبر
ــ
تعالى.
(قوله: لا بأصبعه) أي لا تحصل سنية السواك بأصبعه، أي المتصلة عند حجر ومطلقا عند م ر.
وخرج بأصبعه أصبع غيره، فإن كانت متصلة أجزأ الاستياك بها عندهما، وإن كانت منفصلة أجزأ عند حجر لا عند م ر، لوجوب مواراتها عنده.
(قوله: خلافا لما اختاره النووي) أي في المجموع، من أن أصبعه الخشنة تجزئ.
(قوله: وإنما يتأكد السواك) الأولى أن يحذف أداة الحصر ويقول ويسن، ثم يفسره بقوله أي بتأكد لإيهام عبارته إنه تقدم منه ذكر لفظ يتأكد، وأن التأكد محصور فيما ذكره مع أنه ليس كذلك.
(قوله: ولو لمن لا أسنان له) أي ولو لفاقد الطهورين.
(قوله: لكل وضوء) متعلق بيتأكد، وذكره مع علمه إذ الكلام في تعداد سنن الوضوء ليعطف عليه قوله: ولكل صلاة، إذ الواو وما دخلت عليه من المتن.
ولو قال: ويسن أيضا لكل صلاة، لكان أولى.
(قوله: وإن سلم الخ) هو وما بعده غاية لسنية السواك لكل صلاة.
(قوله: وإن لم يفصل بينهما) أي بين الوضوء والصلاة.
(قوله: حيث لم يخش تنجس فمه) يعني يتأكد السواك لكل صلاة حيث لم يخش ما ذكر، وإلا تركه.
وفي التحفة ما نصه: ولو عرف من عادته إدماء السواك لفمه استاك بلطف، وإلا تركه.
(قوله: وذلك) أي تأكده في كل صلاة.
وقوله: لخبر الحميدي بصيغة التصغير.
(قوله: ولو تركه) أي
السواك.
والذي يستفاد من النهاية أنه لا بد أن يكون الترك نسيانا.
ونصها: ولو نسيه ثم تذكره تداركه بفعل قليل.
اه.
وقوله: أولها أي الصلاة (قوله: تداركه أثناءها) أي عند العلامتين ابن حجر والرملي.
ولا يقال إن الكف عن الحركات فيها مطلوب لأنا نقول محله ما لم يعارضه معارض كما هنا وهو طلب السواك لها، وتداركه فيها ممكن، وكما في دفع المار بين يديه في الصلاة، والتصفيق بشرطه، وجذب من وقف عن يساره إلى يمينه.
وخالف الخطيب فقال: لا يتدارك.
وعلله بما مر.
(قوله: كالتعمم) أي كما أنه يسن تداركه فيها بأفعال خفيفة بحيث لا تكون ثلاث حركات متوالية إذا تركه أولها.
(قوله: ويتأكد) أي السواك.
وقوله أيضا أي كما يتأكد لكل وضوء ولكل صلاة.
وقوله: لتلاوة قرآن الخ أي عند قراءة قرآن، ويكون قبل التعوذ.
(قوله: أو علم شرعي) عطفه على ما قبله من عطف العام على الخاص، إذا المراد به التفسير والحديث والفقه، وما تعلق بها من آلاتها كالنحو والصرف.
(قوله: أو تغير فم) أي ويتأكد عند تغير فم.
وأفهم تعبيره بالفم ندبه لتغير فم من لا سن له، وهو كذلك.
وقوله: ريحا أو لونا منصوبان على التمييز المحول عن المضاف، والأصل تغير ريح فم أو لونه.
وقوله: بنحو نوم متعلق بتغير ونحوه، كالسكوت وأكل كريه.
وقوله: أو أكل كريه معطوف على نحو نوم، من عطف الخاص على العام.
والمراد بالشئ الكريه الثوم والبصل وغيرهما.
(قوله: أو سن) معطوف على فم، أي أو تغير سن.
وقوله: بنحو صفرة متعلق بتغير المقدر.
(قوله: أو استيقاظ من نوم) معطوف على لتلاوة قرآن، أي ويتأكد أيضا عند استيقاظه من النوم، أي وإن لم يحصل له تغير به لأنه مظنته، لما فيه من السكوت وترك الأكل وعدمه وسرعة خروج الأنفاس.
ولذلك كان صلى الله عليه وسلم إذا قام من النوم يشوص فاه بالسواك، أي يدلكه به.
(قوله: وإرادته) الواو بمعنى أو، وكان الأولى التعبير بها، وكذا يقال فيما بعده، أي ويتأكد أيضا
الصحيحين.
ويقال: إنه يسهل خروج الروح.
وأخذ بعضهم من ذلك تأكده للمريض.
وينبغي أن ينوي بالسواك السنة ليثاب عليه، ويبلع ريقه أول استياكه، وأن لا يمصه.
ويندب التخليل قبل السواك أو بعده من أثر الطعام، والسواك أفضل منه، خلافا لمن عكس.
ولا يكره بسواك غير أذن أو علم رضاه، وإلا حرم، كأخذه من ملك الغير، ما لم تجر عادة بالاعراض عنه.
ويكره للصائم بعد الزوال، إن لم يتغير فمه بنحو نوم
ــ
عند إرادة النوم، ومثله الأكل فيتأكد عند إرادته.
(قوله: ودخول مسجد) أي ويتأكد أيضا عند دخول مسجد ولو كان خاليا.
(قوله: ومنزل) أي ويتأكد لدخول منزل ولو كان لغيره.
قال في التحفة: ثم يحتمل أن يقيد بغير الخالي، ويفرق بينه وبين المسجد بأن ملائكته أفضل، فروعوا كما روعوا بكراهة دخوله خاليا لمن أكل كريها، بخلاف غيره، أي المسجد.
ويحتمل التسوية، والأول أقرب.
اه.
(قوله: وفي السحر) أي ويتأكد أيضا في وقت السحر، سواء كان نائما واستيقظ فيه أم لا.
(قوله: وعند الاحتضار) أي ويتأكد أيضا عند الاحتضار، أي معاينة سكرات الموت.
(قوله: كما دل عليه) أي على تأكده عند الاحتضار خبر الصحيحين.
(قوله: ويقال إنه) أي السواك، وهو كالتعليل لتأكده عند
الاحتضار، (قوله: وأخذ بعضهم من ذلك) أي من كونه يسهل خروج الروح.
(وقوله: تأكده للمريض) أي لأنه قد يفجؤه الموت فيسهل عليه خروج الروح.
(قوله: وينبغي أن ينوي بالسواك السنة) أي حيث لم يكن في ضمن عبادة، فإن كان في ضمنها كالوضوء لم يحتج لنية لشمول نيتها له.
وفي التحفة ما نصه: وينبغي أن ينوي بالسواك السنة كالنسل بالجماع، ويؤخذ منه أن ينبغي بمعنى يتحتم، حتى لو فعل ما تشمله نية ما سن فيه بلا نية السنة لم يثب عليه.
اه.
(قوله: ويبلع ريقه) بالنصب، عطف على ينوي، أي وينبغي أن يبلع ريقه أول استياكه، أي إلا لعذر.
(قوله: وأن لا يمصه) أي وينبغي أيضا أن لا يمص السواك بعد الاستياك.
(قوله: ويندب التخليل) أي تخليل الأسنان.
ويسن كونه بعود السواك وباليمنى كالسواك ويكره بعود القصب والآس.
والتخليل أمان من تسويس الأسنان.
ويكره أكل ما خرج من بينها بنحو عود، لا ما خرج بغيره كاللسان.
ويندب لمن يصحب الناس التنظف بالسواك ونحوه، والتطيب وحسن الأدب.
وقوله: من أثر الطعام متعلق بالتخليل.
(قوله: والسواك أفضل منه) أي من التخليل.
(قوله: خلافا لمن عكس) أي قال إن التخليل أفضل من السواك، للاختلاف في وجوبه.
ويرد بأنه موجود في السواك أيضا مع كثرة فوائده التي تزيد على السبعين.
(قوله: ولايكره) أي الاستياك - لكنه خلاف الأولى - إلا لتبرك كما فعلته السيدة عائشة رضي الله عنها حيث استاكت بسواك النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: أذن أي ذلك الغير له في أن يستاك بسواكه.
وقوله: أو علم أي أو لم يأذن لكنه علم المستاك رضاه به.
(قوله: وإلا حرم) أي وإن لم يأذن ولم يعلم رضاه حرم الاستياك بسواكه.
وقوله: كأخذه أي السواك، من ملك الغير فإنه يحرم حيث لم يأذن له ولم يعلم رضاه.
وقوله: ما لم تجر عادة أي توجد عادة.
وقوله بالإعراض عنه أي عن السواك.
فإن جرت عادة بالإعراض عنه لم يحرم أخذه منه.
(قوله: ويكره للصائم) أي ولو حكما، فيدخل الممسك.
كأن نسي النية ليلا في رمضان فأمسك فهو في حكم الصائم على المعتمد، وإنما كره السواك لأطيبية خلوفه - بضم الخاء، أي ريح فمه - كما في خبر: لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
أي أكثر
(فمضمضة فاستنشاق) للاتباع، وأقلهما إيصال الماء إلى الفم والانف.
ولا يشترط في حصول أصل السنة إدارته في الفم ومجه منه ونثره من الانف، بل تسن كالمبالغة فيهما لمفطر للامر بها.
(و) يسن جمعهما (بثلاث غرف) يتمضمض ثم يستنشق من كل منها.
(ومسح كل رأس) للاتباع وخروجا من خلاف مالك وأحمد، فإن
ــ
ثوابا عند الله من ريح المسك المطلوب في نحو الجمعة، أو إنه عند الملائكة أطيب من ريح المسك عندكم.
وأطيبيته تفيد طلب إبقائه.
وقوله بعد الزوال إنما اختصت الكراهة بما بعده لأن التغير بالصوم إنما يظهر حينئذ.
قاله الرافعي بخلافه قبله، فيحال على نوم أو أكل أو نحوهما، ولأنه يدل عليه خبر: أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسا ثم قال: وأما الثانية: فإنهم يمسون وخلوف أفواهم أطيب عند الله من ريح المسك فقيد بالمساء، وهو إنما يكون بعد الزوال.
ومحل كراهته بعده إذا سوك الصائم نفسه فإن سوكه غيره بغير إذنه حرم على ذلك الغير لتفويته الفضيلة.
(قوله: إن لم يتغير فمه بنحو نوم) فإن تغير به لم يكره، وهو خلاف الأوجه، كما في التحفة، ونصها: ولو أكل بعد الزوال ناسيا مغيرا، أو نام أو انتبه، كره أيضا على الأوجه، لأنه لا يمنع تغير الصوم، ففيه إزالة له - ولو ضمنا - وأيضا فقد وجد مقتض هو التغير، ومانع هو الخلوف، والمانع مقدم.
إلا أن يقال إن ذلك التغير أذهب تغير الصوم لاضمحلاله فيه وذهابه بالكلية، فيسن السواك لذلك، كما عليه جمع.
اه.
وقوله: كما عليه جمع أفتى به الشهاب الرملي.
اه سم.
(قوله: فمضمضة) أي فبعد السواك تسن مضمضة.
وقوله: فاستنشاق أي فبعد المضمضة يسن استنشاق.
ويعلم من العطف بالفاء المفيدة للترتيب، أن الترتيب بينهما مستحق، أي شرط، في الاعتداد بهما لا مستحب.
فلو قدم الاستنشاق على المضمضة حسبت دونه عند ابن حجر لوقوعه في غير محله، وعند الرملي يحسب ما فعل أولا.
(فائدة) الحكمة في ندب غسل الكفين والمضمضة والاستنشاق معرفة أوصاف الماء - من لون وطعم وريح - هل تغيرت أم لا.
وقال بعضهم: شرع غسل الكفين للأكل من موائد الجنة، والمضمضة لكلام رب العالمين، والاستنشاق لشم روائح الجنة، وغسل الوجه للنظر إلى وجه الله الكريم، وغسل اليدين للبس السوار في الجنة، ومسح الرأس للبس التاج والأكليل فيها، ومسح الأذنين لسماع كلام رب العالمين، وغسل الرجلين للمشي في الجنة.
(قوله: للاتباع) أي وخروجا من خلاف الإمام أحمد في قوله بوجوبهما.
(قوله: وأقلهما) أي أقل المضمضة والاستنشاق.
والمراد: أقل ما تؤدى به السنة ما ذكر.
أي: وأما أكملهما فيكون بأن يدير الماء في الفم ثم يمجه - بالنسبة للمضمضة -، وبأن يجذبه بنفسه إلى أعالي أنفه ثم ينثره - بالنسبة للاستنشاق -.
(قوله: ولا يشترط في حصول أصل السنة) أي بقطع النظر عن الكمال: (قوله: إدارته) أي الماء، وقوله: في الفم أي في جوانبه: (وقوله: ومجه) أي إخراجه من الفم بعد الإدارة.
(قوله: ونثره من الأنف) أي رميه منه بعد صعوده إلى أعاليه.
(قوله: بل تسن) أي المذكورات - الإدارة والمج والنثر - والأنسب في المقابلة أن يقول أما كمالهما فيشترط فيه ذلك.
وقوله: كالمبالغة فيهما أي كسنية المبالغة في المضمضة والاستنشاق.
وقوله: لمفطر خرج الصائم فلا يبالغ خشية الإفطار، ومن ثم كرهت له.
وقوله: للأمر بها أي بالمبالغة، في قوله صلى الله عليه وسلم: إذا توضأت فأبلغ في المضمضة والاستنشاق ما لم تكن صائما والمبالغة في المضمضة أن يبلغ الماء إلى أقصى الحنك ووجهي الأسنان واللثاث، وفي الاستنشاق أن يصعد الماء بالنفس إلى الخيشوم.
(قوله: ويسن جمعهما) أي الجمع بين المضمضة والاستنشاق، وضابطه أن يجمع بينهما
بغرفة.
وفيه ثلاث كيفيات، الأولى: أن يتمضمض ويستنشق بثلاث غرف، يتمضمض من كل منهما ثم يستنشق، وهي التي اقتصر عليها الشارح لأنها الأفضل.
الثانية: أن يتمضمض ويستنشق بغرفة، يت مضمض منها ثلاثا ثم يستنشق منها كذلك.
الثالثة: أن يتمضمض ويستنشق بغرفة، يتمضمض منها مرة ثم يستنشق منها مرة، وهكذا.
وقوله: بثلاث غرف لو قال وبثلاث غرف لكان أولى، ليفيد أن ذلك أفضل من الجمع بينهما بغرفة، أي بالكيفيتين السابقتين.
واعلم أن ما ذكر هو الأفضل، وإلا فأصل السنة يتأدى بغير الجمع بينهما: ففيه أيضا ثلاث كيفيات، الأولى: أن يتمضمض ويستنشق بغرفتين، يتمضمض من الأولى ثلاثا ثم يسنتشق من الثانية ثلاثا.
الثانية: أن يتمضمض ويستنشق
اقتصر على البعض فالاولى أن يكون هو الناصية، والاولى في كيفيته أن يضع يديه على مقدم رأسه، ملصقا مسبحته بالاخرى وإبهاميه على صدغيه، ثم يذهب بهما مع بقية أصابعه غير الابهامين لقفاه، ثم يردهما إلى المبدأ إن كان له شعر ينقلب، وإلا فليقتصر على الذهاب.
وإن كان على رأسه عمامة أو قلنسوة تمم عليها بعد
مسح الناصية - للاتباع - (و) مسح كل (الاذنين) ظاهرا وباطنا وصماخيه - للاتباع -، ولا يسن مسح الرقبة إذ لم
ــ
بست غرفات، يتمضمض بواحدة ثم يستنشق بأخرى، وهكذا.
الثالثة: أن يتمضمض ويستنشق بست غرفات، يتمضمض بثلاث متوالية ثم يستنشق كذلك، وهذه أضعفها وأنظفها.
(قوله: ومسح كل رأس) أي ويسن مسح كل الرأس، أي حتى الذوائب الخارجة عن حد الرأس، كما في سم، ونص عبارته: وأفتى القفال بأنه يسن للمرأة استيعاب مسح رأسها ومسح ذوائبها المسترسلة تبعا.
وألحق غيره ذوائب الرجل بذوائبها في ذلك.
اه.
واعلم أن عندهم مسح جميع الرأس من السنن إنما هو بالنسبة لما زاد على القدر الواجب فلا ينافي وقوع أقل مجزئ منه فرضا، والباقي سنة.
لأن القاعدة أن ما تمكن تجزئته - كمسح جميع الرأس وتطويل الركوع والسجود - يقع بعضه واجبا وبعضه مندوبا، وما لا تمكن تجزئته - كبعير الزكاة المخرج عما دون الخمسة والعشرين - يقع كله واجبا: قوله: للاتباع) قال في التحفة: إذ هو أكثر ما ورد في صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم.
اه.
(قوله: وخروجا من خلاف مالك وأحمد) أي فإنهما يوجبان مسح كل الرأس.
(قوله: فإن اقتصر على البعض) أي فإن أراد الاقتصار على مسح البعض.
وقوله: فالأولى أي الأفضل أن يكون هو، أي ذلك البعض الناصية.
(قوله: والأولى في كيفيته) أي والأفضل في صفة المسح.
وقوله: أن يضع يديه أي بطون أصابع يديه.
(قوله: ملصقا) منصوب على الحال، أي يضع يديه حال كونه ملصقا مسبحته بالأخرى.
(قوله: وإبهاميه على صدغيه) أي ويضع إبهاميه على صدغيه.
ولو عبر بالباء بدل على كما في التحفة لكان أولى، إذ المعنى عليه وملصقا إبهاميه بصدغيه، فيكون مع ما قبله بيانا لهيئة الوضع على مقدم الرأس كما هو قاعدة الحال.
(قوله: ثم يذهب بهما) أي بمسبحتيه، كما صرح به في شرح الروض.
وقوله: لقفاه متعلق بيذهب.
(قوله: ثم يردهما) أي المسبحتين مع بقية الأصابع.
(وقوله: إلى المبدأ) أي المحل الذي بدأ به.
وقوله: إن كان له شعر ينقلب قال في التحفة: ليصل الماء لجميعه.
ومن ثم كانا مرة واحدة، وفارقا نظيرهما في السعي لأن القصد ثم قطع المسافة.
(قوله: وإلا فليقتصر على الذهاب) أي وإن لم يكن له شعر ينقلب، بأن لم يكن له شعر أصلا، أو كان ولكن لا ينقلب لنحو صغره أو طوله، فليقتصر على الذهاب ولا يردهما، فإن ردهما لم يحسب ثانية لصيرورة الماء مستعملا لاستعماله فيما لا بد منه وهو غسل البعض الواجب.
(قوله: وإن كان على رأسه عمامة أو قلنسوة) أي ولم يرد نزعها: أو عسر نزعها وقوله: تمم عليها أي تمم مسح الرأس على العمامة أو نحوها، وإن كان تحتها عرقية كما في النهاية.
قال: ويؤيده ما بحثه بعضهم من إجزاء المسح على الطيلسان ونحوه.
قال عميرة: الظاهر أن حكمها - أي العمامة - كالرأس من الاستعمال، برفع اليد في المرة الأولى.
فلو مسح بعض الرأس ورفع يده ثم أعادها على العمامة لتكميل المسح صار الماء مستعملا بانفصاله عن الرأس، وهذا ظاهر، ولكنه يغفل عنه كثير عند التكميل على العمامة.
ثم ذلك القدر الممسوح من الرأس هل يمسح ما يحاذيه من العمامة؟ ظاهر العبارة: لا.
اه.
وقوله: ظاهر العبارة: لا أي لأنه المفهوم من التكميل وقوله: بعد مسح الناصية أفهم اشتراط كون التكميل بعد مسح الناصية، وهو كذلك.
فلو مسح على العمامة أو نحوها أولا ثم مسح الواجب من الرأس لم تحصل السنة.
ويشترط أيضا أن لا يكون عاصيا باللبس لذاته، بأن لا يكون عاصيا أصلا أو عاصيا به لا لذاته، كأن كان غاضبا.
فإن كان عاصيا به لذاته كأنه يكون محرما فيمتنع عليه التكميل.
وأن لا يكون على العمامة نجاسة معفو عنها، كدم براغيث، وإلا امتنع التكميل لما فيه من التضمخ بالنجاسة.
(قوله: للاتباع) وهو أنه صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة.
رواه مسلم.
(قوله: ومسح كل الأذنين) أي ويسن بعد
يثبت فيه شئ.
قال النووي: بل هو بدعة، وحديثه موضوع.
(ودلك أعضاء) وهو إمرار اليد عليها عقب ملاقاتها للماء، خروجا من خلاف من أوجبه.
(وتخليل لحية كثة) والافضل كونه بأصابع يمناه ومن أسفل، مع تفريقها، وبغرفة مستقلة - للاتباع - ويكره تركه.
(و) تخليل (أصابع) اليدين بالتشبيك، والرجلين بأي كيفية كان.
والافضل أن يخللها من أسفل بخنصر يده اليسرى، مبتدئا بخنصر الرجل اليمنى ومختتما بخنصر اليسرى.
ــ
مسح الرأس مسح كل الأذنين.
ولو عبر بدل الواو بثم لكان أولى.
وقوله: ظاهرا وباطنا.
الأول هو ما يلي الرأس، والثاني ما يلي الوجه، لأن الأذن كانت مطبوقة كالبيضة، فلهذا كان ما يلي الوجه هو الباطن لأنه كان مستورا.
اه بجيرمي.
(قوله: وصماخيه) أي ويسن مسح صماخيه - بكسر الصاد - وهما خرقا الأذن.
وكيفية مسحهما مع الأذنين أن يدخل رأس مسبحتيه في صماخيه ويديرهما في المعاطف، ويمر إبهاميه على ظاهر أذنيه، ثم يلصق كفيه وهما مبلولتان بالأذنين.
(قوله: للاتباع) وهو أنه صلى الله عليه وسلم مسح في وضوئه برأسه وأذنيه، ظاهرهما وباطنهما، وأدخل أصبعيه في صماخي أذنيه.
رواه أبو داود بإسناد حسن.
(قوله: إذ لم يثبت فيه شئ) أي لم يرد فيه حديث، وأثر ابن عمر: من توضأ ومسح
عنقه وقي الغل يوم القيامة، غير معروف، كما في شرح الروص.
(قوله: وحديثه موضوع) وهو: مسح الرقبة أمان من الغل.
وهو بضم الغين: طوق حديد يجعل في عنق الأسير، تضم به يداه إلى عنقه.
وبكسرها: الحقد.
قال تعالى: * (ونزعنا ما في صدورهم من غل) * (قوله: ودلك أعضاء) أي ويسن دلك أعضاء الوضوء، لكن المغسول منها فقط دون الممسوح، كما في الفشني على الزبد.
(قوله: وهو) أي الدلك.
(وقوله: إمرار اليد) أي مع الدعك.
قال في القاموس: دلكه بيده مرسه ودعكه.
اه.
وقوله: عقب ملاقاتها أي الأعضاء.
(قوله: خروجا الخ) أي ويسن الدلك خروجا من خلاف من أوجبه، وهو الإمام مالك رضي الله عنه.
أي واحتياطا وتحصيلا للنظافة.
(قوله: وتخليل لحية كثة) أي ويسن تخليل لحية كثة.
ومحله إذا كان لرجل واضح، أما لحية المرأة والخنثى فيجب تخليلها كلحية الرجل الخفيفة.
واختلفوا في لحية المحرم: هل يخللها أو لا؟ ذهب ابن حجر إلى الأول، لكنه برفق لئلا يتساقط منها شئ.
وذهب الرملي إلى الثاني.
ومثل اللحية كل شعر يكفي غسل ظاهره.
(قوله: والأفضل كونه) أي التخليل.
وقوله: بأصابع يمناه ويكفي كونه بغير الأصابع رأسا، وبأصابع غير يمناه.
وقوله: ومن أسفل أي والأفضل كونه من أسفل اللحية، ويكفي كونه من أعلاها.
وقوله مع تفريقها أي الأصابع.
وقوله: وبغرفة مستقلة أي والأفضل كونه بغرفة مستقلة غير غرفة غسل الوجه.
(قوله: للاتباع) وهو ما روى الترمذي وصححه: أنه صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته الكريمة.
وما روى أبو داود: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته، وقال: هكذا أمرني ربي واختلفوا في محله هل هو قبل غسل الوجه أو بعد الغسلات الثلاث له؟ أو بعد كل غسلة منه؟ أقوال في ذلك، ونقل بعضهم عن ابن حجر الأخير.
(قوله: ويكره تركه) أي التخليل.
(قوله: وتخليل أصابع الخ) أي ويسن تخليل أصابع الخ، أي من رجل أو أنثى أو خنثى فلا فرق هنا.
ومحل سنيته إن وصل الماء إلى الأصابع من غير تخليل فإن لم يصل الماء إليها - أي إلى باطنها - إلا به - كأن كانت أصابعه ملتفة - وجب، وإن لم يتأت تخليلها لالتحامها حرم فتقها إن خاف محذور تيمم.
(قوله: بالتشبيك) أي بأي كيفية وقع.
لكن الأولى فيما يظهر في تخليل اليد اليمنى أن يجعل بطن اليسرى على ظهر اليمنى، وفي اليسرى بالعكس، خروجا في فعل العبادة عن صورة العادة في التشبيك، وهذا يفيد طلب تخليل كل يد وحدها.
لكن في شرح العباب للشارح في مبحث التيامن: نعم، تخليلهما - أي اليدين - لا تيامن فيه لأنه بالتشبيك.
اه.
وهو ظاهر.
اه كردي نقلا عن العناني.
(قوله: والرجلين بأي كيفية كان) أي ويسن تخليل أصابع الرجلين بأي كيفية وجد ذلك.
(قوله: والأفضل أن يخللها) أي أصابع الرجلين.
وقوله: من أسفل أي أسفل الرجل.
وقوله: بخنصر يده اليسرى متعلق
بيخللها.
وقيل: بخنصر يده اليمنى.
وقيل: هما سواء.
والمعتمد الأول.
وقوله: مبتدئا حال من فاعل الفعل.
(قوله:
(وإطالة الغرة) بأن يغسل مع الوجه مقدم رأسه وأذنيه وصفحتي عنقه.
(و) إطالة (تحجيل) بأن يغسل مع اليدين بعض العضدين ومع الرجلين بعض الساقين، وغايته استيعاب العضد والساق، وذلك لخبر الشيخين: إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء.
فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل.
زاد مسلم: وتحجيله: أي يدعون بيض الوجوه والايدي والارجل.
ويحصل أقل الاطالة بغسل أدنى زيادة على الواجب وكمالها باستيعاب ما مر (وتثليث كل) من مغسول وممسوح، ودلك وتخليل وسواك وبسملة، وذكر عقبه،
ــ
وإطالة الغرة) أي ويسن إطالة إلخ.
وقوله: بأن يغسل إلخ تصوير للإطالة الكاملة.
وأما أقلها فهو يحصل بغسل أدنى زيادة على الواجب، كما سيذكره، والغرة نفسها اسم للواجب فقط - كما في التحفة - ومثلها التحجيل.
(قوله: وإطالة تحجيل) أي ويسن إطالة تحجيل.
(وقوله: بأن يغسل إلخ) تصوير لأقل الإطالة: وأما أكملها فهو ما ذكره بقوله: وغايته إلخ.
(قوله: وغايته) أي غاية إطالة التحجيل.
وذكر الضمير مع كون المرجع مؤنثا لاكتسابه التذكير من المضاف إليه.
(قوله: وذلك لخبر) أي ودليل ذلك، أي استحباب إطالة الغرة والتحجيل، خبر الشيخين إلخ.
(قوله: يدعون) أي يسمون أو يعرفون أو ينادون إلى الجنة.
(قوله: غرا) جمع أغر، وهو حال، أي ذوي غرة، على ما عدا التفسير الأول، أو مفعول ثان على التفسير الأول.
وأصلها بياض بجبهة الفرس فوق الدرهم، شبه به ما يكون لهم من النور.
وقوله: محجلين من التحجيل.
وأصله بياض في قوائم الفرس، شبه به ما يكون لهم من النور أيضا.
(قوله: من آثار الوضوء) في رواية: من إسباغ الوضوء.
قال ع ش نقلا عن المناوي: وظاهر قوله من إسباغ الوضوء أن هذه السيما إنما تكون لمن توضأ.
وفيه رد لما نقله الفاسي المالكي في شرح الرسالة، أن الغرة والتحجيل لهذه الأمة، من توضأ منهم ومن لا.
كما يقال لهم أهل القبلة، من صلى منهم ومن لا.
(قوله: زاد مسلم: وتحجيله) وعلى الرواية الأولى فالمراد بالغرة ما يشمل التحجيل، أو فيه حذف الواو مع ما عطفت.
(قوله: ويحصل أقل الإطالة) أي بالنسبة للغرة والتحجيل.
وهذا مكرر بالنسبة للثاني إذ هو قد ذكره بالتصوير.
وقوله: وكمالها إلخ مكرر بالنسبة لهما إذ هو قد ذكر ذلك بالتصوير في الأول، وبقوله وغايته إلخ في الثاني.
إذا علمت ذلك فالأولى إسقاطه مع ما قبله.
نعم، ينبغي أن يذكر أقل الإطالة بالنسبة للغرة عندها.
(قوله: وتثليث كل) أي ويسن تثليث كل.
وإنما لم يجب لانه صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة وتوضأ مرتين مرتين.
وفي البجيرمي: قال الشوبري: وسئل شيخنا عما لو نذر الوضوء مرتين هل يصح قياسا على إفراد يوم الجمعة بصوم أم لا؟ فأجاب: لا ينعقد نذره، لأنه منهي عنه.
اه.
وقوله: من مغسول وممسوح بيان للمضاف إليه.
وفيه أن المغسول اسم للعضو الذي يغسل، كالوجه واليدين والرجلين.
والممسوح اسم لما يمسح، كالرأس والأذنين والجبيرة ونحو العمامة.
ولا معنى لتثليث ذلك.
وأجيب بأن في الكلام مضافا محذوفا بالنسبة إليهما، ويقدر قبل كل، أي: ويسن تثليث غسل كل أو مسح كل إلخ.
والمعتمد أنه لا يسن تثليث مسح الخف لئلا يعيبه.
وألحق الزركشي به الجبيرة والعمامة، فلا يسن
تثليث مسحهما.
وعليه ابن حجر.
(قوله: ودلك) معطوف على مغسول، والأولى عطفه مع ما بعده على المضاف الذي قدرته قبل لفظ كل.
(قوله: وذكر عقبه) مثله الذي قبله، ولو حذف لفظ عقبه ليشمل ما كان قبله لكان أولى.
وفي ع ش ما نصه: (فرع) هل يسن تثليث النية أيضا أو لا؟ لأن النية ثانيا تقطع الأولى فلا فائدة في التثليث؟ يحرر سم منهج قلت: وقضية قول البهجة: وثلث الكل يقينا ما خلامسحا لخفين
…
إلخ
- للاتباع - في أكثر ذلك.
ويحصل التثليث بغمس اليد مثلا ولو في ماء قليل إذا حركها مرتين، ولو ردد ماء الغسلة الثانية حصل له أصل سنة التثليث - كما استظهره شيخنا - ولا يجزئ تثليث عضو قبل إتمام واجب غسله ولا بعد تمام الوضوء.
ويكره النقص عن الثلاث كالزيادة عليها، أي بنية الوضوء، كما بحثه جمع.
وتحرم من ماء موقوف على التطهر.
ــ
يقتضي طلبه، فيكون ما بعد الأولى مؤكدا لها، ويفرق بينه وبين تكرير النية في الصلاة، حيث قالوا: يخرج بالأشفاع ويدخل بالأوتار لأنه عهد فعل النية في الوضوء بعد أوله فيما لو فرق النية أو عرض ما يبطلها كالردة، ولم يعهد مثل ذلك في الصلاة.
ونقل عن فتاوي م ر ما يوافقه.
اه.
(قوله: للاتباع في أكثر ذلك) في شرح المنهج: للاتباع في الجميع.
أخذا من إطلاق خبر مسلم: أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا.
ورواه أيضا في الأول مسلم، وفي الثاني - في مسح الرأس - أبودواد، وفي الثالث البيهقي، وفي الخامس - في التشهد - أحمد وابن ماجة.
اه.
نعم، هو لم يذكر في عبارته السواك، فظهر وجه قول الشارح في أكثر ذلك.
ورأيت في الكردي بعد نقله عبارة شرح المنهج ما نصه: وقد بين الشيخ في الإمداد ما لم يرد مما قاسوه، فقال: للاتباع في أكثر ذلك، وقياسا في غيره.
أعني نحو الدلك والسواك والتسمية.
اه.
(قوله: مثلا) راجع لليد.
(قوله: ولو في ماء قليل) قال في التحفة: وإن لم ينو الاغتراف.
على المعتمد لما مر، أنه لا يصير مستعملا بالنسبة لها إلا بالفضل، كبدن جنب انغمس ناويا في ماء قليل.
اه.
(قوله: إذا حركها مرتين) عبارة غيره: إذا حركها ثلاثا.
ويمكن أن يقال مرتين غير المرة الواجبة.
ثم إن التحريك إنما هو في الماء الراكد، أما الجاري فيحصل فيه التثليث بمرور ثلاث جريات على العضو.
(قوله: كما استظهره شيخنا) عبارته بعد ما نقلته على قوله: ولو في ماء قليل فبحث أنه لو ردد ماء الأولى قبل انفصاله عن نحو اليد عليها لا تحسب ثانية.
فيه نظر، وإن أمكن توجيهه بأن القصد منها النظافة والاستظهار، فلا بد من ماء جديد.
اه.
وإذا علمتها تعلم ما في قوله: كما استظهره شيخنا (قوله: ولا يجزئ تثليث الخ) أي لأن الشرط في
حصول التثليث حصول الواجب أولا.
قال في التحفة: ولو اقتصر على مسح بعض رأسه وثلثه حصلت له سنة التثليث.
كما شمله المتن وغيره.
وقولهم: لا يحسب تعدد قبل تمام العضو مفروض في عضو يجب استيعابه بالتطهير.
اه.
(قوله: ولا بعد تمام الوضوء) أي ولا يجزئ تثليث بعد تمام الوضوء.
فلو توضأ مرة مرة إلى تمام غسل الأعضاء، ثم أعاد كذلك ثانيا وثالثا، لم يحصل التثليث.
فإن قيل: قد تقرر أنه لو فعل ذلك في المضمضة والاستنشاق حصل له التثليث؟ أجيب بأن الفم والأنف كعضو واحد فجاز ذلك فيهما.
قال بعضهم: ومقتضى ما ذكر أنه لو غسل اليمنى من يديه ورجليه مرة ثم اليسرى كذلك، وهكذا في الثانية والثالثة، حصلت فضيلة التثليث، لأن اليدين والرجلين كعضو واحد.
(قوله: ويكره النقص الخ) أي لأنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا وقال: هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم.
وأما وضوءه صلى الله عليه وسلم مرة مرة ومرتين مرتين فإنما كان لبيان الجواز.
(قوله: كالزيادة عليها) أي ككراهة الزيادة على الثلاث.
قال في بداية الهداية: ولا تزد في الغسل على ثلاث مرات، ولا تكثر صب الماء من غير حاجة بمجرد الوسوسة فللموسوسين شيطان يلعب بهم يقال له: الولهان.
اه.
وفي حاشية الرشيدي على فتح الجواد شرح منظومة ابن العماد في المعفوات ما نصه: واعلم أن الباب الأعظم الذي دخل منه إبليس على الناس - كما قال السبكي - هو الجهل، فيدخل منه على الجاهل بأمان، وأما العالم فلا يدخل عليه إلا مسارقة.
وقد لبس على كثير من المتعبدين لقلة علمهم، لأن جمهورهم يشتغل بالتعبد قبل أن يحكم العلم.
وقد قال الربيع بن خثيم: تفقه ثم اعتزل.
فأول تلبسه عليهم إيثارهم التعبد على
(فرع) يأخذ الشاك أثناء الوضوء في استيعاب أو عدد باليقين، وجوبا في الواجب وندبا في المندوب، ولو في الماء الموقوف.
أما الشك بعد الفراغ فلا يؤثر.
(وتيامن) أي تقديم يمين على يسار في اليدين والرجلين، ولنحو أقطع في جميع أعضاء وضوئه، وذلك لانه (ص) كان يحب التيمن في تطهره وشأنه كله، أي مما هو من باب التكريم، كاكتحال ولبس نحو قميص ونعل، وتقليم ظفر، وحلق نحو رأس، وأخذ وعطاء، وسواك
ــ
العلم، والعلم أفضل من النوافل.
فأراهم أن المقصود من العلم العمل، وما فهموا من العمل إلا عمل الجوارح، وما علموا أن المراد من العمل عمل القلب، وعمل القلب أفضل من عمل الجوارح، فلما تمكن منهم بترك العلم دخل عليهم في فنون العبادة.
فمن ذلك الاستطابة والحدث، فيأمرهم بطول المكث في الخلاء، وذلك يؤذي الكبد، فينبغي أن يكون بقدر الحاجة.
ومنهم من يحسن لهم استعمال الماء الكثير، وإنما عليه أن يغسل حتى تزول العين.
ومنهم من لبس عليه في وضوئه في النية، فتراه يقول: نويت رفع الحدث، ثم يعيد ذلك مرات كثيرة.
وسبب هذا: إما الجهل بالشرع، أو خبل في العقل، لأن النية في القلب لا باللفظ، فتكلف اللفظ أمر لا يحتاج إليه.
ومنهم من لبس عليه بكثرة استعمال الماء في وضوئه، وذلك يجمع مكروهات أربعا: الإسراف في الماء إذا كان مملوكا أو مباحا، أما إذا كان مسبلا
للوضوء فهو حرام.
وتضييع العمر الذي لا قيمة له فيما ليس بواجب ولا مستحب.
وعدم ركون قلبه إلى الشريعة حيث لم يقنع بما ورد به الشرع.
والدخول فيما نهى عنه من الزيادة على الثلاث.
وربما أطال الوضوء فيفوت وقت الصلاة أو أول وقتها أو الجماعة، ويقول له الشيطان: أنت في عبادة لا تصح الصلاة إلا بها.
ولو تدبر أمره علم أنه في تفريط ومخالفة.
فقد حكي عن ابن عقيل أن رجلا لقيه فقال له إني أغسل العضو فأقول ما غسلته، وأكبر فأقول ما كبرت.
فقال ابن عقيل: دع الصلاة فإنها لا تجب عليك فقال قوم لابن عقيل: كيف؟ فقال لهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن المجنون حتى يفيق ومن يكبر وهو يقول ما كبرت فهذا مجنون، والمجنون لا تجب عليه الصلاة.
اه.
(قوله: أي بنية الوضوء) راجع للزيادة.
وفي المغني ما نصه: قال ابن دقيق العيد: ومحل الكراهة في الزيادة على الثلاث إذا أتى بها على قصد نية الوضوء أو أطلق، فلو زاد عليها بنية التبرد أو مع قطع نية الوضوء عنها لم يكره.
اه.
(قوله: وتحرم) أي الزيادة.
وهذا كالتقييد لكراهة الزيادة، أي محل الكراهة في الزيادة ما لم تكن من ماء موقوف، وإلا حرمت لأنها غير مأذون فيها.
وقوله: على التطهر أي المتطهر، فهو مصدر بمعنى اسم الفاعل، أي أنه موقوف على من يريد أن يتطهر به.
(قوله: يأخذ الشاك أثناء الوضوء) سيأتي مقابله.
وقوله: في استيعاب أي استيعاب غسل عضوه، أي شك هل كمل غسله أم لا؟ فيجب تكميله عملا بالأحوط.
وتقدم عن الشارح في مبحث الترتيب أنه نقل عن شيخه أنه لو شك بعد عضو في أصل غسله لزمه إعادته، أو بعضه لم تلزمه.
وإن كان قبل فراغ الوضوء، فتنبه له.
(قوله: أو عدد) أي أو الشاك في عدد، كأن شك هل غسل ثلاثا أو اثنين؟ فيأخذ بالأقل احتياطا ويأتي بثالثة.
ولا يقال: ربما تكون رابعة فيكون بدعة، وتركه سنة أهون من ارتكاب بدعة.
لأنا نقول: محل كونها بدعة إذا تيقن أنها رابعة.
(قوله: باليقين) متعلق بيأخذ.
(قوله: وجوبا في الواجب) كما إذا شك في الغسلة الأولى أو في استيعابها العضو وقوله: وندبا في المندوب كما إذا شك في الغسلة الثانية أو الثالثة.
(قوله: ولو في الماء الموقوف) غاية في الأخذ باليقين.
(قوله: وتيامن) أي وسن تيامن.
(قوله: في اليدين والرجلين) أي فقط، أما غيرهما فيطهر دفعة واحدة كالكفين والخدين والأذنين.
(قوله: ولنحو أقطع) معطوف على محذوف تقديره: وتيامن في اليدين والرجلين لغير نحو أقطع ولنحو أقطع.
أي وتيامن لنحو أقطع في كل الأعضاء.
وقوله: في جميع أعضاء وضوئه أي إن توضأ بنفسه كما هو ظاهر.
اه تحفة.
(قوله: وذلك) أي كون التيامن سنة ثابت لانه صلى الله عليه وسلم إلخ.
(قوله: وشأنه كله) أي حاله كله.
وعطفه على تطهره من عطف العام على الخاص.
(قوله: أي مما هو من باب التكريم) تخصيص لعموم قوله وشأنه كله، أي مما يطلب التيامن في الأمور التي ليس فيها إهانة، بل فيها شرف
وتخليل، ويكره تركه، ويسن التياسر في ضده - وهو ما كان من باب الاهانة والاذى - كاستنجاء وامتخاط، وخلع لباس ونعل.
ويسن البداءة بغسل أعلى وجهه وأطراف يديه ورجليه، وإن صب عليه غيره.
وأخذ الماء إلى الوجه بكفيه معا، ووضع ما يغترف منه عن يمينه وما يصب منه عن يساره.
(وولاء) بين أفعال وضوء السليم بأن يشرع في تطهير كل عضو قبل جفاف ما قبله، وذلك - للاتباع - وخروجا من خلاف من أوجبه، ويجب لسلس.
(وتعهد) عقب و (موق) - وهو طرف العين الذي يلي الانف - ولحاظ - وهو الطرف الآخر - بسبابتي شقيهما.
ومحل ندب تعهدهما إذا لم يكن فيهما رمص يمنع وصول الماء إلى محله وإلا فتعهدهما واجب - كما في
ــ
وتكرمة، كالأكل والشرب والاكتحال والتقليم وحلق الرأس والخروج من الخلاء.
أما ما فيه إهانة فيطلب له اليسار، كما سيأتي.
واختلفوا فيما ليس فيه إهانة ولا تكرمة، هل يطلب فيه التيامن أو لا؟ وذكر الشنواني أن المعتمد الثاني.
وذكر في التحفة أنه يلحق بما فيه تكرمة، أي فيكون باليمين.
(قوله: ويكره تركه) أي ترك التيامن.
(قوله: ويسن التياسر في ضده) أي ضد ما هو من باب التكريم.
(قوله: وهو) أي الضد.
(قوله: ويسن البداءة بغسل أعلى وجهه) أي لكونه أشرف، ولكونه محل السجود، وللاتباع.
وقوله: وأطراف يديه ورجليه عبارة بافضل مع شرحه لابن حجر: والبداءة في غسل اليد والرجل - أي كل يد ورجل - بالأصابع إن صب على نفسه، فإن صب عليه غيره بدأ بالمرفق والكعب.
هذا ما في الروضة، لكن المعتمد ما في المجموع وغيره من أن الأولى البداءة بالأصابع مطلقا.
اه.
إذا علمت ذلك فالمراد من الأطراف الأصابع.
(قوله: وإن صب عليه غيره) غاية في سنية البداءة بغسل ما ذكر، وهي للرد على ما في الروضة.
(وقوله: وأخذ الماء الخ) أي ويسن أخذ الماء ونقله إلى الوجه بكفيه معا.
(قوله: ووضع ما يغترف منه) أي الإناء الذي يغترف منه، كقدح.
وقوله: عن يمينه متعلق بوضع، وذلك لأن الاغتراف منه حينئذ أمكن له.
(قوله: وما يصب منه عن يساره) أي ويسن وضع الإناء الذي يصب منه - كإبريق - عن يساره، أي لأن الصب حينئذ أمكن له.
(قوله: وولاء) أي ويسن ولاء، وهو مصدر وإلى يوالي: إذا تابع بين الشيئين فأكثر.
(قوله: بين أفعال وضوء السليم) أي بين الغسلات للأعضاء في وضوء السليم.
وهو صادق بصورتين: بالموالاة بين الأعضاء في تطهيرها، وبالموالاة بين غسلات العضو الواحد الثلاث.
وتصوير الشارح بقوله: بأن يشرع إلخ، قاصر على الصورة الأولى.
وبقي صورة ثالثة مستحبة أيضا وهي: الموالاة بين أجزاء العضو الواحد.
(قوله: بأن يشرع الخ) أي مع اعتدال الهواء ومزاج الشخص نفسه والزمان والمكان، ويقدر الممسوح مغسولا.
وإذا ثلث فالعبرة في موالاة الأعضاء بآخر غسلة.
ولا يحتاج التفريق الكثير إلى تجديد نية عند عزوبها لأن حكمها باق.
(قوله: للاتباع) علة لسنية الولاء.
(قوله: وخروجا من خلاف من أوجبه) وهو الإمام مالك، وأوجبها القديم عندنا أيضا مستدلا بخبر أبي دواد: أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وفي ظهر قدميه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء.
وأجابوا عنه بأن الخبر ضعيف مرسل.
قال في المغنى: ودليل الجديد ما روي: أنه صلى الله عليه وسلم توضأ في السوق فغسل وجهه ويديه ومسح رأسه، فدعي إلى جنازة فأتى المسجد فمسح خفيه وصلى عليها.
قال الشافعي: وبينهما تفريق كثير.
اه.
(قوله: ويجب لسلس) أي ويجب الولاء في الوضوء لسلس، تقليلا
للحدث.
ويجب أيضا عند ضيق الوقت، لكن لا على سبيل الشرطية.
فلو لم يوال حينئذ حرم عليه مع الصحة.
(قوله: وتعهد عقب) أي ويسن تعهد عقب، أي تفقده والاعتناء به عند غسله، خصوصا في الشتاء.
فقد ورد: ويل للأعقاب من النار.
قال النووي: معناه: ويل لأصحاب الأعقاب المقصرين في غسلها.
(قوله: وموق) أي وتعهد موق.
قال في المختار: هو بالهمز من مأق.
(قوله: ولحاظ) أي وتعهد لحاظ، وهو بفتح اللام، وأما بكسرها فهو مصدر لاحظ.
(قوله: بسبابتي شقيهما) متعلق بتعهد بالنسبة للموق واللحاظ.
ولعل في العبارة قلبا، والأصل: بشق سبابتيه.
ثم وجدت في بعض نسخ الخط: بسبابتيه شقيهما.
وهي أولى، وعليه يكون شقيهما بدل بعض من كل.
(قوله: ومحل ندب تعهدهما) أي الموق واللحاظ.
(قوله: رمص) قال في القاموس: الرمص محركة: وسخ أبيض يجتمع في الموق.
اه.
وقوله:
المجموع -.
ولا يسن غسل باطن العين، بل قال بعضهم: يكره للضرر، وإنما يغسل إذا تنجس لغلظ أمر النجاسة.
(واستقبال) القبلة في كل وضوئه.
(وترك تكلم) في أثناء وضوئه بلا حاجة بغير ذكر، ولا يكره سلام عليه ولا منه ولا رده.
(و) ترك (تنشيف) بلا عذر للاتباع (والشهادتان عقبه) أي الوضوء، بحيث لا يطول فاصل عنه عرفا، فيقول مستقبلا للقبلة، رافعا يديه وبصره إلى السماء - ولو أعمى -: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
لما روى مسلم عن رسول الله (ص): من توضأ فقال أشهد أن لا إله إلا الله - الخ - فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء.
زاد الترمذي: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين.
وروى الحاكم وصححه: من توضأ ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك،
ــ
في الموق أي أو اللحاظ، أو المراد بالموق وما يشمله، ومثل الرمص نحو الكحل من كل ما له جرم.
(قوله: يمنع الخ) الجملة صفة لرمص.
وقوله: إلى محله أي محل الرمص من الموق أو اللحاظ.
(قوله، وإلا) أي بأن كان فيهما ذلك.
وقوله: فتعهدهما واجب أي فغسلهما واجب.
قال ع ش: ولا تتأتى ذلك إلا بإزالة ما فيهما من الرمص ونحوه، فيجب إزالته، كما تقدم في غسل الوجه.
لكن ينبغي أنه لو لم تتأت إزالة ما فيهما - كالكحل ونحوه - إلا بضرر أنه يعفى عنه حيث استعمل الكحل لعذر كمرض أو للتزيين ولم يغلب على ظنه إضرار إزالته.
اه.
(قوله: يكره للضرر) أي إن توهم الضرر، فإن تحققه حرم.
(قوله: وإنما يغسل) أي باطن العين.
وقوله: لغلظ أمر النجاسة أي بدليل أنها تزال عن الشهيد إذا كانت من غير دم الشهيد.
(قوله: واستقبال القبلة) أي ويسن استقبالها.
قال الكردي: فإن اشتبهت عليه تحرى ندبا، كما في الإيعاب.
اه وقوله: في كل وضوئه قال ابن حجر: حتى في الذكر بعده لأنها أشرف الجهات.
اه.
(قوله: وترك تكلم) أي ويسن ترك تكلم.
(قوله: في أثناء وضوئه) أي في خلال وضوئه.
وعبارة المنهج القويم: وأن لا يتكلم في جميع وضوئه.
اه.
قال الكردي: قال في الإيعاب: حتى في الذكر بعده.
(قوله: بلا حاجة) أي بلا احتياج للكلام، أما معها كأمر بمعروف ونهي عن منكر فلا يتركه، بل قد يجب الكلام، كما إذا رأى نحو أعمى يقع في بئر.
(قوله: بغير ذكر) متعلق بتكلم، أي ويسن ترك التكلم بغير ذكر، أما الذكر فلا يسن ترك التكلم به.
قوله: ولا يكره سلام عليه) أي ولا يكره على غير المتوضئ أن يسلم عليه.
(قوله: ولا منه) أي ولا يكره صدور السلام منه ابتداء.
وقوله: ولا رده أي ولا يكره على المتوضئ رد السلام إذا سلم عليه.
وفي ع ش ما نصه: سئل شيخ الإسلام: هل يشرع السلام
على المشتغل بالوضوء وليس له الرد أو لا؟.
فأجاب: بأن الظاهر أنه يشرع السلام عليه ويجب عليه الرد.
اه.
وهذا بخلاف المشتغل بالغسل لا يشرع السلام عليه، لأن من شأنه أنه قد ينكشف منه ما يستحي من الاطلاع عليه فلا تليق مخاطبته حينئذ.
اه.
(قوله: وترك تنشيف) أي ويسن ترك تنشيف - وهو أخذ الماء بنحو خرقة - وذلك لأنه يزيل أثر العبادة فهو خلاف السنة لأنه صلى الله عليه وسلم رد منديلا جئ به إليه لأجل ذلك عقب الغسل من الجنابة.
(وقوله: بلا عذر) أما بالعذر، كبرد أو خشية التصاق نجس به أو لتيمم عقبه، فلا يسن تركه بل يتأكد فعله.
اه تحفة.
وقال الرملي: بل يجب إذا خشي وقوع النجس عليه ولا يجد ما يغسله به.
اه.
(قوله: والشهادتان عقبه) أي ويسن الشهادتان عقبه، أي الوضوء.
(قوله: بحيث لا يطول فاصل عنه عرفا) أي فيما يظهر، نظير سنة الوضوء الآتية.
ثم رأيت بعضهم قال: ويقول فورا قبل أن يتكلم.
اه.
ولعله بيان للأكمل.
اه تحفة.
(قوله: فيقول) أي المتوضئ.
وقوله: مستقبلا إلخ أي حال كونه مستقبلا للقبلة، أي بصدره كما في الصلاة.
وقوله: رافعا يديه أي كهئية الداعي، حتى عند قوله: أشهد أن لا إله إلا الله.
ولا يقيم السبابة خلافا لما يفعله ضعفة الطلبة.
وقوله: وبصره إلى السماء أي ورافعا بصره إلى السماء.
وقوله: ولو أعمى غاية في رفع البصر.
أي فيسن رفع محل بصره إلى السماء كما يسن إمرار الموسى على الرأس الذي لا شعر به.
(قوله: فتحت له أبواب الجنة) أي إكراما له.
وإلا فمعلوم أنه لا يدخل إلا من واحد، وهو ما سبق في علمه تعالى دخول منه.
ع ش.
(قوله: سبحانك) مصدر جعل علما للتسبيح، وهو براءة الله من السوء، أي اعتقاد تنزيهه عما
أشهد أن لا إله إلا أنت.
أستغفرك وأتوب إليك.
كتب في رق، ثم طبع بطابع فلم يكسر إلى يوم القيامة.
أي لم يتطرق إليه إبطال كما صح حتى يرى ثوابه العظيم.
ثم يصلي ويسلم على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد، ويقرأ * (إنا أنزلناه) * ثلاثا، كذلك بلا رفع يد.
وأما دعاء الاعضاء المشهور فلا أصل له يعتد به فلذلك حذفته، تبعا لشيخ المذهب النووي رضي الله عنه.
وقيل: يستحب أن يقول عند كل عضو: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
لخبر رواه المستغفري وقال: حسن غريب.
(وشربه) من (فضل
ــ
لا يليق بجلاله.
اه تحفة.
(قوله: وبحمدك) الواو إما عاطفة جملة أي وسبحتك حالة كوني متلبسا بحمدك، أو زائدة.
والجار والمجرور حال من فاعل الفعل النائب عنه المصدر.
(قوله: كتب) أي هذا اللفظ ليبقى ثوابه.
قال ع ش: ويتجدد ذلك بتعدد الوضوء لأن الفضل لا حجر عليه.
فإذا قالها ثلاثا عقب الوضوء كتب عليه ثلاث مرات وما ذلك على الله بعزيز.
اه بجيرمي.
(قوله: في رق) هو بفتح الراء.
وقال في القاموس: وتكسر: جلد رقيق يكتب فيه.
اه.
(قوله: لم يتطرق إليه إبطال) قال الكردي: لعل فيه من الفوائد أن قائل ذلك يحفظ عن الردة، إذ هي التي تبطل العمل أو ثوابه بعد ثبوته.
اه.
(قوله: ويقرأ إنا أنزلناه ثلاثا) لما أخرجه الديملي، أن من قرأها في أثر وضوئه مرة واحدة كان من الصديقين، ومن قرأها مرتين كتب في ديوان الشهداء، ومن قرأها ثلاثا حشر مع الأنبياء.
وقوله: كذلك أي مستقبلا للقبلة.
وقوله: بلا رفع يد أي وبصر.
ويسن بعد قراءة السورة المذكورة: اللهم اغفر لي ذنبي، ووسع لي في
داري، وبارك في رزقي، ولا تفتني بما زويت عني.
اه ع ش.
(قوله: وأما دعاء الأعضاء، إلخ) وهو أن يقول عند غسل كفيه: اللهم احفظ يدي عن معاصيك.
وعند المضمضة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك.
وعند الاستنشاق: اللهم أرحني رائحة الجنة.
وعند غسل الوجه: اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه.
وعند غسل يده اليمنى: اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبني حسابا يسيرا.
وعند غسل اليسرى: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري.
وعند مسح الرأس: اللهم حرم شعري وبشري على النار.
وعند مسح الأذنين: اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وعند غسل رجليه: اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل الأقدم.
(قوله: فلا أصل له) أي في الصحة، وإلا فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم من طرق ضعيفة في تاريخ ابن حبان وغيره، ومثله يعمل به في فضائل الأعمال.
(فائدة) قال القيصري: ينبغي للمتطهر أن ينوي مع غسل كفيه تطهيرهما من تناول ما يبعده عن الله تعالى، ونفضهما مما يشغله عنه.
وبالمضمضة تطهير الفم من تلويث اللسان بالأقوال الخبيثة.
وبالاستنشاق إخراج استرواح روائح محبوبة.
وبتخليل الشعر حله من أيدي ما يهلكه ويهبطه من أعلى عليين إلى أسفل سافلين.
وبغسل وجهه تطهيره من توجهه إلى اتباع الهوى، ومن طلب الجاه المذموم وتخشعه لغير الله.
وبتطهيره الأنف تطهيره من الأنفة والكبر.
وبغسل العين التطهر من التطلع إلى المكروهات والنظر لغير الله بنفع أو ضر.
وبغسل اليدين تطهيرهما من تناول ما يبعده عن الله.
وبمسح الرأس زوال الترأس والرياسة الموجبة للكبر، وبغسل القدمين تطهيرهما من المسارعة إلى المخالفات واتباع الهوى، وحل قيود العجز عن المسارعة في ميادين الطاعة المبلغة إلى الفوز برضا الكبير المتعال.
وبما ذكر يصلح الجسد للوقوف بين يدي الله تعالى الملك القدوس.
(قوله: وقال: حسن) أي من جهة المعنى.
وقوله: غريب أي من جهة النقل، وهو ما انفرد بروايته راو واحد.
كما قال في البيقونية:
وضوئه) لخبر: إن فيه شفاء من كل داء ويسن رش إزاره به، أي إن توهم حصول مقذر له، كما استظهره شيخنا.
وعليه يحمل رشه (ص) لازاره به.
وركعتان بعد الوضوء أي بحيث تنسبان إليه عرفا، فتفوتان بطول الفصل عرفا على الاوجه، وعند بعضهم بالاعراض، وبعضهم بجفاف الاعضاء، وقيل: بالحدث.
ويقرأ ندبا في أولى ركعتيه بعد الفاتحة: * (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم) * إلى * (رحيما) *، وفي الثانية: * (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه) * إلى * (رحيما) *.
(فائدة) يحرم التطهر بالمسبل للشرب، وكذا بماء جهل حاله على الاوجه، وكذا حمل شئ من المسبل إلى غير محله.
(وليقتصر) أي المتوضئ، (حتما) أي وجوبا، (على) غسل أو مسح (واجب) أي فلا يجوز تثليث ولا
ــ
وقل غريب ما روى راو فقط قال في شرحها: وسمي بذلك لانفراد راويه عن غيره، كالغريب الذي شأنه الانفراد عن وطنه.
(قوله: وشربه) أي ويسن شر به.
وقوله: من فضل وضوئه بفتح الواو: اسم للماء الذي توضأ به.
(قوله: ويسن رش إزاره) أي أو سراويله.
وقوله: به أي بفضل وضوئه.
(قوله: أي إن توهم حصول مقذر له) أي يسن ذلك إن توهم حصول مقذر له، كرشاش تطاير إليه، دفعا للوسواس.
ولذلك قالوا: يسن للمتوضئ الجلوس بمحل لا يناله فيه رشاش من الماء.
قال
الشرقاوي: لأنه مستقذر غالبا، ولأنه ربما أورث الوسواس.
اه.
(قوله: وعليه) أي وعلى توهم حصول مقذر له.
وقوله: به أي بفضل وضوئه، وهو متعلق برش.
قوله: وركعتان بعد الوضوء أي وتسن ركعتان بعده، لما روي: أنه صلى الله عليه وسلم دخل الجنة فرأى بلالا فيها فقال له: بم سبقتني إلى الجنة؟ فقال بلال: لا أعرف شيئا، إلا أني لا أحدث وضوءا إلا أصلي عقبه ركعتين وسيأتي إن شاء الله في فصل في صلاة النفل مزيد بسط في الكلام عليهما.
(قوله: أي بحيث تنسبان إليه عرفا) تقييد للبعدية، أي أن محل الاعتداد بهما وحصول الثواب عليهما إذا صليا بعده أن ينسبا إلى ذلك الوضوء في العرف.
(قوله: فتفوتان) أي ركعتا الوضوء.
وقوله: بطول الفصل أي بين الوضوء وبينهما.
قال في التحفة في باب صلاة النفل: وهو أوجه.
ويدل له قول الروضة: ويستحب لمن توضأ أن يصلي عقبه.
اه.
(قوله: وعند بعضهم بالاعراض) أي تفوتان بقصد الإعراض عنهما، ولو لم يطل الفصل.
(قوله: وبعضهم بجفاف الأعضاء) أي وعند بعضهم تفوتان بجفاف أعضاء الوضوء.
فمتى لم تجف أعضاؤه له أن يصليهما، ولو طال الفصل.
(قوله: وقيل: بالحدث) أي تفوتان به.
فمتى لم يحدث له أن يصليهما، ولو طال الفصل عرفا.
(قوله: يحرم التطهر بالمسبل للشرب) أي أو بالماء الغصوب، ومع الحرمة يصح الوضوء.
(قوله: وكذا بماء جهل حاله) أي وكذلك يحرم التطهر بماء لم يدر هل هو مسبل للشرب أو للتطهر.
وسيذكر الشارح في باب الوقف أنه حيث أجمل الواقف شرطه اتبع فيه العرف المطرد في زمنه لأنه بمنزلة شرط الواقف.
قال: ومن ثم امتنع في السقايات المسبلة غير الشرب ونقل الماء منها ولو للشرب.
ثم قال: وسئل العلامة الطنبداوي عن الجوابي والجرار التي عند المساجد فيها الماء إذا لم يعلم أنها موقوفة للشرب أو للموضوء أو الغسل الواجب أو المسنون أو غسل النجاسة؟.
فأجاب: أنه إذا دلت قرينة على أن الماء موضوع لتعميم الانتفاع جاز جميع ما ذكر، من الشرب وغسل النجاسة وغسل الجنابة وغيرها.
ومثال القرينة جريان الناس على تعميم الانتفاع بالماء من غير نكير من فقيه وغيره، إذ الظاهر من عدم النكير أنهم أقدموا على تعميم الانتفاع بالماء بغسل وشرب ووضوء وغسل نجاسة، فمثل هذا إيقاع يقال بالجواز.
وقال: إن فتوى العلامة عبد الله بامخرمة يوافق ما ذكره.
اه.
(قوله: وكذا حمل شئ الخ) أي وكذلك يحرم نقل شئ من الماء المسبل للتطهر أو للشرب إلى غير محله، ولو للشرب كما علمت.
(قوله: وليقتصر إلخ) كالتقييد لما تقدم من المضمضة والاستنشاق والإتيان بسائر السنن.
(قوله: على غسل أو مسح)
إتيان سائر السنن (لضيق وقت) عن إدراك الصلاة كلها فيه، كما صرح به البغوي وغيره، وتبعه المتأخرون.
لكن أفتى في فوات الصلاة لو أكمل سننها بأن يأتيها، ولو لم يدرك ركعة.
وقد يفرق بأنه ثم اشتغل بالمقصود، فكان كما لو مد في القراءة.
(أو قلة ماء) بحيث لا يكفي إلا الفرض فلو كان معه ماء لا يكفيه لتتمة طهره.
إن ثلث أو أتى السنن أو احتاج إلى الفاضل لعطش محترم، حرم استعماله في شئ من السنن.
وكذا يقال في الغسل.
(وندبا) على الواجب بترك السنن، (لادراك جماعة) لم يرج غيرها.
نعم، ما قيل بوجوبه - كالدلك - ينبغي تقديمه عليها، نظير ما مر من ندب تقديم الفائت بعذر على الحاضرة، وإن فاتت الجماعة.
(تتمة) يتيمم عن الحدثين لفقد ماء أو خوف محذور من استعماله بتراب طهور له غبار.
وأركانه نية
ــ
يقرآن بالتنوين.
(قوله: فلا يجوز تثليث) أي في غسل الأعضاء.
(قوله: ولا إتيان سائر السنن) أي ولا يجوز الإتيان
بسائر السنن، أي الفعلية: كالمضمضة والاستنشاق، والقولية: كالأذكار الواردة، قبله أو بعده، لكن محل هذا بالنسبة لضيق الوقت فقط.
(قوله: لضيق وقت عن إدراك الصلاة كلها فيه) أي بأن لم يدركها رأسا، أو بعضها، في الوقت.
فضيق الوقت عن إدراكها كلها فيه صادق بصورتين.
والحاصل المراد أنه ثلث، أو أتى بالسنن كلها، لخرج جزء من الصلاة عن وقتها، فيجب عليه حينئذ ترك التثليث وترك الإتيان بالسنن.
(قوله: لكن أفتى إلخ) أي لكن يشكل على ما ذكره هنا إفتاء البغوي نفسه في الصلاة بأنه يأتي بجميع سننها ولو خرج جزء منها عن وقتها بسبب ذلك، بل ولو لم يدرك ركعة فيه.
وقوله: وقد يفرق إلخ أي بفرق بين ما هنا وبين ما ذكره هناك، بأنه هنا لم يشتغل بالمقصود، وهناك اشتغل بالمقصود الذي هو الصلاة، فاغتفر الإخراج هناك ولم يغتفر هنا.
(قوله: كما لو مد في القراءة) أي كما لو طول في قراءة السورة بحيث خرج الوقت وهو لم يدرك ركعة فيه فإنه لا يحرم.
(قوله: أو قلة ماء) معطوف على ضيق وقت.
وقوله: بحيث لا يكفي إلا الفرض تصوير لقلة ماء.
(قوله: إن ثلث) قيد لعدم كفايته.
(قوله: أو أتى السنن) أي بالسنن التي تحتاج إلى ماء، كمضمضة واستناق ومسح الأذنين وغير ذلك.
(قوله: أو احتاج الخ) أي أو كان معه ماء يكفيه لذلك مع التثليث والإتيان بالسنن، إلا أنه يحتاج إلى الفاضل على الفرض لعطش حيوان محترم.
(قوله: حرم) جواب لو.
(قوله: وكذا يقال في الغسل) أي مثل ما قيل في الوضوء يقال في الغسل.
أي فليقتصر فيه على الواجب عند ضيق الوقت، أو قلة الماء، أو الاحتياج إلى الفاضل لعطش محترم.
فلو خالف حرم عليه ذلك.
(قوله: وندبا على الواجب) أي وليقتصر ندبا على الواجب، فهو معطوف على حتما.
(قوله: بترك السنن) متعلق بيقتصر المقدر.
والباء للتصوير، أي ويتصور الاقتصار على ذلك بترك السنن.
(قوله: لإدراك جماعة) قال في شرح العباب: إنها أولى من سائر سنن الوضوء.
كما جزم به في التحقيق.
اه كردي.
(قوله: نعم، الخ) تقييد لندب الاقتصار على الواجب بترك السنن، فكأنه قال: ومحله ما لم تكن السنة قيل بوجوبها، فإن كانت كذلك قدمت على الجماعة.
(قوله: نظير ما مر من ندب تقديم الخ) أي لأنه قيل بوجوبه.
فهذا هو الجامع بين ما هنا وبين ما مر، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(قوله: تتمة) أي في بيان أسباب التيمم وكيفيته وهي أركانه، وبيان آلته وهي التراب.
وقد أفرده الفقهاء بباب مستقل، وإنما ذكر عقب الوضوء لأنه بدل عنه.
والأصل فيه قبل الإجماع قوله تعالى: * (وإن كنتم مرضى أو على سفر) * الآية.
وخبر مسلم: جعلت لنا الأرض كلها مسجدا وتربتها طهورا.
ومعناه في اللغة القصد، يقال تيممت فلانا أي قصدته.
ومنه قوله تعالى: * (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) * ومنه قول الشاعر:
تيممتكم لما فقدت أولي النهى ومن لم يجد ماء تيمم بالتراب وفي الشرع إيصال التراب إلى الوجه واليدين بشرائط مخصوصة، وله أسباب وشروط وأركان ومبطلات وسنن.
استباحة الصلاة المفروضة مقرونة بنقل التراب، ومسح وجهه ثم يديه.
ولو تيقن ماء آخر الوقت فانتظاره أفضل،
ــ
وذكر الشارح الأسباب والأركان وبعض الشروط إجمالا، ولا بد من بيان ذلك تفصيلا، فيقال: أما الأسباب فشيآن: فقد الماء حسا بأن لم يجده أصلا، أو شرعا بأن وجده مسبلا للشرب أو وجده بأكثر من ثمن مثله.
وخوف محذور من استعمال الماء، بأن يكون به مرض يخاف معه من استعماله على منفعة عضو، أو يخاف زيادة مدة المرض، أو يخاف الشين الفاحش من تغير لون ونحول في عضو ظاهر.
وفي الحقيقة هذا الثاني يرجع للفقد الشرعي.
وأما الشروط فعشرة: أن يكون بتراب على أي لون كان.
وأن يكون طاهرا، فلا يصح بمتنجس.
وأن لا يكون مستعملا في حدث أو خبث.
وقد جمع الشارح هذين الشرطين بقوله: طهور وأن لا يخالطه دقيق ونحوه.
وأن يقصده بالنقل لآية: * (فتيمموا صعيدا طيبا) * أي اقصدوه بالنقل.
فلو فقد النقل كأن سفته عليه الريح فردده لم يكفه.
وأن يمسح وجهه ويديه بنقلتين يحصل بكل منهما استيعاب محله.
وأن يزيل النجاسة أولا.
وأن يجتهد في القبلة قبل التيمم، فلو تيمم قبل الاجتهاد فيها لم يصح على الأوجه.
وإن يقع التيمم بعد دخول الوقت.
وأن يتيمم لكل فرض عيني ولو نذرا.
وأما الأركان فأربعة: نية استباحة مفتقر إلى التيمم، كصلاة وطواف ومس مصحف.
فلا يكفي نية رفع الحدث لأن التيمم لا يرفعه، ولا نية فرض التيمم.
قال بعضهم: محله ما لم يضفه لنحو صلاة، ومسح وجهه، ومسح يده، والترتيب.
وعد بعضهم النقل من الأركان، فتكون خمسة.
وأما مبطلاته، فكل ما أبطل الوضوء، وسيأتي بيانه قريبا.
ويزاد على ذلك: توهم وجود الماء إن كان قبل الصلاة، ووجوده فيها إن كانت الصلاة مما لا يسقط فرضها بالتيمم، فإن كانت مما يسقط فرضها به فلا تبطل.
والردة - والعياذ بالله - وأما سننه: فجميع سنن الوضوء مما يمكن مجيئه هنا إلا التثليث.
ويزاد عليها: نزع الخاتم في الضربة الأولى، وأما الثانية فواجب.
وتخفيف التراب من كفيه، وتفريق أصابعه في كل ضربة.
وأن لا يرفع يده على العضو حتى يتم مسحه.
(قوله: لفقد ماء) أي حسا أو شرعا.
ومن الأول ما إذا حال بينه وبين الماء سبع، لأن المراد بالحسي تعذ الوصول للماء.
واستعماله في الحس، كذا في التحفة.
قال سم: واعلم أنه لا قضاء مع الفقد الحسي.
اه.
ومحل جواز التيمم عند الفقد: إذا طلبه من رحله ورفقته ونظر حواليه وتردد إن احتاج إلى التردد فلم يجده، أو تيقن فقد الماء.
ولا يحتاج عند التيقن إلى ما ذكر لأنه عبث لا فائدة فيه.
وقوله: أو خوف محذور أي كمرض أو زيادته، أو إتلاف عضو أو منفعته.
(قوله: بتراب) أي ولو كان مغصويا لكنه يحرم كتراب المسجد.
وخرج بالتراب غيره كنورة وزرنيخ وسحاقة خزف، ومختلط بدقيق ونحوه.
وقوله: طهور خرج به المتنجس والمستعمل.
وفي البجيرمي ما نصه: قال الحكيم الترمذي: إنما جعل التراب طهورا لهذه الأمة لأن الأرض لما أحست بمولده صلى الله عليه وسلم انبسطت وتمددت وتطاولت وأزهرت وأينعت، وافتخرت على السماء وسائر المخلوقات بأنه نبي خلق مني، وعلى ظهري تأتيه كرامة الله، وعلى بقاعي سجد بجبهته، وفي بطني مدفنه.
فلما جرت رداء فخرها بذلك جعل ترابها طهورا لأمته.
فالتيمم هدية من الله تعالى لهذه الأمة خاصة لتدوم لهم الطهارة في جميع الأحوال والأزمان.
اه.
(قوله: له غبار) خرج به ما لا غبار له كتراب مندى.
وأما الرمل فإن كان له غبار وكان لا يلصق بالعضو صح التيمم به، وإلا فلا.
(قوله: وأركانه) أي التيمم.
(قوله: نية استباحة الصلاة) أي ونحوها مما يفتقر إلى طهارة، كطواف وسجود تلاوة وحمل مصحف.
ويصح أن يأتي بالنية العامة كأن يقول:
وإلا فتعجيل تيمم.
وإذا امتنع استعماله في عضو وجب تيمم وغسل صحيح ومسح كل الساتر الضار نزعه بماء، ولا ترتيب بينهما لجنب.
أو عضوين فتيممان، ولا يصلي به إلا فرضا واحدا ولو نذرا.
وصح جنائز مع فرض.
ــ
نويت استباحة مفتقر إلى طهر.
وقوله: مقرونة بنقل التراب المراد بالنقل تحويل التراب إلى العضو الذي يريده ولو من الهواء.
ويجب استدامة هذه النية إلى مسح شئ من الوجه، فلو عزبت قبل مسح منه بطلت لأنه المقصود، وما قبله وسيلة وإن كان ركنا.
فعلم من كلامهم بطلانه بعزوبها فيما بين النقل المعتد به والمسح، وهو كذلك، وإن نقل جمع عن أبي خلف الطبري الصحة واعتمده.
اه تحفة.
وقوله: وإن نقل جمع إلخ اعتمده في النهاية، ونصها: قال في المهمات: والمتجه الاكتفاء باستحضارها عندهما - أي عند النقل وعند المسح - وإن عزبت بينهما.
واستشهد له بكلام لأبي خلف الطبري، وهو المعتمد.
والتعبير بالاستدامة - كما قاله الوالد - جري على الغالب لأن الزمن يسير لا تعزب فيه النية غالبا.
اه.
(قوله: ومسح الخ) بالرفع، عطف على نية.
أي ومن الأركان مسح وجهه ثم يديه، أي إيصال التراب إليهما ولو بخرقة.
ومن الوجه ظاهر لحيته المسترسل والمقبل من أنفه على شفته.
وينبغي التفطن لهذا ونحوه، فإنه كثيرا يغفل عنه.
ولا يجب إيصال التراب إلى منابت الشعر، بل ولا يندب ولو خفيفا، لما فيه من المشقة بخلاف الماء.
(قوله، ولو تيقن ماء) المراد بالتيقن هنا الوثوق بحصول الماء بحيث لا يتخلف عادة لا ما ينتفي معه احتمال عدم حصول الماء عقلا.
وقوله: فانتظاره أفضل أي من تعجيل التيمم، لأن التقديم مستحب.
والوضوء من حيث الجملة فرض فثوابه أكثر.
وقوله: وإلا أي وإن لم يتقين وجوده فتعجيل التيمم أفضل، لأن فضيلة أول الوقت محققة بخلاف فضيلة الوضوء.
(قوله: وإذا امتنع استعماله) أي حرم شرعا استعماله، أي الماء، بأن علم أنه يضره بإخبار طبيب عدل بذلك، أو علمه هو بالطب.
(قوله: وجب تيمم) أي لئلا يخلو محل العلة عن الطهارة، فهو بدل عن طهارته.
(قوله: وغسل صحيح) بالإضافة، وذلك الخبر: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم.
ويجب أن يتلطف في غسل الصحيح المجاور للعليل بوضع خرقة مبلولة بقربه، ويتحامل عليها لينغسل بالمتقاطر منها ما حواليه من غير أن يسيل الماء إليه.
(قوله: ومسح كل الساتر) أي بدلا عما أخذه من الصحيح، ومن ثم لو لم يأخذ شيئا أو أخذ شيئا وغسله لم يجب مسحه على المعتمد.
اه شوبري.
ولا يجزئه مسح بعض الساتر لأنه أبيح لضرورة العجز عن الأصل، فيجب فيه التعميم، كالمسح في التيمم.
والساتر كجبيرة، وهي أخشاب أو قصب تسوى وتشد على موضع الكسر ليلتحم، وكلصوق ومرهم وعصابة.
وقوله: الضار نزعه أي بأن يلحقه في نزعه ضرر كمرض أو تلف عضو أو منفعة.
أما إذا أمكن نزعه من غير ضرر يلحقه فيجب.
قال في التحفة: ويظهر أن محله إن أمكن غسل الجرح، أو أخذت بعض الصحيح، أو كانت بمحل التيمم وأمكن مسح العليل بالتراب، وإلا فلا فائدة في نزعه.
اه.
وقوله: بماء متعلق بمسح، وخرج به التراب فلا يمسح به لأنه ضعيف فلا يؤثر من وراء حائل، بخلاف الماء فإنه يؤثر من ورائه في نحو مسح الخف.
اه نهاية.
واعلم أن الساتر إن كان في أعضاء التيمم وجبت إعادة الصلاة مطلقا لنقص البدل والمبدل جيمعا، وإن كان في غير أعضاء التيمم فإن أخذ من الصحيح زيادة على قدر الاستمساك وجبت الإعادة، سواء وضعه على حدث أو وضعه على طهر.
وكذا تجب إن أخذ من الصحيح بقدر الاستمساك ووضعه على حدث، وإن لم يأخذ من الصحيح شيئا لم تجب الإعادة، سواء وضعه على حدث أو على طهر.
وكذا لا تجب ان أخذ من الصحيح بقدر الاستمساك ووضعه على طهر.
وقد نظم بعضهم ذلك فقال: ولا تعدو الستر قدر العلة أو قدر الاستمساك في الطهارة وإن يزد عن قدرها فأعدو مطلقا وهو بوجه أو يد (قوله: ولا ترتيب بينهما لجنب) أي بين التيمم وغسل الصحيح، وذلك لأن بدنه كالعضو الواحد.
ومثل الجنب الحائض والنفساء، فالجنب في كلامه إنما هو مثال لا قيد، أي فله أن يتيمم أولا عن العليل ثم يغسل الصحيح، وله أن يغسل أولا الصحيح من بدنه ثم يتيمم عن العليل، لكن الأولى تقديم التيمم ليزيل الماء أثر التراب.
وخرج بالجنب
(ونواقضه) أي أسباب نواقض الوضوء أربعة: أحدها: (تيقن خروج شئ) غير منيه، عينا كان أو ريحا، رطبا أو جافا، معتادا كبول أو نادرا كدم باسور أو غيره، انفصل أو لا - كدودة أخرجت رأسها ثم رجعت - (من أحد
ــ
المحدث حدثا أصغر فلا يتيمم إلا وقت غسل العليل لاشتراط الترتيب في طهارته، فلا ينتقل عن عضو حتى يكمله غسلا
وتيمما عملا بقضية الترتيب.
فإذا كانت العلة في اليد فالواجب تقديم التيمم على مسح الرأس وتأخيره عن غسل الوجه.
ولا ترتيب بين التيمم عن عليله وغسل صحيحه، فله أن يتيمم أولا عن العليل ثم يغسل الصحيح من ذلك العضو، وهو الأولى، ليزيل الماء أثر التراب كما تقدم.
وله أن يغسل صحيح ذلك العضو أولا ثم يتيمم عن عليله.
(قوله: أو عضوين) معطوف على قوله في عضو.
أي أو امتنع استعماله في عضوين.
وقوله: فتيممان أي يجبان عليه.
ومثل ذلك ما إذا امتنع استعماله في ثلاثة أعضاء فإنه يجب عليه ثلاثة تيممات، هكذا.
والحاصل أن التيمم يتعدد بعدد الأعضاء إن وجب فيها الترتيب ولم تعمها الجراحة، فإن امتنع استعمال الماء في عضوين وجب تيممان، أو ثلاثة فثلاث، أو في أربعة وعمت الجراحة الرأس فأربع.
فإن بقي من الرأس جزء سليم وجب مسحه مع ثلاثة تيممات.
فإن وجدت الجراحة في الأعضاء التي لا ترتيب فيها كاليدين والرجلين لم يجب تعدده، بل يندب فقط.
وإن عمت الجراحة جميع الأعضاء أجزأ عنها تيمم واحد.
واعلم أن هذا في المحدث، وأما نحو الجنب فيكفيه تيمم واحد ولو وجدت الجراحة في جميع الأعضاء.
(قوله: ولا يصلي به) أي بالتيمم.
وقوله: إلا فرضا واحدا أي إذا نوى استباحة الفرض، وأما إذا نوى استباحة النفل فلا يصلي غيره.
والحاصل المراتب ثلاث: المرتبة الأولى: فرض الصلاة ولو منذورة، وفرض الطواف كذلك، وخطبة الجمعة لأنها منزلة منزلة ركعتين فهي كصلاتها عند الرملي.
المرتبة الثانية: نفل الصلاة، ونفل الطواف، وصلاة الجنازة لأنها وإن كانت فرض كفاية فالأصح أنها كالنفل: المرتبة الثالثة: ما عدا ذلك، كسجدة التلاوة والشكر وقراءة القرآن ومس المصحف وتمكين الحليل.
فإذا نوى واحد من المرتبة الأولى استباح واحدا منها، ولو غير ما نواه استباح معه جميع الثانية والثالثة.
وإذا نوى واحدا من الثانية استباح جميعها وجميع الثالثة دون شئ من الأولى.
وإذا نوى شيئا من الثالثة استباحها كلها وامتنعت عليه الأولى والثانية.
(قوله: ونواقضه.
إلخ) أخر المصنف النواقض عن الوضوء نظرا إلى أن الوضوء يوجد أولا ثم تطرأ عليه.
وبعض الفقهاء قدمها عليها نظرا إلى أن الإنسان يولد محدثا، أي في حكم المحدث، بمعنى أنه يولد غير متطهر.
واعترض التعبير بالنواقص بأن النقض إزالة الشئ من أصله.
تقول: نقضت الجدار، إذا أزلته من أصله.
فيقتضي التعبير بالنواقض أنها تزيل الوضوء من أصله فيلزم بطلان الصلاة الواقعة به.
وأجيب بأن المراد بها الأسباب التي ينتهي بها الطهر، وهي الأحداث.
فتفسير الشارح لها بالأسباب إشارة لدفع هذا الاعتراض، لكن يعكر عليه إضافة الأسباب لها فإنها تقتضي المغايرة، إلا أن تجعل الإضافة بيانية.
ولو قال: أي الأسباب التي يبطل
بها الوضوء لكان أولى.
(قوله: أربعة) أي فقط.
وهي ثابتة بالأدلة.
وعلة النقض بها غير معقولة فلا يقاس عليها غيرها.
(قوله: أحدها) أي الأربعة.
(قوله: خروج شئ) خرج الدخول فلا ينقض.
ولو رأى على ذكره بللا لم ينتقض وضوءه إن احتمل طروه من خارج، فإن لم يحتمل ذلك انتقض.
كما لو خرجت منه رطوبة وشك أنها من الظاهر أو الباطن فإنها لا تنقض، كما نص عليه ابن حجر في شرح الإرشاد الكبير.
(قوله: غير منيه) أي مني الشخص نفسه وحده الخارج أول مرة، أما هو فلا ينقض، كأن احتلم متوضئ وهو ممكن مقعدته لأنه أوجب أعظم الأمرين وهو الغسل.
أما لو خرج منه مني غيره.
ولو مع منيه.
أو مني نفسه وحده ثانيا، بأن أدخله في قصبة ذكر ثم خرج منه، فينتقض وضوءه.
(قوله: عينا كان الخ) تعميم في الشئ الخارج.
وبقي عليه تعميمات أخر، وهي: سواء خرج طوعا أو كرها، عمدا أو سهوا.
(قوله: معتادا) المراد به ما يكثر وقوعه بأن يخرج على العادة.
والنادر بخلافه، وهو ما لا يكثر وقوعه بأن يخرج على خلاف العادة.
(قوله: كدم باسور) أي داخل الدبر، فلو خرج الباسور ثم توضأ ثم خرج منه دم فلا نقض.
وكذا لو خرج من الباسور النابت خارج الدبر.
وقوله: أو غيره أي غير دم الباسور.
كمقعدة المزحور إذا خرجت، فلو توضأ حال
سبيلي) المتوضئ (الحي) دبرا كان أو قبلا.
(ولو) كان الخارج (باسورا) نابتا داخل الدبر فخرج أو زاد خروجه.
لكن أفتى العلامة الكمال الرداد بعدم النقض بخروج الباسور نفسه بل بالخارج منه كالدم.
وعن مالك: لا ينتقض الوضوء بالنادر.
(و) ثانيها: (زوال عقل) أي تمييز، بسكر أو جنون أو إغماء أو نوم، للخبر
ــ
خروجها ثم أدخلها لم ينتقض، وإن اتكأ عليها بقطنة حتى دخلت، ولو انفصل على تلك القطنة شئ منها لخروجه حال خروجها.
اه تحفة.
(قوله: انفصل) أي ذلك الخارج كله من أحد السبيلين.
وقوله: أو لا أي أو لم يفصل كله، بأن انفصل بعضه وبقي بعضه، فإنه ينقض.
ومحله في غير ولد ظهر بعضه واستتر بعضه فإنه لا يحكم بالنقض به لاحتمال أن يخرج جميع الولد فيجب الغسل.
(قوله: كدودة أخرجت رأسها) تمثيل لقوله أو لا: ومثلها باسور خرج من الدبر أو زاد خروجه كما سيذكره.
(قوله: ثم رجعت) عبارة فتح الجواد: وإن رجعت.
اه.
وهي تفيد أن الرجوع ليس بقيد.
(قوله: من أحد الخ) متعلق بخروج.
وقوله: سبيلي المتوضئ هما القبل والدبر.
وسميا بذلك لأن كلا منهما سبيل، أي طريق لخروج الخارج منه.
ولو أبدل المتوضئ بالشخص لكان أولى ليشمل الحدث الذي لا يكون عقب وضوء، كالمولود فإنه يقال له محدث من حين الولادة مع أنه لم يسبق منه طهر.
ولعله قيد بذلك نظرا للناقض بالفعل.
وقوله: الحي خرج به الميت، فلا تنتقض طهارته بخروج شئ منه، وإنما تجب إزالة النجاسة عنه فقط.
وكان عليه أن يزيد في كلامه الواضح ليخرج الخنثى المشكل، فإنه إن خرج من فرجيه جميعا نقض لتحقق الخروج من الأصلي، وإلا فلا.
(قوله دبرا كان) أي ذلك الأحد الذي خرج منه الخارج.
وقوله: أو قبلا معطوف على دبرا، ولا فرق بين أن يتعدد كل منهما، كأن وجد له
دبران أصليان، أو أحدهما أصلي والآخر زائد، واشتبه أو تميز وسامت أو لم يتعدد.
(قوله: ولو كان، الخ) غاية في النقض بخروج ما ذكر.
(قوله: نابتا داخل الدبر) تصريح بما علم من قوله الخارج، أي من الدبر، فإنه يفهم أنه كان داخلا ثم خرج.
(قوله: فخرج) أي كله.
وقوله: أو زاد خروجه أي بأن خرج منه قبل الوضوء شئ ثم بعده زاد خروجه، فإنه ينقض الوضوء (قوله: لكن أفتى، الخ) استدراك على الغاية.
(قوله: بل بالخارج منه) أي بل أفتى بالنقض بالشئ الذي خرج من الباسور.
وقوله: كالدم تمثيل للخارج منه.
(قوله: بالنادر) أي بالخارج، إذا كان خروجه على سبيل الندور.
(قوله: وثانيها) أي ثاني نواقض الوضوء.
(قوله: زوال عقل) هو صفة يميز بها بين الحسن والقبيح.
وقيل: غريزة يتبعها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات.
ومحله القلب، وله شعاع متصل بالدماغ.
وهو أفضل من العلم لأنه منبعه وأسه، والعلم يجري منه مجرى النور من الشمس والرؤية من العين.
وقيل: العلم أفضل منه لاستلزامه له، ولأن الله يوصف بالعلم لا بالعقل.
ولذلك قال بعض الأكابر حاكيا لذلك عن لسان حالهما.
علم العليم وعقل العاقل اختلفا من ذا الذي منهما قد أحرز الشرفا فالعلم قال: أنا أحرزت غايته والعقل قال: أنا الرحمن بي عرفا فأفصح العلم إفصاحا وقال له بأينا الله في فرقانه اتصفا فبان للعقل أن العلم سيده فقبل العقل رأس العلم وانصرفا وقوله: أي تمييزا إنما فسره به لأنه هو الذي يزيله السكر والمرض، والإغماء بخلافه.
بمعنى الصفة الغريزية فإنه لا يزيله ذلك، وإنما يزيله الجنون فقط.
(قوله: بسكر) متعلق بزوال، وهو خبل في العقل مع طرب واختلال نطق.
وقوله: أو جنون هو مرض يزيل الشعور من القلب مع بقاء الحركة والقوة في الأعضاء.
وقوله: أو إغماء هو مرض يزيل الشعور مع فتور الأعضاء ومنه ما يقع في الحمام، وإن قل فينقض الوضوء، فليتنبه له فإنه يغفل عنه كثير من الناس.
وقوله: أو نوم هو استرخاء أعصاب الدماغ بسبب رطوبة الأبخرة الصاعدة من المعدة.
وقال الغزالي: الجنون يزيل العقل، والإغماء يغمره، والنوم يستره.
واستثنى من النوم نوم الأنبياء فلا نقض به، وكذا بإغمائهم، وهو جائز عليهم لأنه مرض، لكنه ليس كالإغماء الذي يحصل لآحاد الناس، وإنما هو من غلبة الأوجاع للحواس الظاهرة فقط دون القلب، لأنه إذا حفظت قلوبهم من النوم الذي هو أخف من الإغماء، كما ورد في حديث: تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا فمن الإغماء
الصحيح: فمن نام فليتوضأ.
وخرج بزوال العقل النعاس وأوائل نشوة السكر، فلا نقض بهما، كما إذا شك هل نام أو نعس؟ ومن علامة النعاس سماع كلام الحاضرين وإن لم يفهمه، (لا) زواله (بنوم) قاعد (ممكن مقعده) أي ألييه من مقره، وإن استند لما لو زال سقط أو احتبى، وليس بين مقعده ومقره تجاف.
وينتقض وضوء ممكن انتبه بعد زوال أليته عن مقره، لا وضوء شاك هل كان ممكنا أو لا؟ أو هل زالت أليته قبل اليقظة أو بعدها؟ .. وتيقن الرؤيا مع عدم تذكر نوم لا أثر له بخلافه مع الشك فيه لانها مرجحة لاحد طرفيه.
(و) ثالثها:
ــ
أولى لشدة منافاته للتعلق بالرب سبحانه وتعالى.
وأما الجنون فلا يجوز عليهم لأنه نقص.
(قوله: للخبر الصحيح) هو دليل للانتقاض بزوال العقل بالنوم، وأما غيره من السكر والجنون والإغماء فيقاس عليه قياسا أولويا.
(قوله: فمن نام فليتوضأ) أول الحديث: العينان وكاء السه فمن نام
…
الخ.
قال في شرح المنهج: وغير النوم مما ذكر أبلغ منه في الذي هو مظنة لخروج شئ من الدبر.
كما أشعر بها - أي بالمظنة - الخبر، إذ السه الدبر، ووكاؤه حفاظه عن أن يخرج منه شئ لا يشعر به، والعينان كناية عن اليقظة.
اه.
وقوله: والعينان الخ معناه أن اليقظة للدبر كالوكاء للوعاء يحفظ ما فيه.
(قوله: وخرج بزوال العقل النعاس) هو ريح لطيفة تأتي من قبل الدماغ فتغطي العين ولا تصل إلى القلب، فإن وصلت إليه كان نوما.
(قوله: وأوائل نشوة السكر) أي أوائل مقدمات السكر.
وهي بالواو على الأفصح.
بخلاف نشأة الصبا فإنها بالهمزة لا غير.
(قوله: فلا نقض بهما) أي بالنعاس وأوائل نشوة السكر، وذلك لبقاء نوع من التمييز معهما.
(قوله: كما إذا شك الخ) أي فإنه لا نقض به.
وقوله: أو نعس قال في شرح الروض: بفتح العين.
(قوله: وإن لم يفهمه) الواو للحال، وأن زائدة.
أي: والحال أنه لم يفهمه.
ولو جعلت للغاية لأفادت أنه لا فرق بين أن يفهمه أم لا، ولا يصح ذلك لأنه إذا فهمه يكون يقظان لا غير.
(قوله: لا زواله بنوم الخ) أي لا يكون زوال العقل بنوم من ذكر ناقضا للوضوء لأمن خروج شئ حينئذ من دبره.
ولا عبرة بإحتمال خروج ريح من قبله لأنه نادر، ولقول أنس رضي الله عنه: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضؤن.
رواه مسلم.
وفي رواية لأبي دواد: ينامون حتى تخفق رؤوسهم الأرض.
وحمل على نوم الممكن جمعا بين الأخبار.
(قوله: قاعد) قال سم: التقييد بالقاعدة الذي زاده.
قد يرد عليه أن القائم قد يكون ممكنا، كما لو انتصب وفرج بين رجليه.
وألصق المخرج بشئ مرتفع إلى حد المخرج، ولا يتجه إلا أن هذا تمكن مانع من النقض فينبغي الإطلاق، ولعل التقييد بالنظر للغالب.
اه ع ش.
(قوله: ممكن) أي ولو احتمالا.
وخرج به ما لو نام قاعدا غير متمكن، أو نام قائما، أو نام على قفاه، ولو متمكنا بأن ألصق مقعد بمقره.
(قوله: أي ألييه) بفتح الهمزة تثنية ألية، وحذفت التاء في التثنية، وهو تفسير للمقعد.
(قوله: من مقره) متعلق بممكن.
والمراد به ما يشمل الأرض وغيرها.
(قوله: وإن استند) أي الممكن.
وهو غاية لعدم الانتقاض بزوال العقل بنوم من ذكر.
وقوله: لما لو زال سقط أي لشئ، كعمود، لو زال ذلك الشئ لسقط ذلك المستند إليه.
(قوله: أو احتبى) عطف على استند، فهو غاية ثانية.
والاحتباء ضم ظهره وساقيه بعمامة أو غيرها.
(قوله: وليس، الخ) مرتبط بالمتن.
أي: ولا ينقض الوضوء زوال العقل بنوم الممكن بشرط أن لا يكون بين مقعده ومقره تجاف - أي تباعد - فإن كان بينهما ذلك
انتقض وضوءه ما لم يخش بقطنة.
(قوله: انتبه بعد زوال أليته) أي يقينا، بدليل ما بعد.
(قوله: لا وضوء شاك، الخ) أي لا ينتقض وضوء شخص شك هل كان عند النوم ممكنا مقعدته أم لا؟ أو شك هل زالت أليته من مقرها قبل أن يستيقظ من نومه أم بعده؟.
(قوله: وتيقن الرؤيا) مبتدأ خبره لا أثر له.
وكتب سم على قول التحفة وتيقن الرؤيا الخ، ما نصه: هو صريح في أنه يتصور تيقن الرؤيا من غير تذكر نوم ولا شك فيه، وهو محل وقفة قوية، وكيف يتيقن الرؤيا التي هي من آثار النوم ولا يشك فيه؟ فإن قيل: لأنه يحتمل أنها ليست رؤيا بل حديث نفس مثلا.
قلنا: فلم يوجد تيقن الرؤيا مع أن الفرض تيقنها؟ وقد يقال: المتجه أنه إن تيقن رؤيا لا تكون إلا مع النوم وجب الانتقاض بها.
وإن لم يتيقنها، كأن وجد ما يحتمل أنها رؤيا النوم التي لا توجد إلا معه، وأنها غير ذلك.
فلا نقض للشك، والكلام كله حيث لا تمكين، وإلا فلا نقض مطلقا.
(قوله: بخلافه مع الشك فيه) أي بخلاف تيقن الرؤيا مع الشك في النوم فإنه يؤثر، وذلك لأن الرؤيا من علامات
(مس فرج آدمي) أو محل قطعه، ولو لميت أو صغير، قبلا كان الفرج أو دبر امتصلا أو مقطوعا، إلا ما قطع في الختان.
والناقض من الدبر ملتقى المنفذ، ومن قبل المرأة ملتقى شفريها على المنفذ لا ما وراءهما كمحل ختانها.
نعم، يندب الوضوء من مس نحو العانة، وباطن الالية، والانثيين، وشعر نبت فوق ذكر، وأصل فخذ،
ــ
النوم فهي مرجحة لأحد طرفي الشك وهو النوم.
(قوله: وثالثها) أي وثالث نواقض الوضوء.
(قوله: مس فرج إلخ) الإضافة من إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل.
أي أن يمس الشخص فرج إلخ.
ولا فرق فيه بين أن يكون عمدا أو سهوا.
ومثل المس الانمساس، كأن وضع شخص ذكره في كف شخص آخر.
وقوله: آدمي أي واضح، سواء كان الماس مشكلا أم لا.
فإن كان الممسوس غير واضح وكان الماس واضحا، فإن كان ذكرا ومس منه مثل ما له فينتقض وضوءه، لأنه إن كان ذكرا فقد مس ذكره، وإن كان أنثى فقد لمسها.
وكذلك إذا كان أنثى ومست منه مثل ما لها فينتقض وضوءها، لأنه إن كان المشكل أنثى فقد مست فرجه، وإن كان ذكرا فقد لمسته.
بخلاف ما إذا مسا منه غير ما لهما فلا نقض، لاحتمال أن يكون عضوا زائدا.
وإن كان الماس مشكلا والممسوس كذلك فلا نقض إلا بمس الفرجين معا، كما إذا مس فرجي نفسه.
وقد صرح بذلك كله في الروض وشرحه، ونصهما: وإن مس مشكل فرجي مشكل أو فرجي مشكلين، أي آلة الرجال من أحدهما وآلة النساء من الآخر، أو فرجي نفسه، انتقض وضوءه لا بمس أحدهما فقط لاحتمال زيادته.
وإن مس رجل ذكر خنثى، أو مست امرأة فرجه، لا عكسه، انتقض الماس، أي وضوءه.
لأنه إن كان مثله فقد انتقض وضوءه بالمس وإلا فباللمس.
بخلاف عكسه بأن مس الرجل فرج الخنثى والمرأة ذكره، لاحتمال زيادته.
ولو مس أحد مشكلين ذكر صاحبه والآخر فرجه أو فرج نفسه انتقض واحد منهما لا بعينه، ولكل أن يصلي.
وفائدة الانتقاض لأحدهما لا بعينه أنه إذا اقتدت به امرأة في صلاة لا تقتدي بالآخر.
اه بحذف.
(قوله: أو محل
قطعه) أي أو مس محل قطع الفرج، والمراد به ما باشرته السكين بالقطع، وهو شامل لفرج المرأة والدبر.
وخصه بعضهم بالذكر، وقال: لا ينقض محل فرج المرأة ومحل الدبر.
(قوله: ولو لميت أو صغير) أي ينقض مس الفرج ولو كان الفرج لميت أو صغير.
والصغير شامل للجنين والسقط حيث تحقق كون الممسوس فرجا.
(قوله: قبلا كان الفرج إلخ) أي وسواء كان من نفسه أم لا، أصليا كان أو زائدا، اشتبه به أو كان عاملا أو على سمت الأصلي.
وتعرف أصالة الذكر بالبول به، فإن بال بهما على السواء فهما أصليان.
وقوله: متصلا أي بمحله.
وقوله: أو مقطوعا محله حيث يسمى فرجا، فلو لم يسم بذلك كأن قطع الذكر ودق حتى خرج عن كونه يسمى ذكرا فإنه لا ينقض، كما صرح به في النهاية.
(قوله: إلا ما قطع في الختان) أي كالقلفة وبظر المرأة، فلا ينقض.
(قوله: والناقض من الدبر ملتقى المنفذ) أي وهو حلقة الدبر الكائنة على المنفذ كفم الكيس، لا ما فوقه ولا ما تحته.
(قوله: ومن قبل المرأة ملتقى شفريها) بضم الشين، وهما طرفا الفرج.
وقوله: على المنفذ أي المحيطين به إحاطة الشفتين بالفم، دون ما عدا ذلك.
فلا نقض بمس موضع ختانها من حيث أنه مس، لأن الناقض من ملتقى الشفرين ما كان على المنفذ خاصة لا جميع ملتقى الشفرين، وموضع الختان مرتفع عن محاذاة المنفذ.
وخالف الجمال الرملى في ذلك، وذكر ما يفيد أن جميع ملتقى شفريها ناقض لا ما هو على المنفذ فقط.
اه كردي بتصرف.
(قوله: لا ما وراءهما) أي لا ما عداهما، أي ما عدا ملتقى المنفذ من الدبر كباطن الأليتين وما عدا ملتقى المنفذ من الفرج كمحل الختان.
وعود الضمير على ما ذكر أولى، وإن كان ظاهر عبارته - بدليل المثال - رجوعه للشفرين فقط.
(قوله: نعم، يندب إلخ) استدراك صوري على قوله لا ما وراءهما.
بين به أنه وان لم ينتقض الوضوء بمس ما وراءهما - الشامل للعانة ونحوها مما ذكره - يسن الوضوء له.
إلا أن قوله بعد: ولمس صغيرة
ولمس صغيرة وأمرد وأبرص ويهودي، ومن نحو فصد، ونظر بشهوة ولو إلى محرم، وتلفظ بمعصية، وغضب،
ــ
الخ، لا يظهر الاستدراك بالنسبة إليه.
وعبارة فتح الجواد بعد قوله: لا ما وراءهما: نعم، يسن الوضوء من مس نحو العانة وباطن الألية.
اه.
والاستدراك فيها ظاهر.
واعلم أن الأمور التي يستحب الوضوء لها كثيرة تبلغ ثمانية وسبعين.
وعد الشارح بعضها.
قال العلامة الكردي: وقفت على منظومة للعراقي فيما سن له الوضوء، وهي: ويندب للمرء الوضوء فخذ لدي * * مواضع تأتي وهي ذات تعدد قراءة قرآن سماع رواية * * ودرس لعلم والدخول لمسجد
وذكر وسعي مع وقوف معرف * * زيارة خير العالمين محمد وبعضهم عد القبور جميعها * * وخطبة غير الجمعة اضمم لما بدي ونوم وتأذين وغسل جنابة * * إقامة أيضا والعبادة فاعدد وإن جنبا يختار أكلا ونومه * * وشربا وعودا للجماع المجدد ومن بعد فصد أو حجامة حاجم * * وقئ وحمل الميت واللمس باليد له أو لخنثى أو لمس لفرجه * * ومس ولمس فيه خلف كأمرد وأكل جزور غيبة ونميمة * * وفحش وقذف قول زور مجرد وقهقهة تأتي المصلي وقصنا * * لشاربنا والكذب والغضب الردي وإنما استحب الوضوء لهذه الأمور للخروج من الخلاف في معظمها، ولتكفير الخطايا في نحو الغيبة من كل كلام قبيح، ولإطفاء الغضب فيه.
وينوي في جميع ذلك رفع الحدث أو فرض الوضوء، أو غيرهما من النيات المعتبرة في الوضوء كما مر.
ولا يصح بنية السبب، كنويت الوضوء لقراءة القرآن، كما تقدم.
وإدامة الوضوء سنة، ولها فوائد، منها: سعة الرزق، ومحبة الحفظة، والتحصن، والحفظ من المعاصي.
(قوله: من مس نحو العانة) هي محل الشعر.
والشعر يقال له: شعرة، كذا قيل.
وسيأتي عن الرحماني في الأغسال المسنونة أن العانة اسم للشعر الذي فوق الذكر وحول قبل الأنثى، وهو المشهور الموافق لما في عبارات الفقهاء من حلق العانة ومن نبات العانة.
اه بجيرمي.
ولعل المراد بنحو العانة الشعر النابت فوق الدبر.
(قوله: وباطن الألية) بفتح الهمزة، المراد به ما انطبق عند القيام مما يلي حلقه الدبر.
(قوله: والأنثيين) نقل عن بعض المالكية أنه ينقض مسهما، وعليه فالوضوء للخروج من الخلاف.
(قوله: وشعر نبت فوق ذكر) لا حاجة إليه على تفسير العانة بما مر عن الرحماني.
(قوله: وأصل فخذ) أي مبدأ فخذ، فهو من الفخذ.
وإنما سن الوضوء للخروج من الخلاف، كما في التحفة، ونصها: وخبر: من مس ذكره أو رفغيه - أي بضم الراء وبالفاء والمعجمة: أصل فخذيه - فليتوضأ موضوع، وإنما هو من قول عروة.
وحينئذ يسن الوضوء من ذلك خروجا من الخلاف.
اه.
(قوله: ولمس صغيرة) أي لا تشتهي عرفا.
أما التي تشتهي فيجب الوضوء بلمسها بلا خلاف.
(قوله: وأمرد) أي ولمس أمرد.
أطلقه - كالتحفة - ولم يقيده بكونه حسنا، وقيده في الإيعاب وشرحي الإرشاد بذلك.
وكذلك النووي في التحقيق وزوائد الروضة.
ويفهم مما ذكرته
في الأصل أن الحسن يسن الوضوء من لمسه مطلقا، وغيره يسن إن كان بشهوة.
اه كردي.
(قوله: وغضب) أي يندب عند غضب.
ولو لله، ولو كان متوضئا، وهو ثوران دم القلب عند إرادة الانتقام، وسببه هجوم ما تكرهه النفس ممن دونها، بخلاف الحزن، فإنه ثورانه عند هجوم ما تكرهه ممن فوقها.
والأول يتحرك من داخل الجسد إلى خارجه، بخلاف الثاني، ولذا يقتل دون الأول.
وإنما يسن الوضوء عنده لقوله عليه الصلاة والسلام: إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان من النار، وإنما تطفأ النار بالماء.
فإن غضب أحدكم فليتوضأ.
وهذه حكمة أصل المشروعية، وهي لا تطرد فلا
وحمل ميت ومسه، وقص ظفر وشارب، وحلق رأسه.
وخرج بآدمي فرج البهيمة إذ لا يشتهى، ومن ثم جاز النظر إليه.
(ببطن كف) لقوله (ص): من مس فرجه، وفي رواية: من مس ذكرا فليتوضأ.
وبطن الكف هو بطن الراحتين وبطن الاصابع والمنحرف إليهما عند انطباقهما، مع يسير تحامل دون رؤوس الاصابع وما بينها
وحرف الكف.
(و) رابعها: (تلاقي بشرتي ذكر وأنثى) ولو بلا شهوة، وإن كان أحدهما مكرها أو ميتا، لكن
ــ
يضر تخلفها فيما إذا كان الغضب له تعالى.
أفاده ش ق.
(قوله: وحمل ميت) أي ويسن الوضوء من حمله، لخبر: من غسل ميتا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ.
رواه الترمذي وحسنه.
وظاهر أن الوضوء يسن بعد حمله فقط، وليس كذلك بل يسن أيضا قبل الحمل ليكون على طهارة.
وأول بعضهم الحديث بقوله: ومن حمله، أي أراد حمله أو فرغ منه.
(قوله: ومسه) أي الميت.
(قوله: وخرج بآدمي) على حذف مضاف، أي فرج آدمي.
وقوله: فرج البهيمة أي فقط، وأما فرج الجني فينقض مسه إذا تحقق مس فرجه، سواء قلنا لا تحل مناكحتهم أم لا، لحرمته بوجوب الستر عليه وتحريم النظر إليه كالآدمي.
(قوله: إذ لا يشتهى) أي ليس من شأنه أن يشتهى.
(قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أنه لا يشتهى جاز النظر إليه، أي إلى فرج البهيمة.
ومحله إن لم ينظر إليه بشهوة وإلا حرم كما هو ظاهر.
(قوله: ببطن كف) متعلق بمس، وإنما سميت كفا لأنها تكف الأذى عن البدن.
ولو خلق بلا كف لم يقدر قدرها من الذراع، ولا ينافيه ما ذكروه في الوضوء من أنه لو خلق بلا مرفق أو كعب قدر، لأن التقدير ثم ضروري بخلافه هنا، لأن المدار على ما هو مظنة الشهوة، وعند عدم الكف لا مظنة، فلا حاجة إلى التقدير.
كما في ع ش.
(قوله: لقوله صلى الله عليه وسلم الخ) أي ولقوله عليه الصلاة والسلام: إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر ولا حجاب فليتوضأ.
والإفضاء بها لغة: المس ببطن الكف.
ومس الفرج من غيره أفحش من مسه من نفسه لهتكه حرمة غيره، ولهذا لا يتعدى النقض إليه.
(قوله: هو بطن الراحتين) سميت بذلك لأن الشخص يرتاح عند الإتكاء عليها.
(قوله: وبطن الأصابع) في الفتاوى الفقهية للعلامة ابن حجر: سئل عمن انقلبت بواطن أصابعه إلى ظهر الكف فهل العبرة بما سامت بطن الكف أو بالباطن وإن سامت ظهر اليد؟ فأجاب بقوله: بحث بعضهم أنه لا ينقض باطنها لأنه ظهر الكف، ولا ظاهرها لأن العبرة بالباطن.
وقال الشوبري: ينقض الباطن، نظرا لأصله.
اه بجيرمي.
(قوله: والمنحرف إليهما) أي إلى بطن الكف وبطن الأصابع.
(قوله: عند انطباقهما) أي وضع
بطن إحدى الكفين على بطن الأخرى.
وصورة الوضع في الإبهامين أن يضع باطن إحداهما على باطن الأخرى مع قلبهما.
(قوله: مع يسير تحامل) قيد به ليكثر الجزء الناقض من جهة رأس الأصابع ويقل غيره.
ومحله في غير الإبهامين، أما هما فلا بد من التحامل الكثير، أو قلبهما بالصورة السابقة، ليقل الجزء غير الناقض فيهما ويكثر الناقض.
(قوله: دون رؤوس الأصابع) أي فلا نقض بها.
فلو هرش ذكره بها فلا نقض لخروجها عن سمت الكف.
(قوله: وما بينها) أي ودون الذي بين الأصابع.
وهو ما يستتر عند انضمام بعضها إلى بعض، لا خصوص النقر.
(قوله: وحرف الكف) أي ودون حرف الكف، وهو ما لا يستتر عند انطباق ما تقدم، وهو شامل لحرف الراحة وحروف الأصابع.
(قوله: ورابعها) أي رابع نواقض الوضوء.
(قوله: تلاقي بشرتي إلخ) ذكر للتلاقي الناقض أربعة قيود لا بد منها: تلاقي البشرة، وكونه بين ذكر وأنثى، وكونه مع الكبر، وعدم المحرمية بينهما.
وخرج بالأول الشعر والسن والظفر.
وأما إذا كان حائل على البشرة كثوب ولو رقيقا.
وخرج بالثاني ما إذا لم يكن بين ذكر وأنثى، كأن يكون التلاقي بين رجلين، أو امرأتين، أو خنثيين، أو خنثى ورجل، أو خنثى وامرأة.
وخرج بالثالث ما إذا لم يوجد كبر في أحدهما، بأن لم يبلغ حد الشهوة.
وخرج بالرابع ما إذا كان هناك محرمية، ولو احتمالا.
فلا نقض في جميع ما ذكر.
وقوله: ذكر أي واضح مشتهى طبعا يقينا لذوات الطباع السليمة، ولو صبيا وممسوحا.
وقوله: وأنثى أي واضحة مشتهاة طبعا يقينا لذوي الطباع السليمة، أي ولو كانت صغيرة أيضا.
(قوله: ولو بلا شهوة) أي ولو كان التلاقي بلا شهوة.
أي ولو سهوا فإنه ينقض.
(قوله: وإن كان أحدهما مكرها) أي أو خصيا أو ممسوحا، أو كان التلاقي بعضو أشل.
(قوله: أو ميتا) قال في التحفة: قال
لا ينقض وضوء الميت.
والمراد بالبشرة هنا غير الشعر والسن والظفر - قاله شيخنا - وغير باطن العين، وذلك لقوله تعالى: * (أو لامستم النساء) * أي لمستم.
ولو شك هل ما لمسه شعر أو بشرة، لم ينتقض، كما لو وقعت يده على بشرة لا يعلم أهي بشرة رجل أو امرأة، أو شك: هل لمس محرما أو أجنبية؟ وقال شيخنا في شرح العباب: ولو أخبره عدل بلمسها له، أو بنحو خروج ريح منه في حال نومه ممكنا، وجب عليه الاخذ بقوله.
(بكبر) فيهما، فلا نقض بتلاقيهما مع صغر فيهما، أو في أحدهما، لانتفاء مظنة الشهوة.
والمراد بذي الصغر: من لا يشتهى عرفا غالبا.
(لا) تلاقي بشرتيهما) (مع محرمية) بينهما، بنسب أو رضاع أو مصاهرة، لانتفاء مظنة الشهوة.
ولو اشتبهت محرمه بأجنبيات محصورات فلمس واحدة منهن لم ينتقض، وكذا بغير محصورات على
ــ
بعضهم: أو جنيا.
وإنما يتجه إن جوزنا نكاحهم.
اه.
(قوله، لكن لا ينقض الخ) أفاد به أن النقض خاص بالحي اللامس.
(قوله: والمراد بالبشرة الخ) عبارة التحفة: والبشرة ظاهر الجلد.
وألحق بها نحو لحم الأسنان واللسان، وهو متجه، خلافا لابن عجيل.
أي لا باطن العين - فيما يظهر - لأنه ليس مظنة للذة اللمس، بخلاف ما ذكر فإنه مظنة لذلك، ألا ترى أن نحو لسان الحليلة يلتذ بمصه وبمسه، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم في لسان عائشة رضي الله عنها، ولا كذلك باطن العين.
وبه يرد قول جمع بنقضه.
اه.
(قوله: قال شيخنا: وغير باطن العين) خالف في ذلك الجمال الرملي، فجعله ملحقا بالبشرة فينقض لمسه.
قال الشرقاوي: وكذا باطن الأنف.
اه.
(قوله: وذلك) أي كون تلاقي بشرتي من ذكر ناقضا.
(قوله، لقوله تعالى الخ) أي ولأنه مظنة التلذذ المثير للشهوة التي لا تليق بالمتطهر.
(قوله: أي لمستم) كما قرئ
به، لا جامعتم، كما قال به الإمام أبو حنيفة، لأنه خلاف الظاهر.
واللمس معناه الجس باليد وبغيرها.
واعلم أن اللمس يخالف المس في أمور، منها: أن اللمس لا يكون إلا بين شخصين، والمس لا يشترط فيه ذلك.
ومنها: أن اللمس شرطه اختلاف النوع، والمس لا يشترط فيه ذلك.
ومنها: أن اللمس يكون بأي موضع من البشرة، بباطن الكف ومنها أن اللمس يكون في أي موضع من البشرة والمس لا يكون إلا في الفرج خاصة ومنها: أنه في اللمس ينتقض وضوء اللامس والملموس، وفي المس يختص بالماس من حيث المس.
(قوله: ولو شك الخ) أفاد به اشتراط تيقن التقاء البشرتين.
(قوله: كما لو وقعت يده الخ) أي فإنه لا ينتقض وضوءه بذلك.
(قوله: أو شك هل لمس إلخ) الأولى ذكره بعد قوله: لا مع محرمية، إلخ.
(قوله: وقال شيخنا في شرح العباب الخ) قال ع ش: والمعتمد خلافه، فلا نقض بإخبار العدل بشئ مما ذكر.
اه.
أي لأن خبر العدل يفيد الظن، ولا يرتفع يقين طهر وحدث بظن ضده، كما سيأتي.
اه بجيرمي.
(قوله: بكبر فيهما) أي مع كبر.
فالباء بمعنى مع، ويجوز أن تكون للملابسة أي حال كون التلاقي ملتبسا بكبر، والمراد بالكبر بلوغهما حد الشهوة، وإن انتفت لهرم أو نحوه، اكتفاء بمظنتها.
ولا بد وأن يكون يقينا، فلو شك هل هي كبيرة أو صغيرة فلا نقض.
(قوله: لاكتفاء مظنة الشهوة) أي لانتفاء المحل الذي يظن فيه وجود الشهوة.
قال في القاموس: مظنة الشئ بكسر الظاء: موضع يظن فيه وجود الشئ.
اه.
وضابط الشهوة انتشار الذكر في الرجل وميل القلب في المرأة.
(قوله: والمراد بذي الصغر الخ) يعلم منه بيان ذي الكبر وقد عرفته.
وقوله: من لا يشتهي عرفا أي عند أرباب الطباع السليمة، ولا يتقيد بسبع سنين لاختلاف ذلك باختلاف الصغار.
وقوله، غالبا أي من لا يشتهى في الغالب عند ذوي الطباع السليمة.
(قوله: مع محرمية بينهما بنسب إلخ) خرج بذلك المحرمية الحاصلة بلعان أو وطئ شبهة، كأم الموطوءة بشبهة وبنتها.
أو اختلاف دين كمجوسية، فإن الوضوء ينتقض مع وجودها.
قوله: أو مصاهرة أي توجب التحريم على التأبيد كأم الزوجة، بخلاف ما إذا كانت توجب التحريم لا على التأبيد كأخت زوجته، فإن الوضوء ينتقض بلمسها.
(قوله: بأجنبيات محصورات) في حاشية
الاوجه.
(ولا يرتفع يقين وضوء أو حدث بظن ضده) ولا بالشك فيه المفهوم بالاولى فيأخذ باليقين استصحابا له.
(خاتمة) يحرم بالحدث: صلاة وطواف وسجود، وحمل مصحف، وما كتب لدرس قرآن ولو بعض آية
ــ
الكردي ما نصه: في مبحث الاجتهاد من الإيعاب -: أن نحو الألف غير محصورات ونحو العشرين مما سهل عده بالنظر محصور وبينهما وسائط تلحق بأحدهما بالظن، وما وقع فيه الشك استفتى القلب.
اه.
وقوله: وكذا بغير محصورات على الأوجه أي وكذلك لا ينتقض وضوءه إذا اشتبهت محرمه بأجنبيات غير محصورات ولمس واحدة منهن.
وقال
الزركشي: إن اختلطت بغير محصورات انتقض لجواز النكاح، أو بمحصورات فلا.
اه.
(قوله: ولا يرتفع يقين الخ) قال البجيرمي: ليس المراد هنا باليقين حقيقته، إذ مع ظن الضد لا يقين.
اللهم إلا أن يقال إنه يقين باعتبار ما كان.
أو يقدر مضاف، أي ولا يرتفع استصحاب يقين طهر، أي حكمه.
وعبارة الشمس الشوبري: ليس المراد هنا باليقين حقيقته، إذ مع ظن الضد لا يقين.
قال في الإمداد: ليس المراد باليقين في كلامهم هنا اليقين الجازم، لاستحالته مع الظن، بل مع الشك والتوهم في متعلقه.
بل المراد أن ما كان يقينا لا يترك حكمه بالشك بعده استصحابا، له لأن الأصل فيما ثبت الدوام والاستمرار.
اه.
وقوله: وضوء لو قال - كما في المنهج -: طهر، لكان أولى، ليشمل الغسل والتيمم.
وقوله: أو حدث أي أو يقين حدث.
قوله: بظن ضده متعلق بيرتفع، الضمير فيه يعود على الأحد الدائر بين الطهر والحدث.
(قوله: ولا بالشك فيه) أي في الضد.
وقوله: المفهوم بالأولى أي لأنه إذا كان اليقين لا يرتفع بالظن الذي هو التردد مع رجحان لأحد الطرفين.
فعدم ارتفاعه بالشك الذي هو التردد مع استواء الطرفين أولى.
(قوله: فيأخذ باليقين) أي وهو الوضوء في الأولى، والحدث في الثانية.
وذلك لنهيه صلى الله عليه وسلم الشاك في الحدث عن أن يخرج من المسجد - أي الصلاة - إلا أن يسمع صوتا أو يجد ريحا.
(وقوله: استصحابا له) أي لليقين.
(تنبيه) محل ما تقدم إذا تيقن أحدهما فقط، فإن تيقنهما معا، كأن وجد منه حدث وطهر بعد الفجر مثلا، ففيه تفصيل.
حاصله أننا ننظر إلى ما كان قبلهما، كقبل الفجر مثلا، فإن علم أنه كان محدثا قبلهما فهو الآن متطهر، سواء اعتاد تجديد الطهر أم لا، لأنه تيقن الطهر وشك فيما يرفعه وهو الحدث، والأصل عدمه.
وإن علم أنه كان قبلهما متطهرا فهو الآن محدث إن اعتاد التجديد.
لأنه تيقن الحدث وشك فيما يرفعه، وهو الطهر المتأخر عنه، والأصل عدمه.
فإن لم يعتده فهو الآن متطهر، لأن الظاهر تأخيره طهره عن حدثه.
فإن لم يعلم ما قبلهما فيجب عليه الطهر إن اعتاد تجديده، لتعارض الاحتمالين من غير مرجح، ولا سبيل إلى الصلاة مع التردد المحض في الطهر.
فإن لم يعتد تجديده عمل بالطهر.
والأحسن أن يحدث هذا الشخص ويتوضأ لتكون طهارته عن يقين.
(قوله: خاتمة) أي في بيان ما يحرم بالحدث الأصغر والأكبر.
(قوله: يحرم بالحدث صلاة) أي ولو نفلا، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ.
وهذا في غير دائم الحدث - وقد تقدم حكمة - وغير فاقد الطهورين.
أما هو فيصلي لحرمة الوقت ويعيده.
(قوله: وطواف) أي بسائر أنواعه، لأنه في معنى الصلاة.
فقد روى الحاكم خبر: الطواف بمنزلة الصلاة إلا أن الله قد أحل فيه المنطق، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير.
اه نهاية.
(قوله:
كلوح.
والعبرة في قصد الدراسة والتبرك بحالة الكتابة دون ما بعدها، وبالكاتب لنفسه أو لغيره تبرعا، وإلا فأمره لا حمله مع متاع، والمصحف غير مقصود بالحمل ومس ورقه، ولو لبياض أو نحو ظرف أعد له وهو فيه،
ــ
وسجود) أي لتلاوة أو شكر، لأنه في معنى الصلاة أيضا.
(قوله: وحمل مصحف) أي لقوله تعالى: * (لا يمسه إلا المطهرون) * أي المتطهرون.
وهو خبر بمعنى النهي وقوله صلى الله عليه وسلم: لا يمسن المصحف إلا طاهر.
وقيس الحمل على المس.
(قوله: وما كتب لدرس قرآن) خرج ما كتب لغيره كالتمائم، وما على النقد إذ لم يكتب للدراسة، وهو لا يكون قرآنا إلا بالقصد.
قال في التحفة: وظاهر عطف هذا على المصحف، أن ما يسمى مصحفا عرفا لا عبرة فيه بقصد تبرك، وأن هذا إنما يعتبر فيما لا يسماه، فإن قصد به دراسة حرم أو تبرك لم يحرم، وإن لم يقصد به شئ نظر للقرينة فيما يظهر، الخ.
اه.
(قوله: ولو بعض آية) قال في التحفة: ينبغي أن يكون جملة مفيدة.
اه.
(قوله: كلوح) أي مما يكتب فيه عادة.
فلو كبر عادة كباب كبير جاز مس الخالي من القرآن منه، ولا يحرم مس ما محي، بحيث لا يقرأ إلا بكبير مشقة.
(قوله: والعبرة في قصد الخ) مرتبط بقوله: وما كتب لدرس.
وعبارة التحفة: وظاهر قولهم كتب لدرس أن العبرة في قصد الدراسة.
الخ.
اه.
(قوله: بحالة الكتابة) متعلق بمحذوف خبر العبرة.
وفي الكردي ما نصه: وفي فتاوى الجمال الرملي: كتب تميمة ثم جعلها للدراسة، أو عكسه، هل يعتبر القصد الاول أو الطارئ؟ أجاب بأنه يعتبر الأصل، لا القصد الطارئ.
اه.
وفي حواشي المحلي للقليوبي: ويتغير الحكم بتغير القصد من التميمة إلى الدراسة، وعكسه.
اه.
وقوله: وبالكتاب إلخ أي والعبرة بقصد الكاتب، سواء كتب لنفسه أو لغيره، إذا كان تبرعا.
وقوله: وإلا فآمره أي وإن لم يكن تبرعا فالعبرة بقصد آمره.
(قوله: لا حمله) أي لا يحرم حمله مع متاع، إلخ.
(قوله: والمصحف غير مقصود بالحمل) أي والحال أن المصحف غير مقصود بالحمل، أي وحده أو مع غيره.
بأن كان المقصود به المتاع وحده أو لم يقصد به شئ.
فظاهر كلامه أنه يحل في حالتين، وهما: إذا قصد المتاع وحده، أو أطلق.
ويحرم في حالتين، وهما إذا قصد المصحف وحده، أو شرك.
وهو أيضا ظاهر كلام المنهج وشرحه.
والذي جرى عليه ابن حجر على ما هو ظاهر التحفة: أنه يحرم في ثلاثة أحوال، وهي: ما إذا قصد المصحف وحده، أو شرك، أو أطلق.
ويحل في حالة واحدة، وهي: ما إذا قصد المتاع وحده.
والذي جرى عليه م ر أنه يحل في ثلاثة، وهي: ما إذا قصد المتاع وحده، أو شرك، أو أطلق.
ويحرم في حالة واحدة، وهي: ما إذا قصد المصحف وحده.
(قوله: ومس ورقه) أي ويحرم مس ورقه.
ولا يخفى أن المصحف اسم للورق المكتوب فيه كلام الله تعالى، ولاخفاء أنه يتناول الأوراق بجميع جوانبها حتى ما فيها من البياض، وحينئذ فما فائدة ذكر الورق هنا؟ وقد يقال: فائدة ذلك الإشارة إلى أنه لا فرق بين أن يمس الجملة أو
بعض الأجزاء المتصلة أو المنفصلة، فهو من ذكر الجزء بعد الكل.
اه جمل بتصرف.
(قوله: أو نحو ظرف) بالجر، عطف على ورقه.
أي ويحرم مس نحو ظرف كخريطة وصندوق، لكن بشرط أن يكون معدا له وحده، وأن يكون
لا قلب ورقه بعود إذا لم ينفصل عليه، ولا مع تفسير زاد ولو احتمالا.
ولا يمنع صبي مميز - محدث ولو جنبا -
ــ
المصحف فيه.
فإن انتفى ذلك حل حمله ومسه.
قال في التحفة: وظاهر كلامهم أنه لا فرق فيما أعد له، بين كونه على حجمه أو لا، وإن لم يعمثله له عادة.
اه.
قال الحلبي في حواشي المنهج: وعليه يحرم مس الخزائن المعدودة لوضع المصاحف فيها ولو كبرت جدا.
وبه قال شيخنا العلقمي وشيخنا الرملي.
اه.
وفي التحفة: ومثله - أي الصندوق - كرسي وضع عليه.
اه.
وفي الكردي: وتردد في الإيعاب في إلحاق الكرسي بالمتاع أو بظرفه، ثم ترجى أقربية إلحاقه بالظرف.
اه.
وفي البجيرمي: والمعتمد أن الكرسي الصغير يحرم مس جميعه، والكبير لا يحرم إلا مس المحاذي للمصحف.
اه.
وأما جلد المصحف فيحرم مسه إن كان متصلا به - عند حجر - وعند م ر: يحرم مطلقا، متصلا كان أو منفصلا، لكن بشرط أن لا تنقطع نسبته عنه ولا تنقطع عنه وإلا إن اتصل بغيره.
وفي ع ش: وليس من انقطاعها ما لو جلد المصحف بجلد جديد وترك الأول فيحرم مسه.
أما لو ضاعت أوراق المصحف أو حرقت فلا يحرم مس الجلد.
اه.
(قوله: وهو) أي المصحف فيه: أي في نحو الظرف.
(قوله: لا قلب ورقه بعود) أي لا يحرم قلب ورقه بعود، لأنه ليس حملا ولا في معناه.
وقوله: إذا لم ينفصل - أي الورق - عليه، أي على العود.
قال العلامة الكردي: الذي يظهر من كلامهم أن الورقة المثبتة لا يضر قلبها بنحو العود مطلقا، وغير المثبتة لا يضر قلبها إلا إن انفصلت على العود عن المصحف.
اه.
(قوله: ولا مع تفسير) أي ولا يحرم حمل المصحف مع تفسيره ولا مسه.
قال البجيرمي نقلا عن الشوبري: هل وإن قصد القرآن وحده؟ ظاهر إطلاقهم نعم.
اه.
وقوله: زاد أي على المصحف، يقينا.
أما إذا كان التفسير أقل، أو مساويا أو مشكوكا في قلته وكثرته، فلا يحل.
وإنما لم يحرم المساوي والمشكوك في كثرته وقلته في باب الحرير لأنه أوسع بابا، بدليل أنه يحل للنساء وللرجال في بعض الأوقات.
هذا ما جرى عليه م ر.
وجرى ابن حجر على حله مع الشك في الأكثرية أو المساواة، وقال: لعدم تحقق المانع، وهو الاستواء.
ومن ثم حل نظير ذلك في الضبة والحرير.
وجرى شارحنا على قوله، فلذلك قال: ولو احتمالا.
وفي حاشية الكردي ما نصه: رأيت في فتاوي الجمال الرملي أنه سئل عن تفسير الجلالين، هل هو مساو للقرآن أو قرآنه أكثر؟ فأجاب بأن شخصا من اليمن تتبع حروف القرآن والتفسير وعدهما، فوجدهما على السواء إلى سورة كذا، ومن أو اخر القرآن فوجد التفسير أكثر حروفا، فعلم أنه
يحل حمله مع الحدث على هذا.
اه.
وقال بعضهم: الورع عدم حمل تفسير الجلالين، لأنه وإن كان زائدا بحرفين ربما غفل الكاتب عن كتابه حرفين أو أكثر.
اه.
وفي حاشية الكردي أيضا، قال الشارح في حاشيته على فتح الجواد: ليس منه - أي التفسير - مصحف حشي من تفسير أو تفاسير، وإن ملئت حواشيه وأجنابه وما بين سطوره، لأنه لا يسمى تفسيرا بوجه بل اسم المصحف باق له مع ذلك.
وغاية ما يقال مصحف محشي.
اه.
واعلم أن العبرة في الكثرة والقلة بالخط العثماني في المصحف وبقاعدة الخط في التفسير.
والمنظور إليه جملة القرآن والتفسير في الحمل.
وأما في المس فالمنظور إليه موضع وضع يده، فإن كان فيه التفسير أكثر حل وإلا حرم.
(قوله: ولا يمنع صبي الخ) أي لا يمنعه وليه أو معلمه من حمل ومس نحو مصحف، كلوحه.
لأنه يحتاج إلى الدراسة، وتكليفه استصحاب الطهارة أمر تعظم فيه المشقة.
كتب ع ش ما نصه: قوله: وإن الصبي المحدث لا يمنع
حمل ومس نحو مصحف لحاجة تعلمه ودرسه ووسيلتهما، كحمله للمكتب والاتيان به للمعلم ليعلمه منه.
ويحرم تمكين غير المميز من نحو مصحف، ولو بعض آية، وكتابته بالعجمية، ووضع نحو درهم في مكتوبه،
ــ
إلخ أي بخلاف تمكينه من الصلاة والطواف ونحوهما مع الحدث.
والفرق أن زمن الدرس يطول غالبا، في تكليف الصبيان إدامة الطهارة مشقة تؤدي إلى ترك الحفظ في ذلك، بخلاف الصلاة ونحوها.
نعم، نظير المسألة ما إذا قرأ للتعبد لا للدراسة بأن كان حافظا أو كان يتعاطى مقدرا لا يحصل به الحفظ في العادة.
وفي الرافعي ما يقتضي التحريم، فتفطن لذلك فإنه مهم.
في سم: والوجه أنه لا يمنع من حمله ومسه للقراءة فيه نظرا وإن كان حافظا عن ظهر قلب إذا أفادت القراءة فيه نظرا فائدة ما في مقصوده، كالاستظهار على حفظه وتقويته حتى بعد فراغ مدة حفظه، إذا أثر ذلك في ترشيح حفظه.
اه.
وقد يقول: لا تنافي لإمكان حمل ما في الرافعي على إرادة التعبد المحض.
وما نقله سم على ما إذا تعلق بقراءته فيه غرض يعود إلى الحفظ، كما أشعر به قوله كالاستظهار.
(فائدة) وقع السؤال في الدرس عما لو جعل المصحف في خرج أو غيره، وركب عليه.
هل يجوز أم لا؟ فأجبت عنه بأن الظاهر أن يقال في ذلك أن كان على وجه يعد ازدراء به، كأن وضعه تحته بينه وبين البرذعة، أو كان ملاقيا لأعلى الخرج مثلا من غير حائل بين المصحف وبين الخرج، وعد ذلك ازدراء له.
ككون الفخذ صار موضوعا عليه، حرم، وإلا فلا.
اه.
وقوله: ولو جنيا الغاية للرد.
وقوله: حمل ومس مضافان إلى ما بعدهما.
وهما منصوبان بإسقاط الخافض.
(قوله: لحاجة، إلخ) متعلق بحمل ومس، وإضافتها إلى ما بعدها للبيان.
(قوله: ووسيلتهما) أي التعلم والدرس.
وقوله: كحمله إلخ تمثيل للوسيلة.
(قوله: والإتيان به) أي بنحو المصحف.
وقوله: ليعلمه منه أي ليعلمه المعلم
منه.
ويجب على المعلم الطهارة، ولا يجوز له حمله ومسه من غيرها.
نعم، أفتى الحافظ ابن حجر بأنه يسامح لمؤدب الأطفال الذي لا يستطيع أن يقيم على الطهارة في مس الألواح لما فيه من المشقة، لكن يتيمم لأنه أسهل من الوضوء.
اه.
(قوله: ويحرم تمكين غير المميز) أي على الولي أو المعلم لئلا ينتهكه.
قال الكردي: قال في الإيعاب: نعم، يتجه حل تمكين غير المميز منه لحاجة تعلمه إذا كان بحضرة نحو الولي، للأمن من أنه ينتهكه حينئذ.
قال في المجموع: ولا تمكن الصبيان من محو الألواح بالأقذار.
ومنه يؤخذ أنهم يمنعون أيضا من محوها بالبصاق.
وبه صرح ابن العماد.
اه.
وقوله: من نحو مصحف أي من حمل أو مس نحو مصحف من كل ما كتب لدرس قرآن كلوح.
(قوله: ولو بعض آية) غاية لنحو المصحف.
(قوله: وكتابته بالعجمية) بالرفع، معطوف على تمكين.
أي ويحرم كتابته بالعجمية.
ورأيت في فتاوي العلامة ابن حجر أنه سئل هل يحرم كتابة القرآن الكريم بالعجمية كقراءته؟ فأجاب رحمه الله بقوله: قضية ما في المجموع عن الأصحاب التحريم، وذلك لأنه قال: وأما ما نقل عن سلمان رضي الله عنه أن قوما من الفرس سألوه أن يكتب لهم شيئا من القرآن، فكتب لهم فاتحة الكتاب بالفارسية.
فأجاب عنه أصحابنا بأنه كتب تفسير الفاتحة لا حقيقتها.
اه.
فهو ظاهر أو صريح في تحريم كتابتها بالعجمية، وإلا لم يحتاجوا إلى الجواب عنه بما ذكر.
فإن قلت: ليس هو جوابا عن الكتابة بل عن القراءة بالعجمية المرتبة على الكتابة بها.
فلا دليل لكم فيه؟ قلت: بل هو جواب عن الأمرين.
وزعم أن القراءة بالعجمية مرتبة على الكتابة بها ممنوع بإطلاقه.
فقد يكتب بالعجمية ويقرأ بالعربية، وعكسه.
فلا تلازم بينهما كما هو واضح.
وإذا لم يكن بينهما تلازم كان الجواب عما فعله سلمان رضي الله عنه بذلك ظاهرا فيما
وعلم شرعي.
وكذا جعله بين أوراقه - خلافا لشيخنا - وتمزيقه عبثا، وبلع ما كتب عليه لا شرب محوه، ومد الرجل للمصحف ما لم يكن على مرتفع.
ويسن القيام له كالعالم بل أولى، ويكره حرق ما كتب عليه إلا
ــ
قلناه.
على أن مما يصرح به أيضا أن مالكا رضي الله عنه سئل: هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء؟ فقال: لا، إلا على الكتبة الأولى.
أي التي كتبها الإمام، وهو المصحف العثماني.
قال أبو عمرو: ولا مخالف له في ذلك من علماء الأئمة.
وقال بعضهم: الذي ذهب إليه مالك هو الحق، إذ هو فيه بقاء الحالة الأولى إلى أن يتعلمها الآخرون، وفي خلافها تجهيل آخر الأمة أولهم.
وإذا وقع الإجماع - كما ترى - على منع ما أحدث اليوم من مثل كتابه الربو بالألف - مع أنه موافق للفظ الهجاء - فمنع ما ليس من جنس الهجاء أولى.
وأيضا ففي كتابته بالعجمي تصرف في اللفظ المعجز الذي حصل التحدي به بما لم يرد، بل بما يوهم عدم الإعجاز بل الركاكة، لأن الألفاظ العجمية فيها تقديم المضاف إليه على المضاف، ونحو ذلك مما يخل بالنظم وتشويش الفهم.
وقد صرحوا بأن الترتيب من مناط الإعجاز.
اه بحذف.
(قوله: وضع نحو درهم) بالرفع، معطوف أيضا على تمكين.
أي ويحرم وضع نحو درهم.
وقوله: في مكتوبه أي فيما كتب فيه مصحف، أي قرآن، كله أو بعضه.
وعبارة النهاية: ولا يجوز جعل نحو ذهب في كاغد كتب عليه بسم الله الرحمن الرحيم.
اه.
قال ع ش: أي وغيرها من كل معظم.
كما ذكره ابن حجر في باب الاستنجاء.
ومن المعظم ما يقع في المكاتبات ونحوها، مما فيه اسم الله أو اسم رسوله مثلا، فيحرم إهانته بوضع نحو دراهم فيه.
اه (قوله: وعلم شرعي) بالجر، عطف على ضمير مكتوبه.
أي ويحرم أيضا وضع نحو درهم في مكتوب علم شرعي، أي ما كتب فيه علم شرعي كالتفسير والحديث والفقه.
ولو قال: كغيره وكل معظم، لكان أولى.
إذ عبارته تقتضي أنه إذا وضع في مكتوب غير العلم الشرعي من بقية العلوم كالنحو والصرف لا يحرم ولو كان فيه معظم، وليس كذلك.
(قوله: وكذا جعله بين أوراقه) أي وكذا يحرم جعل نحو درهم بين أوراق المصحف وفيه أن هذا يغني عنه.
قوله أولا: ووضع نحو درهم في مكتوبه، إذ هو صادق بما وضع بين أوراقه المكتوب فيها المصحف، وبما وضع في ورقة مكتوب فيها ذلك.
ويمكن أن يقال إنه من ذكر الخاص بعد العام.
(قوله: خلافا لشيخنا) راجع لما بعد كذا، وفيه أنه لم يذكره في التحفة ولا في شرح الإرشاد الصغير ولا في غيره من كتبه التي بأيدينا حتى يسند الخلاف إليه.
وعبارة التحفة: ووضع نحو درهم في مكتوبه به، وجعله وقاية، ولو لما فيه قرآن فيما يظهر.
ثم رأيت بعضهم بحث حل هذا، وليس كما زعم.
اه.
وعبارة شرح الإرشاد، وجعل نحو درهم في ورقة كتب فيها معظم.
اه.
بل قوله: وضع نحو درهم في مكتوبه صادق بما إذا وضعه بين ورقات كما مر تأمل.
(قوله: وتمزيقه) معطوف على تمكين أيضا.
أي ويحرم تمزيق المصحف لأنه ازدراء به.
وقوله: عبثا أي لا لقصد صيانته.
وعبارة فتاوى ابن حجر تفيد أن المعتمد حرمة التمزيق مطلقا، ونصها: سئل رضي الله عنه عمن وجد ورقة ملقاة في طريق فيها اسم الله تعالى، ما الذي يفعل بها؟ فأجاب رحمه الله بقوله: قال ابن عبد السلام: الأولى غسلها، لأن وضعها في الجدار تعرض لسقوطها والإستهانة بها.
وقيل: تجعل في حائط.
وقيل: يفرق حروفها ويلقيها.
ذكره الزركشي.
فأما كلام ابن عبد السلام فهو متجه، لكن مقتضى كلامه حرمة جعلها في حائط والذي يتجه خلافه، وأن الغسل أفضل فقط.
وأما التمزيق، فقد ذكر الحليمي في منهاجه أنه لا يجوز تمزيق ورقة فيها اسم الله أو اسم رسوله، لما فيه من تفريق الحروف وتفريق الكلمة، وفي ذلك ازدراء بالمكتوب.
فالوجه الثالث شاذ إذ لا ينبغي أن يعول عليه.
(قوله: وبلع ما كتب عليه) أي ويحرم بلع ما كتب عليه قران، لملاقاته للنجاسة.
وقال سم: لا يقال إن الملاقاة في الباطن لا تنجس، لأنا نقول فيه امتهان وإن لم ينجس.
كما لو وضع القرآن على نجس جاف، يحرم مع أنه لا ينجس.
وقال في النهاية: وإنما جوزنا أكله لأنه لا يصل إلى الجوف إلا وقد زالت صورة الكتابة.
اه.
ومثله في التحفة، وزاد فيها: ولا تضر ملاقاته للريق لأنه ما دام بمعدنه غير مستقذر، ومن ثم جاز مصه من الحليلة.
اه.
(قوله: لا شرب محوه) أي لا يحرم شرب ما محي من القرآن.
وعبارة المغني: ولا يكره كتب شئ من القرآن في إناء ليسقى ماؤه للشفاء خلافا لما وقع لابن عبد السلام في فتاويه من التحريم.
اه.
(قوله: ومد الرجل) بالرفع عطف على تمكين أيضا.
أي ويحرم مد الرجل لما فيه من الازدراء به.
وقال في المغني: ويحرم الوطئ على الفراش أو خشب نقش بالقرآن - كما في الأنوار -
لغرض نحو صيانة، فغسله أولى منه.
ويحرم بالجنابة المكث في المسجد وقراءة قرآن بقصده، ولو بعض آية، بحيث يسمع نفسه ولو صبيا - خلافا لما أفتى به النووي -.
وبنحو حيض، لا بخروج طلق، صلاة وقراءة وصوم.
ويجب قضاؤه لا الصلاة، بل يحرم قضاؤها على الاوجه.
(و) الطهارة (الثانية: الغسل) هو لغة: سيلان الماء على الشئ.
وشرعا: سيلانه على جميع البدن
ــ
أو بشئ من أسمائه تعالى.
وقوله: ما لم تكن أي المصحف، على مرتفع فإن كان كذلك فلا يحرم.
(قوله: ويسن القيام له) أي للمصحف.
قال في التحفة: صح أنه صلى الله عليه وسلم قام للتوراة، وكأنه لعلمه بعدم تبديلها.
اه.
وقال سم: ينبغي، ولتفسير حيث حرم مسه وحمله.
اه.
(قوله: كالعالم) أي كما يسن القيام للعالم.
وقوله: بل أولى أي بل القيام للمصحف أولى من القيام للعالم.
(قوله: ويكره حرق ما كتب عليه) أي ما كتب القرآن عليه، وعبارة المغني: ويكره إحراق خشب نقش بالقرآن إلا إن قصد به صيانة القرآن فلا يكره.
كما يؤخذ من كلام ابن عبد السلام، وعليه يحمل تحريق عثمان رضي الله عنه المصاحف.
اه.
(قوله: فغسله أولى منه) أي فلا يكره ذلك، ولكن غسله أولى من حرقه.
(قوله: ويحرم بالجنابة إلخ) أي زيادة على ما حرم بالحدث.
وقوله: المكث خرج به مجرد المرور فلا يحرم، كأن يدخل من باب ويخرج من آخر.
قال تعالى: * (ولا جنبا إلا عابري سبيل) *.
(قوله: وقراءة قرآن) أي ويحرم قراءة قرآن.
وقوله: بقصده أي القرآن، أي وحده أو مع غيره.
وخرج بذلك ما إذا لم يقصده.
كما ذكر بأن قصد ذكره أو مواعظه أو قصصه أو التحفظ ولم يقصد معها القراءة لم يحرم.
وكذا إن أطلق، كأن جرى به لسانه بلا قصد شئ.
والحاصل أنه إن قصد القرآن وحده أو قصده مع غيره كالذكر ونحوه فتحرم فيهما.
وإن قصد الذكر وحده أو الدعاء أو التبرك أو التحفظ أو أطلق فلا تحرم، لأنه عند وجود قرينة لا يكون قرآنا إلا بالقصد.
ولو بما لا يوجد نظمه في غير القرآن، كسورة الإخلاص.
واستثنى من حرمة القراءة قراءة الفاتحة على فاقد الطهورين في المكتوبة، وقراءة آية في خطبة جمعة، فإنها تجب عليه لضرورة توقف صحة الصلاة عليها.
وقوله: ولو بعض آية قال في بشرى الكريم ولو حرفا منه وحيث لم يقرأ منه جملة مفيدة يأثم على قصده المعصية وشروعه فيها لا لكونه قارئا.
اه.
وإنما حرم ذلك لخبر الترمذي: ولا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن.
ويقرأ
- بكسر الهمزة - على النهي، وبضمها على النفي.
فهو خبر على الثاني بمعنى النهي.
(قوله: بحيث يسمع نفسه) قيد لحرمة القراءة.
أي ومحل حرمة القراءة إذا تلفظ بها بحيث يسمع بها نفسه، حيث لا عارض من نحو لغط.
فإن لم يسمع بها نفسه بأن أجراها على قلبه أو حرك بها شفتيه - ويسمى همسا - فلا تحرم.
(قوله: ولو صبيا) غاية للحرمة.
أي تحرم القراءة ولو من صبي.
وقوله: خلافا لما أفتى به النووي أي من عدم حرمة قراءة الصبي الجنب، ووافقه كثيرون.
قال في بشرى الكريم: ويشترط كونها من مسلم مكلف، فلا يمنع الكافر منها إن لم يكن معاندا ورجي إسلامه، ولا الصبي، ولا المجنون.
اه.
(قوله: بنحو حيض) معطوف على بالجنابة.
أي ويحرم بنحو حيض من نفاس.
(قوله، لا بخروج طلق) أي لا يحرم بخروج دم طلق.
لأنه ليس حيضا، لأنه الدم الخارج لا مع الطلق، وليس نفاسا لأنه الدم الخارج بعد فراغ الرحم فهو دم فساد.
وإنما قدرت لفظ دم لأن الطلق هو الوجع الناشئ من الولادة أو الصوت المصاحب لها.
(قوله: صلاة الخ) فاعل يحرم المقدر.
ويحرم بنحو الحيض أيضا العبور في المسجد إن خافت تلويثه، فإن أمنته جاز لها العبور كالجنب، مع الكراهة ومباشرة ما بين سرتها وركبتها.
والطلاق فيه إذا كانت موطوءة.
(قوله: ويجب قضاؤه) أي الصوم، لخبر عائشة رضي الله عنها كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة.
أي للمشقة في قضائها لأنها تكثر، ولم يبن أمرها على التأخير ولو بعذر بخلاف الصوم.
(قوله: بل يحرم قضاؤها) أي الصلاة.
ولا يصح عند ابن حجر، ويكره قضاؤها عند الرملي.
فعليه يصح وتنعقد الصلاة نفلا مطلقا من غير ثواب.
(قوله: والطهارة الثانية) أي الطهارة عن
بالنية.
ولا يجب فورا وإن عصى بسببه، بخلاف نجس عصى بسببه.
والاشهر في كلام الفقهاء ضم غينه، لكن الفتح أفصح، وبضمها مشترك بين الفعل وماء الغسل.
(وموجبه) أربعة: أحدها: (خروج منيه أولا) ويعرف بأحد خواصه الثلاث: من تلذذ بخروجه، أو تدفق، أو ريح عجين رطبا وبياض بيض جافا.
فإن فقدت هذه
ــ
الجنابة.
وهو قسيم قوله في أول باب شروط الصلاة: فالأولى - أي الطهارة - عن الحدث الوضوء.
(قوله: هو) أي الغسل.
(قوله: سيلان الماء) أي إسالته، أو ذو سيلان.
وإنما احتجنا لما ذكر لأن الغسل في اللغة فعل الفاعل، والسيلان ليس بفعله بل هو أثره.
إلا أن يقال: إنه يستعمل لغة في الأثر أيضا.
وقوله: على الشئ أي سواء كان بدنا أم غيره.
بنية أم لا.
(قوله: وشرعا) عطف على لغة.
(قوله: سيلانه) أي الماء.
ولا حاجة هنا إلى ما تقدم لأن العبرة هنا بوصول الماء ولو بغير فعل الفاعل.
(قوله: بالنية) أي ولو كانت مندوبة، فيدخل غسل الميت.
(قوله: ولا يجب فورا) أي ولا يجب الغسل على الفور.
والمراد أصالة فلا يرد، ما لو ضاق وقت الصلاة عقب الجنابة أو انقطاع الحيض فإنه يجب فورا، لا لذاته بل لإيقاع الصلاة في وقتها.
(قوله: وإن عصى بسببه) غاية في عدم وجوبه على الفور أي لا يجب الغسل فورا وإن عصى بسبب الغسل كأن زنى، وذلك لانقضاء المعصية بالفراغ من الزنا.
وقوله: بخلاف نجس عصى بسببه أي
كأن تضمخ به عمدا فإنه يجب غسله فورا لبقاء العصيان به ما دام باقيا، فوجب إزالته.
وهذا هو الفارق بينه وبين ما قبله.
(قوله: والأشهر في كلام الفقهاء ضم غينه) أي للفرق بينه وبين غسل النجاسة، كما في البجيرمي.
وقوله: لكن الفتح أفصح أي لغة.
لأن فعله من باب ضرب.
قال ابن مالك فعل قياس مصدر المعدى إلخ.
(قوله: وبضمها مشترك إلخ) لم يظهر التئامه بما قبله، فلو قال: وهو على الثاني اسم للفعل، وعلى الأول مشترك بين الفعل والماء، لكان أنسب وأخصر.
وعبارة التحفة: وهو بفتح الغين: مصدر غسل، واسم مصدر لاغتسل.
وبضمها: مشترك بينهما وبين الماء الذي يغتسل به.
وبكسرها: اسم لما يغسل به من سدر ونحوه.
والفتح في المصدر واسمه أشهر من الضم وأفصح لغة.
وقيل عكسه، والضم أشهر في كلام الفقهاء.
اه.
(قوله: وموجبة) بكسر الجيم، أي سببه.
وأما الموجب بفتحها فهو المسبب الذي هو الغسل.
وقدم الموجب هنا على الفرض عكس ما مر في الوضوء، لأن الغسل لا يوجد إلا بعد تقدم سببه، بخلاف الوضوء فإنه قد يوجد بدون تقدم ذلك ولو في صورة نادرة، كما إذا نزل الولد من بطن أمه ولم يصدر منه ناقض وأراد وليه الطواف به فإنه يجب عليه أن يوضئه مع أنه ليس محدثا وإنما هو في حكم المحدث.
أفاده ش ق.
(قوله: أربعة) فإن قلت لا مطابقة بين المبتدأ والخبر إذ الأول مفرد والثاني متعدد.
أجيب بأن المبتدأ مفرد مضاف فيعم، فهو متعدد تقديرا.
فكأنه قال: موجباته أربعة.
(قوله: أحدها) أي الأربعة.
(قوله: خروج منيه) أي بروز مني نفسه وانفصاله إلى ظاهر الحشفة وظاهر فرج البكر وإلى محل الاستنجاء في فرج الثيب - وهو ما يظهر عند جلوسها على قدميها - سواء كان خروجه من طريقه المعتاد، ولو لم يستحكم بأن خرج لعلة، أو من غير طريقه المعتاد كأن خرج من صلب الرجل وترائب المرأة بشرط أن لا يكون مستحكما أي لا لعلة، إذا كان المعتاد انسداده عارضا، فإن كان أصليا فلا يشترط فيه ذلك.
وخرج بمني نفسه مني غيره، كأن وطئت المرأة في دبرها فاغتسلت ثم خرج منها مني الرجل فلا يجب عليها إعادة الغسل.
أو وطئت في قبلها ولم يكن لها شهوة كصغيرة، أو كان لها شهوة ولم تقضها كنائمة، فكذلك لا إعادة عليها.
وقوله: أولا خرج به ما لو استدخله بعد خروجه ثم خرج ثانيا، فلا غسل.
واعلم أن خروج المني موجب للغسل، سواء كان بدخول حشفة أم لا.
ودخول الحشفة موجب له، سواء حصل مني أم لا.
فبينهما عموم وخصوص وجهي.
(قوله: ويعرف) أي المني، وإن خرج على لون الدم.
(قوله: بأحد خواصه الثلاث) أي علاماته التي لا توجد في
الخواص فلا غسل.
نعم، لو شك في شئ أمني هو أو مذي؟ تخير ولو بالتشهي.
فإن شاء جعله منيا واغتسل، أو مذيا وغسله وتوضأ.
ولو رأى منيا مجففا في نحو ثوبه لزمه الغسل وإعادة كل صلاة تيقنها بعده، ما لم يحتمل عادة كونه من غيره.
(و) ثانيها: (دخول حشفة) أو قدرها من فاقدها، ولو كانت من ذكر مقطوع أو من بهيمة أو ميت.
(فرجا) قبلا أو دبرا، (ولو لبهيمة) كسمكة أو ميت، ولا يعاد غسله لانقطاع تكليفه.
(و) ثالثها: (حيض)
ــ
غيره.
(قوله: من تلذذ بخروجه) أي وإن لم يتدفق لقلته.
وهو بيان للمضاف، وهو أحد، بدليل تعبيره في المعاطيف بأو.
ويصح جعله بيانا للمضاف إليه وتكون أو بمعنى الواو.
(قوله: أو تدفق) هو خروجه بدفعات، وإن لم يتلذ به ولا كان له ريح.
(قوله: أو ريح عجين) أي أو كون ريحه كريح العجين، أي أو طلع النخل.
وقوله: رطبا قيد في الريح.
أي ويعرف المني بكون ريحه كما ذكر حال كون المني رطبا.
وقوله: وبياض معطوف على عجين.
أي أو ريح بياض بيض.
وقوله: جافا قيد في كون ريحه كبياض البيض.
أي ويعرف المني بذلك حال كونه جافا.
(قوله: فإن فقدت هذه الخواص) أي لا غيرها، كالثخن والبياض في مني الرجل، والرقة والصفرة في مني المرأة، فلا عبرة به لأن ذلك غالب لا دائم.
(قوله: نعم، لو شك) كالتقييد لعدم وجوب الغسل عند فقد الخواص.
فكأنه قال: ومحله عند تيقن أنه ليس بمني، فإن شك فيه فهو بالخيار.
(قوله: تخير ولو بالتشهي) أي لا بالاجتهاد، وذلك لأنه إذا أتى بأحدهما صار شاكا في الآخر، ولا إيجاب مع الشك.
وقوله: فإن شاء إلخ وله أن يرجع عما اختاره أولا إذا اشتهت نفسه واحدا منهما غيره.
(قوله: ولو رأى منيا مجففا) الذي في التحفة: محققا.
وهو الصواب.
وقوله: في نحو ثوبه أي كفراش نام فيه وحده، أو مع من لا يمكن كونه منه.
(قوله: لزمه الغسل) أي وإن لم يتذكر احتلاما.
(قوله: وإعادة كل صلاة) أي ولزمه إعادة كل صلاة.
وقوله: تيقنها بعده أي تيقن أنه صلاها بعد ذلك المني الذي رآه في نحو ثوبه.
فإن لم يتيقن ذلك ندب له إعادة ما احتمل أنه صلاها بعده.
وعبارة النهاية: ويندب له إعادة ما احتمل أنه - أي المني - فيها.
كما لو نام مع من يمكن كونه منه ولو نادرا كالصبي بعد تسع، فإنه يندب لهما الغسل.
اه.
وقوله: ما لم يحتمل عادة كونه من غيره فإن احتمل ذلك، كأن نام مع من يمكن كونه منه، فلا يلزمه الغسل ولا إعادة الصلاة.
(قوله: وثانيها) أي الأربعة.
(قوله: دخول حشفة) وهي رأس الذكر - أي من واضح أصلي أو شبيه به - لخبر الصحيحين: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل.
أي إذا تحاذيا.
وإنما يتحاذيان بدخول الحشفة في الفرج.
إذ الختان محل القطع، وهو في الرجل ما دون حزة الحشفة، وفي المرأة محل الجلدة المستعلية فوق مخرج البول الذي هو فوق مدخل الذكر.
ثم إن ذكر الختانين جري على الغالب، بدليل إيجاب الغسل بإيلاج ذكر لا حشفة فيه لأنه جماع في فرج.
وخرج بقولنا من واضح ما إذا كانت من خنثى مشكل، فلا غسل بإيلاج ذكره عليه ولا على المولج فيه، لاحتمال أن يكون أنثى والذكر سلعة زائدة فيه وإيلاج
السلعة لا يوجب الغسل على المولج ولا على المولج فيه.
(قوله: أو قدرها) أي أو دخول قدر الحشفة.
وقوله: من فاقدها أي من مقطوع الحشفة.
وهو قيد لا بد منه.
وخرج به ما لو أدخل قدرها مع وجودها، كأن ثنى ذكره وأدخله فإنه لا يؤثر، كذا في التحفة، ونصها: ولو ثناه وأدخل قدر الحشفة منه مع وجود الحشفة، لم يؤثر، وإلا أثر على الأوجه.
اه.
(قوله: ولو كانت الخ) تعميم في الحشفة، والغسل إنما هو على المولج فيه، لا على الميت والبهيمة وصاحب الذكر المقطوع.
(قوله: قبلا أو دبرا) أي لأن الفرج مأخوذ من الانفرج، فيشمل الدبر كالقبل، سواء كان فرج آدمي أو جني أو فرج ميت أو بهيمة، ولو لم تشته كسمكة، وإن لم يحصل انتشار ولا إنزال، ولو ناسيا أو مكرها أو بحائل كثيف، لا فرج خنثى لاحتمال زيادته.
نعم، وإن أولج وأولج فيه تحققت جنابته.
والميت والبهيمة لا غسل عليهما لعدم تكليفهما، وإنما وجب غسل الميت بالموت إكراما له.
اه.
بشرى الكريم.
(قوله: ولو لبهيمة) غاية في الفرج المولج فيه.
(قوله: ولا يعاد غسله) أي الميت.
(قوله: لانقطاع تكليفه) أي بالموت.
(قوله: ثالثها: حيض) قد أفرد الفقهاء الكلام على الحيض والنفاس والاستحاضة في باب مستقل، والأصل فيه قوله تعالى: * (ويسئلونك عن المحيض) * وخبر
أي انقطاعه، وهو دم يخرج من أقصى رحم المرأة في أوقات مخصوصة.
(وأقل سنة تسع سنين قمرية) أي استكمالها.
نعم، إن رأته قبل تمامها بدون ستة عشر يوما فهو حيض، وأقله يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوما، كأقل طهر بين الحيضتين.
ويحرم به ما يحرم بالجنابة، ومباشرة ما بين سرتها وركبتها.
وقيل: لا يحرم غير الوطئ.
واختاره النووي في التحقيق، لخبر مسلم: اصنعوا كل شئ إلا النكاح.
وإذا انقطع دمها حل لها قبل
ــ
الصحيحين: هذا شئ كتبه الله على بنات آدم.
(قوله: أي انقطاعه) يفيد هذا التفسير أن الموجب للغسل انقطاع الحيض لا هو نفسه، وليس كذلك، بل هو الموجب، والانقطاع شرط فيه، وعبارة شرح المنهج: ويعتبر فيه وفيما يأتي - أي من النفاس والولادة - الانقطاع، والقيام للصلاة.
اه.
بزيادة.
وكتب البجيرمي قوله: ويعتبر فيه أي في كونه موجبا للغسل.
فهو كغيره سبب للغسل بهذين الشرطين.
والأصح أن الانقطاع شرط للصحة، والقيام للصلاة شرط للفورية.
اه.
(قوله: وهو دم إلخ) هذا معناه شرعا، وأما لغة فهو السيلان.
يقال: حاض الوادي: إذا سال.
وقوله: يخرج من أقصى رحم المرأة أي يخرج من عرق فمه في أقصى رحم المرأة.
والرحم وعاء الولد، وهو جلدة على صورة الجرة المقلوبة، فبابه الضيق من جهة الفرج وواسعه أعلاه، ويسمى بأم الأولاد.
اه.
بجيرمي.
وقوله: في أوقات مخصوصة لو قال في وقت مخصوص لكان أولى، لأنه ليس له إلا وقت واحد وهو كونه بعد البلوغ، وقال بعضهم: لعل المراد بالأوقات أقله وغالبه وأكثره.
(وقوله: أقل سنه) أي سن صاحبه، أي أقل زمن يوجد فيه الحيض.
وقوله: تسع سنين قمرية أي هلالية، لأن السنة الهلالية ثلثمائة وأربعة وخمسون يوما وخمس يوم وسدسه، بخلاف العددية فإنها ثلثمائة وستون لا تنقص ولا تزيد، والشمسية ثلثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم إلا جزءا من ثلثمائة جزء من اليوم.
اه.
ع ش.
(قوله: أي استكمالها) أي التسع سنين.
وقوله: نعم، إن رأته الخ استدراك على اشتراط الاستكمال.
وأفاد به أن المراد الاستكمال التقريبي.
(قوله: بدون ستة عشر يوما) أي بما لا يسع حيضا وطهرا، فإن رأته بما يسعهما فليس بحيض بل هو دم فساد.
(قوله: وأقله) أي الحيض.
وقوله: يوم وليلة أي قدرهما مع اتصال الحيض، وهو أربع وعشرون ساعة.
والمراد بالاتصال أن يكون نحو القطنة بحيث لو أدخل تلوث، وإن لم يخرج الدم إلى ما يجب غسله في الاستنجاء.
(قوله: وأكثره) أي الحيض.
وقوله: خمسة عشر يوما أي بلياليها، وإن لم يتصل، لكن بشرط أن تكون أوقات الدماء مجموعها أربع وعشرون ساعة فإن لم يبلغ مجموعها ما ذكر كأن دم فساد، وهو مع نقاء تخلله حيض، لأنه حينئذ يشبه الفترة بين دفعات الدم فينسحب عليه حكم الحيض.
وهذا القول يسمى قول السحب وهو المعتمد، ومقابله النقاء طهر ويسمى قول اللقط والتلفيق، فعلى هذا القول تصلي وتصوم في وقت النقاء (قوله: كأقل طهر بين الحيضتين) أي فإنه خمسة عشر يوما بلياليها، وذلك لأن الشهر لا يخلو عن حيض وطهر، وإذا كان أكثر الحيض خمسة عشر لزم أن يكون أقل الطهر كذلك.
وخرج ببين الحيضتين الطهر بين حيض ونفاس فإنه يجوز أن يكون أقل من ذلك.
قال ع ش: بل يجوز أن لا يكون بينهما طهر أصلا، كأن يتصل أحدهما بالآخر.
(قوله: ويحرم به) أي بالحيض.
وقوله: ما يحرم بالجنابة قد تقدم التصريح به فهو مكرر معه.
فكان الأولى أن يقول: ويحرم به زيادة على ما مر مباشرة، إلخ.
(قوله: ومباشرة ما بين سرتها وركبتها) أي ويحرم ذلك، سواء كان بوطئ أو بغير وطئ، وسواء كان بشهوة أو بغيرها.
واعلم أنه يحرم على المرأة أن تباشر الرجل بما بين سرتها وركبتها في أي جزء من بدنه ولو غير ما بين سرته وركبته.
(قوله: وقيل: لا يحرم غير الوطئ) أي من بقية الاستمتاعات، ولو بما بين السرة والركبة.
ويسن لمن وطئ في أول الدم وقوته التصدق بدينار، وفي آخر الدم وضعفه التصدق بنصفه، لخبر: إذا واقع الرجل أهله وهي حائض، إن كان دما أحمر فليتصدق بدينار، وإن كان أصفر فليتصدق بنصف دينار.
رواه أبو داود والحاكم وصححه.
قال في شرح الروض: وكالوطئ في آخر الدم الوطئ بعد انقطاعه إلى الطهر، ذكره في المجموع.
اه.
(قوله: واختاره) أي القيل المذكور.
(قوله: لخبر مسلم الخ) دليل للقيل المذكور الذي اختاره النووي: (قوله: اصنعوا كل شئ إلا النكاح) وجه الاستدلال به أن لفظه عام شامل لسائر أنواع الاستمتاع، حتى فيما تحت الإزار - أي ما بين سرتها وركبتها - غير الوطئ في الفرج.
والمانعون
الغسل صوم لا وطئ، خلافا لما بحثه العلامة الجلال السيوطي رحمه الله.
(و) رابعها: (نفاس) أي انقطاعه، وهو دم حيض مجتمع يخرج بعد فراغ جميع الرحم، وأقله لحظة، وغالبه أربعون يوما، وأكثره ستون يوما.
ــ
قالوا: إنه عام خصص بمفهوم ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ فقال: ما فوق
الإزار.
وذلك المفهوم هو منع الاستمتاع بما تحت الإزار، فيكون التقدير: اصنعوا كل شئ أي مما فوق الإزار.
وإنما منع الاستمتاع بما تحت الإزار عندهم لأنه يدعو إلى الجماع، لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.
(قوله: حل لها قبل الغسل صوم) أي لأن سبب تحريمه خصوص الحيض، وإلا لحرم على الجنب.
اه تحفة.
ويحل أيضا طلاقها لزوال مقتضى التحريم وهو تطويل العدة.
(قوله: لا وطئ) أي أما هو فيحرم، لقوله تعالى: * (ولا تقربوهن حتى يطهرن) * وقد قرئ بالتشديد والتخفيف.
أما قراءة التشديد فهي صريحة فيما ذكر، وأما التخفيف فإن كان المراد به أيضا الاغتسال - كما قال به ابن عباس وجماعة، لقرينة قوله تعالى: * (فإذا تطهرن) * - فواضح، وإن كان المراد به انقطاع الحيض فقد ذكر بعده شرطا آخر وهو قوله تعالى: * (فإذا تطهرن) * فلا بد منهما معا.
اه إقناع.
(قوله: خلافا لما بحثه العلامة الجلال السيوطي) أي من حل الوطئ أيضا بالانقطاع.
(قوله: ورابعها) أي الأربعة التي هي موجبات الغسل.
وقوله: نفاس قال الشوبري: لا يقال لا حاجة إليه مع الولادة لأنه يستغنى بها عنه، لأنا نقول: لا تلازم.
لأنها إذا اغتسلت من الولادة ثم طرأ الدم قبل خمسة عشر يوما فهذا الدم يجب له الغسل، ولا يغني عنه ما تقدم.
تأمل.
اه.
(قوله: أي انقطاعه) يأتي فيه ما تقدم، فلا تغفل.
(قوله: وهو دم حيض مجتمع يخرج بعد فراغ جميع الرحم) أي وقبل مضي خمسة عشر يوما من الولادة، وإلا فهو حيض، ولا نفاس لها أصلا.
وإذا لم يتصل الدم بالولادة فابتداؤه من رؤية الدم، وعليه فزمن النقاء لا نفاس فيه، فيلزمها فيه أحكام الطاهرات، لكنه محسوب من الستين.
كذا قال البلقيني.
قال ابن حجر في شرح العباب: ورد بأن حسبان النقاء من الستين من غير جعله نفاسا فيه تدافع.
اه.
وقيل: أن ابتداء النفاس من الولادة لا من الدم، وعليه فزمن النقاء من النفاس.
وفي البجيرمي ما نصه: والحاصل أن الأقوال ثلاثة: ابتداؤه من الولادة عددا وحكما.
الثاني: ابتداؤه من خروج الدم عددا وحكما.
الثالث: ابتداؤه من الخروج من حيث أحكام النفاس، وأما العدد فمحسوب من الولادة.
وهذه الأقوال فيما إذا تأخر خروجه عن الولد وكان بينهما نقاء، وأما إذا خرج الدم عقب الولادة فلا خلاف فيه.
وينبني على الأقوال أنه على الأول يحرم التمتع بها في زمن النقاء، ولا يلزمها قضاء الصلاة.
وأما على الثاني فيجوز التمتع بها في مدة النقاء، ويجب عليها قضاء، ويجب عليها قضاء الصلوات في مدة النقاء، وكذا على الثالث.
اه.
(قوله: وأقله) أي النفاس.
وقوله: لحظة في عبارة: مجة.
أي دفعة من الدم، وهي لا تكون إلا في اللحظة.
وفي عبارة: لا حد لأقله.
أي لا يتقدر بقدر بل ما وجد منه عقب الولادة يكون نفاسا ولو قليلا، ولا يوجد أقل من مجة.
فمؤدى العبارات الثلاث واحد.
(قوله: وغالبه أربعون يوما) أي بلياليها، سواء تقدمت على
الأيام كأن طرقتها الولادة عند الغروب، أو تأخرت كأن طرقتها الولادة عند طلوع الفجر، أو تلفقت كأن طرقتها في نصف الليل.
(قوله: وأكثره ستون يوما) أي بلياليها على ما مر.
واعلم أنه قد أبدى أبو سهل الصعلوكي معنى لطيفا في كون أكثر النفاس ستين يوما، وهو أن الدم يجتمع في الرحم مدة تخلق الحمل وقبل نفخ الروح فيه أربعين يوما نطفة، ثم مثلها علقة، ثم مثلها مضغة، فتلك أربعة أشهر.
وأكثر الحيض خمسة عشر يوما في كل شهر، فالجملة ستون يوما.
وأما بعد نفخ الروح فيه فيتغذى بالدم من سرته لأن فمه لا ينتفخ ما دام في بطن أمه كما قيل، فلا يجتمع في الرحم دم من حين نفخ الروح فيه، وأنت خبير بأن ذلك لا يظهر إلا بالنسبة لمن كان حيضها خمسة عشر يوما، إلا أنها حكمة لا يلزم اطرادها.
ويحرم به ما يحرم بالحبض، ويجب الغسل أيضا بولادة ولو بلا بلل، وإلقاء علقة ومضغة، وبموت مسلم غير شهيد.
(وفرضه) - أي الغسل - شيئان: أحدهما: (نية رفع الجنابة) للجنب، أو الحيض للحائض.
أي رفع حكمه.
(أو) نية (أداء فرض الغسل) أو رفع حدث، أو الطهارة عنه، أو أداء الغسل.
وكذا الغسل للصلاة لا
ــ
(قوله: ويحرم به) أي بالنفاس.
ويأتي فيه ما تقدم في قوله: ويحرم به ما يحرم بالجنابة.
وقوله: ما يحرم بالحيض حتى الطلاق إجماعا، لأنه دم حيض يجتمع قبل نفخ الروح كما مر.
(قوله: ويجب الغسل أيضا بولادة) أي بانفصال جميع الولد.
قال سم: الوجه فيما لو خرج بعضه ثم رجع لا يجب الغسل بل يجب الوضوء.
اه.
وإنما وجب الغسل مما ذكر لأنه مني منعقد.
وقوله: ولو بلا بلل الغاية للرد على من قال إنها حينئذ لا توجب الغسل متمسكا بقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الماء من الماء.
(قوله: وإلقاء علقة ومضغة) معطوف على مدخول الباء فهو في حيز الغاية، أي ولو كانت بإلقاء علقة ومضغة.
وعبارة التحفة: ولو لعلقة ومضغة.
قال القوابل: إنهما أصل آدمي.
اه.
(قوله: وبموت) معطوف على بولادة.
أي ويجب الغسل أيضا بموت مسلم.
قال الكردي: ولو لسقط بلغ أربعة أشهر وإن لم تظهر فيه أمارة الحياة، لأن أحد حدود الموت يشمله وهو عدم الحياة عما من شأنه الحياة.
اه.
وقوله: غير شهيد أما هو فيحرم غسله كما سيذكره في الجنائز.
(تتمة) لم يتعرض المؤلف للاستحاضة وأحكامها بالخصوص.
وحاصل ذلك أن الاستحاضة هي الدم الخارج في غير أوقات الحيض والنفاس، بأن خرج قبل تسع سنين أو بعدها، ونقص عن قدر يوم وليلة، وبأن زاد على خمسة عشر يوما بلياليها، أو أتى قبل تمام أقل الطهر، أو مع الطلق، ولم يتصل بحيض قبله.
وهي حدث دائم فلا تمنع شيئا مما يمتنع بالحيض، من نحو صلاة ووطئ، ولو مع جريان الدم.
وإذا أرادت المستحاضة أن تصلي يجب عليها أن تغسل فرجها من النجاسة، ثم تحشوه بنحو قطنة - وجوبا - دفعا للنجاسة أو تحفيفا لها، فإن لم يكفها الحشو تعصب بعده بخرقة مشقوقة
الطرفين على كيفية التلجم المشهور، ولا يضر بعد ذلك خروج الدم إلا إن قصرت في الشد.
ثم بعد ما ذكر تتوضأ، ثم عقب ذلك تصلي.
ويجب إعادة جميع ذلك لكل فرض عيني ولو نذرا.
واعلم أنه يجب على النساء تعلم ما يحتجن إليه من هذا الباب وغيره.
فإن كان نحو زوجها عالما لزمه تعليمها، وإلا فليسأل لها ويخبرها أو تخرج لتعلم ذلك، وليس لها الخروج لغير تعلم واجب من نحو حضور مجلس ذكر إلا برضاه وبمحرم معها إن خرجت عن البلد.
(قوله: وفرضه أي الغسل) و (قوله: شيآن) يأتي فيه ما تقدم في قوله: وموجبه أربعة.
وكونه شيئين مبني على طريقة النووي رضي الله عنه من أن إزالة النجاسة ليست فرضا، وهي الراجحة.
أما على طريقة الرافعي من أنها فرض فيكون ثلاثة أشياء، وهي مرجوحة.
(قوله: أحدهما) أي الشيئين.
(قوله: أي رفع حكمه) أي المذكور من الجنابة والحيض وهو المنع من نحو الصلاة - وأفاد بهذا التفسير أنه يحتاج إلى تقدير مضاف بين المضاف والمضاف إليه في قوله: رفع الجنابة ورفع الحيض، ومحل الاحتياج إليه بالنسبة للأول إن أريد بالجنابة الأسباب - كالتقاء الختانين وإنزال المني - لأنها لا ترتفع، فإن أريد بها الأمر الاعتباري القائم بالبدن الذي يمنع صحة الصلاة حيث لا مرخص، أو أريد بها المنع نفسه، فلا يحتاج لتقديره.
(قوله: أو نية الخ) بالرفع عطف على نية الأولى، ومثل نية أداء فرض الغسل نية الغسل المفروض أو الغسل الواجب.
(قوله: أو رفع حدث) بالجر، معطوف على أداء فرض الغسل.
أي أو نية رفع الحدث، أي بغير تقييده بالأكبر.
وينصرف إليه بقرينة كونه عليه، أو بتقيده به.
(قوله: أو الطهارة عنه) أي أو نية الطهارة عن الحدث.
أي أو الطهارة للصلاة، ولا يكفي نية الطهارة فقط.
ولو نوى المحدث غير ما عليه، كأن نوى الجنب رفع حدث الحيض أو بالعكس، فإن كان غالطا صح، والمراد بالغلط هنا اعتقاد أن ما عليه هو الذي نواه، على خلاف ما في الواقع.
وليس المراد بالغلط سبق لسانه إلى غير ما أراد أن ينطق به، إذ مجرد سبق اللسان لا أثر له لأن الاعتبار بما في القلب.
وإن كان متعمدا لم يصح لتلاعبه.
(قوله: أو أداء الغسل) أي أو نية أداء الغسل.
قال ع ش: فإن قلت: أي فرق بين أداء
الغسل فقط.
ويجب أن تكون النية (مقرونة بأوله) - أي الغسل - يعني بأول مغسول من البدن، ولو من أسفله.
فلو نوى بعد غسل جزء وجب إعادة غسله.
ولو نوى رفع الجنابة وغسل بعض البدن ثم نام فاستيقظ وأراد غسل الباقي لم يحتج إلى إعادة النية.
(و) ثانيهما: (تعميم) ظاهر (بدن حتى) الاظفار وما تحتها، و (الشعر) ظاهرا وباطنا وإن كثف، وما ظهر من نحو منبت شعرة زالت قبل غسلها، وصماخ وفرج امرأة عند جلوسها على قدميها، وشقوق (وباطن جدري) انفتح رأسه لا باطن قرحة برئت وارتفع قشرها ولم يظهر شئ مما تحته.
ــ
الغسل والغسل فقط؟ لأنه إن أريد بالأداء معناه الشرعي، وهو فعل العبادة في وقتها المقدر لها شرعا لا يصح، لأن الغسل لا وقت له مقدر شرعا؟ وإن أريد معناه اللغوي، وهو الفعل، ساوى نية الغسل؟ ويجاب: بأن الأداء لا يستعمل إلا في العبادة.
اه بجيرمي.
(قوله: لا الغسل فقط) أي لا يكفي نية الغسل فقط، وذلك لأنه يكون عادة وعبادة، وبه فارق
الوضوء.
قال البجيرمي نقلا عن البرماوي وق ل: وقد يكون مندوبا فلا ينصرف للواجب إلا بالنص عليه، لأنه لما تردد القصد فيه بين أسباب ثلاثة - العادي كالتنظيف، والندب كالعيد، والوجوب كالجناية - احتاج إلى التعيين، بخلاف الوضوء فليس له إلا سبب واحد وهو الحدث.
فلم يحتج إلى التعيين لأنه لا يكون عادة أصلا ولا مندوبا لسبب، وليست الصلاة بعد الوضوء سببا للتجديد وإنما هي مجوزة له فقط لا جالبة له، ولذلك لم تصح إضافته إليها.
اه.
(قوله: ويجب أن تكون النية) دخول على المتن.
وأفاد أن مقرونة يقرأ بالنصب خبرا لتكون مقدرة، ولا يتعين ذلك بل يصح أن يكون منصوبا على الحال.
وقوله: مقرونة بأوله أي الغسل.
ويندب أن يقدمها مع السنن المتقدمة كالسواك والبسملة وغسل الكفين ليثاب عليها.
لكن إن اقترنت النية المعتبرة بما يقع غسله فرضا فاته ثواب السنن المذكورة وكفته هذه النية.
فالأحسن حينئذ أن يفرق النية بأن يقول عند هذه السنن: نويت سنن الغسل.
لثياب عليها.
ثم ينوي النية المعتبرة عند غسل الواجب غسله، كما في الوضوء.
(قوله: فلو نوي) أي الجنب أو الحائض ونحوه.
وقوله بعد غسل جزء أي من بدنه.
(قوله: وجب إعادة غسله) أي ذلك الجزء الذي لم تقترن النية به، وذلك لعدم الاعتداد به قبل النية.
فعلم أن وجوب قرنها بأوله إنما هو للاعتداد به لا لصحة النية، لأنها لا تصح وإن لم تقترن بأول الغسل، لكن تجب إعادته.
(قوله: لم يحتج إلى إعادة النية) أي لعدم اشتراط الموالاة فيه، بل هي سنة فقط.
كما صرح به في المنهاج في باب التيمم.
(قوله: وثانيهما) أي الشيئين.
(قوله: تعميم ظاهر بدن) فلو لم يصل الماء إليه لحائل - كشمع أو وسخ تحت الأظفار - لم يكف الغسل، وإن أزاله بعد فلا بد من غسل محله.
ولا يجب هنا غسل ما بعده معه لأن بدن الجنب كله كعضو واحد، بخلاف الوضوء كما تقدم.
وإنما وجب تعميمه لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: أما أنا فيكفيني أن أصب على رأسي ثلاثا ثم أفيض بعد ذلك على سائر جسدي.
ولأن الحدث عم جميع البدن فوجب تعميمه بالغسل.
(قوله: حتى الأظفار) بالجر، عطف على ظاهر.
وقوله: وما تحتها أي وحتى ما تحت الأظفار فيجب غسله.
وقد تقدم الكلام على ما تحت الأظفار من الأوساخ فارجع إليه إن شئت.
(قوله: والشعر) أي وحتى الشعر، وهو معطوف على الأظفار المعطوفة على ظاهر البدن لا على البدن، وإلا لزم تسلط لفظ ظاهر على جميع المعاطيف وانحل.
المعنى: حتى ظاهر الأظفار وظاهر ما تحتها وظاهر الشعر ظاهرا وباطنا، ولا يخفى ما فيه، تأمل.
(قوله: وإن كثف) أي الشعر.
وإنما وجب غسل الكثيف هنا ظاهرا وباطنا، بخلافه في الوضوء، لقلة المشقة هنا بسبب عدم تكرره لكل صلاة، وكثرتها في الوضوء لتكرره لكل صلاة.
والشعر المضفور إن لم يصل الماء إلى باطنه إلا بالنقض وجب نقضه ليصل الماء إلى باطنه، فإن وصل من
غير نقض لم يجب نقضه.
(قوله: وما ظهر الخ) أي وحتى ما ظهر إلخ.
فهو معطوف على الأظفار أيضا.
وقوله: من نحو منبت شعرة لعل نحو ذلك هو منبت ظفر أزيل.
(قوله: زالت) أي الشعرة.
وقوله: قبل غسلها فإن زالت بعده لا يجب غسله.
(قوله: وصماخ) أي وما ظهر من صماخ للأذنين، فهو معطوف على نحو.
(قوله: وفرج امرأة) أي وما ظهر من فرج امرأة، بكر أو ثيب.
قال الكردي: وما يبدو من فرج البكر دون ما يبدو من فرج الثيب، فيختلف الوجوب في الثيب والبكر.
اه.
وقوله: عند جلوسها متعلق بظهر المقدر.
(قوله: وشقوق) أي وما ظهر من شقوق - أي في البدن -
ويحرم فتق الملتحم (وما تحت قلفة) من الاقلف فيجب غسل باطنها لانها مستحقة الازالة، لا باطن شعر انعقد بنفسه وإن كثر، ولا يجب مضمضة واستنشاق بل يكره تركهما.
(بماء طهور) ومر أنه يضر تغير الماء تغيرا ضارا ولو بما على العضو، خلافا لجمع.
(ويكفي ظن عمومه) - أي الماء - على البشرة والشعر وإن لم يتيقنه، فلا يجب تيقن عمومه بل يكفي غلبة الظن به فيه كالوضوء.
(وسن) للغسل الواجب والمندوب (تسمية) أوله، (وإزالة قذر طاهر) كمني ومخاط، ونجس كمذي، وإن كفى لهما غسلة واحدة، وأن يبول من أنزل قبل أن
ــ
ولا غور لها.
وعبارة النهاية: وما يبدو من شقوق البدن التي لا غور لها.
اه.
(قوله: وباطن جدري) أي وحتى باطن جدري، فهو بالجر معطوف على مدخول حتى وقوله: انفتح رأسه خرج به ما إذا لم ينفتح فلا يجب شقه وغسل باطنه.
(قوله: لا باطن قرحة) بالجر، عطف على باطن جدري.
أي فلا يجب تعميمه بالماء.
(قوله: وارتفع قشرها) أي عن البشرة.
وقوله: لم يظهر شئ مما تحته أي القشر من باطن القرحة.
والظاهر أن هذا القيد وما قبله لا مفهوم لهما بل هما لبيان الواقع، وذلك لأنهما لازمان للبرء.
تأمل.
(قوله: ويحرم فتق الملتحم) أي من أصابع اليدين والرجلين، لأنه ليس من ظاهر البدن.
وعبارة النهاية في مبحث سنن الوضوء: ولو كانت أصابعه ملتفة بحيث لا يصل الماء إليها إلا بالتخليل ونحوه وجب، أو ملتحمة حرم فتقها لأنه تعذيب بلا ضرورة.
أي إن خاف محذور تيمم فيما يظهر أخذا من العلة انتهت.
ولو أخر هذه المسألة عن قوله: وما تحت قلفة، لكان أولى، لتتصل المعاطيف، ولإيهام عبارته أن وما تحت معطوف على فاعل يحرم.
(قوله: وما تحت قلفة) أي وحتى ما تحت قلفة من الأقلف، فهو معطوف على مدخول حتى.
وإنما وجب غسله لأنه ظاهر حكما وإن لم يظهر حسا، لأنها مستحقة الإزالة.
ولهذا لو أزالها إنسان لم يضمنها.
ومحل وجوب غسل ما تحتها إن تيسر ذلك بأن أمكن فسخها، وإلا وجبت إزالتها.
فإن تعذرت صلى كفاقد الطهورين.
وهذا التفصيل في الحي، وأما الميت فحيث لم يمكن غسل ما تحتها لا تزال لأن ذلك يعد إزراء به، ويدفن بلا صلاة، على المعتمد عند الرملي، وعند ابن حجر ييمم عما تحتها ويصلى عليه للضرورة.
(قوله: لا باطن شعر) الأولى تقديمه وذكره بعد قوله: وإن كثف، إذا هو مستثنى منه.
ولو جعل من المتن لكان ظاهرا.
ومثل الشعر المنعقد باطن فم وأنف وعين وفرج وشعر نبت في العين والأنف، فلا يجب غسله.
وقوله: انعقد بنفسه فإن عقده هو لا يعفى عنه مطلقا، قل أو كثر.
وقال بعضهم: يعفى عن القليل منه.
(قوله: ولا يجب مضمضة واستنشاق) أي لأن محلهما ليس من الظاهر، وإن
انكشف باطن الفم والأنف بقطع ساترهما.
ويغني عن هذا قوله الآتي: فبعد إزالة القذر مضمضة واستنشاق.
وقوله: بل يكره تركهما أي خروجا من خلاف أبي حنيفة رضي الله عنه.
(قوله: بماء طهور) متعلق بتعميم.
(قوله: ومر) أي في شروط الوضوء.
وعبارته هناك.
وثالثها: أن لا يكون عليه - أي على العضو - مغير للماء تغيرا ضارا، كزعفران وصندل.
خلافا لجمع.
اه.
(قوله: ويكفي ظن عمومه) أي ويكفي في الغسل ظن وصول الماء إلى جميع البشرة والشعر.
(قوله: على البشرة والشعر) الأولى حذف على، إذ المصدر يتعدى بنفسه كفعله.
يقال: عمك الماء.
(قوله: وإن لم يتيقنه) أي العموم.
ولا معنى لهذه الغاية بعد قوله: ويكفي ظن إلخ.
(قوله: فلا يجب تيقن عمومه) مفرع على قوله: ويكفي إلخ.
(قوله: بل يكفي غلبة الخ) هو عين المفرع عليه، فالأولى حذفه.
وقوله: به أي بعموم الماء.
وقوله: فيه أي في الغسل.
وقوله: كالوضوء أي كما أنه يكفي غلبة ظن العموم فيه كما مر.
(قوله: وسن إلخ) لما تكلم على الفرائض شرع يتكلم على السنن.
(قوله: للغسل الواجب) أي كغسل الجنابة والحيض والنفاس والولادة.
وقوله: والمندوب أي كغسل الجمعة والعيدين.
(قوله: تسمية) نائب فاعل سن، ولا بد أن يقصد بها الذكر وحده، أو يطلق إن كان محدثا حدثا أكبر.
فإن قصد القراءة وحدها أو مع الذكر حرم، ولا بد أن تكون مقرونة بالنية القلبية ليثاب عليها من حيث الغسل.
وقوله: أوله أي أول الغسل.
وقد ذكر الشارح في الوضوء خلافا في كون أول السنن التسمية أو السواك، وقد تقدم الجمع بينهما بأن من قال بالأول مراده أول السنن القولية، ومن قال بالثاني مراده الفعلية.
(قوله: وإزالة قذر) أي وسن إزالة قذر، أي تقديمها على الغسل.
قال ش ق: ومحل كون تقديم غسله من سنن الغسل إذا كانت النجاسة غير
يغتسل ليخرج ما بقي بمجراه.
(ف) - بعد إزالة القذر (مضمضة واستنشاق ثم وضوء) كاملا - للاتباع -، رواه الشيخان.
ويسن له استصحابه إلى الفراغ، حتى لو أحدث، سن له إعادته.
وزعم المحاملي اختصاصه
ــ
مغلظة وكانت حكمية، أي لا يدرك لها طعم ولا لون ولا ريح.
أو عينية، بأن يدرك لها واحد مما ذكر، وكانت تزول بغسلة واحدة.
أما العينية التي لا تزول بذلك فإزالتها قبل الغسل شرط، فلا يصح مع بقائها لحيلولتها بين العضو والماء.
وأما المغلظة فغسلها بغير تتريب أو معه قبل استيفاء السبع لا يرفع الحدث - كما في شرح الرملي - فلو كان على بدن الجنب نجاسة مغلظة فغسلها ستا ثم انغمس في ماء كدر كالنيل ناويا رفع الحدث ارتفعت جنابته.
اه.
(قوله: طاهر) بدل من قذر.
(قوله: كمني ومخاط) تمثيل للطاهر.
(قوله: ونجس) الواو بمعنى أو، وهو معطوف على طاهر.
(قوله: كمذي) تمثيل للنجس، ومثله الودي.
(قوله: وإن كفى إلخ) غاية لسنية إزالة القذر، أي سن إزالة القذر وإن كفى لهما - أي للحدث والقذر - غسلة واحدة.
قال العلامة الكردي: وهذا هو الراجح في المذهب، لكن يشترط في الطاهر أن لا يغير
الماء تغيرا يمنع إطلاق اسم الماء عليه، وأن لا يمنع وصول الماء إلى ما تحته من البشرة.
وفي النجاسة العينية أن تزول النجاسة بغسلة، وأن يكون الماء الذي هو دون القلتين واردا على المتنجس، وأن لا تتغير الغسالة ولو تغيرا يسيرا، وأن لا يزيد وزنها بعد اعتبار ما يتشربه المغسول ويعطيه من الوسخ.
فإن انتفى شرط من ذلك حكم ببقاء الحدث كالخبث.
فعلم أن المغلظة لا يطهر محلها عن الحدث إلا بعد تسبيعها مع التتريب.
قال في الإيعاب: فلو انغمس بدون تتريب في نهر ألف مرة مثلا لم يرتفع حدثه.
وبه يلغز فيقال: جنب انغمس في ماء طهور ألف مرة بنية رفع الجنابة وليس ببدنه مانع حسي ولم يطهر.
اه.
(قوله: وإن يبول الخ) أي وسن أن يبول الخ.
وقوله: قبل أن يغتسل متعلق بيبول.
وقوله: ليخرج ما بقي أي من المني.
وقوله: بمجراه أي البول.
وذلك لأنه لو لم يبل قبله لربما خرج منه بعد الغسل فيجب عليه إعادة.
(قوله: فبعد إزالة القذر الخ) أي فبعد إزالة القذر سن مضمضة واستنشاق، وهما سنتان مستقلتان غير المشتمل عليهما الوضوء.
(قوله: ثم وضوء كاملا) أي ثم سن وضوء كاملا.
(قوله: رواه) أي الأتباع الشيخان، أي البخاري ومسلم.
(قوله: ويسن له) أي المغتسل.
وقوله: استصحابه أي الوضوء.
وقوله إلى الفراغ أي من الغسل.
(وقوله: حتى لو أحدث) أي قبل أن يغتسل.
قوله: سن له إعادته أي الوضوء.
وهذا ما جرى عليه ابن حجر.
وجرى م ر على سنية الإعادة، وعبارته: ولو توضأ قبل غسله ثم أحدث قبل أن يغتسل لم يحتج لتحصيل سنة الوضوء إلى إعادته.
كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى.
بخلاف ما لو غسل يديه في الوضوء ثم أحدث قبل المضمضة مثلا، فإنه يحتاج في تحصيل السنة إلى إعادة غسلهما بعد نية الوضوء لأن تلك النية بطلت بالحدث.
اه.
قال ش ق: ويمكن الجمع بينهما بأن مراد الرملي أنه لا تطلب إعادته من حيث كونه من سنن الغسل المأمور بها، فلا ينافي طلب إعادته من حيث الخروج من الخلاف، وهو مراد ابن حجر اه.
وعلى ما جرى عليه م ر ألغز السيوطي فيه فقال: قل للفقيه وللمفيد * * ولكل ذي باع مديد ما قلت في متوضئ * * قد جاء بالأمر السديد لا ينقضون وضوءه * * مهما تغوط أو يزيد ووضوءه لم ينتقض * * إلا بإيلاج جديد أجابه بعضهم في قوله: يا مبدئ اللغز السديد * * يا واحد العصر الفريد هذا الوضوء هو الذي * * للغسل سن كما تفيد
وهو الذي لم ينتقض إلا بإيلاج جديد (قوله: وزعم المحاملي) مبتدأ خبره ضعيف.
وقوله: اختصاصه أي الوضوء بالغسل الواجب، وعبارة ابن
بالغسل الواجب ضعيف، والافضل عدم تأخير غسل قدميه عن الغسل، كما صرح به في الروضة، وإن ثبت تأخيرهما في البخاري.
ولو توضأ أثناء الغسل أو بعده حصل له أصل السنة، لكن الافضل تقديمه، ويكره تركه.
وينوي به سنة الغسل إن تجردت جنابته عن الاصغر، وإلا نوى به رفع الحدث الاصغر أو نحوه، خروجا من خلاف موجبه القائل بعدم الاندراج.
ولو أحدث بعد ارتفاع جنابة أعضاء الوضوء لزمه الوضوء مرتبا بالنية.
(فتعهد معاطف) كالاذن والابط والسرة والموق ومحل شق، وتعهد أصول شعر، ثم غسل رأس بالافاضة بعد تخليله إن كان عليه شعر، ولا تيامن فيه لغير أقطع.
ثم غسل شق أيمن ثم أيسر، ودلك لما تصله يده من بدنه،
ــ
قاسم: قال في شرح العباب: وقضية كلامهم أن الوضوء إنما يكون سنة في الغسل الواجب.
به صرح أبو زرعة وغيره تبعا للمحاملي.
ولو قيل بندبه - كغيره من سائر السنن التي ذكروها هنا في الغسل المسنون أيضا - لم يبعد.
ثم رأيت المصنف في باب الجمعة جزم بهذا الاحتمال.
اه.
(قوله: والأفضل عدم تأخير غسل قدميه) هذا لا يلائم قوله: ثم وضوء كاملا.
إذ كماله إنما يكون بعدم تأخير غسل قدميه.
والأولى في المقابلة أن يقول كما في المنهاج.
وفي قول: يؤخر غسل قدميه.
(قوله: وإن ثبت تأخيرهما) أي القدمين، أي غسلهما.
وقوله: في البخاري فقد روي فيه أنه صلى الله عليه وسلم توضأ وضوءه للصلاة غير غسل قدميه.
(قوله: ولو توضأ أثناء الغسل أو بعده) في البجيرمي ما نصه: لو اغتسل ثم أراد أن يتوضأ، فهل ينوي بالوضوء الفريضة لأنه لم يتوضأ قبله؟ أو ينوي به السنة لأن وضوءه اندرج في الغسل؟.
الجواب: أنه إن أراد الخروج من الخلاف نوى به الفريضة، وإلا نوى به السنة، فيقول: نويت سنة الوضوء للغسل.
وكذا يقول إذا قدمه، إن تجردت جنابته عن الحدث وإلا فنية معتبرة.
اه.
ابن شرف اه.
(قوله: لكن الأفضل تقديمه) أي الوضوء على الغسل.
(قوله: ويكره تركه) أي الوضوء، خروجا من خلاف موجبه القائل بعدم الاندراج، كما سيذكره.
(قوله: وينوي به سنة الغسل) قال في التحفة: أي أو الوضوء كما هو ظاهر.
(قوله: إن تجردت جنابته) أي انفردت عنه، كأن نظر فأمنى أو تفكر فأمنى.
وقوله: وإلا أي وإن لم تتجرد عنه بل اجتمعت معه كما هو الغالب.
نوى به رفع الحدث.
وظاهر هذا أنه ينوي ما ذكر وإن أخر الوضوء عن الغسل، وهو كذلك إن أراد الخروج من الخلاف، وإلا نوى به سنة الغسل كما مر قريبا.
وفي بشرى الكريم ما نصه: وينوي به رفع الحدث الأصغر، وإن تجردت جنابته عنه وإن أخره عن الغسل، خروجا من خلاف القائل بعدم اندراج الأصغر في الأكبر، ومن خلاف القائل: إن خروج المني ينقض الوضوء.
وينبغي لمن يغتسل من نحو إبريق.
قرن النية بغسل محل الاستنجاء، إذ قد يغفل عنه فلا يتم طهره، وإن ذكره احتاج إلى لف خرقة على يده وفيها كلفة، أو إلى المس فينتقض وضوءه.
فإذا قرنها به يصير على الكف حدث أصغر دون الأكبر، فيحتاج إلى غسلها بنية الوضوء.
فالأولى أن ينوي رفع الحدث عن محل الاستنجاء فقط ليسلم من ذلك.
اه بزيادة.
وهذه المسألة تسمى بالدقيقة ودقيقة الدقيقة.
فالدقيقة: النية عند محل غسل الاستنجاء، ودقيقة الدقيقة: بقاء الحدث الأصغر على كفه.
والمخلص من ذلك أن يقيد النية بالقبل والدبر، كأن يقول: نويت رفع الحدث عن هذين المحلين.
فيبقى حدث يده ويرتفع بالغسل بعد ذلك كبقية بدنه.
(قوله: خروجا إلخ) أي ينوي رفع الحدث الأصغر، خروجا من خلاف موجب الوضوء.
وقوله: بعدم الاندراج أي اندراج الحدث الأصغر في الأكبر.
(قوله: لزمه الوضوء) أي عند إرادة نحو الصلاة، كما هو ظاهر.
(قوله: فتعهد معاطف) أي ثم بعد الوضوء سن تعهد معاطفه، وهي ما فيه انعطاف والتواء، كطيات بطن وكإبط وأذن.
ويتأكد التعهد في الأذن فيأخذ كفا من ماء ويضع الأذن عليه برفق.
قال في التحفة: وإنما لم يجب ذلك حيث ظن وصوله إليها لأن التعميم الواجب يكتفي فيه بغلبة الظن.
اه.
(قوله: والموق) المراد به ما يشمل اللحاظ، وهو ما يلي الأذن.
وعبارة بعضهم: وموق ولحاظ.
اه.
(قوله: وتعهد الخ) بالرفع، عطف على تعهد معاطف.
وقوله: أصول شعر أي منابت شعر.
وعبارة المنهج القويم مع الأصل وتخليل أصول الشعر ثلاثا بيده المبلولة، بأن يدخل أصابعه العشرة في الماء ثم في الشعر ليشرب بها أصوله.
والمحرم في ذلك كغيره، لكن يتحرى الرفق خشية الانتتاف.
(قوله: ثم غسل الخ) أي ثم بعد تعهد ما ذكر سن غسل رأس بإفاضة الماء.
(قوله: بعد تخليله)
خروجا من خلاف من أوجبه.
(وتثليث) لغسل جميع البدن، والدلك والتسمية والذكر عقبه، ويحصل في راكد بتحرك جميع البدن ثلاثا، وإن لم ينقل قدميه إلى موضع آخر، على الاوجه (واستقبال) للقبلة وموالاة، وترك تكلم بلا حاجة، وتنشيف بلا عذر.
وتسن الشهادتان المتقدمتان في الوضوء مع ما معهما عقب الغسل، وأن لا يغتسل لجنابة أو غيرها، كالوضوء في ماء راكد لم يستبحر كنابع من عين غير جار.
ــ
أي الرأس، أي شعره، كما هو ظاهر.
ولا حاجة إليه بعد قوله: وتعهد أصول شعر.
إذ هو صادق بشعر الرأس وغيره.
وتعلم البعدية من تعبيره بثم، تأمل.
(قوله: ولا تيامن فيه) أي في الرأس.
ومحله إن كان ما يفيضه يكفي كل الرأس، وإلا بدأ بالأيمن، كما في النهاية، ونصها: وظاهر كلامه أنه لا يسن في الرأس البداءة بالأيمن.
وبه صرح ابن عبد السلام واعتمده الزركشي وهو ظاهر.
إن كان ما يفيضه يكفي كل الرأس وإلا بدأ بالأيمن كما يبدأ به الأقطع وفاعل التخليل.
اه.
وقوله: لغير أقطع أي أما هو فيسن له التيامن فيه.
(قوله: ثم غسل شق أيمن) أي فيبدأ أولا بالجهة اليمنى من جسده ظهرا وبطنا، فيفيض الماء عليها من قدام ثم من خلف، ثم يغسل الجهة اليسرى كذلك.
وهذا في غسل الحي، وأما في غسل الميت فيغسل شقه الأيمن من قدام ثم الأيسر كذلك، ثم يحرفه ويغسل شقه الأيمن من خلف ثم الأيسر كذلك، لأنه أسهل على الميت والغاسل.
(قوله: ودلك لما تصله يده) أي وسن دلك لذلك.
قال البجيرمي: يقتضي هذا أن ما لم تصله يده لا يسن دلكه، وليس كذلك، بل يسن له أن يستعين بعود ونحوه: اه.
(قوله: خروجا إلخ) علة لسنية الدلك، بقطع النظر عن قوله لما تصله يده.
وذلك لأن الموجب له يوجبه في جميع البدن.
وقوله: من خلاف من أوجبه هو الإمام مالك رضي الله عنه، قال في التحفة: دليلنا - أي على عدم الوجوب - أن الآية والخبر ليس فيهما تعرض له، مع
أن اسم الغسل شرعا ولغة لا يفتقر إليه.
اه.
(قوله: وتثليث) أي وسن تثليث.
وقوله: لغسل جيمع البدن إلخ فيغسل رأسه أولا ثلاثا، ثم شقه الأيمن ثلاثا من قدام ومن خلف، ثم الأيسر كذلك، ويدلك ثلاثا، ويخلل ثلاثا.
(قوله: ويحصل) أي التثليث.
وقوله: في راكد أي في الغسل في ماء راكد.
(قوله: بتحرك) متعلق بيحصل.
(قوله: وإن لم ينقل الخ) غاية لحصول التثليث بما ذكر.
وقوله: على الأوجه أي من اضطراب فيه بين الأسنوي والمتعقبين لكلامه، لأن كل حركة توجب مماسة ماء لبدنه غير الماء الذي قبله.
ولم ينظر لهذه الغيرية المقتضية للانفصال المقتضى للاستعمال، لأن المدار في الانفصال المقتضي له على انفصال البدن عنه عرفا، وما هنا ليس كذلك، وكأن الفرق أنه يغتفر في حصول سنة التثليث ما لا يغتفر في حصول الاستعمال لأنه إفساد للماء فلا يكفي فيه الأمور الاعتبارية.
وقد مر فيمن أدخل يده بلا نية اغتراف أن له أن يحركها ثلاثا ويحصل له سنة التثليث.
اه تحفة.
(قوله: واستقبال) أي وسن للغسل استقبال للقبلة.
(قوله: وموالاة) أي وسن موالاة.
قال في التحفة بتفصيلها السابق.
اه وهو أنها سنة في حق السليم وواجبة في غيره.
(قوله: وترك تكلم) أي وسن للمغتسل ترك تكلم.
وقوله: بلا حاجة أما بها فلا يسن تركه، كما مر في الوضوء.
(قوله: وتنشيف) بالجر، عطف على تكلم.
أي وسن ترك تنشيف.
وقوله: بلا عذر أما به فلا يسن تركه، كما مر أيضا.
(قوله: وتسن الشهادتان المتقدمتان) وهما: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
وقوله: مع ما معهما أي مع ما ذكر معهما هناك، وهو أن يزيد: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
وأن يصلي ويسلم على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد، وأن يقرأ * (إنا أنزلناه) * وأن يقول ذلك كله ثلاثا مستقبلا للقبلة، رافعا يديه وبصره إلى السماء، ولو أعمى.
وقوله: عقب الغسل متعلق بتسن.
(قوله: وأن لا يغتسل لجنابة الخ) عبارة المغني: وأن لا يغتسل في الماء الراكد ولو كثر، أو بئر معينة - كما في المجموع - بل يكره ذلك لخبر مسلم: لا يغتسل أحدكم في الماء الراكد وهو جنب.
فقيل لأبي هريرة: الراوي للحديث كيف يفعل؟ قال: يتناوله تناولا.
قال في المجموع: قال في البيان: والوضوء فيه كالغسل، وهو محمول - كما قاله شيخنا - على وضوء الجنب، وإنما كره ذلك لاختلاف العلماء في طهورية ذلك الماء، أو لشبهه بالمضاف إلى شئ لازم كماء الورد، فيقال: ماء عرق أو وسخ.
وينبغي أن يكون ذلك في
(فرع) لو اغتسل لجنابة ونحو جمعة بنيتهما حصلا، وإن كان الافضل إفراد كل بغسل، أو لاحدهما حصل فقط.
(ولو أحدث ثم أجنب كفى غسل واحد) وإن لم ينو معه الوضوء ولا رتب أعضاءه .. (فرع) يسن لجنب وحائض ونفساء بعد انقطاع دمهما غسل فرج ووضوء لنوم وأكل وشرب، ويكره فعل شئ من ذلك بلا وضوء.
وينبغي أن لا يزيلوا قبل الغسل شعرا أو ظفرا، وكذا دما، لان ذلك يرد في الآخرة جنبا.
(وجاز تكشف له) أي للغسل، (في خلوة) أو بحضرة من يجوز نظره إلى عورته كزوجة وأمة، والستر
ــ
غير المستبحر.
اه.
(قوله: في ماء راكد) متعلق بيغتسل.
(قوله: لم يستبحر) أي يصر كثيرا كالبحر.
(قوله: كنابع إلخ)
يحتمل أن الكاف لتمثيل الماء الراكد الذي يسن عدم الاغتسال فيه، ويحتمل أنها للتنظير بناء على أن المراد بالماء الراكد غير الجاري وغير النابع، وعلى كل يسن عدم الاغتسال فيه.
وقوله: غير جار صفة لنابع.
(قوله: لو اغتسل لجنابة) أي أو حيض أو نفاس.
وقوله: ونحو جمعة أي مع نحو جمعة، كعيد وكسوف واستسقاء.
وقوله: بنيتهما أي الجناية ونحو الجمعة.
وقوله: حصلا أي حصل غسلهما، كما لو نوى الفرض وتحية المسجد.
(قوله: وإن كان الأفضل إلخ) غاية للحصول.
وقوله: إفراد كل بغسل قال ع ش: قال في البحر: والأكمل أن يغتسل للجنابة ثم للجمعة، ذكره أصحابنا.
اه عميرة.
اه.
(قوله: أو لأحدهما) أي أو اغتسل لأحدهما فقط، كأن نوى الجنابة أو الجمعة.
وقوله: حصل فقط أي عملا بما نواه.
وإنما لم يندرج النفل في الفرض لأنه مقصود، فأشبه سنة الظهر مع فرضه.
(قوله: ولو أحدث) أي حدثا أصغر.
وقوله: ثم أجنب أي أو أجنب ثم أحدث أو أجنب وأحدث معا.
(قوله: كفى غسل واحد) أي عن الحدث والجنابة.
قال في النهاية: وقد نبه الرافعي على أن الغسل إنما يقع عن الجنابة، وأن الأصغر يضمحل معه، أي لا يبقى له حكم، فلذا عبر المصنف بقوله: كفى.
اه.
(قوله: وإن لم ينو معه) أي الغسل، وهو غاية للإكتفاء به.
قال ع ش: بل لو نفاه لم ينتف.
اه.
(قوله: ولا رتب أعضاءه) أي وإن لم يرتب أعضاء الوضوء، فهو غاية ثانية.
(قوله: بعد انقطاع دمهما) أي الحائض والنفساء.
(قوله: غسل فرج) نائب فاعل يسن.
وقوله: ووضوء أي إن وجد الماء، وإلا تيمم.
وهذا الوضوء كوضوء التجديد والوضوء لنحو القراءة، فلا بد فيه من نية معتبرة.
أفاده في التحفة.
(قوله: لنوم إلخ) متعلق بكل من غسل فرج وضوء.
وقوله: وشرب أي وجماع ثان أراده.
قال في التحفة: وينبغي أن يلحق بهذه الأربعة إرادة الذكر، أخذا من تيممه صلى الله عليه وسلم لرد سلام من سلم عليه جنبا.
اه.
(قوله: ويكره فعل شئ من ذلك) أي من النوم والأكل والشرب.
وقوله: بلا وضوء ظاهره أنه يكره ذلك ولو مع غسل الفرج، وليس كذلك، بل يكفي غسل الفرج في حصول أصل السنة، كما في التحفة.
ونصها: ويحصل أصل السنة بغسل الفرج إن أراد نحو جماع أو نوم أو أكل أو شرب، وإلا كره.
اه.
(قوله: وينبغي أن لا يزيلوا الخ) قال في الإحياء.
لا ينبغي أن يقلم أو يحلق أو يستحد أو يخرج دما أو يبين من نفسه جزءا وهو جنب، إذ يرد إليه سائر أجزائه في الآخرة فيعود جنبا.
ويقال: إن كل شعرة تطالب بجنابتها.
اه.
وقوله: ويقال إن كل شعرة الخ قال ع ش: فائدته التوبيخ واللوم يوم القيامة لفاعل ذلك.
وينبغي أن محل ذلك حيث قصر، كأن دخل وقت الصلاة ولم يغتسل، وإلا فلا، كأن فاجأه الموت.
اه.
(قوله: لأن ذلك) أي المذكور من الشعر أو الظفر أو الدم المزال حال الجنابة، أو الحيض أو النفاس.
وقوله: يرد في الآخرة جنبا قال ق ل:
وفي عود نحو الدم نظر، وكذا في غيره، لأن العائد هو الأجزاء التي مات عليها.
اه.
(قوله: وجاز) أي للمغتسل.
وقوله: تكشف أي عدم ستر عورته.
(قوله: في خلوة) أي في محل خال عن الذين يحرم عليهم نظر عورة المغتسل والذين يجوز لهم نظرها.
(قوله: أو بحضرة الخ) أي أو ليس في خلوة ولكن بحضرة من يجوز له أن ينظر إلى عورة المغتسل.
وقوله: كزوجة وأمة تمثيل لمن يجوز له ذلك.
(قوله: والستر) أي في الخلوة، أو بحضرة من يجوز له
أفضل.
وحرم إن كان ثم من يحرم نظره إليها، كما حرم في الخلوة بلا حاجة وحل فيها لادنى غرض، كما يأتي.
(وثانيها) أي ثاني شروط الصلاة.
(طهارة بدن) ومنه داخل الفم والانف والعين.
(وملبوس) وغيره من كل محمول له، وإن لم يتحرك بحركته.
(ومكان) يصلى فيه (عن نجس) غير معفو عنه، فلا تصح الصلاة معه، ولو
ــ
النظر.
وقوله: أفضل أي لقوله صلى الله عليه وسلم لبهز بن حكيم: احفظ عورتك من زوجتك أو ما ملكت يمينك.
قال: أرأيت إن كان أحدنا خاليا؟.
قال: الله أحق أن يستحيى منه من الناس.
فإن قيل: الله سبحانه وتعالى لا يحجب عنه شئ، فما فائدة الستر له؟ أجيب: بأن يرى متأدبا بين يدي خالقه ورازقه.
اه.
مغني.
ويسن لمن اغتسل عاريا أن يقول: باسم الله الذي لا إله إلا هو.
لأن ذلك ستر عن أعين الجن.
قال في التحفة: قال بعض الحفاظ: وأن يخط من يغتسل في فلاة ولم يجد ما يستتر به خطأ كالدائرة، ثم يسمي الله ويغتسل فيها، وإن لا يغتسل نصف النهار ولا عند العتمة، وأن لا يدخل الماء إلا بمئزره فإن أراد إلقاءه فبعد أن يستر الماء عورته.
اه.
(قوله: وحرم) أي التكشف.
وقوله: إن كان ثم أي في محل الغسل.
وقوله: من يحرم نظره إليها أي إلى عورته.
ولا فرق في حرمة ذلك حينئذ بين أن يغضوا أبصارهم أم لا.
ولا يكفي قوله لهم غضوا أبصاركم.
خلافا لمن قيدها بما إذا لم يغضوا أبصارهم.
(قوله: كما حرم) أي التكشف في الخلوة.
وقوله: بلا حاجة، هي كالغسل وتبرد وصيانة ثوب من الدنس.
(قوله: وحل) أي التكشف.
وقوله: فيها أي الخلوة.
وقوله: لأدنى غرض أي لأقل حاجة، وهي ما تقدم.
وقوله: كما يأتي أي في مبحث ستر العورة.
وعبارته هناك: فرع: يجب هذا الستر خارج الصلاة أيضا ولو بثوب نجس أو حرير لم يجد غيره، حتى في الخلوة.
لكن الواجب فيها ستر سوأتي الرجل وما بين سرة وركبة غيره، ويحوز كشفها في الخلوة - ولو من المسجد - لأدنى غرض كتبريد وصيانة ثوب من الدنس، والغبار عند كنس البيت، وكغسل.
اه.
(تتمة) لم يتعرض المصنف لمكروهات الغسل وشروطه، فمكروهاته هي مكروهات الوضوء، كالزيادة على الثلاث، والإسراف في الماء، وشروطه هي شروط الوضوء، كعدم المنافي وعدم الحائل، إلى غير ذلك.
ولا يسن تجديد الغسل لأنه لم ينقل ولما فيه من المشقة، بخلاف الوضوء.
ويباح للرجال دخول الحمام، ويجب عليهم غض البصر عما لا يحل لهم النظر إليه، وصون عوراتهم عن الكشف بحضرة من لا يحل له النظر إليها.
فقد روي أن الرجل إذا دخل الحمام عاريا لعنه ملكاه.
ويكره دخوله للنساء بلا عذر، لأن أمرهن مبني على المبالغة في الستر، ولما في خروجهن من الفتنة والشر، وقد ورد: ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله.
وينبغي لداخله أن يقصد التطهير والتنظيف لا التنزه والتنعم، وأن يتذكر بحرارته حرارة جهنم .. أعاذنا الله من النار، ووفقنا لمتابعة النبي المختار صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
(قوله: وثانيها) - مقابل قوله أول الباب أحدها - طهارة عن حدث وجنابة.
(قوله أي: ثاني شروط الصلاة) لو حذف لفظ ثاني وجعل ما بعده تفسيرا للضمير لكان أخصر.
(قوله: طهارة بدن) هو مرادف للجسم والجسد.
وقيل: إن البدن اسم لأعلى الشخص خاصة، أو الرأس والأطراف خاصة، وعلى هذا فالأولى التعبير بالجسم.
اه.
ش ق.
(قوله: ومنه) أي من البدن الذي تجب طهارته داخل الفم، فلو أكل متنجسا لم تصح صلاته ما لم يغسل فمه.
وقوله: والأنف والعين أي والأذن، وإنما لم يجب غسل ذلك في الجنابة لغلظ النجاسة.
(قوله: وملبوس) أي وطهارة ملبوس، كثوب ونحوه.
(قوله: وغيره) أي غير ملبوس كمنديل.
(قوله: من كل محمول) بيان للغير، أي أو ملاق للمحمول.
وقوله: له أي للمصلي.
(قوله: وإن لم يتحرك) أي المحمول.
وقوله: بحركته أي المصلي، وذلك كطرف ذيله أو كمه أو عمامته الطويل.
وفارق صحة سجوده على ما لم يتحرك بحركته بأن اجتناب النجاسة فيها شرع للتعظيم، وهذا ينافيه.
والمطلوب في السجود الاستقرار على غيره، والمقصود حاصل بذلك.
(قوله: ومكان يصلى فيه) أي وطهارة مكان يصلى فيه، ويستثنى منه ما لو كثر ذرق الطيور فيه، فإنه يعفى عنه في الفرش والأرض بشروط ثلاثة: أن لا يتعمد الوقوف عليه، وأن لا تكون رطوبة، وأن يشق الاحتراز عنه.
(قوله: عن نجس) متعلق بطهارة.
وقوله: غير معفو عنه اعلم أن النجس من حيث هو ينقسم أربعة أقسام: قسم لا يعفى عنه في الثوب والماء، كروث وبول.
وقسم يعفى عنه فيهما، كما لا يدركه الطرف.
وقسم يعفى عنه في
ناسيا أو جاهلا بوجوده، أو بكونه مبطلا، لقوله تعالى: * (وثيابك فطهر) * ولخبر الشيخين.
ولا يضر محاذاة نجس لبدنه، لكن تكره مع محاذاته، كاستقبال نجس أو متنجس.
والسقف كذلك إن قرب منه بحيث يعد محاذيا له عرفا.
(ولا يجب اجتناب النجس) في غير الصلاة، ومحله في غير التضمخ به في بدن أو ثوب، فهو حرام بلا حاجة، وهو شرعا مستقذر، يمنع صحة الصلاة حيث لا مرخص، فهو (كروث وبول ولو) كانا من طائر
ــ
الثوب دو ن الماء، كقليل الدم.
وفرق الروياني بينهما بأن الماء يمكن صونه بخلاف الثوب، وبأن غسل الثوب كل ساعة يقطعه بخلاف الماء.
وقسم يعفى عنه في الماء دون الثوب، كميتة لا دم لها سائل، وزبل الفيران التي في بيوت الا خلية.
(قوله: فلا تصح الخ) مفرع على مفهوم قوله: طهارة بدون إلخ.
وقوله: معه أي النجس المذكور في البدن والملبوس والمكان.
(قوله: ولو ناسيا أو جاهلا) غاية لعدم صحة الصلاة معه، أي لا تصح معه، ولو كان مع النسيان أو الجهل.
وذلك لأن الطهر عن النجس من قبيل الشروط، وهي من باب خطاب الوضع الذي لا يؤثر فيه الجهل أو النسيان.
قاله ابن حجر.
(قوله: بوجوده أو بكونه مبطلا) تنازعه كل من ناسيا أو جاهلا، والباء فيهما زائدة.
فلو صلى بنجس لم يعلمه أو علمه، ونسي ثم تذكر،
وجبت الإعادة لكل صلاة صلاها متيقنا فعلها مع ذلك النجس، بخلاف ما احتمل حدوثه بعده.
(قوله: لقوله تعالى إلخ) دليل لاشتراط الطهارة عن النجس.
وقوله: * (وثيابك فطهر) *) أي على القول بأن معناها الطهارة عن النجاسة، وإنما يتم الاستدلال به للطهارة في البدن بطريق القياس.
اه بجيرمي.
(قوله: ولخبر الشيخين) هو قوله صلى الله عليه وسلم: إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي.
ووجه الاستدلال به أن فيه الأمر باجتناب النجس، وهو لا يجب بغير تضمخ في غير الصلاة، فوجب فيها.
والأمر بالشئ يفيد النهي عن ضده، والنهي في العبادات يقتضي فسادها.
(قوله: ولا يضر) أي في صحة صلاته، لأنه غير حامل ولا ملاق للنجس.
وقيل: يضر، لأنه منسوب إليه لكونه مكان صلاته، فتعين طهارته كالذي يلاقيه.
وقوله: محاذاة نجس أي أو متنجس.
وقوله: لبدنه أي أو محموله.
(قوله: لكن تكره) أي الصلاة.
وقوله: مع محاذاته أي النجس.
(قوله: كاستقبال إلخ) مثال للمحاذاة التي تكره الصلاة معها.
وقوله: نجس أو متنجس أي كائنين أمامه في جهة القبلة.
قال في النهاية: وشمل كلامه ما لو صلى ماشيا وبين خطواته نجاسة.
قال بعضهم: وعموم كلامهم يتناول السقف، ولا قائل به.
ويرد بأنه تارة يقرب منه بحيث يعد محاذيا له عرفا، والكراهة حينئذ ظاهرة.
وتارة لا، فلا كراهة.
وعلم من ذلك كراهة صلاته بإزاء متنجس في إحدى جهاته إن قرب منه بحيث ينسب إليه، لا مطلقا كما هو ظاهر.
اه.
(قوله: والسقف كذلك) أي إذا كان نجسا أو متنجسا تكره محاذاته، لكن مع القرب منه لا مع البعد عنه بحيث لا يعد محاذيا له عرفا.
(قوله: ولا يجب اجتناب النجس في غير الصلاة) أي إذا كان لحاجة، بدليل التقييد بعد بقوله: ومحله إلخ، كأن بال ولم يجد شيئا يستنجي به فله تنشيف ذكره بيده ومسكه بها، وكمن ينزح الا خلية ونحوها، وكمن يذبح البهائم، وكمن احتاج إليه للتداوي كشرب بول الإبل لذلك، كما أمر صلى الله عليه وسلم به العرنيين.
فإن كان لغير حاجة وجب اجتنابه، لأن ما حرم ارتكابه وجب اجتنابه.
(قوله: ومحله) أي محل عدم وجوب اجتنابه.
(قوله: في غير التضمخ به) أي التلطخ بالنجس عمدا.
(قوله: أو ثوب) قال في التحفة: على تناقض فيه.
اه.
(قوله: فهو) أي التضمخ، والفاء للتعليل.
وقوله: بلا حاجة أما معها فلا يحرم، وقد علمتها.
(قوله: وهو) أي النجس.
وقوله: شرعا الخ وأما لغة: فهو كل مستقذر، ولو معنويا كالكبر والعجب، أو طاهرا كالمخاط والمني.
(قوله: مستقذر إلخ) عرفه بعضهم بقوله: هو كل عين حرم تناولها على الإطلاق حالة الاختيار مع سهولة التمييز، لا لحرمتها ولا لاستقذارها ولا لضررها في بدن
وسمك وجراد وما لا نفس له سائلة، أو (من مأكول) لحمه على الاصح.
قال الاصطخري والروياني من أئمتنا، كمالك وأحمد: إنهما طاهران من المأكول.
ولو راثت أو قاءت بهيمة حيا، فإن كان صلبا بحيث لو زرع نبت، فمتنجس يغسل ويؤكل، وإلا فنجس.
ولم يبينوا حكم غير الحب.
قال شيخنا: والذي يظهر أنه إن تغير عن حاله
ــ
أو عقل.
وقوله: على الإطلاق: خرج به ما يباح قليله ويحرم كثيره، كالبنج والأفيون والحشيشة وجوزة الطيب، فهو طاهر.
وقوله: حالة الاختيار: هو للإدخال لا للإخراج، لأن الاضطرار إنما أباح تناولها ولم يخرجها من النجاسة.
وقوله مع سهولة التمييز: هو للإدخال أيضا، لأن دون الفاكهة والجبن ونحوهما نجس وإن أبيح تناوله، لعسر تمييزه.
وقوله: لا لحرمتها: أي تعظيمها، خرج به لحم الآدمي فإنه طاهر، وحرمة تناوله لا لنجاسته بل لحرمته.
وقوله: ولا لاستقذارها: خرج به نحو المخالط فإنه طاهر أيضا، وحرمة تناوله لا لنجاسته بل لاستقذاره.
وقوله: ولا لضررها في بدن أو عقل: خرج به ما ضر بالبدن كالسميات، أو العقل كالأفيون والزعفران، فإنه طاهر وحرمة تناوله لا لنجاسته بل لضرره.
ونفي الاستقذار في هذا التعريف لا ينافي ثبوته في تعريف الشارح لأن المنفي الاستقذار اللغوي، والمثبت الاستقذار الشرعي.
على أن قولهم: لا لاستقذارها.
لا يقتضي أنها ليست مستقذرة، بل إن حرمة تناولها ليست لأجل استقذارها وإن كان ثابتا.
(قوله: يمنع صحة الصلاة) اعترض بأن هذا حكم، وهو لا يجوز دخوله في الحد لأنه يؤدي إلى الدور لتوقف معرفة المعرف - وهو النجس - على معرفة الحكم - وهو المنع من صحة الصلاة؟.
وأجيب: بأنه رسم لا حد، والممنوع أخذ الحكم في الحدود.
قال في السلم: وعندهم من جملة المردودأن دخل الأحكام في الحدود (قوله: حيث لا مرخص) أي موجود، وهذا القيد للإدخال، فيدخل المستنجي بالحجر فإنه يعفى عن أثر الاستنجاء وتصح إمامته، ومع ذلك محكوم على هذا الأثر بالتنجس إلا أنه عفي عنه.
ويدخل أيضا فاقد الطهورين إذا كان عليه نجاسة، فإنه يصلي لحرمة الوقت ولكن عليه الإعادة.
(قوله: فهو) أي النجس، والفاء فاء الفصيحة أفصحت عن شرط مقدر، فكأن سائلا سأل عن النجس ما هو؟ فقال: هو إلخ.
(قوله: كروث وبول) أي لما رواه البخاري: إنه صلى الله عليه وسلم لما جئ له بحجرين وروثة ليستنجي بها أخذ الحجرين ورد الروثة، وقال: هذا ركس والركس: النجس.
وللأمر بصب الماء على البول في خبر الأعرابي الذي بال في المسجد.
وقيس به سائر الأبوال واستثنى من ذلك فضلات النبي صلى الله عليه وسلم فهي طاهرة، كما جزم به البغوي، وصححه القاضي وغيره.
وقال ابن الرفعة: إنه الحق الذي أعتقده وألقى الله به.
قال الزركشي: وينبغي طرد الطهارة في فضلات سائر الأنبياء، والحصاة التي تخرج عقب البول إن تيقن انعقادها منه فهي نجسة وإلا فمتنجسة.
(قوله: ولو كانا) أي الروث والبول، والغاية للرد.
وقوله: من طائر أي مأكول، لما علمت أن الغاية للرد وهي لا تكون إلا فيه، لأنه إذا كان غير مأكول فلا خلاف فيه، وقد صرح بالقيد المذكور في النهاية.
(قوله: أو من مأكول) من ذكر العام بعد الخاص، إذ الطائر والسمك والجراد من المأكول.
ولو لم يذكر الغاية السابقة واستغنى بهذا لكان أولى وأخصر.
تأمل.
(قوله: قال الاصطخري الخ) هذا مقابل الأصح.
(قوله: أنهما) أي الروث والبول.
وهو بكسر الهمزة مقول القول.
(قوله:
فإن كان صلبا الخ) أي فإن كان الحب الذي راثته أو قاءته صلبا، أي جامدا صحيحا.
وعبارة النهاية: نعم، لو رجع منه حب صحيح صلابته باقية، بحيث لو زرع نبت، كان متنجسا لا نجسا.
ويحمل كلام من أطلق نجاسته على ما إذا لم يبق فيه تلك القوة، ومن أطلق كونه متنجسا على بقائها فيه، كما في نظيره من الروث.
اه.
(قوله: ولم يبينوا) أي الفقهاء.
وقوله: حكم غير الحب أي كالبيض واللوز والجوز ونحو ذلك، إذا قاءته البهيمة أو راثته.
قال في النهاية: وقياسه - أي الحب - في البيض لو خرج منه صحيحا بعد ابتلاعه بحيث تكون فيه قوة خروج الفرخ أن يكون متنجسا لا نجسا.
اه.
(قوله: قال شيخنا) أي في فتح الجواد.
واعلم أن قوله: ولو راثت، إلى قوله: وإلا فمتنجس.
عبارة فتح الجواد: خلافا لما يوهمه صنيعه.
قبل البلع ولو يسيرا فنجس، وإلا فمتنجس.
وفي المجموع عن شيخ نصر: العفو عن بول بقر الدياسة على الحب.
وعن الجويني: تشديد النكير على البحث عنه وتطهيره.
وبحث الفزاري العفو عن بعر الفأرة إذا وقع في مائع وعمت البلوى به.
وأما ما يوجد على ورق بعض الشجر كالرغوة فنجس، لانه يخرج من باطن بعض الديدان، كما شوهد ذلك وليس العنبر روثا، خلافا لمن زعمه، بل هو نبات في البحر.
(ومذي) بمعجمة، للامر بغسل الذكر منه، وهو ماء أبيض أو أصفر رقيق، يخرج غالبا عند ثوران الشهوة بغير شهوة قوية.
(وودي) بمهملة، وهو ماء أبيض كدر ثخين، يخرج غالبا عقب البول أو عند حمل شئ ثقيل.
(ودم) حتى ما بقي على نحو عظم، لكنه معفو عنه.
واستثنوا منه الكبد والطحال والمسك، أي ولو من ميت، إن انعقد.
والعلقة
ــ
(قوله: والذي يظهر أنه) أي غير الحب.
(قوله: إن تغير عن حاله قبل البلع) أي تغير عن صفته الكائنة قبل البلع.
(قوله: فنجس) أي فهو نجس.
(قوله: وإلا فمتنجس) أي وإن لم يتغير عن حاله فهو متنجس كالحب.
(قوله: العفو عن بول الخ) يعني أنه إذا بالت البقر على الحب حال دياستها عليه يعفى عن بولها للضرورة.
(قوله: وعن الجويني تشديد النكير) أي ونقل عن الجويني أنه شدد في النكير، أي أنكر إنكارا شديدا على البحث عن بول بقر الدياسة على الحب.
وهو مؤيد لما في المجموع.
وقوله: وتطهيره بالجر، عطف على البحث وضميره يعود على الحب الذي فيه بول ما ذكر.
أي وتشديد النكير على تطهير الحب عن بول ما ذكر، وذلك لما فيه من المشقة.
(قوله: إذا وقع) أي البعر، في مائع، أي ماء أو غيره.
(قوله: وعمت البلوى به) أي بوقوعه في المائع.
(قوله: وأما ما يوجد الخ) لم يذكر مقابلا لأما، فكان الأولى إسقاطها.
وقوله: كالرغوة الجار والمجرور حال من ما، أي حال كون الذي يوجد على الورق كائنا كالرغوة في البياض.
وقوله: فنجس انظر هل هو معفو عنه أم لا؟.
ومقتضى قوله الآتي أو بين أوراق شجر النارجيل الأول.
(قوله: بل هو نبات في البحر) قال في التحفة: فما تحقق منه أنه مبلوع متنجس لأنه متجمد غليظ لا يستحيل.
(قوله: ومذي) بالجر عطف على روث.
(قوله: للأمر بغسل الذكر منه) أي في خبر الشيخين في قصة سيدنا علي رضي الله عنه لما قال: كنت رجلا مذاء فاستحييت أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم لقرب ابنته مني، فأخبرت المغيرة، فقال: يغسل ذكره ويتوضأ.
(قوله: وهو) أي المذي.
وقوله: ماء أبيض أو أصفر رقيق قال ابن الصلاح: أنه يكون في الشتاء أبيض ثخينا وفي الصيف أصفر رقيقا، وربما لا يحس بخروجه وهو أغلب في النساء منه في الرجال، خصوصا عند هيجانهن.
(قوله: وودي) بالجر أيضا، عطف على روث.
(قوله: بمهملة) قال في التحفة: ويجوز إعجامها.
اه.
(قوله: عقب البول) أي حيث استمسكت الطبيعة.
(قوله: أو عند حمل شئ ثقيل) أي أو
يخرج عند حمل شئ ثقيل.
(قوله: ودم) بالجر أيضا، عطف على روث، فهو نجس ولو سال من سمك وكبد وطحال، لقوله تعالى: * (أو دما مسفوحا) * أي سائلا.
ولخبر: فاغسلي عنك الدم وصلي.
وخرج بالمسفوح في الآية الكبد والطحال فهما طاهران.
قال ع ش: وإن سحقا وصارا كالدم.
اه.
(قوله: حتى ما بقي على نحو عظم) أي حتى الدم الباقي على نحو عظم فإنه نجس.
وقيل: إنه طاهر.
وهو قضية كلام النووي في المجموع، وجرى عليه السبكي.
ويدل له من السنة قول عائشة رضي الله عنها: كنا نطبخ البرمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلوها الصفرة من الدم فيأكل ولا ينكره.
والمعتمد الأول لأنه دم مسفوح، ولا ينافيه ما تقدم من السنة، لأنه محمول على العفو عنه، ومعلوم أن العفو لا ينافي النجاسة.
(قوله: لكنه) أي ما بقي على نحو عظم.
وقوله: معفو عنه أي في الأكل، وإن اختلط بماء الطبخ وغيره وكان واردا على الماء.
نعم، إن لاقاه ماء لغسله اشترط زوال أوصافه قبل وضعه في القدر، فما يفعله الجزارون الآن من صب الماء على المذبح لإزالة الدم عنه مضر لعدم إزالة الأوصاف.
وقال ابن العماد في منظومته: والدم في اللحم معفو كذا نقلوا فقبل غسل فلا بأس بطبخته وشيخ شيراز لم يسمح بما نقلوا بل عد من واجب تطهير لحمته
والمضغة، ولبنا خرج بلون دم، ودم بيضة لم تفسد.
(وقيح) لانه دم مستحيل، وصديد: وهو ماء رقيق يخالطه دم، وكذا ماء جرح.
وجدري ونفط إن تغير، وإلا فماؤها طاهر (وقئ معدة) وإن لم يتغير، وهو الراجع بعد الوصول للمعدة ولو ماء، أما الراجع قبل الوصول إليها يقينا أو احتمالا فلا يكون نجسا ولا متنجسا، خلافا
ــ
(قوله: واستثنوا منه) أي من الدم.
(قوله: الكبد والطحال) أي لخبر الصحيحين: أحلت لنا ميتتان ودمان.
السمك والجراد، والكبد والطحال.
(قوله: والمسك) أي واستثنوا المسك، فإنه طاهر لخبر مسلم: المسك أطيب الطيب.
وقوله: ولو من ميت أي ولو انفصل من ظبي ميت، وهذا بخلاف فأرته، فإنها إن انفصلت من ميت فهي نجسة، وإن انفصلت من حي فهي طاهرة.
والتفصيل المذكور بين المسك وفأرته هو ما جرى عليه ابن حجر.
وجرى شيخ الإسلام في شرح الروض على أنه لا فرق بينهما، بل إن انفصلا في حال الحياة فهما طاهران وإلا فنجسان.
ونص عبارته وظاهر كلامه - كالأصل - أن المسك طاهر مطلقا، وجرى عليه الزركشي والأوجه أنه كالأنفحة جريا على الأصل في أن المبان من الميتة النجسة نجس.
اه.
ووافقه م ر على ذلك.
(قوله: إن انعقد) أي المسك، وتجسد.
(قوله: والعلقة) أي واستثنوا العلقة، وهي دم غليظ استحالت عن المني.
وقوله: والمضغة وهي لحمة صغيرة استحالت عن العلقة.
(قوله: ولبنا) أي واستثنوا لبنا فهو طاهر، ومحله إذا كان من مأكول أو من آدمي، فإن كان من غيره فهو نجس.
(قوله: ودم بيضة) أي واستثنوا دم بيضة.
وقوله: لم تفسد أي لم تصر مذرة بحيث لا تصلح للتفرخ، فإن فسدت فهو نجس.
وعبارة النهاية: ولو
استحالت البيضة دما وصلح للتخلق فطاهرة، وإلا فلا.
وقوله وإلا فلا، قال ع ش: من ذلك: البيض الذي يحصل من الحيوان بلا كبس ذكر، فإنه إذا صار دما كان نجسا لأنه لا يأتي منه حيوان.
اه ابن حجر بالمعنى.
اه.
وعبارة المغني: ولو استحالت البيضة دما فهي طاهرة على ما صححه المصنف في تنقيحه هنا، وصحح في شروط الصلاة منه.
وفي التحقيق وغيره أنها نجسة.
قال شيخنا: وهو ظاهر على القول بنجاسة مني غير الآدمي، وأما على غيره فالأوجه حمله على ما إذا لم يستحل حيوانا.
والأول على خلافه.
(فائدة) يقال مذرت البيضة - بالذال المعجمة - إذا والأول على خلافه فست.
وفي الحديث: شر النساء المذرة الوذرة.
أي الفاسدة التي لا تستحي عند الجماع.
اه.
والاستثناء في هذه المذكورات متصل، إذ الكبد والطحال دمان تجمد، أو المسك دم استحال طيبا، والعلقة والمضغة أصلهما، وهو المني دم مستحيل، واللبن أصله دم.
وإنما حكم عليها بالطهارة لأن الاستحالة تقتضي التطهر كالتخلل.
(قوله: وقيح) بالجر، عطف على روث، فهو نجس.
(قوله: لأنه دم مستحيل) لك أن تقول: كونه كذلك لا يقتضي نجاسته، بدليل المني واللبن.
إلا أن يجاب بأن المراد مستحيل إلى فساد لا إلى صلاح.
فتأمل.
سم بجيرمي.
(قوله: وصديد) بالجر، عطف على قيح أو على روث، فهو نجس.
(قوله: وهو) أي الصديد: ماء رقيق، أي ليس بثخين.
(قوله: وكذا ماء الخ) أي ومثل الصديد ماء جرح، وماء جدري، وماء نفط.
وقوله: إن تغير أي هو نجس إن تغير.
(قوله: وإلا) أي وإن لم يتغير.
وقوله: فماؤها طاهر الأولى: فهو طاهر، لأن المقام للإضمار.
وعبارة شرح الروض: فإن لم يتغير ماء القرح فطاهر كالعرق، خلافا للرافعي.
اه.
(قوله: وقئ معدة) بالجر، عطف على روث، فهو نجس.
ويستثنى منه الغسل بناء على أنه يخرج من فم النحل، وقيل: يخرج من دبرها، وعليه فهو مستثنى من الروث.
وقيل: يخرج من ثقتين تحت جناحها، وعليه فلا استثناء إلا بالنظر إلى أنه حينئذ كاللبن، وهو من غير المأكول نجس.
(قوله: وإن لم يتغير) أي وإن لم يخرج القئ متغيرا.
(قوله: ولو ماء) أي ولو كان ماء.
ولو فوق قلتين خلافا للأسنوي.
حيث ادعى أن الماء دون القلتين يكون متنجسا لا نجسا يطهر بالمكاثرة، قياسا على الحب.
بجيرمي.
(قوله: قبل الوصول إليها) أي المعدة.
(قوله: خلافا
للقفال.
وأفتى شيخنا أن الصبي إذا ابتلي بتتابع القئ عفي عن ثدي أمه الداخل في فيه، لا عن مقبله أو مماسه، وكمرة ولبن غير مأكول إلا الآدمي، وجرة نحو بعير.
أما المني فطاهر، خلافا لمالك.
وكذا بلغم غير
ــ
للقفال) أي القائل بأن ما رجع من الطعام قبل وصوله للمعدة متنجس.
وجرى الجمال الرملي في النهاية على أن ما جاوز مخرج الباطن - وهو الحاء المهملة - نجس وإن لم يصل إلى المعدة.
(قوله: وأفتى شيخنا أن الصبي إلخ) عبارة فتاويه: وسئل رضي
الله عنه: هل يعفى عما يصيب ثدي المرضعة من ريق الرضيع المتنجس بقئ أو ابتلاع نجاسة أم لا؟ فأجاب رضي الله عنه: ويعفى عن فم الصغير وإن تحققت نجاسته.
كما صرح به ابن الصلاح فقال: يعفى عما اتصل به شئ من أفواه الصبيان مع تحقق نجاستها.
وألحق بها غيرها من أفواه المجانين.
وجزم به الزركشي.
ويؤيد ذلك نقل المحب الطبري عن ابن الصباغ، واعتمد أنه يعفى عن جرة البعير فلا تنجس ما شربت منه، ويعفى عما يتطاير من ريقه المتنجس، وألحق به فم ما يجتر من ولد البقر والضأن إذا التقم أخلاف أمه، لمشقة الاحتراز عنه، سيما في حق المخالط لها.
ويؤيده ما في المجموع عن الشيخ أبي منصور أنه يعفى عما تحقق إصابة بول ثور الدياسة له.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
اه.
وإذا تأملت الجواب المذكور تجد فيه أنه لا فرق في العفو عن فم الصبي بين ثدي أمه الداخل في فيه وغيره من المقبل له، والمماس له، وليس فيه تخصيص بالثدي المذكور.
وسينقل الشارح عن ابن الصلاح ما يفيد العموم.
فهو موافق لجواب الفتاوي المذكور.
ويمكن أن يقال إن لشيخه فتوى غير هذه لم تقيد في الفتاوي.
(قوله: عفي إلخ) أي فلها أن تصلي به ولا تغسله.
وقوله: عن ثدي أمه هو صادق بغير الحلمة.
لكن قوله: الداخل في فيه يخصصه بها، إذ هي التي تدخل ففم الصبي لا غير.
(قوله: لا عن مقبله) هو بضم الميم وفتح القاف وتشديد الباء.
وقوله: أو مماسة من عطف العام على الخاص.
فلو قبل فم الصبي المبتلى بتتابع القئ، أو مسه، ولو من غير تقبيل، لا يعفى عنه فيجب غسله.
ونقل سم عن م ر أنه لو تنجس فم الصبي الصغير بنحو القئ، ولم يغب وتمكن من تطهيره، بل استمر معلوم التنجس، عفي عنه فيما يشق الاحتراز عنه، كالتقام ثدي أمه فلا يجب عليها غسله، وكتقبيله في فمه على وجه الشفقة مع الرطوبة فلا يلزم تطهير الفم.
اه.
(قوله: وكمرة) الأولى حذف الكاف لأنه معطوف على قئ معدة، أو على روث.
وهي بكسر الميم وتشديد الراء: ما في المرارة، أي الجلدة.
وخرج بما فيها نفسها فإنها متنجسة تطهر بالغسل فيجوز أكلها إن كانت من حيوان مأكول كالكرش - بفتح الكاف وكسر الراء: (قوله: ولبن غير مأكول) ولو من أتان، خلافا للأصطخري.
وفارق منيه وبيضه بأنهما أصل حيوان طاهر فكانا طاهرين مثله، واللبن مرباه، والأصل أقوى من المربى.
وخرج به المأكول لحمه فإنه طاهر، لقوله تعالى: * (لبنا خالصا سائغا للشاربين) *.
وقوله: إلا الآدمي أي فلبنه طاهر ولو من صغير ذكر ميت، لقوله تعالى: * (ولقد كرمنا بني آدم) * ولا يليق بكرامته أن يكون منشؤه نجسا، ولأنه أولى بالطهارة من المني.
(قوله: وجرة نحو بعير) وهي بكسر الجيم، ما يخرجه البعير ونحوه ليجتر عليه، أي ليأكله ثانيا.
وأما قلة البعير - وهي ما يخرجه من جانب فمه - فطاهرة لأنها من اللسان.
(قوله: أما المني فطاهر) الأولى: والمني طاهر، بحذف أما والفاء لعدم ذكر المقابل.
والمجمل وهو طاهر من كل حيوان ما عدا الكلب والخنزير والمتولد منهما، أما مني
الآدمي فلحديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تحك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يصلي فيه.
وأما مني غيره،
معدة من رأس أو صدر وماء سائل من فم نائم، ولو نتنا أو أصفر، ما لم يتحقق أنه من معدة، إلا ممن ابتلي به فيعفى عنه وإن كثر.
ورطوبة فرج، أي قبل على الاصح.
وهي ماء أبيض متردد بين المذي والعرق، يخرج
ــ
فلأنه أصل حيوان طاهر فأشبه مني الأدمي.
ومحل طهارة المني.
إن كان رأس الذكر والفرج الذي خرج منه المني طاهرا، وإلا كان متنجسا وحرم الجماع، كالمستنجي بالحجر إذا خرج منه مني فإنه يكون متنجسا، وكما إذا خرج منه مذي - كما هو الغالب من سبقه للمني - فإنه يتنجس به.
نعم، يعفى عمن ابتلي به بالنسبة للجماع، كما صرح به البجيرمي في باب النجاسة.
(قوله: خلافا للمالك) عبارة البجيرمي: وقال الإمام أبو حنيفة ومالك بنجاسة المني من الآدمي.
وقال الشافعي وأحمد إنه طاهر.
زاد الشافعي: وكذا مني كل حيوان طاهر.
وأما حكم التنزه عنه فيجب غسله عند مالك رطبا ويابسا.
وعند أبي حنيفة يغسل رطبا ويفرك يابسا كما ورد.
اه.
(قوله: وكذا بلغم غير معدة) أي فهو طاهر مثل المني بخلاف بلغم المعدة فإنه نجس.
(وقوله: من رأس أو صدر) بيان لغير المعدة.
(قوله: وماء سائل الخ) أي وكذا مثل المني ماء سائل فهو طاهر.
وقوله: من فم نائم هو ليس بقيد بل للغالب.
(قوله: ولو نتنا أو أصفر) أي ولو كان الماء السائل خرج نتنا أي له رائحة، أو خرج أصفر.
(وقوله: ما لم يتحقق أنه من معدة) بأن تحقق أنه من غيرها، أو شك فيه هل هو من المعدة أو غيرها؟.
لكن الأولى غسل ما يحتمل أنه منها.
فإن تحقق أنه منها فهو نجس.
وقوله: إلا ممن ابتلي به المراد بالابتلاء أن يكثر وجوده بحيث يقل خلوه عنه.
وقوله: فيعفى عنه أي في الثوب وغيره، ومثله من ابتلي بالقئ، فيعفى عنه في الثوب والبدن، كما في النهاية.
وقد ذكر ابن العماد ثلاثة أقوال فيما سال من فم النائم وهي: قيل: إنه طاهر مطلقا.
وقيل: إنه نجس مطلقا.
والثالث: التفصيل بين الخارج من المعدة والخارج من الفم.
وذكر أيضا ثلاثة أقوال في علامة الخارج من المعدة أو الفم، فقال: ومن إذا نام سال الماء من فمه مع التغير نجس في تتمته قال الجويني ما من بطنه نجس وطاهر ما جرى من ماء لهوته ونص كاف متى ما صفرة وجدت فإنه قد جرى من ماء معدته وقيل ما بطنه إن نام لازمه بأن يرى سائلا مع طول نومته والماء من لهوة بالعكس آيته من بله شفة جفت بريقته وبعضهم إن ينم والرأس مرتفع على الوساد فذا طاهر كريقته
وأنكر الطب كون البطن ترسله بو ليث الجنفي أفتى بطهرته وقد رأى عكسه تنجيسه المزني فبلغم عنده رجس كقيئته من دام هذا به مع قولنا نجس في حقه قد عفوا عنه كبثرته (قوله: ورطوبة فرج) معطوف على بلغم.
أي فهي طاهرة أيضا، سواء خرجت من آدمي أو من حيوان طاهر غيره.
من باطن الفرج الذي لا يجب غسله، بخلاف ما يخرج مما يجب غسله فإنه طاهر قطعا، وما يخرج من وراء باطن الفرج فإنه نجس قطعا، ككل خارج من الباطن، وكالماء الخارج مع الولد أو قبله، ولا فرق بين انفصالها وعدمه على المعتمد.
قال بعضهم: الفرق بين الرطوبة الطاهرة والنجسة الاتصال والانفصال.
فلو انفصلت، ففي الكفاية عن الامام أنها نجسة، ولا يجب غسل ذكر المجامع والبيض والولد.
وأفتى شيخنا بالعفو عن رطوبة الباسور لمبتلى بها، وكذا بيض غير مأكول، ويحل أكله على الاصح.
وشعر مأكول وريشه إذا أبين في
ــ
(قوله: على الأصح) مقابله أنها نجسة.
(قوله: وهي) أي رطوبة الفرج الطاهرة على الأصح.
(قوله: متردد بين المذي والعرق) أي ليس مذيا محضا ولا عرقا كذلك.
(قوله: الذي لا يجب غسله) خالف في ذلك الجمال الرملي، وقال: إنها إن خرجت من محل لا يجب غسله فهي نجسة، لأنها حينئذ رطوبة جوفية.
وحاصل ما ذكره الشارح فيها أنها ثلاثة أقسام: طاهرة قطعا، وهي ما تخرج مما يجب غسله في الاستنجاء، وهو ما يظهر عند جلوسها.
ونجسة قطعا، وهي ما تخرج من وراء باطن الفرج، وهو ما لا يصله ذكر المجامع.
وطاهرة على الأصح، وهي ما تخرج مما لا يجب غسله ويصله ذكر المجامع.
وهذا التفصيل هو ملخص ما في التحفة.
وقال العلامة الكردي: أطلق في شرحي الإرشاد نجاسة ما تحقق خروجه من الباطن، وفي شرح العباب بعد كلام طويل.
والحاصل أن الأوجه ما دل عليه كلام المجموع: أنها متى خرجت مما لا يجب غسله كانت نجسة.
اه.
وفي سم ما نصه: قال - أي في شرح العباب - وتردد ابن العماد في طهارة القصة البيضاء، وهي التي تخرج عقب انقطاع الحيض.
والظاهر أنه إن تحقق خروجها من باطن الفرج، أو أنها نحو دم متجمد، فنجسة وإلا فطاهرة.
اه.
وقوله: وتردد ابن العماد.
قال في نظمه للمعفوات: ترية لدماء الحيض معقبة في طهرها نظر تسمى بقصته قال في شرحه: وينبغي أن يقال إن قلنا بنجاسة رطوبة الفرج فهي نجسة، أو بطهارته فوجهان أصحهما طهارتها.
قال أحمد بن حنبل: سألت الشافعي رضي الله عنه عن القصة البيضاء فقال: هو شئ يتبع دم الحيض، فإذا رأته فهو طاهر.
(قوله: فإنه طاهر قطعا) قال في التحفة: القطع فيه وفيما بعده، ذكره الإمام واعترض بأن المنقول جريان الخلاف في الكل.
اه.
(قوله: ككل خارج من الباطن) أي فإنه نجس، ما عدا البيض والولد فإنهما طاهران، كما سيصرح به قريبا.
(قوله: وكالماء الخارج مع الولد) أي فإنه نجس.
وعطفه على ما قبله من عطف الخاص على العام.
وعبارة التحفة فيها إسقاط حرف العطف، وهو أولى، وعليه فيكون مثالا للخارج من الباطن.
(قوله: ولا فرق بين انفصالها وعدمه) أي لا فرق في التفصيل
المذكور بين انفصال رطوبة الفرج وعدمه.
فالانفصال ليس شرطا في الحكم عليها بأنها نجسة، وعدمه ليس شرطا في الحكم عليها بالطهارة، خلافا لبعضهم.
(قوله: قال بعضهم) مقابل المعتمد.
(قوله: فلو انفصلت) أي وإذا لم تنفصل فهي طاهرة.
وقوله: أنها نجسة قال سم: لأنها ليس لها قوة على الانفصال إلا إذا خرجت من الباطن فتكون نجسة.
اه.
(قوله: ولا يجب غسل ذكر المجامع الخ) أي من رطوبة الفرج، سواء كانت طاهرة أو نجسة، لأنها على الثاني يعفى عنها فلا تنجس ما ذكر، ولا تنجس أيضا مني المرأة.
قال ابن العماد: رطوبة الفرج من يحكي نجاستها قد قال في ولد يعفى وبيضته (قوله: وأفتى شيخنا بالعفو عن رطوبة الباسور) أي فهي نجسة معفو عنها، والمراد بها ما يخرج من دم ونحوه.
(قوله: وكذا بيض) معطوف على قوله وكذا بلغم.
أي فهو طاهر مثل المني.
وقوله: غير مأكول أي من حيوان طاهر.
وعبارة الروض وشرحه: والبيض المأخوذ من حيوان طاهر ولو من غير مأكول، وكذا المأخوذ من ميتة إن تصلب، وبزر قز، ومني غير الكلب والخنزير، طاهرة.
وخرج بما ذكر بيض الميتة غير المتصلب ومني الكلب وما بعده، وشمل إطلاقه البيض إذا استحال دما.
اه بحذف.
(قوله: ويحل أكله) قال في التحفة: ما لم يعلم ضرره.
(قوله: وشعر مأكول وريشه) معطوف على بيض.
أي فهما طاهران.
وقوله: إذا أبين أي أزيل كل منهما في حياته.
أي أو بعد تذكيته، سواء كان بالجز أو بالتناثر.
(قوله:
حياته.
ولو شك في شعر أو نحوه، أهو من مأكول أو غيره؟ أو هل انفصل من حي أو ميت؟ فهو طاهر، وقياسه أن العظم كذلك.
وبه صرح في الجواهر.
وبيض الميتة إن تصلب طاهر وإلا فنجس.
وسؤر كل حيوان طاهر طاهر، فلو تنجس فمه ثم ولغ في ماء قليل أو مائع، فإن كان بعد غيبة يمكن فيها طهارته بولوغه في ماء كثير أو جار لم ينجسه ولو هرا وإلا نجسه.
قال شيخنا - كالسيوطي، تبعا لبعض المتأخرين - إنه يعفى عن يسير عرفا،
ــ
وقياسه) أي الشعر ونحوه.
وقوله: إن العظم كذلك أي فإذا شك فيه، هل هو من المأكول المذكى أو من غيره فهو طاهر وإن كان مرميا، لجريان العادة برمي العظم الطاهر.
(قوله: وبيض الميتة الخ) الأنسب تقديم هذا وذكره بعد قوله وكذا بيض إلخ.
(قوله: وسؤر) بالهمزة، وتقلب واوا، بقية الشرب من ماء أو مائع، وهو مبتدأ خبره طاهر الثاني.
وقوله: حيوان طاهر احترز به عن سؤر الحيوان النجس، وهو الكلب والخنزير، فإنه نج س.
(قوله: فلو تنجس فمه) أي الحيوان الطاهر.
قال الكردي في شرح العباب: الفم مثال، فمثله غيره من أجزائه.
بل الوجه أن نحو يد الآدمي كذلك، ولا نظر لإمكان سؤاله ولا لكونه مما يعتاد الوضوء أم لا، خلافا للزركشي إلخ.
وعبر في التحفة بقوله: ولو تنجس آدمي أو حيوان طاهر.
اه.
(قوله: ثم ولغ) بفتح اللام وكسرها، وبفتحها في المضارع والمصدر، ولغا ولوغا.
ويقال: أولفه صاحبه.
والولوغ أخذ الماء بطرف اللسان لا بغيره من بقية الجوارح، ويكون للكلب والسباع كالهرة، ولا يكون لشئ من الطيور إلا الذباب - بموحدتين - ويقال: لحس الكلب الإناء إذا كان فارغا، فإن كان فيه شئ قيل: ولغ.
وبين الولوغ والشرب عموم
وخصوص مطلق، فكل ولوغ شرب ولا عكس، إذ الولوغ خاص باللسان من الكلب والسباع والذباب - كما مر - بخلاف الشرب.
ويقال: ولغ الكلب شرابنا وفي شرابنا، فيتعدى بنفسه وبحرف الجر.
اه ش ق.
(قوله: أو مائع) أي وإن كثر.
(قوله: فإن كان الخ) جواب لو.
أي ففي ذلك تفصيل.
فإن كان ولوغه فيما ذكر بعد غيبة يحتمل فيها عادة طهارة فمه بولوغه في ماء كثير لم ينجسه، وإلا نجسه.
(قوله: أو جار) قد تقدم أن حكم الجاري كحكم الراكد في القلة والكثرة، وإذا كان كذلك فلا بد من تقييده بكونه كثيرا أيضا.
والأولى إسقاطه لاندراجه فيما قبله.
(قوله: لم ينجسه) أي مع حكمنا بنجاسة فمه، لأن الأصل نجاسته وطهارة الماء.
وقد اعتضد أصل طهارة الماء باحتمال ولوغه في ماء كثير في الغيبة فرجح.
(قوله: ولو هرا) أي ولو كان الذي ولغ فيما ذكر هرا فإنه لا ينجسه.
والغاية للرد.
قال في التحفة: والنزاع في الهرة بأن ما تأخذه بلسانها قليل لا يطهر فمها، يرده أنه تكرر الأخذ به عند شربها فينجذب إلى جوانب فمها ويطهر جميعه.
(قوله: وإلا نجسه) أي وإن لم يكن ولوغه فيما ذكر بعد غيبة يمكن فيها ذلك، بأن لم تغب أصلا أو غابت غيبة لا يمكن فيها ذلك، نجسه.
وإلى ذلك كله أشار ابن العماد بقوله: قليل دخ وشعر والغبار وما بفم قط أتى من بعد غيبته وشربه ممكن من ما جرى بقوى أو راكد رامه في حد كثرته إن هرة أكلت من كلبة وغدت فاشرط لها غيبة والما بكدرته
من شعر نجس من غير مغلظ، ومن دخان نجاسة، وما على رجل ذباب، وإن رؤي، وما على منفذ غير آدمي مما خرج منه، وذرق طير وما على فمه، وروث ما نشؤه من الماء أو بين أوراق شجر النارجيل التي تستر بها
ــ
تتمة كقطاط إن يغب سبع وفي البسيط رأى تقييد خلطته كالهر إن أكل المجنون ثم أتى من بعد غيب على أحوال جنته دجاجة خليت ترعى نجاستها في غالب مثلوا أيضا بوزته قولان للأصبحي فيها إذا وردت على الطعام نشا من خوف ضيعته وعندنا إن تغب من بعد ما أكلت نجاسة فلها أحكام قطته فم الطيور كذا وابن الصلاح رأى فم الصبي كذا عفوا بريقته من أجل ذا قبلة في الفم ما منعت قطعا وما نجسوا بزا برضعته وقوله.
مما جرى: أي من ماء جار بقوة.
وقوله تقييد خلطته: أي الحيوان بالناس، فلا يعفى عنده عن السبع
ونحوه لانتفاء مخالطته.
وقوله: للأصبحي: أي للإمام مالك بن أنس الأصبحي.
وقوله: وعندنا إن تغب إلخ: هذا ضعيف، والمعتمد العفو مطلقا وإن لم تغب أصلا، لأنه يشق الاحتراز عنه.
وقوله: فم الطيور كذا: أي كفم الدجاجة أيضا.
والمعتمد العفو مطلقا.
نص على ذلك كله الشيخ الجمل في حواشيه على شرح النظم المذكور.
(قوله: إنه يعفى عن يسير - عرفا - من شعر نجس) ويعفى أيضا عن كثيره في حق القصاص والراكب لمشقة الاحتراز عنه.
(قوله: من غير مغلظ) أما هو فلا يعفى عنه منه وإن احتاج إلى ركوبه لغلظ أمره وندرة وقوع مثله.
اه ع ش.
(قوله: ومن دخان نجاسة) معطوف على قوله من شعر نجس.
أي: ويعفى عن يسير - عرفا - من دخان النجاسة، وهو المتصاعد منها بواسطة نار، ولو من بخور يوضع على نحو سرجين.
ومنه ما جرت به العادة في الحمامات، فهو نجس لأنه من أجزاء النجاسة تفصله النار منها لقوتها.
ويعفى عن يسيره بشرط أن لا توجد رطوبة في المحل وأن لا يكون بفعله، وإلا فلا يعفى مطلقا لتنزيلهم الدخان منزلة العين.
وخرج بدخان النجاسة بخارها، وهو المتصاعد منها لا بواسطة نار، فهو طاهر.
ومنه الريح الخارج من الكنف أو من الدبر فهو طاهر، فلو ملأ منه قربة حملها على ظهره وصلى بها صحت صلاته.
(قوله: وعما على رجل ذباب) أي ويعفى عن النجس الذي على رجل الذباب في الماء وغيره.
فهو معطوف على قوله: عن يسير عرفا.
(وقوله: وإن رؤي) أي يعفى عنه مطلقا سواء رؤي أم لم ير.
فإن قيل: كيف يتصور العلم به وهو لم ير؟ أجيب بأنه يمكن تصويره بما إذا عفى الذباب على نجس رطب ثم وقع على شئ فإنه لا ينجس.
ويمكن تصويره أيضا بما إذا رآه قوي البصر، والمنفي رؤية البصر المعتدل.
(قوله: وما على منفذ غير آدمي) أي ويعفى عما على منفذه من النجاسة فإذا وقع في الماء لا ينجسه، بخلاف ما على منفذ الآدمي فإنه لا يعفى عنه.
(قوله: وذرق طير) أي ويعفى عن ذرق طير بالنسبة للمكان فقط بالشروط المارة.
قال ابن العماد في منظومته: وروث طير على حصر المساجد ما في العفو عنه خلاف من مشقته كذا النواوي وابن العيد قد نقلا إطباقهم كأبي إسحاق قدوته قال النواوي لا إن عامدا وطئت أي في الطواف لساع في نسيكته
البيوت عن المفطر حيث يعسر صون الماء عنه.
قال جمع: وكذا ما تلقيه الفئران من الروث في حياض الا خلية إذا عم الابتلاء به، ويؤيده بحث الفزاري، وشرط ذلك كله إذا كان في الماء أن لا يغير.
انتهى.
والزباد طاهر،
ويعفى عن قليل شعره كالثلاث.
كذا أطلقوه ولم يبينوا أن المراد القليل في المأخوذ للاستعمال أو في الاناء المأخوذ منه.
قال شيخنا: والذي يتجه الاول إن كان جامدا، لان العبرة فيه بمحل النجاسة فقط، فإن كثرت في محل واحد لم يعف عنه، وإلا عفي، بخلاف المائع فإن جميعه كالشئ الواحد.
فإن قل الشعر فيه عفي عنه وإلا فلا، ولا نظر للمأخوذ حينئذ.
ونقل المحب الطبري عن ابن الصباغ واعتمده، أنه يعفى عن جرة البعير ونحوه فلا ينجس ما شرب منه، وألحق به فم ما يجتر من ولد البقرة والضأن إذا التقم أخلاف أمه.
وقال ابن
ــ
(قوله: وما على فمه) أي ويعفى عما على فم الطير من النجاسة إذا نزل في الماء وشرب منه.
(قوله: وروث ما نشؤه من الماء) أي ويعفى عن روث ما نشؤه من الماء كالعلق.
(قوله: أو بين أوراق إلخ) أي ويعفى عن روث ما نشؤه بين أوراق
شجر النارجيل، أي ونحوها من بقية الأشجار.
(قوله: حيث يعسر) متعلق بيعفى المقدر، أي ويعفى عنه حيث يعسر إلخ.
وقوله: عنه أي عن روث ما نشؤه بين أوراق شجر النارجيل.
(قوله: وكذا ما تلقيه الخ) أي وكذا يعفى عما تلقيه الفيران إلخ.
وعبارة البجيرمي: (فرع) ما تلقيه الفئران في بيوت الا خلية يرجع فيه للعرف، فما عده العرف قليلا عفي عنه، وما لا فلا ومحله، إذا لم يتغير أحد أوصاف الماء وإلا فلا عفو، وإذا شككنا في أنه من الفئران أو من غيرهم، فالأصل إلقاء الفئران.
والفئران بالهمز، كما في القاموس.
اه.
(قوله: ويؤيده) أي ما قاله جمع.
وقوله: بحث الفزاري أي المار.
(قوله: وشرط ذلك كله) أي وشرط العفو في ذلك كله، من الشعر النجس وما بعده.
وقوله: إذا كان في الماء فإن كان في غيره شرط أن لا يكون بفعله أن لا يكون ثم رطوبة كما مر.
وقوله: أن لا يغير أي وأن يكون من غير مغلظ، وأن لا يكون بفعله فيما يتصور فيه ذلك.
(قوله: والزباد طاهر) قال في التحفة: هو لبن مأكول بحري - كما في الحاوي - ريحه كالمسك وبياضه بياض اللبن، فهو طاهر.
أو عرق سنور بري - كما هو المعروف المشاهد - وهو كذلك عندنا.
اه.
(قوله: ويعفى عن قليل شعره) أي الزباد.
وهذا على أنه عرق سنور بري، وأما على أنه لبن مأكول بحري فهو طاهر.
(قوله: كذا أطلقوه) أي العفو عن قليل الشعر.
(وقوله: ولم يبينوا إلخ) بيان للإطلاق.
(قوله: أن المراد) أي بقليل الشعر المعفو عنه.
(قوله: القليل في المأخوذ) أي الشعر القليل الكائن في الزباد الذي يؤخذ لاستعماله.
(قوله: أو في الإناء) أي أو المراد القليل في إناء الزباد الذي يؤخذ ذلك الزباد.
منه.
(قوله: والذي يتجه الأول) أي أن المراد القليل في المأخوذ للاستعمال.
وقوله: إن كان أي الزباد، جامدا.
(قوله: لأن العبرة فيه) أي في الجامد.
وقوله: بمحل النجاسة أي كائنة بمحل النجاسة فقط.
بدليل الحديث الوارد في الفأرة الواقعة في إناء السمن حيث قال عليه السلام: ألقوها وما حولها.
(قوله: فإن كثرت) أي النجاسة.
وهو مفرع على كون العبرة في الجامد بمحل النجاسة أعم من أن تكون الشعر أو غيره.
وقوله: في محل واحد أي من الجامد.
(قوله: لم يعف عنه) أي عن ذلك المحل الذي كثرت النجاسة فيه.
(قوله: وإلا عفي) أي وإن لم تكثر فيه عفي عنه.
(قوله: بخلاف المائع) أي الزباد المائع.
وهو مقابل قوله: إن كان جامدا.
(قوله: فإن جميعه) أي جميع أجزاء المائع كالشئ الواحد.
(قوله: فإن قل الشعر فيه) أي في المائع.
وقوله: عفي عنه أي عن ذلك المائع الذي فيه الشعر القليل فيجوز استعماله.
(قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يقل الشعر فيه فلا يعفى عنه.
(قوله: ولا نظر للمأخوذ) أي فقط، بل النظر لجميع ما في الإناء.
وقوله: حينئذ أي حين إذ كان
مائعا.
(قوله: يعفى عن جرة البعير) هي بكسر الجيم: ما تخرجه الإبل من كرشها فتجتره.
وهي في الأصل نفس المعدة، ثم توسعوا فيها حتى أطلقوها على ما في المعدة.
كذا قاله الأزهري.
وقوله: ونحوه أي نحو البعير، من كل ما يجتر من الحيوانات.
(قوله: فلا ينجس ما شرب منه) أي مع الحكم بنجاسة فمه بالجرة.
قال في النهاية: ويعفى عما تطاير من ريقه
الصلاح: يعفى عما اتصل به شئ من أفواه الصبيان مع تحقق نجاستها، وألحق غيره بهم أفواه المجانين.
وجزم به الزركشي.
(وكميتة) ولو نحو ذباب مما لا نفس له سائلة، خلافا للقفال ومن تبعه في قوله بطهارته لعدم الدم المتعفن، كمالك وأبي حنيفة.
فالميتة نجسة وإن لم يسل دمها، وكذا شعرها وعظمها وقرنها، خلافا لابي حنيفة، إذا لم يكن عليها دسم.
وأفتى الحافظ ابن حجر العسقلاني بصحة الصلاة إذا حمل المصلي ميتة ذباب إن كان في محل يشق الاحتراز عنه.
(غير بشر وسمك وجراد) لحل تناول الاخيرين.
وأما الآدمي فلقوله تعالى:
ــ
المتنجس.
(قوله: وألحق به) أي بالبعير، ولا حاجة إليه بعد قوله: ونحوه.
إذ المراد به كل ما يجتر، فيشمل ولد البقر والضأن وغيره.
(قوله: إذا التقم أخلاف أمه) أي ثدي أمه.
ومثله إذا التقم غير ثدي أمه، كما في النهاية.
(قوله: وقال ابن الصلاح الخ) قد علمت أن هذا موافق للفتوى المارة فلا تغفل.
(قوله: مع تحقق نجاستها) أي الأفواه، بقئ ونحوه.
(قوله: وألحق غيره) أي غير ابن الصلاح.
(وقوله: بهم) أي بالصبيان.
أي بأفواههم.
ولو قال بها - بضمير المؤنث العائد على الأفواه - كسابقه لكان أولى.
(وقوله: أفواه المجانين) أي إذا تحقق نجاستها، فيعفى عما اتصل بها.
(قوله: وجزم به) أي بالإلحاق المذكور.
(قوله: وكميتة) معطوف على قوله: كروث.
وهي ما زالت حياتها لا بذكاة شرعية، فيدخل ما مات حتف أنفه من مأكول وغيره، وما ذكي من غير المأكول، وما ذكي منه مع فقد بعض الشروط.
قال تعالى: * (حرمت عليكم الميتة) * وتحريم ما ليس بمحترم ولا ضرر فيه يدل على نجاسته.
اه فشني.
(قوله: ولو نحو ذباب) أي ولو كانت الميتة نحو ذباب.
والغاية للرد.
وقوله: مما الخ بيان لنحو.
وقوله: لا نفس له سائلة أي لا دم له سائل عند شق عضو منه، وذلك كنمل وعقرب وزنبور - وهو الدبور - ووزغ وقمل وبرغوث.
(قوله: بطهارته) أي ما لا نفس له سائلة.
(قوله: لعدم الدم المتعفن) أي وإنما حكم بطهارته لعدم وجود المتعفن فيها.
(قوله: كمالك وأبي حنيفة) أي فإنهما قائلان بطهارة ما لا نفس له سائلة، فالقفال موافق لهما.
(قوله: فالميتة نجسة وإن لم يسل دمها) تصريح بما علم من عطف قوله وكميتة على كروث، ولو حذفه ما ضره.
(قوله: وكذا شعرها وعظمها وقرنها) الضمائر تعود على الميتة.
أي فهي نجسة، لأنها أجزاؤها، إذ كل منها تحله الحياة فتتبعها نجاسة وطهارة.
(قوله: خلافا لأبي حنيفة، إذا لم يكن عليها دسم) مفاد عبارته أنه رضي الله عنه يقول بطهارتها إذا لم يكن عليها دسم، فإن كان عليها ذلك فهي نجسة.
والدسم طاهر فيما عدا الشعر.
(قوله: إذا حمل المصلي ميتة ذباب) أي فهي نجسة معفو عنها بالشرط الذي ذكره.
(وقوله: يشق الاحتراز عنه) أي عن الذباب، بأن كثر جدا في ذلك المحل الذي صلى فيه.
وتقدم في مبحث الماء المطلق أنه لا ينجس بوقوع ميتة لا دم لها سائل إلا إن تغير، ولا بما كان نشؤه من الماء.
(قوله: غير بشر) إن أعرب صفة لميتة احتيج إلى تقدير مضاف، أي غير ميتة بشر إلخ.
وإن أعرب مضافا إليه لم يحتج إلى ذلك.
والأول هو الذي يظهر من حل الشارح.
قال ش ق: وكالبشر الجن والملك، بناء على الصحيح من أن كلا منهما أجسام لها ميتة، فهي طاهرة.
أما الجن: فلتكليفهم بشرعنا، وإن لم نعلم تفصيل أحكامهم.
وأما الملائكة: فلشرفهم.
اه.
(قوله: لحل تناول الأخيرين) أي السمك والجراد، لقوله صلى الله عليه وسلم: أحلت لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد، والكبد والطحال.
وقوله صلى الله عليه وسلم في البحر: هو الطهور ماؤه الحل ميتة.
ولا يحل إلا الطاهر.
والمراد بالسمك كل ما لا يعيش في البر من حيوان البحر.
قال العمريطي في نظم التحرير: وكل ما في البحر من حي يحل وإن طفا أو مات أو فيه قتل فإن يعش في البر أيضا فامنع كالسرطان مطلقا والضفدع وقوله: وإن طفا: أي علا.
اه بجيرمي.
* (ولقد كرمنا بني آدم) * وقضية التكريم أن لا يحكم بنجاستهم بالموت.
وغير صيد لم تدرك ذكاته، وجنين مذكاة مات بذكاتها.
ويحل أكل دود مأكول معه، ولا يجب غسل نحو الفم منه.
ونقل في الجواهر عن الاصحاب: لا يجوز أكل سمك ملح ولم ينزع ما في جوفه، أي من المستقذرات.
وظاهره: لا فرق بين كبيره وصغيره.
لكن ذكر الشيخان جواز أكل الصغير مع ما في جوفه لعسر تنقية ما فيه.
(وكمسكر) أي صالح للاسكار، فدخلت القطرة من المسكر.
(مائع) كخمر، وهي المتخذة من العنب، ونبيذ، وهو المتخذ من غيره.
ــ
(قوله: وأما الآدمي إلخ) المناسب لما قبله أن يقول: ولقوله تعالى: * (ولقد كرمنا بني آدم) * في الأول.
(قوله: ولقد كرمنا بني آدم) قال ابن عباس رضي الله عنهما: بأن جعلهم يأكلون بالأيدي وغيرهم يأكل بفيه من الأرض.
وقيل: بالعقل.
وقيل: بالنطق والتمييز والفهم.
وقيل: باعتدال القامة.
وقيل: بحسن الصورة.
وقيل: الرجال باللحى والنساء بالذوائب.
وقيل: بتسليطهم على جميع ما في الأرض وتسخيره لهم.
وقيل: بحسن تدبيرهم أمر المعاش.
اه.
(قوله: وقضية التكريم إلخ) سواء في ذلك المسلم وغيره.
وأما قوله تعالى: * (إنما المشركون نجس) * فالمراد به نجاسة الاعتقاد، أي إنما اعتقاد المشركين كالنجاسة في وجوب الاجتناب.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: لا تنجسوا موتاكم، فإن المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا فجرى على الغالب.
أي لأنه كان صلى الله عليه وسلم عند ذكر الأحكام لا يذكر إلا المسلمين في الغالب، وإن كان الكفار قد يشاركونهم في الحكم.
وعند الإمام مالك وأبي حنيفة رضي الله عنهما: ميتة الآدمي نجسة إلا الأنبياء والشهداء، وتطهر بالغسل.
(قوله: وغير صيد) بالجر، عطف على غير بشر.
وقوله لم تدرك ذكاته أي بأن مات بالجارحة أو بالضغطة، فهو طاهر لأن ذكاته بذلك.
ففي الصحيحين: إذا أرسلت كلبك وسميت وأمسك وقتل فكل، وإن أكل فلا تأكل فإنما أمسك لنفسه ومثل الصيد البعير الناد الميت بالسهم لأن ذلك ذكاة شرعية له.
وخرج بذلك ما إذا أدركت ذكاته فلم يذك فإنه نجس.
وقوله: وجنين مذكاة معطوف على صيد.
أي فهو طاهر، لقوله صلى الله عليه وسلم: ذكاة الجنين ذكاة أمه.
وقوله: مات بذكاتها خرج به ما إذا لم يمت بذكاتها بأن خرج حيا حياة مستقرة ثم مات من غير ذبح فهو نجس.
(قوله: ويحل أكل دود مأكول) أي كدود التفاح وسائر الفواكه
ودود الخل، فميتته وإن كانت نجسة لكنها لا تنجس ما ذكر، لعسر الاحتراز عنه.
وحل أكله لعسر تمييزه.
(قوله: ولا يجب غسل نحو الفم منه) أي لأنه لا يتنجس به.
(قوله: لا يجوز أكل إلخ) مفعول نقل، أي: نقل هذا اللفظ.
وقوله: أي من المستقذرات بيان لما.
(قوله: وظاهره) أي ظاهر ما نقله في الجواهر.
وقوله: لا فرق أي في عدم الجواز.
وقوله: بين كبيره أي السمك.
(قوله: لكن ذكر الشيخان جواز أكل الصغير إلخ) وألحق في الروضة الجراد بذلك.
وقوله: مع ما في جوفه قال البجيرمي: وإن كان الأصح نجاسته.
(قوله: وكمسكر) معطوف أيضا على كروث.
وانظر ما فائدة إعادة الكاف فيه وفيما قبله وفيما بعده، ثم ظهر أنه لما كان النجس أنواعا، كل نوع غير الآخر - فما خرج من الجوف كالروث والبول نوع، والميتة نوع، والمسكر نوع - ناسب أن يفصل كل نوع عن الآخر بحرف الجر.
(قوله: فدخلت القطرة من المسكر) أي في المسكر.
فمن بمعنى في.
قال ابن قاسم: في هذا التفريع نظر لأن القطرة لا تصلح للإسكار، فكان الوجه أن يزاد عقب قوله صالح للإسكار قوله ولو بانضمامه لمثله.
أو يقول: مسكر ولو باعتبار نوعه.
اه.
(قوله: مائع) صفة لمسكر.
وفي الوصف به إشارة إلى أن المراد بالمسكر هنا المغطي للعقل لا ذو الشدة المطربة، وإلا لم يحتج للوصف المذكور لأن ما فيه شدة مطربة
وخرج بالمائع نحو البنج والحشيش.
وتطهر خمر تخللت بنفسها من غير مصاحبة عين أجنبية لها وإن لم تؤثر في التخليل كحصاة.
ويتبعها في الطهارة الدن، وإن تشرب منها أو غلت فيه وارتفعت بسبب الغليان ثم نزلت، أما إذا ارتفعت بلا غليان بل بفعل فاعل فلا تطهر، وإن غمر المرتفع قبل جفافه أو بعده بخمر أخرى - على الاوجه.
كما جزم به شيخنا.
والذي اعتمده شيخنا المحقق عبد الرحمن بن زياد أنها تطهر إن غمر المرتفع قبل الجفاف
لا بعده.
ثم قال: لو صب خمر في إناء ثم أخرجت منه، وصب فيه خمر أخرى بعد جفاف الاناء وقبل غسله لم
ــ
لا يكون إلا مائعا.
وفي البجيرمي نقلا عن م ر ما نصه: العبرة بكونه مائعا أو جامدا بحالة الإسكار، فالجامد حال إسكاره طاهر، والمائع حال إسكاره نجس وإن كان في أصله جامدا.
اه.
(قوله: وهي المتخذة الخ) أي إن الخمر هي المتخذة من عصير العنب، وهذا باعتبار حقيقتها اللغوية.
وأما باعتبار حقيقتها الشرعية فهي كل مسكر، ولو من نبيذ التمر أو القصب أو العسل أو غيرها، لخبر: كل مسكر خمر وكل خمر حرام.
(قوله: ونبيذ) أي وكبوظة حيث وجد فيها شدة مطربة.
(قوله: وهو) أي النبيذ.
(وقوله: المتخذ من غيره) أي غير العنب كالزبيب.
(قوله: وخرج بالمائع نحو البنج والحشيش) أي والأفيون وجوزة الطيب والعنبر والزعفران، فهذه كلها طاهرة لأنها جامدة، وإن كان يحرم تناول القدر المسكر منها.
(قوله: وتطهر خمر الخ) أي فهو مستثنى من قولهم ولا يطهر نجس العين.
وإنما طهرت بالتخلل لأن علة النجاسة والتحريم الإسكار، وقد زال، ولحل اتخاذ الخل - إجماعا - هو مسبوق بالتخمر غالبا.
فلو لم يطهر لتعذر حله وحرم اتخاذه.
وقد يصير العصير خلا من غير أن يسبقه تخمر في ثلاث صور.
إحداها: أن يصب في الدن المعتق بالخل فينقلب خلا.
ثانيتها: أن يصب عليه خل أكثر منه، أو مساو له، فيصير الجميع خلا.
ثالثتها: أن تجرد حبات العنب من عناقيده ويملأ الدن منه ويطين رأسه.
(قوله: من غير مصاحبة عين أجنبية لها) تفسير لتخللها بنفسها.
فلو أتى بأي التفسيرية لكان أوضح.
وخرج بذلك ما إذا تخللت بمصاحبتها فلا تطهر - لأن من استعجل بشئ قبل أوانه عوقب بحرمانه - غالبا، سواء كانت لها دخل في التخلل كبصل وخبز حار، أم لا كحصاة.
ولا فرق بين ما قبل التخمر وما بعده، ولا بين أن تكون العين طاهرة أو نجسة.
نعم، إن كانت طاهرة ونزعت منها قبل التخلل طهرت، أما النجسة فلا وإن نزعت قبل التخلل، لأن النجس يقبل التنجيس، واحترز بالأجنبية عن غيرها فيعفى عنه ولا تنجس به، كحبات العناقيد.
قال العلامة الكردي: يعفى عن حبات العناقيد ونوى التمر وثفله وشماريخ العناقيد على المنقول، وفاقا لحجر وخلافا لشيخ الإسلام وم ر والخطيب.
اه.
(قوله: وإن لم تؤثر إلخ) غاية للعين المشترط عدم مصاحبتها للخمر.
(قوله: ويتبعها في الطهارة الدن) أي ويتبع الخمر المتخللة في الطهارة إناؤها لئلا يعود عليها بالتنجيس فلا يكون لنا خل متخذ من خمر طاهر.
أو بحث في ذلك بأن كان يكفي أن يعفى عنه للضرورة، لأنه لا وجه لطهارة الدن فإنه لا يؤثر فيه الاستحالة كما لا يخفى.
(قوله: وإن تشرب) أي يطهر الدن تبعا وإن تشرب من الخمر.
(قوله: أو غلبت إلخ) أي ويطهر أيضا وإن غلت الخمر في الدن وارتفعت إلى رأس الدن بسبب الغليان، ويحكم بطهارة ما ارتفعت إليه من رأس الدن وغطائه حينئذ.
(قوله: فلا تطهر) أي الخمر.
والمناسب لما قبله: فلا يطهر الدن ولا تطهر هي أيضا لاتصالها بالمرتفع النجس، لأن من العين المضرة ما تلوث من دنها فوقها بغير غليانها، فيعود عليها بالتنجيس إذا تخللت.
وقوله: وإن غمر غاية لعدم الطهارة.
أي لا تطهر وإن غمر المرتفع بخمر أخرى، بأن زيد عليه.
وقوله: كما جزم به شيخنا أي في فتح الجواد.
واعتمد في المغني الطهارة إذا غمر المرتفع بخمر أخرى مطلقا، سواء غمر قبل الجفاف أو بعده.
ونص عبارته: ولو ارتفعت بلا غليان بل بفعل فاعل لم يطهر الدن إذ لا ضرورة، ولا الخمر لاتصالها بالمرتفع النجس.
فلو غمر المرتفع بخمر طهرت بالتخلل ولو بعد جفافه، خلافا للبغوي في تقييده بقبل الجفاف.
اه.
(قوله: والذي اعتمده إلخ) اعتمده في النهاية أيضا، وقال إن والده اعتمده.
(قوله: ثم قال) أي ابن زياد.
(قوله: لو صب خمر في إناء) الصب
تطهر، وإن تخللت بعد نقلها منه في إناء آخر.
انتهى.
والدليل على كون الخمر خلا.
الحموضة في طعمها، وإن لم توجد نهاية الحموضة، وإن قذفت بالزبد.
ويطهر جلد نجس بالموت باندباغ نقاه بحيث لا يعود إليه نتن ولا فساد لو نقع في الماء.
(وككلب وخنزير) وفرع كل منهما مع الآخر أو مع غيره، ودود ميتتهما طاهر، وكذا نسج عنكبوت على المشهور.
كما قاله
ــ
ليس بقيد بل مثله ما لو تخمر العصير في إنائه.
(قوله: ثم أخرجت) أي الخمر.
وقوله: منه أي من إنائه.
(قوله: وصب فيه) أي في الإناء الذي أخرجت الخمر منه.
(قوله: بعد جفاف الإناء) مفاده أنه إن صب فيه قبل جفافه طهرت، وهو كذلك.
نظير ما لو صب على الخمر خمر أخرى من غير ارتفاع للأولى فإنها تطهر بالتخلل، كما نص عليه سم.
(قوله: لم
تطهر) أي الخمرة المصبوبة إذا تخللت لتنجسها بظرفها.
وقوله: وإن تخللت الخ أي لا تطهر الخمر التي صبها في إناء الخمر وإن تخللت بعد نقلها من ذلك الإناء إلى إناء آخر طاهر، وذلك لأنها قد تنجست بالإناء الأول، لأن النجس يقبل التنجيس.
(قوله: والدليل على كون الخمر خلا) أي على صيرورته خلافا.
فالكون هنا مصدر كان بمعنى صار، إذ هي تستعمل فيه كثيرا.
قال تعالى: * (فكانت هباء منبثا) * أي صارت كذلك.
(قوله: الحموضة) خبر الدليل.
(قوله: وإن لم توجد نهاية الحموضة) أي شدتها.
وهو غاية لكون الحموضة دليلا على صيرورة الخمر خلا.
(قوله: وإن قذفت بالزبد) أي رمت الخمر بالزبد - وهو بفحتين - كالرغوة.
وهو غاية ثانية كذلك أيضا.
(قوله: ويطهر جلد نجس بالموت) هو مستثنى أيضا من قولهم: ولا يطهر نجس العين.
والحاصل: لا يطهر شئ من نجس العين، لا بالغسل ولا بالاستحالة.
لكن يستثنى من هذا شيئان لا ثالث لهما في الحقيقة، للنص عليهما ولعموم الاحتياج بل الاضطرار إليهما، وهما: الخمر إذا تخللت بنفسها.
والجلد النجس بالموت إذا دبغ، وإنما طهر بالدباغ للأخبار الصحيحة في ذلك، كخبر: إذا دبغ الإهاب فقد طهر.
فيجوز حينئذ بيعه، وكذا أكله عند م ر إن كان من مأكول.
وخرج بالجلد الشعر.
نعم، يطهر قليله تبعا له عند حجر، ويعفى عنه عند الرملي.
ثم هو بعد الاندباغ كثوب متنجس، فلا بد لنحو الصلاة فيه أو عليه من تطهيره.
وقوله: بالموت خرج به جلد المغلظ، فإنه نجس قبل الموت فلا يطهر بالدباغ.
(قوله: باندباغ) متعلق بيطهر.
وقوله: نقاه أي من الرطوبات المعفنة له.
وإنما تحصل التنقية المذكورة بحريف ولو نجسا، وهو ما يلذع اللسان بحرافته، كقرظ وشب - بالموحدة - وشث - بالمثلثة - وذرق طير.
للخبر الحسن: يطهرها - أي الميتة - الماء.
والقرظ فلا يكفي بنحو شمس وتراب وملح وإن طاب ريحه، لأنها لا تزيل رطوباته المعفنة، لعود العفونة بنفعه في الماء.
(قوله: بحيث لا يعود إليه إلخ) هذه الحيثية للتقييد.
أي نقاه تنقية كائنة، بحيث لو نقع في الماء بعد اندباغه لا يعود إليه نتن.
والمراد: لا يعود له ذلك عن قرب، أما لو عاد إليه بعد مدة طويلة فلا يضر.
لأن الأشياء الصلبة إذا مكثت في الماء مدة طويلة ربما حصل لها العفونة.
والنتن مصدر سماعي لنتن، كظرف وسهل، وأما مصدره القياسي فهو نتانة ونتونة، عملا بقول ابن مالك: فعولة فعالة لفعلا (وقوله: ولا فساد) عطف تفسير، أو عام على خاص.
وقال ق ل: عطف مرادف.
اه بجيرمي.
(قوله: وككلب) أي ولو معلما، لخبر مسلم: طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب.
وجه الدلالة أن
الطهارة إما لحدث أو خبث أو تكرمة.
ولا حدث على الإناء ولا تكرمة، فتعينت طهارة الخبث فثبتت نجاسة فمه، وهو أطيب أجزائه فبقيتها أولى.
اه إقناع.
وقوله: وخنزير أي لأنه أسوأ حالا من الكلب، إذ لا ينتفع به بحال ولا يقتنى، ولندب قتله من غير ضرر.
بل قيل: يجب.
واعتمده حجر في باب اللباس.
(قوله: وفرع كل منهما مع الآخر) صادق بما تولد من
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كلب وخنزيرة، وما تولد من خنزير وكلبة.
وعلى كل هو داخل إما في الكلب وإما في الخنزير فلزم التكرار في كلامه.
فلو قال وفرع كل منهما مع غيره وحذف لفظ مع الآخر ولفظ أو، لكان أولى.
لسلامته من التكرار.
فتفطن.
(قوله: أو مع غيره) أي وفرع كل منهما مع غير الآخر، ولو كان آدميا.
تغليبا للنجس، وذلك لأن الفرع يتبع أخس أبويه في النجاسة.
وتحريم الذبيحة والمناكحة وتحريم الأكل وامتناع التضحية وعدم وجوب الزكاة، ويتبع أشرفهما في ثلاثة أشياء: الدين، وإيجاب البدل، وعقد الجزية.
وأخفهما في نحو الزكاة والأضحية في متولد بين إبل وبقر مثلا، وأغلظهما في جزاء الصيد.
ويمكن إدخال هذا في أشرفهما.
ويتبع الأب في النسب وتوابعه، كاستحقاق سهم ذوي القربى، والحرية إذا كان من أمته أو أمة ولده أو ممن غر بحريتها أو ظنها زوجته الحرة أو أمته.
ويتبع الأم في الملك، فالولد المتولد بين مملوكين لمالك الأم.
وكما لو نزا بهيم على بهيمة فالولد لمالك الأم وقد جمع السيوطي رحمه الله تعالى بعض أفراد هذه المذكورات بقوله: يتبع الفرع في انتساب أباه والأم في الرق والحرية والزكاة الأخف والدين الأعلى والذي اشتد في جزاء ودية وأخس الأصلين رجسا وذبحا ونكاحا والأكل والأضحية وقوله: يتبع الفرع في انتساب أباه: أي وتوابعه.
وقوله: والأم في الرق والحرية: أي ويتبع الأم في شيئين، في الرق إذا كان أبوه حرا وأمه رقيقة، إلا في الصور المارة.
وفي الحرية، إذا كان أبوه رقيقا وأمه حرة.
وقوله: والزكاة الأخف: أي ويتبع في وجوب الزكاة أخفهما.
فلو تولد بين بقر وإبل زكى زكاة البقر لأنه أخف، لأنها لا تزكى إلا إذا بلغت ثلاثين.
ولو تولد بين زكوي وغيره، كظبي وشاة، فلا زكاة اعتبارا بالأخف.
وقوله: والدين لا على: أي ويتبع في الدين أعلاهما.
فلو تولد بين مسلم وكافرة فهو مسلم، لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.
وقوله: وجزاء: أي ويتبع الذي اشتد - أي عظم - منهما في وجوب الجزاء.
فلو تولد بين مأكول بري وحشي وغيره وأتلفه المحرم ضمنه.
وقوله: ودية: يقرأ بتشديد الياء للوزن.
أي: ويتبع الذي اشتد في الدية.
فلو تولد بين كتابي ومجوسي وقتله شخص فديته دية الكتابي.
ومثل الدية في ذلك الغرة.
وقوله: وأخس الأصلين رجسا: أي ويتبع أخسهما في النجاسة، كما هنا.
وقوله: وذبحا: أي ويتبع أخسهما في الذبح.
فلو تولد بين من تحل ذبيحته ككتابي ومن لا تحل ذبيحته كوثني، لم تحل ذبيحته.
وقوله: ونكاحا: أي ويتبع أخسهما في النكاح.
فلو تولد بين من تحل مناكحته ككتابي ومن لا تحل مناكحته كوثني لم تحل مناكحته.
وقوله: والأكل: أي ويتبع أخسهما في الأكل، فلو تولد بين مأكول وغيره لم يحل أكله.
وقوله: والأضحية: أي ويتبع أخسهما في الأضحية، فلو تولد بين ما يضحى به وما لا يضحى به، لم تجز التضحية به، ومثلها العقيقة.
(قوله: ودود ميتتهما) أي الكلب والخنزير وقوله: طاهر لا يشكل بما مر من أن المتولد منهما نجس، لأنا نمنع أنه متولد من ميتتهما وإنما تولد فيهما، كدود الخل لا يتولد من نفس الخل وإنما يتولد فيه.
وفرق بين المتولد منهما والمتولد فيهما.
(قوله: وكذا نسج عنكبوت) أي ومثل دود ميتتهما نسج عنكبوت، فهو طاهر على المشهور.
وعلله في التحفة بأن نجاسته تتوقف على تحقق كونه من لعابها وأنها لا تتغذى إلا بذلك - أي الذباب -
السبكي والاذرعي، وجزم صاحب العدة والحاوي بنجاسته.
وما يخرج من جلد نحو حية في حياتها كالعرق، على ما أفتى به بعضهم.
لكن قال شيخنا: فيه نظر، بل الاقرب أنه نجس لانه جزء متجسد منفصل من حي، فهو كميتته.
وقال أيضا: لو نزا كلب أو خنزير على آدمية فولدت آدميا كان الولد نجسا، ومع ذلك هو مكلف بالصلاة وغيرها.
وظاهر أنه يعفى عما يضطر إلى ملامسته، وأنه تجوز إمامته إذ لا إعادة عليه، ودخوله المسجد حيث لا رطوبة للجماعة ونحوها.
ويطهر متنجس بعينية بغسل مزيل لصفاتها، من طعم ولون وريح.
ولا يضر بقاء لون أو ريح عسر زواله
ــ
وأن ذلك النسج قبل احتمال طهارة فيها.
وأتى بواحد من هذه الثلاثة.
(قوله: وجزم صاحب العدة والحاوي بنجاسته) أي نسج العنكبوت.
وهذا خلاف المشهور.
(قوله: وما يخرج إلخ) مطعوف على نسج العنكبوت.
أي ومثل دود ميتتهما ما يخرج من جلد نحو حية - مما يسمى بثوب الثعبان - فهو طاهر.
ويحتمل أن يكون مبتدأ خبره قوله كالعرق.
(قوله: كالعرق) الكاف للتنظير في طهارة كل.
(قوله: قال شيخنا إلخ) عبارته: وأفتى بعضهم فيما يخرج من جلد نحو حية أو عقرب في حياتها بطهارته كالعرق.
وفيه نظر لبعد تشبيهه بالعرق، بل الأقرب أنه نجس، لأنه جزء متجسد منفصل من حي، فهو كميتته.
اه.
(قوله: وقال أيضا) عبارة التحفة: وقضية ما تقرر من الحكم بتبعية أخس أبويه، أن الآدمي المتولد بين آدمي أو آدمية ومغلظ له حكم المغلظ في سائر أحكامه، وهو واضح في النجاسة ونحوها وبحث طهارته، نظرا لصورته بعيد من كلامهم، بخلافه في التكليف لأن مناطه العقل ولا ينافيه نجاسة عينه للعفو عنها بالنسبة إليه، بل وإلى غيره، نظير ما يأتي في الوشم ولو بمغلظ إذا تعذرت إزالته، فيدخل المسجد ويماس الناس - ولو مع الرطوبة - ويؤمهم لأنه لا تلزمه إعادة الخ.
اه.
إذا علمت ذلك فلعل العبارة التي نقلها عن شيخه في غير التحفة من بقية كتبه.
(قوله: لو نزا) أي علا.
وقوله: كلب أو خنزير إلخ مثله العكس، وهو ما إذا نزى آدمي على كلبة أو خنزيرة.
(قوله: كان الولد نجسا) قال البجيرمي: والمعتمد عند م ر أنه طاهر، فيدخل المسجد ويمس الناس ولو رطبا، ويؤمهم.
ولا تحل مناكحته، رجلا كان أو امرأة، لأن في أحد أصليه ما لا تحل
مناكحته ولو لمثله.
ويقتل بالحر، لا عكسه.
ويتسرى ويزوج أمته لا عتيقته.
اه.
وفي حاشية الكردي: وأفتى م ر بطهارته حيث كان على صورة الآدمي.
كما ذكره سم في حواشي المنهج.
فإن كان على صورة الكلب، قال سم في حواشي التحفة: ينبغي نجاسته، وأن لا يكلف، وإن تكلم وميز وبلغ مدة بلوغ الآدمي، إذ هو بصورة الكلب، والأصل عدم آدميته.
اه.
وما تقرر كله: إذا نزا كلب أو خنزير على آدمية والعكس، فإن نزا مأكول على مأكولة فولدت ولدا على صورة الآدمي فإنه طاهر مأكول، فلو حفظ القرآن وعمل خطيبا وصلى بنا عيد الأضحى جاز أن يضحى به بعد ذلك.
وبه يلغز فيقال: لنا خطيب صلى بنا العيد الأكبر وضحينا به.
(قوله: ومع ذلك) أي مع كونه نجسا.
وقوله: وغيرها أي غير الصلاة من بقية العبادات.
(قوله: وظاهر أنه يعفى عما يضطر إلى ملامسته) الذي يظهر أن ما واقعة على جزء من أجزائه.
ويضطر - يقرأ مبنيا للمجهول - والمعنى: يعفى عن جزئه الذي يحتاج الغير إلى لمسه، وذلك الغير كأمته التي تسراها عند خوف العنت بناء على جواز التسري عند ذلك.
وعليه يكون أخص مما في التحفة، فإن الذي فيها - كما يعلم من عبارته السابقة - أنه يعفى عنه مطلقا بالنسبة لنفسه ولغيره المحتاج إلى لمسه وغيره.
(قوله: ودخوله المسجد) أي ويجوز دخوله المسجد وقوله: حيث لا رطوبة قيد في الدخول.
ولم يقيد به في التحفة كما يعلم من عبارته المارة أيضا.
وقوله: للجماعة متعلق بدخ ول.
وقوله: ونحوها أي نحو الجماعة، كالطواف والاعتكاف.
(قوله: ويطهر متنجس الخ) شروع في بيان كيفية غسل النجاسة، وهي على قسمين: عينية: وهي التي يدرك لها عين أو صفة من طعم أو لون أو ريح.
وحكمية: وهي التي لا يدركها لها عين ولا وصف، سواء كان عدم الإدراك لخفاء أثرها بالجفاف كبول جف، أم لا لكون المحل صقيلا لا تثبت عليه النجاسة كالمرآة والسيف.
(قوله: بغسل) متعلق بيطهر
ولو من مغلظ، فإن بقيا معا لم يطهر.
ومتنجس بحكمية كبول جف لم يدرك له صفة بجري الماء عليه مرة، وإن كان حبا أو لحما طبخ بنجس، أو ثوبا صبغ بنجس، فيطهر باطنها بصب الماء على ظاهرها، كسيف سقي وهو محمى بنجس.
ويشترط في طهر المحل ورود الماء القليل على المحل المتنجس، فإن ورد متنجس على ماء قليل لا كثير تنجس، وإن لم يتغير فلا يطهر غيره.
وفارق الوارد غيره بقوته لكونه عاملا، فلو تنجس فمه كفى
ــ
وقوله: مزيل لصفاتها أي بعد إزالة عينها.
فإن توقفت الإزالة على نحو صابون وجب إن وجده بثمن مثله فاضلا عما يعتبر في التيمم.
(قوله: من طعم إلخ) بيان لصفاتها.
(قوله: ولا يضر) أي في الحكم بطهر المحل حقيقة.
وقوله: بقاء لون أو ريح خرج بذلك بقاء الطعم فإنه يضر ولا يعفى عنه، إلا إن تعذر إزالته فيعفى عنه ما دام متعذرا، فيكون المحل نجسا معفوا عنه لا طاهرا.
وضابط التعذر أن لا يزال إلا بالقطع.
فإن قدر بعد ذلك على زواله وجب ولا يجب عليه إعادة ما صلاه به على المعتمد، وإلا فلا معنى للعفو.
(قوله: عسر زواله) أي المذكور من اللون أو الريح، وذلك كلون الصبغ بأن صفت غسالته ولم يبق إلا أثر محض، وكريح الخمر للمشقة.
وضابط التعسر أن لا يزول بالحت بالماء ثلاث مرات، فمتى حته بالماء
ثلاث مرات ولم يزل طهر المحل، فإذا قدر على زواله بعد ذلك لم يجب لأن المحل طاهر.
(قوله: ولو من مغلظ) أي ولو كان اللون أو الريح من نجس مغلظ، وهو غاية لعدم ضرر بقائه.
(قوله: فإن بقيا) أي اللون والريح.
والمراد بقيا في محل واحد من نجاسة واحدة، بخلاف ما لو بقيا في محلين أو محال، أو من نجاستين وعسر زوالهما فإنه لا يضر.
وقوله: لم يطهر أي ذلك المحل، لقوة دلالتهما حينئذ على بقاء العين، وندرة العجز عنهما، فيجب زوالهما، إلا إن تعذر، كما مر في بقاء الطعم.
والمناسب لقوله ولا يضر أن، يقول هنا ضر بدل لم يطهر.
(قوله: ومتنجس الخ) بالرفع، معطوف على متنجس بعينية إلخ، من عطف المفردات.
فعليه يكون قوله يجري معطوفا على بغسل المتعلق بيطهر، فيكون هو كذلك متعلقا به.
أي ويطهر بجري الماء عليه - أي سيلانه عليه - ولو من غير فعل فاعل كالمطر.
قال في الزبد: يكفيك جري الماء على الحكمية وأن تزال العين من عينية (قوله: وإن كان) أي المتنجس بحكمية.
والأولى جعل إن غاية.
وقوله بعد: فيطهر: تفريع على المفهوم.
وعبارة التحفة: ومن ذلك سكين سقيت نجسا، وحب نقع في بول ولحم طبخ به فيطهر الخ.
اه.
وقوله: طبخ ظاهره أنه صفة لكل من حبا ولحما.
والطبخ ليس بقيد، بل مثله بالأولى نقعه في نجس، كما هو ظاهر وقوله: بنجس أي زال جرمه ووصفه، وإلا صار من المتنجس بالعينية، ولا يكفي فيه جري الماء فقط.
(قوله: فيطهر باطنها) قال سم: أي حتى لو حملها في الصلاة لم يضر.
اه.
(قوله: كسيف الخ) الكاف للتنظير، أي فيطهر باطنه بصب الماء على ظاهره.
فإن قيل: لم اكتفى بغسل ظاهر السكين ولم يكتف بذلك في الآجر إذا نقع بنجس؟.
أجيب بأنه إنما لم يكتف بذلك في الآجر لأن الانتفاع به متأت من غير ملابسة له، فلا حاجة للحكم بطهارة باطنه من غير إيصال الماء إليه، بخلاف السكين.
وقال في التحفة: وفارق نحو السكين لبنا عجن بمائع نجس ثم حرق فإنه لا يطهر باطنه بالغسل إلا إذا دق وصار ترابا أو نقع حتى وصل الماء لباطنه، بتيسير رده إلى التراب وتأثير نقعه فيه، بخلاف تلك فإن في رد أجزاء بعضها حتى تصير كالتراب مشقة تامة وضياع مال.
وبعضها لا يؤثر فيه النقع وإن طال.
نعم، نص الشافعي رضي الله عنه على العفو عما عجن من الخزف بنجس، أي يضطر إليه فيه.
واعتمده كثيرون، وألحقوا به الآجر المعجون به.
اه.
وقال في المغني: واللبن - بكسر الموحدة - إن خالطه نجاسة جامدة كالروث لم يطهر، وإن طبخ بأن صار آجرا، لوجود عين النجاسة.
وإن خالطه غيرها كالبول طهر ظاهره بالغسل، وكذا باطنه إن نقع في الماء، ولو مطبوخا، إن كان رخوا يصله الماء كالعجين، أو مدقوقا بحيث يصير ترابا.
اه.
(قوله: ويشترط في طهر المحل الخ) أي بشرط أن لا يكون جرم النجاسة موجودا في نحو الثوب وإلا فيتنجس الماء بمجرد
وروده على المحل.
اه بجيرمي.
(قوله: على المحل المتنجس) المقام للإضمار، فكان الأولى أن يقول: عليه.
(قوله: فإن ورد متنجس الخ) الأخصر أن يقول: وإلا تنجس.
وقوله: تنجس أي الماء القليل.
(قوله: وإن لم يتغير) أي الماء.
أخذ الماء بيده إليه وإن لم يعلها عليه - كما قال شيخنا - ويجب غسل كل ما في حد الظاهر منه ولو بالادارة،
كصب ماء في إناء متنجس وإدارته بجوانبه.
ولا يجوز له ابتلاع شئ قبل تطهير فمه، حتى بالغرغرة.
(فرع) لو أصاب الارض نحو بول وجف، فصب على موضعه ماء فغمره، طهر، ولو لم ينضب - أي يغور - سواء كانت الارض صلبة أم رخوة.
وإذا كانت الارض لم تتشرب ما تنجست به فلا بد من إزالة العين قبل صب الماء القليل عليها، كما لو كانت في إناء.
ولو كانت النجاسة جامدة فتفتتت واختلطت بالتراب لم يطهر،
ــ
(قوله: فلا يطهر غيره) مفرع على تنجسه.
يعني إذا تنجس فلا يطهر غيره، فيبقى حينئذ المحل على نجاسته.
(قوله: وفارق الوارد) أي على النجاسة حيث لم يتنجس.
وقوله: غيره أي غير الوارد حيث تنجس.
وقوله: بقوته أي الوارد لكونه عاملا، أي دافعا للنجاسة بسبب وروده عليها، بخلاف ما إذا كان المتنجس واردا عليه فيضعف بسبب قلته مع كونه مورودا عن أن يدفع التنجس عن نفسه وعن غيره بالأولى.
(قوله: فلو تنجس فمه الخ) تفريع على كونه الشرط في طهر المحل الورود.
فمتى ما وجد طهر المحل ولم ينجس، وبأخذ الماء ووضعه في فمه يتحقق الورود.
(قوله: وإن لم يعلها عليه) أي يكفي وصول الماء إلى فمه، وإن لم يجعل يده مرتفعه على فمه بحيث ينزل الماء منحدرا فيه.
ويعل مجزوم بحذف الياء، فهو بضم الأول وكسر اللام.
(قوله: ما في حد الظاهر منه) أي من الفم ومخرج الخاء منه.
(قوله: ولو بالإدارة) غاية لمقدر: أي: ويكفي وصوله إليه ولو بالإدارة، ولو مكث الماء مدة في فمه ثم أداره لم يضر عند حجر، لأنه لا يتنجس بالملاقاة، فلا يضر تأخير الإدارة عنها.
وفي ع ش ما نصه: لو تنجس فمه بدم اللثة، أو بما يخرج بسبب الجشاء، فتفله ثم تمضمض وأدار الماء في فمه بحيث عمه ولم يتغير بالنجاسة فإن فمه يطهر ولا يتنجس الماء فيجوز ابتلاعه لطهارته.
فتنبه له فإنه دقيق.
هذا وبقي ما لو كانت تدمى لثته من بعض المآكل بتشويشها على لحم الأسنان دون بعض، فهل يعفى عنه فيما تدمى به لثته لمشقة الاحتراز عنه أم لا، لإمكان الاستغناء عنه بتناول البعض الذي لا يحصل منه دمي اللثة؟ فيه نظر.
والظاهر الثاني، لأنه ليس مما تعم البلوى به حينئذ، وبتقدير وقوعه يمكن تطهير فمه منه وإن حصل له مشقة، لندرة ذلك في الجملة.
اه.
(قوله: كصب ماء الخ) أي فإنه يكفي في طهارته.
وهو مرتبط بقوله: كفى أخذ الماء إلخ، أو بما قدرته.
وفي النهاية ما نصه: فلو طهر إناء أدار الماء على جوانبه.
وقضية كلام الروضة أنه يطهر قبل أن يصب النجاسة منه، وهو كذلك إذا لم تكن النجاسة مائعة باقية فيه، أما لو كانت مائعة باقية فيه لم يطهر ما دام عينها مغمورا بالماء.
اه.
(قوله: ولا يجوز له ابتلاع شئ قبل تطهير فمه) شامل للريق على العادة ومحتمل، ويحتمل المسامحة به للمشقة وكونه من معدن خلقته.
اه سم.
وفي البجيرمي ما نصه: قوله: ولا يبلع طعاما ولا شرابا - أي غير الماء - لأنه يكفي في غسل نجاسة الفم.
اه.
(قوله: حتى بالغرغرة) غاية لعدم جواز الابتلاع.
أي يجوز لمن تنجس فمه ابتلاع شئ ولو بالغرغرة، وهي في اللغة: ترديد الماء في الحلق، كما في القاموس.
وفائدة الغاية دفع ما يتوهم من أنه إذا تنجس فمه وصب مائع في حلقه من غير أن يمس جوانب فمه يجوز ذلك، تأمل.
(قوله: لو أصاب الأرض نحو بول) أي كخمر.
والأولى أن يقول: ولو أصاب موضعا من الأرض نحو بول فصب عليه.
بالضمير، ليرتبط الجواب - وهو طهر - بالشرط.
(قوله: وجف) أي نحو البول.
والظاهر أن الجفاف ليس بقيد، بل الشرط أن لا يكون عين البول باقيا لم تتشربه الأرض، بدليل قوله بعد: وإذا كانت الأرض لم تتشرب إلخ.
(قوله: فصب على موضعه) أي موضع نحو البول من الأرض.
وقوله: فغمره أي عم موضع البول الماء وستره.
قال في المصباح: غمرته أغمره أي سترته أستره.
(قوله: طهر) أي ذلك الموضع من الأرض، وهو جواب لو.
(قوله: ولو لم ينضب) بضم الضاد، من باب قعد.
كما في المصباح.
وفاعله ضمير يعود على الماء.
وقوله - أي يغور - تفسير له قبل دخول الجازم، وإلا لقال يغر بالجزم.
(قوله: سواء كانت إلخ) تعميم لطهارة الموضع بالصب المذكور.
(قوله: وإذا كانت الأرض الخ) مقابل قوله وجف.
وقد علمت ما فيه.
(قوله: لم تتشرب ما تنجست به) أي بأن كان نحو البول باقيا بعينه.
(قوله: فلا بد من إزالة العين) أي عين نحو البول.
وقوله: قبل صب الماء إلخ فلو صب الماء عليه قبل إزالته لم يطهر، كما يعلم مما سيأتي أن شرط طهارة المحل طهارة
كالمختلط بنحو صديد، بإفاضة الماء عليه.
بل لا بد من إزالة جميع التراب المختلط بها.
وأفتى بعضهم في مصحف تنجس بغير معفو عنه بوجوب غسله وإن أدى إلى تلفه، وإن كان ليتيم.
قال شيخنا: ويتعين فرضه فيما إذا مست النجاسة شيئا من القرآن، بخلاف ما إذا كانت في نحو الجلد أو الحواشي.
(فرع) غسالة المتنجس - ولو معفوا عنه كدم قليل - إن انفصلت وقد زالت العين وصفاتها، ولم تتغير ولم يزد وزنها - بعد اعتبار ما يأخذه الثوب من الماء والماء من الوسخ - وقد طهر المحل: طاهرة.
قال شيخنا: ويظهر الاكتفاء فيهما بالظن.
ــ
الغسالة، وهي لا تطهر إذا زاد وزنها.
ومعلوم أنه إذا كان عين نحو البول باقيا زاد وزنها.
(قوله: كما لو كانت) أي عين النجاسة، في إناء فلا بد من إزالتها منه، ثم يصب الماء فيه.
وقولهم: الإناء المتنجس إذا وضع فيه ماء وأدير في جوانبه يطهر كله، محله ما لم تكن عين النجاسة فيه ولو مائعة، كما مر.
(قوله: ولو كانت النجاسة جامدة) مقابل قوله: نحو بول.
(قوله: لم يطهر) أي المحل الذي فيه التراب المختلط.
(قوله: كالمختلط الخ) الكاف للتنظير، أي نظير التراب المختلط بنحو صديد من عذرة الموتى.
والمراد بالصديد: المتجمد.
فإنه هو لا يطهر بالماء، أما إذا كان مائعا فيكون حكمه كالبول وقد علمته.
(قوله: بإفاضة الماء) متعلق بيطهر.
(قوله: بل لا بد) أي في طهارة المحل الذي فيه التراب المختلط من إزالته قبل إفاضة الماء عليه.
(قوله: وأفتى بعضهم في مصحف) قال ع ش: هل مثل المصحف كتب العلم الشرعي أم لا؟ فيه نظر، والأقرب الأول.
اه.
(قوله: بغير معفو عنه) فإن كان معفوا عنه لا يجب غسله.
(قوله: بوجوب غسله) متعلق بأفتى.
(قوله: وإن أدى) أي غسله، إلى تلفه أي المصحف.
(قوله: وإن كان) أي المصحف ليتيم فإنه يجب غسله.
قال ع ش: والعامل له الولي، وهل للأجنبي فعل ذلك في مصحف اليتيم؟ بل وفي غيره، لأن ذلك من إزالة المنكر أو لا؟ فيه نظر، والأقرب عدم الجواز، لعدم علمنا بأن إزالة النجاسة منه مجمع عليه.
اه.
(قوله: ويتعين فرضه) أي فرض وجوب غسله.
(قوله:
بخلاف ما إذا كانت) أي النجاسة.
(وقوله: في نحو الجلد) ومنه ما بين السطور.
اه.
ع ش.
وقوله: والحواشي أي أطراف مكتوب القرآن التي لا كتابة فيها.
(قوله: غسالة المتنجس إلخ) لما بين ما يطهر به المتنجس بنجاسة عينية أو حكمية شرع في بيان حكم غسالته إذا انفصلت.
وحاصل الكلام عليها أنها إن كانت قليلة يحكم عليها بالطهارة بقيود ثلاثة: طهر المحل، وعدم تغيرها، وعدم زيادة وزنها بعد اعتبار مقدار ما يتشربه المغسول من الماء وما يمجه من الوسخ الطاهر.
فإن فقد واحد من الثلاثة، بأن لم يطهر المحل، أو طهر ولكن كانت متغيرة، أو لم تكن متغيرة ولكن زاد وزنها بعد ما ذكر، فهي نجسة كالمحل، لأن البلل الباقي في المحل بعض الغسالة المنفصلة والماء القليل لا يتبعض طهارة ونجاسة.
وإن كانت كثيرة يحكم عليها بالطهارة بقيد واحد وهو عدم التغير، فإن كانت متغيرة فهي نجسة.
(قوله: ولو معفوا عنه) منصوب بنزع الخافض.
أي ولو كان تنجسه بنجس معفو عنه.
ولو صرح بالخافض لكان أولى.
وقوله: كدم قليل أي من نفسه أو من غيره، وهو مثال للمعفو عنه.
وقوله: إن انفصلت أي عن المحل الذي غسل بها.
أما إذا لم تنفصل فهي طاهرة مطلقا، لأن الماء ما دام في المحل المغسول له حكم الطاهر المطهر حتى ينفصل عنه بلا خلاف.
(قوله: وقد زالت العين الخ) مكرر مع قوله الآتي وقد طهر المحل، وذلك لأن طهارته بزوال عينها وصفاتها، فالأولى الإقتصار على أحدهما.
وقد اقتصر على الثاني في المنهج والمنهاج وغيرهما.
وقوله: ولم تتغير أي الغسالة.
فإن تغيرت طعما أو لونا أو ريحا فهي نجسة.
وقوله: ولم يزد وزنها بعد اعتبار الخ أي كأن كانت الغسالة قبل الغسل بها قدر رطل، وكان مقدار ما يتشربه المغسول من الماء قدر أوقية وما يمجه من الوسخ نصف أوقية، وكانت بعد الغسل رطلا إلا نصف أوقية، فإنه حينئذ لم يزد وزنها.
فإن كانت بعد الغسل بها رطلا كاملا فهي نجسة، لأنه زاد وزنها بعد اعبتار ما ذكر.
(قوله: من الماء) بيان لما.
وقوله والماء معطوف على الثوب.
أي وما يأخذه الماء من وسخ المغسول الطاهر.
(قوله: وقد طهر المحل) بأن لم يبق فيه
(فرع) إذا وقع في طعام جامد كسمن فأرة مثلا فماتت، ألقيت وما حولها مما ماسها فقط، والباقي طاهر.
والجامد هو الذي إذا غرف منه لا يتراد على قرب.
(فرع) إذا تنجس ماء البئر القليل بملاقاة نجس لم يطهر بالنزح، بل ينبغي أن لا ينزح ليكثر الماء بنبع أو صب ماء فيه، أو الكثير بتغير به لم يطهر إلا بزواله.
فإن بقيت فيه نجاسة كشعر فأرة ولم يتغير فطهور تعذر استعماله إذ لا يخلو منه دلو فلينزح كله.
فإن اغترف قبل النزح ولم يتيقن فيما اغترفه شعرا لم يضر وإن ظنه،
ــ
شئ من أوصاف النجاسة.
وقد علمت ما فيه فلا تغفل.
(قوله: طاهرة) خبر المبتدأ.
وهي مع كونها طاهرة غير مطهرة لإزالتها للخبث، وما أزيل به الخبث غير مطهر ولو كان معفوا عنه.
(قوله: ويظهر الاكتفاء فيهما) أي فيما يأخذه الثوب من الماء وما يأخذه الماء من الوسخ.
وفي حاشية السيد عمر على التحفة ما نصه: قوله فيهما يحتمل عوده لعدم التغير وعدم الزيادة، وللمأخوذ والمعطى، والثاني أقرب.
اه.
وقوله: بالظن أي ظن مقدار ما يأخذه الخ.
ولا يشترط فيه اليقين.
(قوله: إذا
وقع في طعام جامد) خرج به المائع، فإنه يتعذر تطهيره ولو كان دهنا.
وقال في النهاية: ة وقيل: يطهر الدهر بغسله بأن يصب الماء عليه ويكاثره ثم يحركه بخشبة ونحوها، بحيث يظن وصوله لجميعه، ثم يترك ليعلو ثم يثقب أسفله، فإذا خرج الماء سد.
ومحل الخلاف إذا تنجس بما لا دهنية فيه كالبول، وإلا لم يطهر، بلا خلاف.
اه.
(قوله: ألقيت وما حولها) أي لأنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الفأرة تموت في السمن فقال: إن كان جامدا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعا فلا تقربوه.
وفي رواية للخطابي: فأريقوه.
فلو أمكن تطهيره لم يقل فيه ذلك لما فيه من إضاعة المال.
اه.
شرح المنهج.
(قوله: لا يتراد على قرب) أي لا يرجع بعضه على بعض، بحيث لا يمتلئ محل المأخوذ على قرب، والمائع بضده وهو الذي يتراد بحيث يمتلئ محل المأخوذ على قرب.
(قوله: فرع: إذا تنجس الخ) المناسب ذكر هذا الفرع في مبحث الماء المطلق.
(قوله: القليل) بالرفع، صفة لماء.
وهو ما كان دون قلتين كما مر.
(قوله: بملاقاة نجس) متعلق بتنجس.
(قوله: لم يطهر بالنزح أي بنزح الماء منه، بل يطهر بالتكثير.
(قوله: بل ينبغي) أي يجب وقوله: أن لا ينزح قال في شرح الروض: لأنه وإن نزح فقعر البئر يبقى نجسا، وقد يتنجس جدران البئر أيضا بالنزح.
اه.
(قوله: ليكثر الماء) أي فيطهر به حينئذ كما علمت.
وقوله: بنبع أي نبع الماء من عين في قعر البئر.
وقوله: أو صب ماء أي أجنبي.
وقوله: فيه أي في البئر.
(قوله: أو الكثير إلخ) العطف فيه من عطف المفردات، فالكثير معطوف على القليل، وبتغير معطوف على بملاقاة نجس، ولم يطهر معطوف على لم يطهر الأول.
والمعنى: إذا تنجس ماء البئر الكثير بتغير بالنجس لم يطهر إلا بزوال التغير.
(قوله: فإن بقيت فيه) أي في الكثير.
وقوله: نجاسة أي تفتتت وتحللت أجزاؤها في الماء، لأنه لا يتعذر استعماله إلا حينئذ.
وعبارة الروض: وإن كثر الماء وتمعط فيه فأرة.
قال في شرحه مثلا: وعبارة الأصل: وتفتت فيه شئ نجس كفأرة تمعط شعرها.
اه.
وقوله: كشعر فأرة تمثيل للنجاسة.
(وقوله: ولم يتغير) أي والحال أنه لم يتغير ببقاء النجاسة فيه أصلا، أو تغير وزال تغيره.
(قوله: فطهور) خبر لمبتدأ محذوف، أي فهو طهور.
والجملة جواب الشرط، أي فهو طاهر في نفسه مطهر لغيره.
وقوله: تعذر استعماله أي باغتراف شئ منه بدلو أو نحوها.
اه.
شرح الروض.
وبه يندفع ما يقال: أن تعذر الاستعمال ينافي كونه طهورا.
وحاصل الدفع أن المراد بالاستعمال المتعذر الاستعمال بالاغتراف فقط، وهو لا ينافي أنه يجوز استعماله بغير الاغتراف، كأن يغطس المحدث فيه ناويا رفع الحدث الأصغر أو الأكبر فإن حدثه يرتفع به.
(قوله: إذ لا يخلو منه) أي من الشعر، والأولى منها - أي النجاسة - وهو علة لتعذر الاستعمال.
أي وإنما تعذر ذلك لأنه إذا نزح منه بدلو فلا يخلو من وجود الشعر فيه فيتنجس ما في الدلوبه، لما تقدم من أنه إن غرف دلوا من ماء قلتين
فقط وفيه نجاسة جامدة فإن ليغرفها معه فباطن الدلو طاهر، فإن غرفها مع الماء كان نجسا.
(قوله: فلينزح كله) أي ليخرج الشعر كله معه.
وهذا إن أمكن، فإن لم يمكن نزح كله بأن كانت العين فوارة، نزح ما يغلب على الظن أن الشعر كله خرج معه.
أفاده في شرح الروض.
(قوله: لم يضر) أي في الاستعمال.
قال في شرح الروض: وبهذا علم أن المراد
عملا بتقديم الاصل على الظاهر.
ولا يطهر متنجس بنحو كلب إلا بسبع غسلات بعد زوال العين ولو بمرات، فمزيلها مرة واحدة، إحداهن بتراب تيمم ممزوج بالماء، بأن يكدر الماء حتى يظهر أثره فيه ويصل بواسطته إلى جميع أجزاء المحل المتنجس.
ويكفي في الراكد تحريكه سبعا.
قال شيخنا: يظهر أن الذهاب مرة والعود
ــ
بالتعذر فيما مر التعسر.
اه.
(قوله: وإن ظنه) أي ظن وجود شئ من شعر فيما اغترفه.
(قوله: عملا بتقديم الأصل) وهو هنا عدم وجود شئ من الشعر فيما اغترفه.
وقوله: على الظاهر أي الغالب.
وهو هنا وجود ذلك.
(قوله: ولا يطهر متنجس الخ) شروع في كيفية غسل النجاسة المغلظة، وهي نجاسة الكلب والخنزير.
وقد تقدم بيان كيفية غسل النجاسة المتوسطة، ولم يبين كيفية غسل النجاسة المخففة، وهي بول الصبي الذي لم يتناول قبل مضي حولين غير لبن للتغذي وبيانها أنه يكفي في غسله النضح، بأن يرش عليه ماء يعمه ويغلبه من غير سيلان، وذلك لخبر الشيخين عن أم قيس: أنها جاءت بابن لها صغير لم يأكل الطعام فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره فبال عليه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله.
(قوله: بنحو كلب) متعلق بمتنجس، ونحو الكلب الخنزير.
(قوله: إلا بسبع غسلات) الاستثناء مفرغ، والجار والمجرور متعلق بيطهر.
(قوله: بعد زوال العين) الظرف متعلق بمحذوف صفة لسبع، أي لسبع معتبرة بعد زوال العين.
ومقتضى هذا أن الغسلة أو الغسلات التي تزال العين بها لا تحسب من السبع.
ومقتضى قوله: فمزيلها مرة واحدة خلافه.
(قوله: ولو بمرات) أي تعتبر السبع بعد زوال عين النجاسة، ولو كانت العين لا تزول إلا بغسلات.
(قوله: فمزيلها) أي العين.
(قوله: مرة واحدة) أي يحسب مرة واحدة، ولو لم تزل إلا بست غسلات.
وإنما حسب العدد المأمور به في الاستنجاء قبل زوال العين لأنه محل تخفيف، وما هنا محل تغليظ، فلا يقاس هذا بذلك.
(قوله: إحداهن) أي إحدى السبع، ولو السابعة.
كما يدل له رواية: أخراهن بالتراب.
والأولى أولى كما يدل له رواية: أولاهن بالتراب.
واختار التعبير بإحداهن للإشارة إلى جوازه في أي واحدة، كما يدل له رواية: إحداهن بالتراب.
وأما رواية: وعفروه الثامنة بالتراب.
فمعناه: أن التراب يكون بمنزلة الثامنة، مع كونه مع الماء في السابعة.
(فائدة) عبر بإحداهن بضمير الجماعة ولم يعبر بإحداها بضمير الواحدة، جريا على القاعدة من أن ما لا يعقل إن كان مسماه عشرة فما دونها فالأفصح فيه المطابقة، وإن كان فوق ذلك فالأصح الإفراد.
وقد اجتمعا في قوله تعالى: * (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا
فيهن أنفسكم) * فأفرد في قوله: * (منها) * لرجوعه للاثني عشر، وجمع في قوله: * (فلا تظلموا فيهن) * لرجوعه للأربعة.
(قوله: بتراب تيمم) أي بتراب يصح به التيمم، بأن يكون طاهرا لم يستعمل في.
حدث ولا في خبث.
(قوله: ممزوج بالماء) أي مخلوط به سواء أمزجهما قبل صبهما عليه، وهو الأولى خروجا من الخلاف، أم سبق وضع الماء أو التراب.
وإن كان المحل رطبا لأنه وارد كالماء.
وقولهم: لا يكفي ذره عليه ولا مسحه أو دلكه به: المراد بمجرده.
اه تحفة.
قال الكردي: وأفتى الشهاب الرملي بأنه لو وضع التراب أولا على عين النجاسة لم يكف لتنجسه.
وظاهره يخالف ما في التحفة.
اه بتصرف.
(قوله: بأن يكدر الماء الخ) الجار والمجرور متعلق بمحذوف، صفة لتراب.
أي تراب كائن بأن يكدر إلخ.
فهو قيد ثان.
وعبارة شرح المنهج: والواجب من التراب ما يكدر الماء.
اه.
ويحتمل أن يكون تصويرا للمزج المجزئ، أي ممزوج مزجا مصورا بأن يكدر الماء.
(قوله: حتى يظهر أثره) أي التراب، فيه - أي الماء - وقوله: ويصل، أي التراب.
بواسطته، أي الماء.
(قوله: ويكفي في الراكد) الجار والمجرور متعلق بتحريكه، والضمير يعود على المحل المتنجس.
يعني: يكفي عن السبع غسلات تحريك المحل المتنجس في الماء الراكد سبع مرات، أي - مع تعكيره بالطين - في واحدة.
ويحتمل أن يكون الجار والمجرور متعلقا بمقدر واقع فاعلا للفعل، والاسم الظاهر معطوف عليه على حذف العاطف، أي: ويكفي غمسه في الماء الراكد وتحريكه سبع مرات.
وهذا وإن كان فيه تكلف هو
أخرى.
وفي الجاري مرور سبع جريات، ولا تتريب في أرض ترابية.
(فرع) لو مس كلبا داخل ماء كثير لم تنجس يده، ولو رفع كلب رأسه من ماء وفمه مترطب، ولم يعلم مماسته له، لم ينجس.
قال مالك وداود: الكلب طاهر ولا ينجس الماء القليل بولوغه، وإنما يجب غسل الاناء بولوغه تعبدا.
(ويعفى عن دم نحو برغوث) مما لا نفس له سائلة كبعوض وقمل، لا عن جلده.
(و) دم نحو (دمل)
ــ
المناسب للمعطوف، أعني قوله: وفي الجاري، إلخ.
والموافق لعبارة غيره.
ونص عبارة فتح الجواد: ويكفي عنها غمسه في ماء كثير مع تحريكه سبعا، أو مرور سبع جريات عليه.
اه.
فلو غمسه فيه ولم يحركه يحسب مرة واحدة.
(قوله: قال شيخنا: يظهر أن الذهاب مرة والعود أخرى) فإن قلت: ما الفرق بينه وبين تحريك اليد بالحك في الصلاة؟ حيث يحسب فيه الذهاب والعود مرة واحدة؟ فالجواب أن المدار ثم على العرف في التحريك، وهو يعد الذهاب والعود مرة.
وهنا على جري الماء، والحاصل في العود غير الحاصل في الذهاب.
(قوله: وفي الجاري) معطوف على الراكد.
وقوله: مرور سبع جريات معطوف على تحريكه.
والمناسب هنا في التقدير الاحتمال الثاني المار كما علمت، أي: ويكفي عن السبع غمس المحل المتنجس في الجاري ومرور سبع جريات عليه.
ويشترط فيه أن يكون كدرا كماء النيل في أيام زيادته وماء السيل المتترب.
(قوله: ولا تتريب في أرض ترابية) أي لا يجب التراب في تطهير أرض ترابية تنجست بنجاسة كلبية، إذ لا معنى لتتريب التراب.
لكن لو أصاب نحو ثوب شئ من ذلك وجب تتريبه مع التسبيع، ولا
يكون تبعا لها لانتفاء العلة فيه.
وهي أنه لا معنى لتتريب التراب ولو أصابة شئ من غسلات غير الأرض الترابية غسل بقدر ما بقي من الغسلات.
فإن كان من الأولى وجب غسلها ستا، وإن كان من الثانية وجب خمسا، وهكذا مع التتريب إن لم يكن ترب، وإلا فلا تتريب.
فلو جمعت الغسلات كلها في نحو طست ثم تطاير منها شئ إلى نحو ثوب وجب غسله ستا لاحتمال أن المتطاير من الأولى، فإن لم يكن ترب في الأولى وجب التتريب، وإلا فلا.
(قوله: لو مس) أي شخص.
وقوله: كلبا أي ونحوه كخنزير.
(قوله: لم تنجس يده) قال البجيرمي: وينبغي تقييده بما إذا عد الماء حائلا، بخلاف ما لو قبض بيده على نحو رجل الكلب داخل الماء قبضا شديدا بحيث لا يبقى بينه وبينه ماء فلا يتجه إلا التنجيس.
اه.
قال سم: توهم بعضهم من ذلك - أي من عدم التنجيس بالمماسة داخل ماء كثير - صحة الصلاة مع مس الداخل في الماء الكثير، وهو خطأ، لأنه ماس للنجاسة قطعا.
وغاية الأمر أن مصاحبة الماء الكثير مانعة من التنجيس، ومس النجاسة بالصلاة مبطل لها وإن لم ينجس، كما لو مس نجاسة جافة.
وتوهم بعض الطلبة منه أيضا أنه لو مس فرجه الداخل في الماء الكثير لا ينتقض وضوءه، وهو خطأ، لأنه ماس قطعا.
اه.
(قوله: من ماء) أي محل ماء كإناء، فهو على ماء حذف مضاف يدل عليه قوله بعد: ولم يعلم الخ.
وعبارة المغني: ولو أدخل رأسه في إناء فيه ماء قليل فإن خرج فمه جافا لم يحكم بنجاستة، أو رطبا فكذا في أصح الوجهين، عملا بالأصل.
ورطوبته يحتمل أنها من لعابه.
اه.
وقوله: ولم يعلم مماسته أي فم الكلب له، أي للماء.
وقوله: لم ينجس أي الماء مطلقا.
سواء خرج فمه رطبا أو يابسا، عملا بالأصل.
(قوله: الكلب الطاهر) مثله الخنزير عند مالك، ورواية عن أبي حنيفة، كما في الإقناع.
(قوله: ولا ينجس الماء القليل) معطوف على مقول القول، أي وقالا إنه لا ينجس (قوله: بولوغه) هو أن يدخل لسانه في المائع ويحركه.
والشراب أعم منه، فكل ولوغ شرب ولا عكس.
اه سم.
(قوله: وإنما يجب الخ) معطوف أيضا على المقول.
أي وقال: إنما يجب إلخ.
وهو كالجواب عما يرد عليهما من أنه إذا كان طاهرا فلاي شئ يجب غسل الإناء إذا ولغ فيه؟ وحاصل الجواب أنه وجب ذلك تعبدا، لا لنجاسته.
(قوله: ويعفى الخ) شروع فيما يعفى عنه من النجاسات.
قال البجيرمي: حاصل مسائل الدم والقيح بالنظر للعفو وعدمه أنها ثلاثة أقسام.
الأول: ما لا يعفى عنه مطلقا، أي قليلا أو كثيرا، وهو المغلظ.
وما تعدى بتضمخه، وما اختلط بأجنبي ليس من جنسه.
والثاني: ما يعفى عن قليله دون كثيره،
كبثرة وجرح، وعن قيحه وصديده، (وإن كثر) الدم فيهما وانتشر بعرق، أو فحش الاول بحيث طبق الثوب - على النقول المعتمدة - (بغير فعله) فإن كثر بفعله قصدا، كأن قتل نحو برغوث في ثوبه، أو عصر نحو دمل أو
ــ
وهو الدم الأجنبي والقيح الأجنبي إذا لم يكن من مغلظ ولم يتعد بتضمخه.
والثالث: الدم والقيح غير الأجنبيين، كدم
الدماميل والقروح والبثرات، ومواضع الفصد والحجامة، بعد سده بنحو قطنة فيعفى عن كثيره كما يعفى عن قليله، وإن انتشر للحجامة، ما لم يكن بفعله ولم يجاوز محله، وإلا عفي عن قليله.
اه.
وقوله: ما لم يكن بفعله منه.
ما يقع من وضع لصوق على الدمل ليكون سببا في فتحه وإخراج ما فيه، فيعفى عن قليله دون كثيره.
وقوله: أو يجاوز محله.
قال سم العبادي: المراد بمحله محل خروجه، وما انتشر إلى ما يغلب فيه التقاذف، كمن الركبة إلى قصبة الرجل فيعفى عنه حينئذ إذا لاقى ثوبه مثلا في هذه الحالة.
اه.
(قوله: عن دم نحو برغوث) الإضافة فيه لأدنى ملابسة، لأنه ليس له دم في نفسه وإنما دمه رشحات يمصها من بدن الإنسان ثم يمجها.
(قوله: مما لا نفس الخ) بيان لنحو.
أي من كل ما لا دم له يسيل (قوله: كبعوض الخ) تمثيل لما لا نفس له سائلة.
(قوله: لا عن جلده) أي لا يعفى عن جلد نحو البرغوث في بدن وثوب، ولو بمكة ونحوها أيام ابتلائهم بالذباب.
وأفتى بالعفو عنه الحافظ ابن حجر حينئذ، وإليه أشار ابن العماد في منظومته بقوله: ودم قمل كذا البرغوث منه عفواعن القليل ولم يسمح بجلدته فإنها نجست بالموت ما عذروامن حملها ناسكا صلى بصحبته وينبغي عند جهل الحمل معذرة لناسك عم في أثواب لبسته وذلك لأنه يشق على الإنسان تفتيش ثيابه كل ساعة.
(قوله: ودم نحو دمل) أي ويعفى عن دم نحو دمل.
وقوله: كبثرة تمثيل لنحو الدمل، وهي خراج صغير.
(قوله: وعن قيحه وصديده) أي يعفى عن قيح نحو الدمل وصديده، وهو ماء رقيق مختلط بدم أو دم مختلط بقيح.
(قوله: وإن كثر الدم) أي أو القيح أو الصديد بالنسبة لنحو الدمل.
وقوله: فيهما أي في نحو البرغوث ونحو الدمل.
(قوله: وانتشر بعرق) أي وإن انتشر الدم وجاوز البدن إلى الثوب.
وقوله: بعرق، أي: أو نحوه.
(قوله: أو فحش الأول الخ) أي وإن كثر الأول - وهو دم نحو البرغوث - جدا بحيث طبق الثوب الملبوس، أي ملأه وعمه.
وأفهم قوله الأول أن الثاني - وهو دم نحو الدمل - لا يعفى عنه إذا كان كذلك.
(قوله: بغير فعله) قيد في الكثير.
أي ويعفى عن كثيره حال كونه حاصلا له بغير فعله، ويقيد أيضا بأن لا يجاوز محله، فإن جاوزه عفي عن قليله فقط.
وأما عدم اختلاطه بأجنبي فهو قيد للقليل والكثير، فإن خالطه ذلك لم يعف عن شئ منه أصلا.
نعم، إن كان ذلك الاجنبي الطارئ من جنس الخارج لم يضر اختلاطه به.
وقد ألغز بعضهم في هذا فقال: حي الفقيه الشافعي وقل له ما ذلك الحكم الذي يستغرب
نجس عفي عنه ولو خالطه نجس طرا فالعفو باق يصحب وإذا طرا بدل النجاسة طاهرلا عفو يا أهل الذكاء تعجبوا وأجابه بعضهم بقوله: حييت إذ حييتنا وسألتنا مستغربا من حيث لا يستغرب العفو في نجس عراه مثله من جنسه لا مطلقا فستوعبوا والشئ ليس يصان عن أمثاله لكنه للأجنبي يجنب وأراك قد أطلقت ما قد قيدواوهو العجيب وفهم ذاك الأعجب ويستثنى من الأجنبي ماء الطهارة، فإنه يعفى عنه إذا لم يتعمد وضعه عليها وإلا فلا يعفى عن شئ منه.
قال الخطيب: وينبغي أن يلحق بماء الطهارة ما يتساقط من الماء حال شربه، أو من الطعام حال أكله، أو جعله على جرحه دواء،
حمل ثوبا فيه دم براغيث مثلا، وصلى فيه أو فرشه وصلى عليه، أو زاد على ملبوسه لا لغرض كتجمل، فلا يعفى إلا عن القليل على الاصح - كما في التحقيق والمجموع - وإن اقتضى كلام الروضة العفو عن كثير دم نحو الدمل وإن عصر.
واعتمده ابن النقيب والاذرعي.
ومحل العفو - هنا وفيما يأتي - بالنسبة للصلاة لا لنحو ماء قليل، فينجس به وإن قل، ولا أثر لملاقاة البدن له رطبا، ولا يكلف تنشيف البدن لعسره.
(و) عن (قليل)
ــ
لقوله تعالى: * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) * اه.
وقال الرشيدي: ويلحق أيضا بماء الطهارة ماء الطيب كماء الورد، لأن الطيب مقصود شرعا، خصوصا في الأوقات التي هو مطلوب فيها كالعيدين والجمعة، بل هو أولى بالعفو من كثير مما ذكر.
اه.
(قوله: فإن كثر بفعله) مفهوم قوله بغير فعله.
(قوله: قصدا) خرج ما إذا لم يكن على سبيل القصد، بأن قتل نحو برغوث ناسيا، أو نام في نحو ثوبه وقتله في حال نومه بتقلبه عليه، وكثر الدم فيه فإنه يعفى عنه.
لكن محله إن احتاج النوم في نحو الثوب، وإلا التحق بالعمد.
صرح به في النهاية، ونصها: ولو نام في ثوبه فكثر فيه دم البراغيث التحق بما يقتله منها عمدا لمخالفة السنة من العري عند النوم.
ذكره ابن العماد بحثا، وهو محمول على عدم احتياجه للنوم فيه.
اه.
(قوله: أو حمل) انظر هو معطوف على أي من الأفعال المتقدمة، لا جائز أن يكون معطوفا على قتل ولا عصر لأنه يصير تمثيلا لما كثر بفعله وهو لا يصح لأنه ليس من أفراده كما هو ظاهر، ولا جائز أن يكون معطوفا على كثر لأنه ليس هنا ما يتفرع عليه ويمكن أن يكون معطوفا عليه.
ويلاحظ في الكلام قيد محذوف، أي: وإن كثر بغير فعله بالنسبة لملبوسه ولو للتجمل.
فيكون قوله فإن كثر بفعله مفهوم القيد الأول.
وقوله: أو حمل ثوبا الخ مفهوم القيد الثاني الملاحظ، تأمل.
وعبارة شرح المنهج: والعفو عن الكثير في المذكورات مقيد باللبس لما قال في التحقيق: لو حمل ثوب براغيث أو صلى عليه، أن كثر دمه ضر وإلا فلا.
اه.
(قوله: أو زاد على ملبوسة) أي أو لبس شيئا زائدا على ملبوسه وفيه دم نحو برغوث فإنه لا يعفى عنه لأنه حينئذ كحمله.
وعبارة المغني: ومثله حمل ما لو كان زائدا على تمام لباسه - كما قاله القاضي - لأنه غير مضطر إليه.
قال في المهمات:
ومقتضاه منع زيادة الكم على الأصابع، ولبس ثوب آخر لا لغرض من تجمل ونحوه.
اه.
وهذا ظاهر في الثاني دون الأول.
اه.
وقال سم: قضية كلامهم أن من له ثوبان في أحدهما دم معفو عنه دون الآخر أنه يجوز له لبس الأول والصلاة فيه وإن استغنى عنه بالثاني، لأن منعه من لبس الأول مما يشق، ولأنه لا يشترط في العفو أن يضطر إلى نحو اللبس، وإلا لم تصح صلاة من حمل ثوب براغيث وإن قل دمه، ولأن كلامهم صريح في أنه لا يجب عليه غسل الدم إذا قدر عليه وإذا صحت الصلاة في ثوب البراغيث مع إمكان غسله فلتصح فيه مع القدرة على ثوب آخر لا دم فيه، فليتأمل.
اه.
(قوله: لا لغرض) أي زاد عليه لغير سبب.
وقوله: كتجمل تمثيل للغرض ومثل التجمل الخوف من نحو شدة برد.
(قوله: فلا يعفى إلا عن القليل) أي من دم نحو برغوث ودم نحو دمل.
وهذا جواب فإن كثر.
(قوله: وإن اقتضى كلام الروضة الخ) أي فهو لا يعتد به.
(قوله: ومحل العفو هنا) أي في دم نحو البرغوث ودم نحو الدماميل.
وقوله: وفيما يأتي أي من الدم الأجنبي ودم نحو الحيض والرعاف.
(قوله: بالنسبة للصلاة) أي ونحوها كالطواف، فلو صلى أو طاف به صحت صلاته وطوافه.
(قوله: لا لنحو ماء قليل) أي لا يعفى عنه بالنسبة لنحو ماء قليل كمائع.
(قوله: فينجس) أي الماء به، أي بما ذكر من دم نحو برغوث ونحوه مما مر.
أي إنه لو وقع المتلوث بدم نحو برغوث مثلا في ماء قليل أو مائع تنجس ذلك به فلم يعف عنه بالنسبة إليه.
وقوله: وإن قل أي ما ذكر من دم نحو برغوث ونحوه مما مر.
(قوله: ولا أثر لملاقاة البدن له) أي لما تقدم من الدم الذي يعفى عنه.
وقوله: رطبا حال من البدن أي في حال كون البدن رطبا.
وفي المغني ما نصه: واحتلف فيما لو لبس ثوبا فيه دم براغيث وبدنه رطب، فقال المتولي: يجوز.
وقال الشيخ أبو علي: لا يجوز، لأنه لا ضرورة إلى تلويث بدنه وبه جزم المحب الطبري تفقها.
ويمكن حمل الكلام الأول على ما إذا كانت الرطوبة بماء وضوء أو غسل مطلوب، لمشقة الاحتراز عنه، كما لو كانت بعرق.
والثاني على غير ذلك، كما علم مما مر.
اه.
(قوله: ولا يكلف) أي من يريد لبس ثوب فيه ما مر.
قال في فتح
نحو دم (غيره) - أي أجنبي - غير مغلظ، بخلاف كثيره.
ومنه كما قال الاذرعي: دم انفصل من بدنه ثم أصابه.
(و) عن قليل (نحو دم حيض ورعاف) كما في المجموع.
ويقاس بهما دم سائر المنافذ، إلا الخارج من معدن النجاسة كمحل الغائط.
والمرجع في القلة والكثرة العرف، وما شك في كثرته له حكم القليل.
ولو تفرق النجس في محال - ولو جمع كثر - كان له حكم القليل عند الامام، والكثير عند المتولي والغزالي وغيرهما، ورجحه بعضهم.
ويعفى عن دم نحو فصد وحجم بمحلهما وإن كثر.
وتصح صلاة من أدمى لثته قبل غسل
ــ
الجواد خلافا لابن العماد.
اه.
(قوله: وعن قليل نحو دم غيره) أي ويعفى عن قليل نحو دم غير نفسه.
واندرج - أي تحت - نحو القيح والصديد.
وإنما عفي عن ذلك لأن جنس الدم مما يتطرق إليه العفو فيقع القليل منه في محل المسامحة، وإنما لم يقولوا بالعفو عن قليل نحو البول لغير السلس - مع أن الابتلاء به أكثر - لأنه أقذر، وله محل مخصوص، فسهل الاحتراز عنه، بخلاف نحو الدم فيهما.
أفاده في التحفة.
(قوله: أي أجنبي) تفسير للمضاف وهو غير.
(قوله: غير مغلظ) منصوب على الحال من نحو دم، أي حال كونه غير مغلظ.
وفي بعض نسخ الخط: من غير مغلظ.
بزيادة من الجارة، والكل صحيح،
لأن الدم الخارج من مغلظ كالكلب والخنزير يوصف بالتغليظ.
ويصح أن يكون بالجرصفة لأجنبي، والأول أولى، وخرج به الدم المغلظ فلا يعفى عن شئ منه لغلظه.
(قوله: بخلاف كثيره) أي بخلاف كثير نحو دم غيره فلا يعفى عنه.
(قوله: ومنه) أي من الأجنبي.
وقوله: دم انفصل من بدنه ثم أصابه أي ثم عاد إليه، فيعفى عن قليله دون كثيره.
قال الكردي: ومثل ذلك أيضا ما جاوز محله من دم الفصد والحجامة.
اه.
(قوله: وعن قليل نحو دم حيض إلخ) أي ويعفى عن قليل ذلك.
قال في التحفة: وإن مضغته بريقها، أي أذهبته به، لقبح منظره.
اه.
(قوله: ورعاف) أي ويعفى عن قليل دم رعاف.
(قوله: كما في المجموع) مرتبط بدم نحو الحيض والرعاف.
(قوله: ويقاس بهما) أي بدم نحو الحيض والرعاف.
(قوله: دم سائر المنافذ) أي دم خارج من سائر المنافذ كالعين والأنف والأذنين.
(قوله: إلا الخارج من معدن النجاسة) أي فلا يعفى عنه أصلا.
وفي التحفة ما نصه: فعلم أن العفو عن قليل دم جميع المنافذ هو المنقول الذي عليه الأصحاب.
ومحل العفو عن قليل دم الفرجين إذا لم يخرج من معدن النجاسة، كالمثانة ومحل الغائط.
ولا تضر ملاقاته لمجراها في نحو الدم الخارج من باطن الذكر لأنها ضرورية.
اه.
(قوله: والمرجع في القلة والكثرة العرف) أي فما عده العرف قليلا فهو قليل، وما عده كثيرا فهو كثير.
وقيل: الكثير ما بلغ حدا يظهر للناظر من غير تأمل وإمعان.
وقيل: إنه ما زاد على الدينار.
وقيل: إنه قدر الكف فصاعدا.
وقيل: ما زاد عليه.
وقيل: إن الدرهم البغلي، أي قدره.
وقيل: ما زاد عليه.
وقيل: ما زاد على الظفر.
اه شرح منظومة ابن العماد.
(قوله: وما شك في كثرته) أي ما شك هل هو كثير فلا يعفى عنه؟ أو قليل فيعفى عنه؟ وقوله: له حكم القليل أي فيعفى عنه، لأن الأصل في هذه النجاسات العفو، إلا إذا تيقنا الكثرة.
(قوله: ولو تفرق النجس) أي الذي يعفى عن قليله.
وقوله: في محال أي في مواضع من نحو ثوبه.
(قوله: ولو جمع) أي النجس، في موضع واحد.
وقوله: كثر أي عد كثيرا.
(قوله: كأن الخ) جواب لو الأولى.
وقوله: له حكم القليل أي فيعفى عنه، وهو الراجح عند م ر.
قال سم: وهذا لا ينافي ما تقدم أول الكتاب، فيما لو تفرقت النجاسة التي لا يدركها الطرف ولو جمعت أدركها، أنه لا يعفى عنها على ما تقدم، لأن العفو في الدم أكثر، والعفو عنه أوسع من العفو عن غير الدم من النجاسة كما هو ظاهر.
ولهذا عفي عما يدركه الطرف هنا لا ثم.
اه.
(قوله: والكثير الخ) أي وله حكم الكثير إلخ، فلا يعفى عنه.
(قوله: ويعفى عن دم نحو فصد وحجم) الأولى حذف لفظ نحو، لأن ما يصح اندراجه فيه من دم نحو جرح قد صرح به فيما قبله، قال في التحفة.
وتناقض كلام المصنف في دم الفصد والحجامة، والمعتمد حمل قوله بعدم الفو على ما إذا جاوز محله، وهو ما ينسب عادة إلى الثوب أو محل آخر، فلا يعفى إلا عن قليله لأنه بفعله، وإنما لم ينظر لكونه بفعله عند عدم المجاوزة لأن
الضرورة هنا أقوى منها في قتل نحو البرغوث وعصر البثرة.
اه.
(قوله: بمحلهما) الجار والمجرور صفة لما قبله، أي كائنين بمحلهما.
ولو أخره عن الغاية لكان أولى لأنه قيد فيها.
والمراد بمحلهما ما يغلب السيلان إليه عادة وما حاذاه من الثوب، فإن جاوزه عفي عن المجاوز وإن قل.
اه.
شوبري.
فإن كثر المجاوز فقياس ما تقدم في الاستنجاء أنه إن اتصل المجاوز بغير
الفم، إذا لم يبتلع ريقه فيها، لان دم اللثة معفو عنه بالنسبة إلى الريق.
ولو رعف قبل الصلاة ودام فإن رجا انقطاعه والوقت متسع انتظره، وإلا تحفظ - كالسلس - خلافا لمن زعم انتظاره، وإن خرج الوقت.
كما تؤخر لغسل ثوبه المتنجس وإن خرج.
ويفرق بقدرة هذا على إزالة النجس من أصله فلزمته، بخلافه في مسألتنا.
وعن قليل طين محل مرور متيقن نجاسته ولو بمغلظ، للمشقة، ما لم تبق عينها متميزة.
ويختلف ذلك بالوقت
ــ
المجاوز وجب غسل الجميع، وإن تقطع أو انفصل عنه وجب غسل المجاوز فقط.
اه شيخنا عشماوي.
اه بجيرمي.
وفي حاشية الكردي ما نصه: قال الشهاب عميرة: الظاهر أن المراد بالمحل الموضع الذي أصابه في وقت الخروج واستقر فيه، كنظيره من البول والغائط في الاستنجاء بالحجر.
وحينئذ فلو سال وقت الخروج من غير انفصال لم يضر، ولو انفصل من موضع يغلب فيه تقاذف الدماء فيحتمل العفو كنظيره من الماء المستعمل.
أما لو انتقل من البدن وعاد إليه فقد صرح الأذرعي بأنه كالأجنبي.
اه.
ولو أصاب الثوب مما يحاذي الجرح فلا إشكال في العفو.
فلو سال في الثوب وقت الإصابة من غير انفصال في أجزاء الثوب فالظاهر أنه كالبدن.
اه.
(قوله: لثته) نائب فاعل أدمى.
وهو بتثليث اللام: ما حول الأسنان.
وقيل: هي اللحم المغروز فيه الأسنان.
(قوله: قبل غسل الفم) متعلق بتصح.
(قوله: إذا لم يبتلع ريقه فيها) أي في الصلاة، وخرج بذلك ما إذا ابتلع ريقه فيها فلا تصح صلاته لأنه مخالط للدم.
(قوله: معفو عنه بالنسبة إلى الريق أي فيعفى عن اختلاط الدم بالريق، ولا يعد أجنبيا بالنسبة له لأنه ضروري.
(قوله: ولو رعف قبل الصلاة إلخ) فإن رعف فيها ولم يصبه منه إلا القليل لم يقطعها وإن كثر نزوله على منفصل عنه، فإن كثر ما أصابه لزمه قطعها، ولو جمعة.
خلافا لمن وهم فيه.
اه تحفة.
(قوله: ودام) أي رعافه.
(قوله: فإن رجا إلخ) أي ففيه تفصيل، فإن رجا إلخ.
وقوله: انقطاعه أي الرعاف.
(قوله: والوقت متسع) أي بأن يبقى منه بعد الانقطاع ما يسع الصلاة كاملة.
(قوله: انتظره) أي الانقطاع، ويصلي بعده (قوله: وإلا تحفظ) أي وإن لم يرج انقطاعه والوقت متسع تحفظ كالسلس، بأن يغسل محل الدم من أنفه، ثم يحشوه بنحو قطنة ويعصبه بخرقة إن احتاج إليه.
(قوله: خلافا) منصوب على الحال، أي حال كون ما ذكر من عدم الانتظار مخالفا لمن زعم انتظاره، أي الانقطاع.
وقوله: وإن خرج الوقت غاية للانتظار.
(قوله: كما تؤخر الخ) الكاف للتنظير، وهو راجع لمن زعم الانتظار.
أي أن هذا الزاعم ما ذكر يقيس مسألة الرعاف على مسألة النجاسة، وهي أنه إذا تنجس ثوبه يؤخر الصلاة إلى أن يغسل ثوبه ولو خرج الوقت.
(قوله: ويفرق) أي بين مسألة الرعاف ومسألة النجاسة.
وقوله: بقدرة هذا أي الذي تنجس ثوبه.
(قوله: فلزمته) أي الإزالة، ولو خرج الوقت.
(قوله: بخلافه) الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال
من اسم الإشارة، أو خبر لمبتدأ محذوف، والضمير يعود على من رعف المعلوم من السياق.
أي حال كون هذا الذي تنجس ثوبه متلبسا بمخالفة من رعف، أو هذا الذي تنجس ثوبه متلبس بمخالفته.
وذلك لأن من رعف ليس له قدرة على إزالة الرعاف فلذلك لم يلزمه إنتظار انقطاعه، ولزمته الصلاة مع التحفظ.
وقوله: في مسألتنا أي مسألة الرعاف.
(قوله: وعن قليل طين) معطوف على عن دم إلخ.
أي ويعفى عن قليل طين إلخ في الثوب والبدن، وإن انتشر بعرق أو نحوه مما يحتاج إليه دون المكان إذ لا يعم الابتلاء به فيه.
وخرج بقليل ما ذكر كثيره، فلا يعفى عنه كدم الأجنبي.
وضابط القليل هنا هو الذي لا ينسب صاحبه إلى سقطة على شئ، أو كبوة على وجهه، أو قلة تحفظ وإن كثر عرفا.
والكثير هو الذي ينسب صاحبه إلى ذلك.
وقوله: محل مرور هو أولى من قول غيره شارع، إذ المدار على محل المرور سواء كان شارعا أو غيره.
وقوله: متيقن نجاسته صفة لطين.
وفي التحفة: ومثل التيقن إخبار عدل رواية به.
اه.
وخرج بالمتيقن نجاسته: غيره، وهو مظنونها أو المشكوك فيها، فيحكم عليه بالطهارة عملا بالأصل.
(قوله: ولو بمغلظ) أي ولو كانت النجاسة بمغلظ، أي من مغلظ، وهو الكلب والخنزير.
وعبارة شرح الروض: قال الزركشي: وقضية إطلاقهم العفو عنه ولو مختلطا بنجاسة كلب أو نحوه، وهو المتجه، لا سيما في موضع يكثر فيه الكلاب، لأن الشوارع معدن النجاسات.
اه.
(قوله: للمشقة) علة للعفو عن الطين المذكور.
وعبارة المغني: إذ لا بد للناس من الانتشار في حوائجهم، وكثير منهم لا يملك أكثر من ثوب.
فلو أمروا بالغسل كلما أصابتهم عظمت المشقة عليهم.
(قوله: ما لم تبق) ما مصدرية ظرفية مرتبطة بيعفى المقدر قبل قوله: وعن قليل طين إلخ.
ومحله من الثوب والبدن.
وإذا تعين عين النجاسة في الطريق، ولو مواطئ كلب، فلا يعفى عنها، (وإن عمت الطريق على الاوجه).
(وأفتى شيخنا) في طريق لا طين بها بل فيها قذر الادمي وروث الكلاب والبهائم وقد أصابها المطر، بالعفو عند مشقة الاحتراز.
(قاعدة مهمة): وهي أن ما أصله الطهارة وغلب على الظن تنجسه لغلبة النجاسة في مثله، فيه قولان معروفان بقولي الاصل.
والظاهر أو الغالب أرجحهما أنه طاهر، عملا بالاصل المتيقن، لانه أضبط من الغالب
ــ
وقوله: عينها أي النجاسة.
وقوله: متميزة أي ظاهرة منفصلة عن الطين، غير مستهلكة فيه.
(قوله: ويختلف ذلك) أي المعفو عنه.
وقوله: بالوقت أي فيعفى في زمن الشتاء عما لا يعفى عنه في زمن الصيف.
وقوله: ومحلة أي محل ذلك المعفو عنه.
وقوله: من الثوب والبدن بيان للمحل، أي فيعفى في الذيل والرجل عما لا يعفى في الكم واليد.
(قوله: وإذا تعين عين النجاسة) أي وإذا تميزت عين النجاسة إلخ.
وهذا محترز قوله: ما لم تبق عينها متميزة.
والأولى التعبير بفاء التفريع.
(قوله: ولو مواطئ) جمع موطئ، أي ولو كان الطريق محل وطئ الكلاب، أي مرورها.
ولم تذكر هذه الغاية في التحفة وفتح الجواد والنهاية والأسنى وغيرها، فالأولى إسقاطها إذ لا معنى لتخصيص الكلاب بالذكر، وأيضا الغاية الثانية تغني عنها.
(قوله: فلا يعفى عنها إلخ) وإلى ذلك أشار ابن العماد بقوله: وليس يعفى عن الأرواث إن بقيت أعيانها قاله في نص روضته
للعقل فيها مجال عند كثرتها والقول في مسجد قاض بيسرته أي بالعفو عنه.
(قوله: وإن عمت الطريق) أي بحيث يشق الاحتراز عن المشي في غير محلها.
وفي النهاية: نعم، إن عمتها.
فللزركشي احتمال بالعفو، وميل كلامه إلى اعتماده.
كما لو عم الجراد أرض الحرم.
اه.
(قوله: وأفتى شيخنا إلخ) عبارة الفتاوي: سئل عن الشارع الذي لم يكن فيه طين وفيه سرجين وعذرة الآدميين وزبل الكلاب، هل يعفى - إذا حصل المطر - عما يصيب الثوب والرجل منه؟ فأجاب بقوله: يعفى عما ذكر في الشارع مما يتعسر الاحتراز عنه لكونه عم جميع الطريق.
ولم ينسب صاحبه إلى سقطة ولا إلى كبوة وقلة تحفظ.
اه.
(قوله: قاعدة مهمة) قد أشار إليها ابن العماد في منظومته فقال: تقديم أصل على ذي حالة غلبت قال القرافي لنا حكم برخصته أحسن به نظرا واترك سؤالك لا تشغل به عمرا تشقى بضيعته ما عارض الأصل فيه غالب أبدا فتركه ورع دعه لريبته وما استوى عندنا فيه ترددنا أو كان في ظننا ترجيع طهرته فتركه بدعة والبحث عنه رأوا ضلالة تركها أولى لبدعته إن التنطع داء لا دواء له إلا بتركك إياه برمته (قوله: وهي) أي القاعدة.
(قوله: أن ما أصله الطهارة الخ) أي إن الشئ الذي أصله الطهارة ولم تتيقن نجاسته، بل غلب على الظن نجاسته كطين الشارع المار وكما سيأتي من الأمثلة.
(قوله: فيه قولان) أي فيما أصله الخ.
أي في الحكم عليه بالطهارة أو بالنجاسة قولان.
وقوله: معروفان أي مشهوران.
وقوله: بقولي مثنى حذفت منه النون لإضافته إلى ما بعده.
وقوله: أو الغالب أي بدل الظاهر، فالقول الثاني مشهور بالظاهر وبالغالب.
(قوله: أرجحهما) أي القولين، أنه طاهر.
(قوله: عملا بالأصل) محل العمل به إذا استند ظن النجاسة إلى غلبتها، وإلا عمل بالغالب.
فلو بال حيوان في ماء كثير وتغير، وشك في سبب تغيره هل هو البول؟ أو نحو طول المكث؟ حكم بتنجسه عملا بالظاهر، لاستناده إلى سبب معين كخبر العدل، مع أن الأصل عدم غيره.
كذا في شرح الروض والمغني.
(قوله: لأنه) أي
المختلف بالاحوال والازمان، (وذلك كثياب خمار وحائض وصبيان)، وأواني متدينين بالنجاسة، وورق يغلب نثره على نجس، ولعاب صبي، وجوخ اشتهر عمله بشحم الخنزير، وجبن شامي اشتهر عمله بإنفحة الخنزير.
وقد جاءه (ص) جبنة من عندهم فأكل منها ولم يسأل عن ذلك.
ذكره شيخنا في شرح المنهاج.
(و) يعفى عن
ــ
الأصل.
(وقوله: أضبط من الغالب) أي أكثر ضبطا منه.
وقوله: المختلف بالأحوال أي أحوال الناس.
فقد يكون غالبا
باعتبار حال شخص ونادرا باعتبار حال شخص آخر.
وقوله: والأزمان أي فقد يكون في زمن غالبا وفي زمن نادرا.
(قوله: وذلك) أي ما كان الأصل فيه الطهارة وغلب على الظن تنجسه.
(قوله: كثياب خمار) أي من يصنع الخمر أو يتعاطاه وهو مدمن له، ومثل ثيابه أوانيه.
(قوله: وحائض وصبيان) أي ومجانين وجزارين، فيحكم على ثيابهم بالطهارة على الأرجح عملا بالأصل.
(قوله: وأواني متدينين بالنجاسة) أي أواني مشركين متدينين باستعمال النجاسة، كطائفة من المجوس يغتسلون بأبوال البقر تقربا.
(قوله: وورق يغلب نثره على نجس) في المغني: سئل ابن الصلاح عن الأوراق التي تعمل وتبسط وهي رطبة على الحيطان المعمولة برماد نجس.
فقال: لا يحكم بنجاستها، أي عملا بالأصل.
(قوله: ولعاب صبي) في القاموس: اللعاب كغراب، ما سال من الفم.
اه.
أي فهو طاهر بالنسبة للأم وغيرها، وإن كان يحتمل اختلاطه بقيئه النجس عملا بالأصل، ولعموم البلوى به.
ومثله لعاب الدواب وعرقها فهما طاهران.
(قوله: وجوخ إلخ) في المغني: سئل ابن الصلاح عن الجوخ الذي اشتهر على ألسنة الناس أن فيه شحم الخنزير؟ فقال: لا يحكم بنجاسته إلا بتحقق النجاسة.
اه.
(قوله: وجبن شامي الخ) أي فهو طاهر عملا بالأصل.
(قوله: بإنفحة الخنزير) قال في المصباح: الإنفحة بكسر الهمزة وفتح الفاء وتثقيل الحاء أكثر من تخفيفها.
ونقل عن الجوهري أنها هي الكرش.
ونقل عن التهذيب أنها لا تكون إلا لكل ذي كرش، وهو شئ يستخرج من بطنه أصفر، يعصر في صوفه مبتلة في اللبن فيغلظ كالجبن.
ولا يسمى إنفحة إلا وهو رضيع، فإذا رعى قيل استكرش، أي صارت إنفحته كرشا.
اه.
(قوله: وقد جاءه صلى الله عليه وسلم إلخ) تأييد لكونه يعمل بالأصل بالنسبة للجبن، ويقاس عليه غيره مما مر.
(قوله: جبنة) بضم الجيم وسكون الباء وفتح النون.
وقوله: من عندهم أي أهل الشام.
(قوله: فأكل منها) أي من الجبنة.
(قوله: ولم يسأل) أي النبي عليه الصلاة والسلام.
وقوله: عن ذلك أي عن كونه عمل بإنفحة الخنزير.
(قوله: ذكره شيخنا في شرح المنهاج) أي ذكر معظم ما في هذه القاعدة ونص عبارته.
وخرج بالمتيقن نجاسته مظنونها منه، أي طين الشارع، ومن نحو ثياب خمار وقصاب وكافر متدين باستعمال النجاسة، وسائر ما تغلب النجاسة في نوعه فكله طاهر للأصل.
نعم، يندب غسل ما قرب احتمال نحاسته.
وقولهم: من البدع المذمومة غسل الثوب الجديد، محمول على غير ذلك.
اه.
وقد ذكر هذه القاعدة وغيرها في الأنوار، ولنسق لك عبارته تكميلا للفائدة، ونصها: فصل: إذا ثبت أصل في الحل أو الحرمة أو الطهارة أو النجاسة فلا يزال إلا باليقين، فلو كان معه إناء من الماء أو الخل أو لبن المأكول أو دهنه فشك في تنجسه، أو من العصير فشك في تخمره، لم يحرم التناول.
ولو شك في حيض زوجته أو تطليقه لها لم يحرم الاستمتاع.
ولو شك أنه لبن مأكول أو لحم مأكول أو غيره، أو وجد شاة مذبوحة ولم يدر أن ذابخها مسلم أو مجوسي، أو نباتا وشك أنه سم قاتل أم لا، حرم التناول، ولو أخبر فاسق أو كتابي بأنه ذكاها قبل.
وإذا تعارض أصل وظاهر فالعمل بالأصل.
فثياب مدمني الخمر وأوانيهم، وثياب القصابين والخفافين والصبيان والمجانين الذين لا يحترزون عن النجاسات، وطين الشوارع والمقابر المنبوشة، والحبوبات المدوسة بالثيران، وماء الموازيب، وأواني الكفار المتدينين باستعمال النجاسة - كمجوس الهند يغتسلون ببول البقر - واليهود والنصارى المنهمكين في الخمر والتلوث بالخنزير، وكل ما الغالب في مثله النجاسة طاهرة ما لم يتحقق النجاسة، بشرط أن تكون غلبة الظن مستندة إلى الغالب لا غير.
فلو رأى بهيمة تبول في ماء كثير، وهو بعيد فجاءه ووجده متغيرا وشك أنه كان بالبول أم بغيره فهو نجس.
ومن القسم الأول حكم الأموال في زماننا، لأن الأصل فيها الحل والظاهر غلبة الحرام.
ذكره الغزالي وغيره.
اه.
وقوله طاهرة خبر عن قوله فثياب مدمني الخمر.
وقوله ومن القسم الأول لعله الثاني، وهو ما تعارض فيه أصل وظاهر.
(محل استجماره و) عن (ونيم ذباب) وبول (وروث خفاش) في المكان، وكذا الثوب والبدن، وإن كثرت، لعسر الاحتراز عنها.
ويعفى عما جف من ذرق سائر الطيور في المكان إذا عمت البلوى به.
وقضية كلام المجموع العفو عنه في الثوب والبدن أيضا، ولا يعفى عن بعر الفأر - ولو يابسا - على الاوجه.
لكن أفتى شيخنا ابن زياد - كبعض المتأخرين - بالعفو عنه إذا عمت البلوى به، كعمومها في ذرق الطيور.
ولا تصح صلاة من
ــ
وفي المغني ما نصه: (فائدة) قال القاضي حسين: إن مبنى الفقه على أربع قواعد: اليقين لا يزول بالشك، والضرر يزال، والعادة محكمة، والمشقة تجلب التيسير.
زاد بعضهم: والأمور بمقاصدها، أي أنها إنما تقبل بنياتها.
ونظمها بعضهم فقال: خمس مقررة قواعد مذهب للشافعي بها تكون خبيرا ضرر يزال وعادة قد حكمت وكذا المشقة تجلب التيسيرا والشك لا ترفع به متيقنا والنية اخلص إن قصدت أمورا وقال ابن عبد السلام: يرجع الفقه كله إلى اعتبار المصالح ودرء المفاسد.
وقال السبكي: بل إلى اعتبار المصالح فقط لأن درء المفاسد من جملتها.
اه.
(قوله: ويعفى عن محل استجماره) أي عن أثر محله، وكذا ما يلاقيه من الثوب.
ع ش.
والعفو عنه في حقه فقط، فلو قبض على بدن مصل أو على ثوبه بطلت صلاته، وبالنسبة للصلاة فقط، فلو أصاب ماء قليلا نجسه.
(قوله: وعن ونيم ذباب) أي روثه، ومثله بوله.
والذباب مفرد، وقيل: جمع ذبابة، بالباء لا بالنون، لأنه لم يسمع، وجمعه ذبان كغربان، وأذبة كأغربة.
قال بعضهم: الذباب مركب من ذب آب، أي طرد رجع، لأنه كلما طرد رجع.
ولا يعيش أكثر من
أربعين يوما، وكله في النار لتعذيب أهلها لا لتعذيبه.
وكان لا يقع على جسده صلى الله عليه وسلم ولا على ثيابه، وهو أجهل الخلق، لأنه يلقي نفسه على ما فيه هلاكه، واسمه أبو حمزة.
اه.
والمراد به ما يشمل النحل والقمل والبق.
قال ابن العماد.
كذا الونيم إذا قلت إصابته أو عم عنى فخذ حكما بحكمته من الذباب أو الزنبور مثلهما بول الفراش كذا أرواث نحلته فالكل يسمى ذبابا في اللسان كذا في جاحظ نقله فاحكم بقوته (قوله: وبول وروث) يقرآن من غير تنوين لإضافتهما إلى خفاش، وهو بضم الخاء وفتح الفاء المشددة، الوطواط.
(قوله: في المكان) أي مكان المصلي، وهو متعلق بيعفى.
(قوله: وكذا الثوب والبدن) أي وكذا يعفى عما ذكر فيهما.
(قوله: وإن كثرت) غاية للعفو، وضميره المستتر عائد على ونيم الذباب وبول وروث الخفاش.
أي أنه لا فرق في ذلك بين كثيره وقليله، ومثله أيضا لا فرق بين رطبه ويابسه.
كما في التحفة.
(قوله: لعسر الاحتراز عنها) علة العفو، أي ويعفى عما ذكر لأنه مما يشق الاحتراز عنه لكونه مما تعم به البلوى.
(قوله: ويعفى عما جف من ذرق سائر الطيور) ذكر شرطين للعفو وهما الجفاف وعموم البلوى، وبقي أن لا يتعمد المشي عليه كما مر.
وعبارة التحفة: ويستثنى من المكان ذرق الطيور فيعفى عنه فيه أرضه وكذا فراشه على الأوجه، إن كان جافا ولم يتعمد ملامسته.
ومع ذلك لا يكلف تحري غير محله إلا في الثوب مطلقا على المعتمد.
اه.
(قوله: وقضية كلام المجموع الخ) ضعيف.
وقوله: العفو عنه أي عن ذرق الطيور.
وقوله: أيضا أي كما يعفى عنه في المكان.
(قوله: ولا يعفى عن بعر الفأر) أي بالنسبة للمكان والثوب والبدن.
فلا ينافي ما مر من أنه يعفى عنه بالنسبة لحياض الا خلية.
(قوله: بالعفو عنه) إن كان المراد في الثوب وما عطف عليه فالأمر ظاهر، وإن كان المراد في المائع فهو أمر معلوم مذكور غير مرة.
والمتبادر من عبارته الأول فانظره.
(قوله: كعمومها) أي عمت عموما كعمومها في ذرق
حمل مستجمرا أو حيوانا بمنفذه نجس، أو مذكى غسل مذبحه دون جوفه، أو ميتا طاهرا كآدمي وسمك يغسل باطنه، أو بيضة مذرة في باطنها دم.
ولا صلاة قابض طرف متصل بنجس وإن لم يتحرك بحركته.
فرع: لو رأى من يريد صلاة وبثوبه نجس غير معفو عنه لزمه إعلامه.
وكذا يلزم تعليم من رآه يخل بواجب عبادة في رأي مقلده.
ــ
الطيور، وذلك بأن يشق الاحتراز عنه.
(قوله: ولا تصح صلاة إلخ) إذ العفو للحاجة ولا حاجة إلى ما ذكر في الصلاة.
وقوله: من حمل مستجمر أي مستنجيا بالحجر.
قال ع ش: ومثل الحمل ما لو تعلق المستجمر بالمصلي أو المصلي بالمستجمر، فإنه تبطل صلاته، ووجه البطلان فيهما اتصال المصلي بما هو متصل بالنجاسة.
ويؤخذ منه أن المستنجي بالماء إذا أمسك مصليا مستجمرا بطلت صلاة المستجمر لأن بعض بدنه متصل بيد المستنجي بالماء ويده متصلة ببدن المصلي المستجمر بالحجر، فصدق عليه أنه متصل بمتصل نجس، وهو نفسه لا ضرورة لاتصاله به.
اه.
(قوله: أو
حيوانا الخ) أي أو حمل حيوانا بمنفذه نجس.
ومثل الحمل ما مر آنفا.
(قوله: أو مذكى الخ) أي أو حمل حيوانا مذكى، أي زالت حياته بذكاة شرعية.
وقوله: غسل مذبحه أي محل الذبح من نحو الحلق.
وقوله: دون جوفه أي لم يغسل.
(قوله: أو ميتا طاهرا) أي أو حمل ميتا طاهرا.
وإنما بطلت صلاته لحمله لما في جوفه من النجاسة، وإنما لم تبطل إذا حمل حيوانا حيا لأن للحياة أثرا في دفع النجاسة.
(قوله: كآدمي وسمك) أي وجراد، وهي أمثلة للميت الطاهر.
(قوله: لم يغسل باطنه) أي الميت الطاهر.
فإن غسل باطنه بأن شق - وهو بالنسبة للآدمي حرام إلا فيما استثنى لما فيه من انتهاك حرمته - لم تبطل الصلاة بحمله.
(قوله: أو بيضة مذرة) أي أو حمل بيضة مذره، أي بأن أيس من مجئ فرخ منها.
وقوله: في باطنها دم وإنما بطلت الصلاة بحملها لنجاسة الدم الذي فيها، لما صرح به فيما مر من أنه طاهر إذا لم يفسد.
ومفهومه أنها إن فسدت كان نجسا.
(قوله: ولا صلاة قابض الخ) أي ولا تصح صلاة قابض، أي أو شاد أو حامل ولو بلا قبض، ولا شدة طرف متصل بنجس.
وحاصل المعتمد في هذه المسألة - كما في الكردي -: أنه إن وضع طرف الحبل بغير شد على جزء طاهر من شئ متنجس كسفينة متنجسة، أو على شئ طاهر متصل بنجس كساجور كلب، لم يضر ذلك مطلقا.
أو وضعه على نفس النجس ولو بلا نحو شد ضر مطلقا.
وإن شده على الطاهر المتصل بالنجس نظر إن انجز بجره ضر وإلا فلا.
وخرج بقابض وما بعده ما لو جعله المصلي تحت قدمه فلا يضر وإن تحرك بحركته، كما لو صلى على بساط مفروش على نجس، أو بعضه الذي لا يماسه نجس.
(تتمة) تجب إزالة الوشم - وهو غرز الجلد بالإبرة - إلى أن يدمى، ثم يذر عليه نحو نيلة فيخضر لحمله نجاسة هذا إن لم يخف محذورا من محذورات التيمم السابقة في بابه، أما إذا خاف فلا تلزمه الإزالة مطلقا.
وقال البجيرمي: إن فعله حال عدم التكليف كحالة الصغر والجنون لا يجب عليه إزالته مطلقا، وإن فعله حال التكليف فإن كان لحاجة لم تجب الإزالة مطلقا وإلا فإن خاف من إزالته محذور تيمم لم تجب وإلا وجبت، ومتى وجبت عليه إزالته لا يعفى عنه ولا تصح صلاته معه.
ثم قال: وأما حكم كي الحمصة فحاصله أنه إن قام غيرها مقامها في مداواة الجرح لم يعف عنها ولا تصح الصلاة مع حملها، وإن لم يقم غيرها مقامها صحت الصلاة ولا يضر انتفاخها وعظمها في المحل ما دامت الحاجة قائمة، وبعد انتهاء الحاجة يجب نزعها.
فإن ترك ذلك من غير عذر ضر ولا تصح صلاته.
اه.
(قوله: لزمه إعلامه) أي لأن الأمر بالمعروف لا يتوقف على العصيان.
قال ابن عبد السلام: وأفتى به الحناطي،
كما لو رأينا صبيا يزني بصبية فإنه يجب المنع.
اه.
نهاية.
(قوله: وكذا يلزمه تعليم إلخ) أي كفاية إن كان ثم غيره يقوم به وإلا فعينا.
نعم، إن قوبل ذلك بأجرة لم يلزمه إلا بها على المعتمد.
اه تحفة.
(قوله: في رأي مقلد) بفتح اللام،
تتمة: يجب الاستنجاء من كل خارج ملوث بماء.
ويكفي فيه غلبة ظن زوال النجاسة، ولا يسن حينئذ شم يده، وينبغي الاسترخاء لئلا يبقى أثرها في تضاعيف شرج المقعدة، أو بثلاث مسحات تعم المحل في كل
ــ
أي إمامه.
(قوله: تتمة) أي في بيان أحكام الاستنجاء.
وفي آداب داخل الخلاء.
(قوله: يجب الاستنجاء) أي في حق غير الأنبياء لأن فضلاتهم طاهرة، ووجوبه لا على الفور بل عند إرادة القيام إلى الصلاة مثلا.
وقد يندب الاستنجاء كما إذا خرج منه غير ملوث كدود أو بعر، وقد يكره كالاستنجاء من الريح، وقد يحرم كالاستنجاء بالمطعوم، وقد يباح كما إذا عرق المحل فاستنجى لإزالة ذلك العرق.
وخالف في هذا بعضهم.
واعلم أن أركان الاستنحاء أربعة: مستنج، وهو الشخص.
ومستنجى منه، وهو الخارج الملوث.
ومستنجى فيه، وهو القبل والدبر.
ومستنجى به، وهو الماء أو الحجر.
(قوله: من كل خارج) أي من الفرج، ولو نادرا كدم.
ويستثنى المني فلا يجب الاستنجاء منه لأنه طاهر.
وقوله، ملوث أي ولو قليلا يعفى عنه بعد الحجر.
لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء، ويكفي فيه الحجر وإن لم يزل منه شيئا.
وقد يقال: ما فائدته؟ اللهم إلا أن يقال نظير إمرار الموسى على رأس الأقرع.
اه رحماني بجيرمي.
(قوله: بماء) متعلق بالاستنجاء.
وإنما جاز الاستنجاء به مع أنه مطعوم لأن الماء فيه قوة دفع، بخلاف غيره من المائعات.
اه ع ش.
وشمل الماء ماء زمزم فيجزئ إجماعا، والمعتمد أنه خلاف الأولى.
ومشى في العباب على التحريم مع الإجزاء.
وأهل مكة يمتنعون من استعماله في الاستنجاء، ويشنعون التشنيع البليغ على من يفعل ذلك، ومقصودهم بهذا مزيد تعظيمها.
ويلحق به ما نبع من أصابعه صلى الله عليه وسلم وماء الكوثر.
اه بجيرمي.
(قوله: ويكفي فيه) أي في الاستنجاء بالماء.
(وقوله: غلبة ظن زوال النجاسة) علامة ذلك ظهور الخشونة بعد النعومة في الذكر، وأما الأنثى فبالعكس.
(قوله: ولا يسن حينئذ) أي حين إذ غلب على الظن زوال النجاسة.
وقوله: شم يده نائب فاعل يسن.
فلو شم من يده رائحة النجاسة لم يحكم ببقاء النجاسة على المحل، وإن حكمنا على يده بالنجاسة، فيغسل يده فقط.
قال في التحفة: إلا إن يشمها من الملاقي للمحل، فإنه دليل على نجاستهما كما هو ظاهر، اه.
وقوله: من الملاقي للمحل: أي وهو باطن الأصبع الذي مس محل النجاسة.
وقوله دليل على نجاستهما: أي المحل والملاقي له، فيجب غسلهما.
(قوله: وينبغي) أي ويطلب وجوبا.
وفي البجيرمي ما نصه: وينبغي - أي وجوبا للمرأة والرجل - الاسترخاء، لئلا يبقى أثر النجاسة في تضاعيف شرج المقعدة، وكذا أثر البول في تضاعيف باطن الشفرين.
اه.
(وقوله: شرج) بفتحتين، مجمع
حلقة الدبر الذي ينطبق.
اه كردي.
(قوله: أو بثلاث مسحات) معطوف على بماء.
وأو هنا مانعة خلو فتجوز الجمع، بل هو أفضل.
وهذا شروع في بيان الاستنجاء بغير الماء، وهو رخصة من خصائصنا.
واعلم أنه يشترط فيه من حيث كونه بغير الماء أربعة شروط: أن يكون بجامد، فلا يكفي المائع كماء الورد والخل.
وأن يكون بطاهر، فلا يكفي النجس كالبعر والمتنجس.
وأن يكون بقالع لعين النجاسة، فلا يكفي نحو الفحم الرخو والتراب المتناثر ونحو القصب الأملس ما لم يشق، وإلا أجزأ.
وأن يكون بغير محترم، فلا يكفي المحترم كمطعوم الآدميين كالخبز ما لم يحرق، وكمطعوم الجن كالعظم.
ويشترط فيه من حيث الخارج ستة شروط: أن يخرج الملوث من فرج، وأن لا يجف، وأن لا يجاوز صفحة في الغائط - وهي ما ينضم من الأليين عند القيام - وحشفة في البول - وهي ما فوق الختان -.
وأن لا ينقطع، وأن لا ينتقل عن المحل الذي أصابه عند الخروج واستقر فيه، وأن لا يطرأ عليه أجنبي.
فإن فقد شرط من هذه الشروط تعين الماء، ويشترط فيه من حيث الاستعمال ثلاثة شروط: أن يمسح ثلاثا ولو بأطراف حجر واحد، وأن يعم المحل كل مرة، وأن ينقي المحل.
فإن لم ينق بالثلاث وجبت الزيادة عليها إلى أن لا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء أو صغار الخزف.
وعدها بعضهم اثني عشر، وأسقط من شروط الخارج الستة عدم التقطع.
ونظمها بقوله: واشرط إذا استنجيت بالأحجار اثنين مع عشر بلا إنكار بطاهر وقالع لا محترم مع النقاء والرطوبة انعدم ولا يجف خارج لا ينتقل لا أجنبي يطرا يجاوز المحل
مرة، مع تنقية بجامد قالع.
ويندب لداخل الخلاء أن يقدم يساره، ويمينه لانصرافه، بعكس المسجد.
وينحي ما عليه معظم، من قرآن واسم نبي أو ملك، ولو مشتركا كعزيز وأحمد إن قصد به معظم.
ويسكت حال خروج
ــ
وثلث المسح وفرج أصلي وهكذا نظافة المحل وذكر الشارح رحمه الله تعالى منها خمسة وهي: تثليث المسح، وتعميم المحل في كل مرة، وتنقيته، وأن يكون المستنجى به جامدا، وأن يكون قالعا.
فتنبه.
(قوله: تعم المحل في كل مرة) أي ليصدق ويتحقق تثليث المسح.
واعلم أن كيفيته الكاملة أن يبدأ بالأول من مقدم الصفحة اليمنى ويديره قليلا قليلا إلى أن يصل إلى الذي بدأ منه.
ثم بالثاني من مقدم الصفحة اليسرى كذلك.
ثم يمر الثالث على الصفحتين والمسربة معا.
وكيفية في الذكر - كما قاله الشيخان - أن يمسحه على ثلاثة مواضع من الحجر.
والأولى للمستنجي بالماء أن يقدم القبل، وبالحجر أن يقدم الدبر لأنه أسرع جفافا.
(قوله: مع تنقية) أي للمحل، والإنقاء أن يزيل العين حتى لا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء أو صغار الخزف، فإن لم ينقه بالثلاث وجب إنقاء بالزيادة عليها إلى أن لا يبقى إلا ما مر.
(قوله: بجامد) متعلق بمحذوف، صفة لمسحات.
أي مسحات كائنات بجامد.
وخرج به الرطب، ومنه المائع فلا يجزئ الاستنجاء به.
وقوله: قالع أي لعين النجاسة.
قال في النهاية ولو كان حريرا للرجال.
كما قال إبن العماد بإباحته لهم كالضبة الجائزة، وليس من باب اللبس حتى يختلف الحكم بين الرجال والنساء.
وتفصيل المهمات بين الذكور وغيرهم مردود بأن الاستنجاء به لا يعد استعمالا في العرف وإلا لما جاز بالذهب والفضة.
اه.
(قوله: ويندب لداخل الخلاء) أي ولو لحاجة أخرى غير قضاء الحاجة، كوضع متاع فيه أو أخذه منه.
والخلاء بالمد المكان الخالي نقل إلى البناء المعد لقضاء الحاجة.
قال الترمذي: سمي باسم شيطان فيه يقال له خلاء، وأورد فيه حديثا.
وقيل: لأنه يتخلى فيه، أي يتبرز.
وجمعه أخلية، كرداء وأردية.
ويسمى أيضا المرفق والكنيف والمرحاض، وهو ليس بقيد بل المدار على الوصول لمحل قضاء الحاجة ولو بصحراء.
ودناءة الموضع فيها قبل قضاء الحاجة تحصل بمجرد قصد قضائها فيه، كالخلاء الجديد قبل أن يقضي فيه أحد.
قال في التحفة: وفيما له دهليز طويل يقدمها عند بابه ووصوله لمحل جلوسه.
اه.
وقوله: إن يقدم يساره أي أو بدلها، وذلك لما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن من بدأ برجله اليمنى قبل يساره إذا دخل الخلاء ابتلي بالفقر.
(قوله: ويمينه لانصرافه) أي ويندب لمن دخل الخلاء وأراد الانصراف منه أن يقدم يمينه عند انصرافه.
(قوله: بعكس المسجد) خبر لمبتدأ محذوف، أي وهذا ملتبس بعكس المسجد، أي فيقدم يمينه عند دخوله ويساره عند خروجه، وذلك لأن كل ما كان من باب التكريم يبدأ فيه باليمين وخلافه باليسار، لمناسبة اليسار للمستقذر واليمين لغيره.
والأوجه فيما لا تكرمة فيه ولا استقذار كالبيوت أنه يكون كالمسجد.
وفي النهاية.
ولو خرج من مستقذر لمستقذر أو من مسجد لمسجد فالعبرة بما بدأ به في الأوجه.
اه.
أي ففي الصورة الأولى يقدم اليمنى عند الخروج لأنه بدأ باليسار، وفي الثانية يقدم اليسرى عنده لأنه بدأ باليمنى.
وصرح في التحفة في الصورة الثانية بأنه يتخير، أي بين تقديم اليمنى أو اليسرى.
وصرح فيها أيضا بأن الأوجه في شريف وأشرف كالكعبة وبقية المسجد مراعاة الأشرف، أي فيقدم اليمنى عند دخوله الكعبة وعند خروجه منها إلى المسجد يقدم اليسرى.
وصرح في النهاية بأن الأوجه مراعاتهما معا، فيقدم يمينه دخولا وخروجا.
(قوله: وينحي إلخ) أي ويندب له أن ينحي - أي يزيل منه - الشئ الذي كتب عليه معظم.
وذلك لما صح: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه، وكان نقشه محمد رسول الله، محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر.
وفي المغني ما نصه: وهذا الأدب مستحب.
قال ابن الصلاح: وليتهم قالوا بوجوبه.
قال الأذرعي: والمتجه تحريم إدخال المصحف ونحوه الخلاء من غير ضرورة، إجلالا له وتكريما.
اه.
قال الأسنوي: وكلام محاسن الشريعة تحريم بقاء الخاتم الذي
عليه ذكر الله في اليسار حال الاستنجاء وهو ظاهر إذا أفضى ذلك إلى تنجسه.
اه ملخصا.
وينبغي حمل كلام الأذرعي على ما إذا خيف عليه التنجيس.
اه.
(قوله: من قرآن إلخ) بيان للمعظم.
وقوله: ولو مشتركا أي ولو كان اللفظ الدال على المعظم مشتركا، أي يطلق على غيره بطريق الاشتراك، كالعزيز فهو يطلق على الله تعالى وعلى من ولي
خارج ولو عن غير ذكر وفي غير حال الخروج عن ذكر.
ويبعد ويستتر.
وأن لا يقضي حاجته في ماء مباح راكد ما لم يستبحر.
ومتحدث غير مملوك لاحد، وطريق.
وقيل: يحرم التغوط فيها.
وتحت مثمر بملكه، أو مملوك
ــ
مصر، وكأحمد فهو يطلق على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى غيره.
(قوله: إن قصد به) أي بذلك المشترك، معظم.
قال في النهاية: أو قامت قرينة قوية على أنه المراد به.
والأوجه أن العبرة بقصد كاتبه لنفسه أو لغيره متبرعا، وإلا فالمكتوب له.
اه.
وخرج بذلك ما إذا اقصد به غيره أو أطلق، فلا كراهة.
(قوله: ويسكت إلخ) أي ويندب أن لا يتكلم حال خروج الخارج مطلقا، ذكرا كان أو غيره، للنهي عن التحدث على الغائط.
فلو عطس حمد بقلبه فقط - كالمجامع - ويثاب عليه، وليس لنا ذكر قلبي يثاب عليه إلا هذا، فلو خالف وجهر به وسمعه اخر لا يطلب منه تشميته لعدم طلب الحمد فيه لفظا، فإن تكلم ولم يسمع نفسه فلا كراهة.
وفي حاشية الجمل ما نصه: هل من الكلام ما يأتي به قاضي الحاجة من التنحنح عند طرق باب الخلاء من الغير ليعلم هل فيه أحد أم لا؟ فيه نظر، والأقرب أن مثل هذا لا يسمى كلاما وبتقديره فهو لحاجة، وهي دفع من يطرق الباب عليه لظنه خلو المحل.
اه.
وقد يجب الكلام فيما إذا خاف وقوع محذور على غيره، كمن رأى أعمى يريد أن يسقط في بئر أو رأى حية تقصده، فيجب أن ينبهه تحذيرا له من الضرر.
(قوله: وفي غير حال الخروج إلخ) أي ويندب في غير هذه الحالة أن لا يتكلم بذكر وقرآن فقط، فإن تكلم بغيرهما فلا كراهة.
وفي البجيرمي ما نصه: قوله: حال قضاء الحاجة ليس بقيد، فالمعتمد الكراهة حال قضاء حاجته وقبله وبعده لأن الآداب للمحل.
وإن كان قضية كلام الشيخين ما مشى عليه الشارح.
شوبري.
اه.
(قوله: ويبعد) أي ويندب أن يبعد عن الناس - ولو في البول - إلى حيث لا يسمع للخارج منه صوت ولا يشم له ريح.
وقوله: ويستتر أي ويندب أن يستتر عن أعين الناس، لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: من أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبا من رمل فليستتر به، فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم.
من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج عليه.
ويحصل الستر بمرتفع قدر ثلثي ذراع وقد قرب منه ثلاثه أذرع فأقل، ولو براحلته ونحو ذيله.
اه شرح الرملي.
(قوله: وأن لا يقضي حاجته إلخ) ويندب أن لا يقضي حاجته - بولا كانت أو غائطا - في ماء مباح راكد، للنهي عن البول في حديث مسلم، ومثله الغائط بل أولى، والنهي في ذلك للكراهة، وإن كان الماء قليلا لإمكان طهره بالكثرة.
وفي الليل أشد كراهة، لأن الماء بالليل مأوى الجن.
ويشترط في
المباح أن لا يكون مسبلا ولا موقوفا، فإن كان كذلك حرم ذلك فيه.
ومثل المباح المملوك له.
ومثل الموقوف المملوك لغيره.
وخرج بالراكد الجاري، فلا يكره ذلك في كثيره لقوته ويكره في القليل منه، كما في المغنى.
ومثل البول والغائط البصاق والمخاط ونحوهما من كل ما يستقذر وتعافه الناس.
وقوله: ما لم يستبحر مرتبط بمحذوف تقديره فإن فعل ذلك فيه كره ما لم يستبحر.
وصرح بهذا المحذوف في التحفة.
وكتب سم: قوله: ما لم يستبحر، قال في شرح العباب: فلا كراهة في قضاء الحاجة فيه نهارا ولا خلاف الأولى كما هو ظاهر، ويحتمل أن يقال لا حرمة أيضا إن كان مسبلا أو مملوكا للغير، ويحتمل خلافه.
اه.
وقوله: نهارا أي لا ليلا، فإنه يكره فيه لما ورد إن الماء ليلا مأوى الجن، والاستعاذة مع التسمية لا تدفع شر عتاتهم.
(فائدة) يندب أن يتخذ له إناء ليبول فيه ليلا، لخبر: كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان - بفتح العين - النخل الطوال.
لأن دخول الحشوش ليلا يخشى منه.
(قوله: ومتحدث) أي ويندب أن لا يقضي حاجته في متحدث، وهو بفتح الدال مكان التحدث.
اه.
شرح المنهج.
وقال في التحفة: هو محل اجتماع الناس في الشمس شتاء، والظل صيفا.
والمراد به هنا كل محل يقصد لغرض كمعيشة أو مقيل، فيكره ذلك إن اجتمعوا لجائز وإلا فلا.
اه.
وقوله: وإلا فلا.
أي وإن لم يجتمعوا لجائز، بأن كان لحرام كغيبة ونميمة
علم رضا مالكه، وإلا حرم.
ولا يستقبل عين القبلة ولا يستدبرها، ويحرمان في غير المعد وحيث لا ساتر.
فلو
ــ
أو مكروه، فلا يكره قضاء الحاجة فيه حينئذ بل يندب في الحرام.
وقال بعضهم: بل قد يجب إن أفضى إلى منع المعصية.
اه.
(قوله: غير مملوك لأحد) أي من الناس غيره بأن كان مملوك له أو مباحا، فإن كان مملوكا لغيره حرم حيث علم أنه لم يرض بذلك أو لم يأذن له.
(قوله: وطريق) أي ويندب أن لا يقضي حاجته في طريق - أي مسلوك - للناس، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: اتقوا اللعانين.
قالوا: اوما اللعانان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم.
أي اتقوا سبب لعنهما كثيرا وهو التخلي في طريق الناس أو في ظلهم، ولما تسببا في لعن الناس لهما كثيرا نسب إليهما بصيغة المبالغة، وإلا فهما ملعونان كثيرا من الناس لا لعانان.
ولخبر أبي داود بإسناد جيد: اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل.
والملاعن: مواضع اللعن، والموارد: طرق الماء.
والتخلي: التغوط، وكذا البراز، وهو بكسر الباء على المختار، وقيس بالغائط البول.
وخرج بالمسلوك المهجور فلا كراهة فيه.
(فائدة) لو زلق أحد في الطريق بسبب الحاجة التي قضاها فيه فتلف لم يضمن الفاعل وإن غطاه بتراب أو نحوه، لأنه لم
يحدث في التالف فعلا، وما فعله جائز له.
والفرق بينه وبين ما قالوه من الضمان بإلقاء القمامات وقشور البطيخ في الطريق أن وجود الغائط في الطريق إنما هو عن ضرورة قامت بفاعله بخلاف القمامات.
أفاده البجيرمي.
(قوله: وقيل: يحرم التغوط فيها) أي في الطريق، لما فيه من إيذاء المسلمين.
قال الكردي: وصوب هذا القول الأذرعي وأطال في الإنتصار له.
وقال في الإيعاب: وهو متجه من حيث الدليل لكن المنقول الكراهة.
اه.
(قوله: وتحت مثمر) أي ويندب أن لا يقضي حاجته تحت شجرة مثمرة، صيانة للثمرة عن التلويث عند الوقوع فتعافها النفس.
ولم يحرموه لأن التنجس غير متيقن.
والمراد بالتحتية ما تصل إليه الثمرة الساقطة غالبا، والمراد بالمثمرة ما شأنها أن تثمر، ولا يشترط أن تكون مثمرة بالفعل وإن كان ظاهر العبارة يفيد ذلك.
(قوله: بملكه) الباء بمعنى في، والجار والمجرور صفة لمثمر، أي مثمر كائن في ملكه، أي أرض مملوكة له، سواء كان المثمر مملوكا له أم لا، ومثل المملوكة له المباحة.
وعبارة البجيرمي: وهذا في شجرة في ملكه، أو بأرض مباحة أو مملوكة وأذن مالكها أو علم رضاه، وإلا حرم.
فلو كانت له والثمرة لغيره اتجه عدم الحرمة.
اه شوبري.
ويكره من جهة الثمرة.
اه.
(قوله: أو مملوك) معطوف على ملكه.
أي أو في محل مملوك للغير.
وقوله: علم رضا مالكه أي أو أذن له في ذلك.
وقوله: وإلا حرم أي وإن لم يعلم رضاه بقضاء الحاجة في ملكه حرم.
(قوله: ولا يستقبل عين القبلة ولا يستدبرها) أي ويندب عدم استقباله عين القبلة وعدم استدبارها.
فإن استقبلها أو استدبرها كره ذلك، أي إن كان في غير معد وكان هناك ساتر، فإن لم يكن ساتر حرم، كما نص عليه الشارح.
فإن كان في معد فلا حرمة ولا كراهة وإن لم يكن هناك ساتر.
والحاصل لهما ثلاثة أحوال: الكراهة، والحرمة، وعدمهما.
(قوله: ويحرمان) أي الاستقبال والاستدبار.
قال البجيرمي: لا يخفى أن المراد بالاستدبار كشف دبره إلى جهتها حال خروج الخارج منه، بأن يجعل ظهره إليها كاشفا لدبره حال خروج الخارج.
وأنه إذا استقبل أو استدبر واستتر من جهتها لا يجب الاستتار أيضا عن الجهة المقابلة لجهتها، وإن كان الفرج مكشوفا إلى تلك الجهة حال الخروج، لأن كشف الفرج إلى تلك الجهة ليس من استقبال القبلة ولا من استدبارها.
اه.
(قوله: في غير المعد) أي لقضاء الحاجة.
قال سم: ولا يبعد أن يصير معدا بقضاء الحاجة فيه.
أي وإن لم يكن في بنيان.
اه.
(قوله: وحيث لا ساتر) أي يبلغ ارتفاعه ثلثي ذراع فأكثر، وقد دنا منه قاضي الحاجة ثلاثة أذرع فأقل، بذراع الآدمي المعتدل.
ونفي الساتر كما ذكر صادق بأن لا يوجد أصلا، أو وجد وكان ارتفاعه أقل من ثلثي ذراع، أو بعد عنه أكثر من ثلاثة أذرع.
فإن وجد الساتر كما ذكر فلا حرمة، بل يكره كما علمت.
واختلف م ر وحجر في اشتراط عرض الساتر بحيث يستر بدن قاضي الحاجة، فقال به الأول وقال بعدمه الثاني، فيكفي عنده
نحو العنزة.
ثم إن ظاهر كلامهم تعين كون الساتر يبلغ ارتفاعه ثلثي ذراع فأكثر، ولعله للغالب.
فلو كفاه دون الثلثين كأن كان صغيرا اكتفى به أو احتاج إلى زيادة على الثلثين وجبت.
ولو بال أو تغوط قائما فلا بد أن يكون ساترا من قدمه إلى سرته لأن هذا حريم العورة.
(قوله: فلو استقبلها الخ) لا يظهر هذا التفريع إلا أن يكون لمحذوف ملاحظ عند قوله ولا يستقبل
استقبلها بصدره وحول فرجه عنها ثم بال، لم يضر، بخلاف عكسه.
ولا يستاك ولا يبزق في بوله.
وأن يقول عند دخوله: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث.
والخروج: غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الاذى وعافاني.
وبعد الاستنجاء: اللهم طهر قلبي من النفاق وحصن فرجي من الفواحش.
قال البغوي: لو شك بعد الاستنجاء هل غسل ذكره لم تلزمه إعادته.
ــ
عين القبلة ولا يستدبرها، وتقديره بعين الفرج الخارج منه البول أو الغائط.
ثم يرجع ضمير يحرمان إلى الاستقبال والاستدبار المقيدين بما ذكر.
وتوضيحه أن تقول: ويحرم الاستقبال والاستدبار بعين الفرج الخارج منه البول أو الغائط، ولو عدم ذلك بالصدر.
فلو استقبل القبلة بصدره وحول فرجه عنها ثم بال لم يضر ذلك، بخلاف ما لو عكس ذلك بأن استقبلها بفرجه وحول صدره عنها فإن ذلك يضر.
(قوله: ولا يستاك) أي ويندب أن لا يستاك حال قضاء الحاجة، أي لأنه يورث النسيان، كما نص عليه في شرح العباب.
(قوله: ولا يبزق في بوله) أي ويندب أن لا يبزق في بوله فإنه يخاف منه آفة، كما نقله الأذرعي، ونقل غيره عن الحكيم الترمذي أنه يتولد منه الوسواس وصفرة الأسنان.
اه كردي.
(قوله: وأن يقول عند دخوله) أي عند إرادة دخول بيت الخلاء في المعد لقضاء الحاجة، أو عند وصوله للمحل الذي أراد الجلوس فيه في الصحراء.
وعبارة التحفة: أي وصوله قضاء الحاجة أو لبابه، وإن بعد محل الجلوس عنه، ولو لحاجة أخرى.
فإن أغفل ذلك حتى دخل قاله بقلبه.
اه.
(قوله: اللهم إلخ) في المنهاج وغيره زيادة لفظ بسم الله قبله.
وقال في التحفة: ولا يزيد الرحمن الرحيم، وإنما قدم التعوذ عليها عند القراءة لأنها من جملتها.
وعن ابن كج أنه إن قصد باسم الله القرآن حرم، وهو مبني على حرمة قراءة القرآن في الخلاء.
وهو ضعيف.
اه.
وقوله: إني أعوذ بك إلخ أي أعتصم وألتجئ بك يا ألله في أن تدفع عني شر الشياطين.
وقوله: من الخبث بضم الخاء والباء وتسكن، جمع خبيث.
والخبائث جمع خبيثة.
والمراد بالأول ذكران الشياطين وبالثاني إناثهم.
وزاد في العباب: اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم.
(قوله: والخروج) أي وأن يقول عند الخروج، أي من بيت الخلاء.
وفي حواشي المحلى للقليوبي قوله: خروجه، أي بعد تمامه وإن بعد، كدهليز طويل كما مر.
اه.
(قوله: غفرانك) أي اغفر لي غفرانك، أو أطلب غفرانك.
فهو منصوب على أنه مفعول مطلق على الأول، وعلى أنه مفعول به على الثاني، وعلى كل العامل فيه مقدر.
ويسن أن يكرره وما بعده ثلاثا، كما في الدعاء عقب الوضوء.
وإنما سن سؤاله المغفرة عند انصرافه لتركه ذكر الله تعالى في تلك الحالة، أو خوفه من تقصيره في شكر نعم الله التي أنعمها عليه، التي من جملتها أن أطعمه ثم هضمه ثم سهل خروجه، وهكذا ينبغي لكل من حصلت له غفلة عن العبادة
طلب المغفرة.
وأشار إلى ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله: إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة.
فإن الغرض منه إرشاد الأمة لكثرة استغفارهم عند غفلتهم.
فإن قيل: كيف يندب له سؤال المغفرة تداركا لما تركه من ذكر الله تعالى في تلك الحالة، مع أن تركه ما ذكر مستحب؟.
ويجاب بأنه لامانع من ذلك.
فقد أوجب الشارع التدارك على من أوجب عليه الترك وأثابه عليه، كالحائض في ترك الصوم.
لأن ملحظ طلب التدارك كثرة الثواب، والإنسان مطلوب منه ذلك.
وقوله: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني وزاد بعضهم: الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى في قوته، ودفع عني أذاه.
قال القليوبي: وما ذكر إنما هو لقاضي الحاجة، وأما غيره فيقول ما يناسبه.
اه.
(قوله: وبعد الاستنجاء إلخ) أي ويقول بعد الاستنجاء: اللهم إلخ، لمناسبة الحال.
(قوله: من النفاق) أي في الاعتقاد والأعمال.
(قوله: لو شك بعد الاستنجاء الخ) عبارة التحفة: ولو شك بعد الاستنجاء هل غسل ذكره، أو هل مسح ثنتين أو ثلاثا؟ لم تلزمه إعادته، كما لو شك بعد الوضوء أو سلام الصلاة في ترك فرض.
ذكره البغوي.
اه.
(تتمة) يسن الاستنجاء باليسار للاتباع، فيكره باليمنى.
وقيل: يحرم للنهي عنه.
وإذا احتاج إلى اليدين في الاستنجاء بالحجر جعل الحجر في يمينه وأخذ ذكره بيساره ثم يحركها وحدها.
ويسن الاعتماد على الأصبع الوسطى في الدبر إذا استنجى بالماء لأنه أمكن.
وتقديم الماء فيمن يستنجي به للقبل، إذ لو قدم الدبر خشي عود النجاسة إليه، وتقديم الدبر لمن يستنجي
(ثالثها): (أي شروط الصلاة)(ستر رجل) ولو صبيا، (وأمة) ولو مكاتبة وأم ولد.
(ما بين سرة وركبة) لهما، ولو خاليا في ظلمة.
للخبر الصحيح: لا يقبل الله صلاة حائض - أي بالغ - إلا بخمار.
ويجب ستر جزء منهما ليتحقق به ستر العورة.
(و) ستر (حرة) ولو صغيرة (غير وجه وكفين) ظهرهما وبطنهما إلى الكوعين
ــ
بالحجر لأنه يجف قبل القبل، وتقديم الاستنجاء على الوضوء، ودلك يده التي استنجى بها بالأرض أو نحوها ثم يغسلها بعد ذلك، ونضح فرجه وإزار من داخله بالماء.
ويسن أن يستبرئ من البول بنحو تنحنح ونتر ذكر بلطف، إلى أن يظن أنه لم يبق بمجرى الذكر ما يخاف خروجه، ويختلف باختلاف الناس.
وقيل: يجب ويسن أن لا يستنجي بماء في محله بل ينتقل عنه لئلا يعود الرشاش فينجسه، إلا في الا خلية المعدة لقضاء الحاجة.
ويسن أن لا يأكل ولا يشرب، وأن يضع رداء، وأن يجلس على مرتفع، وأن لا يبول قائما، وأن لا يستقبل الشمس ولا القمر، وأن لا يدخل الخلاء مكشوف الرأس ولا حافيا، ولا يعبث ولا ينظر إلى الخارج إلا لمصلحة كرؤية الحجر في الاستنجاء هل قلع شيئا أو لا، وإن يكشف ثوبه شيئا فشيئا إلا لعذر، وأن يسدل ثوبه كذلك عند انتصابه.
(فائدة) من أكثر من الكلام خشي عليه من الجان، ومن أدام نظره إلى ما يخرج منه ابتلي بصفرة الأسنان، ومن امتخط عند قضاء الحاجة ابتلي بالصمم، ومن أكل عند قضائها ابتلي بالفقر، ومن أكثر من التلفت ابتلي بالوسوسة.
والله أعلم.
(قوله: وثالثها) أي ثالث شروط الصلاة.
(قوله: ستر الخ) قال في النهاية: وحكمة وجوب الستر فيها ما جرت به عادة مريد التمثل بين يدي كبير من التجمل بالستر والتطهير، والمصلي يريد التمثل بين يدي ملك الملوك، والتجمل له بذلك أولى.
ويجب سترها في غير الصلاة أيضا، لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: لا تمشوا عراة.
وقوله: الله أحق أن يستحيا منه.
اه.
(قوله: ولو صبيا) أشار بهذه الغاية إلى أن المراد بالرجل ما قابل المرأة، فيدخل فيه الصبي.
(قوله: وأمة) معطوف على رجل، أي وستر أمة.
(قوله: ولو مكاتبة وأم ولد) غاية في الأمة، وهي للتعميم.
ومثلهما المدبرة والمبعضة.
(قوله: ما بين سرة وركبة) ما اسم موصول مفعول ستر، أي يجب أن يستر الرجل والأمة ما بين السرة والركبة لما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: عورة المؤمن ما بين سرته وركبته.
ولخبر البيهقي: إذا زوج أحدكم أمته عبده أو أجيره فلا تنظر الأمة إلى عورته.
والعورة ما بين السرة والركبة.
وألحق بالرجل الأمة في ذلك بجامع أن رأس كل منهما ليس بعورة.
وقيل: إن عورة الأمة كالحرة إلا رأسها، فهو ليس بعورة فيها وإن كان عورة في الحرة.
(قوله: لهما) أي للرجل والأمة.
(قوله: ولو خاليا) أي ولو كان منهما في محل خال عن الناس، قال في النهاية: وفائدة الستر في الخلوة - مع أن الله تعالى لا يحجبه شئ فيرى المستور كما يرى المكشوف - أنه يرى الأول متأدبا والثاني تاركا للأدب.
(قوله: في ظلمة) لو قال كغيره أو في ظلمة لكان أولى.
(قوله: للخبر الصحيح) هو دليل لوجوب مطلق الستر لا لكون العورة ما بين السرة والركبة.
(قوله: أي بالغ) هو تفسير مراد للحائض، واندفع به ما يرد على ظاهر الحديث من أن صلاة الحائض لا تقبل مطلقا بخمار وبدونه كما هو معلوم.
وحاصل الدفع أن المراد بها هنا البالغة لا من كان في زمن الحيض.
وفي النهاية: وظاهر أن غير البالغة كالبالغة، لكنه قيد بها جريا على الغالب.
اه.
أي من أن الصلاة لا تكون غالبا إلا من البالغات.
اه ع ش.
(قوله: ويجب ستر الخ) كالاستدراك من مفهوم قوله ما بين سرة وركبة وهو أن نفس السرة والركبة لا يجب سترهما.
فكأنه قال: أما نفس السرة والركبة فلا يجب سترهما لكن يجب ستر جزء منهما ليتحقق الستر للعورة، إذ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
(قوله: وستر حرة) معطوف على ستر رجل.
(قوله: ولو صغيرة) أي مميزة أو غيرها.
(قوله: غير وجه وكفين) مفعول ستر، أي يجب أن تستر سائر بدنها حتى باطن قدمها ما عدا وجهها وكفيها، وذلك لقوله تعالى: * (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) * قال ابن عباس وعائشة: هو الوجه والكفان.
ولأنهما لو كانا عورة في العبادات لما وجب كشفهما في الإحرام، ولأن الحاجة تدعو إلى إبرازهما.
(بما لا يصف لونا) أي لون البشرة في مجلس التخاطب.
كذا ضبطه بذلك أحمد بن موسى بن عجيل.
ويكفي ما يحكي لحجم الاعضاء، لكنه خلاف الاولى، ويجب الستر من الاعلى والجوانب لا من الاسفل (إن قدر) أي
كل من الرجل والحرة والامة.
(عليه) أي الستر.
أما العاجز عما يستر العورة فيصلي وجوبا عاريا بلا إعادة، ولو مع وجود ساتر متنجس تعذر غسله، لا من أمكنه تطهيره، وإن خرج الوقت، ولو قدر على ساتر بعض العورة لزمه الستر بما وجد، وقدم السوأتين فالقبل فالدبر، ولا يصلي عاريا مع وجود حرير بل لابسا له، لانه يباح
ــ
واعلم أن للحرة أربع عورات: فعند الأجانب جميع البدن.
وعند المحارم والخلوة ما بين السرة والركبة، وعند النساء
الكافرات ما لا يبدو عند المهنة، وفي الصلاح جميع بدنها ما عدا وجهها وكفيها.
(قوله: ظهرهما وبطنهما) بدل من كفين.
وقوله: إلى الكوعين متعلق بمحذوف، أي وحد الكفين كائن إلى الكوعين.
(قوله: بما لا يصف لونا) متعلق بستر العورة بالنسبة للرجل والأمة والحرة، أي يجب ستر العورة بما - أي بجرم - يمنع إدراك لونها لمعتدل البصر عادة، فلا يكفي ما لا يمنع ذلك كزجاج وقف فيه ومهلهل النسج، ولا يكفي الستر بالألوان كالأصباغ التي لا جرم لها، لأنها ليست بجرم.
وقوله: في مجلس التخاطب قال ع ش: هو يقتضي أن ما منع في مجلس التخاطب وكان بحيث لو تأمل الناظر فيه مع زيادة القرب للمصلي جدا لأدراك لون بشرته لا يضر.
وهو ظاهر قريب.
(قوله: كذا ضبطه) أي الساتر المعلوم من السياق.
وقوله: بذلك أي بما لا يصف لون البشرة في خصوص مجلس التخاطب.
(قوله: ويكفي ما يحكي لحجم الأعضاء) أي ويكفي جرم يدرك الناس منه قدر الأعضاء كسراويل ضيقة.
وقوله: لكنه خلاف الأولى أي للرجل، وأما المرأة والخنثى فيكره لهما.
(قوله: ويجب الستر من الأعلى إلخ) هذا في غير القدم بالنسبة للحرة، أما هي فيجب سترها حتى من أسفلها، إذ باطن القدم عورة كما علمت.
نعم، يكفي ستره بالأرض لكونها تمنع إدراكه، فلا تكلف لبس نحو خف.
فلو رؤي في حال سجودها، أو وقفت على نحو سرير مخرق بحيث يظهر من أخراقه، ضر ذلك، فتنبه له.
(قوله: لا من الأسفل) أي فلو رؤيت من ذيله، كأن كان بعلو والرائي بسفل لم يضر.
أو رؤيت حال سجوده فكذلك لا يضر، كما في حجر.
(قوله: إن قدر الخ) قيد في اشتراط ستر العورة.
(قوله: أما العاجز الخ) مقابل قوله إن قدر.
وصورة العجز أن لا يجد ما يستر به عورته أصلا، أو وجده متنجسا ولم يقدر على ماء يطهره، أو حبس في مكان نجس وليس معه إلا ثوب يفرشه على النجاسة، فيصلي عاريا في هذه الصور الثلاثة ولا إعادة عليه، ولا يلزمه قبول هبة الثوب للمنة على الأصح، ويلزمه قبول عاريته لضعف المنة، فإن لم يقبل لم تصح صلاته لقدرته على الستر، بل يجب عليه سؤال الإعارة ممن ظن منه الرضا بها، ويحرم عليه أخذ ثوب غيره منه قهرا، لكن تصح الصلاة مع الحرمة.
(قوله: ولو مع وجود ساتر متنجس) أي يصلي عاريا من غير إعادة ولو وجد ثوبا متنجسا ولم يجد ماء يغسله به.
(قوله: لا من أمكنه تطهيره) أي لا يصلي عاريا مع وجود متنجس يمكنه تطهيره، بل يجب عليه تطهيره ثم يصلي فيه، ولو خرجت الصلاة عن وقتها.
(قوله: ولو قدر) أي المصلي، رجلا أو غيره.
(قوله: لزمه الستر بما وجد) أي لأنه ميسوره وهو لا يسقط بالمعسور.
(قوله: وقدم السوأتين) أي سترهما، وهما القبل والدبر، سميا بذلك لأن كشفهما يسوء صاحبهما، وإنما وجب تقديمهما لفحشهما وللاتفاق على أنهما عورة.
(قوله: فالقبل) أي ما تقدم من وجوب سترهما إن وجد ما يكفيهما معا، فإن وجد ما يكفي أحدهما
قدم القبل وجوبا لأنه متوجه به للقبلة أو بدلها، كما لو صلى صوب مقصده في نافلة السفر، ولأن الدبر مستتر غالبا بالأليتين.
وقوله: فالدبر عبارة المنهاج: فإن وجد كافي سوأتيه تعين لهما، أو أحدهما فقبله.
وقيل: دبره.
وقيل: يتخير.
اه.
فلعل في العبارة سقطا من النساخ وأصلها.
وقيل: الدبر.
ولا يصح إبقاء عبارته على ظاهرها لأن مفاد الترتيب المستفاد من الفاء أنه إذا لم يجد ما يكفي القبل قدم الدبر، ولا معنى له.
لأن ما لا يكفي القبل لا يكفي الدبر بالأولى.
تأمل.
(قوله: ولا يصلي عاريا الخ) أي ولا يصلي حال كونه عاريا مع وجود ثوب حرير، بل يصلي حال كونه لابسا له.
ولا يلزمه قطع ما زاد على ستر العورة، ويقدم على المتنجس في الصلاة، ويقدم المتنجس عليه في غيرها مما لا يحتاج إلى طهارة الثوب.
(قوله: لأنه يباح
للحاجة.
ويلزم التطيين لو عدم الثوب أو نحوه.
ويجوز لمكتس اقتداء بعار، وليس للعاري غصب الثوب.
ويسن للمصلي أن يلبس أحسن ثيابه ويرتدي ويتعمم ويتقمص ويتطيلس، ولو كان عنده ثوبان فقط لبس أحدهما وارتدى بالآخر إن كان ثم سترة، وإلا جعله مصلى.
كما أفتى به شيخنا.
(فرع) يجب هذا الستر خارج الصلاة أيضا، ولو بثوب نجس أو حرير لم يجد غيره، حتى في الخلوة، لكن الواجب فيها ستر سوأتي الرجل، وما بين سرة وركبة غيره.
ويجوز كشفها في الخلوة، ولو من المسجد، لادنى غرض كتبريد وصيانة ثوب من الدنس، والغبار عند كنس البيت، وكغسل.
ــ
للحاجة) أي لأن لبس الحرير جوز للحاجة، أي ومن الحاجة ستر العورة للصلاة.
(قوله: ويلزم التطيين) أي يجب عليه إذا فقد الثوب أن يستر عورته بطين، أي أو حشيش أو ورق أو ماء كدر أو ماء صاف متراكم بخضرة، أمكنه الركوع والسجود فيه.
قال البجيرمي: ويجوز بالطين مع وجود الثوب على المعتمد.
وهل يجب تقديم التطيين على الثوب الحرير أو لا؟ فيه نظر.
وقد يقال: إن أزرى بالمتطين أو لم يندفع عنه به أذى نحو حر أو برد لم يجب تقديمه، وإلا وجب.
اه.
(قوله: أو نحوه) معطوف على التطيين، أي ويلزم التطيين، أي ستر العورة بطين أو نحوه، كسترها بحشيش ونحوه مما مر.
(قوله: ويجوز لمكتس اقتداء بعار) أي لعدم وجوب الإعادة عليه.
(قوله: وليس للعاري غصب الثوب) أي لا يجوز أن يأخذ الثوب قهرا من مالكه، فلو أخذه وصلى به صحت صلاته مع الحرمة، كما مر.
(قوله: أن يلبس أحسن ثيابه) أي ويحافظ على ما يتجمل به عادة ولو أكثر من اثنين، لظاهر قوله تعالى: * (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) * ولقوله صلى الله عليه وسلم: إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه، فإن الله أحق أن يزين له.
(قوله: ويرتدي) أي ويتزر أو يتسرول.
قال الدميري في تاريخ أصبهان، عن مالك بن عتاهية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الأرض تستغفر للمصلي بالسراويل.
اه ع ش.
ويكره أن يصلي في ثوب فيه صورة أو نقش لأنه ربما شغله عن صلاته.
وأن يصلي الرجل متلثما والمرأة منتقبة، إلا أن تكون بحضرة أجنبي لا يحترز عن نظره لها فلا يجوز لها رفع النقاب.
(قوله: إن كان ثم سترة) أي التي يسن للمصلي أن يتوجه إليها، وهي جدار أو عصا مغروزة أو سارية، كما سيأتي.
(قوله: وإلا جعله مصلى) أي وإن لم تكن هناك سترة جعل ما يرتدي به مصلى أو سجادة يصلي عليها.
(قوله: يجب هذا الستر) أي للعورة مطلقا، بقطع النظر عن كونها ما بين السرة والركبة أو ما عدا الوجه والكفين، إذ العورة في غير الصلاة ليست كالعورة في الصلاة، كما علم مما مر، وكما يدل عليه الاستثناء الآتي.
وإنما وجب ذلك لخبر: لا
تمشوا عراة.
رواه مسلم.
ولقوله صلى الله عليه وسلم لجرهد: غط فخذك فإن الفخذ من العورة.
رواه الترمذي وحسنه.
ولما مر عن م ر.
(قوله: ولو بثوب نجس أو حرير) غاية في وجوب الستر.
وقوله: لم يجد غيره أي غير الحرير.
فإن وجد غيره - ولو متنجسا - حرم عليه لبسه كما علمت.
(قوله: حتى في الخلوة) أي يجب الستر ولو كان في الخلوة.
وقد مر عن م ر فائدة الستر فيها.
(قوله: لكن الواجب فيها) أي في الخلوة.
ودفع بهذا الاستدراك ما يتوهم من قوله يجب هذا الستر، وهو أن المراد الستر المتقدم ذكره، وهو ستر ما بين السرة والركبة في الرجل والأمة وما عدا الوجه والكفين في الحرة.
(قوله: وما بين سرة وركبة غيره) أي غير الرجل من الحرة والأمة فهي هنا ملحقة بالحرة لا بالرجل.
(قوله: ويجوز كشفها) أي العورة.
(قوله: ولو من المسجد) من بمعنى في.
أي ولو كانت الخلوة تحصل في المسجد بأن يخلو عن الناس في بعض الأوقات فيجوز كشفها فيه.
(قوله: لأدنى غرض) أي لأقل سبب.
وهو متعلق بيجوز.
وعبارة النهاية: فإن دعت حاجة إلى كشفها لاغتسال أو نحوه جاز، بل صرح صاحب الذخائر بجواز كشفها في الخلوة لأدنى غرض، ولا يشترط حصول الحاجة.
وعد من الأغراض: كشفها لتبريد.
وصيانة الثوب عن الأدناس، والغبار عند كنس البيت ونحوه.
اه.
(قوله: كتبريد) تمثيل للغرض.
(قوله: وصيانة ثوب) قيده حجر بثوب التجمل.
أقول: وله وجه ظاهر.
اه ع ش.
(ورابعها: معرفة دخول وقت) يقينا أو ظنا.
فمن صلى بدونها لم تصح صلاته وإن وقعت في الوقت، لان الاعتبار في العبادات بما في ظن المكلف، وبما في نفس الامر، وفي العقود بما في نفس الامر فقط.
(فوقت ظهر من زوال) الشمس (إلى مصير ظل كل شئ مثله، غير ظل استواء) أي الظل الموجود عنده، إن
ــ
(فائدة) يجوز له أن ينظر إلى عورته في غير الصلاة، ولكن يكره ذلك من غير حاجة.
أما في الصلاة فلا يجوز.
فلو رأى عورة نفسه في صلاته - من كمه أو من طوق قميصه - بطلت صلاته.
(قوله: ورابعها) أي رابع شروط الصلاة.
(قوله: معرفة دخول وقت) المراد بالمعرفة هنا مطلق الإدراك، ليصح جعلها شاملة لليقين والظن، وإلا فحقيقتها الإدراك الجازم وهو لا يشمل الظن.
وقوله: يقينا حال.
أي حال كون تلك المعرفة - أي الإدراك - يقينا.
ويحصل اليقين بعلم نفسه، أو بأخذه بقول ثقة يخبر عن علم، وبغير ذلك.
وقوله: أو ظنا أي ناشئا عن اجتهاد، بأن اجتهد لنحو غيم.
(قوله: فمن صلى بدونها) أي بدون المعرفة المذكورة.
وقوله: لم تصح صلاته أي إن كان قادرا، وإلا صلى لحرمة الوقت.
اه شوبري.
(قوله: وإن وقعت في الوقت) أي وإن اتفق وقوع صلاته في الوقت فلا تصح لتقصيره.
قال ح ل: إلا إن كانت عليه فائتة ولم يلاحظ صاحبة الوقت فإنها تصح وتقع عن الفائتة.
اه.
(قوله: لأن الاعتبار الخ) علة لعدم صحتها من غير معرفة.
(قوله: بما في ظن المكلف) أي اعتقاده.
وقوله: وبما في نفس الأمر أي مع ما في نفس الأمر.
فلو اعتقد دخول الوقت وتبين أنه صلى في غير الوقت لم تصح صلاته.
(قوله: وفي العقود بما
في نفس الأمر) أي فلو باع عبدا لغيره ثم تبين أنه ملكه عند البيع، بأن مات مورثه وانتقل الملك إليه، صح بيعه.
(تتمة) اعلم أن من جهل الوقت - لنحو غيم - ولم يمكنه معرفته أخذ - وجوبا - بخبر ثقة يخبر عن علم، وكإخبار أذان الثقة العارف بالمواقيت في الصحو، وامتنع عليه الاجتهاد حينئذ لوجود النص، فإن أمكنه معرفة الوقت تخير بين الأخذ بخبر الثقة وتحصيل العلم بنفسه، فهما في مرتبة واحدة.
فإن لم يجد من ذكر، أو لم يسمع الأذان المذكور، اجتهد إن قدر، بقراءة أو حرفة أو نحو ذلك، من كل ما يظن به دخول الوقت كخياطة وكصياح ديك.
ومعنى الاجتهاد بهذه الأمور كما قال ع ش: أنه يجعلها علامة يجتهد بها.
كأن يتأمل في الخياطة التي فعلها هل أسرع فيها عن عادته أو لا؟ وهل صرخ الديك قبل عادته أو لا؟ وهكذا.
فإن لم يقدر على الاجتهاد قلد ثقة عارفا، ولو كانت معرفته بالاجتهاد.
قال الكردي: وحاصل الرتب ست.
إحداها: إمكان معرفة يقين الوقت.
ثانيتها: وجود من يخبر عن علم.
ثالثتها: رتبة دون الإخبار عن علم وفوق الاجتهاد، وهي المناكيب المحررة والمؤذن الثقة في الغيم.
رابعتها: إمكان الاجتهاد من البصير.
خامستها: إمكانه من الأعمى.
سادستها: عدم إمكان الاجتهاد من الأعمى والبصير، فصاحب الأولى يخير بينها وبين الثانية إن وجدت الثانية، وإلا فبينها وبين الثالثة إن وجدت أيضا، وإلا فبينها وبين الرابعة.
وصاحب الثانية لا يجوز له العدول، إلى ما دونها.
وصاحب الثالثة يخير بينها وبين الاجتهاد.
وصاحب الرابعة لا يجوز له التقليد.
وصاحب الخامسة يخير بينها وبين السادسة، وصاحبها يقلد ثقة عارفا.
ثم قال: فحرر ذلك فإني لم أقف على من حققه كذلك.
اه بتصرف.
ثم إنه إذا صلى في صورة الاجتهاد بظن دخول الوقت، فإن تبين له مطابقته للواقع فذاك، أو أنها وقعت بعد الوقت صحت قضاء، أو لم يتبين له شئ مضت على الصحة ظاهرا.
فإن تيقن وقوع صلاته قبل الوقت وقعت له نفلا مطلقا لعذره، ولم تقع له عن الصلاة التي نواها، ووجب قضاؤها إن علم بعد الوقت في الأظهر، فإن علم في الوقت وجب إعادتها فيه اتفاقا.
(قوله: فوقت ظهر) الفاء للفصيحة، أي إذا أردت بيان الوقت الذي تجب معرفته فأقول لك وقت الظهر إلخ.
وبدأ بالظهر لأنها أول صلاة ظهرت، ولبدء الله بها في قوله: * (أقم الصلاة لدلوك الشمس) * أي زوالها.
ولكونها أول صلاة علمها جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم.
وجد.
وسميت بذلك لانها أول صلاة ظهرت.
(ف) - وقت (عصر) من آخر وقت الظهر (إلى غروب) جميع
ــ
(فائدة) قد بين إمامنا الشافعي رضي الله عنه أوقات الصلاة نظما، على حسب ما سيذكره المؤلف، فقال:
إذا ما رأيت الظل قد زال وقته فصل صلاة الظهر في الوقت تسعد وقم قامة بعد الزوال فإنه أوان صلاة العصر وقت مجدد وصل صلاة للغروب بعيد ما ترى الشمس يا هذا تغيب وتفقد وصل صلاة للأخير بعيد ما ترى الشفق الأعلى يغيب ويفقد ولا تنظرن نحو البياض فإنه يدوم زمانا في السماء ويبعد وإن شئت فيها فانتظر بصلاتها إلى ثلث ليل وهو بالحق يعهد وحقق فإن الفجر فجران عندنا وميزهما حقا فأنت المقلد فأول طلوع منهما يبد شاهقاكما ذنب السرحان في الجو يصعد فذاك كذوب ثم آخر صادق تراه منيرا ضوؤه يتوقد وصل صلاة الفجر عند ابتسامه تنال به الفردوس والله يشهد فلا خير فيمن كان للوقت جاهلا وليس له وقت به يتعبد فذاك من المولى بعيد ومطرد كذا وجهه يوم القيامة أسود (قوله: من زوال الشمس) أي وقت زوالها.
والزوال ميل الشمس عن وسط السماء بالنظر لما يظهر لنا لا بالنظر لنفس الأمر، أي لما في علم الله لوجود الزوال فيه قبل ظهوره لنا بكثير.
فقد قالوا إن الفلك الأعظم المحرك لغيره يتحرك في قدر النطق بحرف أربعة وعشرين فرسخا.
وإذا أردت معرفة الزوال فاعتبره بقامتك بلا عمامة غير منتعل، أو شاخص تقيمه في أرض مستوية وعلم على رأس الظل، فما زال ينقص فهو قبل الزوال، وإن وقف بحيث لا يزيد ولا ينقص فهو وقت الاستواء، وإن أخذ الظل في الزيادة علم أن الشمس زالت.
(قوله: إلى مصير إلخ) متعلق بما تعلق به الخبر، أو متعلق بمحذوف: أي ويمتد إلى وقت مصير إلخ.
وهو اسم مفعول من صار الناقصة، وظل شئ اسمها ومثله خبرها.
والغاية هنا غير داخلة في المغيا، فهي جارية على القاعدة من أنها إن كانت بإلى لا تدخل وإن كانت بحتى دخلت.
فوقت المصير من العصر لا من الظهر، ولا ينافيه حديث جبريل بالنسبة لليوم الثاني وهو أنه صلى الظهر حين كان ظله مثله، لأن المراد: فرغ منها حينئذ.
(قوله: إن وجد) أي ظل الاستواء.
وقد ينعدم في بعض البلدان كمكة وصنعاء في بعض الأيام.
(قوله: وسميت) أي الصلاة المعلومة من السياق، بذلك.
أي بلفظ الظهر.
وقوله: لأنها أول صلاة ظهرت أي في الإسلام.
وانظر وقت ظهورها ولعله يوم ليلة الإسراء، فالمراد ظهور وجوبها.
ح ل بجيرمي.
وقيل: لأنها ظاهرة وسط
النهار.
وقيل: لأنها تفعل وقت الظهيرة.
ولا مانع من مراعاة جميع ذلك.
وللظهر ستة أوقات: وقت فضيلة: وهو أول الوقت بمقدار ما يؤذن ويتوضأ ويستر العورة، ويصيلها مع راتبتها، ويأكل لقيمات.
ووقت اختيار: وهو يستمر بعد فراغ وقت الفضيلة، وإن دخل معه، إلى أن يبقى من الوقت ما يسعها فيكون مساويا لوقت الجواز الآتى.
وقيل: يستمر إلى ربعه أو نصفه.
ووقت جواز: إلى أن يبقى من الوقت ما يسعها.
ووقت حرمة: إلى أن يبقى ما لا يسعها.
ووقت ضرورة: وهو آخر الوقت إذا زالت الموانع والباقي من الوقت قدر التكبيرة فأكثر.
ووقت عذر: وهو وقت العصر لمن يجمع جمع تأخير.
(قوله: فوقت عصر) ولها سبعة أوقات.
وقت فضيلة: أول الوقت.
ووقت اختيار: وهو وقت الفضيلة، ويستمر إلى مصير الظل مثلين بعد ظل الاستواء.
ووقت جواز بلا كراهة: إلى الاصفرار، ثم بها إلى أن يبقى من الوقت ما يسعها.
ووقت حرمة: إلى أن يبقى من الوقت ما لا يسعها.
ووقت ضرورة: وهو آخر الوقت بحيث تزول الموانع والباقي منه قدر التكبيرة فأكثر، فتجب هي وما قبلها لأنها تجمع معها.
ووقت عذر: وهو وقت الظهر لمن يجمع جمع تقديم.
(قوله: من آخر وقت الظهر) أي ابتداء العصر من آخر وقت الظهر، أي من ملاصق آخر وقت الظهر.
فلا بد من تقدير مضاف لأن
قرص شمس، (ف) - وقت (مغرب) من الغروب (إلى مغيب الشفق الاحمر، ف) - وقت (عشاء) من مغيب الشفق.
قال شيخنا: وينبغي ندب تأخيرها لزوال الاصفر والابيض، خروجا من خلاف من أوجب ذلك.
ويمتد (إلى طلوع (فجر) صادق، (ف) - وقت (صبح) من طلوع الفجر الصادق لا الكاذب (إلى طلوع) بعض
ــ
آخر وقت الظهر ليس أول وقت العصر، وذلك الملاصق هو مصير ظل الشئ مثله غير الاستواء.
قال في النهاية: ولا يشترط حدوث زيادة فاصلة بينه وبين وقت الظهر.
وأما قول الشافعي: فإذا جاوز ظل الشئ مثله بأقل زيادة فقد دخل وقت العصر.
فليس مخالفا لذلك بل هو محمول على أن وقت العصر لا يكاد يعرف إلا بها وهي منه.
اه.
وقوله: وهي: أي الزيادة.
وقوله: منه: أي من العصر.
(قوله: إلى غروب إلخ) أي إلى تمام غروب إلخ.
فالغاية جارية على القاعدة لا وقت التمام ليس من وقت العصر، والمراد غروب ما ذكر غروبا لم تعد بعده، فلو عادت تبين أن وقت العصر باق، وإن كان قد فعله تبين أنه أداء.
ويلغز بذلك فيقال: رجل أحرم بصلاة العصر قضاء عالما بفوات الوقت فوقعت أداء؟ ويجب إعادة المغرب لمن كان فعلها.
ويدل لما ذكر ما وقع لسيدنا علي رضي الله عنه كما رواه أحمد في مسنده - من أنه صلى الله عليه وسلم نام في حجره حتى غابت فكره أن يوقظه ففاتته صلاة العصر، فلما استيقظ ذكر ذلك له صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم أنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فردها عليه.
فرجعت الشمس حتى صلى العصر.
وقوله: جميع قرص شمس فلو غرب بعضه دون بعض لم يخرج وقت العصر، بخلاف وقت الصبح فإنه يخرج بطلوع البعض، إلحاقا لما يظهر بما ظهر
في الموضعين.
(قوله: فوقت مغرب إلخ) ولها خمسة أوقات.
وقت فضيلة واختيار وجواز بلا كراهة: أول الوقت.
ووقت جواز بكراهة: إلى أن يبقى ما يسعها.
ووقت حرمة إلى أن يبقى ما لا يسعها.
ووقت ضرورة: لمن زالت منه الموانع.
ووقت عذر: وقت العشاء لمن يجمع.
(قوله: من الغروب) أي تمامه، لما علمت من أن وقت العصر ينتهي بتمامه.
والغروب: البعد.
يقال: غرب - من باب دخل - إذا بعد.
ويعرف بزوال الشمس من رؤوس الجبال والأشجار، وظهور الظلام من جهة المشرق.
ولو غربت الشمس في بلد فصلى المغرب ثم سافر إلى بلد أخرى فوجدها لم تغرب فيها وجبت الإعادة.
وقوله: إلى مغيب الشفق الأحمر أي وينتهي وقت المغرب بمغيب ما ذكر، لخبر مسلم: وقت المغرب ما لم يغب الشفق.
والمراد الأحمر، لأنه المنصرف إليه الاسم عند الإطلاق، وإطلاقه على الأبيض أو الأصفر مجاز لعلاقة المجاورة.
وهذا هو القول القديم لإمامنا رضي الله عنه، وهو المعتمد.
وأما الجديد فينقضي بمضي قدر الوضوء وستر العورة والأذان والإقامة ومضي خمس ركعات.
وقال في التحفة والنهاية: إن القول الأول جديد، لأن الشافعي رضي الله عنه علق القول به في الإملاء على صحة الحديث، وقد صحت فيه أحاديث من غير معارض.
(قوله: فوقت عشاء من مغيب الشفق) أي الأحمر - لما علمت - لا ما بعده من الأصفر والأبيض.
ولها سبعة أوقات كالعصر: وقت فضيلة بمقدار ما يسعها وما يتعلق بها.
ووقت اختيار إلى ثلث الليل.
ووقت جواز بلا كراهة إلى الفجر الكاذب.
ووقت جواز بكراهة، وهو ما بعد الفجر الأول حتى يبقى من الوقت ما يسعها.
ووقت حرمة إلى أن يبقى ما لا يسعها.
ووقت ضرورة، وهو وقت زوال المانع.
ووقت عذر، وهو وقت المغرب لمن يجمع جمع تقديم.
(قوله: وينبغي ندب تأخيرها) أي العشاء، لزوال الأصفر والأبيض، أي إلى أن يزول كل منهما.
وهذا لا ينافي قوله الآتي: يندب تعجيل الصلاة ولو عشاء، لأن المراد تعجيلها بعد زوال الأصفر والأبيض كما هو ظاهر.
(قوله: خروجا من خلاف من أوجب ذلك) أي التأخير لزوال ذلك.
وعبارة المغني مع الأصل: والعشاء يدخل وقتها بمغيب الشفق الأحمر لما سبق لا ما بعده من الأصفر ثم الأبيض، خلافا للإمام في الأول وللمزني في الثاني.
اه.
قوله: ويمتد أي وقت العشاء.
(وقوله: إلى طلوع فجر صادق) أي لحديث: ليس في النوم تفريط، وإنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى.
رواه مسلم.
ولا ترد الصبح فإن وقتها لا يمتد إلى دخول وقت الظهر لأنها خرجت بدليل، فبقي الحديث على مقتضاه في غيرها.
(قوله: فوقت صبح إلخ) ولها ستة أوقات.
وقت فضيلة أول الوقت.
ووقت اختيار يبقى إلى الإسفار.
ووقت جواز بلا كراهة يبقى
(الشمس)، والعصر هي الصلاة الوسطى، لصحة الحديث به.
فهي أفضل الصلوات، ويليها الصبح، ثم
العشاء، ثم الظهر، ثم المغرب، كما استظهره شيخنا من الادلة.
وإنما فضلوا جماعة الصبح والعشاء لانها فيهما أشق.
قال الرافعي: كانت الصبح صلاة آدم، والظهر صلاة داود، والعصر صلاة سليمان، والمغرب صلاة يعقوب، والعشاء صلاة يونس، عليهم الصلاة والسلام.
انتهى.
واعلم أن الصلاة تجب بأول الوقت وجوبا موسعا، فله التأخير عن أوله إلى وقت يسعها بشرط أن يعزم
ــ
إلى طلوع الحمرة التي تظهر قبل الشمس.
ووقت جواز بكراهة إلى أن يبقى من الوقت ما يسعها.
ووقت تحريم إلى أن يبقى من الوقت ما لا يسعها.
ووقت ضرورة لمن زالت منه الموانع.
(قوله: من طلوع الفجر الصادق) أي ابتداؤه من طلوع الفجر الصادق، وهو المنتشر ضوؤه معترضا بنواحي السماء.
وقوله: لا الكاذب وهو ما يطلع مستطيلا بأعلاه ضوء كذنب السرحان - أي الذنب - ثم تعقبه ظلمة.
وشبه بذنب السرحان لطوله.
وقيل: لأن الضوء يكون في الأعلى دون الأسفل، كما أن الشعر على أعلى ذنب السرحان دون أسفله.
وما أحسن قول بعضهم: وكاذب الفجر يبدو قبل صادقه وأول الغيث قطر ثم ينسكب فمثل ذلك ود العاشقين هوى بالمزح يبدو وبالإدمان يلتهب قوله: إلى طلوع بعض الشمس) أي ويمتد وقتها إلى طلوع ذلك، لحديث مسلم: وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس.
وإنما خرج الوقت بطلوع بعض الشمس لما مر، ولأن وقت الصبح يدخل بطلوع بعض الفجر، فناسب أن يخرج بطلوع بعض الشمس.
(قوله: والعصر هي الصلاة الوسطى) وقيل: إنها هي الصبح، لقوله تعالى: * (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) * إذ لا قنوت إلا في الصبح.
ولخبر مسلم: قالت عائشة رضي الله عنها لمن يكتب لها مصحفا: اكتب والصلاة الوسطى وصلاة العصر.
ثم قالت: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذ العطف يقتضي التغاير.
(قوله: لصحة الحديث به) أي بأن العصر هو الصلاة الوسطى.
ولفظه: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر.
ومذهب الشافعي اتباع الحديث فصار مذهبا له.
ولا يقال في المسألة قولان.
ويدل له أيضا قراءة عائشة رضي الله عنها وإن كانت شاذة -: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر.
(قوله: كما استظهره) أي الترتيب المذكور.
(قوله: وإنما فضلوا جماعة الصبح والعشاء) أي على جماعة بقية الصلوات، حتى العصر.
(قوله: لأنها) أي الجماعة.
وقوله: فيهما أي في الصبح والعشاء، أشق.
قال سم: لا يقال: المعنى الذي أوجب أنها فيهما أشق موجود في أصل فعلهما لأن هذا ممنوع، لأن المشقة إنما زادت بالذهاب إلى محال الجماعات، وأصل فعلهما لا يقتضي ذلك الذهاب.
اه.
(قوله: قال الرافعي إلخ) قد نظم ذلك بعضهم فقال: لآدم صبح والعشاء ليونس وظهر لدواد وعصر لنجله ومغرب يعقوب كذا شرح مسند لعبد الكريم فاشكرن لفضيله وتخصيص كل بصلاة في وقت من هذه الأوقات لعله لكونه قبلت فيه توبته، أو حصلت فيه نعمة.
وحكمة كون
الصبح ركعتين بقاء كسل النوم.
وحكمة كون كل من الظهر والعصر أربعا توفر النشاط عندهما.
وحكمة كون المغرب ثلاثا الإشارة إلى أنها وتر النهار.
وحكمة كون العشاء أربعا جبر نقص الليل عن النهار، إذ فيه فرضان وفي النهار ثلاثة.
(قوله: تجب بأول الوقت) أي بأول وقته المحدود شرعا.
وقوله: وجوبا موسعا أي موسعا فيه، فلا يجب فعل الصلاة بأول الوقت على الفور.
(قوله: فله التأخير عن أوله) مفرع على ما يقتضيه ما قبله.
(قوله: إلى وقت يسعها) مرتبط بقوله وجوبا موسعا، أي ويستمر ذلك إلى أن يبقى من الوقت قدر يسعها بأخف ممكن، فيضيق حينئذ فتجب الصلاة فورا.
على فعلها فيه، ولو أدرك في الوقت ركعة لا دونها فالكل أداء وإلا فقضاء.
ويأثم بإخراج بعضها عن الوقت وإن أدرك ركعة.
نعم، لو شرع في غير الجمعة وقد بقي ما يسعها جاز له - بلا كراهة - أن يطولها بالقراءة أو الذكر حتى يخرج الوقت، وإن لم يوقع منها ركعة فيه - على المعتمد - فإن لم يبق من الوقت ما يسعها، أو كانت جمعة، لم يجز المد، ولا يسن الاقتصار على أركان الصلاة لادراك كلها في الوقت.
(فرع) يندب تعجيل صلاة - ولو عشاء - لاول وقتها، لخبر: أفضل الاعمال الصلاة لاول وقتها.
ــ
ويصح أن يكون مرتبطا بقوله: فله التأخير ويقدر للأول نظيره.
وقوله: بشرط الخ مرتبط بقوله: فله التأخير الخ.
ولو أخر قوله فله التأخير إلخ عن قوله إلى وقت يسعها، لكان أولى وأنسب.
وقوله: أن يعزم على فعلها فيه أي في الوقت، وحينئذ لا يأثم لو مات قبل فعلها ولو بعد إمكانه، بخلاف ما إذا لم يعزم على فعلها فإنه يأثم حينئذ.
والعزم المذكور خاص، وهو أحد قسمي العزم الواجب.
والثاني العزم العام، وهو أن يعزم الشخص عند بلوغه على فعل الواجبات وترك المحرمات، فإن لم يعزم على ذلك عصى.
ويصح تداركه لمن فاته ذلك ككثير من الناس.
ولا يخفى أن العزم هو القصد والتصميم على الفعل، وهو أحد مراتب القصد المنظومة في قول بعضهم: مراتب القصد خمس هاجس ذكروا فخاطر فحديث النفس فاستمعا يليه هم فعزم كلها رفعت سوى الأخير ففيه الأخذ قد وقعا قوله: ولو أدرك في الوقت ركعة) أي كاملة، بأن فرغ من السجدة الثانية قبل خروج الوقت.
(قوله: لا دونها) يغني عنه قوله: وإلا فقضاء.
فالأولى إسقاطه.
وقوله: فالكل أداء أي لخبر: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة.
أي مؤداة.
(قوله: وإلا فقضاء) أي وإن لم يدرك ركعة من الوقت بأن أدرك دونها فهي قضاء، سواء أخر لعذر أم لا.
والفرق بينه وبين من أدرك ركعة: اشتمال الركعة على معظم أفعال الصلاة، إذ غالب ما بعدها تكرير لها، فجعل ما بعد الوقت تابعا لها، بخلاف ما دون الركعة.
وفي سم ما نصه: ونقل الزركشي كالقمولي عن الأصحاب: أنه حيث شرع فيها في الوقت نوى الأداء وإن لم يبق من الوقت ما يسع ركعة.
وقال الإمام: لا وجه لنية الأداء إذا علم أن الوقت لا يسعها، بل لا يصح.
واستوجه في شرح العباب حمل كلام الإمام على ما إذا نوى الأداء الشرعي، وكلام الأصحاب على ما إذا لم ينوه.
والصواب ما قاله الإمام، وبه أفتى شيخنا الشهاب الرملي.
اه.
(قوله: ويأثم الخ) أي بلا خلاف
كما يعلم من كلام المجموع، أن من قال بخلاف ذلك لا يعتد به.
اه.
تحفة.
(قوله: نعم، ولو شرع الخ) إستدراك من قوله: ويأثم بإخراج بعضها.
(قوله: وقد بقي ما يسعها) وفي الكردي ما نصه: قال في الإمداد بأن كان يسع أقل ما يجزئ من أركانها بالنسبة إلى الوسط من فعل نفسه.
اه.
(قوله: جاز له بلا كراهة أن يطولها) أي لأنه استغرق الوقت بالعبادة.
ولذلك روي عن الصديق رضي الله عنه أنه طول بهم في صلاة الصبح، فقيل له بعد أن فرغ: كادت الشمس أن تطلع فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين.
وهذه صورة المد الجائز، ومع ذلك فالأولى تركه.
ثم إن أدرك ركعة فالكل أداء وإلا فقضاء لا إثم فيه.
(قوله: وإن لم يوقع منها ركعة فيه) أي في الوقت، لكن يجب القطع عند ضيق وقت الأخرى، فإن استمر لم تبطل صلاته، لأن الحرمة لأمر خارج.
اه كردي.
(قوله: فإن لم يبق من الوقت ما يسعها) أي فإن شرع فيها ولم يبق من الوقت ما يسعها، وهو محترز قوله: وقد بقي من الوقت ما يسعها.
وقوله: أو كانت جمعة محترز قوله: في غير الجمعة.
(قوله: ولا يسن الاقتصار على أركان الصلاة) يعني لو بقي من الوقت ما يسع الأركان فقط فلا يسن الاقتصار عليها بل الأفضل له أن يأتي بسننها معها ولو خرج بعضها عن الوقت.
وهذه الصورة غير صورة المد الجائز.
ولعل المراد بالسنن غير دعاء الافتتاح وإلا لنافاه ما سيأتي في مبحث الفاتحة من أنه يسن بشرط أن يأمن فوت الوقت وإلا تركه.
(قوله: يندب تعجيل صلاة الخ) أي لقوله تعالى: * (حافظوا على الصلوات) * ومن المحافظة عليها تعجيلها.
ولقوله تعالى:
وتأخيرها عن أوله لتيقن جماعة أثناءه، وإن فحش التأخير ما لم يضق الوقت، ولظنها إذا لم يفحش عرفا، لا لشك فيها مطلقا.
والجماعة القليلة أول الوقت أفضل من الكثيرة آخره.
ويؤخر المحرم صلاة العشاء - وجوبا - لاجل خوف فوات حج بفوت الوقوف بعرفة لو صلاها متمكنا، لان قضاءه صعب.
والصلاة تؤخر لانها أسهل من مشقته، ولا يصليها صلاة شدة الخوف.
ويؤخر أيضا - وجوبا - من رأى نحو غريق أو أسير لو أنقذه خرج الوقت.
ــ
* (فاستبقوا الخيرات) * قال البيضاوي: أي فابتدروها انتهازا للفرصة، وحيازة لفضل السبق المتقدم، ولقوله تعالى: * (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) * والصلاة من الخيرات وسبب المغفرة.
ولخبر ابن مسعود رضي الله عنه: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة لأول وقتها.
وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا: الصلاة في أول الوقت رضوان الله، وفي آخره عفو الله.
قال إمامنا: رضوان الله إنما يكون للمحسنين، والعفو يشبه أن يكون للمقصرين.
قال في التحفة: ويحصل - أي التعجيل - باشتغاله بأسبابه عقب دخوله، ولا يكلف العجلة على خلاف العادة، ويغتفر له مع ذلك نحو شغل خفيف وكلام قصير وأكل لقم توفر خشوعه، وتقديم سنة راتبة.
بل لو قدمها - أعني الأسباب - قبل الوقت وأخر بقدرها من أوله حصل سنة التعجيل، على ما في الذخائر.
اه.
(قوله: ولو عشاء) الغاية للرد على القائل بسن تأخيرها، متمسكا بخبر الصحيصحين: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب أن يؤخر العشاء.
وأجيب عنه بأن تعجيلها هو الذي واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأما التأخير فكان لعذر ومصلحة تقتضي التأخير.
(قوله: لأول وقتها) متعلق
بتعجيل.
(قوله: وتأخيرها عن أوله إلخ) أي ويندب تأخيرها عن أول الوقت لما ذكر، أي ولرمي الجمار ولمسافر سائر وقت الأولى، ولمن تيقن وجود الماء أو السترة آخر الوقت، ولدائم الحدث إذا رجا الانقطاع، ولمن اشتبه عليه الوقت في يوم غيم حتى يتيقنه أو يظن فواتها لو أخرها.
والحاصل محل استحباب التعجيل ما لم يعارضه معارض، فإن عارضه - وذلك في نحو أربعين صورة - فلا يكون مطلوبا.
(قوله: أثناءه) أي الوقت.
(قوله: وإن فحش التأخير) غاية للندب.
(قوله: ما لم يضق الوقت) قيد في ندب التأخير، أي محل ندبه مدة عدم ضيق الوقت، فإن ضاق بأن بقي منه ما لا يسع الصلاة كاملة فلا يندب بل يحرم.
(قوله: ولظنها) معطوف على قوله: لتيقن.
أي ويندب تأخيرها لظن الجماعة.
وقوله: إذا لم يفحش أي التأخير، فإن فحش لا يندب.
(قوله: لا لشك فيها) أي لا يندب تأخيرها عند الشك في الجماعة مطلقا، أي سواء فحش التأخير أو لا، (قوله: ويؤخر المحرم) أي بالحج، كما يدل عليه السياق.
أما المحرم بالعمرة فلا يؤخر الصلاة لها لأنها لا تفوت.
نعم، إن نذرها في وقت معين كانت كالحج فيؤخر الصلاة لها عند خوف فوتها عند م ر، تبعا لوالده.
وجرى ابن حجر على عدم الفرق بين المنذورة وغيرها، وفرق بين الحج والعمرة بأن الحج يفوت بفوات عرفة والعمرة لا تفوت بفوات ذلك الوقت.
(قوله: لو صلاها متمكنا) أي على الهيئة المعتادة، بأن تكون تامة الأركان والشروط.
وسيذكر مقابله.
(قوله، لأن قضاءه) أي الحج وهو علة لوجوب تأخير الصلاة، أي وتقديم الحج.
(قوله: والصلاة تؤخر الخ) الأولى والأخصر أن يقول: بخلاف الصلاة فإن قضاءها هين.
وعبارة النهاية: وعلى الأول - أي على الأصح - يؤخر وقت الصلاة وجوبا.
ويحصل الوقوف كما صوبه المصنف، خلافا للرافعي، لأن قضاء الحج صعب وقضاء الصلاة هين، وقد عهد تأخيرها بما هو أسهل من مشقة الحج، كتأخيرها للجمع.
(قوله: ولا يصليها صلاة شدة الخوف) هي أن يصليها كيف أمكن، راكبا وماشيا ومستقبلا وغير مستقبل.
وعبارة المنهاج مع شرح الرملي: والأصح منعه - أي هذا النوع، وهو صلاة شدة الخوف - لمحرم خاف فوت الحج، أي لو قصد المحرم عرفات ليلا وبقي من وقت الحج مقدار إن صلاها فيه على الأرض فاته الوقوف، وإن سار فيه إلى عرفات فاتته العشاء، لم يجز له أن يصلي صلاة الخوف.
اه.
(قوله: ويؤخر) أي الصلاة مطلقا، عشاء كانت أو غيرها.
وعبارة النهاية: وألحق بعضهم بالمحرم
(فرع) يكره النوم بعد دخول وقت الصلاة وقبل فعلها، حيث ظن الاستيقاظ قبل ضيقه، لعادة أو لايقاظ غيره له، وإلا حرم النوم الذي لم يغلب في الوقت.
(فرع) يكره تحريما صلاة لا سبب لها، كالنفل المطلق ومنه صلاة التسابيح، أو لها سبب متأخر كركعتي
ــ
فيما مر: المشتغل بإنقاذ غريق، أو دفع صائل عن نفس أو مال، أو صلاة على ميت خيف انفجاره.
اه.
(قوله: يكره النوم بعد دخول وقت صلاة) أي عشاء كانت أو غيرها.
وفي سم ما نصه: قال الأسنوي: سياق كلامهم يشعر بأن المسألة
مصورة بما بعد دخول الوقت.
ولقائل أن يقول: ينبغي أن يكره أيضا قبله، وإن كان بعد فعل المغرب للمعنى السابق، أي مخافة استمراره إلى خروج الوقت.
اه.
وفي القوت قال ابن الصلاح: كراهة النوم تعم سائر الأوقات.
وكأن مراده بعد دخول الوقت، كما يشعر به كلامهم في العشاء.
ويحتمل أن يكره بعد المغرب، وإن لم يدخل وقت العشاء، لخوف الاستغراق أو التكاسل.
وكذا قبيل المغرب، لا سيما على الجديد.
ويظهر تحريمه بعد الغروب على الجديد.
اه.
(قوله: حيث ظن إلخ) متعلق بيكره.
وعبارة التحفة: ومحل جواز النوم إن غلبه بحيث صار لا تمييز له، ولم يمكنه دفعه، أو غلب على ظنه أنه يستيقظ وقد بقي من الوقت ما يسعها وطهارتها، وإحرم ولو قبل دخول الوقت.
على ما قاله كثيرون.
ويؤيده ما يأتي من وجوب السعي للجمعة على بعيد الدار قبل وقتها.
اه.
وفي سم أن حرمة النوم قبل الجمعة هو قياس وجوب السعي على بعيد الدار.
قال: وظاهر أنه لو كان بعيد الدار وجب عليه السعي قبل الوقت، وحرم عليه النوم المفوت لذلك السعي الواجب.
اه.
(قوله: لعادة) متعلق بظن، أي أن ظنه للاستيقاظ حاصل لأن عادته أنه إذا نام في الوقت يستيقظ قبل خروجه.
(قوله: أو لإيقاظ غيره) أي غير النائم.
وقوله: له أي للنائم.
(قوله: وإلا حرم) أي وإن لم يظن الاستيقاظ - لما ذكر - حرم النوم.
وقوله: الذي لم يغلب فإن غلب لا يحرم ولا يكره أيضا.
كما صرح به في النهاية، ونصها: ولو غلب عليه النوم بعد دخول الوقت وعزمه على الفعل وأزال تمييزه فلا حرمة فيه مطلقا ولا كراهة.
اه.
(وقوله: في الوقت) متعلق بالنوم.
(تنبيه) يسن إيقاظ النائم للصلاة إن علم أنه غير متعد بنومه أو جهل حاله، فإن علم تعديه بنومه كأن علم أنه نام في الوقت مع علمه أنه لا يستيقظ في الوقت، وجب.
وكذا يستحب إيقاظه إذا رآه نائما أمام المصلين، حيث قرب منهم بحيث يعد عرفا أنه سوء أدب، أو في الصف الأول أو محارب المسجد، أو على سطح لا حاجز له، أو بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس وإن كان صلى الصبح، لأن الأرض تصيح - أي ترفع صوتها - إلى الله من نومة عالم حينئذ.
أو بعد صلاة العصر، أو خاليا في بيت وحده، فإنه مكروه.
أو نامت المرأة مستلقية ووجهها إلى السماء، أو نام رجل أو امرأة منبطحا على وجهه فإنها ضجعة يبغضها الله تعالى.
ويسن إيقاظ غيره لصلاة الليل وللتسحر، ومن نام وفي يده غمر - بفتحتين - أي ريح اللحم وما يعلق باليد من دسمه.
والحكمة في طلب إيقاظه حينئذ أن الشيطان يأتي للغمر، وربما آذى صاحبه.
وإنما خص اليد لما ورد في الحديث: من نام وفي يده غمر فأصابه وضح فلا يلومن إلا نفسه.
والوضح: البرص.
أفاده جمل.
(قوله: فرع يكره تحريما) أي كراهة تحريم.
وقيل: تنزيها.
وعلى كل لا تنعقد الصلاة وذلك لأن النهي إذا رجع لذات العبادة أو لازمها اقتضى الفساد، سواء كان للتحريم أو للتنزيه، ويأثم فاعلها.
ولو قلنا بأن الكراهة للتنزيه من
استخارة وإحرام بعد أداء صبح حتى ترتفع الشمس كرمح، وعصر حتى تغرب، وعند استواء غير يوم الجمعة.
لا ما له سبب متقدم كركعتي وضوء وطواف وتحية وكسوف، وصلاة جنازة ولو على غائب، وإعادة مع
ــ
حيث التلبس بعبادة فاسدة.
ويأثم أيضا من حيث إيقاعها في وقت الكراهة، على القول بأن الكراهة للتحريم، بخلافه على القول بأنها للتنزيه.
فهذا هو المترتب على الخلاف.
والفرق بين كراهة التحريم وكراهة التنزيه، أن الأولى تقتضي الإثم، والثانية لا تقتضيه.
وإنما أثم هنا حتى على القول بأنها للتنزيه لما مر.
والفرق بين كراهة التحريم والحرام، مع أن كلا يقتضي الإثم: أن كراهة التحريم ما ثبتت بدليل يحتمل التأويل، والحرام ما ثبت بدليل قطعي لا يحتمل التأويل، من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس.
والأصل في النهي ما رواه مسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، أو نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب.
ثم إن الكراهة تتعلق بالفعل في وقتين: بعد أداء الصبح، وبعد أداء العصر.
وتتعلق بالزمن من غير نظر إلى الفعل في ثلاثة أو قات: عند الإستواء في غير يوم الجمعة ولو لمن يحضرها، وعند طلوع الشمس حتى ترتفع، وعند الاصفرار حتى تغرب.
والمؤلف رحمه الله تعالى أسقط من هذه الثلاثة اثنين وأدرجهما في الأولين المتعلقين بالفعل، لأنه جعل ما بعد الصبح إلى الارتفاع وقتا واحدا، وما بعد العصر إلى الغروب كذلك.
وفيه نظر، لأن من لم يصل الصبح حتى طلعت الشمس، أو لم يصل العصر حتى غربت الشمس، تكره له الصلاة.
ثم إن كراهة الصلاة في هذه الأوقات قيل: تعبدي، وقيل، معقول المعنى.
وإلى الأول جنح ابن عبد السلام، وإلى الثاني جنح ابن حجر في التحفة.
فانظرها إن شئت.
(قوله: لا سبب لها) أي أصلا، لا متقدم ولا متأخر ولا مقارن.
(قوله: كالنفل المطلق) أي الذي لم يتقيد بوقت.
(قوله: ومنه) أي من النفل المطلق.
(قوله: أو لها الخ) أي أو صلاة لها سبب متأخر.
(قوله: كركعتي استخارة وإحرام) أي فسببهما - وهو الاستخارة والإحرام - متأخر عن الصلاة.
(قوله: بعد أداء) متعلق بيكره.
(قوله: حتى ترتفع) أي ويستمر التحريم إلى أن ترتفع الشمس.
(قوله: كرمح) أي تقريبا.
والرمح من رماح العرب طوله سبعة أذرع، والتقريب فيه أن ينقص قدر ذراع مثلا.
(قوله: وعصر) معطوف على صبح.
(قوله: حتى تغرب) أي ويستمر التحريم حتى تغرب الشمس.
(قوله: وعند استواء) معطوف على بعد أداء صبح.
أي وتكره تحريما عند استواء، وهو وقت لطيف لا يسع الصلاة ولا يكاد يشعر به حتى تزول الشمس، إلا أن
التحريم قد يمكن إيقاعه فيه فلا تصح حينئذ.
وقوله: غير يوم الجمعة أما استواء يوم الجمعة فتصح الصلاة عنده وإن لم يحضرها، لخبر أبي داود وغيره.
(قوله: لا ما له سبب متقدم) ما اسم موصول واقعة على صلاة ومعطوفة على نائب فاعل يكره، أي لا تكره صلاة لها سبب متقدم.
قال ابن رسلان: أما التي لسبب مقدم كالنذر والفائت لم تحرم واعلم أنه اختلف في التقدم والتأخر، فقيل: هما بالنسبة إلى الصلاة.
وقيل: بالنسبة للوقت المكروه.
وأظهرهما الأول كما قال الأسنوي، وعليه جرى ابن الرفعة.
وعليه لا يتأتى السبب المقارن للصلاة لأنه متقدم أبدا، بخلافه على الثاني فأنه يتأتى.
والشارح رحمه الله تعالى جرى على الأول أيضا، ولذلك لم يذكر السبب المقارن، وعد صلاة الكسوف من الذي سببه متقدم.
وبعضهم أثبت السبب المقارن مطلقا، وقال: المراد المقارنة ولو دواما، فصلاة الكسوف وصلاة الاستسقاء سببهما - وهو تغير الشمس أو القمر أو الحاجة إلى السقي - وإن كان متقدما على الصلاة هو مقارن لها دواما.
(قوله: كركعتي وضوء إلخ) أمثلة لما له سبب متقدم.
وبيان ذلك أن ركعتي الوضوء سببهما الوضوء وهو متقدم، وركعتي الطواف سببهما الطواف وهو متقدم، وركعتي تحية المسجد سببهما دخول المسجد وهو متقدم، وركعتي الكسوف سببهما كسوف الشمس أو القمر وهو متقدم على ما فيه، وصلاة الجنازة سببها طهر الميت وهو متقدم، والفائتة سببها التذكر وهو متقدم.
وانظر ما سبب الصلاة المعادة المتقدم، فإن كان الجماعة فيرد عليه أنها سبب مقارن، وأيضا هي شرط في الإعادة
جماعة ولو إماما، وكفائتة فرض أو نفل لم يقصد تأخيرها للوقت المكروه ليقضيها فيه أو يداوم عليه.
فلو تحرى إيقاع صلاة غير صاحبة الوقت في الوقت المكروه من حيث كونه مكروها فتحرم مطلقا ولا تنعقد، ولو فائتة يجب قضاؤها فورا لانه معاند للشرع.
ــ
لا سبب.
وإن كان إرادة تحصيل الثواب، أو رد عليه أن النفل المطلق كذلك، فيكون مما له سبب متقدم، مع أنهم جعلوه مما لا سبب له أصلا.
(قوله: وطواف) معطوف على وضوء، أي وكركعتي طواف.
وقوله: وتحية أي وكركعتي تحية للمسجد، فهو معطوف على وضوء.
وقوله: وكسوف أي وكركعتي كسوف، فهو معطوف أيضا على وضوء.
وقوله: وصلاة جنازة معطوف على كركعتي وضوء، ولو أعاد الكاف فيه لكان أولى.
وقوله: وإعادة مع جماعة معطوف على ركعتي أيضا، ولو أعاد الكاف فيه لكان أولى كالذي قبله.
وقوله: ولو إماما وتجب نية الإمامة كما سيأتي في شروط المعادة.
وقوله: كفائتة الخ معطوف على كركعتي أيضا.
(قوله: لم يقصد تأخيرها) ضميره يعود على الفائتة بدليل تعليله، ولولاه لصح رجوعه للمذكورات قبله من ركعتي الوضوء والتحية وصلاة الجنازة والمعادة والفائتة.
(قوله: ليقضيها) أي الفائتة، وهو متعلق بتأخيرها.
وقوله: فيه أي في الوقت المكروه.
(قوله: أو يداوم عليه) ظاهره أنه معطوف على ليقضيها،
والمعنى: لم يقصد تأخيرها إلى الوقت المكروه لأجل أن يقضيها، أو لأجل أن يداوم عليه - أي القضاء - ويجعله كأنه ورد، فإن قصد ذلك لا تصح فيه ولا تنعقد.
ومقتضى العطف على ما ذكر إنه إذا صلى الفائتة في الوقت المكروه وداوم عليها من غير قصد صحت صلاته، وليس كذلك كما يدل عليه عبارة النهاية، ونصها: وليس لمن قضى في وقت الكراهة أن يداوم عليها ويجعلها وردا، أي لأن ذلك من خصوصياته صلى الله عليه وسلم، فقد داوم صلى الله عليه وسلم على قضاء ركعتي الظهر لما فاتتاه.
اه.
ووجه الخصوصية - كما في التحفة -: حرمة المداومة فيها على أمته وإباحتها له صلى الله عليه وسلم، كما يصرح به كلام المجموع، أو ندبها له، على ما نقله الزركشي.
ويحتمل أنه معطوف على يقصد، فيكون مجزوما، والمعنى عليه: ويجوز قضاء فائتة في الوقت المكروه ما لم يداوم عليه، فإن داوم عليه لم يصح سواء قصد تأخيرها لذلك أم لا.
وعبارة فتح الجواد تقتضي هذا الاحتمال، ونصها - بعد كلام -: فإن قصد تأخير الفائتة للوقت المكروه ليقضيها فيه، أو داوم عليها، أو دخل فيه بنية التحية فقط، لم تنعقد، لأنه حينئذ مراغم للشرع بالكلية.
اه.
(قوله: فلو تحرى إلخ) انظر هو مفهوم أي شئ قبله؟ فإن قلت: هو مفهوم قوله: لم يقصد تأخيرها للوقت إلخ.
فلا يصح، لأن قوله المذكور راجع لخصوص الفائتة كما علمت، وهذا راجع لجميع ما قبله.
ثم ظهر أنه مفهوم قيد ملاحظ عند قوله: لا ما له سبب متقدم تقديره: لم يتحره.
ويدل عليه عبارة التحفة، ونصها مع الأصل: إلا لسبب لم يتحره متقدم أو مقارن.
ثم قال: أما إذا تحرى إلخ انتهى.
إذا علمت ذلك ففي عبارة الشارح ترك التصريح بمفهوم قيد مذكور والتصريح بمفهوم قيد مهجور.
ولا يخفى ما فيه، فلو اقتصر على قوله: لم يقصد تأخيرها إليه، وزاد بعده: فإن قصد ذلك لم تنعقد ويأثم به، لكان أولى وأخصر.
تأمل.
(قوله: أيضا فلو تحرى إلخ) بخلاف ما إذا لم يتحر أصلا.
وإن وقعت فيه أو تحراه، لا من حيث كونه مكروها بل لغرض آخر، كأن أخر صلاة الجنازة إليه لأجل كثرة المصلين عليها فإنها حينئذ تجوز وتنعقد في ذلك الوقت المكروه.
(قوله: غير صاحبة الوقت) أما هي فلا يحرم تأخيرها، كأن أخر العصر ليوقعها وقت الاصفرار.
(قوله: فتحرم مطلقا) أي بسبب أو بغيره، وذلك للأخبار الصحيحة كخبر: لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها.
(قوله: يجب قضاؤها فورا) أي بأن فاتته لغير عذر.
(قوله: لأنه معاند للشرع) تعليل للحرمة.
قال في التحفة: وهو مشكل بتكفيرهم من قيل له: قص أظفارك.
فقال: لا أفعله، رغبة عن السنة.
فإذا اقتضت الرغبة عن السنة التكفير فأولى هذه المعاندة والمراغمة.
ويجاب بتعين حمل هذا على أن المراد أنه يشبه المراغمة والمعاندة لا أنه موجود فيه حقيقتهما.
اه.
(تنبيه) محل حرمة الصلاة في الأوقات المذكورة في غير بقعة من بقاع حرم مكة المسجد وغيره مما حرم صيده، للخبر
الصحيح: يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار.
ولزيادة فضلها، فلا يحرم المقيم بها من استكثار الصلاة فيها، ولأن الطواف صلاة بالنص، واتفقوا على جوازه، فالصلاة مثله.
ولا يقال إن الخبر
(وخامسها: استقبال) عين (القبلة) أي الكعبة، بالصدر.
فلا يكفي استقبال جهتها، خلافا لابي حنيفة رحمه الله تعالى، (إلا في) حق العاجز عنه، وفي صلاة (شدة خوف) ولو فرضا، فيصلي كيف أمكنه ماشيا وراكبا
ــ
السابق مخصوص بسنة الطواف، وهي مما سببها متقدم، لأنا نقول: جاء في رواية صحيحة: لا تمنعوا أحدا صلى من غير ذكر الطواف فلتحمل الصلاة في الرواية الأولى على مطلق صلاة سنة طواف وغيرها.
(قوله: وخامسها) أي شروط الصلاة.
(قوله: استقبال عين القبلة) أي لقوله تعالى: * (فول وجهك شطر المسجد الحرام) *.
والاستقبال لا يجب في غير الصلاة، فتعين أن يكون فيها.
وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال للمسئ صلاته - وهو خلاد بن رافع الزرقي الأنصاري -: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة.
رواه الشيخان.
ورويا أنه صلى الله عليه وسلم ركع ركعتين قبل الكعبة - أي وجهها - وقال: هذه القبلة.
مع خبر: صلوا كما رأيتموني أصلي.
فلا تصح الصلاة بدونه إجماعا، ويجب الاستقبال يقينا في القرب وظنا في البعد.
ومن أمكنه علمها ولا حائل بينه وبينها لم يعمل بقول غيره، ومن ذلك قدرة الأعمى على مس حيطة المحراب حيث سهل عليه، فلا يكفي العمل بقول غيره ولا باجتهاده، فإن لم يمكنه اعتمد ثقة يخبر عن علم، كقوله: أنا شاهدت الكعبة هكذا.
وليس له أن يجتهد مع وجود إخباره.
وفي معناه رؤية بيت الإبرة المعروف، ومحاريب المسلمين ببلد كبير أو صغير فلا يجوز الاجتهاد فيها جهة بل يجوز يمنة أو يسرة.
ولا يجوز فيما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى إليه، فإن فقد ما ذكر اجتهد لكل فرض إن لم يذكر الدليل الأول.
ومن علامتها القطب المعروف، ويختلف باختلاف الأقاليم.
ففي مصر يجعله المصلي خلف أذنه اليسرى، وفي العراق يجعله خلف أذنه اليمنى، وفي اليمن قبالته مما يلي جانبه الأيسر، وفي الشام وراءه.
ومن علاماتها أيضا الشمس والقمر والريح.
ويجب تعلمها حيث لم يكن هناك عارف سفرا وحضرا.
فإن عجز عن الاجتهاد كأعمى البصر أو البصيرة قلد مجتهدا.
فتلخص أن مراتب القبلة أربعة: العلم بالنفس، وإخبار الثقة عن علم، والاجتهاد، وتقليد المجتهد.
(قوله: أي الكعبة) عبارة المغنى: والقبلة في اللغة: الجهة.
والمراد هنا: الكعبة.
ولو عبر لها لكان أولى، لأنها القبلة المأمور بها.
ولكن القبلة صارت في الشرع حقيقة الكعبة لا يفهم منها غيرها.
وسميت قبلة لأن المصلي يقابلها، وكعبة لارتفاعها.
وقيل: لاستدارتها.
اه.
وليس من الكعبة الحجر والشاذروان، لأن ثبوتهما منها ظني، وهو لا يكتفي به في القبلة.
وفي الخادم: ليس المراد بالعين الجدار، بل أمر اصطلاحي.
أي وهو سمت البيت وهواؤه إلى السماء والأرض السابعة، والمعتبر مسامتتها عرفا لا حقيقة.
اه تحفة.
(قوله: بالصدر) متعلق باستقبال،
أي يشترط الاستقبال بالصدر.
وهو حقيقة في الواقف والجالس، وحكما في الراكع والساجد.
قال في التحفة: والمراد بالصدر: جميع عرض البدن.
فلو استقبل طرفها فخرج شئ من العرض عن محاذاته لم تصح، بخلاف استقبال الركن، لأنه مستقبل بجميع العرض لمجموع الجهتين، ومن ثم لو كان إماما امتنع التقدم عليه في كل منهما.
اه.
ويجب استقبالها بالصدر والوجه لمن كان مضطجعا، وبالوجه والأخمصين لمن كان مستلقيا.
(قوله: فلا يكفي استقبال جهتها) أي للخبر الصحيح: أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين في وجهها وقال: هذه القبلة.
وأما خبر: ما بين المشرق والمغرب قبلة فمحمول على أهل المدينة ومن داناهم.
(قوله: إلا في حق العاجز عنه، الخ) استثناء من اشتراط الاستقبال، والعجز عنه يكون بمرض أو ربط على خشبة، فيصلي المريض أو المربوط ويعيد لندرة عذره.
فلو أمكنه أن يصلي إلى القبلة قاعدا وإلى غيرها قائما وجب الأول، لأن فرض القبلة آكد من فرض القيام، بدليل سقوطه في النفل مع القدرة من غير عذر.
(قوله: وفي صلاة شدة خوف) أي في قتال مباح، كقتال المسلمين للكفار، وقتال أهل العدل للبغاة، وما ألحق به، كهرب من حريق وسيل وسبع وحية.
قال في النهاية: ومن الخوف المجوز لترك الاستقبال أن يكون شخص في أرض مغصوبة ويخاف فوت الوقت، فله أن يحرم ويتوجه للخروج ويصلي بالإيماء.
اه.
(قوله: فيصلي) أي من اشتد عليه الخوف.
وقوله: كيف أمكنه أي على أي حال أمكنه الصلاة
مستقبلا أو مستدبرا، كهارب من حريق وسيل وسبع وحية، ومن دائن عند إعسار، وخوف حبس.
(و) لا في (نفل سفر مباح) لقاصد محل معين، فيجوز النفل راكبا وماشيا فيه ولو قصيرا.
نعم، يشترط أن يكون مقصده على مسافة لا يسمع النداء من بلده، بشروطه المقررة في الجمعة.
وخرج بالمباح سفر المعصية فلا يجوز ترك القبلة في النفل لابق، ومسافر عليه دين حال قادر عليه من غير إذن دائنه.
(و) يجب (على ماش إتمام ركوع وسجود) لسهولة ذلك عليه، وعلى راكب إيماء بهما.
(واستقبال فيهما وفي تحرم) وجلوس بين السجدتين، فلا
ــ
عليه، وهو مجمل.
وقوله: ماشيا إلخ تفصيل له.
(قوله: كهارب الخ) تمثيل لمن اشتد عليه الخوف وقوله: من حريق إلخ أي لم يمكنه المنع والتخلص بشئ منه.
(قوله: ومن دائن إلخ) أي وكهارب من دائن، فيجوز له أن يصلي كيف أمكن بشرط أن يكون معسرا وخاف من الحبس.
(قوله: وإلا في نفل الخ) أي ولو مؤقتا.
وخرج بالنفل الفرض - ولو منذورا - وصلاة جنازة، فلا يجوز ترك الاستقبال فيه.
فلو صلى الفرض على دابة واقفة وتوجه للقبلة وأتم الفرض جاز، وإن لم تكن معقولة، وإلا فلا يجوز.
وقوله: سفر خرج به الحضر، فلا يجوز فيه ترك الاستقبال، وإن احتاج إلى التردد كما في السفر لعدم وروده.
والحكمة في التخفيف على المسافر، أن الناس يحتاجون إلى الأسفار، فلو شرط فيها الاستقبال في النافلة لأدى إلى ترك أورادهم أو مصالح معايشهم.
وقوله: مباح سيأتي محترزه.
(قوله: لقاصد محل معين) المراد به المعلوم من حيث المسافة، بأن يقصد قطع مسافة يسمى فيها مسافرا عرفا، كالشام أو الصعيد، لا خصوص محل معين كدمشق مثلا.
فتعين المحل ليس بشرط، بل الشرط أن يقصد قطع المسافة المذكورة.
اه.
بجيرمي.
(قوله: فيجوز النفل راكبا) أي لحديث جابر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته حيث توجهت به - أي في جهة مقصده - فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل
القبلة.
رواه البخاري.
وقوله: وماشيا أي قياسا على الراكب، بل أولى.
وقوله: فيه أي في السفر (قوله: ولو قصيرا) أي ولو كان السفر قصيرا، وهو غاية لجواز النفل فيه راكبا وماشيا، فلا يشترط طوله قياسا على ترك الجمعة، ولعموم الحاجة مع المسامحة في النفل.
(قوله: نعم يشترط الخ) إستدراك من الغاية دفع به ما يتوهم من أنه يكتفى بمحل يسمع منه النداء.
وقوله: لا يسمع متعلقه محذوف، أي منها.
وقوله: من بلده متعلق بالنداء، وضميره يعود إليه أو إلى المسافر.
(قوله: بشروطه) الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من النداء، والضمير يعود عليه.
أي حالة كونه متلبسا بشروطه، وهي: أن يكون النداء من شخص صيت يؤذن كعادته في علو الصوت وهو واقف بمستو ولو تقديرا مع سكون الريح والصوت من طرف يليهم.
وقوله: المقررة في الجمعة أي فإنهم قرروا فيها أنها تلزم المقيمين وتلزم من بلغهم النداء بالشروط المذكورة، وإلا فلا تلزمهم.
ويحتمل على بعد أنه متعلق بقوله فيجوز، والضمير يعود على السفر الذي يجوز الترخص فيه بالقصر والجمع، لأن جميع ما هو شرط هناك شرط إلا طول السفر.
وقوله: في الجمعة أي في باب الجمعة.
وذلك لأن المؤلف رحمه الله تعالى ذكر شروط القصر والجمع في تتمة آخر باب الجمعة فيها ما ذكر هنا، وهو شرطان: كونه مباحا، وقصده محلا معينا.
ومنها: مجاوزة نحو السور، ودوام السفر.
فلو وصلت سفينته دار الإقامة أثناء الصلاة لزمه أن يتمها للقبلة.
ودوام السير، فلو نزل في أثناء الصلاة عن راحلته لزمه ذلك أيضا.
وأن يكون سفره لغرض صحيح، فلا يجوز ترك القبلة لمن سافر لمجرد رؤية البلاد على الأصح.
(قوله: ويجب على ماش الخ) أي ويجب على متنفل صلى ماشيا.
فهو مرتبط بمفهوم قوله: وإلا في نفل إلخ.
(قوله: إتمام ركوع وسجود) قال الشرقاوي: والأوجه أن يكفيه الإيماء حيث كان يمشي في وحل ونحوه أو ماء وثلج، لما في الإتمام من المشقة الظاهرة وتلويث بدنه وثيابه بالطين ونحوه.
اه.
(قوله: لسهولة ذلك) أي إتمام ما ذكر.
(قوله: وعلى راكب إيماء بهما) أي بالركوع والسجود، ومحل ذلك إن كان راكبا فيما لا يسهل فيه إتمام ذلك.
والحاصل أن في الراكب تفصيلا، وهو أنه إن كان راكبا في مرقد - كهودج ومحارة - أو في سفينة، أتم وجوبا ركوعه وسجوده وسائر الأركان، أو بعضها إن عجز عن الباقي، واستقبل وجوبا لسهولة ذلك عليه.
ومحل ذلك في غير مسير السفينة، أما هو وهو من له دخل في سيرها فلا يلزمه التوجه في جميع صلاته، ولا إتمام الأركان، بل في التحرم فقط إن سهل، وإن لم يكن راكبا في مرقد ولا في سفينة.
فإن كان راكبا فيما لا يسهل فيه الاستقبال في جميع الصلاة، وإتمام الأركان استقبل في إحرامه فقط إن سهل عليه، بأن كانت
يمشي إلا في القيام والاعتدال والتشهد والسلام، ويحرم انحرافه عن استقبال صوب مقصده عامدا عالما مختارا إلا إلى القبلة.
ويشترط ترك فعل كثير - كعدو وتحريك رجل بلا حاجة - وترك تعمد وطئ نجس - ولو يابسا - وإن عم الطريق، ولا يضر وطئ يابس خطأ، ولا يكلف ماش التحفظ عنه.
ويجب الاستقبال في النفل لراكب سفينة غير ملاح.
واعلم أيضا أنه يشترط في صحة الصلاة العلم بفرضية الصلاة.
فلو جهل فرضية أصل الصلاة، أو صلاته
ــ
الدابة غير صعبة ولا مقطورة، وإلا لم يلزمه في الإحرام أيضا.
اه.
ملخصا من شرح إبن حجر على متن بافضل.
(قوله:
واستقبال) معطوف على قوله إتمام، أي ويجب على ماش استقبال.
(قوله: فيهما) أي في الركوع والسجود.
(قوله: وفي تحرم إلخ) الحاصل أنه يستقبل في أربعة أشياء: الإحرام، والركوع، والسجود، والجلوس بين السجدتين.
(قوله: فلا يمشي الخ) مفرع على وجوب إتمام الركوع والسجود فقط: وقوله: إلا في القيام الخ أي لا يمشي في شئ من الأركان إلا في قيامه واعتداله وتشهده وسلامه.
والحاصل: يمشي في أربع كما يستقبل في أربع.
فإن قلت: إن قيام الاعتدال ركن قصير، فلم جوزتم فيه المشي دون الجلوس بين السجدتين؟ أجيب بأن مشي القائم سهل، فسقط عنه التوجه ليمشي فيه بقدر ذكره المسنون، ومشي الجالس لا يمكن إلا بالقيام، وهو غير جائز، فلزمه التوجه فيه.
(قوله: ويحرم الخ) مرتب على قيد محذوف ملاحظ عند قوله: ويجوز النفل راكبا وماشيا وهو إلى صوب مقصده، ولو صرح به كغيره لكان أولى، ولعله سقط من النساخ.
ومع الحرمة تبطل صلاته بالانحراف المذكور لأن جهة مقصده صارت بمنزلة القبلة.
(قوله: عامدا عالما مختارا) قال في المغنى: وكذا لو انحرف لنسيان أو خطأ طريق أو جماح دابة، إن طال الزمن، وإلا فلا.
ولكن يسجد للسهو لأن عمد ذلك مبطل، وفعل الدابة منسوب إليه.
ولو انحرفت الدابة بنفسها من غير جماح، وهو غافل عنها ذاكرا للصلاة، ففي الوسيط إن قصر الزمان لم تبطل، وإلا فوجهان.
ولو أحرفه غيره قهرا بطلت وإن عاد عن قرب، لندرته.
اه بتصرف.
(قوله: إلا إلى القبلة) أي إلا إذا انحرف إلى القبلة فلا يحرم وأن كانت خلف ظهره، لأنها الأصل.
فله الرجوع إليها وإن تضمن استقبال غير المقصد.
(قوله: ويشترط) أي لصحة التنفل راكبا وماشيا.
(قوله: ترك فعل كثير) أي بأن يكون ثلاث حركات متوالية فأكثر، وقد يقال: هذا معلوم من مبطلات الصلاة الآتية فلا حاجة إلى ذكره هنا، وقد يجاب بأنه ذكر هنا لدفع توهم أنه يغتفر هنا.
(قوله: كعدو) هو الجري.
وقوله: وتحريك رجل أي من فوق الدابة، ويعبر عنه بالركض.
وقوله: بلا حاجة مرتبط بكل من العدو والتحريك.
أي أن محل بطلان الصلاة بهما إذا كانا لغير حاجة، فإن كانا لحاجة فلا بطلان.
وعبارة شرح الرملي: وله الركض للدابة، والعدو لحاجة السفر لخوف تخلفه عن الرفقة أو غيرها، كتعلقه بصيد يريد إمساكه، على المعتمد.
اه.
(قوله: وترك تعمد الخ) أي ويشترط ترك تعمد.
وقوله: وطئ نجس خرج إيطاء الدابة، لكن إذا تلوثت رجلها ضر إمساك ما ربط بها، كما في مسألة الساجور.
اه سم.
(قوله: ولو يابسا) أي ولو كان النجس يابسا فإنه يشترط ترك تعمد الوطئ عليه.
وهذه الغاية - كالتي بعدها - راجعة لاشتراط ترك تعمد ما ذكر.
(قوله: وإن عم الطريق) عبارة الروض وشرحه: أو وطئها عامدا ولو يابسة فتبطل صلاته، وإن لم يجد مصرفا - أي معدلا - عن النجاسة.
اه.
(قوله: ولا يضر وطئ يابس) أي ولا معفو عنه، كما في شرح الروض، قال: كذرق طير عمت به البلوى.
اه.
وقضية ذلك أنه لا يضر
وطئ الرطبة المعفو عنها نسيانا.
وفي شرح م ر خلافه.
اه.
سم (قوله: ولا يكلفب ماش التحفظ عنه) أي النجس، لأنه يختل به خشوعه.
اه تحفة.
(قوله: ويجب الاستقبال إلخ) أي وإتمام جميع الأركان كما تقدم.
(وقوله: غير ملاح) الملاح: من له دخل في تسيير السفينة، وإن لم يكن من المعدين ولا رأس الملاحين.
قال في النهاية: وألحق صاحب مجمع البحرين اليمني بملاحها مسير المرقد، ولم أره لغيره.
اه.
(قوله: واعلم أيضا أنه إلخ) مرتبط بقول المصنف أول الكتاب: شروط الصلاة خمسة.
وقوله أيضا: أي كما يشترط لها الشروط الخمسة المارة، وهي: الطهارة عن الحدث والجنابة، والطهارة عن النجس، وستر العورة، ومعرفة دخول الوقت، واستقبال القبلة.
(قوله: العلم بفرضية الصلاة) أي بأن الصلاة فرض
التي شرع فيها، لم تصح، كما في المجموع والروضة.
وتمييز فروضها من سننها.
نعم، إن اعتقد العامي، أو العالم على الاوجه، الكل فرضا صحت، أو سنة فلا.
والعلم بكيفيتها الآتي
بيانها قريبا إن شاء الله تعالى.
فصل في صفة الصلاة (أركان الصلاة) أي فروضها: أربعة عشر، بجعل الطمأنينة في محالها ركنا واحدا.
ــ
عليه.
(قوله: فلو جهل فرضية أصل الصلاة) أي جهل أن الصلاة مطلقا فرض عليه.
(قوله: أو صلاته) بالجر، عطف على أصل.
أي أو جهل فرضية خصوص الصلاة التي شرع فيها، كالظهر، لا الصلاة مطلقا.
(قوله: وتمييز فروضها من سننها) أي ويشترط أيضا أن يميز ويدرك فروضها وسننها.
فلو اعتقد في فرض من فروضها أنه سنة، بطلت صلاته.
(قوله: نعم الخ) إستدراك على إشتراط التمييز.
وقوله: العامي المراد به من لم يحصل من الفقه شيئا يهتدي به إلى الباقي.
وقيل: المراد به أيضا من لم يميز فرائض صلاته من سننها، والعالم من يميز ذلك.
(قوله: الكل) أي كل الصلاة، ومثله ما لو اعتقد البعض ولم يميز - كما في شرح المنهج -.
(قوله: أو سنة فلا) أي أو اعتقد أن الكل سنة، فلا تصح.
(قوله: والعلم بكيفيتها) أي ويشترط العلم بكيفية الصلاة، أي هيئتها.
وفيه أن هذا الشرط هو عين الشرطين السابقين، إذ هيئة الصلاة عبارة عن أركانها الأربعة عشر وآدابها.
وهو إذا عرف الفرضية وميز الفروض من السنن فقد أدرك الكيفية.
ولذلك اقتصر في المنهج على العلم بالكيفية، وقال في شرحه: بأن يعلم فرضيتها ويميز فروضها من سننها.
اه.
(قوله: إن شاء الله تعالى) إنما قال ذلك امتثالا لقوله تعالى: * (ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) * والسبب في ذلك أن الإنسان إذا قال سأفعل كذا، لم يبعد أن يموت قبل فعله، ولم يبعد أيضا أنه يعوقه عنه - لو بقي حيا - عائق، وحينئذ يصير كاذبا فيما وعد به.
فطلب أن يقول إن شاء الله، حتى إذا تعذر الوفاء بذلك الوعد لم يصر كاذبا.
وروى أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال سليمان بن داود عليهما السلام: لأطوفن الليلة على مائة امرأة، أو تسع وتسعين امرأة، كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله.
فقال له صاحبه: إن شاء الله.
فلم يقل إن شاء الله، فلم يحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل.
والذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله عزوجل فرسانا أجمعون.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
(فصل في صفة الصلاة) المراد بالصفة: الكيفية.
أي الهيئة الحاصلة للصلاة، لا معناها الحقيقي، وهو ما كان زائدا على الشئ كالبياض، لأن ما سيذكره من الواجب والمندوب هو ذات الصلاة.
وهي تنقسم إلى واجب ومندوب.
والأول لا يخلو إما أن يكون داخلا في الماهية ويسمى ركنا، أو خارجا عنها ويسمى شرطا.
والثاني لا يخلو إما أن يجبر بالسجود ويسمى بعضا، أو لا ويسمى هيئة.
وشبهت الصلاة بالإنسان، فالركن كرأسه، والشرط كحياته، والبعض كأعضائه، والهيئات كشعره.
(قوله: أركان الصلاة) أي أجزاؤها التي تتركب منها حقيقتها.
وقوله: أي فروضها أفاد به أن الأركان والفروض بمعنى واحد، وإنما عبر هنا بالأركان وفي الوضوء بالفروض إشارة إلى أنه لا يجوز تفريق أفعال الصلاة، بخلاف الوضوء.
(قوله: أربعة عشر بجعل إلخ) الأكثرون على أنها ثلاثة عشر، بجعل الطمأنينة في محالها الأربعة الآتية هيئة تابعة لها.
ويؤيده جعلهم لها في التقدم والتأخر على الإمام مع نحو الركوع ركنا واحدا.
وقيل: إنها سبعة عشر بعد الطمأنينة في محالها الأربعة أركانا.
والأركان المذكورة ثلاثة أقسام: قلبي: وهو النية.
وقولي: وهو خمسة: التكبير،
أحدها: (نية) وهي القصد بالقلب، لخبر: إنما الاعمال بالنيات.
(فيجب فيها) أي النية (قصد فعلها) أي الصلاة، لتتميز عن بقية الافعال (وتعيينها) من ظهر أو غيرها، لتتميز عن غيرها، فلا يكفي نية فرض الوقت.
(ولو) كانت الصلاة المفعولة (نفلا) غير مطلق، كالرواتب والسنن المؤقتة أو ذات السبب، فيجب فيها التعيين
ــ
والفاتحة، والتشهد، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعده، والسلام.
وفعلي: وهو سبعة: القيام، والركوع، والاعتدال، والسجود، والجلوس بين السجدتين، والجلوس في التشهد الأخير، والترتيب.
(قوله: أحدها) أي أحد الأركان.
نية، لأنها واجبة في بعض الصلاة.
وهو أولها، لا في جميعها.
فكانت ركنا كالتكبير والركوع.
وقيل: هي شرط، لأنها عبارة عن قصد فعل الصلاة، فتكون خارج الصلاة.
ولهذا قال الغزالي: هي بالشرط أشبه.
وفائدة الخلاف فيمن افتتح النية مع مقارنة مانع من نجاسة أو استدبار مثلا، وتمت النية وقد زال المانع، فإن قيل: هي شرط صحة، أو ركن فلا، كذا قيل والأوجه عدم صحتها مطلقا.
(قوله: وهي القصد بالقلب) هذا معنى النية لغة، أما شرعا فهو قصد الشئ مقترنا بفعله، أي قصد الشئ الذي يريد فعله حال كون ذلك القصد مقترنا بفعل ذلك الشئ.
(قوله: لخبر الخ) أي ولقوله تعالى: * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) * قال الماوردي: الإخلاص في كلامهم هو النية، وللإجماع على اعتبار النية في الصلاة.
(قوله: فيجب فيها إلخ) اعلم أن الصلاة على ثلاثة أقسام: فرض، ونفل مقيد بوقت أو سبب، ونفل مطلق وما ألحق به مما يندرج في غيره.
فالأول يشترط فيه ثلاثة أمور: نية الفعل، والتعيين صبحا أو غيره، ونية الفرضية.
وقد نظمها بعضهم فقال:
يا سائلي عن شروط النية القصد والتعيين والفرضية والثاني يشترط فيه اثنان: نية الفعل، والتعيين، والثالث يشرط فيه واحد: وهو قصد الفعل.
وقد أفاد المؤلف ذلك بقوله: فيجب فيها الخ.
وقوله: قصد فعلها أي أيقاعها.
فلا يكفي إحضارها في الذهن مع الغفلة عن فعلها لأنه هو المطلوب.
(قوله: أي الصلاة) هي هنا ما عدا النية، وإلا لتعلقت بنفسها أو افتقرت إلى نية أخرى، فيلزم التسلسل.
وجوز بعضهم تعلقها بنفسها كالعلم فإنه يتعلق بنفسه، فيعلم سبحانه وتعالى بعلمه أن له علما.
(قوله: لتتميز عن بقية الأفعال) أي يجب قصد فعلها لأجل أن تتميز عن بقية الأفعال التي لا تحتاج إلى نية، أو لنية غير الصلاة.
أفاده كردي.
(قوله: وتعيينها) بالرفع، عطف على قصد فعلها.
أي ويجب تعيين الصلاة.
وقوله: من ظهر من بمعنى الباء، متعلقة بتعيينها.
أي يجب تعيينها بالظهر أو العصر مثلا.
ولا يصح أن تكون بيانية لتعيين لأنه فعل الفاعل، وهو غير البيان.
تأمل.
(قوله: لتتميز عن غيرها) أي يجب التعيين لأجل أن تتميز عن غيرها من بقية الصلوات.
(قوله: فلا يكفي الخ) تفريع على مفهوم وجوب التعين.
وقوله: نية فرض الوقت أي المطلق الصادق بكل الأوقات.
(قوله: ولو كانت الخ) غاية في وجوب ما ذكر من قصد الفعل والتعيين.
وهي للتعميم، أي يجب ما ذكر في الصلاة مطلقا، سواء كانت فرضا أو نفلا غير مطلق، وهو المقيد بوقت أو سبب.
(قوله: كالرواتب) المراد بها سنن الصلوات الخمس، القبلية والبعدية المؤكدة وغير المؤكدة.
(قوله: والسنن المؤقتة) معطوف على الرواتب، وهو يفيد أن الرواتب ليست من السنن المؤقتة، وليس كذلك.
ويمكن أن يقال أنه من عطف العام على الخاص، إذ السنن المؤقتة صادقة بالرواتب وبغيرها، كالضحى والعيدين.
(قوله: أو ذات السبب) معطوف على المؤقتة، أي أو السنن ذات السبب كالكسوفين والاستسقاء.
قال في النهاية: ويسنثنى من ذي السبب تحية المسجد، وركعتا الوضوء والإحرام والاستخارة والطواف، وصلاة الحاجة، وسنة الزوال، وصلاة الغفلة بين المغرب والعشاء، والصلاة في بيته إذا أراد الخروج للسفر، والمسافر إذا نزل منزلا وأراد مفارقته، لحصول المقصود بكل صلاة.
والتحقيق في هذا المقام عدم الاستثناء، لأن هذا المفعول ليس عين ذلك المقيد، وإنما هو نفل مطلق حصل به
بالاضافة إلى ما يعينها كسنة الظهر القبلية أو البعدية، وإن لم يؤخر القبلية.
ومثلها كل صلاة لها سنة قبلها وسنة بعدها، وكعيد الاضحى أو الاكبر أو الفطر أو الاصغر، فلا يكفي صلاة العيد والوتر سواء الواحدة والزائدة عليها، ويكفي نية الوتر من غير عدد.
ويحمل على ما يريده على الاوجه، ولا يكفي فيه نية سنة العشاء أو راتبتها، والتراويح والضحى، وكاستسقاء وكسوف شمس أو قمر.
أما النفل المطلق فلا يجب فيه تعيين بل يكفي فيه نية
ــ
مقصود ذلك المقيد.
اه بحذف.
وكتب ع ش ما نصه: قوله: حصل به مقصود ذلك: كشعل البقعة في حق داخل المسجد، وإيقاع صلاة بعد الوضوء في حق المتوضئ.
وأشار بقوله المقصود إلى أن المطلوب نفسه لم يحصل، فلا
يقال صلى تحية المسجد مثلا، وإنما يقال صلى صلاة حصل بها المقصود من تحية المسجد.
اه.
وعبارة ابن حجر تفيد الاستثناء، ونصها: نعم، ما تندرج في غيرها لا يجب تعيينها بالنسبة لسقوط طلبها بل لحيازة ثوابها، كتحية مسجد وسنة إحرام واستخارة ووضوء وطواف.
(قوله: بالإضافة إلى ما يعينها) عبارة التحفة: وتعيينها إما بما اشتهر به كالتراويح والضحى والوتر، سواء الواحدة والزائدة عليها.
أو بالإضافة، كعيد الفطر وخسوف القمر، وسنة الظهر القبلية - وإن قدمها - أو البعدية.
وكذا كل ما له راتبة قبلية وبعدية، ولا نظر إلى أن البعدية لم يدخل وقتها، كما لا نظر لذلك في العيد إذ الأضحى أو الفطر المحترز عنه لم يدخل وقته.
اه.
(قوله: كسنة الظهر) تمثيل للرواتب.
(قوله: القبلية أو البعدية) هو محل التعيين، ولا ينافيه قوله بالإضافة، لأن المراد بها اللغوية، وهي النسبة والتعلق.
(قوله: وإن لم يؤخر القبلية) أي عن الفرض.
والغاية للرد على بعض المتأخرين حيث قال: إن لم يكن صلى الفرض لا يحتاج لنية القبلية لأن البعدية لم يدخل وقتها، فلا يشتبه ما نواه بغيره.
قال في النهاية، مع زيادة من ع ش: ووجه - أي اشتراط - التعيين ولو قبل الفرض بأن تعيينها إنما يحصل بذلك، أي بتعيين القبلية والبعدية، لاشتراكهما في الاسم والوقت، كما يجب تعيين الظهر لئلا يلتبس بالعصر، وكما يجب تعيين عيد الفطر لئلا يلتبس بالأضحى، ولأن الوقت لا يعين.
اه.
(قوله: ومثلها) أي الظهر.
وقوله: كل صلاة إلخ أي كالمغرب والعشاء، لأن لكل قبلية وبعدية، فيجب فيهما التعيين بالقبلية والبعدية، بخلاف الصبح والعصر فإنهما ليس لهما إلا قبلية فلا يجب فيها التعيين.
(قوله: وكعيد) معطوف على كسنة الظهر، وهو وما عطف عليه تمثيل للسنن المؤقتة.
وقوله: الأضحى أو الأكبر هو محل التعيين، ومثله ما بعده.
(قوله: فلا يكفي صلاة العيد) أي لعدم التعيين.
قال في النهاية: وما بحثه ابن عبد السلام من أنه ينبغي في صلاة العيد أن لا يجب التعرض لكونه فطرا أو نحرا، لأنهما مستويان في جميع الصفات، فيلتحق بالكفارة.
رد بأن الصلاة آكد، فإنها عبادة بدنية لا تدخلها النيابة ولا يجوز تقديمها على وقت وجوبها، بخلاف الكفارة.
(قوله: والوتر) معطوف على عيد الأضحى.
وقد علمت من عبارة التحفة المارة أن هذا وما بعده من القسم الذي حصل التعيين فيه بما اشتهر لا بالإضافة.
خلافا لما هو صريح كلام الشارح.
(قوله: سواء الواحدة والزائدة عليها) أي لا فرق في كون التعين في صلاة الوتر ليتحقق بما اشتهر، وهو الوتر بين الواحدة والزائدة عليها.
(قوله: ويكفي نية الوتر) عبارة المغنى: الوتر صلاة مستقلة فلا يضاف إلى العشاء، فإن أوتر بواحدة أو بأكثر ووصل نوى الوتر، وإن فصل نوى بالواحدة الوتر.
ويتخير في غيرها بين نية صلاة الليل ومقدمة الوتر وسنته، وهي أولى، أو ركعتين من الوتر على الأصح.
قال الإسنوي: ومحل ذلك إذا نوى عددا،
فإن لم ينو فهل يلغو لإيهامه أو يصح.
ويحمل على ركعة لأنه المتيقن أو ثلاث لأنها أفضل كنية الصلاة، فإنها تنعقد ركعتين مع صحة الركعة أو إحدى عشرة، لأن الوتر له غاية فحملت حالة الإطلاق عليها بخلاف الصلاة؟ فيه نظر.
اه.
والظاهر - كما قال شيخنا - أنه يصح، ويحمل على ما يريده من ركعة إلى إحدى عشرة وترا.
اه.
وقوله: من غير عدد أي من غير تقييد بعدد كثلاث فأكثر.
(قوله: ويحمل على ما يريده) أي من الركعة إلى إحدى عشرة، حال كون ذلك بالوتر لا بالشفع.
(قوله: ولا يكفي فيه) أي في الوتر.
وقوله: نية سنة العشاء أي لعدم التعيين، لما علمت أنه صلاة مستقلة فلا يضاف إلى العشاء.
نعم، إن قال: نويت وتر سنة العشاء، صح لحصول التعيين.
(قوله: والتراويح والضحى) معطوفان على عيد الأضحى أيضا.
(قوله: وكاستسقاء) معطوف على قوله: كسنة الظهر.
وهو وما عطف عليه
فعل الصلاة، كما في ركعتي التحية والوضوء والاستخارة، وكذا صلاة الاوابين، على ما قاله شيخنا ابن زياد والعلامة السيوطي رحمهما الله تعالى.
والذي جزم به شيخنا في فتاويه أنه لا بد فيها من التعين كالضحى.
(و) تجب (نية فرض فيه) أي في الفرض، ولو كفاية أو نذرا، وإن كان الناوي صبيا، ليتميز عن النفل.
(كأصلي فرض الظهر) مثلا، أو فرض الجمعة، وإن أدرك الامام في تشهدها.
(وسن) في النية (إضافة إلى الله)(تعالى)، خروجا من خلاف من أوجبها، وليتحقق معنى الاخلاص.
(وتعرض لاداء أو قضاء) ولا يجب وإن
ــ
تمثيل لذات السبب.
(قوله: أما النفل المطلق) محترز قوله: غير مطلق.
(قوله: كما في ركعتي التحية الخ) الكاف للتنظير لا للتمثيل للنفل المطلق.
أي يكفي في النفل المطلق نية فعل الصلاة، كما يكفي ذلك في ركعتي التحية إلخ.
وقد مر ما يؤيده ذلك.
(قوله: وكذا صلاة الأوابين) أي ومثل ركعتي التحية صلاة الأوابين، فلا يحتاج إلى تعيين.
وهي - كما سيأتي - عشرون ركعة بين المغرب والعشاء.
ورويت: ستا، وأربعا، وركعتين، وهما الأقل.
(قوله: والذي جزم به شيخنا في فتاويه) عبارتها بعد كلام طويل: بل ينوي بهما سنة الغفلة أو سنة صلاة الأوابين، فإن أطلق وقعتا نافلة مطلقة فلا يثاب عليهما إلا من حيث مطلق الصلاة دون خصوصها.
اه.
(قوله: أنه لا بد فيها) أي في صلاة الأوابين.
أي في حصول خصوص ثوابها.
(وقوله: كالضحى) ليس في عبارة الفتاوي، لكن تشبيه صلاة الأوابين بها له وجه، وذلك لأن كلا منهما من السنن المؤقتة، بخلاف تشبيهها بتحية المسجد فليس له وجه، لأن تحية المسجد من ذات السبب وصلاة الأوابين من المؤقتة كما علمت.
(قوله: وتجب نية فرض) أي ملاحظته وقصده.
فيلاحظ ويقصد كون الصلاة فرضا.
قال السيوطي في الأشباه والنظائر: العبادات في التعرض للفرضية على أربعة أقسام: ما يشترط فيه بلا خلاف، وهو الكفارات.
وما لا يشترط فيه بلا خلاف، وهو الحج والعمرة والجماعات.
وما يشترط فيه على الأصح، وهو الغسل والصلاة والزكاة بلفظ الصدقة.
وما لا يشترط فيه على الأصح وهو الوضوء والصوم والزكاة بلفظها والخطبة.
اه.
(قوله: ولو كفاية أو نذرا) غاية أولى لوجوب نية الفرض.
أي تجب نية الفرض، ولو كان فرض كفاية أو كان نذرا.
(قوله: وإن كان الناوي صبيا) غاية ثانية لوجوب ما ذكر.
وخالف الجمال الرملي واعتمد عدم اشتراط نية الفرضية في حقه، وعلله
بوقوع صلاته نفلا، فكيف ينوي الفرضية؟ واعتمد ابن حجر الاشتراط، وقال: المراد بالفرض في حقه صورته، أو حقيقته في الأصل لا في حقه.
ويؤيد ذلك أنه لا بد من القيام في صلاته وإن كانت نفلا.
(قوله: ليتميز عن النفل) تعليل لوجوب نية الفرض.
قال الكردي: أي لأن قصد الفعل والتعيين من حيث هو موجود - إن في النفل - فزيد في الفرض نية الفرضية ليحصل له تمييز عن النفل ورتبة.
اه.
(قوله: كأصلي فرض الظهر) أي كأن يقصد بقلبه ذلك وإن لم ينطق به.
وهذا المثال جامع للثلاثة: قصد الفعل، والتعيين، ونية الفرضية.
ومثله أصلي الظهر فرضا.
(قوله: أو فرض الجمعة) أي: أو كأصلي فرض الجمعة.
(قوله: وإن أدرك الإمام في تشهدها) أي ينوي فرض الجمعة وإن أدرك الإمام في التشهد، ويتمها حينئذ ظهرا.
وفيه اللغز المشهور وهو: نوى ولا صلى، وصلى ولا نوى.
أي: نوى الجمعة ولا صلاها، وصلى الظهر ولا نواها.
(قوله: وسن في النية إضافة إلى الله تعالى) أي استحضارها في ذهنه.
والمراد بها الإضافة اللغوية، وهي الإسناد.
أي يسن أن يسند ما نواه إلى الله تعالى، أي يلاحظ ذلك.
وإنما لم تجب الإضافة لأنها في الواقع لا تكون إلا لله تعالى.
(قوله: وليتحقق معنى الإخلاص) تعليل ثان لسنية الإضافة.
وجعله في المغني تعليلا لوجوب الإضافة، وعبارته: وقيل: تجب ليتحقق معنى الإخلاص.
ومثله في النهاية، والكل صحيح لأن تحقق معنى الإخلاص، كما يصلح أن يكون تعليلا لوجوبها يصلح أن يكون تعليلا لسنيتها.
والإخلاص كما ورد في الخبر: العمل لله وحده.
والكامل منه إفراد الحق تعالى في الطاعة بالقصد.
ومراتبه ثلاث: عليا، وهي أن يعمل لله وحده امتثالا لأمره وقياما بحق عبوديته.
ووسطى، وهي أن يعمل لثواب الآخرة.
ودنيا، وهي أن يعمل للإكرام في الدنيا والسلامة من آفاتها.
وما عدا ذلك رياء وإن تفاوتت أفراده.
قال الشيخ زين الدين - جد المؤلف - في هداية الأذكياء:
كان عليه فائتة مماثلة للمؤداة، خلافا لما اعتمده الاذرعي.
والاصح صحة الاداء بنية القضاء، وعكسه إن عذر بنحو غيم، وإلا بطلت قطعا لتلاعبه، (و) تعرض (لاستقبال وعدد ركعات) للخروج من خلاف من أوجب التعرض لهما.
(و) سن (نطق بمنوي) قبل التكبير، ليساعد اللسان القلب، وخروجا من خلاف من أوجبه.
ولو
شك: هل أتى بكمال النية أو لا؟ أو هل نوى ظهرا أو عصرا؟ فإن ذكر بعد طول زمان، أو بعد إتيانه بركن - ولو قوليا كالقراءة - بطلت صلاته، أو قبلهما فلا.
ــ
أخلص وذا أن لا تريد بطاعة * * إلا التقرب من إلهك ذي الكلا قال الغزالي: وعلامة الإخلاص أن يكون الخاطر يألف العمل في الخلوة كما يألفه في الملأ، ولا يكون حضور الغير هو السبب في حضور الخاطر، كما لا يكون حضور البهيمة سببا في ذلك.
فما دام يفرق في أحواله بين مشاهدة إنسان ومشاهدة بهيمة فهو خارج عن صفوة الإخلاص، مدنس الباطن بالشرك الخفي من الرياء، وهذا الشرك أخفى في قلب ابن آدم من دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء.
وقد ورد في الإخلاص آيات كثيرة وأحاديث شهيرة، فمن الآيات قوله تعالى: * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) * ومن الأحاديث ما رواه الدارقطني: أخلصوا أعمالكم لله فإن
الله لا يقبل إلا ما خلص له.
وابن المبارك: طوبى للمخلصين، أولئك مصابيح الهدى، تنجلي عنهم كل فتنة ظلماء.
رزقنا الله الإخلاص والنجاة حين لا مناص، وجعلنا من عباده الصالحين، بجاه سيدنا محمد أفضل الخلق أجمعين.
آمين.
(قوله: وتعرض لأداء أو قضاء) أي وسن تعرض لذلك، ولو في النفل، لتمتاز عن غيرها.
(قوله: ولا يجب) أي التعرض.
وقوله: وإن كان عليه فائتة مماثلة للمؤداة أي أو للمقضية.
وتنصرف حينئذ للمؤداة أو للسابقة من المقضيات.
أفاده في التحفة.
قال سم: لو أعاد المكتوبة في وقتها جماعة أو منفردا حيث يطلب إعادتها كذلك، ولم ينو أداء ولا قضاء، وعليه فائتة، ونوى ما يصلح للأداء والقضاء ولم يتعرض لواحد منهما، فهل يقع فعله إعادة والفائتة باقية بحالها؟ أو يقع عن الفائتة؟ فيه نظر.
وقد يرجح الأول أن الوقت للإعادة، وقد يرجح الثاني وجوب الفائتة دون الإعادة.
اه.
(قوله: خلافا لما اعتمده الأذرعي) أي من وجوب التعرض إذا كان عليه فائتة مماثلة للمؤداة، لأجل التميز.
(قوله: وإلا صح صحة الأداء بنية القضاء) كأن قال: نويت أصلي فرض الظهر قضاء، ظانا خروج الوقت مثلا فتبين بعد الصلاة بقاؤه، فتصح صلاته وتقع أداء.
(قوله: وعكسه) وهو صحة القضاء بنية الأداء، كأن قال: أصلي فرض الظهر أداء، ظانا بقاء الوقت فتبين خروجه، فتصح صلاته وتقع قضاء.
(قوله: إن عذر بنحو غيم) كأن ظن خروج وقتها فنواها قضاء فتبين بقاؤه، أو ظن بقاءه فنواها أداء فتبين خروجه، فعلى كل تصح الصلاة.
ومثله ما إذا قصد المعنى اللغوي، إذ كل يطلق على الآخر لغة، تقول: قضيت الدين وأديته، بمعنى واحد.
قال الله تعالى: * (فإذا قضيتم مناسككم) * أي أديتم إياها.
قال في التحفة: وأخذ البارزي من هذا أن من مكث بمحل عشرين سنة يصلي الصبح لظنه دخول وقته ثم بان خطؤه، لم يلزمه إلا قضاء واحدة، لأن صلاة كل يوم تقع عما قبله إذ لا يشترط نية القضاء.
(قوله: وإلا بطلت) أي وإن لم يعذر بما ذكر.
أي ولم يقصد المعنى اللغوي، بأن نوى الأداء عن القضاء وعكسه عامدا عالما، لم تصح صلاته لتلاعبه.
(قوله: وتعرض لاستقبال وعدد ركعات) أي وسن تعرض لما ذكر، كأن يقول: أصلي فرض الظهر أربع ركعات مستقبلا لله تعالى.
(قوله: للخروج من خلاف إلخ) أي ولتمتاز عن غيرها بالنسبة لعدد الركعات.
فإن عين عددا أو أخطأ فيه عمدا بطلت لأنه نوى غير الواقع.
(قوله: وسن نطق بمنوي) أي ولا يجب، فلو نوى الظهر بقلبه وجرى على لسانه العصر لم يضر، إذ العبرة بما في القلب.
(قوله: ليساعد اللسان القلب) أي ولأنه أبعد من الوسواس.
وقوله: وخروجا من خلاف من أوجبه أي النطق بالمنوي.
قال ع ش: هنا وفي سائر ما يعتبر فيه النية.
اه.
(قوله: ولو شك إلخ) سيصرح بهذه المسألة في باب مبطلات الصلاة.
وقوله: هل أتى بكمال النية أي بتمامها.
أي شك هل كمل النية؟ أي أتى بجميع أجزائها من القصد والتعيين ونية الفرضية؟ أم لا؟ ومثله ما لو شك في أصل النية،
(و) ثانيها: (تكبير تحرم) للخبر المتفق عليه: إذا قمت إلى الصلاة فكبر.
سمي بذلك لان المصلي يحرم عليه به ما كان حلالا له قبله من مفسدات الصلاة، وجعل فاتحة الصلاة ليستحضر المصلي معناه الدال على عظمة من تهيأ لخدمته حتى تتم له الهيبة والخشوع، ومن ثم زيد في تكراره ليدوم استصحاب ذينك في جميع صلاته.
(مقرونا به) أي بالتكبير، (النية) لان التكبير أول أركان الصلاة فتجب مقارنتها به، بل لا بد أن
ــ
هل أتى بها أم لا؟ (قوله: أو هل نوى ظهرا أو عصرا) أي أو شك هل نوى ذلك أم لا؟ وفيه أن الشك فيما ذكر مما يندرج تحت الشك في كمال النية، فلا حاجة إليه.
إلا أن يقال إنه من ذكر الخاص بعد العام.
(قوله: فإن ذكر) أي تذكر.
وهو جواب لو.
وقوله: بعد طول زمان أي عرفا.
قال ع ش: وطوله بأن يسع ركنا، وقصره بأن لا يسعه.
كأن خطر له خاطر وزال سريعا.
اه.
(قوله: أو بعد إتيانه بركن) أي أو ذكر بعد ذلك.
وقوله: ولو قوليا أي لا فرق في الركن بين أن يكون فعليا كالاعتدال، أو قوليا كالفاتحة.
وبعض الركن القولي ككله إن طال زمن الشك، كما سيصرح به هناك أيضا.
(قوله: أو قبلهما فلا) أي أو ذكر قبل طول الزمن أو إتيانه بركن، فلا تبطل صلاته.
واعلم أن الصلاة تبطل بالتلفظ بالمشيئة في النية، أو بنيتها إن قصد التعليق أو أطلق للمنافاة، وبنية الخروج من الصلاة وبالتردد فيه.
ولا تبطل بنية الصلاة ودفع الغريم، أو حصول دينار فيما إذا قيل له: صل ولك دينار.
بخلاف نية فرض ونفل لا يندرج فيه، للتشريك بين عبادتين مقصودتين.
(قوله: وثانيها) أي ثاني أركان الصلاة.
(قوله: تكبير تحرم) قال البجيرمي: وفي البحر وجه أنها - أي تكبيرة الإحرام - شرط لأنه لا يدخل إلا بعد تمامها، فليست داخل الماهية.
ثم أجاب بأنه بفراغه منها يتبين دخوله في الصلاة من أولها.
(قوله: للخبر المتفق عليه: إذا قمت إلى الصلاة فكبر).
تمامه: ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها.
رواه الشيخان.
وورد أيضا: مفتاح الصلاة الوضوء، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم.
(قوله: سمي بذلك) أي سمي التكبير بتكبير التحرم.
(قوله: به) أي بتكبير التحرم.
(قوله: ما كان حلالا له) أي للمصلي.
وقوله: قبله أي قبل تكبير التحرم.
وقوله: من مفسدات الصلاة بيان لما، وهي كالأكل والشرب والكلام ونحو ذلك مما يأتي.
(قوله: وجعل) أي تكبير التحرم.
(قوله: معناه) أي التكبير، وهو اتصاف الله سبحانه وتعالى بالكبرياء والعظمة.
(وقوله: الدال) من دلالة الكل على بعض أجزائه.
(قوله: من تهيأ لخدمته) الموصول واقع على الباري سبحانه، والضمير المستتر في الفعل عائد على المصلي، والضمير المضاف إليه عائد على الموصول وهو الرابط.
(قوله: حتى تتم إلخ) الأظهر أن حتى تفريعية والفعل بعدها مرفوع.
أي فتتم له الهيبة والخشوع.
(قوله: ومن ثم الخ) أي من أجل أنه إنما جعل فاتحة الصلاة ليستحضر إلخ.
وقوله: زيد في تكراره أي التكبير.
(قوله: ليدوم استصحاب ذينك) أي الهيبة والخشوع، إذ لا روح ولا كمال
للصلاة بدونهما.
(قوله: مقرونا به) منصوب على الحال من تكبير المخصص بالإضافة.
وقوله: النية نائب فاعله، والمراد بها النية المشتملة على جميع ما يعتبر فيها، من قصد الفعل أو والتعيين، أو والفرضية والقصر في حق المسافر، والإمامة والمأمومية في الجملة.
وذلك بأن يستحضر قبيل التكبير في ذهنه ذات الصلاة تفصيلا، وما يجب التعرض له من صفاتها، ثم يقصد فعل ذلك المعلوم، ويجعل قصده مقارنا للتكبير من ابتدائه إلى انتهائه.
وما ذكر هو الاستحضار الحقيقي والمقارنة الحقيقية.
ونازع في هذا إمام الحرمين وقال أنه لا تحويه القدرة البشرية.
واختار الاكتفاء بالاستحضار العرفي والمقارنة العرفية، وذلك بأن يستحضر في ذهنه هيئة الصلاة إجمالا مع ما يجب التعرض له مما مر، ويقرنه بجزء من التكبير.
قال العلامة البجيرمي: وهو المعتمد.
كما قرره شيخنا ح ف، وهو عن شيخه الخليفي، وهو عن شيخه الشيخ منصور الطوخي، وهو عن شيخه الشوبري، وهو عن شيخه الرملي الصغير، وهو عن شيخ الإسلام.
قال: وكان الشيخ الطوخي يقول: هو مذهب
يستحضر كل معتبر فيها مما مر وغيره.
كالقصر للقاصر، وكونه إماما أو مأموما في الجمعة، والقدوة لمأموم في غيرها، مع ابتدائه.
ثم يستمر مستصحبا لذلك كله إلى الراء.
وفي قول صححه الرافعي، يكفي قرنها بأوله.
وفي المجموع والتنقيح المختار ما اختاره الامام والغزالي: أنه يكفي فيها المقارنة العرفية عند العوام بحيث يعد مستحضرا للصلاة.
وقال ابن الرفعة: إنه الحق الذي لا يجوز سواه.
وصوبه السبكي، وقال: من لم يقل به وقع في الوسواس المذموم.
وعند الائمة الثلاثة: يجوز تقديم النية على التكبير بالزمن اليسير.
(ويتعين) فيه على
ــ
الشافعي.
قال بعضهم: واحذر أن يستفزك الشيطان بشؤم الوسواس، فإذا عرض لك بطلب المحال أو ما ليس في طوقك له قوة بحال فمل عما قالوه للتسهيل الذي قال به الغزالي وإمامه الجليل، واختاره في المجموع والتنقيح، وذلك لقوله تعالى: * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) * اه.
وما أحسن قول ابن العماد في منظومته: ولم يجعل الله في ذا الدين من حرج * * لطفا وجودا على أحيا خليقته وما التنطع إلا نزغة وردت * * من مكر إبليس فاحذر سوء فتنته إن تستمع قوله فيما يوسوسه * * أو نصح رأي له ترجع بخيبته القصد خير وخير الأمر أوسطه * * دع التعمق واحذر داء نكبته (قوله: لأن التكبير الخ) تعليل لوجوب اقتران النية بالتكبير.
(وقوله: أول أركان الصلاة) يرد عليه أن أولها هو النية لا التكبير.
ولو قال: لأنه أول أعمال الصلاة الظاهرة لكان أولى.
(قوله: فتجب مقارنتها الخ) لا حاجة إليه إذ هو عين المعلل.
(قوله: بل لا بد) بل هنا للانتقال لا للإبطال.
(قوله: فيها) أي في النية، وهو متعلق بمعتبر.
وقوله: مما مر أي من قصد الفعل والتعيين والفرضية.
وقوله: وغيره أي غير ما مر.
(قوله: كالقصر إلخ) تمثيل للغير.
(قوله: في الجمعة) قيد في الإمامية والمأمومية، ومثل الجمعة المعادة والمنذورة جماعة، كما في الكردي.
(قوله: في غيرها) أي الجمعة.
(قوله: مع
ابتدائه) الظرف متعلق بيستحضر، والضمير يعود على التكبير.
(قوله: ثم يستمر) معطوف على يستحضر، فالفعل منصوب.
(قوله: لذلك كله) أي لذلك المستحضر في ذهنه، ولا يكفي التوزيع بأن يبتدئ ذلك مع ابتدائه وينهيه مع انتهائه، لما يلزم عليه من خلو معظم التكبير عن تمام النية.
(قوله: يكفي قرنها بأوله) أي التكبير، لأن استصحابها دواما لا يجب ذكرا.
ورد بأن الانعقاد يحتاط له.
اه تحفة.
(قوله: عند العوام) أي لا عند الخواص، فإنهم رضي الله عنهم يوسع لهم الزمان، فلهم قدرة على الاستحضار الحقيقي والمقارنة الحقيقية.
وفي البجيرمي ما نصه: قوله: عند العوام، هل هو متعلق بالاكتفاء؟ أي يكفي للعوام المقارنة العرفية؟ أو بالعرفية، أي العرفية عند العوام؟ وحينئذ ما المراد بهم؟ وقد أسقط هذه الكلمة في شرح المنهج.
فليحرر.
شوبري.
أقول: الظاهر أنه يصح تعلقه بكل منهما.
وعلى الأول فالمراد بالعوام العاميون، وعلى الثاني فالمراد بهم عامة الناس، والثاني هو المعتمد.
فليتأمل.
مدابغي على التحرير.
اه.
(قوله: بحيث يعد مستحضرا للصلاة) مرتبط بمحذوف تقديره: ويكفي الاستحضار العرفي أيضا بحيث إلخ.
فالحيثية بيان للاستحضار العرفي لا للمقارنة العرفية.
لأن المقارنة العرفية معناها أن يوجد اقترانها عند أي جزء، ولا يضر عزوبها بعد.
والاستحضار الحقيقي أن يستحضر جميع الأركان تفصيلا.
والمقارنة الحقيقية أن يستحضر الأركان من أول التكبيرة إلى آخرها كما مر.
(قوله: إنه الحق) أي ما اختاره الإمام هو الحق، أي الصواب الذي لا يجوز غيره.
ومقتضاه عدم الاكتفاء بالاستحضار الحقيقي والمقارنة الحقيقية مطلقا وليس مرادا.
(قوله: في الوسواس المذموم) هو ناشئ من خبل في العقل أو جهل في الدين.
فإن قلت هذا مناف لقول بعضهم أن الوسوسة لا تكون إلا للكاملين.
قلت: لا منافاة، لأن الأول محمول على من يسترسل في الوسواس حتى يكاد لا تتم له عبادة، والثاني محمول على من يجاهد الشيطان في وسوسته ليثاب الثواب الكامل.
القادر لفظ: (الله أكبر) للاتباع، أو الله الاكبر.
ولا يكفي أكبر الله، ولا الله كبير، أو أعظم، ولا الرحمن أكبر.
ــ
قال جرير بن عبيدة العدوي: شكوت إلى العلاء بن زياد ما أجد في صدري من الوسوسة، فقال: إنما مثل ذلك البيت الذي تمر فيه اللصوص فإن كان فيه شئ عالجوه وإلا مضوا وتركوه.
يعني أن القلب إذا اشتغل بذكر الله تعالى لا يبقى للشيطان عليه سبيل، ولكنه يكثر فيه الوسوسة وقت فتوره عن الذكر ليلهيه عن ذكر الله.
فالعبد مبتلى بالشيطان على كل حال لا يفارقه ولكنه يخنس إذا ذكر الله تعالى.
قال قيس بن الحجاج: قال لي شيطاني: دخلت فيك وأنا مثل الجزور، وأنا اليوم مثل العصفور.
فقلت: لم ذلك؟ قال: لأنك تذيبني بكتاب الله تعالى.
وقال عثمان بن العاصي رضي الله عنه: يا رسول الله
الشيطان حال بيني وبين صلاتي وقراءتي.
فقال: ذلك شيطان يقال له خنزب، إذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثا.
قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني.
فمن كثرت وسوسته في الصلاة فليستعذ بالله من الشيطان، ويقول: اللهم إني أعوذ بك من شيطان الوسوسة خنزب ثلاث مرات، فإن الله يذهبه.
وكان الأستاذ أبو الحسن الشاذلي يعلم أصحابه ما يدفع الوسواس والخواطر الرديئة، فكان يقول لهم: من أحس بذلك فليضع يده اليمنى على صدره ويقول: سبحان الملك القدوس الخلاق الفعال، سبع مرات.
ثم يقول: إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز.
ويقول ذلك المصلي قبل الإحرام.
وفي الخبر: إن للوضوء شيطانا يقال له الولهان، فاستعيذوا بالله منه، فإنه يأتي إلى المتوضئ فيقول له: ما أسبغت وضوءك، ما غسلت وجهك، ما مسحت رأسك، ويذكره بأشياء يكون فعلها.
فمن نابه شئ من ذلك فليستعذ بالله من الولهان، فإن الله يصرفه عنه.
وقال بعض العلماء: يستحب قول لا إله إلا الله لمن ابتلي بالوسوسة في الوضوء والصلاة وشبههما، فإن الشيطان إذا سمع الذكر خنس - أي تأخر -.
ويعيد لا إله إلا الله لأنه رأس الذكر.
وقال السيد الجليل أحمد بن الجوزي أبي الحواري: شكوت إلى أبي سليمان الداراني رضي الله عنه الوسوسة فقال: إذا أردت أن ينقطع عنك، فأي وقت أحسست فافرح، فإذا فرحت به انقطع عنك.
فإنه ليس شئ أبغض إلى الشيطان من سرور المؤمن، فإذا اغتممت به زادك.
قال الشيخ محيي الدين النووي: وهذا ما قاله بعض العلماء أن الوسواس إنما يبتلى به من كمل إيمانه، فإن اللص لا يقصد بيتا خرابا.
اه.
بجيرمي بتصرف.
(قوله: ويتعين فيه) أي في التكبير، لأنه المأثور من فعله عليه الصلاة والسلام، مع خبر: صلوا كما رأيتموني أصلي.
أي علمتموني.
وقوله: على القادر أي على النطق بالتكبير بالعربية.
وخرج به العاجز عما ذكر فإنه يترجم وجوبا بأي لغة شاء.
ولا يعدل عنه لذكر أو غيره، ويحب تعلمه لنفسه ونحو طفله، ولو بالسفر وإن طال، إن قدر.
ويؤخر الصلاة عن أول الوقت للتعلم إن رجاه حتى لا يبقى إلا ما يسعها بمقدماتها، فحينئذ يجب فعلها بحسب حاله، ولا يعيد إلا فيما فرط في تعلمه.
واعلم أنه يشترط لتكبيرة الإحرام عشرون شرطا، نظمها بعضهم فقال: شروط لتكبير سماعك أن تقم * * وبالعربي تقديمك الله أولا ونطق بأكبر لا تمد لهمزة * * كباء بلا تشديدها وكذا الولا على الألفات السبع في الله لا تزد كواو ولا تبدل لحرف تأصلا
دخول لوقت واقتران بنية * * وفي قدوة أخر وللقبلة اجعلا وصارفا اعدم واقطعن همز أكبر * * لقد كملت عشرون تعدادها انجلا وقوله في النظم: لا تمد لهمزة.
أي من الله وأكبر، فتحته شرطان.
وقوله كواو، أي قبل لفظ الجلالة أو بعده، وقبل أكبر، فتحته شرطان أيضا.
(قوله: لفظ) فاعل يتعين، وهو مضاف لجملة الله أكبر.
(قوله: للاتباع) وهو ما مر.
(قوله: أو الله الأكبر) معطوف على الله أكبر.
ولو قال: ويكفي الله الأكبر لكان أولى.
وعبارة المغني مع الأصل: ولا تضر زيادة لا تمنع الاسم - أي اسم التكبير - كالله الأكبر بزيادة الألف واللام، لأنه لفظ يدل على التكبير وعلى زيادة مبالغة في التعظيم، وهو الإشعار بالتخصيص.
وكذا لا يضر الله أكبر وأجل، والله الجليل أكبر، في الأصح.
وكذا كل صفة من صفاته تعالى إذا لم يطل بها الفصل، كقوله الله عزوجل أكبر، لبقاء النظم والمعنى، بخلاف ما لو تخلل غير صفاته تعالى
ويضر إخلال بحرف من الله أكبر.
وزيادة حرف يغير المعنى، كمد همزة الله، وكألف بعد الباء، وزيادة واو قبل الجلالة، وتخلل واو ساكنة ومتحركة بين الكلمتين، وكذا زيادة مد الالف التي بين اللام والهاء إلى حد لا يراه أحد من القراء.
ولا يضر وقفة يسيرة بين كلمتيه، وهي سكتة التنفس، ولا ضم الراء.
(فرع) لو كبر مرات ناويا الافتتاح بكل: دخل فيها بالوتر وخرج منها بالشفع، لانه لما دخل بالاولى خرج بالثانية، لان نية الافتتاح بها متضمنة لقطع الاولى.
وهكذا، فإن لم ينو ذلك، ولا تخلل مبطل كإعادة لفظ النية، فما بعد الاولى ذكر لا يؤثر.
ــ
كقوله: الله هو الأكبر أو طالت صفاته كالله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس أكبر.
اه بحذف.
(قوله: ولا يكفي أكبر الله) أي بتقديم الخبر على المبتدأ.
فإن أتى بلفظ أكبر ثانيا.
كأن قال: أكبر الله أكبر، فإن قصد عند لفظ الجلالة الابتداء صح، وإلا فلا.
(قوله: ولا الله كبير) أي ولا يكفي الله كبير، لفوات معنى التفضيل وهو التعظيم.
وقوله: أو أعظم أي ولا يكفي الله أعظم، لأنه لا يسمى تكبيرا.
(قوله: ولا الرحمن أكبر) أي ولا يكفي الرحمن أكبر، لفوات لفظ الجلالة، ولا يكفي بالأولى الرحمن أجل أو أعظم، لفوات اللفظين.
(قوله: ويضر إخلال بحرف) المراد بالإخلال عدم الإتيان به على ما ينبغي، بأن لم يأت به أصلا، أو أتى به من غير مخرجه، وهذا في غير الألثغ، أما هو فلا يضر في حقه.
قال في النهاية: فإن قيل: لم اختص انعقادها بلفظ التكبير دون لفظ التعظيم؟.
قلنا: إنما اختص به لأن لفظه يدل على القدم والتعظيم على وجه المبالغة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: سبحان الله نصف الميزان، والحمد لله تملأ الميزان، والله أكبر ملء ما بين السموات والأرض.
وقال صلى الله عليه وسلم - حكاية عن الله عزوجل -: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني في شئ منهما قصمته ولا أبالي.
استعار للكبرياء الرداء وللعظمة الإزار، والرداء أشرف من الإزار.
اه.
(قوله: وزيادة الخ) أي ويضر زيادة، فهو معطوف على إخلال.
وخرج ب قوله: يغير المعنى ما لا يغيره، كالله الأكبر.
فزيادة أل فيه لا تغير المعنى بل تقويه بإفادة الحصر كما مر.
وكذا لا يضر ما مر من الله الجليل أكبر، أو الله عزوجل أكبر، لبقاء النظم والمعنى.
(قوله: كمد همزة الله) هو وما بعده تمثيل لزيادة الحرف الذي يغير المعنى، وذلك لأنه يصير به استفهاما.
(قوله: وكألف
بعد الباء) أي فهو يغير المعنى أيضا لأنه يصير بذلك جمع كبر - بفتح أوله - وهو طبل له وجه واحد.
(قوله: وزيادة واو قبل الجلالة) بالرفع، معطوف على إخلال، وبالجر معطوف على مد.
ولو حذف لفظ زيادة - كما حذفها من الذي قبلها - لكان أولى، وذلك بأن يقول: والله أكبر، فيضر لإفادة الواو العطف، ولم يتقدم هنا ما يعطف عليه.
(قوله: وتخليل واو ساكنة) بالرفع، معطوف على إخلال.
وهذا مما يؤيد الاحتمال الأول فيما قبله.
وعبارة التحفة: يضر زيادة واو ساكنة لأنه يصير جمع لاه، أو متحركة بين الكلمتين كمتحركة قبلهما.
اه.
(قوله: وكذا زيادة مد الخ) أي وكذا يضر زيادة مد الألف الكائنة بين اللام والهاء إلى حد لا يقول به أحد من القراء.
قال ع ش: وغاية مقدار ما نقل عنهم - على ما نقله ابن حجر - سبع ألفات، وتقدر كل ألف بحركتين، وهو على التقريب.
اه.
(قوله: بين كلمتيه) أي التكبير.
(قوله: وهي) أي الوقفة اليسيرة.
وقوله: سكتة التنفس قال في التحفة: وبحث الأذرعي أنه لا يضر ما زاد عليها لنحو عي.
اه.
(قوله: ولا ضم الراء) أي ولا يضر ضم الراء من أكبر.
وأما ما روي التكبير جزم فلا أصل له، وبفرض صحته فمعناه عدم التردد فيه.
فلا يصح مع التعليق.
(قوله: لو كبر مرات) المراد بالجمع ما فوق الواحد، فيصدق بالاثنين فأكثر.
(قوله: ناويا الافتتاح بكل) أي بكل مرة.
(قوله: دخل فيها) أي في الصلاة.
(قوله: لأنه لما دخل بالأولى إلخ) تأمل هذه العلة فإنها عين المعلل أو فرد من أفراده.
فلو قال - كما في شرح الروض -: لأن من افتتح صلاة ثم نوى افتتاح صلاة بطلت صلاته، أو اقتصر على العلة الثانية.
وأظهر ضمير بها كأن قال: لأن نية الافتتاح بالثانية الخ لكان أولى.
(قوله: لأن نية الافتتاح بها متضمنة لقطع الأولى) أي ويصير ذلك صارفا عن الدخول بها لضعفها عن تحصيل أمرين: الخروج والدخول معا.
فيخرج بالأشفاع لذلك.
هذا إن لم ينو بين كل تكبيرتين خروجا أو افتتاحا، وإلا فيخرج بالنية ويدخل بالتكبير.
وفي
(ويجب إسماعه) أي التكبير، (نفسه) إن كان صحيح السمع، ولا عارض من نحو لغط.
(كسائر ركن قولي) من الفاتحة والتشهد والسلام.
ويعتبر إسماع المندوب القولي لحصول السنة.
(وسن جزم رائه) أي التكبير، خروجا من خلاف من أوجبه وجهر به لامام كسائر تكبيرات الانتقالات، (ورفع كفيه) أو إحداهما إن تعسر رفع الاخرى، (بكشف) أي مع كشفهما، ويكره خلافه.
ومع تفريق أصابعهما تفريقا وسطا، (خذو) أي
ــ
النهاية ما نصه: ولو شك في أنه أحرم أو لا، فأحرم قبل أن ينوي الخروج من الصلاة لم تنعقد، لأنا نشك في هذه النية أنها شفع أو وتر، فلا تنعقد الصلاة مع الشك.
وهذا من الفروع النفيسة.
ولو اقتدى بإمام فكبر ثم كبر، فهل يجوز له الاقتداء به، حملا على أنه قطع النية ونوى الخروج من الأولى؟ أو يمنتع لأن الأصل عدم قطعه للنية الأولى؟ يحتمل أن يكون على الخلاف.
فيما لو تنحنح في أثناء صلاته، فإنه يحمله على السهو، ولا يقطع الصلاة في الأصح.
اه.
(قوله: فإن الخ) مفهوم قوله ناويا الافتتاح بكل.
وقوله: لم ينو ذلك أي الافتتاح بكل تكبيره، بأن نوى الافتتاح بالأولى فقط، وما عداها لم ينو به شيئا.
(قوله: ولا تخلل مبطل) الواو للحال، أي والحال أنه لم يتخلل بين التكبيرات مبطل للصلاة.
فإن تخلل
ذلك لم يكن ما بعد الأولى ذكرا بل هو تكبير التحرم والأولى باطلة.
(قوله: كإعادة إلخ) تمثيل للمبطل.
واندرج تحت الكاف ما مر من نية الخروج أو الافتتاح بين كل تكبيرتين.
(قوله: فما بعد الأولى) أي من الثانية والثالثة، وهكذا.
وقوله: ذكر لا يؤثر أي لا يضر في صحة الصلاة.
(قوله: ويجب إسماعه) المصدر مضاف إلى مفعوله بعد حذف الفاعل.
وقوله: أي التكبير أي جميع حروفه.
وقوله: نفسه مفعول ثان لإسماع.
(قوله: إن كان صحيح السمع) قيد لاشتراط الإسماع، وخرج به ما إذا لم يكن صحيح السمع، بأن كان أصم، فلا يجب عليه ذلك، بل يجب عليه أن يرفع صوته بقدر ما يسمعه لو كان صحيح السمع.
وقوله: ولا عارض أي مانع من الإسماع موجود، فلو كان هناك عارض لم يجب عليه الإسماع ولكن يجب عليه ما مر.
(وقوله: من نحو لغط) بيان للعارض، واللغط ارتفاع الأصوات.
(قوله: كسائر ركن قولي) الكاف للتنظير، أي مثل باقي الأركان القولية، فإنه يجب فيها الإسماع.
وكان الأولى التعبير بصيغة الجمع لا بالمفرد لأنه نكرة في سياق الإثبات، وهي لا تعم حينئذ.
وقوله: من الفاتحة الخ بيان للمضاف أو المضاف إليه.
(قوله: المندوب القولي) أي كالسورة والتشهد الأول والتسبيحات، وغير ذلك.
(قوله: لحصول السنة) متعلق بيعتبر، أي يعتبر ذلك لأجل حصول السنة، فلو لم يسمعه نفسه لا تحصل له السنة.
(قوله: وسن جزم رائه) أي ولا يجب، ومن قال به فقد غلط.
(قوله: خروجا من خلاف من أوجبه) متمسكا بالحديث المار، وقد علمت ما مر فيه.
(قوله: وجهر به) أي وسن جهر بالتكبير.
وقوله: لإمام وكذا مبلغ احتيج إليه، لكن إن نويا الذكر أو والإسماع وإلا بطلت صلاتهما.
وخرج بالإمام والمبلغ غيرهما، كالمنفرد والمأموم، فلا يجهران به بل يأتيان به سرا.
(قوله: ورفع كفيه) أي وسن رفع كفيه، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة.
قال في النهاية: وحكمته - كما قال الشافعي رضي الله عنه إعظام إجلال الله تعالى، ورجاء ثوابه، والاقتداء بنبيه محمد عليه الصلاة والسلام.
ووجه الإعظام ما تضمنه الجمع بين ما يمكنه من انعقاد القلب على كبريائه تعالى وعظمته، والترجمة عنه باللسان، وإظهار ما يمكن إظهاره به من الأركان.
وقيل: للإشارة إلى توحيده.
وقيل: ليراه من لا يسمع تكبيره فيقتدي به.
وقيل: إشارة إلى طرح ما سوى الله والإقبال بكله على صلاته.
(قوله: أو إحداهما) أي أو رفع إحدى كفيه.
وقوله: إن تعسر رفع الأخرى أي بشلل ونحوه.
(قوله: بكشف) كان الأولى أن يقول وكونهما مكشوفتين، لأنه سنة مستقلة.
ومثله يقال في قوله: ومع تفريق أصابعهما، وقوله: حذو منكبيه.
لأن كل واحد منهما سنة مستقلة.
(قوله: أي مع كشفهما) أشار به إلى أن الباء بمعنى مع.
(قوله: ويكره خلافه) ضميره راجع للكشف لأنه أقرب مذكور، ويحتمل
رجوعه للمذكور من الرفع والكشف وهو أولى.
ويكره أيضا ترك التفريق وترك كل سنة طلبت منه.
(قوله: ومع تفريق) معطوف على قوله: مع كشفهما.
وقوله: أصابعهما أي الكفين.
وقوله: تفريقا وسطا أي ليكون لكل عضو استقلال بالعبادة.
ويسن عند م ر أن يميل أطرافهما نحو القبلة، ولا يسن عند حجر.
(قوله: حذو) ظرف متعلق بمحذوف حال من
مقابل (منكبيه) بحيث يحاذي أطراف أصابعه على أذنيه، وإبهاماه شحمتي أذنيه، وراحتاه منكبيه، للاتباع.
وهذه الكيفية تسن (مع) جميع تكبير (تحرم) بأن يقرنه به ابتداء وينهيهما معا.
(و) مع (ركوع) للاتباع الواردد من طرق كثيرة.
(ورفع منه) أي من الركوع.
(و) رفع (من تشهد أول) للاتباع فيهما.
(ووضعهما تحت صدره) وفوق سرته، للاتباع.
(آخذا بيمينه) كوع (يساره) وردهما من الرفع إلى تحت الصدر أولى من إرسالهما بالكلية، ثم استئناف رفعهما إلى تحت الصدر.
قال المتولي، - واعتمده غيره -: ينبغي أن ينظر قبل
ــ
رفع، أي حال كونه منهيا حذاء منكبيه.
وقوله: أي مقابل تفسير لحذو.
(وقوله: منكبيه) المنكب مجمع عظم العضد والكتف.
والعضد ما بين المرفق إلى الكتف.
(قوله: بحيث الخ) تصوير لكونه حذو منكبيه.
وعبارة الخطيب: قال النووي في شرح مسلم: معنى حذو منكبيه أن تحاذي أطراف أصابعه، إلخ.
وقوله: أطراف أصابعه فاعل تحاذي، والمراد بها غير الإبهامين من بقية الأصابع.
وقوله: أعلى أذنيه مفعوله.
(قوله: وإبهاماه إلخ) أي ويحاذي إبهاماه شحمتي أذنيه، أي ما لان منهما.
(قوله: وراحتاه منكبيه) أي وتحاذي راحتاه - أي ظهرهما - منكبيه.
(قوله: للاتباع) دليل لسنية الرفع حذو منكبيه، وهو ما رواه إبن عمر: أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة.
(قوله: وهذه الكيفية) أي الرفع حذو منكبيه بحيث يحاذي إلخ، مع الكشف وتفريق الأصابع.
قوله: بأن يقرنه به تصوير لكون الرفع مع قيوده مصاحبا لجميع التكبير.
والضمير الأول البارز يعود على الرفع، والضمير في به للتكبير.
وقوله: ابتداء راجع للرفع والتكبير.
أي ويقرن ابتداء الرفع بابتداء التكبير.
وقوله: وينهيهما أي الرفع والتكبير معا.
بأن يفرغ منهما جميعا.
واستحباب انتهائهما معا هو المعتمد.
وقيل: لا ندب في الانتهاء معا، بل إن فرغ منهما معا فذاك، أو من أحدهما قبل تمام الآخر أتم الآخر.
(قوله: ومع ركوع) معطوف على مع تحرم، أي وتسن هذه الكيفية أيضا مع ركوع.
لكن هنا لا يسن انتهاء التكبير مع انتهاء الرفع، بل يسن مد التكبير إلى تمام الانحناء، كما في التحفة.
(قوله: للاتباع الوارد من طرق كثيرة) دليل لكونها تسن مع الركوع.
وعبارة التحفة: كما صح عنه صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة، ونقله البخاري عن سبعة عشر صحابيا، وغيره عن أضعاف ذلك.
بل لم يصح عن واحد منهم عدم الرفع، ومن ثم أوجبه بعض أصحابنا.
اه.
(قوله: ورفع منه) بالجر، معطوف على تحرم، أي وتسن هذه الكيفية مع رفع من الركوع للاعتدال.
والأكمل أن يكون ابتداء رفع اليدين مع ابتداء رفع رأسه، ويستمر إلى انتهائه ثم يرسلهما.
(قوله: ورفع من تشهد أول) أي وتسن هذه الكيفية أيضا عند ارتفاعه من التشهد الأول، أي انتصابه منه.
وانظر متى يكون ابتداء رفع اليدين، هل هو عند ابتداء الرفع من التشهد الأول؟ أو بعد وصوله إلى حد أقل الركوع؟ والظاهر الثاني، وإن كان ظاهر عبارته الأول، لأنه
في ابتداء رفعه منه يكون معتمدا عليهما.
تأمل.
(قوله: للاتباع فيهما) أي في الرفع من الركوع والرفع من التشهد الأول.
(قوله: ووضعهما الخ) بالرفع، معطوف على جزم رائه، أي وسن وضع الكفين.
(قوله: تحت صدره وفوق سرته) أي مائلا إلى جهة يساره، لأن القلب فيها.
والحكمة في وضعهما كذلك أن يكونا على أشرف الأعضاء، وهو القلب، لحفظ الإيمان فيه، فإن من احتفظ على شئ جمع يديه عليه.
اه ش ق.
(قوله: للاتباع) وهو ما رواه إبن خزيمة في صحيحه، عن وائل بن حجر، أنه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى تحت صدره.
قوله: آخذا بيمينه حال من فاعل وضع المحذوف، أي وضع المصلي كفيه تحت صدره إلخ، حال كونه آخذا بيمينه - أي ببطنها - كوع يساره - أي وبعض ساعدها.
وبعض رسغها - وهذا هو الأفضل.
وقيل: يتخير بين بسط أصابع اليمنى في عرض المفصل وبين نشرها صوب الساعد.
والحكمة في ذلك تسكين اليدين.
وقيل: حفظ الإيمان في قلبه، على العادة فيمن أراد حفظ شئ نفيس.
والكوع - كما تقدم -: هو العظم الذي يلي أصل إبهام اليد.
والكرسوع: هو الذي يلي الخنصر.
والرسغ: هو ما بينهما.
(قوله: وردهما) أي الكفين، بعد رفعهما.
وقوله: إلى تحت الصدر متعلق برد.
(قوله: أولى من إرسالهما الخ) أي لما في ذلك من زيادة الحركة.
قال في شرح الروض: بل صرح البغوي بكراهة الإرسال، لكنه محمول على من لم يأمن العبث.
وقوله: ثم استئناق هو بالجر معطوف على إرسالهما.
(قوله: ينبغي أن ينظر إلخ)
الرفع والتكبير إلى موضع سجوده ويطرق رأسه قليلا ثم يرفع.
(و) ثالثها: (قيام قادر) عليه بنفسه أو بغيره (في فرض) ولو مندورا أو معادا.
ويحصل القيام بنصب فقار ظهره - أي عظامه التي هي مفاصله - ولو باستناد إلى شئ بحيث لو زال لسقط.
ويكره الاستناد - لا بانحناء - إن كان أقرب إلى أقل الركوع، إن لم يعجز عن تمام الانتصاب.
(ولعاجز شق عليه قيام) بأن لحقه به مشقة شديدة بحيث لا تحتمل عادة - وضبطها الامام بأن تكون بحيث يذهب معها خشوعه - (صلاة قاعدا) كراكب سفينة خاف نحو دوران رأس إن قام، وسلس لا يستمسك حدثه إلا بالقعود.
وينحني القاعد للركوع بحيث تحاذي جبهته ما قدام ركبتيه.
ــ
أي لاحتمال أن يكون فيه نجاسة أو نحوها تمنعه السجود.
اه ع ش.
(وقوله: قبل الرفع) أي رفع يديه حذو منكبيه.
وقوله: والتكبير أي تكبير التحرم.
ويسن للمصلي أن ينظر موضع سجوده في جميع صلاته لأنه أقرب للخشوع.
واستثنى الماوردي الكعبة فقال إنه ينظر إليها.
وهو ضعيف، والمعتمد عدم الاستثناء.
ويسن للأعمى ومن في ظلمة أن تكون حالته حالة الناظر لمحل سجوده.
(قوله: وثالثها) أي ثالث أركان الصلاة.
(قوله: قيام قادر) هو أفضل الأركان لاشتماله على أفضل الأذكار وهو القرآن، ثم السجود لحديث: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.
ثم الركوع، ثم باقي الأركان.
ويسن أن يفرق بين قدميه بشبر، ويكره أن يقدم إحدى رجليه على الأخرى وأن يلصق قدميه.
اه بجيرمي.
وقوله: عليه متعلق بقادر،.
وضميره يعود على القيام.
(قوله: بنفسه) متعلق بقادر أيضا.
(قوله: أو بغيره) أي من معين، ولو بأجرة فاضلة عما يعتبر في الفطرة، أو عكازة.
(قوله: في فرض) متعلق بقيام.
وخرج به النفل، وسيصرح به.
(قوله: ولو منذورا) أي ولو كان ذلك الفرض منذورا أو معادا فيجب فيه القيام.
(قوله: ويحصل القيام
بنصب فقار ظهره) أي لأن اسم القيام لا يوجد إلا معه، فلا يضر إطراق الرأس بل يسن.
(قوله: التي هي مفاصله) أي الظهر.
(قوله: ولو باستناد إلخ) أي يحصل القيام بما ذكر ولو مع استناد المصلي لشئ لو زال ذلك الشئ المستند إليه لسقط المصلي، بخلاف ما لو كان بحيث يرفع قدميه إن شاء، فلا يصح، لأنه لا يسمى قائما بل هو معلق نفسه حينئذ.
فقوله: بحيث الحيثية للتقييد، وفاعل زال يعود على الشئ، وفاعل سقط يعود على المصلي.
(قوله: ويكره الاستناد) أي المذكور.
وحمل حيث لا ضرورة إليه.
(قوله: بانحناء) معطوف على بنصب، أي لا يحصل القيام بانحناء إلخ.
ولا يحصل أيضا إن مال على جنبه بحيث يخرج عن سنن القيام.
وقوله: إن كان أقرب إلى أقل الركوع خرج به ما إذا كان أقرب إلى القيام، أو استوى الأمران، فلا يضر.
وقوله: إن لم يعجز عن تمام الانتصاب أي لكبر أو مرض أو غير ذلك.
فإن عجز عنه لذلك، فعل ما أمكنه وجوبا.
(قوله: ولعاجز الخ) مفهوم قوله: قادر عليه.
(قوله: بأن لحقه إلخ) تصوير للمشقة.
وقوله: به أي بالقيام.
وقوله: بحيث لا تحتمل عادة تصوير لشدة المشقة.
(قوله: وضبطها الإمام الخ) عبارة النهاية: قال الرافعي: ولا نعني بالعجز - أي عن القيام - عدم الإمكان فقط، بل في معناه خوف الهلاك أو الغرق، أو زيادة المرض، أو لحوق مشقة شديدة، أو دوران الرأس في حق راكب السفينة، كما تقدم بعض ذلك.
قال في زيادة الروضة: الذي اختاره الإمام في ضبط العجز أن تلحقه مشقة شديدة تذهب خشوعه.
لكنه قال في المجموع: أن المذهب خلافه.
اه.
وأجاب الوالد - رحمه الله تعالى - بأن إذهاب الخشوع ينشأ عن مشقة شديدة.
اه.
(قوله: صلاة قاعدا) مبتدأ مؤخر خبره الجار والمجرور قبله.
وإذا صلى كما ذكر فلا إعادة عليه.
(قوله: كراكب سفينة خاف الخ) تمثيل للعاجز عن القيام.
أي فيصلي قاعدا وإن أمكنه الصلاة قائما على الأرض.
كما في الكفاية.
ولعل محله إذا شق الخروج إلى الأرض أو فوت مصلحة السفر.
اه سم.
(قوله: وسلس) بكسر اللام، اسم فاعل، أي فله، بل عليه - كما في الأنوار - أن يصلي قاعدا، لكن بالشرط الذي ذكره.
ومثل السلس من بعينه ماء وقال له الطبيب إن صليت مستلقيا أمكنت مداواتك، فإن له ترك القيام - على الأصح - من غير إعادة.
(قوله: وينحني القاعد) أي العاجز عن القيام، ومثله
(فرع) قال شيخنا: يجوز لمريض أمكنه القيام بلا مشقة لو انفرد، لا إن صلى في جماعة إلا مع جلوس في بعضها، الصلاة معهم مع الجلوس في بعضها، وإن كان الافضل الانفراد.
وكذا إذا قرأ الفاتحة فقط لم
يقعد، أو والسورة قعد فيها جاز له قراءتها مع القعود، وإن كان الافضل تركها.
انتهى.
والافضل للقاعد الافتراش، ثم التربع، ثم التورك، فإن عجز عن الصلاة قاعدا صلى مضطجعا على جنبه، مستقبلا للقبلة بوجهه ومقدم بدنه، ويكره على الجنب الايسر بلا عذر.
فمستلقيا على ظهره وأخمصاه
ــ
المتنفل قاعدا.
وقوله: بحيث تحاذي إلخ تصوير للانحناء.
أي ينحني انحناء مصورا بحالة هي أن تحاذي إلخ.
وهذا أقل الركوع، وأما أكمله فهو أن تحاذي جبهته موضع سجوده.
(قوله: يجوز لمريض) فاعل الفعل قوله بعد: الصلاة معهم.
(قوله: أمكنه القيام) أي في جميع الصلاة.
وقوله: لو انفرد أي لو صلى منفردا.
(قوله: لا: إن صلى الخ) أي
لا يمكنه القيام إن صلى في جماعة، لا إن جلس في بعضها.
(قوله: الصلاة معهم) أي مع الجماعة.
(قوله: مع الجلوس في بعضها) إنما جوز لأجل تحصيل فضيلة الجماعة.
قال في التحفة: وكأن وجهه أن عذره اقتضى مسامحته بتحصيل الفضائل، فاندفع قول جمع: لا يجوز له ذلك لأن القيام آكد من الجماعة.
اه.
وقوله: بتحصيل أي بسبب تحصيل الفضائل، أي لأجلها.
فجوز له القعود في بعض الصلاة لتحصيل فضيلة الجماعة.
اه ع ش.
(قوله: وإن كان الأفضل الانفراد) أي ليأتي بها كلها من قيام.
(قوله: وكذا الخ) أي ومثل المريض المذكور الشخص الذي إذا قرأ الخ.
وعبارة التحفة: ومن ثم لو كان إذا قرأ الفاتحة فقط الخ.
(قوله: أو والسورة) أي أو قرأ الفاتحة والسورة معا.
وقوله: قعد فيها أي السورة.
(قوله: جاز له قراءتها) أي السورة.
قال سم فيه: حيث لم يقل جاز له الصلاة مع القعود تصريح بأنه إنما يقعد عند العجز لا مطلقا، فإذا كان يقدر على القيام إلى قدر الفاتحة ثم يعجز قدر السورة قام إلى تمام الفاتحة ثم قعد حال قراءة السورة، ثم قام للركوع.
وهكذا.
اه.
(قوله: وإن كان الأفضل تركها) أي السورة.
(قوله: الافتراش) هو أن يجلس الشخص على كعب اليسرى، جاعلا ظهرها للأرض، وينصب قدمه اليمنى ويضع بالأرض أطراف أصابعها لجهة القبلة.
وإنما كان أفضل لأنه قعود عبادة، ولأنه قعود لا يعقبه سلام.
قوله: ثم التربع هو أن يجلس على وركيه، ويضع رجله اليمنى تحت فخذه الأيسر ورجله اليسرى تحت فخذه الأيمن.
وفي القاموس: تربع في جلوسه: خلاف جثى وأقعى.
اه.
وقوله: ثم التورك هو كالافتراش، إلا أن المصلي يخرج يساره على هيئتها في الافتراش من جهة يمينه ويلصق وركه بالأرض.
(قوله: فإن عجز إلخ) الأصل في ذلك خبر البخاري: أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمران بن حصين رضي الله عنهما وعنا بهما - وكانت به بواسير -: صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب.
زاد النسائي: فإن لم تستطع فمستلقيا، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
(قوله: على جنبه) أي الا يمن، بدليل ما سيصرح به من أنه على الأيسر مكروه.
(قوله: مستقبلا) حال من فاعل صلى.
وقوله: بوجهه لا يرد ما مر من أنه بالصدر، لأن محله في القائم أو القاعد.
وقال في التحفة: وفي وجوب استقبالها بالوجه هنا، دون القيام والقعود، نظر، وقياسهما عدم وجوبه، إذ لا فارق بينهما لإمكان الاستقبال بالمقدم دونه، وتسميته مع ذلك مستقبلا في الكل بمقدم بدنه.
اه.
(قوله: ومقدم بدنه) المراد به الصدر.
(قوله: ويكره) أي الاضطجاع.
وقوله: بلا عذر فإن وجد عذر لم يمكنه من الاضطجاع على الأيمن اضطجع على الأيسر، بلا كراهة.
(قوله: فمستلقيا) معطوف على مضجطعا، أي فإن عجز عن
إلى القبلة، ويجب أن يضع تحت رأسه نحو مخدة ليستقبل بوجهه القبلة، وأن يومئ إلى صوب القبلة راكعا وساجدا، وبالسجود أخفض من الايماء إلى الركوع، إن عجز عنهما.
فإن عجز عن الايماء برأسه أومأ بأجفانه.
فإن عجز، أجرى أفعال الصلاة على قلبه، فلا تسقط عنه الصلاة ما دام عقله ثابتا.
وإنما أخروا القيام عن سابقيه - مع تقدمه عليهما - لانهما ركنان حتى في النفل، وهو ركن في الفريضة فقط.
(كمتنفل) فيجوز له أن يصلي النفل قاعدا ومضطجعا، مع القدرة على القيام أو القعود.
ويلزم المضطجع القعود للركوع والسجود، أما مستلقيا فلا يصح مع إمكان الاضطجاع.
وفي المجموع: إطالة القيام أفضل من تكثير الركعات.
وفي الروضة: تطويل السجود أفضل من تطويل الركوع.
ــ
الصلاة مضطجعا صلى مستلقيا على ظهره.
(قوله: وأخمصاه) هو بفتح الميم أشهر من ضمها وكسرها، وبتثليث الهمزة أيضا: وهما المنخفض من القدمين، وهو بيان للأفضل، فلا يضر إخراجهما عنها - أي القبلة - لأنه لا يمنع اسم الاستلقاء.
اه بجيرمي.
(قوله: ويجب أن يضع الخ) قال في التحفة.
إلا إن يكون داخل الكعبة، وهي مسقوفة أو بأعلاها ما يصح استقباله، أي فلا يجب أن يضع ذلك.
وله في داخلها أن يصلي منكبا على وجهه ولو مع قدرته على الاستلقاء فيما يظهر، لاستواء الكيفيتين في حقه حينئذ، وإن كان الاستلقاء أولى.
اه بزيادة.
(قوله: وأن يومئ إلى صوب القبلة) أي ويجب أن يومئ برأسه إلى جهة القبلة.
وقوله: راجعا وساجدا الأولى للركوع والسجود لأن الإيماء بالرأس لهما، تأمل.
(قوله: وبالسجود إلخ) أي والإيماء بالسجود أخفض، فهو متعلق بمحذوف واقع مبتدأ خبره أخفض.
(قوله: إن عجز عنهما) أي يجب أن يومئ إن عجز عن الإتيان بالركوع والسجود.
وعبارة التحفة: ثم إن أطاق الركوع والسجود أتى بهما، وإلا أومأ لهما برأسه.
ويقرب جبهته من الأرض ما أمكنه، ويجعل السجود أخفض.
(قوله: أومأ بأجفانه) ولا يجب فيه إيماء للسجود أخفض، بخلافه فيما مر، لظهور التمييز بينهما في الإيماء بالرأس دون الطرف.
(قوله: فإن عجز) أي عن الإيماء بالأجفان.
وعبارة النهاية: ثم إن عجز عن الإيماء بطرفه صلى بقلبه، بأن يجري أركانها وسننها على قلبه، قولية كانت أو فعلية، إن عجز عن النطق أيضا بأن يمثل نفسه قائما وقارئا وراكعا لأنه الممكن، ولا إعادة عليه.
والقول بندرته ممنوع.
اه.
(قوله: أجرى أفعال الصلاة على قلبه) أي وأقوالها إن عجز عن النطق، كما علمت.
(قوله: فلا تسقط عنه إلخ) وعن الإمام أبي حنيفة ومالك: أنه إن عجز عن الإيماء برأسه سقطت عنه الصلاة.
قال الإمام مالك: فلا يعيد بعد ذلك.
اه بجيرمي.
(قوله: وإنما أخروا القيام الخ) عبارة المغني: فإن قيل لم أخر القيام عن النية والتكبير مع أنه مقدم عليهما؟ أجيب بأنهما ركنان في الصلاة مطلقا، وهو ركن في الفرضية فقط، فلذا قدما عليه.
اه.
(قوله: عن سابقيه) هما النية وتكبيره الإحرام.
وقوله: مع تقدمه أي القيام.
(قوله: لأنهما) أي سابقيه.
(قوله: وهو) أي القيام.
وقوله: ركن في الفريضة أي فانحطت رتبته عنهما.
(قوله: كمتنفل) الكاف للتنظير، أي إن العاجز عن القيام كمصلي النافلة.
(قوله: فيجوز له أن يصلي النفل قاعدا) أي ولو نحو عيد، وذلك لخبر البخاري: من صلى قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائما - أي مضطجعا - فله نصف أجر القاعد.
وللإجماع، ولأن النفل يكثر، فاشتراط القيام فيه يؤدي إلى الحرج أو الترك.
ومحل نقصان أجر القاعد والمضطجع: عند القدرة، وإلا لم ينقص من أجرهما شئ.
وفي غير نبينا صلى الله عليه وسلم، إذ من خصائصه أن تطوعه غير قائم كهو قائما لأنه مأمون
الكسل.
(قوله: ومضطجعا) والأفضل أن يكون على شقه الأيمن، فإن اضطجع على الأيسر جاز، مع الكراهة حيث لا عذر، كما مر.
وقيل: لا يصح النفل من اضطجاع لما فيه من انمحاق صورة الصلاة.
(قوله: ويلزم المضطجع إلخ) وقيل: يومئ بهما.
(قوله: أما مستلقيا) أي أما التنفل حال كونه مستلقيا على ظهره.
(قوله: فلا يصح) أي الاستلقاء، وإن أتم ركوعه وسجوده، لعدم وروده.
(قوله: وفي المجموع الخ) قال في النهاية: ولو أراد عشرين ركعة قاعدا وعشرا قائما ففيه احتمالان في الجواهر.
وأفتى بعضهم بأن العشرين أفضل لما فيها من زيادة الركوع وغيره.
ويحتمل خلافه
(و) رابعها: (قراءة فاتحة كل ركعة) في قيامها، لخبر الشيخين: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب.
أي في كل ركعة.
(إلا ركعة مسبوق) فلا تجب عليه فيها حيث لم يدرك زمنا يسع الفاتحة من قيام الامام، ولو في كل الركعات لسبقه في الاولى وتخلف المأموم عنه بزحمة أو نسيان أو بطء حركة، فلم يقم من السجود في كل مما بعدها إلا والامام راكع، فيتحمل الامام المتطهر في غير الركعة الزائدة الفاتحة أو بقيتها عنه.
ولو تأخر مسبوق لم يشتغل بسنة لاتمام الفاتحة فلم يدرك الامام إلا وهو معتدل لغت ركعته.
(مع بسملة) أي مع قراءة
ــ
لأنها أكمل.
وظاهر الحديث الاستواء، والمعتمد - كما أفتى به الوالد رحمه الله تفضيل العشر من قيام عليها لأنها أشق.
فقد قال الزركشي في قواعده: صلاة ركعتين من قيام أفضل من أربع من قعود.
ويؤيده حديث: أفضل الصلاة طول القنوت أي القيام.
وصورة المسألة ما إذا استوى الزمان، كما هو ظاهر.
اه.
وكتب ع ش ما نصه.
قوله: من قيام عليها: أي على العشرين من قعود، أما لو كانت الكل من قيام، واستوى زمن العشر والعشرين، فالعشرون أفضل لما فيها من زيادة الركوعات والسجودات، مع اشتراك الكل في القيام.
اه.
(قوله: وفي الروضة: تطويل السجود أفضل) أي لحديث: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.
(قوله: ورابعها) أي رابع أركان الصلاة.
(قوله: قراءة فاتحة) أي في الفرض والنفل، للمنفرد وغيره، في السرية والجهرية، حفظا أو تلقينا أو نظرا في مصحف.
وقوله: في قيامها أي أو بدله، وهو القعود.
(قوله: لخبر الشيخين) دليل لوجوب القراءة.
(قوله: لا صلاة) أي صحيحة، لأن نفي الصحة أقرب إلى نفي الحقيقة من نفي الكمال.
وروي أيضا: لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب.
(قوله: أي في كل ركعة) وهذا يعلم من خبر المسئ صلاته، في قوله عليه السلام له: إذا استقبلت القبلة فكبر ثم اقرأ بأم القرآن، ثم اصنع ذلك في كل ركعة.
(قوله: إلا ركعة مسبوق) أي حقيقة أو حكما.
كبطء القراءة أو الحركة، ومن زحم عن السجود، أو أنسي أنه في الصلاة، أو شك بعد ركوع إمامه وقبل ركوعه في قراءة الفاتحة وتخلف لقراءتها، فإنه يغتفر له ثلاثة أركان طويلة.
فإذا قرأها ولم يسبق بأكثر من ذلك، ومشى على نظم صلاته، ثم قام فوجد الإمام راكعا أو هاويا للركوع، ركع معه، وسقطت عنه الفاتحة.
وكون ما ذكر في معنى المسبوق إذا فسر بالذي لم يدرك مع الإمام زمنا يسع الفاتحة في الركعة الأولى، وأما إذا فسر بمن لم يدرك مع الإمام زمنا يسع الفاتحة في أي ركعة فتكون هذه الصورة منه حقيقية.
اه بجيرمي بتصرف.
(قوله: فلا تجب عليه فيها) أي لا تجب الفاتحة عليه في الركعة التي سبق فيها أي أنه
لا يستقر وجوبها عليه لتحمل الإمام لها عنه، وإلا فهي وجبت عليه ثم سقطت عنه.
(قوله: حيث لم يدرك الخ) الأولى أن يقول: وهو الذي لم يدرك إلخ.
لأن ما ذكره هو ضابط المسبوق لا قيده، كما تفيده الحيثية.
وقوله: من قيام الإمام متعلق بيدرك.
(قوله: ولو في كل الركعات) غاية لقوله: فلا تجب عليه الخ.
أي لا تجب الفاتحة عليه إذا سبق، ولو سبق في كل الركعات.
ويحتمل انه غاية لقوله: لم يدرك زمنا إلخ.
أي لم يدرك ذلك ولو في كل الركعات.
والأول أظهر.
(قوله: لسبقه إلخ) علة لتصور عدم وجوبها عليه في كل الركعات.
وإضافة سبق إلى الضمير من إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل إن أعيد الضمير للمأموم، أي لسبق الإمام إياه بالفاتحة.
أو من إضافة المصدر لفاعله إن أعيد للإمام، ويقدر له مفعول يعود على المأموم.
وقوله: في الأولى أي الركعة الأولى.
(قوله: وتخلف المأموم) أي ولتخلف المأموم، أي في غير الأولى.
وقوله: عنه أي عن إمامه.
(وقوله: بزحمة) أي بسبب زحمة عن السجد، وهو متعلق بتخلف.
(قوله: أو نسيان) أي للصلاة أو للقراءة، كما يدل عليه إطلاقه.
أي فيتخلف لقراءتها ويغتفر له ثلاثة أركان طويلة كما تقدم.
(قوله: فلم يقم من السجود) أي بعد أن جرى على نظم صلاة نفسه.
وقوله: في كل مما بعدها أي الأولى.
(قوله: المتطهر) خرج به المحدث فليس أهلا للتحمل.
فلو تبين للمسبوق أن الإمام كان محدثا قبل القدوة يجب عليه أن يأتي بركعة.
وقوله: في غير الركعة الزائدة خرج به ما إذا تبين للمسبوق أن الركعة التي اقتدى به فيها زائدة، فإنه لا تسقط عنه الفاتحة ويجب أن يأتي بركعة.
(قوله: ولو تأخر مسبوق ولم يشتغل بسنة) أي كدعاء الافتتاح، فإن اشتغل بها فسيأتي للشارح بيان حكمه في باب صلاة الجماعة.
وحاصله أنه يجب عليه أن يقرأ من الفاتحة بقدر ما
البسملة فإنها آية منها، لانه (ص) قرأها ثم الفاتحة وعدها آية منها.
وكذا من كل سورة غير براءة.
(و) مع (تشديدات) فيها، وهي أربع عشرة، لان الحرف المشدد بحرفين.
فإذا خفف بطل منها حرف.
(و) مع (رعاية حروف) فيها، وهي على قراءة ملك - بلا ألف - مائة وواحد وأربعون حرفا، وهي مع تشديداتها مائة وخمسة
ــ
قرأه من السنة، فإن قرأه وأدرك الإمام في الركوع فقد أدرك الركعة، فإن لم يدركه فيه فاتته الركعة ولا يركع، لأنه لا يحسب له بل يتابعه في هويه للسجود وإلا بطلت صلاته.
(قوله: لغت ركعته) أي لأن شرط عدم إلغائها إدراكه في الركوع.
(قوله: مع بسملة) متعلق بمحذوف، صفة لفاتحة.
أي قراءة فاتحة كائنة مع البسملة.
والمصاحبة فيه من مصاحبة الكل لبعض أجزائه، بناء على ما مر ذكره من أنها آية.
(قوله: فإنها آية منها) أي حكما لا اعتقادا، فلا يجب اعتقاد كونها آية منها، وكذا من غيرها، بل لو جحد ذلك لا يكفر.
وأما اعتقاد كونها من القرآن من حيث هو فواجب يكفر جاحده.
(قوله: لانه صلى الله عليه وسلم إلخ) وصح أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: إذا قرأتم بالفاتحة فاقرؤا بسم الله الرحمن الرحيم فإنها أم القرآن والسبع المثاني، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها.
وصح أيضا عن أنس: بينا النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم
رفع رأسه متبسما.
فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: أنزلت علي آنفا سورة.
فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر.
إلى آخرها.
(قوله: وكذا من كل سورة) أي وكذلك هي آية من كل سورة، لحديث أنس المار، ولأن الصحابة أجمعوا على إثباتها في المصحف بخطه في أوائل السور سوى براءة.
فلو لم تكن قرآنا لما أجازوا ذلك لكونه يحمل على اعتقاد ما ليس بقرآن قرآنا.
ولو كانت للفصل لأثبتت أول براءة ولم تثبت أول الفاتحة.
وقوله: غير براءة أما هي فليست البسملة آية منها.
وتكره أولها.
وتسن أثناءها، عند م ر.
وعند حجر تحرم أولها وتكره أثناءها.
أي لأن المقام لا يناسب الرحمة لأنها نزلت بالسيف.
(قوله: مع تشديدات) معطوف على مع بسملة.
أي وقراءة فاتحة كائنة مع تشديدات أي مع مراعاتها والإتيان بها.
وقوله: فيها أي في الفاتحة المشتملة على البسملة.
ولو قال فيهما بضمير التثنية العائد على الفاتحة والبسملة لكان أولى، لفصله فيما سبق البسملة منها، فيوهم عود الضمير على الفاتحة دون البسملة، وليس كذلك.
وكذا يقال فيما بعد.
وإنما وجب مراعاته لأنه هيئات لحروفها المشددة، فوجوبها شامل لهيئاتها.
(قوله: وهي) أي التشديدات.
وقوله: أربع عشرة في البسملة منها ثلاث، وفي السورة إحدى عشرة.
(قوله: لأن الحرف المشدد الخ) علة لمقدر، أي فتجب عليه رعايتها وعدم الاخلال بشئ منها، لأن الحرف المشدد بحرفين.
وعبارة التحفة: لأنه حرفان أولهما ساكن.
وقوله: فإذا خفف أي الحرف المشدد.
وقوله: بطل منها أي من الفاتحة، حرف.
أي وبطلت صلاته إن غير المعنى وعلم وتعمد، كتخفيف إياك، كما سيأتي قريبا.
واعلم أن واجبات الفاتحة عشرة: الأول: جميع آياتها.
الثاني: وقوعها كلها في القيام إن وجب.
الثالث: عدم الصارف.
فلو نوى بها نحو ولى وجبت إعادتها، بخلاف ما لو شرك.
الرابع: أن تكون قراءتها بحيث يسمع جميع حر وفها.
لو لم يكن مانع.
الخامس: كونها بالعربية، فلا يعدل عنها.
السادس: مراعاة التشديدات، فلو خفف مشددا من الأربع عشرة لم تصح قراءته لتلك الكلمة.
السابع: رعاية حروفها، فلو أسقط منها حرفا، ولو همزة قطع، وجبت إعادة الكلمة التي هو منها وما بعدها قبل طول الفصل وركوع وإلا بطلت صلاته.
الثامن: عدم اللحن المغير للمعنى.
التاسع: الموالاة في الفاتحة، وكذا في التشهد.
العاشر: ترتيب الفاتحة، بأن يأتي بها على نظمها المعروف.
فلو قدم كلمة أو آية، نظر، فإن غير المعنى أو أبطله بطلت صلاته إن علم وتعمد، وإلا فقراءته.
(قوله: ومع رعاية حروف) أي بأن يأتي بها كلها، ويخرج كل حرف من مخرجه.
(قوله: وهي) أي الحروف، أي عددها.
(قوله: على قراءة إلخ) أي وعلى إسقاط التشديدات.
وقوله: مائة وواحد وأربعون حرفا قال في التحفة: تنبيه.
ما ذكر من أن حروفها بدون تشديداتها وبقراءة ملك بلا ألف، مائة وواحد وأربعون، هو ما جرى عليه الأسنوي وغيره.
وهو مبني على أن ما حذف رسما لا يحسب في العد.
وبيانه أن الحروف الملفوظ بها ولو في حالة كألفات الوصل مائة وسبعة
وخمسون من أمكنه التعلم - حرفا بآخر، ولو ضادا بظاء، أو لحن لحنا يغير المعنى، ككسر تاء أنعمت أو ضمها وكسر كاف إياك لا ضمها، فإن تعمد ذلك وعلم تحريمه بطلت صلاته، وإلا فقراءته.
نعم.
إن أعاده الصواب قبل طول الفصل كمل عليها.
أما عاجز لم يمكنه التعلم فلا تبطل قراءته مطلقا، وكذا لاحن لحنا لا يغير المعنى، كفتح دال نعبد، لكنه إن تعمد حرم، وإلا كره.
ــ
وأربعون.
وقد اتفق الرسم على حذف ست ألفات: ألف اسم، وألف بعد لا م الجلالة مرتين، وبعد ميم الرحمن مرتين، وبعد عين العالمين.
فالباقي ما ذكره الأسنوي، وخالفه شيخنا في شرح البهجة الصغير فقال - بعد ذكر أنها مائة وواحد وأربعون -: هذا ما ذكره الأسنوي وغيره، وتبعهم في الأصل.
والحق أنها مائة وثمانية وثلاثون، بالإبتداء بألفات الوصل.
اه.
وكأنه نظر إلى أن ألف صراط في الموضعين والألف بعد ضاد الضالين محذوفة رسما.
لكن هذا قول ضعيف الخ.
اه.
(قوله: وهي مع تشديداتها) أي ومع قراءة ملك بدون ألف.
(قوله: ومخارجها) أي ومع رعاية مخارجها: وذلك بأن يخرج كل حرف من مخرجه.
ولا حاجة إلى ذكر هذا للاستغناء عنه برعاية الحروف إذ هي تستلزمه، فلذلك أسقطه في المنهاج والمنهج والروض.
نعم، ذكره في الإرشارد لكن مع إسقاط رعاية الحروف.
والحاصل أن أحدهما يغني عن الآخر.
(قوله: فلو أبدل قادر الخ) مفرع على مفهوم رعاية الحروف ومخارجها.
(قوله: أو من أمكنه) أي أو عاجز أمكنه.
(قوله: حرف بآخر) مفعول أبدل، وذلك كأن أبدل ذال الذين بالدال المهملة، أو بدل السين من نستعين بالثاء المثلثة.
(قوله: ولو ضادا بظاء) الغاية للرد على من قال بصحة ذلك لعسر التمييز بين الحرفين على كثير من الناس لقرب المخرج.
(قوله: أو لحن الخ) هو في حيز التفريع وليس هناك ما يتفرع عليه، ولعله مفرع على قيد ملاحظ في المتن تقديره: ومع الاحتراز عن اللحن.
(قوله: يغير المعنى) المراد به نقل الكلمة من معنى إلى معنى آخر، كضم تاء أنعمت أو كسرها، أو نقلها إلى ما ليس له معنى كالدين بالدال بدل الذال.
وخرج به ما لا يغير كالعالمون بدل العالمين، والحمد لله بضم الهاء، ونعبد بفتح الدال وكسر الباء والنون، وكالصراط بضم الصاد، فلا تبطل الصلاة بذلك مع القدرة والعلم والتعمد.
وخالف بعضهم في المثال الأول وحكم بالبطلان مع التعمد.
وعليه فيفرق بينه وبين غيره بأنه صار كلمة أجنبية وفيه إبدال حرف بآخر.
(قوله: لا ضمها) أي الكاف، فإنه لا يغير المعنى.
(قوله: فإن تعمد ذلك وعلم تحريمه) كل من اسم الإشارة والضمير يعود على المذكور من الإبدال واللحن.
وقوله: بطلت صلاته ظاهره مطلقا، ولو لم يتغير المعنى في صورة الإبدال.
وفي فتح الجواد تقييد بطلان الصلاة بالمغير، ونص عبارته: فإن خفف القادر، أو العاجز المقصر، مشددا أو أبدل حرفا بآخر، كضاد بظاء وذال الذين المعجمة بالمهملة، خلافا للزركشي ومن تبعه، أو لحن لحنا يغير المعنى كضم تاء أنعمت أو كسرها، فإن تعمد ذلك وعلم
تحريمه بطلت صلاته في المغير للمعنى، وقراءته في الإبدال الذي لم يغير.
اه.
(قوله: وإلا فقراءته) أي وإن يعلم ولم يتعمد ذلك فتبطل قراءته، أي لتلك الكلمة.
وفي ع ش ما نصه: فرع: حيث بطلت القراءة دون الصلاة فمتى ركع عمدا قبل إعادة القراءة على الصواب بطلت صلاته كما هو ظاهر، فليتأمل.
سم على منهج.
اه.
(قوله: نعم، إن أعاده) أي ما قرأه باللحن أو الإبدال.
وتأمل هذا الاستدراك فإنه لا محل له هنا، فالأولى التعبير بفاء التفريع بدل أداة الاستدراك.
وعبارة التحفة: وإلا فقراءته لتلك فلا يبني عليها إلا إن قصر الفصل، ويسجد للسهو فيما إذا تغير المعنى بما سها به مثلا، لأن ما أبطل عمده يسجد لسهوه.
اه.
وقوله: كمل عليها أي تمم الفاتحة بانيا على قراءته المعادة على الصواب.
والحاصل: أنه إذا بطل ما قرأه وأعاده على الصواب، فإن كان قبل طول الفصل بأن تذكر أو علم حالا وأعاده حالا، يجوز أن يبني عليه، ويكمل الفاتحة، ولا يجب عليه استئنافها من أولها، وإلا فيجب عليه لفقد الموالاة الواجبة.
(قوله: أما عاجز إلخ) هو مقابل قوله: قادر، مع قوله: أمكنه التعلم.
وقوله: مطلقا أي سواء كان متعمدا عالما أم لا.
ويشكل عليه أنه لا يظهر الوصف بالتعمد وضده إلا إذا كان قادرا على الصواب فخالف وتعمد غير الصواب.
وفي
ووقع خلاف بين المتقدمين والمتأخرين في الهمد لله - بالهاء - وفي النطق بالقاف المترددة بينها وبين الكاف.
وجزم شيخنا في شرح المنهاج بالبطلان فيهما إلا إن تعذر عليه التعلم قبل خروج الوقت.
لكن جزم بالصحة في الثانية شيخه زكريا، وفي الاولى القاضي وابن الرفعة.
ولو خفف قادر - أو عاجز مقصر - مشددا - كأن قرأ ال رحمن بفك الادغام بطلت صلاته إن تعمد وعلم، وإلا فقراءته لتلك الكلمة.
ولو خفف إياك، عامدا عالما معناه، كفر لانه ضوء الشمس، وإلا سجد للسهو.
ولو شدد مخففا صح، ويحرم تعمده كوقفة لطيفة بين السين والتاء من نستعين.
(و) مع رعاية (موالاة) فيها بأن يأتي بكلماتها على الولاء بأن لا يفصل بين شئ منها وما بعده بأكثر من سكتة التنفس أو العي، (فيعيد) قراءة الفاتحة، (بتخلل ذكر أجنبي) لا يتعلق بالصلاة فيها، وإن قل، كبعض آية من غيرها، وكحمد عاطس - وإن سن فيها كخارجها - لاشعاره بالاعراض.
(لا) يعيد
ــ
التحفة: أما عاجز فيجزئه قطعا.
ومثله في النهاية.
وهو أولى، تأمل.
(قوله: وكذا لاحن الخ) أي وكذا لا تبطل قراءة لاحن فيها لحنا لا يغير المعنى.
وهذا مقابل قوله: لحنا يغير المعنى.
(قوله: لكنه إن تعمد) أي اللحن.
وقوله: حرم أي اللحن.
(قوله: وإلا كره) أي وإن لم يتعمده لم يحرم بل يكره، وفي الكراهة مع عدم التعمد نظر.
(قوله: ووقع خلاف الخ) عبارة فتح الجواد: ووقع خلاف بين المتقدمين والمتأخرين في الهمد لله بالهاء، وفي النطق بالقاف مترددة بينها وبين الكاف.
والوجه أن فيه تفصيلا يصرح به قول المجموع عن الجويني وأقره، لو أخرج بعض الحروف من غير مخرجه كنستعين بتاء تشبه الدال، والصراط لا بصاد محضة ولا بسين محضة بينهما، فإن كان لا يمكنه التعلم صحت صلاته، وإن أمكنه وجب وتلزمه إعادة كل الصلاة في زمن التفريط.
اه.
ويجري هذا التفصيل في سائر أنواع الإبدال.
انتهت.
(قوله: بالبطلان فيهما) أي ببطلان الصلاة في النطق بالهمد لله بالهاء، وبالقاف المترددة.
(قوله: لكن جزم بالصحة في الثانية) وهي النطق بالقاف المترددة لكن مع الكراهة، كما في النهاية.
ووجه الصحة أن ذلك ليس بإبدال حرف بآخر بل هي قاف غير خالصة.
وقوله: وفي الأولى وهي النطق بالهمد لله.
(قوله: كأن قرأ ال رحمن بفك الإدغام) قال في التحفة: ولا نظر لكون أل لما ظهرت خلفت الشدة فلم يحذف شيئا لأن ظهورها لحن فلم يمكن قيامه مقامها.
اه.
(قوله: وإلا) نفي لمجموع قوله: عامدا عالما.
أي وإن انتفى
كونه عامدا عالما بأن كان ناسيا جاهلا معناه، أو متعمدا جاهلا، أو عالما غير متعمد، فهو صادق بثلاث صور.
(قوله: كفر) قال سم: ينبغي إن اعتقد المعنى حينئذ بخلاف من اعتقد خلافه وقصد الكذب، فليراجع.
اه.
(قوله: لأنه ضوء الشمس) أي لأن معناه بالتخفيف ما ذكر.
(قوله: سجد للسهو) أي لأن ما أبطل عمده يسن السجود لسهوه.
(قوله: ولو شدد مخففا) أي حرفا مخففا، كأن نطق بكاف إياك مشددة صح ذلك الحرف الذي شدده، أي أجزأه لكن مع الإساءة.
وعبارة النهاية: ولو شدد مخففا أساء وأجزأه، كما ذكره الماوردي.
اه.
(قوله: كوقفة لطيفة) أي فإن الكلمة تصح معها وتجزئه ويحرم تعمدها.
وفي فتح الجواد ما نصه: وفي المجموع عن الجويني: تحرم وقفة لطيفة بين السين والتاء من نستعين، وبه يعلم أنه يلزم قارئ الفاتحة وغيرها الإتيان بما أجمع القراء على وجوبه، من مد وإدغام وغيرهما.
اه.
قال الكردي: ووجه ذلك أن الحرف ينقطع عن الحرف بذلك، والكلمة عن الكلمة، والكلمة الواحدة لا تحتمل القطع والفصل والوقف في أثنائها، وإنما القدر الجائز من الترتيل أن يخرج الحرف من مخرجه ثم ينتقل إلى الذي بعده متصلا بلا وقفة.
اه.
(قوله: ومع رعاية موالاة) أي للاتباع، مع خبر: صلوا كما رأيتموني أصلي.
(قوله: بأن يأتي إلخ) تصوير لرعاية الموالاة.
وقوله: على الولاء أي التتابع.
(قوله: بأن لا يفصل إلخ) تصوير للولاء.
وقوله: بين شئ منها أي من الفاتحة.
وقوله: وما بعده أي بعد ذلك الشئ.
(قوله: بأكثر من سكتة التنفس أو العي) أما إذا كان بقدرهما فلا يضر، ومثلهما غلبة سعال وعطاس وإن طال.
(قوله: فيعيد الخ) مفرع على مفهوم رعاية الموالاة.
(قوله: بتخلل ذكر أجنبي) لو اقتصر على أجنبي لكان أولى ليشمل الأجنبي من غير الذكر، وليظهر قوله في المقابل وسجود.
(قوله: لا يتعلق بالصلاة) تفسير للأجنبي.
وقوله: فيها أي الفاتحة، وهو متعلق بتخلل.
(قوله: وإن قل) أي الذكر.
وهو غاية لوجوب الإعادة بتخلل الذكر
الفاتحة (ب) - تخلل ما له تعلق بالصلاة، ك (- تأمين وسجود) لتلاوة إمامه معه، (ودعاء) من سؤال رحمة، واستعاذة من عذاب، وقول: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين (لقراءة إمامه) الفاتحة أو آية السجدة، أو الآية التي يسن فيها ما ذكر لكل من القارئ والسامع، مأموما أو غيره، في صلاة وخارجها.
فلو قرأ المصلي - آية - أو سمع آية - فيها اسم محمد (ص) لم تندب الصلاة عليه، كما أفتى به النووي.
(و) لا (بفتح عليه) أي الامام إذا توقف فيها بقصد القراءة، ولو مع الفتح، ومحله - كما قال شيخنا - إن سكت، وإلا قطع الموالاة.
وتقديم نحو
ــ
المذكور.
(قوله: كبعض إلخ) تمثيل للذكر الذي قل.
(قوله: من غيرها) أي الفاتحة.
أما إذا كان منها فسيأتي بيانه قريبا.
(قوله: وكحمد عاطس) أي قوله: الحمد لله في أثناء الفاتحة، فإنه يقطعها ويجب عليه إعادتها.
(قوله: وإن سن إلخ) يعني أن حمد العاطس يقطع الموالاة، وإن كان يسن الحمد في الصلاة كما يسن خارجها.
(قوله: لإشعاره) أي تحلل الذكر، وهو علة للإعادة.
وعبارة الرملي: لأن ذلك ليس مختصا بها لمصلحتها فكان مشعرا بالإعراض.
اه.
(قوله: لا يعيد الفاتحة الخ) مقابل قوله: بتخلل ذكر أجنبي.
لكن لا يظهر التقابل بالنسبة للسجود لأنه ليس من الذكر.
(قوله: لتلاوة إمامه) متعلق بسجود.
(قوله: معه) أي مع إمامه، وهو متعلق بسجود أيضا.
وخرج به ما إذا لم يسجد إمامه لها فلا يسجد هو، وإلا بطلت
صلاته.
(قوله: لقراءة إمامه الفاتحة) هو راجع للتأمين.
(وقوله: أو آية السجدة) راجع لسجود التلاوة: (وقوله: أو الآية إلخ) راجع للباقي.
(وقوله: التي يسن فيها ما ذكر) أي سؤال الرحمة، إلخ.
والآية التي يسن فيها سؤال الرحمة مثل قوله تعالى: * (ويغفر لكم والله غفور رحيم) * فيسأل الرحمة بقوله: رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين.
والتي يسن فيها الاستعاذة من العذاب مثل قوله: * (ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين) * فيسأل الاستعاذة بقوله: رب إني أعوذ بك من العذاب.
والتي يسن فيها قوله: بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين، قوله تعالى: * (أليس الله بأحكم الحاكمين) *.
(قوله: لكل إلخ) متعلق بيسن.
أي يسن ما ذكر في آية الرحمة أو العذاب لكل من القارئ والسامع، حال كون كل منهما مأموما أو غير مأموم.
والتصريح بما ذكر هنا يفيد أن سجود التلاوة والتأمين لا يسنان لكل ممن ذكر، وليس كذلك، بل يسنان له أيضا.
نعم، نقل البجيرمي عن ع ش أنه لا يسن التأمين لغير قراءة نفسه أو إمامه، سواء كان في الصلاة أو خارجها.
فلو حذف ما ذكر أو عمم لكان أولى.
وقوله: في صلاة وخارجها الواو بمعنى أو، أي حال كون كل منهما في صلاة أو خارجها.
ولا حاجة إلى هذا بعد قوله: أو غيره.
أي المأموم، لأنه صادق بالإمام والمنفرد وغيرهما، ولا يكون الغير إلا خارج الصلاة.
تأمل.
(قوله: فلو قرأ المصلي الخ) الأولى تقديمه على قوله: لا يعيد الفاتحة إلخ، لأنه تفريع على قوله: فيعيد بتخلل ذكر أجنبي، إذ الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم حينئذ - على ما جرى عليه الشارح - من الذكر الأجنبي.
(قوله: أو سمع) أي المصلي.
ولو قدم هذا الفعل على المصلي لأغنى عن تكرر لفظ آية.
(قوله: لم تندب الصلاة عليه) أي النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه فتقطع الموالاة.
وفي العباب ما نصه: لو قرأ المصلي آية فيها اسم محمد صلى الله عليه وسلم ندب له الصلاة عليه في الأقرب بالضمير كصلى الله عليه وسلم، لا: اللهم صل على محمد.
للخلاف في بطلان الصلاة بنقل ركن قولي.
اه.
ونقله سم عنه، وسلطان عن الأنوار، وأقراه.
اه.
بشرى الكريم.
وعبارة الأنوار: قال العجلي في شرحه: وإذا قرأ آية فيها اسم محمد صلى الله عليه وسلم استحب أن يصلي عليه.
وفي فتاوى صاحب الروضة أنه لا يصلي عليه.
والأول أقرب.
اه.
وعلى ندبها لا تقطع الموالاة إذ هي من قبيل سؤال الرحمة عند سماع آيتها، كما في ع ش، ونص عبارته: قوله: وسؤاله رحمة واستعاذة من عذاب، ومنه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند قراءة ما فيه اسمه فيما يظهر بناء على استحباب ذلك.
اه.
(قوله: ولا بفتح عليه) أي لا يعيد الفاتحة بفتحه على إمامه.
والمراد بفتحه عليه تلقينه الذي توقف فيه.
(قوله: إذا توقف فيها) أي إذا تردد الإمام في القراءة، ولو غير الفاتحة.
وهذا قيد خرج به ما إذا لم يتوقف ففتح عليه فتنقطع الموالاة.
اه بجيرمي.
(قوله: بقصد القراءة) الجار والمجرور متعلق بفتح.
وقوله: ولو مع
سبحان الله قبل الفتح يقطعها على الاوجه، لانه حينئذ بمعنى تنبه.
(و) يعيد الفاتحة بتخلل (سكوت طال) فيها
بحيث زاد على سكتة الاستراحة (بلا عذر فيهما)، من جهل وسهو.
فلو كان تخلل الذكر الاجنبي، أو السكوت الطويل، سهوا أو جهلا، أو كان السكوت لتذكر آية، لم يضر، كما لو كرر آية منها في محلها ولو لغير عذر، أو عاد إلى ما قرأه قبل واستمر، على الاوجه.
(فرع) لو شك في أثناء الفاتحة هل بسمل، فأتمها ثم ذكر أنه بسمل أعاد كلها على الاوجه.
(ولا أثر لشك
ــ
الفتح أي لا فرق في قصد القراءة بين أن يقصدها وحدها أو يقصدها مع الفتح.
وخرج به ما إذا قصد الفتح فقط أو أطلق، فإنه يبطل الصلاة.
(قوله: ومحله) أي الفتح عليه عند توقفه إن سكت - أي الإمام - وذلك لأن معنى الفتح تلقين الآية التي توقف فيها فلا يرد عليه ما دام يرددها.
وقوله: وإلا أي وإلا يسكت بأن كان يرددها فلا يفتح عليه، فإن فتح عليه حينئذ قطع الموالاة ووجبت إعادة الفاتحة، لأنه غير مطلوب حينئذ.
(قوله: وتقديم الخ) مبتدأ خبره جملة يقطعها.
(قوله: قبل الفتح) أي قبل أن يفتح على إمامه.
(قوله: يقطعها) أي الموالاة.
وقوله: لأنه حينئذ أي لأن قول سبحان الله حين إذ قدم على الفتح بمعنى تنبه، أي يفيد هذا المعنى، ولا بد أن يقصد الذكر أو والتنبيه وإلا بطلت صلاته، كما تقدم في الفتح.
(قوله: ويعيد الفاتحة بتخلل الخ) لو قدم هذا وذكره بعد قوله بتخلل ذكر أجنبي لكان أولى.
وقوله: طال أي عرفا.
ومثل الطويل القصير إن قصد به قطع القراءة، لاقتران الفعل بنية القطع.
قال ابن رسلان: وبالسكوت انقطعت إن كثرا أو قل مع قصد لقطع ما قرا (قوله: بحيث زاد إلخ) تصوير للسكوت الطويل.
(قوله: بلا عذر فيهما) أي في تخلل الذكر الأجنبي وتخلل السكوت الطويل.
(قوله: من جهل وسهو) بيان للعذر، ومثلهما العي أو تذكر آية، لكن هذان خاصان بالسكوت الطويل.
وكان الأولى له زيادتهما لأنه سيذكر الثاني في التفريع.
(قوله: فلو كان الخ) تفريع على مفهوم بلا عذر.
وقوله: تخلل اسم كان.
وقوله: سهوا، خبرها.
(قوله: أو كان السكوت لتذكر آية) عبارة المغنى: ويستثنى ما لو نسي آية فسكت طويلا لتذكرها فإنه لا يؤثر.
كما قاله القاضي وغيره.
اه.
(قوله: لم يضر) جواب لو، أي فلا يقطع الموالاة.
(قوله: كما لو كرر آية منها) أي من الفاتحة، فإنه لا يضر.
وقوله: في محلها صفة لآية، أي كرر آية موصوفة بكونها في محلها.
ومراده بذلك أنه كرر الآية التي انتهت قراءته إليها، كأن وصل إلى قوله: * (إهدنا الصراط المستقيم) * وصار يكررها.
وعبارة فتح الجواد: ولا يؤثر تكرير آية منها إن كرر ما هو فيه أو ما قبله واستصحب، فيبني على الأوجه.
اه.
(قوله: أو عاد الخ) مفهوم قوله: في محلها.
وفصل فيه بين أن يكون قد استمر فلا يضر، أو لم يستمر فيضر.
(قوله: واستمر) أي على القراءة من الموضع الذي عاد إليه إلى تمام السورة، بخلاف ما إذا لم يستمر بأن وصل إلى * (أنعمت عليهم) * فقرأ * (مالك يوم الدين) * فقط، ثم رجع إلى ما انتهى إليه أولا فإنه يضر، ويستأنف الفاتحة من أولها.
وفي البجيرمي ما نصه: قال في التتمة: إذا ردد آية من الفاتحة، فإن ردد الآية التي هو في تلاوتها وتلا الباقي فالقراءة صحيحة، وإن أعاد بعض الآيات التي فرغ من تلاوتها، مثل إن وصل إلى قوله: * (صراط الذين أنعمت عليهم) * فعاد إلى قوله: * (مالك يوم الدين) * إن أعاد القراءة من الموضع الذي عاد إليه على
الوجه المذكور كانت القراءة محسوبة، وإن أعاد قراءة هذه الآية ثم عاد إلى الموضع الذي انتهى إليه لم تحسب له القراءة وعليه الاستنئاف.
(قوله: لو شك في أثناء الفاتحة) أي بأن قرأ نصف الفاتحة ثم شك في أنه هل بسمل أم لا؟.
وقوله: فأتمها أي الفاتحة، ولم يقرأ البسملة.
وقوله: أعاد كلها على الأوجه أي أعاد الفاتحة كلها لتقصيره بما قرأه مع الشك فصار كأنه أجنبي.
اه تحفة.
وخالف الأسنوي وقال: يجب عليه إعادة ما قرأه على الشك فقط لاستئنافها.
وجزم به في المغني،
في ترك حرف) فأكثر من الفاتحة، أو آية فأكثر منها.
(بعد تمامها) أي الفاتحة، لان الظاهر حينئذ مضيها تامة.
(واستأنف) وجوبا إن شك فيه (قبله) أي التمام.
كما لو شك هل قرأها أو لا؟ لان الاصل عدم قراءتها.
وكالفاتحة في ذلك سائر الاركان.
فلو شك في أصل السجود مثلا أتى به، أو بعده في نحو وضع اليد، لم يلزمه شئ.
ولو قرأها غافلا ففطن عند * (صراط الذين) * ولم يتيقن قراءتها لزمه استئنافها.
ويجب الترتيب في الفاتحة بأن يأتي بها على نظمها المعروف لا في التشهد ما لم يخل بالمعنى.
لكن يشترط فيه رعاية تشديدات وموالاة كالفاتحة.
ــ
وعبارته: ولو قرأ نصف الفاتحة مثلا وشك هل أتى بالبسملة؟ ثم ذكر بعد الفراغ أنه أتى بها، أعاما قرأه بعد الشك فقط.
كما قاله البغوي واعتمده شيخي، خلافا لابن سريج القائل بوجوب الاستئناف.
اه.
(قوله: ولا أثر لشك) أي لا ضرر فيه.
(قوله: من الفاتحة) متعلق بمحذوف، صفة لحرف وما بعده.
(قوله: أو آية الخ) أي أو شك في ترك آية أو أكثر.
وقوله: منها أي من الفاتحة.
(قوله: بعد تمامها) متعلق بشك.
(قوله: لأن الظاهر الخ) قال في النهاية: ولأن الشك في حروفها يكثر لكثرتها فعفي عنه للمشقة، فاكتفي فيها بغلبة الظن.
اه.
وقوله: حينئذ أي حين إذ وقع الشك بعد تمامها.
وقوله: مضيها أي الفاتحة.
وقوله: تامة حال من المضاف إليه.
(قوله: واستأنف) أي الفاتحة من أولها، لكن محله - كما هو ظاهر - إن طال زمن الشك، أو وقع الشك في ترك حرف مبهم.
فإن وقع الشك في ترك حرف معين ولم يطل زمنه أعاده فقط وبنى عليه.
(قوله: إن شك فيه) أي في ترك حرف أو آية.
وقوله: قبله متعلق بشك.
(قوله: كما لو شك هل قرأها أو لا) أي كما لو شك في أصل قراءتها فإنه يجب عليه الإتيان بها.
(قوله: لأن الأصل عدم قراءتها) لا يظهر علة إلا لقوله كما لو شك الخ، إلا أن يقال المراد عدم قراءتها كلا أو بعضا، فيظهر أن تكون علة لما قبله أيضا.
تأمل.
(قوله: وكالفاتحة في ذلك) أي في التفصيل المذكور بين أن يكون الشك في أصل الركن أو في صفة من صفاته.
وإذا كان في صفة فلا يخلو إما أن يكون قبل التمام فيؤثر، أو بعده فلا يؤثر.
وقوله: سائر الأركان أي فيقال فيها - إن وقع الشك في صفة من صفاتها بعدم تمام الركن -: لا يؤثر، وإن وقع قبل التمام أثر.
وأتى بها كما لو شك في أصلها.
وخالف الجمال الرملي في النهاية في بقية الأركان غير التشهد، ونص عبارته: والأوجه إلحاق التشهد بها في ذلك قبل تمامها - كما قاله الزركشي - لا سائر الأركان فيما يظهر.
اه.
وقوله: لا سائر الأركان أي فيضر الشك عنده في صفتها مطلقا قبل الفراغ منها وبعده، ويجب عليه إعادتها.
(قوله: فلو شك في أصل السجود الخ) تفريع على كون سائر الأركان كالفاتحة.
(قوله: أو بعده) أي أو شك بعد السجود.
وقوله: في نحو وضع اليد أي من سائر الأعضاء السبعة.
وقوله: لم يلزمه شئ أي لا يجب عليه الإعادة.
(قوله: ولو قرأها) أي
الفاتحة، حال كونه غافلا.
وقوله: ففطن أي انتبه من غفلته.
وقوله: ولم يتيقن قراءتها أي عن قرب.
فإن تيقن عن قرب قراءتها لا يلزمه الاستئناف.
(قوله: ويجب الترتيب إلخ) فلو تركه بأن قدم كلمة أو آية، نظر، فإن غير المعنى أو أبطله بطلت صلاته إن علم وتعمد، وإلا فقراءته، وإن لم يغير المعنى ولم يبطله، لم يعتد بما قدمه مطلقا، وكذا بما أخره، إن قصد به عند الشروع فيه التكميل على ما قدمه.
وإلا بأن قصد الاستئناف أو أطلق، كمل عليه إن لم يطل الفصل.
قال الكردي: والحاصل أنه تارة يبني.
وتارة يستأنف، وتارة تبطل صلاته.
فيبني في صورتين: إذا سها بتأخير النصف الأول، ولم يطل الفصل بين فراغه من النصف الأول وشروعه في النصف الثاني.
وفيما إذا تعمد تأخير النصف الأول ولم يقصد التكميل به على النصف الثاني الذي بدأ به أولا، ولم يطل الفصل عمدا بين فراغه وإرادة التكميل عليه، ولم يغير المعنى.
ويستأنف الفاتحة إن انتفى شرط من هذه الشروط الثلاثة، وتبطل صلاته إن تعمد وغير المعنى.
اه.
(قوله: بأن يأتي إلخ) تصوير للترتيب.
(قوله: لا في التشهد الخ) أي لا يجب الترتيب في التشهد، بل يجوز عدمه.
وقوله: ما لم يخل فاعله ضمير يعود على معلوم من المقام، أي ما لم يخل عدم الترتيب بالمعنى.
فإن أخل به، كأن قدم جزء الجملة على جزء آخر منها، بأن قال أن لا إله أشهد إلا الله، وجب الترتيب وبطلت صلاته بتعمد تركه.
وعبارة التحفة: ولا يجب الترتيب بشرط أن لا يغير معناه، وإلا بطلت
ومن جهل جميع الفاتحة ولم يمكنه تعلمها قبل ضيق الوقت، ولا قراءتها في نحو مصحف، لزمه قراءة سبع آيات - ولو متفرقة - لا ينقض حروفها عن حروف الفاتحة، وهي بالبسملة بالتشديدات مائة وستة وخمسون حرفا - بإثبات ألف مالك - ولو قدر على بعض الفاتحة كرره ليبلغ قدرها، وإن لم يقدر على بدل فسبعة أنواع من ذكر كذلك، فوقوف بقدرها.
(وسن) وقيل: يجب (بعد تحرم) بفرض أو نفل، ما عدا صلاة جنازة.
(افتتاح) أي دعاؤه سرا إن أمن
ــ
صلاته إن تعمده.
اه.
(قوله: لكن يشترط فيه) أي التشهد.
والأولى حذف أداة الاستدراك إذ لا محل له هنا، إلا أن يقال أتى به لدفع ما عسى أن يقال.
كما أنه لا يشترط الترتيب، كذلك لا تشترط الموالاة ورعاية التشديدات، إلخ.
(قوله: ومن جهل جميع الفاتحة الخ) عبارة التحفة مع الأصل، فان جهل الفاتحة كلها - بأن عجز عنها في الوقت، لنحو ضيقة أو بلادة أو عدم معلم أو مصحف، ولو عارية أو بأجرة مثل وجدها فاضلة عما يعتبر في الفطرة - فسبع آيات يأتي بها الخ.
اه.
(قوله: ولا قراءتها) أي ولم يمكنه قراءتها.
وقوله: في نحو مصحف أي كلوح.
(قوله: لزمه قراءة سبع آيات) أي إن أحسنها.
وذلك لأن هذا العدد مراعى فيها بنص قوله تعالى: * (ولقد آتيناك سبعا من المثاني) * فراعيناه في بدلها.
نعم، تسن ثامنة لتحصل السورة.
(وقوله: ولو متفرقة) أي ليست على ترتيب المصحف.
والغاية للرد على الرافعي القائل باشتراط التوالي فيها، أي كونها على ترتيب المصحف إن أمكن.
(قوله: لا ينقص حروفها) أي السبع الآيات.
قال ع ش: وينبغي الاكتفاء بظنه في كون ما أتى به قدر حروف الفاتحة، كما اكتفى به في كون وقوفه قدرها لمشقة عدد ما يأتي به من الحروف، بل قد يتعذر على كثير.
اه.
(قوله: وهي) أي حروف الفاتحة إلخ، ولا حاجة إلى هذا لعلمه مما سبق.
(قوله: ولو قدر على بعض الفاتحة
كرره) محل هذا إن لم يحسن للباقي بدلا، فإن أحسنه أتى بما قدر عليه من الفاتحة في محله، ويبدل الباقي من القرآن.
فإن كان أول الفاتحة قدمه على البدل، أو الآخر قدم البدل عليه، أو بينهما قدم من البدل بقدر ما لم يحسنه، ثم يأتي بما يحسنه من الفاتحة ثم يبدل الباقي.
وعبارة الروض وشرحه: ولو عرف بعض الفاتحة فقط وعرف لبعضها الآخر بدلا أتى ببدل البعض الآخر في موضعه، فيجب الترتيب بين ما يعرفه منها والبدل، حتى يقدم بدل النصف الأول على الثاني.
ولو عرف مع الذكر آية من غيرها - أي الفاتحة - ولم يعرف شيئا منها، أتى بها ثم أتى بالذكر.
اه.
(قوله: وإن لم يقدر على بدل الخ) أي فإن عجز عن بدل الفاتحة من القرآن لزمه قراءة سبعة أنواع من ذكر، ليقوم كل نوع مكان كل آية، ولما في صحيح ابن حبان - وإن ضعف -: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لا أستطيع أتعلم القرآن، فعلمني ما يجزيني من القرآن - وفي لفظ الدارقطني: ما يجزيني في صلاتي - قال: قل سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أشار فيه إلى السبعة بذكر خمسة منها، ولعله لم يذكر له الآخرين لأن الظاهر حفظه للبسملة وشئ من الدعاء.
اه تحفة.
وقوله: كذلك أي لا ينقص حروفه عن حروف الفاتحة.
قال في بشرى الكريم: ومثال السبعة الأنواع من الذكر: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فهذه خمسة أنواع.
وما شاء الله كان نوع، وما لم يشأ لم يكن نوع.
فهذه سبعة أنواع.
لكن حروفها لم تبلغ قدر الفاتحة، فيزيد ما يبلغ قدرها ولو بتكريرها.
اه.
(قوله: فوقوف بقدرها) أي فإن لم يقدر على الذكر أيضا لزمه وقوف بقدر الفاتحة، أي بالنسبة للوسط المعتدل في ظنه.
وذلك لأن القراءة والوقوف كانا واجبين، فإذا تعذر أحدهما بقي الآخر.
ويسن له الوقوف بقدر السورة.
(قوله: وسن الخ) لما فرغ من شروط الفاتحة شرع يتكلم على سننها، وهي أربع: اثنان قبلها، وهما دعاء الافتتاح والتعوذ.
واثنان بعدها، وهما التأمين والسورة.
(قوله: بعد تحرم) إنما آثر التعبير ببعد، على التعبير بعقب، للتنبيه على أنه لو سكت بعد التحرم طويلا لم يفت عليه دعاء الافتتاح.
(قوله: بفرض أو نفل) متعلق بتحرم.
(قوله: ما عدا صلاة الجنازة) أي فلا يسن لها ذلك طالبا للتخفيف.
قال ابن العماد: ويتجه فيما لو صلى على غائب أو قبر أن يأتي بالافتتاح، لانتفاء المعنى الذي شرع له التخفيف، وقياسه أن يأتي بالسورة أيضا.
ويحتمل خلافه فيهما نظرا للأصل.
اه شرح الروض.
(قوله: افتتاح) نائب فاعل سن.
فوت الوقت وغلب على ظن المأموم إدراك ركوع الامام، (ما لم يشرع) في تعوذ أو قراءة ولو سهوا.
(أو يجلس مأموم) مع إمامه، وإن أمن مع تأمينه.
(وإن خاف) أي المأموم، (فوت سورة) حيث تسن له.
كما ذكر شيخنا في شرح العباب وقال: لان إدراك الافتتاح محقق، وفوات السورة موهوم، وقد لا يقع.
وورد فيه أدعية كثيرة.
وأفضلها ما رواه مسلم، وهي: وجهت وجهي - أي ذاتي - للذي فطر السموات والارض حنيفا - أي مائلا عن الاديان إلى الدين الحق - مسلما، وما أنا من المشركين.
إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب
العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا من المسلمين.
ويسن لمأموم يسمع قراءة إمامه الاسراع به، ويزيد -
ــ
(قوله: أي دعاؤه) أفاد به أن في الكلام حذف مضاف تقديره ما ذكر، والمراد دعاء يفتتح به الصلاة.
وقال الأجهوري في تسميته: دعاء تجوز، لأن الدعاء طلب وهذا لا طلب فيه، وإنما هو إخبار.
فسمي دعاء باعتبار أنه يجازى عليه كما يجازى على
الدعاء.
اه.
وقال الحفناوي: سمي دعاء باعتبار آخره، وهو: اللهم باعد بيني وبين خطاياي، الخ.
(قوله: إن أمن فوت الوقت) أي بحث لو اشتغل بدعاء الافتتاح لا تخرج الصلاة عن وقتها، فإن خاف فوت الوقت لو اشتغل به تركه.
والحاصل أن دعاء الافتتاح إنما يسن بشروط خمسة مصرح بها كلها في كلامه: أن يكون في غير صلاة الجنازة، وأن لا يخاف فوت وقت الأداء، وأن لا يخاف المأموم فوت بعض الفاتحة، وأن لا يدرك الإمام في غير القيام فلو أدركه في الاعتدال لم يفتتح - كما في شرح الرملي - وأن لا يشرع المصلي مطلقا في التعوذ أو القراءة.
(قوله: وغلب على ظن الخ) فإن لم يغلب على ظنه ما ذكر تركه.
(قوله: ما لم يشرع الخ) أي سن الافتتاح مدة عدم شروع في تعوذ أو قراءة.
فإن شرع في ذلك فات عليه، فلا يندب له العود إليه لفوات محله.
(قوله: أو يجلس الخ) معطوف على يشرع.
أي وما لم يجلس مأموم مع إمامه.
فإن جلس معه، بأن كان مسبوقا وأدركه في التشهد فلا يسن الإتيان به إذا قام وأراد قراءة الفاتحة.
(قوله: وإن أمن مع تأمينه) أي يسن الافتتاح له وإن أمن مع تأمين إمامه، بأن فرغ الإمام من الفاتحة عقب تحرمه فأمن معه، فهو غاية لسنيه الإتيان به.
وقوله: وإن خاف - أي المأموم - فوت سورة، غاية ثانية لها أيضا.
(قوله: حيث تسن) أالسورة له، بأن كان لا يسمع قراءة إمامه.
وأتى بهذا القيد لتظهر الغاية، وذلك لأنه حيث لم تسن له السورة فلا يقال في حقه وإن خاف فوتها.
(قوله: لأن إدراك الافتتاح إلخ) علة لسنية الافتتاح مع خوفه فوات السورة.
أي يسن له ذلك وإن خاف فواتها، لأن إدراك الافتتاح أمر محقق، وفوات السورة أمر موهوم، ولا يترك المحقق لأجل الموهوم.
(قوله: وقد لا يقع) أي فوات السورة.
(قوله: وورد فيه) أي في دعاء الافتتاح.
(قوله: وهو: وجهت وجهي) أي أقبلت بوجهي، وقيل: أي قصدت بعبادتي.
وقوله: أي ذاتي تفسير لوجهي.
فالمراد منه الذات على طريق المجاز المرسل من ذكر الجزء وإرادة الكل، وإنما كنى عنها بالوجه إشارة إلى أنه ينبغي أن يكون كله وجها مقبلا على ربه، لا يلتفت لغيره في جزء منها - أي الصلاة - ويجتهد في تحصيل الصدق خوفا من الكذب في هذا المقام.
وقوله: للذي فطر السموات والأرض أي أبدعهما على غير مثال سبق.
وقوله: مسلما أي منقادا إلى الأوامر والنواهي.
(قوله: ونسكي) أي عبادتي.
فهو من عطف العام على الخاص.
وقوله: ومحياي ومماتي أي إحيائي وإماتتي.
(قوله: وأنا من المسلمين) في رواية للبيهقي: وأنا أول المسلمين، كما هو نظم القرآن.
وكان صلى الله عليه وسلم يقول بما فيها تارة لأنه أول مسلمي هذه الأمة، ولا يقولها غيره إلا إن قصد التلاوة.
(قوله: ويسن لمأموم يسمع قراءة إمامه) خرج به ما إذا لم يسمع فلا يسن له الإسراع به، لكن إن غلب على ظنه أنه يدرك
ندبا - المنفرد، وإمام محصورين - غير أرقاء ولا نساء متزوجات - رضوا بالتطويل لفظا ولم يطرأ غيرهم، وإن قل حضوره.
ولم يكن المسجد مطروقا.
ما ورد في دعاء الافتتاح، ومنه ما رواه الشيخان: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب.
اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الابيض من الدنس.
اللهم اغسلني من خطاياي كما يغسل الثوب بالماء والثلج والبرد.
(ف) - بعد افتتاح وتكبير صلاة عيد - إن أتى بهما - يسن (تعوذ) ولو في صلاة الجنازة، سرا ولو في الجهرية.
وإن جلس مع إمامه (كل ركعة) ما لم يشرع في قراءة ولو سهوا.
وهو في الاولى آكد، ويكره تركه.
ــ
الإمام في الركوع إذا لم يسرع به، كما هو ظاهر.
(قوله: الإسراع) نائب فاعل يسن.
وقوله: به أي بدعاء الافتتاح.
(قوله وإمام محصورين) أي جماعة محصورين.
قال البجيرمي: والمراد بالمحصورين من لا يصلي وراءه غيرهم ولو ألفا، كما قاله شيخنا.
اه.
وعليه، فكان الأولى ذكر قوله بعد: ولم يطرأ غيرهم، بعد قوله: محصورين.
ويكون كالتفسير له.
(قوله: غير أرقاء ولا نساء متزوجات) أي ولا مستأجرين أجارة عين على عمل ناجز، فإن كانوا أرقاء أو نساء أو متزوجات أو مستأجرين اشترط إذن السيد والزوج والمستأجر.
(قوله: رضوا بالتطويل لفظا) أي عند ابن حجر.
وعند م ر: لفظا، أو سكوتا إذا علم رضاهم.
(قوله: وإن قل حضوره) أي الغير.
وعبارة الرملي: وقل حضوره.
وهي تفيد التقييد، وعبارة المؤلف تفيد التعميم.
(قوله: ولم يكن المسجد مطروقا) فإن كان مطروقا ندب له الإقتصار على ما مر.
وكذلك إذا فقد قيد من القيود السابقة.
(قوله: ما ورد إلخ) مفعول يزيد.
(قوله: ومنه) أي مما ورد.
(قوله: اللهم نقني من خطاياك) أي طهرني منها بأن تزيلها عني.
وقوله: كما ينقى الثوب أي يطهر.
(قوله: والثلج والبرد) أي بعد إذابتهما وصيرورتهما ماء.
وأتى بهما بعد الماء تأكيدا للطهارة ومبالغة فيها.
(قوله: وتكبير صلاة عيد) الأولى أن يقول: ومثله تكبير صلاة عيد إن أتى به، وذلك لأن عبارته توهم إنه تقدم منه التصريح به.
(قوله: يسن تعوذ) اعلم أن التعوذ بعد دعاء الافتتاح سنة بالاتفاق، وهو مقدمة للقراءة.
قال الله تعالى: * (فإذا قرأت القرآفاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) * معناه عند جماهير العلماء: إذا أردت القراءة فاستعذ.
واللفظ المختار في التعوذ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وجاء: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
ولا بأس به، ولكن المشهور المختار هو الأول.
وروينا في سنن أبي دواد والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي وغيرها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قبل القراءة في الصلاة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، من نفخه ونفثه وهمزه.
وفي رواية: أعوذ بالله السيمع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه.
وجاء في تفسيره في الحديث، أن همزه الموتة، وهي الجنون.
ونفخه الكبر.
ونفثه الشعر.
اه من أذكار النووي.
ومن لطائف الاستعاذة أن قوله: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إقرار من العبد بالعجز والضعف، واعتراف بقدرة الباري عز وجل، وأنه الغني القادر على دفع جميع المضرات والآفات.
واعتراف أيضا بأن الشيطان عدو مبين.
ففي الاستعاذة التجاء إلى الله تعالى القادر على دفع وسوسة الشيطان الغوي الفاجر، وأنه لا يقدر على دفعه عن العبد إلا الله تعالى.
(قوله: ولو في صلاة الجنازة) غاية لسنية التعوذ.
وسن فيها دون الافتتاح لقصره فلا يفوت به التخفيف المطلوب فيها.
(قوله: سرا ولو في الجهرية) أي يسن قراءته بالسر ولو كانت الصلاة جهرية.
(قوله: وإن جلس مع إمامه) أي فيما إذا اقتدى به وهو في التشهد فإنه يجلس معه، ومع ذلك إذا قام وأراد أن يقرأ الفاتحة سن له التعوذ، ولا يسقط عنه، بخلاف دعاء الافتتاح فإنه يسقط عنه بالجلوس كما تقدم.
(قوله: كل ركعة) منصوب بإسقاط الخافض، أي في كل ركعة، وهو متعلق بتعوذ.
(قوله: ما لم يشرع في قراءة) أي وما لم يضق الوقت بحيث يخرج بعض الصلاة عنه لو أتى به، وما لم
(و) يسن (وقف على رأس كل آية) حتى على آخر البسملة، خلافا لجمع (منها) أي من الفاتحة، وإن تعلقت بما بعدها، للاتباع.
والاولى أن لا يقف على * (أنعمت عليهم) * لانه ليس بوقف ولا منتهى آية عندنا، فإن وقف على هذا لم تسن الاعادة من أول الآية.
(و) يسن (تأمين) أي قوله: آمين.
بالتخفيف والمد.
وحسن زيادة: رب العالمين، (عقبها) أي الفاتحة - ولو خارج الصلاة - بعد سكتة لطيفة، ما لم يتلفظ بشئ سوى رب
ــ
يغلب على ظنه عدم إدراك الفاتحة قبل ركوع الإمام.
فإن شرع في قراءة ولو البسملة، أو ضاق الوقت، أو غلب على ظنه عدم إدراك الفاتحة، لم يسن التعوذ.
(قوله: ولو سهوا) أي ولو كان شروعه سهوا فإنه لا يسن التعوذ.
وكتب ع ش ما نصه: قوله: ولو سهوا: خرج به ما لو سبق لسانه فلا يفوت، وكذا يطلب إذا تعوذ قاصدا القراءة ثم أعرض عنها بسماع قراءة الإمام حيث طال الفصل باستماعه لقراءة إمامه، بخلاف ما لو قصر الفصل فلا يأتي به.
وكذا يعيده لو سجد مع إمامه للتلاوة.
اه.
(قوله: وهو في الأولى آكد) أي التعوذ في الركعة الأولى آكد للاتفاق عليها.
قال النووي في الاذكا: واعلم أن التعوذ مستحب في الركعة الأولى بالاتفاق، فإن لم يتعوذ في الأولى أتى به في الثانية، فإن لم يفعل ففيما بعدها.
فلو تعوذ في الأولى هل يستحب في الثانية؟ فيه وجهان لأصحابنا، أصحهما أنه يستحب، لكنه في الأولى آكد.
اه.
(قوله: ويكره تركه) أي التعوذ في الأولى وفي غيرها.
(قوله: ويسن وقف على رأس الخ) وذلك لما صح: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقطع قراءته آية آية يقول: * (بسم الله الرحمن الرحيم) * ثم يقف، * (الحمد لله رب العالمين) * ثم يقف، * (الرحمن الرحيم) * ثم يقف.
(قوله: حتى على آخر البسملة) غاية لسنية الوقف على ما ذكر، وهي للرد.
وقوله: خلافا لجمع أي قائلين إنه يسن وصل البسملة بالحمدلة، للإمام وغيره.
وتعجب منه في التحفة، للحديث السابق.
(قوله: منها) متعلق بمحذوف، صفة لآية.
أي آية كائنة من الفاتحة.
(قوله: وإن تعلقت) أي الآية.
وهي غاية لسنية الوقف على ما ذكر.
والمراد بالتعلق التعلق المعنوي، وهو مطلق الارتباط.
والآية التي لها تعلق بما بعدها هي: * (اهدنا الصراط المستقيم) * فإن ما بعدها بيان للصراط المستقيم منها.
(قوله: للاتباع) هو ما مر.
(قوله: لأنه ليس بوقف) أي لتعلقه بما بعده.
(قوله: ولا منتهى آية) أي رأسها.
وخرج به مثل * (إهدنا الصراط المستقيم) * فإنه وإن كانت متعلقا بما بعده - كما علمت - إلا أنه رأس آية.
(قوله: فإن وقف على هذا) أي على * (أنعمت
عليهم) * (قوله: لم يسن الإعادة من أول الآية) أي من قوله: * (صراط الذين) * إلخ.
وعبارة ع ش: فلو وقف عليه لم يضر في صلاته، والأولى عدم إعادة ما وقف عليه والابتداء بما بعده.
لأن ذلك وإن لم يحسن في عرف القراء إلا أن تركه يؤدي إلى تكرير بعض الركن القولي، وهو مبطل في قول، فتركه أولى، خروجا من الخلاف.
اه.
(قوله: ويسن تأمين) أي لقارئها في الصلاة وخارجها.
واختص بالفاتحة لشرفها واشتمالها على دعاء فناسب أن يسأل الله إجابته.
(قوله: والمد) أي أو القصر.
وحكي التشديد مع القصر أو المد، ومعناها حينئذ: قاصدين.
فتبطل الصلاة ما لم يرد قاصدين إليك وأنت أكرم من أن تخيب من قصدك، فلا تبطل، لتضمنه الدعاء.
ولو لم يقصد شيئا أصلا بطلت، كما صرح به في التحفة.
(قوله: وحسن زيادة رب العالمين) أي بعد آمين لقارئها أيضا.
وعبارة الروض: ويستحب لقارئها أن يقول آمين، وحسن أن يزيد رب العالمين.
(قوله: عقبها) ظرف متعلق بتأمين.
(قوله: ولو خارج الصلاة) غاية لقوله: ويسن تأمين.
قوله: بعد سكتة لطيفة أي بقدر سبحان الله، وهو متعلق بتأمين أيضا.
ولا يقال إن بين قوله: عقبها، وقوله: بعد سكتة لطيفة، تنافيا ظاهرا، لأنا نقول: المراد بالعقب أن لا يتخلل بينهما لفظ غير: رب اغفر لي.
ويقال: إن تعقيب كل شئ بحسبه، كما في م ر.
واشتراط عدم تخلل اللفظ لا ينافي سن تخلل السكتة المذكورة.
(قوله: ما لم يتلفظ بشئ) ما مصدرية لفظية متعلقة بتأمين، أي يسن تأمين مدة عدم تلفظه بشئ، وهذا هو معنى قوله عقبها بناء على المراد السابق.
فلو اقتصر
اغفر لي.
ويسن الجهر به في الجهرية، - حتى للمأموم - لقراءة إمام تبعا له.
(و) سن لمأموم في الجهرية تأمين (مع) تأمين (إمامه إن سمع) قراءته، لخبر الشيخين: إذا أمن الامام - أي أراد التأمين - فأمنوا.
فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه.
وليس لنا ما يسن فيه تحري مقارنة الامام إلا هذا.
وإذا لم يتفق له موافقته أمن عقب تأمينه.
وإن أخر إمامه عن الزمن المسنون فيه التأمين أمن المأموم جهرا.
وآمين اسم فعل بمعنى استجب، مبني على الفتح، ويسكن عند الوقف.
ــ
أحدهما لكان أولى.
(قوله: سوى رب اغفر لي) أي أنه يستثنى من التلفظ بشئ التلفظ برب اغفر لي، فإنه لا يضر للخبر الحسن: أنه صلى الله عليه وسلم قال عقب * (ولا الضالين) *: رب اغفر لي.
وقال ع ش: وينبغي أنه لو زاد على ذلك: ولوالدي ولجميع المسلمين.
لم يضر أيضا.
اه.
وانظر هل الذي يقول ما ذكر القارئ فقط؟ أو كل من القارئ والسامع؟ والذي يظهر لي الأول، بدليل قوله في الحديث المار قال عقب: * (ولا الضالين) * أي قال عقب قراءته * (ولا الضالين) *، فليراجع.
(قوله: ويسن الجهر به) أي بالتأمين.
وقوله: في الجهرية إلخ الحاصل أن المصلي مطلقا - مأموما أو غيره - يجهر به إن طلب منه الجهر، ويسر به إن طلب منه الإسرار.
أمام الإمام فلخبر: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته فقال: آمين يمد بها صوته.
وأما المأموم فلما رواه ابن حبان عن عطاء قال: أدركت مائتين من الصحابة إذا قال الإمام * (ولا الضالين) * رفعوا أصواتهم بآمين.
وصح عنه أن الزبير أمن من ورائه، حتى أن للمسجد للجة - وهي بالفتح والتشديد - اختلاط الأصوات.
وأما المنفرد فبالقياس على المأموم.
(قوله: وسن لمأموم في الجهرية) أي
المشروع فيها الجهر، وخرج بها السرية فلا يؤمن معه فيها.
(قوله: إن سمع قراءته) أي قراءة إمامه.
قال في بشرى الكريم: ولو سمع جملة مفيدة من قراءة إمامه كفى.
اه.
(قوله: لخبر الشيخين إلخ) أي وخبرهما أيضا: إذا قال أحدكم آمين وقالت الملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه.
(فائدة) روي عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا -: حسدنا اليهود على القبلة التي هدينا إليها وضلوا عنها، وعلى الجمعة، وعلى قولنا خلف الإمام آمين.
(قوله: أي أراد التأمين) إنما فسر بما ذكر لتحقق المصاحبة.
ويوضحه خبر الشيخين: إذا قال الإمام * (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) * فقولوا: آمين.
وفسره بعضهم بقوله: أي إذا دخل وقت التأمين فأمنوا، وهو أحسن، ليشمل ما إذا لم يؤمن الإمام بالفعل أو أخره عن وقته المشروع فيه، فإنه يسن للمأموم التأمين في الحالتين.
(قوله: فإنه من وافق إلخ) أي ومعلوم من حديث آخر أن الملائكة تؤمن مع تأمين الإمام، فيكون التعليل منتجا للمدعي.
قال الجمال الرملي: والمراد: الموافقة في الزمن.
وقيل: في الصفات، من الإخلاص وغيره.
والمراد بالملائكة: الحفظة.
وقيل غيرهم، لخبر: فوافق قوله قول أهل السماء.
وأجاب الأول بأنه إذا قالها الحفظة قالها من فوقهم حتى تنتهي إلى السماء.
ولو قيل: بأنهم الحفظة وسائر الملائكة لكان أقرب.
اه.
(قوله: غفر له ما تقدم من ذنبه) أي من الصغائر.
وإن قال ابن السبكي في الأشباه والنظائر أنه يشمل الصغائر والكبائر.
اه م ر.
(قوله: وليس لنا ما يسن الخ) أي وليس لنا في الصلاة فعل أو قول تطلب فيه المقارنة إلا هذا، أي التأمين.
وفي المغني: قال في المجموع: ولو قرأ معه وفرغا معا كفى تأمين واحد.
أو فرغ قبله - قال البغوي - ينتظره.
والمختار أو الصواب أنه يؤمن لنفسه ثم للمتابعة.
اه.
(قوله: وإذا لم يتفق له) أي للمأموم.
وقوله: موافقته أي الإمام في التأمين.
(قوله: أمن) أي المأموم.
وقوله: عقب تأمينه أي الإمام.
ويؤخذ من قوله: عقب، أنه لو طال الفصل لا يؤمن.
(قوله: وإن أخر إمامه) إن شرطية، وجوابها أمن إلخ.
ومفعول الفعل محذوف، أي التأمين.
وأما المذكور فهو نائب فاعل المسنون.
وقوله: أمن المأموم جهرا أي قبله، ولا
(فرع) يسن للامام أن يسكت في الجهرية بقدر قراءة المأموم الفاتحة - إن علم أنه يقرؤها في سكتة - كما
هو ظاهر، وأن يشتغل في هذه السكتة بدعاء أو قراءة، وهي أولى.
قال شيخنا: وحينئذ فيظهر أنه يراعي الترتيب والموالاة بينها وبين ما يقرؤها وبعدها .. (فائدة) يسن سكتة لطيفة بقدر سبحان الله، بين آمين والسورة، وبين آخرها وتكبيرة الركوع، وبين التحرم ودعاء الافتتاح وبينه وبين التعوذ وبينه وبين البسملة.
(و) سن آية فأكثر، والاولى ثلاث (بعدها) أي بعد الفاتحة.
ويسن لمن قرأها من أثناء سورة البسملة.
نص عليه الشافعي.
ويحصل أصل السنة بتكرير سورة واحدة في الركعتين، وبإعادة الفاتحة إن لم يحفظ غيرها، وبقراءة البسملة لا بقصد أنها التي هي أول الفاتحة، وسورة كاملة - حيث لم يرد البعض، كما في التراويح - أفضل من
ــ
ينتظره اعتبارا بالمشروع.
ومثله إذا لم يؤمن الإمام أصلا فيؤمن المأموم ولا يتركه.
(قوله بمعنى استجب) سينه ليست للطلب.
وإنما هي مؤكدة، ومعناها: أجب.
اه شها ب على البيضاوي.
(فائدة) في تهذيب النووي حكاية أقوال كثيرة في آمين، من أحسنها قول وهب بن منبه: آمين أربعة أحرف، يخلق
الله تعالى من كل حرف لملكا يقول: اللهم اغفر لمن يقول آمين.
اه خطيب.
(قوله: ويسكن) أي لفظ آمين.
وقوله: عند الوقف خرج به عند الوصل بما بعده فيفتح.
(قوله: يسن للإمام أن يسكت) أي بعد آمين.
والمراد بالسكوت عدم الجهر لا السكوت عن القراءة، وإن كان هو ظاهر العبارة، إذ المطلوب من الإمام الاشتغال بالذكر والقراءة لا حقيقة السكوت.
وقوله: في الجهرية خرج به السرية فلا يسكت فيها.
(قوله: إن علم الخ) قيد في سنية السكوت.
أي يسن السكوت إن علم الإمام أن المأموم يقرأ الفاتحة في هذه السكتة، فإن علم أنه لا يقرؤها فيها لم يسن له السكوت.
(قوله: وإن يشتغل الخ) أي ويسن أن يشتغل الإمام الخ.
(قوله: أو قراءة) أي سرا.
قوله: وهي أولى أي والقراءة أولى من الدعاء.
(قوله: وحينئذ فيظهر إلخ) أي حين إذا اشتغل بالقراءة فيظهر مراعاة الترتيب والموالاة بين القراءة المشتغل بهاسرا وبين ما يقرؤه جهرا بعد هذه القراءة، وذلك لأن السنة القراءة على ترتيب المصحف وموالاته.
قال ع ش: أي فيقرأ مثلا بعض السورة التي يريد قراءتها سرا في زمن قراءة المأمومين ثم يكملها جهرا.
وفي الركعة الثانية يقرأ مما يلي السورة التي قرأها في الأولى سرا قدر زمن قراءة المأمومين ثم يكملها جهرا.
اه.
(قوله: يسن سكتة لطيفة إلخ) عد من السكتات المطلوبة خمسا وبقي عليه واحدة، وهي ما بين الفاتحة وآمين، وقد مرت.
فجملة السكتات ست.
(قوله: وبين آخرها) أي السورة.
(قوله: وبينه وبين التعوذ) أي وبين دعاء الافتتاح والتعوذ.
(قوله: وبينه) أي التعوذ.
(قوله: وسن آية) أي في سرية وجهرية، لإمام ومنفرد، كمأموم لم يسمع في غير صلاة فاقد الطهورين إذا كان جنبا أو نحوه لحرمتها عليه، وصلاة الجنازة لكراهتها فيها، وذلك للأخبار الصحيحة في ذلك، ولم تجب للحديث الصحيح: أم القرآن عوض من غيرها، وليس غيرها عوضا منها.
اه تحفة.
(قوله: والأولى ثلاث) أي ثلاث آيات.
قال الكردي: علله في المغنى وغيره بقوله: لأجل أن يكون قدر أقصر سورة.
اه.
وهذا لا يوافق المعتمد أن البسملة آية من كل سورة، إلا لقالوا: الأولى أربع آيات.
فحرره.
اه.
(قوله: ويسن لمن قرأها) أي الآية.
والبسملة نائب فاعل يسن.
(قوله: نص عليه) أي على سنيتها أثناء السورة.
(قوله: ويحصل أصل السنة بتكرير سورة واحدة) أي ولو حفظ غيرها.
وقوله في الركعتين أي الأوليين.
(قوله: وبإعادة الفاتحة) أي ويحصل أصل السنة بإعادة الفاتحة.
(قوله: إن لم يحفظ غيرها) أي غير الفاتحة.
فإن حفظ غيرها لا يحصل أصل السنة بإعادتها لأن الشئ الواحد لا يؤدي به فرضا ونفلا، ولئلا يشبه تكرير الركن.
وكتب سم ما نصه: قوله: غيرها: هو شامل للذكر والدعاء فلينظر.
اه.
(قوله: وبقراءة البسملة) أي ويحصل أصل السنة بقراءة البسملة.
(قوله: لا بقصد أنها التي هي أول الفاتحة) فإن
بعض طويلة وإن طال.
ويكره تركها رعاية لمن أوجبها.
وخرج ببعدها ما لو قدمها عليها فلا تحسب، بل يكره ذلك.
وينبغي أن لا يقرأ غير الفاتحة من يلحن فيه لحنا يغير المعنى.
وإن عجز عن التعلم، لانه يتكلم بما ليس بقرآن بلا ضرورة.
وترك السورة جائز.
ومقتضى كلام الامام: الحرمة.
(و) تسن (في) الركعتين (الاوليين) من رباعية أو ثلاثية، ولا تسن في الاخيرتين إلا لمسبوق بأن لم يدرك الاوليين مع إمامه فيقرؤها في باقي صلاته إذا تداركه ولم يكن قرأها فيما أدركه، ما لم تسقط عنه لكونه مسبوقا
ــ
كان بقصد ذلك لم تحصل به السنة، بل تبطل به الصلاة إن قلنا بأن تكرير بعض الركن القولي مبطل.
اه ع ش.
قال الكردي: وقياس ما تقدم في البسملة، أنه لو قال: الحمد لله رب العالمين، ولم يقصد الذي في الفاتحة، ويحصل له بذلك أصل السنة، وهو ظاهر.
اه.
(قوله: وسورة كاملة) مبتدأ خبره أفضل من بعض طويلة.
(قوله: حيث لم يرد البعض) أي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ويرد يقرأ بفتح الياء وكسر الراء، من الورود.
وقوله: كما في التراويح.
تمثيل لما ورد فيه البعض، وذلك لأن السنة فيها القيام بجميع القرآن.
ومثلها سنة الصبح، فإنه ورد فيها قراءة آية البقرة وآية آل عمران.
(قوله: أفضل) أي من حيث الاتباع الذي قد يربو ثوابه على زيادة الحروف، نظير صلاة ظهر يوم النحر للحاج بمنى دون مسجد مكة في حق من نزل إليه لطواف الإفاضة، إذ الاتباع.
ثم يربو على زيادة المضاعفة.
ولأن الابتداء بها والوقف على آخرها صحيحان بالقطع، بخلافهما في بعض السورة، فإنهما قد يخفيان.
(قوله: وإن طال) أي وإن كان بعض السورة أطول من السورة فإنها أفضل.
قال سم: المعتمد أنه إنما هي أفضل من قدرها من طويلة.
اه م ر.
(قوله: ويكره تركها) أي الآية.
ومحله في غير صلاة الجنازة لكراهتها فيها، وفي غير صلاة فاقد الطهورين إذا كان جنبا لحرمتها عليه كما مر.
(قوله: وخرج ببعدها) أي وخرج بقراءة الآية بعد الفاتحة.
وقوله: ما لو قدمها أي في الآية.
وقوله: عليها أي الفاتحة.
(قوله: فلا تحسب) أي الآية المقدمة، لأنه خلاف ما ورد في السنة.
ويعيدها بعدها إأراد تحصيل السنة.
(قوله: بل يكره ذلك) أي التقديم.
(قوله: وينبغي) ظاهر قوله بعد: ومقتضى كلام إلخ، أن المراد من الانبغاء الاستحباب، ومقتضاه صحة صلاته إذا قرأ ولحن لحنا يغير المعنى.
وفيه نظر، إذ هو حينئذ كلام أجنبي، وهو مبطل للصلاة مع التعمد والعلم، كما هو مقتضى قوله الآتي: لأنه يتكلم بما ليس بقرآن.
وصريح التحفة ونصها: متى خفف مشددا، أو لحن، أو أبدل حرفا بآخر ولم يكن الإبدال قراءة شاذة، أو ترك الترتيب - سواء كان في الفاتحة أو في السورة - فإن غير المعنى وعلم وتعمد بطلت صلاته، وإلا فقراءته لتلك الكلمة.
اه بتصرف.
(قوله: من يلحن) فاعل يقرأ.
وقوله: فيه أي في غير الفاتحة من السورة.
(قوله: وإن عجز عن التعلم) أي ينبغي عدم القراءة، ولو كان عاجزا عن التعلم لبلادته أو لكبر سنه.
(قوله: لأنه) أي القارئ مع اللحن.
وهو تعليل لقوله: ينبغي إلخ.
(قوله: بما ليس بقرآن) أي لأن الملحون ليس بقرآن.
(قوله: بلا ضرورة) متعلق بيتكلم.
أي يتكلم بذلك من غير احتياج إليه.
(قوله: وترك السورة جائز) كالتعليل لعدم ضرورة.
فكأنه قال: وإنما لم تكن هناك ضرورة إليه لأن ترك السورة جائز من أصله.
(قوله:
ومقتضى كلام الإمام) وهو أيضا مقتضى كلام ابن حجر كما علمت.
وقوله: الحرمة أي حرمة قراءة غير الفاتحة على من يلحن فيه لحنا يغير المعنى.
(قوله: وتسن) أي الآية.
(قوله: في الركعتين الأوليين) أي ولو من متنفل أحرم بأكثر من ركعتين، وذلك للاتباع في المكتوبات، وقيس بها غيرها.
(قوله: ولا تسن في الأخيرتين) أي في الرباعية، ولا في الأخيرة في الثلاثية.
وأما قراءته صلى الله عليه وسلم لها في غير الأوليين فهي لبيان الجواز.
(قوله: بأن لم يدرك الأوليين مع إمامه) تصوير للمسبوق، وأفاد به أن المراد به ما ذكر لا من لا يدرك مع الإمام زمنا يسع الفاتحة.
(قوله: فيقرؤها) أي الآية.
وقوله: فمن باقي صلاته أي في الثالثة والرابعة.
ونقل عن شرح العباب أنه يكرر السورة مرتين في ثالثة المغرب.
ح ل.
أي بأن أدرك الإمام في الثالثة ولم يتمكن من قراءة السورة معه فيها، وتركها في ثانيته أيضا، فإنه يسن له قراءة سورتين في ثالثته.
كما قالوا في صبح يوم الجمعة: لو ترك * (الم تنزيل) * في الأولى فإنه يسن له قراءتها مع * (هل أتى) * في الثانية.
اه
فيما أدركه، لان الامام إذا تحمل عنه الفاتحة فالسورة أولى.
ويسن أن يطول قراءة الاولى على الثانية، ما لم يرد نص بتطويل الثانية.
وأن يقرأ على ترتيب المصحف، وعلى التوالي، ما لم تكن التي تليها أطول ولو تعارض الترتيب، وتطويل الاولى كأن قرأ الاخلاص، فهل يقرأ الفلق نظرا للترتيب؟ أو الكوثر نظرا لتطويل الاولى؟ كل محتمل، والاقرب الاول.
قاله شيخنا في شرح المنهاج.
وإنما تسن قراءة الآية (ل) - لامام ومنفرد و (غير مأموم سمع) قراءة إمامه في الجهرية فتكره له.
وقيل: تحرم.
أما مأموم لم يسمعها، أو سمع صوتا لا يميز حروفه،
ــ
بجيرمي.
(قوله: إذا تداركه) أي وقت تدارك الباقي.
فإذا مجردة عن الشرطية.
(قوله: ولم يكن قرأها فيما أدركه) الواو للحال، وهو قيد لقوله فيقرؤها.
فإن قرأها فيه - بأن كان سريع القراءة والإمام بطيئها - فلا يقرؤها في باقي صلاته.
وفي شرح المهذب أن المدار على إمكان القراءة وعدمها، فمتى أمكنت القراءة ولم يقرأ، لا يقرأ في الباقي، لأنه مقصر بترك القراءة.
وفي كلام الشهاب عميرة: لو تركها عمدا في الأوليين فالظاهر تداركها في الأخيرتين.
واعتمد ح ف كلام شرح المهذب، وهو الذي اقتصر عليه زي.
اه بجيرمي بتصرف.
(قوله: ما لم تسقط عنه) مرتبط بيقرؤها.
فيقرأ الآية مدة عدم سقوطها عنه، فإن سقطت عنه لكونه مسبوقا فيما أدركه فلا يقرؤها في باقي صلاته.
ولو قال: ولم تسقط عنه، عطفا على ولم يكن الخ، لكان أولى.
(قوله: لأن الإمام إذا تحمل الخ) تعليل لاشتراط عدم سقوطها عنه.
ونظر فيه الشيخ عميرة بأن الإمام لا تسن له السورة في الأخيرتين فكيف يتحملها عن المأموم؟ وأجاب ح ل: بأن سقوطها عنه لسقوط متبوعها، وهو الفاتحة، لا لتحمل الإمام لها عنه.
وهذا الجواب واضح في سقوطها في الأولى التي سبق فيها.
وما صورة سقوطها في الركعتين الأوليين معا؟ وصورها بعضهم بما إذا اقتدى بالإمام في الثالثة وكان مسبوقا - أي لم يدرك زمنا يسع قراءة الفاتحة - للوسط المعتدل - ثم ركع مع إمامه، ثم حصل له عذر - كزحمة مثلا - ثم تمكن من السجود فسجد.
وقام من سجوده فوجد الإمام راكعا، فيجب عليه أن يركع معه وسقطت عنه الفاتحة في الركعتين، فكذلك تسقط عنه السورة تبعا.
اه بجيرمي ملخصا.
(قوله: ويسن أن يطول إلخ) أي للاتباع، ولأن النشاط فيها أكثر، فخفف في غيرها حذرا من
الملل.
(قوله: ما لم يرد نص بتطويل الثانية) وذلك كما في مسألة الزحام، فإنه يسن للإمام تطويل الثانية ليلحقه منتظر السجود، وكما في سبح وهل أتاك، في صلاة الجمعة والعيد، وكما في صلاة ذات الرقاع للإمام، فيستحب له التخفيف في الأولى والتطويل في الثانية حتى تأتي الفرقة الثانية.
(قوله: وأن يقرأ الخ) أي ويسن أن يقرأ.
(قوله: على ترتيب المصحف) أي بأن يقرأ الفلق ثم قل أعوذ برب الناس، فلو عكس كان خلاف الأولى.
وقوله: وعلى التوالي قال ع ش: فلو تركه، كأن قرأ في الأولى الهمزة والثانية لإيلاف قريش، كان خلاف الأولى، مع أنه على ترتيب المصحف.
ومنه يعلم أن ما يفعل الآن في صلاة التروايح من قراءة ألهاكم ثم سورة الإخلاص إلخ، خلاف الأولى أيضا لترك الموالاة وتكرير سورة الإخلاص.
اه.
(قوله: ما لم تكن التي تليها أطول) فإن كانت أطول كالأنفال وبراءة لم يكن تركه خلاف الأولى، لئلا تطول الثانية على الأولى، وهو خلاف السنة.
(قوله: وإلا قرب الأول) أي فيقرأ الفلق.
وقال البجيرمي: المعتمد أنه يقرأ في الثانية بعض سورة الفلق أقل من سورة الإخلاص، جمعا بين الترتيب وتطويل الأولى على الثانية.
(قوله: وإنما تسن قراءة الآية) دخول على المتن.
(قوله: وغير مأموم سمع قراءة إمامه) أما هو فلا يقرأ بل يستمع لقراءة إمامه، لقوله تعالى: * (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له) * الآية.
وقوله صلى الله عليه وسلم: إذا كنتم خلفي فلا تقرؤا إلا بأم القرآن.
حسن صحيح.
والاستماع مستحب.
وقيل: واجب.
وجزم به الفارقي في فوائد المهذب.
اه مغنى.
(قوله: في الجهرية) متعلق بسمع، ومقتضاه أنه إذا سمع قراءة إمامه في السرية بأن جهر بها، قرأ ولا يستمع.
وهو ما صححه في الشرح الصغير اعتبارا بالمشروع.
لكن الذي في الروضة - اقتضاء والمجموع تصريحا - اعتبار فعل الإمام، فعليه لا يقرأ بل يستمع.
أفاده في التحفة: (قوله: فتكره له) أي للمأموم، وذلك للنهي عن قراءتها خلفه.
(قوله: وقيل تحرم) قال في التحفة: واختير إن آذى غيره.
اه.
(قوله: أما مأموم الخ) مفهوم قوله: سمع الخ.
وقوله: لم يسمعها أو سمع صوتا
فيقرأ سرا.
لكن يسن له كما في أوليي السرية تأخير فاتحته عن فاتحة إمامه إن ظن إدراكها قبل ركوعه، وحينئذ يشتغل بالدعاء لا القراءة.
وقال المتولي، وأقره ابن الرفعة: يكره الشروع فيها قبله ولو في السرقة، للخلاف في
الاعتداد بها حينئذ، ولجريان قول بالبطلان إن فرغ منها قبله.
(فرع) يسن لمأموم فرغ من الفاتحة في الثالثة أو الرابعة، أو من التشهد الاول قبل الامام، أن يشتغل بدعاء فيهما، أو قراءة في الاولى وهي أولى.
(و) يسن للحاضر (في) صلاته (جمعة وعشائها) سورة (الجمعة والمنافقون أو سبح وهل أتاك و) في (صبحها) - أي الجمعة - إذا اتسع الوقت (آلم تنزيل) السجدة (وهل أتى.
ــ
لا يميز حروفه أي لبعده، أو لكونه به صمم وإن قرب.
(قوله: لكن يسن له) أي للمأموم المذكور.
ولا محل لهذا الاستدراك هنا لأن شرطه تقديم كلام يوهم ثبوت شئ أو نفيه، ولا إيهام في الكلام المتقدم، إذ هو في قراءة الآية بعد الفاتحة والاستدراك في قراءة الفاتحة.
فلو حذف أداة الاستدراك وقدم ما بعده وذكره في الفرع الذي قبيل الفائدة، بأن يقول: ويسن للمأموم الذي لم يسمع قراءة إمامه الفاتحة تأخير الخ، لكان أولى.
تأمل.
(قوله: كما في أوليي السرية) أي كما يسن له في أوليي السرية.
وقوله: تأخير نائب فاعل يسن.
(قوله: إن ظن إدراكها) أي الفاتحة.
فلو ظن أو علم أنه
لا يمكنه قراءة الفاتحة بعد تأمينه مع إمامه سن له أن يقرأها معه.
ولا يجب، كما في بشرى الكريم.
(قوله: وحينئذ يشتغل) أي حين إذ أخر فاتحته عن فاتحة الإمام يشتغل بالدعاء مدة قراءة الإمام الفاتحة.
وقوله: لا القراءة أي لا يشتغل بقراءة قرآن غير الفاتحة، قال في التحفة: لكراهة تقديم السورة على الفاتحة.
اه.
(قوله: يكره الشروع فيها) أي في الفاتحة.
وقوله: قبله أي الإمام.
(قوله: للخلاف في الاعتداد بها) أي بالفاتحة.
وقوله: حينئذ أي حين إذ شرع فيها قبله.
وظاهره عدم الاعتداد بها إذا شرع قبله، ولو تأخر فراغ فاتحته عن الإمام.
فانظره.
(قوله: ولجريان قول بالبطلان) أي بطلان الصلاة.
وظاهره البطلان ولو أعادها بعد.
وهو خلاف ما في المنهاج، ونصه مع التحفة: ولو سبق إمامه بالتحرم لم تنعقد صلاته، أو بالفاتحة أو التشهد بأن فرغ من أحدهما قبل شروع الإمام فيه لم يضره، ويجزئه الإتيان به في غير محله من غير فحش مخالفة.
وقيل: تجب إعادته مع فعل الإمام أو بعده، وهو الأولى.
فإن لم يعده بطلت لأن فعله مترتب على فعله فلا يعتد بما يسبقه به.
ويسن مراعاة هذا الخلاف، بل يسن ولو في أوليي السرية تأخير جميع فاتحته عن فاتحة الإمام إن ظن أنه يقرأ السورة.
اه.
وسيأتي للشارح في مبحث القدوة نظير ما فيهما، ونص عبارته هناك: وإن سبقه بالفاتحة أو التشهد، بأن فرغ من أحدهما قبل شروع الإمام فيه، لم يضر.
وقيل: تجب الإعادة مع فعل الإمام أو بعده، وهو أولى.
فعليه: إن لم يعده بطلت، ويسن مراعاة هذا الخلاف.
اه.
(قوله: يسن إلخ) نائب الفاعل أن يشتغل الخ.
(قوله: في الثالثة أو الرابعة) أي في الركعة الثالثة أو الركعة الرابعة.
(قوله: أو من التشهد) معطوف على من الفاتحة.
(قوله: قبل الإمام) متعلق بفرغ.
(قوله: أن يشتغل بدعاء) قال سم: الذي أفتى به شيخنا الشهاب الرملي، فيما إذا فرغ المأموم من التشهد الأول قبل الإمام، أنه يسن له الإتيان بالصلاة على الآل وتوابعها.
اه.
وقوله: فيهما أي في الثالثة أو الرابعة، وفي التشهد الأول.
(قوله: أو قراءة) أي أو يشتغل بقراءة.
وقوله: في الأولى أي الثالثة أو الرابعة بعد الفراغ من فاتحتها.
وقوله: وهي أولى أي القراءة فيها أولى من الدعاء.
(قوله: ويسن للحاضر) سواء كان منفردا أو إماما لمحصورين وغيرهم، لأن ما ورد يأتي به وإن طال ولم يرضوا به.
وخرج بالحاضر المسافر، وسيذكر ما يسن قراءته له.
وقوله: سورة الجمعة والمنافقون أي لما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ في عشاء ليلة الجمعة بالجمعة والمنافقون، وفي مغربها بالكافرون والإخلاص.
(وقوله: وفي صبحها الخ) أي ويسن في صبحها ما ذكر.
لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر يوم الجمعة: * (الم تنزيل) * في الركعة الأولى، وفي الركعة الثانية: * (هل أتى) * وتسن المداومة عليهما.
والقول بأنه يترك ذلك في بعض الأحيان - لئلا يعتقد العامة وجوبه - مخالف للوارد،
ويلزم عليه ترك أكثر السنن.
وقوله: إذا اتسع الوقت فإن ضاق الوقت أتى بسورتين قصيرتين، كما سيذكره.
وقوله:
و) في مغربها (الكافرون والاخلاص).
ويسن قراءتهما في صبح الجمعة وغيرها للمسافر، وفي ركعتي الفجر والمغرب والطواف والتحية والاستخارة والاحرام، للاتباع في الكل.
(فرع) لو ترك إحدى المعينتين في الاولى أتى بهما في الثانية، أو قرأ في الاولى ما في الثانية قرأ فيها ما في الاولى.
ولو شرع في غير السورة المعينة، ولو سهوا، قطعها وقرأ المعينة ندبا.
وعند ضيق وقت: سورتان قصيرتان أفضل من بعض الطويلتين المعينتين، خلافا للفارقي.
ولو لم يحفظ إلا إحدى المعينتين قرأها ويبدل الاخرى بسورة حفظها وإن فاته الولاء.
ولو اقتدى في ثانية صبح الجمعة مثلا، وسمع قراءة الامام * (هل أتى) *
ــ
الم تنزيل بضم اللام - على الحكاية - نائب فاعل يسن المقدر.
(قوله: وفي مغربها الخ) أي ويسن في مغرب الجمعة الكافرون والإخلاص.
(قوله: ويسن قراءتهما) أي الكافرون والإخلاص.
(وقوله: للمسافر) قال في التحفة لحديث فيه، وإن كان ضعيفا.
وورد أيضا أنه صلى الله عليه وسلم صلى في صبح السفر بالمعوذتين.
وعليه فيصير المسافر مخيرا بين ما في الحديثين، بل قضية كون الحديث الثاني أقوى، وإيثارهم التخفيف للمسافر في سائر قراءته، أن المعوذتين أولى.
اه.
وكتب ع ش ما نصه، قوله: للمسافر، هو شامل لما لو كان سائرا أو نازلا ليس متهيئا في وقت الصلاة للسير ولا متوقعا له.
ولو قيل: إذا كان نازلا كما ذكر، لا يطلب منه خصوص هاتين السورتين لاطمئنانه في نفسه.
لم يبعد.
اه.
(قوله: وفي ركعتي الفجر) أي ويسن قراءتهما في ركعتي الفجر، أي سنته.
وسيذكر الشارح في فصل صلاة النفل أنه ورد أيضا * (ألم نشرح) * و * (وألم تر) *.
وقوله: والمغرب إلخ أي وركعتي المغرب.
إلخ (قوله: للاتباع في الكل) دليل لسنيتهما في صبح الجمعة وغيرها للمسافر، وفي ركعتي الفجر وما عطف عليه.
(تنبيه) يسن قراءة قصار المفصل في المغرب، وطواله في الصبح، وقريب من الطوال في الظهر وأوساطه في العصر والعشاء.
والحكمة فيما ذكر: أن وقت الصبح طويل وصلاته ركعتان، فناسب تطويلها.
ووقت المغرب ضيق فناسب فيه القصار.
وأوقات الظهر والعصر والعشاء طويلة، ولكن الصلوات طويلة أيضا، فلما تعارضا رتب عليه التوسط في غير الظهر وفيها قريب من الطوال.
واختلف في طواله وأوساطه، فقال ابن معن: من الحجرات إلى عم.
ومنها إلى والضحى أوساطه، ومنها إلى آخر القرآن قصاره.
وجرى عليه المحلى، وم ر في شرح البهجة ووالده في شرح البهجة ووالده في شرح الزبد، واقتصر عليه في التحفة لكن مع التبري منه، فقال: على ما اشتهر.
وإلا صح أن طواله كقاف والمرسلات، وأوساطه كالجمعة، وقصاره كالعصر والإخلاص.
وفي البجيرمي ما نصه: وعبارة بعضهم تعرف الطوال من غيرها بالمقايسة، فالحديد وقد سمع مثلا طوال، والطور مثلا قريب من الطوال، ومن تبارك إلى الضحى أوساطه، ومن الضحى إلى آخره قصاره.
اه.
(قوله: لو ترك إحدى المعينتين) أي إحدى السورتين المعينتين بالنص.
(قوله: أتى بهما) أي بالمعينتين معا، وإن كان يلزم عليه تطويل الثانية على الأولى.
فإذا ترك في الركعة الأولى السجدة أتى بها، وبهل أتى في الركعة الثانية، لئلا
تخلو صلاته عنهما.
(قوله: أو قرأ في الأولى الخ) أي كأن قرأ فيها هل أتى، فيقرأ حينئذ في الثانية السجدة، لما مر.
(قوله: قطعها) أي غير المعينة.
وقوله: وقرأ المعينة أي محافظة على الوارد.
(قوله: وعند ضيق وقت) متعلق بأفضل بعده.
وقوله: سورتان قصيرتان أفضل هذا عن ابن حجر، وعند م ر بعضهما أفضل، وعبارته: ولو ضاق الوقت عن قراءة جميعها، قرأ ما أمكن منها ولو آية السجدة، وكذا في الأخرى يقرأ ما أمكنه من هل أتى، فإن قرأ غير ذلك كان تاركا للسنة.
قاله الفارقي وغيره، وهو المعتمد وإن نوزع فيه.
انتهت.
(قوله: خلافا للفارقي) عبارة المغني: قال الفارقي: ولو ضاق الوقت عنهما أتى بالممكن، ولو آية السجدة وبعض هل أتى على الإنسان.
اه.
(قوله: إلا إحدى المعينتين) أي كسبح مثلا.
(قوله: قرأها) أي إحدى المعينتين.
(قوله: ويبدل الأخرى) أي كهل أتاك.
(قوله: وإن فاته الولاء) أي كأن كان يحفظ بدل هل أتاك، والشمس، قرأها.
(قوله: مثلا) مرتبط بصبح الجمعة.
أي وكأن اقتدى به في ثانية صلاة
فيقرأ في ثانيته - إذا قام بعد سلام الامام - الم تنزيل.
كما أفتى به الكمال الرداد وتبعه شيخنا في فتاويه.
لكن قضية كلامه في شرح المنهاج أنه يقرأ في ثانيته إذا قام هل أتى، وإذا قرأ الامام غيرها قرأهما المأموم في ثانيته.
وإن أدرك الامام في ركوع الثانية فكما لو لم يقرأ شيئا فيقرأ السجدة وهل أتى في ثانيته.
كما أفتى به شيخنا.
(تنبيه) يسن الجهر بالقراءة لغير مأموم في صبح وأوليي العشاءين وجمعة، وفيما يقضي بين غروب
ــ
الجمعة وسمع قراءة الإمام هل أتاك فإنه يقرأ في ثانية نفسه سبح.
(قوله: فيقرأ في ثانيته) أي الركعة الثانية له.
(قوله: إذا قام) أي للثانية.
(قوله: الم تنزيل) مفعول يقرأ.
(قوله: كما أفتى به) أي بالمذكور من قراءة الم تنزيل في ثانيته إذا قام بعد سلام الإمام.
(قوله: وتبعه شيخنا في فتاويه) عبارته: سئل عمن اقتدى به في ثانية صبح الجمعة، هل يقرأ إذا قام لثانيته ألم تنزيل؟ أو هل أتى؟ أو غيرهما؟ فأجاب بقوله: يؤخذ حكم هذا من قولهم: لو ترك سورة الجمعة أو سبح في أولى الجمعة عمدا أو سهوا أو جهلا، وقرأ بدلها المنافقين أو الغاشية، قرأ الجمعة أو سبح في الثانية، ولا يعيد المنافقين أو الغاشية كي لا تخلو صلاته عنهما.
ولا نظر لتطويل الثانية على الأولى، لأن محله فيما لم يرد الشرع بخلافه كما هنا، إذ المنافقون والغاشية أطول من الجمعة وسبح.
اه.
فقضية هذا أنه إن قرأ في أولاه - التي مع الإمام بأن لم يسمع قراءته - هل أتى، قرأ في ثانيته ألم تنزيل، ولا يعيد هل أتى، ولو سمع قراءة الإمام في أولاه - أعني المأموم - فهو كقراءته.
فإن كان الإمام قرأ هل أتى قرأ المأموم في ثانيته ألم تنزيل، وإن كان قرأ غيرها قرأ المأموم ألم تنزيل وهل أتى لأن قراءة الإمام التي يسمعها المأموم بمنزلة قراءته.
فإن أدركه في ركوع الثانية فكما لو لم يقرأ شيئا فيقرأ ألم تنزيل وهل أتى في الثانية، أخذا من قولهم كيلا تخلو صلاته عنهما.
هذا ما يظهر من كلامهم.
اه بحذف.
(قوله: لكن قضية كلامه في شرح المنهاج إلخ) عبارته: فإن ترك ألم في الأولى أتى بهما في الثانية، أو قرأ هل أتى في الأولى قرأ ألم في الثانية، لئلا تخلو صلاته عنهما، انتهت.
وإذا تأملت علته مع قولهم إن السامع كالقارئ، وجدت قضية كلامه، هو ما أفتى به
الكمال الرداد وتبعه فيه ابن حجر في فتاويه، من أنه يقرأ في ثانيته السجدة، لأن سماعه لقراءة الإمام هل أتى بمنزلة قراءته إياها، فيبقى عليه قراءة السجدة، فيقرؤها في ثانيته إذا قام، لئلا تخلو صلاته عنهما.
تأمل.
(قوله: وإذا قرأ الإمام غيرها) أي غير هل أتى في الثانية.
(قوله: قرأهما) أي السجدة وهل أتى في ثانيته، لعدم سماعهما من الإمام حتى يكون بمنزلة القراءة.
(قوله: وإن أدرك الإمام في ركوع إلخ) تأمل هذا مع ما سبق من أن محل تداركه للسورة في باقي صلاته إذا لم تسقط عنه الفاتحة، لأن الإمام إذا تحمل الفاتحة فالسورة أولى، وإذا أدركه في الركوع فقد سقطت عنه الفاتحة، فمقتضاه أن السورة كذلك.
ولا يقرأ إلا سورة الركعة الثانية إذا تداركها.
(قوله: كما أفتى به شيخنا) قد علمته.
(قوله: يسن الجهر) أي ولو خاف الرياء.
قال ع ش: والحكمة في الجهر في موضعه: أنه لما كان الليل محل الخلوة ويطيب فيه السمر شرع الجهر فيه طلبا للذة مناجاة العبد لربه، وخص بالأوليين لنشاط المصلي فيهما.
والنهار لما كان محل الشواغل والاختلاط بالناس، طلب فيه الإسرار لعدم صلاحيته للتفرغ للمناجاة.
وألحق الصبح بالصلاة الليلية لأن وقته ليس محلا للشواغل.
(قوله: في صبح) متعلق بالجهر.
(قوله: وأوليي العشاءين) أي ويسن الجهر في الركعتين الأوليين من المغرب والعشاء، دون الركعة الثالثة من المغرب والأخيرتين من العشاء، فإنه يسر فيها.
فإن قيل: هلا طلب الجهر فيها لأنها من الصلاة الليلية؟.
أجيب: بأن ذلك رحمة لضعفاء الأمة، لأن تجلي الله على قلوبهم بالعظمة يزداد شيئا فشيئا فيكون في آخر الصلاة أثقل منه في أولها، ولذلك خفف في آخرها ما لم يخفف في أولها.
ولو ترك الجهر في أولتي ما ذكر لم يتداركه في الباقي، لأن السنة فيه الإسرار.
ففي الجهر تغيير صفته، بخلاف ما لو ترك السورة في الأوليين يتداركها في الباقي لعدم تغيير صفته.
(قوله: وفيما يقضي بين الخ) أي ولو كانت الصلاة سرية.
وأما فيما يقتضي بعد طلوع الشمس فيسر فيه، ولو كانت جهرية.
وذلك لأن العبرة بوقت القضاء لا الأداء على المعتمد.
إلا في صلاة العيدين فإنه يجهر بها مطلقا عملا بأصل أن القضاء يحكى الأداء، ولأن الشرع ورد بالجهر فيها في محل الإسرار، فيستصحب.
(قوله: وفي
الشمس وطلوعها، وفي العيدين - قال شيخنا: ولو قضاء - والتراويح ووتر رمضان وخسوف القمر.
ويكره للمأموم الجهر، للنهي عنه.
ولا يجهر مصل - وغيره - إن شوش على نحو نائم أو مصل، فيكره.
كما في المجموع.
وبحث بعضهم المنع من الجهر بقرآن أو غيره بحضرة المصلي مطلقا، لان المسجد وقف على المصلين - أي أصالة - دون الوعاظ والقراء، ويتوسط بين الجهر والاسرار في النوافل المطلقة ليلا (و) سن لمنفرد وإمام ومأموم (تكبير في كل خفض ورفع) للاتباع، (لا) في رفع (من ركوع)، بل يرفع منه قائلا:
سمع الله لمن حمده، (و) سن (مده) - أي التكبير - إلى أن يصل إلى المنتقل إليه، وإن فصل بجلسة
ــ
العيدين) أي ويسن الجهر في صلاة العيدين.
(قوله: قال شيخنا: ولو قضاء) أي يجهر في صلاة العيدين ولو كانت قضاء، لما علمت آنفا.
(قوله: والتراويح) أي ويسن الجهر في التراويح.
(قوله: ووتر رمضان) أو يسن الجهر في وتر رمضان، ولو لمنفرد، وإن لم يأت بالتروايح.
(قوله: وخسوف القمر) أي ويسن الجهر في خسوف القمر، بخلاف كسوف الشمس فيسن الإسرار فيها.
ويسن الجهر أيضا في صلاة الاستسقاء، سواء كانت ليلا أو نهارا، وفي ركعتي
الطواف ليلا أو وقت الصبح.
(قوله: ويكره للمأموم الخ) مفهوم قوله: لغير مأموم.
(قوله: للنهي عنه) أي عن الجهر خلف الإمام.
(قوله: ولا يجهر مصل وغيره) أي كقارئ وواعظ ومدرس.
(قوله: إن شوش على نحو نائم أو مصل) لفظ نحو، مسلط على المعطوف والمعطوف عليه، ونحو الثاني، الطائف والقارئ والواعظ والمدرس.
وانظر ما نحو النائم.
ويمكن أن يقال نحوه المتفكر في آلاء الله وعظمته، بجامع الاستغراق في كل.
وقوله: فيكره أي التشويش على من ذكر.
وقضية عبارته كراهة الجهر إذا حصل التشويش ولو في الفرائض، وليس كذلك لأن ما طلب فيه الجهر - كالعشاء - لا يترك فيه الجهر لما ذكر، لأنه مطلوب لذاته فلا يترك لهذا العارض.
أفاده ع ش.
(قوله: مطلقا) أي سواء شوش عليه أو لا.
(قوله: لأن المسجد الخ) هذه العلة تخصص المنع من الجهر مطلقا بما إذا كان المصلي يصلي في المسجد لا في غيره.
(قوله: ويتوسط بين الجهر والإسرار) أي إن لم يشوش على نائم أو نحو مصل، ولم يخف رياء، فإن شوش أو خاف رياء أسر.
واختلفوا في تفسير التوسط فقيل: هو أن يجهر تارة ويسر أخرى، وهو الأحسن.
وقال بعضهم: حد الجهر أن يسمع من يليه، والإسرار أن يسمع نفسه، والتوسط يعرف بالمقايسة بينهما.
كما أشار إليه قوله تعالى: * (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا) *.
(واعلم) أن محل ما ذكر من الجهر والتوسط في حق الرجل، أما المرأة والخنثى فيسران إن كان هناك أجنبي، وإلا كانا كالرجل، فيجهران ويتوسطان، ويكون جهرهما دون جهر الرجل.
(قوله: تكبير في كل خفض) أي لركوع أو سجود.
وقوله: ورفع أي من السجود، أو من التشهد الأول.
والحاصل: يسن كل ركعة خمس تكبيرات.
قال ناصر الدين: الحكمة في مشروعية التكبير في الخفض والرفع أن المكلف أمر بالنية أول الصلاة مقرونة بالتكبير، وكان من حقه أن يصحب النية إلى آخر الصلاة.
فأمر أن يجدد العهد في أثنائها بالتكبير الذي هو شعار النية.
اه.
(قوله: لا في رفع من ركوع) أي لا يسن التكبير في رفع رأسه من الركوع، ولو لثاني قيام كسوف.
(قوله: بل يرفع منه) أي من الركوع.
(قوله: قائلا سمع الله لمن حمده) أي حال كونه قائلا ذلك، ويكون عند ابتداء الرفع من الركوع.
وأما عند انتصابه فيسن ربنا لك الحمد.
والسبب في سن سمع الله لمن حمده: أن الصديق رضي الله عنه ما فاتته صلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قط، فجاء يوما وقت صلاة العصر فظن أنه فاتته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاغتم بذلك وهرول ودخل المسجد فوجده صلى الله عليه وسلم مكبرا في الركوع، فقال: الحمد لله.
وكبر خلفه صلى الله عليه وسلم.
فنزل جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم في الركوع، فقال يا محمد، سمع الله لمن حمده.
وفي رواية: اجعلوها في صلاتكم.
فقال:
الاستراحة.
(و) سن (جهر به) - أي بالتكبير - للانتقال كالتحرم (لامام) وكذا مبلغ احتيج إليه، لكن إن نوى الذكر أو والاسماع، وإلا بطلت صلاته.
كما قال شيخنا في شرح المنهاج.
قال بعضهم: إن التبليغ بدعة منكرة، باتفاق الائمة الاربعة، حيث بلغ المأمومين صوت الامام.
(وكره) أي الجهر به.
(لغيره) من منفرد ومأموم.
(و) خامسها: (ركوع بانحناء بحيث تنال راحتاه) وهما ما عدا الاصابع من الكفين، فلا يكفي وصول
ــ
عند الرفع من الركوع، - وكان قبل ذلك يركع بالتكبير ويرفع به - فصارت سنة من ذلك الوقت ببركة الصديق رضي الله عنه.
اه بجيرمي.
(قوله: وسن مده) أي مد لام لفظ الجلالة فيه، للاتباع، ولئلا يخلو جزء من صلاته عن الذكر.
وقوله: أي التكبير تفسير للضمير.
ومثله: سمع الله لمن حمده.
فيمده إلى الانتصاب.
ولو قال أي الذكر لشملها.
(قوله: إلى المنتقل إليه) أي إلى الركن الذي ينتقل الشخص إليه.
(قوله: وإن فصل بجلسة الاستراحة) أي يسن المد إلى ما ذكر، وإن فصل بين الركن المنتقل عنه والركن المنتقل إليه بجلسة الاستراحة.
قال الكردي: وفي الأسنى والمغني: لا نظر إلى طول المد.
وكذلك أطلق الشارح في شروح العباب والإرشاد، وشيخ الإسلام في شرح البهجة، والشهاب الرملي في شرح الزبد، وسم العبادي في شرح أبي شجاع.
قال في التحفة: لكن بحيث لا يتجاوز سبع ألفات إلخ، فيحمل ذلك الإطلاق على هذا التقييد.
(قوله: كالتحرم) أي كما يسن جهر في التكبير للتحرم.
(قوله: لإمام) متعلق بجهر، أي سن جهر به لإمام.
(قوله: وكذا مبلغ) أي ويسن جهر لمبلغ أيضا كالإمام.
فاسم الفاعل يقرأ بالجر عطف على إمام، والجار والمجرور قبله حال منه مقدمة عليه.
ويصح قراءته بالرفع على أنه مبتدأ مؤخر، والجار والمجرور خبر مقدم.
(وقوله: احتيج إليه) أي إلى المبلغ.
بأن لم يسمع المأمومون صوت الإمام.
(قوله: لكن الخ) كالتقييد لسنية الجهر به للإمام والمبلغ.
وقوله: إن نوى الذكر أي فقط.
وقوله: أو والإسماع أي أو نوى الذكر مع الإسماع.
(قوله: وإلا) أي بأن نوى الإسماع فقط، أو لم ينو شيئا.
وقوله: بطلت صلاته لأن عروض القرينة أخرجه عن موضوع الذكر إلى أن صيره من قبيل كلام الناس.
(قوله: قال بعضهم إلخ) من كلام شيخه في شرح المنهاج، خلافا لما توهمه العبارة.
ونص كلامه: بل قال بعضهم إن التبليغ بدعة منكرة باتفاق الأئمة الأربعة حيث بلغ المأمومين صوت الإمام، لأن السنة في حقه حينئذ أن يتولاه بنفسه.
ومراده بكونه بدعة منكرة أنه مكروه، خلافا لمن وهم فيه فأخذ منه أنه لا يجوز.
اه.
(قوله: أي الجهر به) أي بالتكبير.
وقوله: لغيره أي الإمام.
وقوله: من منفرد بيان للغير.
وقوله: ومأموم أي غير مبلغ احتيج إليه، كما علم مما مر.
(قوله: وخامسها) أي خامس أركان الصلاة.
وقوله: ركوع أي لقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا اركعوا) * الآية، ولخبر المسئ صلاته.
وهو لغة: الانحناء.
وشرعا: انحناء خاص، وهو ما ذكره بقوله: بانحناء بحيث إلخ.
وقيل: معناه لغة: الخضوع.
وهو من خصائص هذه الأمة، فإن الأمم السابقة لم يكن في صلاتهم ركوع.
وأما قوله تعالى: * (واركعي مع الراكعين) * فمعناه: صلي مع المصلين.
من باب إطلاق اسم
الجزء على الكل.
كذا قيل.
ونظر فيه بأنه إذا لم يكن في صلاتهم ركوع فكيف يقال بأنه من إطلاق الجزء وإرادة الكل مع أنه لم يكن الركوع جزءا من صلاتهم؟ فالأحسن التأويل بأن المراد: اخضعي مع الخاضعين، كما هو المعنى اللغوي على القول الثاني.
(قوله: بانحناء) أي ويتحقق الركوع بانحناء، أي خالص عن الانخناس، وهو أن يخفض عجيزته ويرفع أعلاه ويقدم صدره، وإلا بطلت وقوله: بحيث تنال إلخ أي يقينا.
قال في النهاية: فلو شك هل انحنى قدرا تصل به راحتاه ركبتيه لزمته إعادة الركوع لأن الأصل عدمه.
اه.
(قوله: وهما) أي الراحتان.
(قوله: من الكفين) بيان لما.
(قوله: فلا يكفي) تفريع على تعريف الراحتين بما ذكر.
قال في المغني: وظاهر تعبيره بالراحة - وهي بطن الكف - أنه
الاصابع (ركبتيه) لو أراد وضعهما عليهما عند اعتدال الخلقة.
هذا أقل الركوع.
(وسن) في الركوع (تسوية ظهر وعنق) بأن يمدهما حتى يصيرا كالصفيحة الواحدة، للاتباع.
(وأخذ ركبتيه) مع نصبهما وتفريقهما (بكفيه) مع كشفهما وتفرقة أصابعهما تفريقا وسطا (وقول سبحان ربي العظيم وبحمده، ثلاثا) للاتباع.
وأقل التسبيح فيه وفي السجود مرة، ولو بنحو سبحان الله، وأكثره إحدى عشرة.
ويزيد من مر ندبا: اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت.
خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وشعري وبشري، وما استقلت به قدمي - أي جميع جسدي - لله رب العالمين.
ويسن فيه وفي السجود: سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر
ــ
لا يكتفي بالأصابع.
وهو كذلك، وإن كان مقتضى كلام التنبيه الاكتفاء بها.
اه.
وقوله: ركبتيه مفعول تنال.
(قوله: لو أراد وضعهما) أي الراحتين.
وقوله: عليهما أي الركبتين.
وجواب لو محذوف، أي لوصلتا.
وأتى بذلك لئلا يتوهم أنه لا بد من وضعهما بالفعل.
(قوله: عند اعتدال الخلقة) متعلق بتنال، أي تنال مع كونه معتدل الخلقة، فإن لم يكن معتدل الخلقة، كأن كان قصير اليدين أو طويلهما، قدر معتدلا.
وعبارة التحفة: فلا نظر لبلوغ راحتي طويل اليدين، ولا أصابع معتدلهما، وإن نظر فيه الأسنوي، ولا لعدم بلوغ راحتي القصير.
اه.
(قوله: هذا) أي انحناؤه بحيث إلخ.
هو أقل الركوع: أي وأما أكمله فما ذكره بعد بقوله: وسن في الركوع تسوية إلخ.
(قوله: وسن في الركوع إلخ) بيان لأكمل الركوع، وكان الأنسب للشارح أن يقول بعده: وهذا أكمل الركوع.
(قوله: تسوية ظهر وعنق) أي ورأس.
والاضافة من إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل، أي تسوية الراكع ظهره وعنقه ورأسه، سواء كان ذكرا أو أنثى أو خنثى، وهذا في ركوع القائم.
أما القاعد فأقل الركوع في حقه محاذاة جبهته ما أمام ركبتيه، وأكمله محاذاتها محل سجوده.
وقوله: بأن يمدهما تصوير للتسوية وبيان لضابطها.
وقوله: كالصفيحة الواحدة أي كاللوح الواحد الذي لا اعوجاج فيه.
(قوله: وأخذ ركبتيه) أي وسن أخذ ركبتيه، أي قبضهما بالفعل، للاتباع.
والأقطع يرسل يديه إن كان مقطوعهما، أو يرسل إحداهما إن كان مقطوع واحدة.
ومثل الأقطع قصير اليدين.
(قوله: مع نصبهما) أي الركبتين، ويلزم من نصبهما نصب ساقيه وفخذيه.
قال البجيرمي: والظاهر أن في تعبيره بنصب الركبتين تسمحا لأن الركبة لا تتصف بالانتصاب وإنما يتصف به الفخذ والساق، لأن الركبة موصل طرفي الفخذ والساق.
اه.
(قوله: وتفريقهما) أي قدر شبر.
(قوله: بكفيه) متعلق بأخذ.
(قوله: مع كشفهما) أي الكفين.
(قوله: وتفرقة أصابعهما) أي لجهة القبلة لأنها أشرف الجهات.
قال ابن
النقيب: ولم أفهم معناه.
قال الولي العراقي: احترز بذلك عن أن يوجه أصابعه إلى غير جهة القبلة من يمنة أو يسرة.
اه مغني.
وقوله: تفريقا وسطا قال ع ش: واعتبر في التفريق كونه وسطا لئلا يخرج بعض الأصابع عن القبلة.
اه.
(قوله: وقول سبحان) أي وسن في الركوع قول إلخ.
وقوله: العظيم أي الكامل ذاتا وصفات.
وأما الجليل: فهو الكامل صفات.
والكبير: الكامل ذاتا.
قاله الفخر الرازي.
وقوله: وبحمده أي وسبحته حال كوني متلبسا بحمده.
فالواو للعطف أو زائدة.
(قوله: وأقل التسبيح فيه) أي الركوع.
يعني أن أصل السنة فيه يحصل بمرة.
وأدنى الكمال ثلاث، ثم خمس، ثم سبع، ثم تسع، ثم إحدى عشرة وهو الأكمل للمنفرد وإمام محصورين بشرطهم.
أما إمام غيرهم فلا يزيد على الثلاث، أي يكره له ذلك للتخفيف على المقتدين.
كذا في شرح الرملي (قوله: ويزيد من مر) أي المنفرد، وإمام محصورين بشرطهم.
(قوله: لك ركعت إلخ) قدم الظرف في الثلاث الأول لأن فيها ردا على المشركين حيث كانوا يعبدون معه غيره، وأخره في قوله: خشع لك، لأن الخشوع ليس من العبادات التي ينسبونها إلى غيره حتى يرد عليهم فيها.
اه ع ش.
(قوله: خشع الخ) قال البجيرمي: يقول ذلك وإن لم يكن متصفا بذلك لأنه متعبد به.
وفاقا ل م ر.
وقال حجر: ينبغي أن يتحرى الخشوع عند ذلك وإلا يكن لئلا يكون كاذبا ما لم يرد أنه بصورة من هو كذلك.
اه.
(قوله: ومخي) في المصباح: المخ: الودك الذي في العظم.
وخالص كل شئ مخه.
وقد يسمى الدماغ مخا.
اه.
(قوله: وما استقلت به) أي حملته.
وهو من ذكر الكل بعد الجزء.
وقوله: قدمى مفرد مضاف لا مثنى، وإلقال قدماي.
ولا يقال إن الألف تقلب ياء عند هذيل، فهو مثنى والياء مشددة، لأنا نقول ذاك خاص بالمقصور عندهم.
كما قال إبن مالك.
لي.
ولو اقتصر على التسبيح أو الذكر فالتسبيح أفضل، وثلاث تسبيحات مع اللهم لك ركعت إلى آخره أفضل من زيادة التسبيح إلى إحدى عشرة.
ويكره الاقتصار على أقل الركوع والمبالغة في خفض الرأس عن الظهر فيه.
ويسن لذكر أن يجافي مرفقيه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، في الركوع والسجود.
ولغيره أن يضم فيهما بعضه لبعض.
(تنبيه) يجب أن لا يقصد بالهوي للركوع غيره، فلو هوي لسجود تلاوة فلما بلغ حد الركوع جعله ركوعا لم يكف، بل يلزمه أن ينتصب ثم يركع، كنظيره من الاعتدال والسجود والجلوس بين السجدتين.
ولو شك غير مأموم وهو ساجد هل ركع؟ لزمه الانتصاب فورا ثم الركوع، ولا يجوز له القيام راكعا.
ــ
وألفا سلم وفي المقصور عن هذيل انقلابها ياء حسن وقوله: أي جميع جسدي بيان لما هو مراد من قوله: وما استقلت به قدمي.
وقوله: لله رب العالمين بدل من قوله: لك.
أو خبر عن ما في قوله: وما استقلت.
وهو أولى، لما يلزم على الأول من إبدال الظاهر من الضمير من غير إفادة إحاطة أو بعض أو اشتمال، وهو لا يصح.
كما قال في الخلاصة: ومن ضمير الحاضر الظاهر لا تبدله إلا ما إحاطة جلا أو اقتضى بعضا أو اشتمالا (قوله: ويسن فيه وفي السجود الخ) قال ع ش: وينبغي أن يكون ذلك قبل الدعاء لأنه أنسب بالتسبيح، وأن يقوله
ثلاثا.
اه.
(قوله: ولو اقتصر الخ) أي ولو أراد الاقتصار على واحد منهما فالتسبيح أولى.
(قوله: وثلاث تسبيحات) مبتدأ خبره أفضل.
(قوله: مع اللهم الخ) أي مع الإتيان بما ذكر.
وقوله: أفضل من زيادة الخ أي لأن فيه جمعا بين سنتين، بخلاف ما لو اقتصر على الأكمل.
(قوله: والمبالغة إلخ) أي وتكره المبالغة في خفض رأسه عن ظهره، وهذا مفهوم التسوية المارة.
وقوله: فيه أي في الركوع.
(قوله: ويسن لذكر أن يجافي مرفقيه الخ) أي إن يرفع مرفقيه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وذلك للاتباع.
ويستثنى العاري فالأفضل له الضم.
(قوله: ولغيره الخ) أي ويسن لغيره - أي الذكر - من امرأة وخنثى: الضم، وذلك لأنه أستر لها وأحوط له.
(قوله: يجب أن لا يقصد بالهوي للركوع غيره) أي غير الركوع، بأن يهوي بقصد الركوع وحده أو مع غيره، أو لا بقصد شئ.
(قوله: فلو هوي لسجود تلاوة) أي أو لقتل نحو حية.
(قوله: فلما بلغ) أي وصل حد الركوع ولو أقله.
(قوله: جعله ركوعا) أي قصد أن يجعل هذا الحد الذي انتهى إليه عن الركوع الواجب عليه.
(قوله: لم يكف) جواب لو، أي لم يغن عن الركوع لوجود الصارف.
واختلف فيما لو قرأ إمامه آية سجدة ثم ركع عقبها، فظن المأموم أنه هوي لسجدة التلاوة فهوى لذلك معه، فرآه لم يسجد فوقف عن السجود.
فقال الجمال الرملي: الأقرب أنه يحسب له هذا عن الركوع، ويغتفر ذلك للمتابعة.
وقال ابن حجر: رجح شيخنا زكريا أنه يعود للقيام ثم يركع.
وهو أوجه.
اه.
(قوله: بل يلزمه إلخ) إضراب انتقالي لا إبطالي.
وقوله: أن ينتصب أي أن يرجع لما كان عليه من قيام أو جلوس.
(قوله: كنظيره) أي الركوع.
أي فيشترط فيه ما اشترط في الركوع من أنه لا يقصد به غيره.
وقوله: من الاعتدال الخ بيان لذلك النظير، أي فلو رفع رأسه من الركوع فزعا من شئ، لم يكف عن الاعتدال لوجود الصارف، أو سقط من الاعتدال على وجهه لم يكف عن السجود لما ذكر.
أو رفع رأسه من السجود فزعا من شئ لم يكف عن الجلوس لما ذكر أيضا.
(قوله: ولو شك غير مأموم) أي من إمام ومنفرد، أما المأموم فإنه يأتي بعد سلام الإمام بركعة ولا يعود له، كما سيذكره فيما إذا شك في إتمام الاعتدال.
(قوله: وهو ساجد) أي شك في حال سجوده.
(قوله: هل ركع) أي أو لا.
(قوله: لزمه الانتصاب فورا) فإن مكث ليتذكر بطلت صلاته.
كما يأتي في نظيره في الاعتدال.
(قوله: ثم الركوع) أي ثم بعد الانتصاب يلزمه الركوع.
(قوله: ولا يجوز له القيام راكعا) أي
(و) سادسها (اعتدال) ولو في نفل، على المعتمد.
ويتحقق (بعود) بعد الركوع (لبدء) بأن يعود لما كان عليه قبل ركوعه، قائما كان أو قاعدا.
ولو شك في إتمامه عاد إليه غير المأموم فورا وجوبا وإلا بطلت صلاته.
والمأموم يأتي بركعة بعد سلام إمامه.
(ويسن أن يقول في رفعه) من الركوع (سمع الله لمن حمده) أي تقبل منه حمده، والجهر به لامام ومبلغ لانه ذكر انتقال.
(و) أن يقول (بعد انتصاب) للاعتدال: (ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الارض وملء ما شئت من شئ بعد) أي بعدهما، كالكرسي والعرش.
وملء بالرفع صفة، وبالنصب حال.
أي مالئا بتقدير كونه جسما، وأن يزيد من مر: أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد، وكلنا لك
ــ
لا يجوز له أن ينتصب إلى حد الركوع فقط.
قال في التحفة: وإنما لم يحسب هويه عن الركوع لأنه صرف هويه المستحق للركوع إلى أجنبي عنه في الجملة، إذ لا يلزم من السجود من قيام وجود هوى الركوع.
اه بتصرف.
(قوله: وسادسها)
أي أركان الصلاة.
(قوله: اعتدال) أي لقوله صلى الله عليه وسلم: ثم ارفع حتى تعتدل قائما.
(قوله: ولو في نفل، على المعتمد) مقابله يقول: لا يجب الاعتدال في النافلة.
ومثله فيها الجلوس بين السجدتين.
(قوله: ويتحقق) أي الاعتدال شرعا بما ذكر، أما لغة: فهو الاستقامة والمماثلة ونحوهما.
(قوله: بأن يعود إلخ) تصوير لعوده لبدء وقوله: لما كان عليه قبل ركوعه يؤخذ منه أنه لو صلى نفلا قاعدا مع القدرة، فركع وهو قائم واعتدل وهو جالس، لم يكف لأنه لم يعد لما كان عليه قبل.
(قوله: قائما كان أو قاعدا) الأولى أن يقول بدله: من قيام أو قعود.
ويكون بيانا لما.
(قوله: ولو شك في إتمامه) أي الاعتدال، أي بأن شك بعد السجود هل اطمأن فيه أم لا؟ فيجب عليه حينئذ العود.
حالا.
(قوله: والمأموم الخ) محترز قوله غير المأموم.
(قوله: أي تقبل منه حمده) فالمراد سمعه سماع قبول لا رد، ويكون بمعنى الدعاء، كأنه قيل: اللهم تقبل حمدنا.
فاندفع ما يقال أن سماع الله مقطوع به فلا فائدة في الإخبار به.
اه بجيرمي.
(وقوله: والجهر به) أي ويسن الجهر بسمع الله لمن حمده، لكن بالشرط السابق، وهو نية الذكر وحده أو مع الإسماع.
(قوله: ومبلغ) أي احتيج إليه، كما مر.
(قوله: لأنه) أي ما ذكر من سمع الله إلخ.
وقوله: ذكر انتقال أي وهو يسن فيه الجهر لمن ذكر.
(قوله: وإن يقول الخ) أي ويسن أن يقول بعد انتصاب: ربنا لك الحمد.
وهو أفضل الصيغ.
ويندب أن يزيد: حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، لما روي عن رفاعة بن رافع قال: كنا نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رأسه من الركعة قال: سمع الله لمن حمده.
فقال رجل وراءه: ربنا لك الحمد، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه.
فلما انصرف قال: من المتكلم آنفا؟ قال: أنا.
قال: رأيت بضعة وثلاثين يبتدرونها أيهم يكتبها أول.
وفي رواية: يتسابق إليها ثلاثون ملكا يكتبون ثوابها لقائلها.
(قوله: وملء ما شئت من شئ بعد) أي وملء شئ شئت أن تملأه بعد السموات والأرض، أي غيرهما.
وقوله: كالكرسي والعرش تمثيل له.
وقد ورد أن: السموات بالنسبة للكرسي كحلقة ملقاة في أرض فلاة، وكذا كل سماء بالنسبة للأخرى.
(قوله: وملء بالرفع صفة) أي للحمد.
يصح أن يكون خبر مبتدأ محذوف.
وقوله: وملء بالنصب حال أي من الحمد أيضا.
وفيه أنه معرفة، والحال لا تكون إلا نكرة غالبا.
وأيضا ملء مصدر، ومجيئه حالا سماعي.
(قوله: أي مالئا) التفسير به على أنه حال وعلى أنه صفة، يقال: مالئ بالرفع.
(قوله: بتقدير كونه حسما) هذا جواب عما يقال: الحمد من المعاني، فكيف يكون مالئا للسموات والأرض؟ وحاصل الجواب أنه يقدر كونه جسما.
قال القليوبي: أي من نور.
كما أن السيآت تقدر جسما من ظلمة.
ولا بد من ذلك التقدير على أنه صفة أيضا.
اه.
والمعنى عليه: نثني عليك ثناء لو كان مجسما لملأ السموات والأرض وما بعدهما.
(قوله: وأن يزيد من مر) أي المنفرد وإمام قوم
محصورين.
(قوله: أهل الثناء والمجد) أي يا أهل المدح والعظمة، فهو منصوب على النداء.
ويصح أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف، أي أنت أهل الثناء والمجد.
(قوله: أحق ما قال العبد) هو مبتدأ خبره قوله: لا مانع لما أعطيت.
وجملة: وكلنا لك عبد، اعتراضية.
قال في النهاية: ويحتمل، كما قاله ابن الصلاح، كون أحق خبرا لما قبله وهو ربنا
عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
(و) سن (قنوت بصبح) أي في اعتدال ركعته الثانية، بعد الذكر الراتب على الاوجه، وهو إلى من شئ بعد (و) اعتدال آخره (وتر نصف أخير من رمضان) للاتباع، ويكره في النصف الاول، كبقية السنة.
(وبسائر مكتوبة) من الخمس في اعتدال الركعة الاخيرة، ولو مسبوقا قنت مع إمامه (لنازلة) نزلت بالمسلمين.
ولو واحدا تعدى نفعه - كأسر العالم أو الشجاع -
ــ
لك الحمد إلخ.
أي هذا الكلام أحق الخ.
يعني أنه خبر لمبتدأ محذوف يدل عليه ما قبله.
(قوله: لا مانع) بترك التنوين فيه، وفي معطي بعده، مع أنهما من قبيل الشبيه بالمضاف لأنهما عاملان فيما بعدهما، وهو مشكل على مذهب البصريين الموجبين تنوين الشبيه بالمضاف.
وقد يجاب بمنع عملهما فيما بعدهما ويقدر له عامل.
أي لا مانع يمنع لما أعطيت، ولا معطي يعطي لما منعت.
واللام فيهما زائدة للتقوية، وعليه يكونان مبنيان على الفتح.
والمعنى على كل: أنه لا أحد يمنع الشئ الذي أعطيته يا الله لأحد من عبيدك، ولا أحد يعطي الشئ الذي منعته من أحد من عبيدك.
- وهذا مقتبس من قوله تعالى: * (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده) *.
وينبغي للعبد أن لا يحجبه المنع والعطاء عن مولاه، لقول ابن عطاء رضي الله عنه: ربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك.
أي ربما أعطاك شيئا من الدنيا ولذتها فمنعك التوفيق بطاعته والإقبال عليه والفهم عنه، وربما منعك من الأول فأعطاك الثاني.
(قوله: ولا ينفع ذا الجد) بفتح الجيم في الموضعين، بمعنى الغنى والحظ أو النسب.
وقوله: منك أي عندك.
وقوله: الجد فاعل ينفع.
والمعنى: لا ينفع صاحب الغنى أو الحظ أو النسب ذلك، وإنما ينفعه عندك رضاك عنه.
وروي بالكسر فيهما، بمعنى الاجتهاد.
وقيل: إن فاعل ينفع ضمير مستتر يعود على العطاء المفهوم من معطي، وذا الجد منادى حذف منه ياء النداء، ومنك الجد مبتدأ أو خبر.
والمعنى عليه: ولا ينفع عطاؤه لو أعطى كما لا يضر منعه يا صاحب الجد، أي الغنى، الجد كائن منك لا من غيرك.
(قوله: وسن قنوت بصبح) أي لما صح أنه صلى الله عليه وسلم ما زال يقنت حتى فارق الدنيا.
والقنوت لغة: الدعاء بخير أو شر.
وشرعا: ذكر مخصوص مشتمل على دعاء وثناء.
(قوله: أي في اعتدال الخ) أفاد به أن الباء بمعنى في، وأن في الكلام حذفا تقديره ما ذكر.
وإنما اختص القنوت بالصبح لشرفها، مع قصرها، فكانت بالزيادة أليق، ولأنها خاتمة الصلوات التي صلاها جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم عند البيت، والدعاء يستحب في الخواتيم.
وإنما اختص باعتداله لما صح - من أكثر الطرق - أنه صلى الله عليه وسلم فعله للنازلة بعد الركوع، فقسنا عليه هذا.
وجاء بسند حسن أن أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كانوا يفعلونه بعد الركوع.
فلو قنت شافعي قبله لم يجزه ويسجد للسهو.
(قوله:
بعد الذكر الراتب) متعلق بقنوت أو بسن.
(قوله: وهو إلى من شئ بعد) أي الذكر الراتب من سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد إلى من شئ بعد، ففي الكلام حذف معلوم من المقام.
قال الكردي: واعتمد هذا في التحفة وشرحي الإرشاد، واعتمد في الإيعاب أنه لا يزيد على سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد.
وقال الجمال الرملى في النهاية: يمكن حمل الأول على المنفرد وإمام من مر، والثاني على خلافه.
اه.
وبه يجمع بين الكلامين.
اه.
(قوله: واعتدال الخ) معطوف على بصبح، أي وسن قنوت في اعتدال إلخ.
وقوله: آخره بلا تنوين مضاف لوتر، وهو أيضا مضاف إلى نصف.
وقوله: أخير صفة للنصف.
(وقوله: من مضان) صفة ثانية له، أو متعلق بأخير.
(قوله: للاتباع) راجع لقنوت الصبح وما بعده.
(قوله: ويكره) أي القنوت.
(قوله: كبقية السنة) أي ككراهته في اعتدال آخر الوتر بقية السنة، ولا يحرم وإن طال.
ولا تبطل به الصلاة عند ابن حجر.
(قوله: وبسائر مكتوبة) أي وسن أيضا القنوت في باقي المكتوبات، لما صح أنه صلى الله عليه وسلم قنت شهرا يدعو على قاتلي أصحابه القراء ببئر معونة.
ويقاس بالعدو غيره.
(قوله: في اعتدال الركعة الأخيرة) متعلق بقنوت مقدرا.
(قوله: ولو مسبوقا) غاية لسنيته في الركعة الأخيرة.
وقوله: قنت مع إمامه صفة لمسبوقا.
(قوله: لنازلة) أي لرفعها، ولو لغير من نزلت به، فيسن لأهل ناحية لم تنزل بهم فعل ذلك لمن نزلت به.
اه
وذلك للاتباع، وسواء فيها الخوف ولو من عدو مسلم، والقحط والوباء.
وخرج بالمكتوبة النفل - ولو عيدا - والمنذورة، فلا يسن فيهما.
(رافعا يديه) حذو منكبيه ولو حال الثناء، كسائر الادعية، للاتباع، وحيث دعا لتحصيل شئ، كدفع بلاء عنه في بقية عمره، جعل بطن كفيه إلى السماء.
أو لرفع بلاء وقع به جعل ظهرهما إليها.
ويكره الرفع لخطيب حالة الدعاء، (بنحو: اللهم اهدني فيمن هديت، إلى آخره) أي وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، أي معهم لا ندرج في سلكهم.
وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت فإنك
ــ
بجيرمي.
(قوله: ولو واحدا) غاية لمقدر، أي أو بعضهم ولو كان واحدا.
وعبارة المنهج القويم: نزلت بالمسلمين أو بعضهم.
اه.
(قوله: كأسر العالم أو الشجاع) تمثيل للمتعدي نفعه الذي نزلت به النازلة.
(قوله: وذلك) أي سنية قنوت النازلة.
وقوله للاتباع هو ما مر قريبا.
(قوله: وسواء فيها) أي النازلة.
(قوله: ولو من عدو مسلم) غاية لمقدر، أي من كل عدو ولو من عدو مسلم.
(قوله: والقحط) هو احتباس المطر، والوباء هو كثرة الموت من غير طاعون، وبعضهم فسره به.
(قوله: وخرج بالمكتوبة النفل) أي وصلاة الجنازة.
(قوله: ولو عيدا) أي ولو كان النفل عيدا، أي ونحوه من كل ما تسن فيه الجماعة.
(قوله: فلا يسن) أي قنوت النازلة.
أي: ولا يكره، كما نص عليه في التحفة، ونصها: أما غير المكتوبات، فالجنازة يكره فيها مطلقا لبنائها على التخفيف، والمنذورة والنافلة التي تسن فيها الجماعة وغيرهما لا يسن فيها، ثم إن قنت فيها لنازلة لم يكره، وإلا كره.
وقول جمع: يحرم، وتبطل في النازلة.
ضعيف، وكذا قول بعضهم: تبطل إن أطال.
لإطلاقهم كراهة القنوت في الفرائض وغيرها لغير النازلة، المقتضى أنه لا فرق بين طويله وقصيره.
(قوله: رافعا يديه) حال من محذوف معلوم من المقام وهو القانت.
أي حال كونه رافعا يديه - أي إلى جهة
السماء - مكشوفتين.
(قوله: ولو حال الثناء) غاية لسنية رفع يديه حذو منكبيه، أي يسن رفعهما ولو في حال إتيانه بالثناء، وهو قوله: فإنك تقتضي إلخ.
(قوله: للاتباع) دليل لسنية رفع اليدين.
(قوله: وحيث دعا إلخ) حيث ظرف متعلق بجعل بعده.
وقوله: لتحصيل شئ متعلق بدعا، واللام فيه بمعنى الباء، أي طلب من الله تحصيل شئ.
والمراد بالشئ ما كان خيرا.
وقوله: كدفع بلاء الخ يحتمل أنه تنظير، ويحتمل أنه تمثيل للشئ الذي طلب تحصيله.
وقوله: في بقية عمره أي في المستقبل.
(قوله جعل بطن الخ) أي سن له ذلك.
(قوله: أو لرفع بلاء وقع به) اللام بمعنى الباء أيضا، أي وحيث طلب من الله رفع بلاء حل به بالفعل.
وقوله: جعل ظهرهما إليها أي يسن له ذلك.
وقضيته أنه يجعل ظهرهما إلى السماء عند قوله: وقنا شر ما قضيت.
وهو كذلك عند الجمال الرملي، وأفتى والده بأنه لا يسن ذلك لأن الحركة في الصلاة ليست مطلوبة.
ورد بأن محله فيما لم يرد، وقد ورد ما ذكر.
والحكمة في جعل ظهرهما إليها عند ذلك أن القاصد دفع شئ يدفعه بظهور يديه، بخلاف القاصد حصول شئ فإنه يحصله ببطونهما.
(قوله: ويكره الرفع لخطيب حالة الدعاء) مثله في فتح الجواد، وزاد فيه: ولا يسن مسح الوجه وغيره بعد القنوت.
بل قال جمع: يكره مسح نحو الصدر.
ولعل ما ذكر من كراهة الرفع له في غير خطبة الاستسقاء، أماهي فقد صرحوا بسنية ذلك له.
(قوله: بنحو الخ) متعلق بقنوت.
(قوله: اللهم اهدني) أي دلني دلالة موصولة إلى المقصود.
وقوله: وعافني أي من محن الدنيا والآخرة، فيمن عافيته من ذلك.
وقوله: وتولني أي قربني إليك، أو انصرني في جميع أحوالي، فيمن توليته، أي قربته أو نصرته.
(قوله: أي معهم) أشار به إلى أن في - الداخلة على الأفعال الثلاثة - بمعنى مع، ويحتمل أنها باقية على معناها وتجعل متعلقة بمحذوف.
والتقدير: اهدني يا الله واجعلني مندرجا فيمن هديت، وكذا يقال في الاثنين بعده.
(قوله: لا ندرج في سلكهم) أي لأدخل في طريقتهم (قوله: وبارك لي فيما أعطيت) أي أنزل يا الله البركة - وهي الخير الإلهي - فيما أعطيته لي.
وفي هنا على حقيقتها.
(قوله: وقني شر ما قضيت) أي القضاء أو المقضي، فما على الأول مصدرية، وعلى الثاني موصولة.
والمراد: قني أي احفظني مما يترتب على القضاء أو المقضي من الشر الذي هو السخط والتضجر.
وإلا فالقضاء بمعنى الإرادة الأزلية، والمقضي الذي تعلقت إرادة الله بوجوده لا يمكن الوقاية منهما.
ولذلك قال بعض العارفين: اللهم لا نسألك دفع ما تريد ولكن نسألك التأييد فيما تريد.
تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت.
تباركت ربنا وتعاليت، فلك الحمد على ما قضيت، أستغفرك وأتوب إليك.
وتسن آخره الصلاة والسلام على النبي (ص) وعلى آله، ولا تسن أوله.
ويزيد فيه - من مر - قنوت عمر الذي كان يقنت به في الصبح، وهو: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونستهديك، ونؤمن بك
ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، نشكرك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك.
اللهم إياك نعبد، ولك
ــ
واعلم أنه يجب الرضا بالقضاء مطلقا، لأنه حسن بكل حال.
وأما المقضي فإن كان واجبا أو مندوبا فكذلك، وإن
كان مباحا أبيح، وإن كان حراما أو مكروها حرم، وإن كان من ملائمات النفوس أو منفراتها سن الرضا به.
اه بشرى الكريم بتصرف.
(قوله: فإنك تقضي ولا يقضى عليك) أي تحكم على جميع الخلق ولا يحكم أحد عليك.
وهذا أول الثناء، وما تقدم كله دعاء.
وقوله: وأنه لا يذل بفتح الياء وكسر الذال، وفي رواية: بضم الياء وفتح الذال، والمعنى: لا يحصل لمن واليته ذل من أحد.
اه بجيرمي بتصرف.
ومفاده جريان الوجهين في يعز.
(قوله: ولا يعز من عاديت) أي لا تحصل عزة لمن عاديته وأبعدته عن رحمتك وغضبت عليه.
(فائدة) سئل السيوطي: هگل هو بكسر العين أو فتحها أو ضمها؟ فأجاب بقوله: هو بكسر العين مع فتح الياء، بلا خلاف بين العلماء من أهل الحديث واللغة والتصريف.
قال: وألفت في ذلك مؤلفا.
قال: وقلت في آخره نظما: يا قارئا كتب الآداب كن يقظا وحرر الفرق في الأفعال تحريرا عز المضاعف يأتي في مضارعه تثليث عين بفرق جاء مشهورا فما كقل وضد الذل مع عظم كذا كرمت علينا جاء مكسورا وما كعز علينا الحال أي صعبت فافتح مضارعه إن كنت نحريرا وهذه الخمسة الأفعال لازمة واضمم مضارع فعل ليس مقصورا عززت زيدا بمعنى قد غلبت كذا أعنته فكلا ذا جاء مأثورا وقل إذا كنت في ذكر القنوت ولا يعز يا رب من عاديت مكسورا واشكر لأهل علوم الشرع أن شرحوا لك الصواب وأبدوا فيه تذكيرا (قوله: تباركت ربنا وتعاليت) أي تزايد خيرك وبرك، وارتفعت عما لا يليق بك.
(قوله: فلك الحمد على ما قضيت) أي على قضائك، فالحمد عليه ثناء بجميل أو على مقضيك ومنه جميل كالعافية والخصب والطاعة.
والحمد عليه ظاهر لأنه ثناء بجميل ومنه غير جميل كالآلام والمعاصي.
والحمد عليه غير ظاهر؟ ويجاب بأن جميع مقضياته بالنظر إليه سبحانه وتعالى جميلة وحسنة قطعا لأنه لا يصدر عنه إلا الجميل، وإنما يكون شرا بإضافته إلينا.
(قوله: أستغفرك وأتوب إليك) أي أطلب منك يا الله غفران الذنوب والتوبة منها.
(قوله: وتسن آخره الصلاة الخ) أي حتى لجمع بين هذا القنوت وقنوت سيدنا عمر جعلها آخرهما لا أولا ولا وسطا.
ولا يشكل على التأخير قوله صلى الله عليه وسلم: لا تجعلوني كقدح
الراكب، إجعلوني في أول كل دعاء وآخره.
لأنه محمول على غير الوارد، وما هنا من الوارد.
وقوله: كقدح الراكب، أي لا تجعلوني خلف ظهوركم لا تذكروني إلا عند حاجتكم، كما أن الراكب لا يتذكر قدحه الذي خلف ظهره إلا عند عطشه.
(قوله: ولا تسن) أي الصلاة وما عطف عليها.
والأولى: ولا يسنان، بضمير التثنية العائد على الصلاة والسلام.
وقوله: أوله أي القنوت.
(قوله: ويزيد فيه) أي القنوت.
وقوله: من مر أي المنفرد وإمام محصورين بشرطهم.
(قوله: قنوت عمر) مفعول يزيد.
(قوله: وهو) أي قنوت عمر.
(قوله: اللهم إنا نستعينك إلخ) السين والتاء في الأفعال الثلاثة للطلب.
والمعنى: نطلب منك يا الله العون والمغفرة والهداية.
(وقوله: ونؤمن بك) أي نصدق.
وقوله: ونتوكل أي نعتمد ونظهر العجز لك.
وقوله: ونثني عليك الخير كله أي الثناء الخير، فيكون مفعولا مطلقا، أو بالخير
نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد - أي نسرع - نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق.
ولما كان قنوت الصبح المذكور أولا ثابتا عن النبي (ص) قدم على هذا، فمن ثم لو أراد أحدهما فقط اقتصر على الاول، ولا يتعين كلمات القنوت، فيجزئ عنها آية تضمنت دعاء إن قصده - كآخر البقرة - وكذا دعاء محض ولو غير مأثور.
قال شيخنا: والذي يتجه أن القانت لنازلة يأتي بقنوت الصبح ثم يختم بسؤال رفع
ــ
فيكون منصوبا بنزع الخافض.
والمراد إنشاء الثناء على الله بقدر الاستطاعة، لأن الشخص لا يقدر أيثني عليه بكل خير تفصيلا.
وقوله: نشكرك المراد بالشكر ضد الكفر بدليل المقابلة.
وقوله: ولا نكفرك أي لا نجحدك نعمتك بعدم الشكر عليها.
وقوله: ونخلع أي نترك.
فعطف ما بعده عليه للتفسير.
وفي التعبير به إشارة إلى أن الكافر كالنعل التي تخلع من الرجلين.
وقوله: من يفجرك أي يخالفك بالمعاصي.
وقوله: وإليك نسعى أي إلى طاعتك نسعى.
وقوله: ونحفد بضم النون وفتحها مع كسر الفاء، وفسره بقوله: أي نسرع.
قال سم: سئل الجلال السيوطي عن قوله فيه: ونحفد.
هل هو بالمهملة أو بالمعجمة؟ فأجاب بقوله: هو بالمهملة.
وألفت في ذلك كتابا الخ.
اه.
وقوله: إن عذابك الجد أي الحق.
(قوله: بالكفار) متعلق بما بعده.
(وقوله: ملحق) بكسر الحاء، أي لاحق.
أو فتحها على معنى أن الله يلحقه بهم.
وبقي من قنوت سيدنا عمر: اللهم عذب الكفرة والمشركين الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وأصلح ذات بينهم، وألف بين قلوبهم، واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة، وثبتهم على ملة رسولك، وأوزعهم أن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه، وانصرهم على عدوك وعدوهم.
إله الحق واجعلنا منهم.
(قوله: المذكور أولا) أي وهو: اللهم اهدني إلخ.
(قوله: ثابتا) أي واردا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أي بخلاف قنوت سيدنا عمر، فإنه من مخترعاته وليس ثابتا عنه صلى الله عليه وسلم، (قوله: قدم) أي القنوت المذكور أولا.
وقوله: على هذا أي على قنوت سيدنا عمر
رضي الله عنه.
(قوله: فمن ثم) أي ومن أجل ثبوت الأول دون الثاني.
(قوله: لو أراد أحدهما) أي قنوت النبي أو قنوت عمر.
(قوله: اقتصر على الأول) أي قنوت النبي صلى الله عليه وسلم.
(قوله: ولا يتعين) أي للقنوت المطلوب منه.
وقوله: كلمات القنوت أي السابقة.
ومحل عدم تعينها ما لم يشرع فيها، وإلا تعينت لأداء القنوت.
ويسجد للسهو لترك شئ منها أو لإبدال كلمة بأخرى.
كما سيأتي في فصل سجود السهو.
(قوله: فيجزئ عنها) أي عن كلمات القنوت السابقة.
(قوله: آية تضمنت دعاء) أي وثناء، كما سيذكره، وذلك كقوله تعالى: * (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) * (قوله: إن قصده) أي الدعاء وحده، بخلاف ما إذا لم يقصده فلا يجزئ، بل يكره الإتيان بالآية مع قصد القرآن وذلك لكراهة القراءة في غير القيام.
(قوله: وكذا دعاء محض) أي وكذلك يجزئ عن كلمات القنوت دعاء محض.
وفي سم ما نصه: قال في العباب: وتحصل سنة القنوت بكل دعاء.
قال في شرحه: ولو بغير مأثور.
كما في المجموع عن الماوردي.
قال الأذرعي: وفي إطلاقه نظر، ويظهر أنه لا يكفي الدعاء المحض، ولا سيما بأمور الدنيا فقط، بل لا بد من تمجيد ودعاء.
اه.
والأوجه الأول، فيكفي الدعاء فقط، لكن بأمور الآخرة أو أمور الدنيا.
اه ما في شرح العباب.
وقد وافق الأذرعي شيخنا الشهاب الرملي حيث أفتى بأنه لا بد في بدل القنوت أن يكون دعاء وثناء، وقضية إطلاقه اعتبار ذلك أيضا في الآية.
اه.
وفي النهاية: ويشترط في بدله أن يكون دعاء وثناء.
كما قاله البرهان البجوري وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى: (قوله: قال شيخنا: والذي إلخ) عبارته بعد قول الأصل: وشرع القنوت في سائر المكتوبات النازلة.
قال بعضهم: وليس المراد به هنا ما مر في الصبح، لأنه لم يرد في النازلة، وإنما الوارد الدعاء برفعها فهو المراد هنا.
قال: ولا يجمع بينه وبين الدعاء برفعها لئلا يطول الاعتدال، وهو
تلك النازلة.
(وجهر به) أي القنوت، ندبا، (إمام) ولو في السرية، لا مأموم لم يسمعه ومنفرد فيسران به مطلقا، (وأمن) جهرا (مأموم) سمع قنوت إمامه للدعاء منه.
ومن الدعاء: الصلاة على النبي (ص)، فيؤمن لها على الاوجه.
أما الثناء وهو: فإنك تقضي - إلى آخره - فيقوله سرا.
أما مأموم لم يسمعه أو سمع صوتا لا يفهمه فيقنت سرا.
(وكره لامام تخصيص نفسه بدعاء) أي بدعاء القنوت، للنهي عن تخصيص نفسه بالدعاء.
فيقول الامام: اهدنا، وما عطف عليه بلفظ الجمع.
وقضيته أن سائر الادعية كذلك، ويتعين حمله على ما لم يرد
ــ
مبطل.
اه.
وظاهر المتن وغيره خلاف ذلك، بل هو صريح، إذ المعرفة إذا أعيدت بلفظها كانت عين الأولى غالبا.
وقوله: وهو مبطل خلاف المنقول، فقد قال القاضي: لو طول القنوت المشروع زائدا على العادة كره، وفي البطلان احتمالان.
وقطع المتولي وغيره بعدمه، لأن المحل محل الذكر والدعاء.
ثم قال: إذا تقرر هذا فالذي يتجه أنه يأتي يقنوت الصبح ثم يختم بسؤال رفع تلك النازلة، له فإن كانت جدبا دعا ببعض ما ورد في أدعية الاستسقاء.
اه.
(قوله: وجهر به، أي القنوت) لا فرق فيه بين قنوت الصبح وغيره، من قنوت النازلة وقنوت آخر الوتر من نصف رمضان.
(قوله: إمام) فاعل جهر.
(قوله: ولو في السرية) أي يجهر به مطلقا، في الصلاة الجهرية والسرية - كما في قنوت النازلة - في
الظهر والعصر.
ويجهر به أيضا في المؤداة والمقضية.
(قوله: لا مأموم) أي لا يجهر به مأموم.
وقوله: لم يسمعه أي قنوت إمامه.
(قوله: ومنفرد) أي ولا يجهر به منفرد.
(قوله: فيسران) أي المأموم الذي لم يسمع والمنفرد، وهو مفرع على مفهوم ما قبله.
وقوله: مطلقا أي سواء كانت الصلاة سرية أو جهرية، وسواء كان في قنوت الصبح أو في غيره.
وذكرته من التعميم، هو مقتضى كلام الشارح وكلام شيخه في التحفة أيضا، لكن صرح في النهاية بأنه يسن الجهر بقنوت النازلة مطلقا للإمام والمنفرد، ولو سرية.
وقال: كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى.
وفرق ع ش بينه وبين قنوت الصبح بشدة الحاجة لرفع البلاء الحاصل، فطلب الجهر إظهارا لتلك الشدة.
(قوله: وأمن) بفتح الهمزة وتشديد الميم المفتوحة، فعل ماض فاعله ما بعده.
قال في الروض وشرحه: ويؤمن المأموم للدعاء كما كانت الصحابة يؤمنون خلف النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
رواه أبو داود بإسناد حسن صحيح، ويجهر به كما في تأمين القراءة.
اه.
(قوله: للدعاء) متعلق بأمن.
وسيذكر مقابله بقوله: أما الثناء.
وقوله: منه أي من القنوت.
(قوله: ومن الدعاء) أي لا من الثناء.
وقوله: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذ معناها طلب زيادة الرحمة للنبي عليه الصلاة والسلام، وهو دعاء.
(قوله: فيؤمن لها) أي للصلاة عليه.
وقوله: على الأوجه أي المعتمد عند حجر وم ر.
قال في التحفة: وقول الشارح: يشارك - أي يصلي على النبي - مع الإمام وإن كانت دعاء، للخبر الصحيح: رغم أنف من ذكرت عنده فلم يصل علي.
يرد بأن التأمين في معنى الصلاة عليه مع أنه الأليق بالمأموم لأنه تابع للداعي، فناسبه التأمين على دعائه، قياسا على بقية القنوت.
اه بزيادة.
وفي الكردي ما نصه: وفي شرح البهجة للجمال الرملي: ويتخير في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بين إتيانه بها وبين تأمينه، ولو جمع بينهما فهو أحب.
اه.
وهذا فيه العمل بالرأيين، فلعله أولى.
اه.
(قوله: أما الثناء) مقابل قوله: للدعاء، كما علمت.
(قوله: وهو) أي الثناء.
وقوله: فإنك تقضي إلى آخره.
ظاهره دخول نستغفرك ونتوب إليك في الثناء، فانظره.
(قوله: فيقول سرا) أي أو يقول: أشهد، أو: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين، أو نحو ذلك، أو يستمع.
والأول أولى.
اه شرح بافضل لحجر.
(قوله: أما مأموم الخ) مقابل قوله: مأموم سمع.
وقوله: لم يسمعه إلخ أي لإسرار إمامه، أو لنحو بعد أو صمم.
(قوله: للنهي عن تخصيص نفسه بالدعاء) أي في خبر الترمذي وهو: لا يؤم عبد قوما فيخص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم.
(قوله: فيقول الإمام الخ) مفرع على مفهوم كراهة التخصيص.
(قوله: بلفظ الجمع) متعلق بيقول، والمراد: اللفظ الدال على جماعة كنا، فإنها تدل على متعدد كما تدل على المعظم نفسه، وليس المراد الجمع الاصطلاحي كما هو ظاهر.
(قوله: وقضيته) أي النهي المذكور.
وقوله: كذلك أي يكره
التخصيص فيها.
(قوله: ويتعين حمله) أي النهي.
وقوله: على ما لم يرد الخ أي على غير الوارد عنه صلى الله عليه وسلم بلفظ الإفراد إذا كان إماما، أما الوارد فيه الإفراد كرب اغفر لي وارحمني إلخ وكاللهم نقني اللهم اغسلني - الدعاء المعروف - إذا كثر
عنه (ص) وهو إمام بلفظ الافراد وهو كثير.
قال بعض الحفاظ: إن أدعيته كلها بلفظ الافراد، ومن ثم جرى بعضهم على اختصاص الجمع بالقنوت.
(و) سابعها: (سجود مرتين) كل ركعة، (على غير محمول) له، (وإن تحرك بحركته) ولو نحو سرير يتحرك بحركته لانه ليس بمحمول له فلا يضر السجود عليه، كما إذا سجد على محمول لم يتحرك بحركته كطرف من ردائه الطويل.
وخرج بقولي: على غير محمول له، ما لو سجد على محمول يتحرك بحركته، كطرف من عمامته، فلا يصح، فإن سجد عليه بطلت الصلاة إن تعمد وعلم تحريمه، وإلا أعاد السجود.
ويصح
ــ
في الصلاة فلا يكره.
وقوله: وهو إمام الواو للحال، والضمير يعود عليه صلى الله عليه وسلم.
وقوله: بلفظ الإفراد متعلق بيرد.
(قوله: وهو كثير) أي الوارد بالإفراد كثير.
(قوله: قال بعض الحفاظ: إن أدعيته كلها) أي إن أدعية النبي صلى الله عليه وسلم كلها بلفظ الإفراد، والمراد غير القنوت، بدليل العلة بعده.
وقد صرح به في بشرى الكريم.
(قوله: ومن ثم الخ) أي ومن أجل أن أدعيته كلها وردت بلفظ الإفراد - على ما قاله بعض الحفاظ - جرى بعضهم على اختصاص الجمع بالقنوت، جمعا بين كلامهم وبين خبر الترمذي المتقدم.
وفرق هذا البعض بين القنوت وغيره، بأن كل المصلين مأمورون بالدعاء إلا في القنوت فإن المأموم مأمور بالتأمين فقط.
قال الكردي: وقد ورد الجمع في القنوت في رواية صحيحة للبيهقي حملت على الإمام.
اه.
وفي التحفة ما نصه: والذي يتجه ويجتمع به كلامهم والخبر، أنه حيث اخترع دعوة كره الإفراد، وهذا هو محمل النهي، وحيث أتى بمأثورا تبع لفظه.
اه.
(قوله: وسابعها) أي سابع أركان الصلاة.
(قوله: سجود إلخ) أي للكتاب والسنة وإجماع الأئمة.
وكرر دون غيره لأنه أبلغ في التواضع، ولأنه لما ترقى فقام ثم ركع ثم سجد وأتى بنهاية الخدمة أذن له في الجلوس، فسجد ثانيا شكرا على استخلاصه إياه، ولأن الشارع لما أمر بالدعاء فيه وأخبر بأنه حقيق بالإجابة سجد ثانيا شكرا على إجابته تعالى لما طلبه، كما هو المعتاد فيمن سأل ملكا شيئا فأجابه.
ذكر ذلك القفال.
وجعل المصنف السجدتين ركنا واحدا، هو ما صححه في البيان.
والموافق لما يأتي في مبحث التقدم والتأخر أنهما ركنان، وهو ما صححه في البسيط.
اه تحفة.
وقال الجمال الرملي: إنما عدا ركنا واحدا لكونهما متحدين، كما عد بعضهم الطمأنينة في محالها الأربعة ركنا واحدا لذلك.
اه.
قال ع ش: فإن قلت: يخالف هذا عدهما في شروط القدوة ركنين في مسألة الزحمة ومسألة التقدم والتأخر.
قلت: لا مخالفة، لأن المدار ثم على ما يظهر به فحش المخالفة، وهي تظهر بنحو الجلوس وسجدة واحدة، فعدا ركنين ثم، والمدار على الإتحاد في الصورة فعدا ركنا واحدا.
اه.
والسجود لغة: التطامن والميل.
وقيل: الخضوع والتذلل.
وشرعا: مباشرة بعض جبهة المصلي ما يصلي عليه من أرض أو غيرها.
ولا بد لصحته من شروط سبعة: الطمأنينة، وأن لا يقصد به غيره، وأن تستقر الأعضاء كلها دفعة واحدة، والتحامل على الجبهة، والتنكيس، وكشف الجبهة، وأن لا يسجد على متصل يتحرك بحركته.
(قوله: كل ركعة) منصوب بإسقاط
الخافض، أي في كل ركعة.
(قوله: على غير محمول) متعلق بسجود.
وقوله: له أي للمصلي.
(قوله: وإن تحرك) أي غير المحمول له.
والغاية للتعميم، أي يسجد على غير محمول له.
ولا فرق فيه بين أن يتحرك بحركته أو لا.
(قوله: ولو نحو سرير) لو قال: كنحو سرير، تمثيلا لغيره المحمول المتحرك بحركته لكان أولى لأنه لا معنى للغاية.
(قوله: لأنه ليس بمحمول له) تعليل لمحذوف، أي وإنما اكتفى بالسجود على نحو السرير المتحرك بحركته لأنه ليس بمحمول له.
والمؤثر إنما هو المحمول له.
(قوله: كما إذا سجد الخ) أي فلا يضر لأنه في حكم المنفصل.
(قوله: على محمول يتحرك بحركته) أي بالفعل لا بالقوة، كما في التحفة.
ووافقها الخطيب في المغني فقال: لو صلى من قعود فلم يتحرك بحركته، ولو صلى من قيام لتحرك، لم يضر.
وقال: إنه لم ير من تعرض له.
والجمال الرملي خالف فقال: لو صلى قاعدا وسجد على متصل به لا يتحرك بحركته إلا إذا صلى قائما، لم يجزه السجود عليه لأنه كالجزء منه.
كما أفتى الوالد رحمه الله تعالى.
(قوله: فلا يصح) أي السجود، لأنه كالجزء منه، وكل ما كان كذلك ضر.
(قوله: فإن سجد عليه الخ)
على يد غيره، وعلى نحو منديل بيده لانه في حكم المنفصل، ولو سجد على شئ فالتصق بجبهته صح، ووجب إزالته للسجود الثاني.
(مع تنكيس) بأن ترتفع عجيزته وما حولها على رأسه ومنكبيه، للاتباع.
فلو
انعكس أو تساويا لم يجزئه.
نعم، إن كان به علة لا يمكنه معها السجود إلا كذلك أجزأه، (بوضع بعض جبهته
ــ
مرتب على عدم صحته، والأنسب والأخصر أن يقول بعد قوله: فلا يصح، وتبطل الصلاة إن تعمد وعلم تحريمه، وإلا أعاد السجود فقط.
(قوله: بطلت الصلاة) في ع ش ما نصه: لا يبعد أن يختص البطلان بما إذا رفع رأسه قبل إزالة ما يتحرك بحركته من تحت جبهته، حتى لو أزاله ثم رفع بعد الطمأنينة لم تبطل، وحصل السجود.
فتأمل.
اه سم على المنهج.
وينبغي أن محل ذلك ما لم يقصد ابتداء أنه يسجد عليه ولا يرفعه، فإن قصد ذلك بطلت صلاته بمجرد هويه للسجود، قياسا على ما إذا عزم أن يأتي بثلاث خطوات متواليات ثم شرع، فإنها تبطل بمجرد ذلك لأنه شروع في المبطل.
ونقل بالدرس عن الشيخ حمدان ما يوافق ذلك فراجعه.
اه.
(قوله: ويصح) أي السجود.
وقوله: على يد غيره أي لأنها غير محمولة له.
(قوله: وعلى نحو منديل بيده) أي ويصح السجود على نحو منديل كائن بيده.
وفي البجيرمي ما نصه: قال ع ش: سواء ربطه بيده أم لا.
اه.
لكن قال بعض مشايخنا أن الربط يضر لأنه أشد اتصالا من وضع شاله على كتفه.
واعتمد شيخنا ح ف الأول، لأنه وإن ربطه بيده لا يراد به الدوام كالملبوس.
اه.
وخرج بكونه بيده ما إذا كان على عمامته أو على عنقه فإنه يضر السجود عليه.
كما في النهاية، ونصها: ويصح السجود على نحو عود أو منديل بيده - كما في المجموع - ويفارق ما مر - أي طرف كمه أو عمامته - بأن اتصال الثياب به نسبتها إليه أكثر لاستقرارها وطول مدتها، بخلاف هذا، وليس مثله المنديل الذي على عمامته والملقى على عاتقه، لأنه ملبوس له بخلاف ما في
يده، فإنه كالمنفصل.
اه.
(قوله: لأنه في حكم المنفصل) تعليل لصحة السجود على نحو منديل.
(قوله: ولو سجد على شئ) أي كورق.
وقوله: فالتصق بجبهته قال ع ش: ومنه التراب، حيث منع مباشرة جميع الجبهة محل السجود.
(قوله: صح) أي السجود.
(قوله: ووجب إزالته للسجود الثاني) فلو لم يزله لم يصح.
وفي ع ش ما نصه: فلو رآه ملتصقا بجبهته ولم يدر في أي السجدات التصق، فعن القاضي: أنه إن رآه بعد السجدة الأخيرة من الركعة الأخيرة وجوز أن التصاقه فيما قبلها أخذ بالأسوأ، فإن جوز أنه في السجدة الأولى من الركعة الأولى قدر أنه فيها، ليكون الحاصل له ركعة إلا سجدة، أو فيما قبله قدره فيليكون الحاصل له ركعة بغير سجود، أو بعد فراغ الصلاة.
فإن احتمل طروه بعد فالأصل مضيها على الصحة، وإلا فإن قرب الفصل بنى وأخذ بالأسوأ كما تقدم، وإلا استأنف.
اه سم.
أي وإن احتمل أنه التصق في السجدة الأخيرة لم يعد شيئا.
اه.
(قوله: مع تنكيس) متعلق بمحذوف، صفة لسجود.
أي سجود كائن مع تنكيس.
ولو لم يتمكن منه إلا بوضع نحو وسادة وجب إن حصل منه التنكيس، وإلا سن ولا يجب لعدم حصول مقصود السجود حينئذ.
اه نهاية.
(قوله: بأن ترتفع إلخ) تصوير للتنكيس.
(قوله: على رأسه ومنكبيه) قضيته أنه لا يشترط الارتفاع على اليدين.
لكن في التحفة ما نصه: (تنبيه) اليدان من الأعالي كما علم من حد الأسافل، وحينئذ فيجب رفعها على اليدين أيضا.
اه.
(قوله: فلو انعكس) أي بأن ارتفع رأسه ومنكباه على عجيزته وما حولها.
وقوله: أو تساويا أي العجيزة وما عطف عليها، والرأس وما عطف عليه.
(قوله: لم يجزئه) أي في الانعكاس قطعا، وفي المساواة على الأصح.
اه ع ش.
قال الجمال الرملي: نعم، لو كان في سفينة ولم يتمكن من ارتفاع ذلك لميلها صلى على حسب حاله، ووجبت عليه الإعادة، لندرته.
اه.
(قوله: نعم، إن كان الخ) استدراك على عدم الإجزاء.
وهو يفيد تقييد ما في المتن بالقادر.
وقوله: لا يمكنه معها أي مع العلة.
وقوله: إلا كذلك أي منعكسا أو متساويا.
(قوله: أجزأه) أي ولا إعادة عليه وإن شفي بعد ذلك.
وينبغي أن مراده بقوله: لا يمكنه، أن يكون فيه مشقة شديدة، وإن لم تبح التيمم، أخذا مما تقدم في العصابة.
اه ع ش.
(قوله: بوضع جبهته) متعلق بسجود، والباء فيه للتصوير، ولا بد من تقدير متعلق له أي على ما مر.
ولو قدم هذا وما بعده على قوله: على غير محمول، لاستغنى عن تقديره.
قال ابن العربي: لما جعل الله لنا الأرض ذلولا نمشي في مناكبها، فهي تحت أقدامنا نطؤها وهو غاية الذلة، أمرنا الله أن نضع
بكشف) أي مع كشف.
فإن كان عليها حائل كعصابة لم يصح، إلا أن يكون لجراحة وشق عليه إزالته مشقة شديدة، فيصح.
(و) مع (تحامل) بجبهته فقط على مصلاه، بأن ينال ثقل رأسه، خلافا للامام.
(و) وضع بعض (ركبتيه و) بعض (بطن كفيه) من الراحة وبطون الاصابع (و) بعض بطن (أصابع قدميه) دون ما عدا ذلك، كالحرف وأطراف الاصابع وظهرهما.
ولو قطعت أصابع قدميه وقدر على وضع شئ من بطنهما لم يجب، كما اقتضاه كلام الشيخين.
ولا يجب التحامل عليها بل يسن، ككشف غير الركبتين.
(وسن) في السجود (وضع أنف) بل يتأكد لخبر صحيح، ومن ثم اختير وجوبه.
ويسن وضع الركبتين أولا متفرقتين قدر
ــ
أشرف ما عندنا وهو الوجه، وأن نمرغه عليها، جبرا لانكسارها بوضع الشريف عليها الذي هو وجه العبد، فانجبر
كسرها.
ولذا كان العبد أقرب في حالة السجود من سائر أحوال الصلاة.
اه.
(قوله: بكشف) متعلق بمحذوف حال من بعض، أي حال كون ذلك البعض متلبسا بكشفه.
واعتبر كشف الجبهة دون بقية الأعضاء لسهولته فيها دون البقية، ولحصول مقصود السجود - وهو غاية التواضع - بكشفها، ولحديث خباب بن الأرت: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يزل شكوانا.
فلو لم تجب مباشرة المصلي بالجبهة لأرشدهم إلى سترها.
(قوله: أي مع كشف) أفاد به أن الباء بمعنى مع.
(قوله: فإن كان عليها) أي على بعض الجبهة.
وأنث الضمير - مع أن مرجعه مذكر - لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه، وهذا مفهوم قوله بكشف.
(قوله: كعصابة) مثال للحائل.
(قوله: لم يصح) أي السجود.
(قوله: إلا إن يكون) أي الحائل.
(وقوله: لجراحة) أي لأجلها.
(قوله: وشق عليه إزالته) أي الحائل.
(قوله: مشقة شديدة) قال البجيرمي: ويظهر ضبطها بما يبيح ترك القيام وإن لم تبح التيمم.
قاله في الإمداد.
وفي التحفة: تقييدها بما يبيح التيمم.
شوبري.
اه.
(قوله: فيصح) أي السجود، ولا إعادة عليه إلا إن كان تحته نجس غير معفو عنه.
اه ح ل.
(قوله: ومع تحامل) معطوف على بكشف.
والمناسب أن يقول: وبتحامل، بالباء وإن كانت بمعنى مع، وذلك لخبر: إذا سجدت فمكن جبهتك من الأرض ولا تنقر نقرا.
(قوله: بجبهته فقط) أي فلا يجب بغيرها من بقية الأعضاء، كما سيصرح به.
خلافا لشيخ الإسلام في شرح منهجه حيث قال بوجوب التحامل في الجميع.
(قوله: على مصلاه) أي محل سجوده.
(قوله: بأن يناله إلخ) تصوير للتحامل.
ومعنى الثقل: أن يكون يتحامل بحيث لو فرض أنه سجد على قطن أو نحوه لا نوك.
(قوله: خلافا للإمام) أي القائل بعدم وجوب التحامل.
وعبارة شرح الروض: واكتفى الإمام بإرخاء رأسه، قال بل هو أقرب إلى هيئة التواضع من تكلف التحامل.
اه.
(قوله: ووضع بعض ركبتيه) معطوف على وضع بعض جبهته، وذلك لخبر الشيخين: أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة، واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين.
قال في فتح الجواد: واكتفى ببعض كل وإن كره، لصدق اسم السجود به.
اه.
(قوله: وبعض بطن كفيه) معطوف هو وما بعده على وضع بعض جبهته أيضا.
(قوله: من الراحة إلخ) بيان لبطن كفيه.
(قوله: دون ما عدا ذلك) مرتبط بجميع ما قبله، خلافا لما يوهمه ظاهر العبارة من رجوعه للأخير فقط.
أي أن الواجب وضع بعض الجبهة وبعض الركبتين وبعض بطن الكفين وبعض بطن أصابع القدمين دون غيرها من بقية الرأس، وحرف الكف وأطراف الأصابع والجبين والأنف والخد.
(قوله: ولو قطعت أصابع الخ) عبارة النهاية: ولو تعذر شئ من هذه الأعضاء سقط الفرض بالنسبة إليه.
فلو قطعت يده من الزند لم يجب وضعه، ولا وضع رجل قطعت أصابعها، لفوات محل
الفرض.
اه.
(قوله: من بطنهما) أي القدمين.
(قوله: لم يجب) أي وضع شئ من بطنهما، لفوات محل الفرض كما علمت.
(قوله: كما اقتضاه أي عدم الوجوب.
(قوله: ولا يجب التحامل عليها) أي على هذه الأعضاء، غير الجبهة.
وعبارة التحفة: ولا يجب التحامل عليها، بل يسن - كما تصرح به عبارة التحقيق والمجموع والروضة - بخلاف الجبهة، لأنها المقصود الأعظم، كما يجب كشفها والإيماء بها وتقريبها من الأرض عند تعذر وضعها، دون البقية.
اه.
(قوله: ككشف غير الركبتين) أي كما أنه يسن كشف غير الركبتين، وأما الركبتان فيكره كشفهما لأنه يفضي إلى كشف العورة.
(قوله: ووضع أنف) أي على محل سجوده مكشوفا.
(قوله: بل يتأكد) إضراب انتقالي.
(قوله: لخبر صحيح) دليل
شبر، ثم كفيه حذو منكبيه، رافعا ذراعيه عن الارض وناشرا أصابعه مضمومة للقبلة، ثم جبهته وأنفه معا، وتفريق قدميه قدر شبر ونصبهما موجها أصابعهما للقبلة، وإبرازهما من ذيله.
ويسن فتح عينيه حالة السجود - كما قاله ابن عبد السلام، وأقره الزركشي -.
ويكره مخالفة الترتيب المذكور وعدم وضع الانف، (وقول: سبحان ربي الاعلى وبحمده ثلاثا) في السجود للاتباع.
ويزيد من مر ندبا: اللهم لك سجدت، وبك آمنت،
ــ
لسنية وضع الأنف، وهذا الخبر رواه أبو داود.
قال في المغنى: وإنما لم يجب وضع الأنف كالجبهة، مع أن خبر: أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ظاهره الوجوب، للأخبار الصحيحة المقتصرة على الجبهة.
قالوا: وتحمل أخبار الأنف على الندب.
(قوله: ومن ثم الخ) أي ومن أجل ورود خبر صحيح فيه اختير وجوبه.
(قوله: ويسن وضع الركبتين أولا) أي قبل وضع الكفين والجبهة، والسنية فيه وفيما بعده من حيث الترتيب، فلا ينافي أن وضع هذه الأعضاء واجب.
(قوله: متفرقين) حال من الركبتين.
وينبغي أن يكون ذلك في الرجل غير العاري.
اه بجيرمي.
(قوله: قدر شبر) صفة لمصدر محذوف، أي تفريقا قد شبر، أو حال من مصدر الوصف، أي حال كون ذلك التفريق قدر شبر.
والمراد بالشبر: الوسط المعتدل.
(قوله: ثم كفيه) أي ثم وضع كفيه.
(قوله: حذو منكبيه) حال من الكفين، أي حال كونهما محاذيين لمنكبيه.
أو ظرف لغو متعلق بوضع، أي وضع كفيه في محل محاذ لمنكبيه.
(قوله: رافعا ذراعيه) حال من فاعل المصدر المقدر، أي ثم وضع الساجد كفيه حال كونه رافعا إلخ.
(قوله: وناشرا) أي لا قابضا.
وقوله: مضمومة أي لا مفرجة.
(قوله: ثم جبهته وأنفه) بالجر، عطف على كفيه.
أي ثم وضع جبهته وأنفه.
وقوله: معا خالف الغزالي في المعية المذكورة وقال: هما كعضو واحد يقدم أيهما شاء.
(قوله: وتفريق قدميه) معطوف على وضع، أي ويسن تفريق قدميه قدر شبر.
وقوله: ونصبهما أي القدمين.
(قوله: موجها أصابعهما) أي حال كونه موجها أصابعهما، أي ظهورهما، للقبلة.
(قوله: وإبرازهما) أي ويسن إبراز القدمين.
أي إخراجهما من ذيله.
قال البجيرمي: هو واضح في غير المرأة والخنثى لأن ذلك مبطل لصلاتهما.
اه.
(قوله: ويسن فتح عينيه حالة السجود) الذي صرحوا به أنه يسن إدامة النظر إلى موضع سجوده في جميع صلاته، وعللوه بأن جمع النظر في موضع أقرب إلى الخشوع.
وأنه يكره تغميض عينيه وعللوه بأن
اليهود تفعله، وأنه لم ينقل فعله عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
إذا تقرر هذا تعلم أن قوله حالة السجود ليس بقيد بل مثله جميع الصلاة.
(قوله: ويكره مخالفة الترتيب المذكور) أي من وضع الركبتين ثم الكفين ثم الجبهة والأنف.
وخالف المالكية في الأولين فقالوا: يضع يديه أولا ثم ركبتيه.
نص عليه ش ق.
(قوله: وقول سبحان ربي الأعلى) أي وسن أن يقول في سجوده: سبحان إلخ.
لما صح عن عقبة بن عامر أنه قال: لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم قال صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في ركوعكم.
ولما نزلت: سبح اسم ربك الأعلى، قال: اجعلوها في سجودكم.
قال الخطيب: والحكمة في اختصاص العظيم بالركوع، والأعلى بالسجود - كما في المهمات -: أن الأعلى أفعل تفضيل، والسجود في غاية التواضع لما فيه من وضع الجبهة التي هي أشرف الأعضاء على مواطئ الأقدام، ولهذا كان أفضل من الركوع، فجعل الأبلغ مع الأبلغ.
اه.
وقوله: فجعل الأبلغ، وهو الأعلى.
مع الأبلغ، وهو السجود.
ومن الحكمة أيضا للتخصيص أنه لما ورد: أقرب ما يكون إلخ.
فربما يتوهم قرب المسافة، فسن فيه سبحان ربي الأعلى ليكون أبلغ في التنزيه عن قرب المسافة.
وفي البجيرمي ما نصه: قال البرماوي: ومن دوام على ترك التسبيح في الركوع والسجود سقطت شهادته.
ومذهب الإمام أحمد أن من تركه عامدا بطلت صلاته، فإن كان ناسيا جبر بسجود السهو.
اه.
(قوله: ويزيد من مر) أي المنفرد وإمام محصورين بشرطهم.
(قوله: اللهم إلخ) مفعول يزيد.
(قوله: لك سجدت) قدم الجار والمجرور لإفادة الاختصاص.
ولو قال: سجدت لله في طاعة الله لم تبطل صلاته.
وكذا لو قال: سجد الفاني للباقي.
لم يضر على المعتمد، لأن المقصود به الثناء على الله، خلافا لمن قال بالضرر لأنه خبر.
قال ع ش: ومحل عدم الضرر إذا قصد به الثناء.
اه بجيرمي بتصرف.
(قوله: وبك آمنت) أي آمنت وصدقت وأذعنت بك يا ألله لا بغيرك.
ولك أسلمت.
سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته، تبارك الله أحسن الخالقين.
ويسن إكثار الدعاء فيه.
ومما ورد فيه: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك.
وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره.
قال في الروضة: تطويل السجود أفضل من تطويل الركوع.
(و) ثامنها: (جلوس بينهما) أي السجدتين، ولو في نفل على المعتمد.
ويجب أن لا يقصد برفعه غيره،
ــ
(قوله: ولك أسلمت) أي انقدت لك يا الله، أو فوضت أمري إليك لا إلى غيرك.
(قوله: سجد وجهي) أي وكل بدني.
وخص الوجه بالذكر لأنه أشرف أعضاء الساجد، وفيه بهاؤه وتعظيمه، فإذا خضع وجهه فقد خضع باقي جوارحه.
أو من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل، على طريق المجاز المرسل.
(قوله: للذي خلقه) أي أوجده من العدم وصوره على هذه الصورة العجيبة، بأن جعل له فما وعينين وأنفا وأذنين ورأسا ويدين وبطنا ورجلين، إلى غير ذلك.
وحينئذ فعطف التصوير على الخلق مغاير.
(قوله: وشق سمعه وبصره) أي منفذهما، إذ السمع والبصر من المعاني لا يتصور فيهما شق.
ويسن أن يزيد بعده: بحوله وقوته.
(قوله: تبارك الله) أي تعالى الله في صفاته وأفعاله، وتكاثر خيره.
فالتبرك: العلو
والنماء.
وقوله: أحسن الخالقين أي المصورين.
وإلا فالخلق: وهو الإخراج من العدم إلى الوجود، لا يشاركه فيه أحد.
وأفعل التفضيل ليس على بابه، لأن المصورين ليس فيهم حسن من حيث تصويرهم، لأنهم يعذبون عليه.
(قوله: ويسن إكثار الدعاء فيه) أي في السجود، لخبر: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء فقمن أن يستجاب لكم.
(قوله: ومما ورد فيه) أي السجود.
(قوله: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك) أي أعتصم وألتجئ برضاك من حلول سخطك بي.
والمراد: أستعين برضاك على دفع ذلك.
(قوله: وبمعافاتك من عقوبتك) أي وأعوذ بمعافاتك أو عفوك من حلول عقوبتك بي.
والمراد: أستعين بذلك على دفع غضبك.
اه ع ش.
(قوله: لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) أنت توكيد للكاف فيكون في محل جر، عملا بقول ابن مالك: ومضمر الرفع الذي قد انفصل أكد به كل ضمير اتصل والكاف بمعنى مثل، وهي صفة لثناء.
وما مصدرية مؤولة مع مدخولها بمصدر.
والمعنى: لا أقدر على إحصاء ثناء عليك مثل ثنائك على نفسك، وإذا كان لا يقدر على إحصائه فلا يطيقه.
وكتب بعضهم: لا أحصي ثناء عليك: أي لا أطيق ثناء، أو لا أضبط ثناء عليك، فلا يطيقه.
وكتب بعضهم: لا أحصي ثناء عليك: أي لا أطيق ثناء، أو لا أضبط ثناء عليك، بمعنى لا أقدر على ثناء عليك.
والتنوين للتنويع، أي نوعا مخصوصا من الثناء، وهو الذي يليق بك.
وما - في كما - مصدرية، أي كثنائك على نفسك.
أو موصولة، أي ثناء مثل الذي أثنيت به على نفسك في كونه قطعيا تفصيليا غير متناه.
أو موصوفة، أي مثل ثناء أثنيت به.
اه.
(قوله: دقة وجله) بكسر الدال والجيم، أي دقيقه وجليله.
أي حقيره وعظيمه.
وهو كالتأكيد لما قبله، وإلا فقوله كله يشمل جميع ذلك، ومثله يقال فيما بعده.
(قوله: قال في الروضة: تطويل السجود إلخ) قد نص على هذا قبيل الرابع من الأركان فهو مكرر معه، فالأولى الإقتصار على أحدهما.
(قوله: وثامنها: جلوس) أي ثامن الأركان جلوس، لخبر المسئ صلاته.
وأقل الجلوس أن يستوي جالسا، وأكمله أن يأتي فيه بالدعاء المشروع فيه، وهو: رب اغفر لي الخ.
(قوله: ولو في نفل) غاية في وجوب الجلوس، وهي للرد.
وقوله: على المعتمد مقابله يقول: لا يجب في النفل.
وقال أبو حنيفة: يكفي أن يرفع رأسه من الأرض أدنى رفع كحد السيف.
لكن في الصحيحين: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه لم يسجد حتى يستوي جالسا.
ففيه رد على أبي حنيفة رضي الله عنه.
(قوله: ويجب أن لا يقصد برفعه الخ) أي إن لا يقصد برفع رأسه من السجود غير الجلوس، بأن يقصد الجلوس
فلو رفع فزعا - من نحو لسع عقرب - أعاد السجود.
ولا يضر إدامة وضع يديه على الارض إلى السجدة الثانية اتفاقا، خلافا لمن وهم 2 فيه.
(ولا يطوله، ولا اعتدالا) لانهما غير مقصودين لذاتهما بل شرعا للفصل، فكانا
قصيرين.
فإن طول أحدهما فوق ذكره المشروع فيه - قدر الفاتحة في الاعتدال أقل التشهد في الجلوس - عامدا عالما بطلت صلاته.
(وسن فيه) الجلوس بين السجدتين، (و) في (تشهد أول) وجلسة استراحة، وكذا في تشهد أخير إن تعقبه سجود سهو.
(افتراش) بأن يجلس على كعب يسراه بحيث يلي ظهرها الارض، (واضعا كفيه) على فخذيه قريبا من ركبتيه بحيث تسامتهما رؤوس الاصابع، ناشرا أصابعه، (قائلا: رب اغفر لي، إلى
ــ
ولو مع غيره، أو يطلق كما تقدم.
(قوله: فلو رفع الخ) مفرع على مفهوم ما قبله، أي فلو قصد غير الجلوس بأن رفع رأسه
فزعا إلخ لم يجز عنه، بيجب عليه العود إلى السجود ثم يرفع رأسه للجلوس.
(قوله: فزعا) يجوز فيه فتح الزاي على أنه مفعول لأجله، ويجوز كسرها على أنه حال.
اه م ر.
وقال في التحفة: أن الفتح هو المتعين، فإن المضر الرفع لأجل الفزع وحده، لا الرفع المقارن للفزع من غير قصد الرفع لأجله.
اه.
(قوله: ولا يضر إدامة الخ) المناسب ذكر هذا بعد قوله: واضعا كفيه على فخذيه.
(قوله: إلى السجدة الثانية) مقابله محذوف، أي من السجدة الأولى إلى السجدة الثانية.
فيكون في حال الجلوس واضعا يديه حواليه على الأرض.
وعبارة الروض: وتركهما على الأرض حواليه كإرسالهما في القيام.
اه.
أي وهو لا بأس به إن أرسلهما بلا عبث.
(قوله: خلافا لمن وهم فيه) أي فقال إن ادامتهما على الأرض تبطل الصلاة.
اه.
ع ش.
(قوله: ولا يطوله) أي الجلوس بين السجدتين.
(وقوله: ولا اعتدالا) أي ولا يطول اعتدالا.
(قوله: لأنهما) أي الجلوس والاعتدال.
وقوله: غير مقصودين لذاتهما قال الكردي: ومن قال أنهما مقصودان في أنفسهما أراد أنهما لا بد من وجود صورتهما للفصل.
(قوله: بل شرعا للفصل) أي فالاعتدال شرع للفصل بين الركوع والسجود، والجلوس شرع للفصل بين السجدتين.
(قوله: فكانا) أي الجلوس والاعتدال.
(وقوله: قصيرين) أي ركنين قصيرين.
قال الكردي: وهذا هو المعتمد، وإن صحح في التحقيق هنا أن الجلوس بين السجدتين ركن طويل.
وعزاه في المجموع إلى الأكثرين.
وسبقه إليه الإمام، وكذا الاعتدال ركن طويل أيضا.
على ما اختاره النووي من حيث الدليل في كثير من كتبه، لصحة الأحاديث لتطويله.
فيجوز تطويله بذكر غير الفاتحة والتشهد لا سكوت ولا بأحدهما.
بل قال الأذرعي وغيره أن تطويله مطلقا هو الصحيح مذهبا أيضا، بل هو الصواب.
وأطالوا فيه، ونقلوه عن النص وغيره.
اه.
(قوله: فإن طول أحدهما) أي الاعتدال أو الجلوس.
(قوله: فوق إلخ) صفة لمصدر محذوف، أي طوله تطويلا زائدا على ذكره المشروع فيه.
وقوله: قدر منصوب بإسقاط الخافض، متعلق بطول.
أي طوله بقدر الفاتحة في الاعتدال، سواء كان بسكوت أو بذكر غير مشروع.
أما هو كتسبيح في صلاة التسابيح فلا يضر.
(قوله: وأقل التشهد) أي وبقدر أقل التشهد.
(قوله: عامدا عالما) حالان من فاعل طول، أي طولهما حال كونه عامدا عالما، فإن كان ناسيا أو جاهلا فلا تبطل صلاته ولكن يسجد للسهو، كما سيأتي في بابه.
(قوله: بطلت صلاته) جواب إن.
وفي حاشية الباجوري: تبطل إلا في محل طلب فيه التطويل، كاعتدال الركعة الأخيرة، لأنه طلب فيه التطويل في الجملة بالقنوت.
اه.
(قوله: وسن) أي للاتباع.
(قوله: وكذا في تشهد أخير) أي وكذا سن في تشهد أخير.
وقوله: إن تعقبه سجود سهو قيد.
وخرج به ما إذا لم يتعقبه ما ذكر، فيسن فيه التورك كما سيذكره.
(قوله: افتراش) وإنما سن في المذكورات لما مر، ولأنه
جلوس يعقبه حركة فكان الافتراش فيه أولا.
سمي بذلك لأنه جعل رجله كالفراش له.
(قوله: بأن يجلس إلخ) تصوير للافتراش المسنون.
(قوله: بحيث الخ) تصوير لمحذوف، أي ويضجعها بحيث يلي ظهرها الأرض.
وعبارة التحفة مع الأصل: ويسن الافتراش فيجلس على كعب يسراه بعد أن يضجعها بحيث يلي ظهرها الأرض، وينصب يمناه - أي قدمه اليمنى - ويضع أطراف بطون أصابعها منها على الأرض متوجها للقبلة.
اه.
والكعب: العظم الناتئ عند مفصل الساق والقدم، ولكل رجل كعبان.
(قوله: واضعا كفيه على فخذيه) حال من اسم الفاعل المأخوذ من المصدر، أي حال كون
آخره) تتمته: وارحمني، واجبرني، وارفعني، وارزقني، واهدني، وعافني.
للاتباع.
ويكره: اغفر لي، ثلاثا.
(و) سن (جلسة استراحة) بقدر الجلوس بين السجدتين - للاتباع -، ولو في نفل، وإن تركها الامام - خلافا لشيخنا - (لقيام) أي لاجله، عن سجود لغير تلاوة.
ويسن اعتماد على بطن كفيه في قيام من سجود وقعود.
(و) تاسعها: (طمأنينة في كل) من الركوع والسجودين، والجلوس بينهما، والاعتدال، ولو كانا في
ــ
المفترش واضعا.
إلخ.
وقوله: قريبا من ركبتيه منصوب بإسقاط الخافض، وهو متعلق بواضعا.
أي واضعا كفيه في محل قريب من ركبتيه.
والحكمة في ذلك منع يديه من العبث، وأن هذه الهيئة أقرب إلى التواضع.
(قوله: بحيث تسامتهما) الباء للملابسة، وهي متعلقة بمحذوف حال من مصدر واضعا، أي حال كون الوضع المذكور متلبسا بحالة هي أن تسامت - أي تحاذي - رؤوس الأصابع الركبتين.
(قوله: ناشرا أصابعه) أي لا قابضا لها، وهو حال ثانية مرادفة مما جاء منه واضعا، أو حال متداخلة من الضمير المستتر في واضعا.
(قوله: قائلا إلخ) حال ثالثة مرادفة أو متداخلة على ما مر.
(قوله: واجبرني) أي أغنني، من جبر الله مصيبته أي رد عليه ما ذهب منه أو عوضه عنه، وأصله من جبر الكسر.
كذا في النهاية.
وفي الصحاح: الجبر أن يغنى الرجل من فقر أو يصلح عظمه من كسر.
اه زي.
(قوله: وارزقني) أي من خزائن فضلك، ما قسمته لأوليائك.
(قوله: وعافني) أي ادفع عني كل ما أكره من بلاء الدنيا والآخرة.
زاد الغزالي: واعف عني.
وزاد المتولي أيضا: رب هب لي قلبا تقيا نقيا من الشرك، بريا لا كافرا ولا شقيا.
(قوله: وسن جلسة استراحة) أي جلسة خفيفة لأجل الاستراحة، وهي فاصلة، وليست من الأولى ولا من الثانية.
وقبل: من الأولى، وقيل: من الثانية.
قال في شرح الروض: وفائدة الخلاف تظهر في التعليق على ركعة.
اه.
(قوله: بقدر الجلوس بين السجدتين) فإن زاد على ذلك كره، إذ هي من السنن التي أقلها أكملها، كسكتات الصلاة.
فإن بلغت ما يبطل في الجلوس بين السجدتين بطلت صلاته عند حجر.
وفي الكردي ما نصه: وحاصل ما اعتمده الشارح فيها أنها كالجلوس بين السجدتين، فإذا طولها زائدا على الذكر المطلوب في الجلوس بين السجدتين بقدر أقل التشهد بطلت صلاته.
وأقر شيخ الإسلام المتولي على كراهة تطويلها على الجلوس بين السجدتين في شرح البهجة والروض.
وأفتى الشهاب الرملي بعدم الإبطال أيضا، وتبعه الخطيب في شرحي التنبيه والمنهاج، والجمال الرملي في النهاية، وغيرهم.
اه.
(قوله: للاتباع) دليل لسنية جلسة الاستراحة.
قال في شرح الروض: وأما خبر وائل بن حجر: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من السجود استوى قائما.
فغريب، أو محمول على بيان الجواز.
اه.
(قوله: ولو في نفل) قال في التحفة بعده: وإن كان قويا.
اه.
وهما غايتان في السنية.
(قوله: وإن تركها الإمام) غاية أيضا فيها، أي تسن جلسة الاستراحة وإن تركها الإمام، فيتخلف المأموم لأجلها ندبا.
قال في شرح الروض: فلو تركها - أي جلسة الاستراحة - الإمام فأتى بها المأموم لم يضر تخلفه لأنه يسير، وبه فارق ما لو ترك التشهد الأول.
اه.
وقوله: لم يضر بل يسن، كما قاله ابن النقيب وغيره.
اه.
نهاية.
(قوله: خلافا لشيخنا) راجع للغاية الأخيرة.
وعبارة فتح الجواد له: ويكره تخلف المأموم لأجلها، ويحرم إن فوتت بعض الفاتحة.
كما بحثه الأذرعي.
اه.
وعبارة المنهج القويم له أيضا، قال الأذرعي: وقد تحرم إن فوتت بعض الفاتحة لكونه بطئ النهضة أو القراءة والإمام سريعها.
اه.
وكتب الكردي ما نصه: قوله: إن فوتت إلخ، نقله في الإمداد عن الأذرعي وأقره.
وفي فتح الجواد على ما بحثه الأذرعي، وفي شرح العباب: فيه نظر، بل الأوجه عدم المنع مطلقا، وأنه يأتي في متخلف لها ما يجئ في التخلف لافتتاح أو تعوذ أو لإتمام التشهد الأول.
اه.
(قوله: لقيام) متعلق بسن.
(قوله: أي لأجله) أفاد به أن اللام للتعليل، أي لأجل قصد القيام وإرادته.
وإن خالف المشروع فتسن في محل التشهد الأول عند تركه ولا تسن إذا تشهد (قوله: عن سجود) متعلق بقيام.
وعن بمعنى من، أي قيام من سجود.
(قوله: لغير تلاوة) أما سجود التلاوة فلا تسن جلسة الاستراحة للقيام منه لأنها لم ترد فيه.
(قوله: ويسن اعتماد على بطن كفيه إلخ) وذلك لأنه أعون على القيام وأشبه بالتواضع، مع ثبوته عنه صلى الله عليه وسلم.
فقد ثبت: أنه كان يقوم كقيام العاجز.
وفي رواية: العاجن.
(قوله: وتاسعها) أي تاسع أركان الصلاة.
(قوله: طمأنينة في كل) إنما عدها ركنا واحدا في محالها الأربعة
نفل، خلافا للانوار.
وضابطها أن تستقر أعضاوه بحيث ينفصل ما انتقل إليه عما انتقل عنه .. (و) عاشرها: (تشهد أخير، وأقله) ما رواه الشافعي والترمذي: (التيحات لله إلى آخره) تتمته: سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا
ــ
لتجانسها، كما عدو السجدتين ركنا لذلك.
(قوله: من الركوع الخ) بيان لكل.
(قوله: ولو كانا في نفل) ضمير التثنية راجع للجلوس والاعتدال.
وخصهما - مع أن الطمأنينة ركن من ركوع النفل وسجوده أيضا - لأن الخلاف إنما هو في طمأنينة الجلوس والاعتدال في النفل كهما نفسهما، وأما الركوع والسجود فلا خلاف فيهما، ولا في طمأنينتهما أصلا، فلا يحتاجان إلى التخصيص.
وعبارة التحفة: ويجب الاعتدال والجلوس بين السجدتين، والطمأنينة فيهما، ولو في النفل.
كما في التحقيق وغيره.
فاقتضاء بعض كتبه عدم وجوب ذينك، فضلا عن طمأنينتهما، غير مراد أو ضعيف خلافا لجزم الأنوار ومن تبعه بذلك الاقتضاء غفلة عن التصريح المذكور في التحقيق كما تقرر.
اه.
وكتب سم ما نصه: قوله
غفلة إلخ.
الجزم بالغفلة ينبغي أن يكون غفلة، فإنه يجوز إن يكونوا اختاروا الاقتضاء على الصريح مع الاطلاع عليه، لنحو ظهور الاقتضاء عندهم.
وقد تقدم الاقتضاء على الصريح في مواضع في كلام الشيخين وغيرهما كما لا يخفى.
اه.
(قوله: خلافا للأنوار) عبارته: لو ترك الاعتدال والجلوس بين السجدتين في النافلة لم تبطل.
اه.
وإذا علمتها تعلم أنها راجعة لأصل الاعتدال والجلوس لطمأنينتهما، خلافا لظاهر الشارح.
نعم، يقال إنه يعلم عدم قوله بالبطلان إن ترك الطمأنينة بالأولى، فلعل مراد الشارح ذلك.
(قوله: وضابطها) أي الطمأنينة.
(قوله: أن تستقر أعضاؤه) أي تسكن من حركة الهوي، وهذا بمعنى قولهم: هي سكون بين حركتين، أي حركة الهوي للركوع مثلا وحركة الرفع منه.
(قوله: بحيث ينفصل إلخ) تصوير للاستقرار، أي تستقر استقرارا مصورا بحالة هي أن ينفصل الركن الذي انتقل إليه عن الركن الذي انتقل عنه.
(قوله: وعاشرها) أي عاشر أركان الصلاة.
(قوله: تشهد أخير) هو في الأصل اسم للشهادتين فقط، ثم أطلق على التشهد المعروف لاشتماله على الشهادتين، فهو من إطلاق اسم الجزء على الكل.
ويدل على فرضيته خبر ابن مسعود: كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله قبل عباده.
السلام على جبريل، السلام على ميكائيل.
السلام على فلان.
فقال صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام.
ولكن قولوا: التحيات، إلخ.
فالتعبير بالفرض في قوله: قبل أن يفرض.
والأمر في قوله: ولكن قولوا.
ظاهران في الوجوب.
(قوله: وأقله إلخ) أما أكمله فأشار إليه بقوله: ويسن لكل زيادة المباركات إلخ.
(قوله: التحيات لله) أي مستحقة لله.
والتحيات جمع تحية.
وهي ما يحيا به من قول أو فعل.
وجمعت لأن كملك كان له تحية معروفة يحيا بها.
فملك العرب كانت رعيته تحييه بأنعم صباحا قبل الإسلام، وبعده بالسلام عليكم.
وملك الأكاسرة كانت رعيته تحييه بالسجود له وتقبيل الأرض، وملك الفرس كانت رعيته تحييه بطرح اليد على الأرض قدامه ثم تقبيلها، وملك الحبشة كانت رعيته تحييه بوضع اليدين على الصدر مع السكينة، وملك الروم كانت رعيته تحييه بكشف الرأس وتنكيسه، وملك النوبة كانت رعيته تحييه بجعل اليدين على الوجه، وملك حمير كانت رعيته تحييه بالإيماء بالدعاء بالأصابع، وملك اليمامة كانت رعيته تحييه بوضع اليد على كتفه.
والقصد من ذلك الثناء على الله بأنه مالك لجميع التحيات الصادرة عن الخلق للملوك.
(قوله سلام عليك) قال الكردي في الإيعاب للشارح: وخوطب صلى الله عليه وسلم كأنه إشارة إلى أنه تعالى يكشف له عن المصلين من أمته حتى يكون كالحاضر معهم، ليشهد لهم بأفضل أعمالهم وليكون تذكر حضوره سببا لمزيد الخشوع والحضور.
ثم رأيت الغزالي قال في الإحياء: قبل قولك السلام عليك أيها النبي أحضر شخصه الكريم في قلبك، وليصدق أملك في أنه يبلغه ويرد عليك ما هو أوفى منه.
اه.
(قوله: ورحمة الله وبركاته) أي عليك.
ومعنى وبركاته: خيراته.
لأن معنى البركة الخير الإلهي فالشئ.
(قوله: سلام علينا) الضمير للحاضرين، من إمام ومأموم وملائكة وإنس وجن، أو لجميع الأمة.
وقوله: وعلى عباد الله الصالحين أي القائمين بحقوق الله وحقوق عباده.
لأن الصالح هو القائم بحقوق الله وحقوق العباد.
وقال البيضاوي: هو الذي صرف عمره في طاعة الله، وماله في مرضاته، وهو ناظر للصالح الكامل.
فلا ينافي أن من صرف مدة عمره في عمل
رسول الله.
ويسن لكل زيادة: المباركات الصلوات الطيبات، وأشهد الثاني، وتعريف السلام في الموضعين، لا البسملة قبله، ولا يجوز إبدال لفظ من هذا الاقل ولو بمرادفه، كالنبي بالرسول وعكسه، ومحمد بأحمد وغيره، ويكفي: وأن محمدا عبده ورسوله، لا وأن محمدا رسوله.
ويجب أن يراعي هنا التشديدات، وعدم إبدال حرف بآخر،
ــ
المعاصي ثم تاب توبة صحيحة وسلك طريق السلوك وقام بخدمة ملك الملوك يسمى صالحا.
(قوله: أشهد أن لا إله إلا الله) أي أقر وأذعن بأنه لا معبود بحق ممكن إلا الله.
ويتعين لفظ أشهد، فلا يقوم غيره مقامه لأن الشارع تعبدنا به.
وقوله: وإن محمدا رسول الله الأولى ذكر السيادة، لأن الأفضل سلوك الأدب.
وحديث: لا تسودوني في صلاتكم.
باطل.
(قوله: ويسن لكل) أي من الإمام والمنفرد والمأموم.
وهذا شروع في بيان أكمل التشهد، وقد ورد فيه أخبار صحيحة.
فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم: لما جاوز سدرة المنتهى ليلة الإسراء غشيته سحابة من نور، فيها من الألوان ما شاء الله.
فوقف جبريل ولم يسر معه، فقال له صلى الله عليه وسلم: أتتركني أسير منفردا؟ فقال له جبريل: وما منا إلا له مقام معلوم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سر معي ولو خطوة.
فسار معه خطوة فكاد أن يحترق من النور والجلال والهيبة، وصغر وذاب حتى صار قدر العصفور، فأشار على النبي بأن يسلم على ربه إذا وصل مكان الخطاب.
فلما وصل النبي إليه قال: التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله.
فقال الله تعالى: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
فأحب النبي أن يكون لعباد الله الصالحين نصيب من هذا المقام، فقال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
فقال جميع أهل السموات: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله.
قوله: المباركات أي الناميات.
أي الأشياء التي تنمو وتزيد.
وقوله: الصلوات أي الخمس.
وقيل: مطلق الصلوات.
والطيبات: أي الأعمال الصالحة.
(فائدة) ذكر الفشني في شرح الأربعين إن في الجنة شجرة اسمها التحيات، وعليها طائر اسمه المباركات، وتحتها عين اسمها الطيبات، فإذا قال العبد ذلك في كل صلاة نزل ذلك الطائر من فوق الشجرة وانغمس في تلك العين ثم خرج منها وهو ينفض أجنحته فيتقطر الماء من عليه، فيخلق الله من كل قطرة ملكا يستغفر له إلى يوم القيامة.
(قوله: وأشهد الثاني) معطوف على مدخول زيادة، أي ويسن زيادة أشهد الثاني أي الداخل على وأن محمدا رسول الله.
وعليه، فالمناسب أن يقول: وأشهد في الثاني، بزيادة في الظرفية.
ويحتمل أنه معطوف على زيادة، أي
ويسن أشهد الثاني، وهو المناسب للمعطوف الذي بعده.
لكن يرد عليه إنه يقتضي أنه تقدم منه ذكره، مع أنه ليس كذلك.
إلا إن يقال إن أل الداخلة على الثاني للعهد الذهني، أي المعروف عندهم.
(قوله: وتعريف السلام) معطوف على زيادة، أي ويسن تعريف السلام لكثرته في الأخبار.
وكلام الشافعي: ولزيادته وموافقته سلام التحلل.
وعبارة المغني: وتعريف السلام أفضل - كما قال المصنف - من تنكيره.
وصحح الرافعي أنهما سواء.
وقيل: تنكيره أفضل.
اه بحذف.
(قوله: لا البسملة قبله) أي لا تسن البسملة قبل التشهد لعدم ثبوتها.
وعبارة المغني: ولا يسن في أول التشهد بسم الله على الأصح، والحديث فيه ضعيف.
اه.
(قوله: ولا يجوز إبدال لفظ من هذا الأقل) أي من الألفاظ الثابتة في أقل التشهد، ولو أتى بالأكمل، اقتصارا على الوارد.
(قوله: ولو بمرادفه) غاية لمقدر، أي بلفظ آخر ولو كان مرادفا له.
(قوله: كالنبي بالرسول) أي كإبدال النبي بالرسول، في قوله: السلام عليك أيها النبي، وهو من الإبدال بالمرادف، بناء على أنهما مترادفان.
وإلا فهو من الإبدال بالأخص منه، إذ الرسول أخص من النبي على الأصح.
وقوله: وعكسه أي وإبدال الرسول بالنبي في قوله: وأشهد أن محمدا رسول الله.
وإنما لم يجزئ ذلك لأن الرسالة أخص من النبوة على الأصح، فلا يلزم من كونه نبيا كونه رسولا، فيحتاج للتنصيص على كونه رسولا ليظهر فضله على من ليس له مقام الرسالة من النبيين.
(قوله: ومحمد بأحمد) أي وإبدال محمد بأحمد، وهذا من الإبدال بالمرادف لا غير.
(قوله: وغيره) أي وكغير ذلك، فهو معطوف على مدخول الكاف، وذلك كإبدال أشهد بأعلم فلا يجزئ، لأن الشارع تعبدنا بالأولى ويحتمل أنه معطوف على أحمد، أي وإبدال محمد بغير أحمد من بقية أسماء النبي.
(قوله: ويكفي وأن محمدا عبده ورسوله) أي بزيادة عبده، والإتيان بالضمير في رسوله بدل الاسم الظاهر.
(قوله: لا وأن محمدا رسوله) أي لا يكفي
والموالاة لا الترتيب إن لم يخل بالمعنى.
فلو أظهر النون المدغمة في اللام في أن لا إله إلا الله أبطل لتركه شدة منه، كما لو ترك إدغام دال محمد في راء رسول الله.
ويجوز في النبي الهمزة والتشديد.
(و) حادي عشرها: (صلاة على النبي)(ص)(بعده) أي بعد تشهد أخير، فلا تجزئ قبله.
(وأقلها: اللهم
ــ
بالضمير مع إسقاط عبده، لأنه لم يرد وليس فيه ما مقام يقوم زيادة العبد، بخلاف وأن محمدا رسول الله فإنه يكفي وإن لم يرد، لأنه ورد إسقاط لفظ أشهد.
والإضافة للظاهر تقوم مقام زيادة عبد، كذا في التحفة.
وخالف الرملي فجوز وأن محمدا رسوله.
والحاصل: يكفي وأن محمدا رسول الله، وأن محمدا عبده ورسوله.
وأما وأن محمدا رسوله ففيه خلاف.
وذكر الواو بين الشهادتين لا بد منه، وإنما لم يجب في الأذان لأنه طلب فيه إفراد كل كلمة بنفس، وذلك يناسب ترك العطف.
وتركها في الإقامة لا يضر إلحاقا لها بأصلها وهو الأذان.
(قوله: ويجب أن يراعي هنا) أي في التشهد، كما في الفاتحة.
وقوله: التشديدات في الإمداد نقلا عن افتاء الرافعي: من خفف تشديد التحيات بطلت صلاته.
اه كردي.
(قوله:
وعدم إبدال حرف بآخر) أي ويجب عدم إبدال حرف بحرف آخر، وهذا يغني عنه قوله: ولا يجوز إبدال لفظ إلخ إذ اللفظ صادق بالحرف الواحد.
(قوله: والموالاة) أي بأن لا يفصل بين كلماتها بأكثر من سكتة التنفس.
نعم، يغتفر زيادة الكريم بعد أيها النبي، وزيادة يا قبله، وزيادة والملائكة المقربين بعد الصالحين، وزيادة وحده لا شريك له بعد إلا الله.
ويجب في التشهد أيضا أن يسمع نفسه، وأن يكون بالعربية عند القدرة عليها ولو بالتعلم، وعدم الصارف.
وعبارة الأنوار: وشرط التشهد رعاية الكلمات والحروف والتشديدات، والإعراب المخل - أي تركه - والموالاة، والألفاظ المخصوصة، وإسماع النفس كالفاتحة والقراءة قاعدا، ولو قرأ ترجمته بلغة من لغات العرب أو بالعجمية قادرا على التعلم بطلت صلاته، كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
اه.
سم.
(قوله: لا الترتيب) أي لا يجب الترتيب بالقيد الذي ذكره.
(قوله: إن لم يخل بالمعنى) فاعل الفعل يعود على معلوم من السياق، أي إن لم يخل ترك الترتيب، كأن قال: السلام عليك أيها النبي التحيات لله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
فإن أخل بالمعنى لم يصح وتبطل به الصلاة إن تعمد، كأن قال: التحيات عليك السلام لله.
(قوله: فلو أظهر الخ) تفريع على وجوب مراعاة التشديدات.
(قوله: أبطل لتركه شدة) أي إن لم يعده على الصواب بل استمر إلى السلام، ولا نظر لكون النون لما ظهرت خلفت الشدة لأن في ذلك ترك شدة أو إبدال حرف بآخر، وهو مبطل إن غير المعنى، بل وإن لم يتغير المعنى كما هنا.
كذا في التحفة والنهاية.
ونازع سم في الإبطال من القادر وقال: لأنه لا يزيد على اللحن الذي لا يغير المعنى، سيما وقد جوز بعض القراء الإظهار في مثل ذلك.
قال ابن الجزري في أحكام النون الساكنة والتنوين، وخير البزي بين الإظهار والإدغام فيهما - أي النون والتنوين - عندهما، أي عند اللام والراء الخ.
اه.
(قوله: كما لو ترك إدغام دال محمد في راء رسول الله) أي فإنه يبطل لتركه شدة، ويأتي فيه ما مر.
وقال بعضهم: ينبغي أنه يغتفر ذلك للعوام.
اه.
(قوله: ويجوز في النبي الهمز والتشديد) أي فهو مخير بين الإتيان بالأول أو بالثاني، ولا يجوز تركهما معا وصلا ووقفا على المعتمد، خلافا للزيادي القائل بجوازه وقفا، وهو ضعيف.
(قوله: وحادي عشرها) أي أركان الصلاة.
وهذا التركيب ونحوه يقرأ بفتح الجزأين لأنه مركب، وهو إذا أضيف يبقى بناؤه، ويجوز كسر الراء على الإعراب، لكنه قليل.
قال ابن مالك: وإن أضيف عدد مركب يبقى البنا وعجز قد يعرب (قوله: صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعده) أي لقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه) * فدل ذلك على الوجوب، لأن الأمر للوجوب.
وقد أجمع العلماء على أنها لا تجب في غير الصلاة، وللأخبار الصحيحة في ذلك، منها حديث: أمرنا
الله أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك إذا صلينا عليك في صلاتنا؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد وآله.
ومنه، قوله صلى الله عليه وسلم: إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد ربه والثناء عليه، وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، وليدع بما شاء.
والمناسب لها من الصلاة آخرها، ووجه المناسبة أن المصلي قد قارب الفراغ من مناجاة الحق فالتفت إلى سيد الخلق فخاطبه بالسلام عليه، فناسب أن يصلي عليه بعده، أن الصلاة عليه دعاء، والدعاء بالخواتيم أليق.
والأولى أن يستدل على كونها بعد
صل) أي ارحمه رحمة مقرونة بالتعظيم، أو صلى الله (على محمد)، أو على رسوله، أو على النبي، دون أحمد.
(وسن في) تشهد (أخير) وقيل: يجب.
(صلاة على آله) فيحصل أقل الصلاة على الآل بزيادة وآله، مع أقل الصلاة لا في الاول على الاصح، لبنائه على التخفيف، ولان فيها نقل ركن قولي على قول، وهو مبطل على قول.
واختير مقابله لصحة أحاديث فيه.
(ويسن أكملها في تشهد) أخير، وهو: اللهم صل على محمد
ــ
التشهد بما أخرجه الحاكم بسند قوي عن ابن مسعود قال: يتشهد الرجل، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو لنفسه.
(قوله: أي بعد تشهد أخير) أي بعد تشهد يعقبه سلام، وإن لم يكن للصلاة تشهد أول.
فقوله: أخير المفيد تقدم أول ليس بقيد بل هو جري على الغالب من أن للصلاة تشهدين.
(قوله: فلا تجزئ) أي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبله، أي التشهد، لأنه لا بد من الترتيب بينها وبين التشهد.
(قوله: وأقلها) أي أقل الصلاة الواجبة.
وسيذكر أكملها.
(قوله: اللهم صل إلخ) لا يقال: لم يأت بما في آية صلوا عليه، إذ فيها السلام.
ولم يأت به لأنا نقول قد حصل بقوله السلام عليك إلى آخره.
(قوله: أي ارحمه إلخ) تفسير لمعنى الصلاة.
ولا يقال: الرحمة حاصلة له عليه الصلاة والسلام فطلبها طلب لما هو حاصل.
لأنا نقول: المقصود بصلاتنا عليه صلى الله عليه وسلم طلب رحمة لم تكن حاصلة له، فإنه ما من وقت إلا وهناك نوع من رحمة لم يحصل له، فلا يزال يترقى في الكمالات إلى ما لا نهاية له.
فهو صلى الله عليه وسلم ينتفع بصلاتنا عليه على الصحيح.
لكن لا ينبغي للمصلي أن يقصد ذلك، بل يقصد أنه مفتقر له عليه الصلاة والسلام، وأنه يتوسل به إلى ربه في نيل مطلوبه، لأنه الواسطة العظمى في إيصال النعم إلينا.
وقد تقدم في أول الكتاب نحوه.
(قوله: أو صلى الله) أي أو يقول: صلى الله.
فهو مخير بين الإتيان بصيغة الأمر أو بالماضي.
(قوله: على محمد إلخ) تنازعه كل من صل وصلى.
(قوله: دون أحمد) فلا يجزئ الإتيان به لعدم وروده.
وكذلك لا يجزئ صلى الله عليه وسلم أو على الحاشر، أو العاقب، أو البشير، أو النذير.
وإنما أجزأت دون عليه في الخطبة لأنها أوسع من الصلاة.
واعلم أنه يشترط في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم شروط التشهد، من رعاية الكلمات والحروف، ورعاية التشديدات، وإسماع نفسه، وكونها بالعربية.
(قوله: وسن في تشهد أخير) المراد به ما مر.
(قوله: وقيل: يجب) أي الإتيان بالصلاة على الآل فيه، وهو على القول القديم لإمامنا رضي الله عنه.
واستدل له بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: قولوا اللهم صل على محمد وآله والأمر
يقتضي الوجوب.
وللإمام الشافعي رضي الله عنه: يا أهل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن أنزله كفاكم من عظيم القدر أنكم من لم يصل عليكم لا صلاة له فقوله: لا صلاة له.
يحتمل أن المراد صحيحة، فيكون موافقا للقول القديم بوجوب الصلاة على الآل، ويحتمل أن المراد لا صلاة كاملة، فيوافق أظهر قوليه وهو الجديد.
(قوله: صلاة على آله) نائب فاعل سن.
(قوله: فيحصل أقل الصلاة على الآل الخ) أي ويحصل الأكمل بما يأتي في الصلاة الإبراهيمية.
(قوله: بزيادة وآله) أي زيادة هذا اللفظ.
(قوله: مع أقل الصلاة) الأولى التعبير بعلى بدل مع.
(قوله: لا في الأول) أي لا تسن الصلاة على الآل في التشهد الأول لما ذكره.
وفي سم ما نصه: لو فرغ المأموم من التشهد الأول والصلاة على النبي (ص قبل فراغ إمام سن له الإتيان بالصلاة على الآل وتوابعها.
كما أفتى به شيخنا الشهاب الرملي.
(قوله: لبنائه) أي التشهد الأول على التخفيف.
أي والملائم له عدم الإتيان بالصلاة على الآل فيه.
(قوله: ولأن فيها) أي في الصلاة على الآل في التشهد الأول.
وقوله: على قول مرتبط بركن قولي، أي كونها ركنا قوليا قيل به، فعليه إذا أتى بها في التشهد الأول صدق عليه أنه نقل ركنا قوليا، أي أتى به في غير محله.
وقوله: وهو مبطل على قول، أي نقل الركن القولي مبطل في قول.
(قوله: واختير مقابله) أي الأصح، وهي أنها تسن في الأول.
(قوله: لصحة أحاديث فيه) أي في المقابل.
(قوله: ويسن أكملها) أي الصلاة على
وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
والسلام تقدم في التشهد فليس هنا إفراد الصلاة عنه، ولا بأس بزيادة سيدنا قبل محمد.
(و) سن في تشهد أخير (دعاء) بعد ما ذكر كله.
وأما التشهد الاول فيكره فيه الدعاء لبنائه على التخفيف، إلا إن فرغ قبل إمامه فيدعو حينئذ.
ومأثوره أفضل، وآكده ما أوجبه بعض العلماء، وهو:
ــ
النبي وعلى آله.
ولو قال: أكملهما، بضمير التثنية العائد على الصلاة على النبي والصلاة على الآل، لكان أنسب بعبارته.
إذ فيها فضل الصلاة على الآل عن الصلاة على النبي.
وفي الكردي ما نصه: قال في الإيعاب: ومحل ندب هذا الأكمل لمنفرد وإمام راضين بشرطهم، وإلا اقتصر على الأقل.
كما بحثه الجويني وغيره.
اه.
(قوله: وهو اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم الخ) قال في شرح البهجة الكبير ما نصه: وفي الأذكار وغيره: الأفضل أن يقول: اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.
وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.
في العالمين إنك حميد مجيد.
اه ع ش.
وإنما خص إبراهيم بالذكر لأن الرحمة والبركة لم يجتمعا في القرآن لنبي غيره.
قال الله تعالى: * (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) * وآل سيدنا محمد بنو
هاشم وبنو المطلب، وقد تقدم الكلام عليه.
وآل سيدنا إبراهيم إسماعيل وإسحاق وأولادهما، وكل الأنبياء بعد إبراهيم من ولد إسحاق إلا نبينا صلى الله عليه وسلم فمن ولده إسماعيل.
وقد استشكل التشبيه في هذه الصيغة بأن سيدنا محمدا أفضل من سيدنا إبراهيم فتكون الصلاة والبركة المطلوبتان أفضل وأعظم من الصلاة والبركة الحاصلتين لإبراهيم، فكيف شبه ما يتعلق بالنبي بما يتعلق بإبراهيم؟ مع أن المشبه به يكون أعلى من المشبه.
وأجيب عن ذلك بأجوبة، منها: أن التشبيه من حيث الكمية أي العدد، دون الكيفية أي القدر.
ومنها: أن التشبيه راجع للآل فقط، ولا يشكل أن آل النبي ليسوا بأنبياء، فكيف يساوون آل إبراهيم وهم أنبياء.
مع أن غير الأنبياء لا يساوونهم مطلقا، لأنه لا مانع من مساواة آل النبي وإن كانوا غير أنبياء لأل إبراهيم وإن كانوا أنبياء، بطريق التبعية له صلى الله عليه وسلم.
وقوله: في العالمين - على الرواية الثانية - متعلق بمحذوف، أي وأدم ذلك فيهم.
ومعنى حميد: محمود.
ومعنى مجيد: ماجد، وهو من كمل شرفا وعلما.
(قوله: ولا بأس بزيادة إلخ) بل هي الأولى كما يقدم.
(قوله: وسن في تشهد أخير) الأولى حذف الجار والمجرور والاقتصار على قوله بعد ما ذكر كله إذ هو صادق بالتشهد والصلاة على النبي وآله، اللهم إلا أن يحمل على الجلوس على طريق المجاز المرسل من ذكر الحال وإرادة المحل.
وقوله: دعاء أي بما شاء، من ديني أو دنيوي، كاللهم ارزقني جارية حسناء لخبر: إذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل التحيات لله، إلخ، ثم ليتخير من المسألة ما شاء أو ما أحب.
رواه مسلم.
وروى البخاري: ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به.
اه شرح الرملي.
وقوله: بعد ما ذكر كله أي من التشهد الأخير والصلاة على النبي والصلاة على الآل، سواء أتى بالأكمل منها أو بالأقل كما علمت.
(قوله: وأما التشهد الأول) مقابل قوله في التشهد الأخير.
ولو اقتصر على ما مر لقال هنا: أما التشهد الأول فيكره الدعاء بعده، وكان هو الأولى.
قال في التحفة: ويلحق به - أي التشهد الأول - كل تشهد غير محسوب للمأموم، بل هذا داخل في الأول لأن المراد به غير الأخير.
اه.
(قوله: فيدعو حينئذ) أي حين إذ فرغ.
والمناسب لما قبله فلا يكره الدعاء بعده حينئذ.
وتقدم عن سم أنه إذا فرغ قبل إمامه يسن له الإتيانه بالصلاة على الآل وتوابعها، فلا تغفل.
(قوله: ومأثوره أفضل) أي المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من غيره، لانه صلى الله عليه وسلم هو المحيط باللائق بكل محل بخلاف غيره.
(قوله: وآكده) أي المأثور ما أوجبه بعض العلماء.
وفي الكردي ما نصه: في شرح مسلم للنووي قوله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم
اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال.
ويكره تركه.
ومنه: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني.
أنعت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت.
رواهما مسلم.
ومنه أيضا: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كبيرا كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، إنك أنت الغفور الرحيم.
رواه البخاري.
ويسن أن ينقص دعاء الامام عن قدر أقل التشهد، والصلاة على النبي (ص).
قال شيخنا: تكره الصلاة على النبي (ص) بعد أدعية التشهد.
ــ
السورة من القرآن، وأن طاوسا رحمه الله تعالى أمر ابنه بإعادة الصلاة حين لم يدع بهذا الدعاء فيها، إلى أن قال: وظاهر كلام طاوس أنحمل الأمر به على الوجوب، فأوجب إعادة الصلاة لفواته.
وجمهور العلماء على أنه مستحب ليس بواجب، ولعل طاوسا أراد تأديب ابنه وتأكيد هذا الدعاء عنده، لا أنه يعتقد وجوبه.
اه.
ونقل القول بالوجوب عن ابن حزم.
اه.
(قوله: وهو اللهم إلخ) أي الآكد الذي أوجبه بعض العلماء هو ما ذكر، وذلك لما رواه أبو هريرة: إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنه المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال.
(قوله: ومن فتنة المحيا والممات) أي الحياة والموت.
قال القليوبي: وفتنة المحيا بالدنيا والشهوات ونحوهما، كترك العبادات.
وفتنة الممات بنحو ما عند الاحتضار أو فتنة القبر.
اه.
وقال ع ش: يحتمل أن المراد بفتنة الممات الفتنة التي تحصل عند الاحتضار، وإضافتها للممات لاتصالها به.
أو أن المراد بها ما يحصل بعد الموت، كالفتنة التي تحصل عند سؤال الملكين.
وهذا أظهر، لأن ما يحصل عند الموت شملته فتنة المحيا.
اه.
(قوله: ومن فتنة المسيح الدجال) بالحاء المهملة، لأنه يمسح الأرض كلها إلا مكة والمدينة وبيت المقدس.
وبالخاء المعجمة، لأنه ممسوخ العين.
والدجال: الكذاب.
من الدجل، وهو التغطية، لأنه يغطي الحق بالباطل.
ومن خبره ما قيل أنه يأتي والناس في ضيق عظيم، ومعه جبلان واحد من لحم وآخر من خبز، ومعه جنة ونار، ومعه ملكان واحد على يمينه وآخر عن يساره، فيقول: أنا ربكم.
فيقول الملك الذي عن يمينه: كذبت.
فيجيبه الآخر الذي عن شماله: صدقت.
ولم يسمع أحد إلا قول الملك الذي عن شماله: صدقت.
وهذه فتنة عظيمة أعاذنا الله منها.
(قوله: ويكره تركه) ظاهر العبارة أن الضمير راجع لهذا الآكد فقط، ومقتضاه أنه يكره تركه وإن أتى بدعاء غيره.
وصريح التحفة أنه يكره ترك الدعاء مطلقا، هذا وغيره، ونصها مع الأصل: وكذا الدعاء بعده - أي بعد ما ذكر كله - سنة، ولو للإمام، للأمر به في الأحاديث الصحيحة.
بل يكره تركه للخلاف في وجوب بعضه الآتي.
اه.
فلو قدمه وذكره قبل قوله: وأما التشهد الأول، لكان أولى.
(قوله: ومنه) أي المأثور.
(قوله: اللهم اغفر لي ما قدمت) أي ما تقدم مني من الذنوب.
(قوله: وما أخرت) أي ما يقع من الذنوب آخرا، فاغفر لي إياه عند وقوعه.
وهذا لا استحالة فيه لأنه طلب قبل الوقوع أن يغفر إذا وقع، وإنما المستحيل طلب المغفرة الآن لما سيقع، وهذا ليس مرادا.
وقوله: وما أسرفت أي جاوزت به الحد.
(قوله: أنت المقدم) أي الذي تقدم الأشياء وتضعها في مواضعها.
(قوله: وأنت المؤخر) أي الذي
تؤخر الأشياء إلى مكانها.
فهو سبحانه وتعالى يضع الأشياء في محالها، فمن استحق التقديم قدمه، ومن استحق التأخير أخره.
(قوله: رواهما) أي الدعاءين المذكورين.
(قوله: ومنه أيضا اللهم الخ) أي ومن المأثور أيضا: اللهم إني ظلمت نفسي - أي أسأت إليها - بمخالفتك وطاعة عدونا وعدوك، وفيه اعتراف على نفسه بالذنب والندم على ذلك.
(قوله: مغفرة من عندك) أي لا يقتضيها سبب من العبد من العمل ونحوه.
اه بجيرمي.
(قوله: ويسن أن ينقص دعاء الإمام الخ) قال في التحفة: بل الأفضل أن ينقص عن ذلك - كما في الروضة وغيرها - لأنه تبع لهما، فإن ساواهما كره.
أما المأموم فهو تابع لإمامه، وأما المنفرد فقضية كلام الشيخين أنه كالإمام.
لكن أطال المتأخرون في أن المذهب أنه يطيل ما شاء ما لم يخف وقوعه في سهو.
ومثله إمام من مرأى محصورين رضوا بالتطويل.
وظاهر أن محل الخلاف فيمن لم يسن له
(و) ثاني عشرها: (قعود لهما) أي للتشهد والصلاة، وكذا للسلام.
(وسن تورك فيه) أي في قعود التشهد الاخير، وهو ما يعقبه سلام.
فلا يتورك مسبوق في تشهد إمامه الاخير، ولا من يسجد لسهو.
وهو كالافتراش، لكن يخرج يسراه من جهة يمناه ويلصق وركه بالارض.
(ووضع يديه في) قعود (تشهديه على طرف ركبتيه) بحيث تسامته رؤوس الاصابع، (ناشرا أصابع يسراه) مع ضم لها، (وقابضا) أصابع (يمناه إلا المسبحة) - بكسر الباء، وهي التي تلي الابهام - فيرسلها.
(و) سن (رفعها) - أي المسبحة - مع إمالتها قليلا
(عند) همزة (إلا الله) للاتباع.
(وإدامته) أي الرفع.
فلا يضعها بل تبقى مرفوعة إلى القيام أو السلام، والافضل
ــ
انتظار، نحو داخل.
اه.
وقال في فتح الجواد: ويسن الجمع بينها، أي هذه الأدعية المأثورة هنا وفي غيره.
نعم، يسن لغير المنفرد أن يكون الدعاء هنا أقل من أقل التشهد والصلاة، فإن زاد لم يضر، إلا أن يكون إماما فيكره له التطويل.
اه.
(قوله: قال شيخنا إلخ) لعله في غير التحفة وفتح الجواد من بقية كتبه، أما فيهما فلم يذكره.
(قوله: وثاني عشرها) أي أركان الصلاة.
وقوله: قعود لهما إنما وجب لأنه محلهما، فيتبعهما في الوجوب.
(قوله: أي للتشهد والصلاة) تفسير لضمير لهما.
(قوله: وكذا للسلام) أي وكذا يجب القعود للسلام، أي التسليمة الأولى.
(قوله: وسن تورك فيه) أي ولو لمن يصلي من جلوس.
ومثله الافتراش في محله.
(قوله: أي في قعود التشهد الأخير) قال الشوبري: ومثله سجود التلاوة والشكر خارج الصلاة، فالسنة فيهما أن يجلس متوركا.
اه.
(قوله: وهو ما يعقبه سلام) أي التشهد الأخير هو الذي يعقبه سلام وإن لم يسبقه تشهد أول.
(قوله: فلا يتورك مسبوق) أي لأن تشهده لم يعقبه سلام، بل يفترش لأن الافتراش هيئة المستوفز، فيسن في كل جلوس تعقبه حركة لأنها أسهل عنه، والتورك هيئة المستقر.
(قوله: ولا من يسجد لسهو) أي ولا يتورك من عليه سجود سهو ولم يرد تركه بأن أراد فعله أو أطلق، بل يفترش.
فإن قصد تركه تورك.
(قوله: وهو) أي التورك.
وقوله: كالافتراش أي في الهيئة.
(قوله: لكن يخرج الخ) أتى به دفعا لما يوهمه التشبيه من اتحادهما مطلقا.
أي - لكن في الافتراش - يجلس على كعب يسراه، وفي التورك يجلس على وركه الأيسر.
(قوله: ويلصق) بضم الياء، من ألصق.
وقوله: وركه بفتح فكسر، أي أليته.
والمراد اليسرى.
وقوله: بالأرض أي بمقره.
أي وينصب رجله اليمنى واضعا أطراف أصابعها بالأرض متوجهة للقبلة.
(قوله: ووضع يديه) أي وسن وضع يديه، أي كفيه الراحة
وبطون الأصابع.
(قوله: في قعود تشهديه) أي الأول والأخير.
وكعقودهما غيره من بقية جلسات الصلاة.
ولو قال: في جميع جلسات الصلاة لكان أولى.
(قوله: على طرف ركبتيه) متعلق بوضع، وفيه أنه إذا وضع يديه عليه لزم زيادة الأصابع عليه، وحينئذ لا يصح قوله بعد بحيث إلخ.
ويمكن أن يقال: إن المراد على قرب طرف ركبتيه، فيكون في الكلام مضاف مقدر.
وعبارة غيره: وضع يديه قريبا من ركبيته.
اه.
وهي ظاهرة.
(قوله: بحيث الخ) الباء للملابسة، وهي متعلقة بمحذوف حال من يديه.
أي حال كونهما ملتبستين بحالة، هي مسامته رؤوس أصابعهما لطرف الركبة.
(قوله: ناشرا الخ) حال من فاعل المصدر المقدر، أي حال كون الواضع يديه ناشرا أصابع يسراه.
وسيأتي مقابله.
(قوله: مع ضم لها) أي جمع للأصابع، ولا يفرق بينها.
(قوله: وقابضا أصابع يمناه) قال ش ق: أي بعد وضعها منشورة، لا معه ولا قبله على المعتمد، خلافا لظاهر كلام بعضهم من أن القبض مقارن للوضع.
فالواو في عبارة المنهج وغيره للبعدية لا للمعية، ولعل في تأخير المصنف القبض عن الوضع إشارة إلى ذلك.
اه.
(قوله: إلا المسبحة) إنما سميت مسبحة لأنها يشار بها للتوحيد والتنزيه عن الشريك، وخصصت بذلك لاتصالها بنياط القلب أي العرق الذي فيه، فكأنها سبب لحضوره.
وتسمى أيضا سبابة، لأنه يشار بها عند السب والمخاصمة.
(قوله: وهي) أي المسبحة.
وقوله: التي تلي الإبهام أي الأصبع التي محلها بعد الإبهام.
(قوله: فيرسلها) أي ينشرها ولا يقبضها.
وهو تفريع على الاستثناء.
(قوله: وسن رفعها) هو خاص بهذا المحل تعبدا فلا يقاس به غيره، كما سيذكره الشارح.
فما يفعل بعد الوضوء وعند رؤية الجنازة لا أصل له.
(قوله: مع إمالتها قليلا) أي لئلا تخرج عن سمت القبلة.
(قوله: عند همزة إلا
قبض الابهام بجنبها، بأن يضع رأس الابهام عند أسفلها على حرف الراحة، كعاقد ثلاثة وخمسين.
ولو وضع اليمنى على غير الركبة يشير بسبابتها حينئذ، ولا يسن رفعها خارج الصلاة عند إلا الله.
(و) سن (نظر إليها) أي
ــ
الله) متعلق برفعها عند الابتداء بالهمزة من ذلك لأنه حال إثبات الوحدانية لله تعالى.
ويكون قاصدا بذلك أن المعبود واحد، ليجمع في توحيده بين اعتقاده وقوله وفعله.
قال ابن رسلان: وعند إلا الله فالمهلله ارفع لتوحيد الذي صليت له وتكره الإشارة بغير المسبحة وإن قطعت.
(قوله: للاتباع) دليل لسنية رفعها عند ما ذكر (قوله: وإدامته) أي وسن إدامته، أي استمراره.
(قوله: فلا يضعها) أي المسبحة، وهو تفريع على مفهوم الإدامة.
(قوله: بل تبقى مرفوعة) اضراب انتقالي، ولا حاجة إليه، فلو حذفه لكان أولى.
(قوله: إلى القيام) متعلق بتبقى أو بإدامته في المتن.
والمراد إلى الشروع في القيام، كما هو ظاهر.
(قوله: أو السلام) قال ع ش: هل المراد به تمام التسليمتين؟ أو تمام التسليمة الأولى
لأنه يخرج بها من الصلاة؟ أو لا؟ فيه نظر، والأقرب الأول، لأن الثانية من توابع الصلاة، ومن ثم لو أحدث بعد الأولى حرم الإتيان بالثانية.
لكن في حجر ما نصه: ولا يضعها إلى آخر التشهد.
اه.
وهي ظاهرة في أنه يضعها حيث تم التشهد قبل شروعه في التسليمة الأولى.
ويمكن رد ما قاله الشارح إلى ما قاله حجر بجعل السلام في كلام الشارح خارجا بناء على الأرجح من أن الغاية غير داخلة في المغيا، وإنما سن استمرار ذلك إلى ما ذكر لأن الأواخر والغايات هي التي عليها المدار، فطلب منه إدامة استحضار التوحيد والإخلاص حتى يفارق آخر صلاته لتكون خاتمتها على أتم الأحوال.
وهذا هو المعنى الذي رفعت لأجله.
اه ش ق.
(قوله: بجنبها) أي المسبحة.
والمراد به طرفها من تحت.
(قوله: بأن يضع إلخ) تصوير لقبض الإبهام بجنبها.
وقوله: عند أسفلها أي المسبحة.
والظرف متعلق بمحذوف حال من حرف الراحة بعده.
(وقوله: على حرف الراحة) متعلق بيضع، أي يضع ذلك على حرف الراحة حال كونه كائنا عند أسفلها.
(قوله: كعاقد ثلاثة وخمسين) خبر لمبتدأ محذوف، أي وهو - أي الواضع إبهامه على ما ذكر - كائن كعاقد إلخ.
أو متعلق بمحذوف حال من ضمير يضع، أي يضع ذلك حال كونه كعاقد إلخ، وهذا أولى، وإنما كانت هذه الكيفية ثلاثا وخمسين لأن في الإبهام والمسبحة خمس عقد، وكل عقدة بعشرة فذلك خمسون، والأصابع المقبوضة ثلاثة.
وهذه طريقة لبعض الحساب، وأكثرهم يسمونها تسعة وخمسين بجعل الأصابع المقبوضة تسعة نظرا إلى عقدها.
فالخلاف إنما هو في المقبوضة أهي ثلاثة أو تسعة؟.
وفي الكردي ما نصه: فائدة في كيفية العدد بالكف والأصابع المشار إلى بعضه بقولهم: كعاقد ثلاثة وخمسين.
كما نقل عن بعض كتب المالكية قالوا: إن الواحد يكنى عنه بضم الخنصر لا قرب باطن الكف منه، والاثنين بضم البنصر معها كذلك، والثلاثة بضم الوسطى معها كذلك والأربعة برفع الخنصر عنهما، والخمسة برفع البنصر معه مع بقاء الوسطى، والستة بضم البنصر وحده، والسبعة بضم الخنصر وحده على لحمة الإبهام، والثمانية بضم البنصر معه كذلك، والتسعة بضم الوسطى معهما كذلك، والعشرة بجعل السبابة على نصف الإبهام، والعشرين بمدهما معا، والثلاثين بلصوق طرفي السبابة والإبهام، والأربعين بمد الإبهام بجانب السبابة، والخمسين بعطف الإبهام كأنها راكعة، والستين بتحليق السبابة فوق الإبهام، والسبعين بوضع طرف الإبهام على الأنملة الوسطى من السبابة مع عطف السبابة عليها قليلا، والثمانين بوضع طرف السبابة على ظهر الإبهام، والتسعين بعطف السبابة حتى تلتقي مع الكف وضم الإبهام إليها، والمائة بفتح اليد كلها.
اه.
(قوله: ولو وضع اليمنى) أي كفه اليمنى.
وقوله: على غير الركبة أي غير قرب الركبة.
وإنما احتجنا لتقدير هذا المضاف لما علمت مما مر أن الوضع إنما هو على الفخذ مسامته رؤوس الأصابع طرف الركبة، وذلك الغير كالأرض أو فخذه بعيدا عن ركبتيه.
(وقوله: يشير بسبابتها) أي اليمنى.
وقوله: حينئذ أي حين إذ قال: إلا الله.
(قوله: ولا يسن
قصر النظر إلى المسبحة حال رفعها، ولو مستورة بنحو كم، كما قال شيخنا.
(و) ثالث عشرها: تسليمة أولى، (وأقلها: السلام عليكم) للاتباع، ويكره عليكم السلام، ولا يجزئ
ــ
رفعها) أي السبابة، لعدم وروده في غير التشهد.
(قوله: وسن نظر إليها) أي ويستمر ذلك إلى السلام أو القيام.
وهذا مستثنى من قولهم يسن إدامة نظره إلى موضع سجوده.
(قوله: أي قصر النظر إلى المسبحة) أي لا يجاوز نظره المسبحة.
(قوله: حال رفعها) منصوب بإسقاط الخافض، متعلق بنظر في المتن.
(قوله: ولو مستورة) غاية لسنية النظر.
(قوله: بنحوكم) أي كمنديل.
(قوله: كما قال شيخنا) مرتبط بالغاية.
وعبارته: نعم، السنة أن يقصر نظره على مسبحته عند رفعها - ولو مستورة - في التشهد، لخبر صحيح فيه.
(قوله: وثالث عشرها) أي أركان الصلاة.
(قوله: تسليمة أولى) لخبر مسلم: تحريمها التكبير وتحليلها التسليم.
قال القفال في المحاسن: في السلام معنى، وهو أنه كان مشغولا عن الناس، وقد أقبل عليهم.
اه.
(واعلم) أنه يشترط في السلام عشرة شروط: الأول: التعريف بالألف واللام، فلا يكفي سلام عليكم بالتنوين، ولا سلامي عليكم، ولا سلام الله عليكم، بل تبطل بذلك إذا تعمد وعلم.
والثاني: كاف الخطاب.
فلا يكفي السلام عليه، أو عليهما، أو عليهم، أو عليها، أو عليهن.
والثالث: وصل إحدى كلمتيه بالأخرى.
فلو فصل بينهما بكلام لم يصح.
نعم، يصح السلام الحسن أو التام عليكم.
والرابع: ميم الجمع.
فلا يكفي نحو السلام عليك أو عليه، بل تبطل به الصلاة - إن تعمد وعلم - في صورة الخطاب لا في صورة الغيبة لأنه دعاء لا خطاب فيه.
والخامس: الموالاة.
فلو لم يوال بأن سكت سكوتا طويلا أو قصيرا قصد به القطع ضر.
كما في الفاتحة.
السادس: كونه مستقبلا للقبلة بصدره.
فلو تحول به عن القبلة ضر، بخلاف الالتفات بالوجه فإنه لا يضر، بل يسن أن يلتفت به في الأولى يمينا حتى يرى خده الأيمن، وفي الثانية يسارا حتى يرى خده الأيسر.
وسيذكره في قوله: ومع
الالتفات فيهما حتى يرى خده إلخ.
والسابع: أن لا يقصد به الخبر فقط.
بل يقصد به التحلل فقط أو مع الخبر أو يطلق، فلو قصد به الخبر لم يصح.
والثامن: أن يأتي به من جلوس.
والتاسع: أن يسمع به نفسه حيث لا مانع.
والعاشر: أن لا يزيد أو ينقص ما يغير المعنى.
وعدها بعضهم تسعة ونظمها في قوله: شروط تسليم تحليل الصلاة إذا أردتها تسعة صحت بغير مراش عرف وخاطب وصل واجمع ووال وكن مستقبلا ثم لا تقصد به الخبرا واجلس واسمع به نفسا فإن كملت تلك الشروط وتمت كان معتبرا قوله: وأقلها السلام عليكم) فلا يجوز إسقاط حرف من هذا الأقل ولا إبدال حرف بغيره.
نعم، إن قال: السلم وقصد به السلام كفى على المعتمد، وأن كان يطلق على الصلح كما في قوله تعالى: * (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) *
سلام عليكم - بالتنكير - ولا سلام الله - أو سلامي - عليكم.
بل تبطل الصلاة إن تعمد وعلم.
كما في شرح الارشاد لشيخنا.
(وسن) تسليمة (ثانية) وإن تركها إمامه، وتحرم إن عرض بعد الاولى مناف، كحدث وخروج وقت جمعة ووجود عار سترة.
(و) يسن أن يقرن كلا من التسليمتين (برحمة الله) أي معها، دون: وبركاته، على المنقول في غير الجنازة.
لكن اختير ندبها لثبوتها من عدة طرق.
(و) مع (التفات فيهما) حتى يرى خده الايمن في الاولى والايسر في الثانية.
(تنبيه) يسن لكل من الامام والمأموم والمنفرد أن ينوي السلام على من التفت هو إليه ممن عن يمينه
ــ
ويجوز: والسلام عليكم، بالواو، لأنه سبقه ما يصلح للعطف عليه، بخلاف التكبير.
ويجزئ: عليكم السلام، مع الكراهة.
كما نقله في المجموع عن النص، فلا يشترط ترتيب كلمتيه لتأدية المعنى ولو من غير ترتيب، وهو: الأمان عليكم.
(قوله: للاتباع) دليل وجوب التسليمة الأولى.
(قوله: ويكره: عليكم السلام) أي بتقديم الخبر، ومع الكراهة هو مجزئ لأنه بمعنى ما ورد.
(قوله: ولا يجزئ سلام عليكم) أي لعدم وروده، بخلافه في قوله: سلام عليك أيها النبي، وقوله: سلام علينا، لوروده فيه.
(قوله: ولا سلام الله أو سلامي عليكم) أي ولا يجزئ ذلك.
(قوله: بل تبطل الصلاة) أي به، وهو اضراب انتقالي راجع للصيغ الثلاثة قبله.
(قوله: كما في شرح الإرشاد لشيخنا) عبارته: لا سلام عليكم، بالتنكير، فلا يجزئ بل تبطل به الصلاة، وأجزأ في التشهد لوروده فيه.
والتنوين لا يقوم مقام أل في العموم والتعريف وغيره.
ومثله السلام عليكم - بكسر السين - لأنه يأتي بمعنى الصلح.
نعم، إن نوى به السلام لم يبعد إجزاؤه، ولأنه يأتي بمعناه.
ويبطل أيضا تعمد: سلام، أو سلام الله عليكم، أو عليك، أو عليكما، لأنه خطاب.
اه.
(قوله: وسن تسليمة ثانية) أي للاتباع.
رواه مسلم.
قال ق ل: وهي من ملحقات الصلاة، لا من الصلاة على المعتمد.
اه.
(قوله: وإن تركها إمامه) أي فتسن للمأموم.
(قوله: وتحرم إن عرض الخ) أي ولا تبطل صلاته لفراغها بالأولى، وإنما حرمت الثانية حينئذ لأنه انتقل إلى حالة لا تقبل فيها الصلاة فلا تقبل فيها توابعها.
(قوله: كحدث إلخ) تمثيل للمنافي.
(قوله: وخروج وقت جمعة) أي بخلاف وقت غيرها من بقية الصلوات، فلا تحرم لو خرج الوقت.
والفرق أن الجمعة يشترط فيها بقاء الوقت من أولها إلى آخرها، بخلاف غيرها.
(قوله: ووجود عار سترة) فيه نظر، لأنه لو استتر أتى بالمطلوب، ولا تحرم إلا أن يقال المراد: وجد سترة ولم يستتر بها فتحريمها حينئذ واضح، كما في سم.
(قوله: ويسن أن يقرن الخ) هذا بيان لأكمل السلام، فهو مقابل قوله: وأقلها السلام عليكم.
(قوله: كلا من التسليمتين) أي المتقدمتين، وهي الأولى والثانية.
(قوله: برحمة الله) متعلق بيقرن.
(وقوله: أي معها) بيان لمعنى الباء بالنظر للمتن وبالنظر للفعل الذي دخل به وهو يقرن، فالباء على معناها إذ هو يتعدى بها.
(قوله: دون وبركاته) أي فلا يقر كلا من التسليمتين بها.
وقوله: على المنقول في غير الجنازة أي أما فيها فتسن زيادته.
وكتب سم ما نصه: قوله إلا في الجنازة، كذا قيل.
ويؤخذ من قول المصنف في الجنائز كغيرها عدم زيادة وبركاته فيها أيضا.
اه.
(قوله: لكن اختير ندبها) أي لكن اختار بعضهم ندب وبركاته في غير الجنازة أيضا.
وهو استدراك دفع به ما يتوهم من قوله: على المنقول، أنه متفق عليه.
وحكى السبكي فيها ثلاثة أوجه، أشهرها: لا تسن ثانيها تسن ثالثها، تسن في الأولى دون الثانية.
(قوله: لثبوتها) أي لفظة وبركاته.
وهو علة الاختيار.
وقوله: من عدة طرق أي من طرق عديدة.
(قوله: ومع التفات) معطوف على برحمة الله.
والأولى التعبير بالباء كما مر في نظيره.
وقوله: فيهما أي في التسليمتين.
(قوله: حتى يرى) بالبناء للمجهول، وهو غاية للالتفات.
وقوله: خده الأيمن أي فقط، ولا يشترط رؤية خديه.
وعبارة شرح مسلم: ويلتفت في كل تسليمة حتى يرى من عن جانبه خده.
وهذا هو الصحيح.
وقال بعض أصحابنا: حتى يرى خديه من عن جانبه.
اه.
(وقوله: في الأولى) أي التسليمة الأولى: وهو متعلق بيرى.
وقوله: والأيسر في الثانية أي وحتى يرى خده الأيسر في التسليمة الثانية.
(قوله: يسن لكل من الإمام الخ) أي لخبر علي رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل العصر أربع
بالتسليمة الاولى، وعن يساره بالتسليمة الثانية، من ملائكة ومؤمني إنس وجن، وبأيتهما شاء على من خلفه وأمامه وبالاولى أفضل.
وللمأموم أن ينوي الرد على الامام بأي سلاميه شاء إن كان خلفه، وبالثانية إن كان عن يمينه، وبالاولى إن كان عن يساره.
ويسن أن ينوي بعض المأمومين الرد على بعض، فينويه من على يمين المسلم بالتسليمة الثانية ومن على يساره بالاولى، ومن خلفه وأمامه بأيتهما شاء، وبالاولى أولى.
(فروع) يسن نية الخروج من الصلاة بالتسليمة الاولى خروجا من الخلاف في وجوبها، وأن يدرج
ــ
ركعات يفصل بينهن بالتسليم على الملائكة المقربين ومن معهم من المسلمين والمؤمنين وخبر سمرة: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نرد على الإمام، وأن نتحاب، وأن يسلم بعضنا على بعض.
رواه أبو داود وغيره.
(قوله: أن ينوي السلام) أي ابتداءه.
وأما نية الرد فقط فقد ذكرها بقوله: وللمأموم أن ينوي الرد، الخ.
(قوله: على من التفت هو) أي
على شخص التفت هو.
أي كل ممن ذكر إليه - أي إلى ذلك الشخص - ولو غير مصل.
ومع ذلك لا يجب على غير المصلي الرد عليه وإن علم أنه قصده بالسلام، كما في ع ش.
وقوله: ممن إلخ بيان لمن، أو بدل منه بدل بعض من كل.
وقوله: عن يمينه أي يمين كل ممن ذكر.
وقوله: بالتسليمة الأولى متعلق بينوي المذكور.
أو بعامل البدل على جعل الجار والمجرور بدلا.
(قوله: وعن يساره بالتسليمة الثانية) أي ويسن أن ينوي السلام على من التفت إليه ممن عن يساره بالتسليمة الثانية.
وقوله: من ملائكة إلخ بيان لمن الثانية أو الأولى.
(وقوله: وبأيتهما شاء إلخ) أي وينوي السلام بما شاءه من التسليمة الأولى أو الثانية على من كان خلفه أو كان أمامه.
وأي هنا وفيما بعده موصولة، صلتها الفعل بعدها، وعائدها محذوف.
(قوله: وبالأولى أفضل) أي ونية السلام على من ذكر بالتسليمة الأولى أفضل من الثانية.
(قوله: وللمأموم الخ) أي ويسن للمأموم الخ، معطوف على لكل.
(قوله: بأي سلاميه) متعلق بينوي، والضمير يعود على المأموم.
وقوله: شاء صلة، أي والعائد إليها محذوف، أي بالذي شاءه من السلامين.
(قوله: إن كان) أي المأموم.
وقوله: خلفه أي الإمام.
(قوله: وبالثانية إن كان عن يمينه) أي وينوي الرد على الإمام بالتسليمة الثانية إن كان المأموم عن يمين الإمام.
(قوله: وبالأولى إلخ) أي وينوي الرد عليه بالتسليمة الأولى إن كان المأموم عن يساره.
قال في المغنى: فإن قيل: كيف ينوي من على يسار الإمام الرد عليه بالأولى؟ مع أن الرد إنما يكون بعد السلام، والإمام إنما ينوي السلام على من عن يساره بالثانية، فكيف يرد عليه؟ أجيب بأن هذا مبني على أن المأموم إنما يسلم الأولى بعد فراغ الإمام من التسليمتين، كما سيأتي.
اه.
قوله: ويسن أن ينوي الخ) ذكره أولا مجملا ثم فصله بقوله: فينويه إلخ ليكون أوقع في النفس.
(قوله: فينويه) أي الرد.
وقوله: من على إلخ فاعل ينوي.
وقوله: المسلم بكسر اللام، أي على الراد.
وقوله: بالتسليمة الثانية متعلق بينوي أي تسليمة الراد الثانية.
وذلك لأن المسلم ينوي ابتداء السلام بالأولى فيكون الرد بالثانية.
(قوله: ومن علي يساره بالأولى) أي وينوي الرد من على يسار المسلم بالأولى.
(قوله: ومن خلفه وأمامه إلخ) أي وينوي الرد من كان خلف المسلم أو أمامه، بأيهما شاء.
ومحله: إذا تقدم سلام المسلم على من كان خلفه أو أمامه، وإلا فلا ينوي الرد عليه.
كما في البجيرمي.
(قوله: وبالأولى أولى) أي ونية الرد ممن كان خلف أو أمام تكون بالأولى أولى.
(تنبيه) قال سم: هل يشترط مع نية السلام أو الرد فيما ذكر على من ذكر نية سلام الصلاة؟ حتى لو نوى مجرد السلام أو الرد ضر للصارف.
وقد قالوا: يشترط فقد الصارف أو لا يشترط، فيكون هذا مستثنى من اشتراط قصد الصارف
لوروده.
فيه نظر، ولعل الأوجه الأول، ولا يقال هذا مأمور به فلا يحتاج لفقد الصارف لأن نحو التسبيح لمن نابه شئ والفتح على الإمام مأمور به، مع أنه لو قصد فيه مجرد التفهيم ضر وبطلت صلاته.
اه.
(قوله: فروع) أي خمسة.
(قوله: يسن نية الخروج من الصلاة بالتسليمة الأولى) أي عند ابتدائها.
فإن نوى قبلها بطلت صلاته، أو مع الثانية، أو أثناء الأولى فاتته الثانية.
اه.
نهاية.
(قوله: خروجا من الخلاف في وجوبها) أي نية
السلام، وأن يبتدئة مستقبلا بوجهه القبلة، وأن ينهيه مع تمام الالتفات، وأن يسلم المأموم بعد تسليمتي الامام.
(و) رابع عشرها: (ترتيب بين أركانها) المتقدمة كما ذكر.
فإن تعمد الاخلال بالترتيب بتقديم ركن فعلي، كأن سجد قبل الركوع، بطلت صلاته.
أما تقديم الركن القولي فلا يضر إلا السلام.
والترتيب بين السنن كالسورة بعد الفاتحة، والدعاء بعد التشهد والصلاة، شرط للاعتداد بسنيتها، (ولو سها غير مأموم) في الترتيب (بترك ركن) كأن سجد قبل الركوع، أو ركع قبل الفاتحة، لغا ما فعله حتى يأتي بالمتروك.
فإن تذكر قبل بلوغ مثله أتى به، وإلا فسيأتي بيانه.
(أو شك) هو - أي غير
ــ
الخروج.
والقائل به هو ابن سريج وغيره.
(قوله: وأن يدرج السلام) أي ويسن أن يدرجه - أي يسرع به - ولا يمده.
فما يفعله المبلغون من مده خلاف الأولى.
(قوله: وأن يبتدئه) أي ويسن أن يبتدئ السلام، أي الأول والثاني.
(قوله: مستقبلا إلخ) أي حال كونه مستقبلا بوجهه القبلة، وأما بالصدر فهو واجب.
(قوله: وأن يسلم المأموم) أي ويسن ذلك.
وقوله: تسليمتي الإمام أي بعد فراغه منهما، ولو قارنه جاز كبقية الأركان إلا تكبيرة الإحرام، لكن المقارنة مكروهة مفوتة لفضيلة الجماعة فيما قارن فقط.
(قوله: ورابع عشرها) أي أركان الصلاة.
(قوله: ترتيب) قال ع ش ق: وعده من الأركان إن كان بمعنى الأجزاء صحيح، لأنه إن فسر بجعل كل شئ في مرتبته فهو من الأفعال، أو بوقوع كل شئ في مرتبته فهو صورة للصلاة، وصورة الشئ جزء منه، فلا تغليب على كلا الأمرين في عده منها بذلك المعنى، خلافا لما قال بعضهم.
اه.
(قوله: بين أركانها) أي الصلاة.
وخرج به الترتيب بين سننها كالافتتاح والتعوذ فإنه ليس بركن كما سيذكره الشارح.
(قوله: كما ذكر) أي على الوجه الذي ذكر في عد الأركان.
ويستثنى منه النية مع تكبيرة الإحرام فلا يجب الترتيب بينهما، بل تجب مقارنة النية لتكبيرة الإحرام.
وكذا جعلهما مع القراءة في القيام، وكذلك التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مع الجلوس.
وقال في النهاية: ويمكن أن يقال بين النية وتكبيره الإحرام والقيام والقراءة والجلوس والتشهد ترتيب، لكن باعتبار الابتداء لا باعتبار الانتهاء، لأنه لا بد من تقديم القيام على القراءة، والجلوس على التشهد، واستحضار النية قبيل التكبير.
اه.
(قوله: فإن تعمد الإخلال الخ) مفرع على مفهوم وجوب الترتيب.
(قوله: بتقديم ركن فعلي) بدل من الجار والمجرور قبله، ويصح جعله متعلقا بالإخلال وتجعل الباء سببية فرارا من تعلق حرفي جر بمعنى واحد بعامل واحد.
أي تعمد الإخلال به بسبب تقديم ركن فعلي، أي ولو على قولي.
والحاصل أن المصلي إما أن يقدم فعليا على فعلي أو على قولي، أو قوليا على قولي أو على فعلي، والأولان مبطلان لأنهما يخرمان هيئة الصلاة، بخلاف الأخيرين إذا كان القولي المتقدم غير السلام لأنهما لا يخرمان هيئتها.
(قوله: كأن سجد قبل الركوع)
مثال لتقديم ركن فعلي مثله، ومثال تقديمه على قولي تقديم الركوع على القراءة.
(قوله: بطلت صلاته) جواب إن.
(قوله: أما تقديم الركن القولي) أي على فعلي أو قولي، كتقديم التشهد على السجود، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على التشهد.
وقوله: فلا يضر أي وإن كان عامدا عالما، لكن لا يعتد بالمقدم فيعيده في محله، ولا يسجد للسهو في تقديم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على التشهد.
وقوله: إلا السلام أي أما هو فتقديمه على محله عمدا مبطل للصلاة.
(قوله: والترتيب بين السنن) أي بعضها مع بعض، كدعاء الافتتاح والتعوذ، أو بينها وبين الأركان كالفاتحة والسورة.
وقوله: شرط للاعتداد بسنيتها أي لا في صحة الصلاة، فإذا قدم المتأخر لا يعتد به فيما إذا قدم السنة على الفرض بل يعيده في محله، أو يفوت المتأخر فيما إذا قدم السنة على السنة.
(قوله: ولو سها الخ) الأولى التعبير بفاء التفريع بدل الواو إذ المقام له، وهو مقابل لمحذوف بينه الشارح بقوله: فإن تعمد إلخ.
وقوله: غير مأموم أي وهو الإمام والمنفرد.
أما المأموم فيتابع إمامه ويأتي بركعة بعد سلامه، كما سيصرح به.
(قوله: في الترتيب) أي في الإخلال به.
(قوله: بترك ركن) متعلق بسها.
(قوله: كأن سجد إلخ) تمثيل للسهو بترك ركن.
(قوله: لغا ما فعله) جواب لو أي لغا جميع ما أتى به من الأركان لوقوعه في غير محله.
(قوله: حتى يأتي
المأموم - في ركن هل فعل أم لا، كأن شك راكعا هل قرأ الفاتحة، أو ساجدا هل ركع أو اعتدل، (أتى به) فورا وجوبا (إن كان) الشك (قبل فعله مثله) أي مثل المشكوك فيه من ركعة أخرى (وإلا) أي وإن لم يتذكر حتى فعل مثله في ركعة أخرى (أجزأه) عن متروكه، ولغا ما بينهما.
هذا كله إن علم عين المتروك ومحله، فإن جهل عينه وجوز أنه النية أو تكبيرة الاحرام بطلت صلاته.
ولم يشترط هنا طول فصل ولا مضي ركن، أو أنه السلام يسلم، وإن طال الفصل على الاوجه.
أو أنه غيرهما أخذ بالاسوأ وبنى على ما فعله، (وتدارك) الباقي من صلاته.
نعم،
ــ
بالمتروك) غاية في إلغاء ما أتى به.
أي ويستمر إلغاء ما أتى به إلى أن يأتي بالمتروك، فإذا أتى به انقطع الإلغاء ويحسب له جميع ما أتى به من بعد تإيانه بالمتروك.
(قوله: فإن تذكر) أي غير المأموم المتروك.
والتذكر ليس بقيد، بل مثله الشك فيه كما سيصرح به.
(قوله: قبل بلوغ مثله) أي وقبل وصوله إلى ركن مثل المتروك من ركعة أخرى.
وقوله: أتى به أي بعد تذكره فورا وجوبا وإلا بطلت صلاته.
(قوله: وإلا) أي وإن لم يتذكر ذلك قبل بلوغ مثله بأن تذكره بعده.
وقوله: فسيأتي بيانه أي قريبا، في قوله: وإن لم يتذكر حتى فعل مثله الخ.
(قوله: أو شك) معطوف على سها.
وقوله: أي غير المأموم أما هو فلا يأتي به، بل يتابع الإمام ويأتي بعد سلامه بركعة، كالذي مر.
(قوله: في ركن) متعلق بشك.
أي شك فيه بعد تلبسه بآخر.
(قوله: أتى به فورا وجوبا) وفي ع ش ما نصه: وعلى هذا لو كان الشاك إماما فعاد بعد ركوع المأمومين معه أو سجودهم، فهل ينتظرون في الركن الذي عاد منه الإمام وإن كان قصيرا كالجلوس بين السجدتين؟ أو يعودون معه حملا على أنه لم يقرأ الفاتحة؟ أو تتعين نية المفارقة؟ فيه نظر، ولا يبعد الأول حملا له على أنه عاد ساهيا، لكن ينبغي إذا عاد والمأموم في الجلوس بين السجدتين أن يسجد وينتظره في السجود حذرا من تطويل الركن القصير.
اه.
(قوله: إن كان الشك إلخ) قيد للإتيان بالمشكوك فيه.
(قوله:
أي وإن لم يتذكر إلخ) مقتضى هذا الحل أن قوله أولا: فإن تذكر قبل بلوغ مثله إلخ، من المتن وفي النسخ التي بأيدينا هو من الشرح.
وعلى ما فيها فالمناسب في الحل أن يقول: وإن لم يشك إلخ.
ولا بد على حله من تقدير مفهوم قوله: إن كان الشك قبل فعل مثله، زيادة على قوله: أي وإن لم يتذكر، وهو: أو لم يشك حتى فعل مثله.
(قوله: أجزأه) أي مثل المتروك.
أي أو المشكوك فيه.
وقوله: عن متروكه أي أو المشكوك فيه.
(قوله: ولغا ما بينهما) أي لم يحسب ما أتى به من الأركان بين المتروك أو المشكوك فيه وبين المثل الذي أتى به من ركعة أخرى.
(قوله: هذا كله إلخ) أي هذا التفصيل كله بين ما لو تذكر أو شك قبل بلوغ مثله فيأتي به، وبين ما لو كان ذلك بعده فلا يأتي به، بل يجزئه إن علم عين الركن المتروك - أي أو المشكوك فيه - كركوع أو سجود، وعلم محله ككونه من الركعة الأولى أو الثانية مثلا.
(قوله: فإن جهل عينه الخ) مفهوم قوله: إن علم عين المتروك.
وسكت عن مفهوم قوله: وعلم محله، وهو ما إذا جهل محله وعلم عينه.
وحاصله أنه يأخذ فيه بالأحوط، فإذا علم أنه ترك سجدة ولم يعلم أهي من الركعة الأخيرة أم من غيرها جعلها منه وأتى بركعة، أو علم ترك سجدتين وجهل محلهما أتى بركعتين، فإنه يقدر أنه ترك سجدة من الأولى وسجدة من الثانية فيجبران بالثانية والرابعة ويلغو باقيهما.
وعلى هذا فقس.
(قوله: وجوز أنه) أي المتروك، ومثله المشكوك فيه.
(قوله: بطلت صلاته) جواب إن.
(قوله: ولم يشترط) أي في البطلان.
وقوله: هنا أي في هذه المسألة، وهي ما إذا جوز أنه النية أو تكبيرة الإحرام بعد تيقن ترك ركن وجهل عينه.
والاحتراز بلفظ هنا عما إذا شك ابتداء في النية أو تكبيرة الإحرام فإنه مبطل للصلاة بشرط مضي ركن أو طول فصل، كما تقدم.
والفرق هنا تيقن ترك انضم لتجويز ما ذكر، وهو أقوى من مجرد الشك في النية أو التكبيرة وكتب سم ما نصه: قوله: ولم يشترط هنا طول، هذا يفيد البطلان وإن تذكر في الحال أن المتروك غيرهما، فتلراجع المسألة فإن الظاهر أن هذا ممنوع، بل يشترط هنا الطول أو مضي ركن أيضا.
وقد ذكرت ما قاله ل: م ر فأنكره.
اه.
(قوله: أو أنه السلام) أي أو جوز أن المتروك السلام.
(قوله: يسلم) أي ولا يسجد للسهو لفوات محله بالسلام المأتي به، كما في التحفة.
وقوله: وإن طال الفصل قال في شرح الروض: فيما يظهر لأن غايته أنه سكوت طويل، وتعمد طول السكوت لا يضر، كما مر.
اه.
(قوله: أو أنه غيرهما) أي أو جوز أن المتروك وغير النية أو تكبيرة الإحرام والسلام، فثنى الضمير باعتبار عد النية وتكبيره الإحرام شيئا واحدا وعد السلام شيئا واحدا.
وقوله:
إن لم يكن المثل من الصلاة كسجود تلاوة لم يجزئه.
أما مأموم علم أو شك قبل ركوعه وبعد ركوع إمامه أنه ترك الفاتحة فيقرؤها ويسعى خلفه، وبعد ركوعهما لم يعد إلى القيام لقراءته الفاتحة بل يتبع إمامه ويصلي ركعة بعد سلام الامام.
(فرع)(سن دخول صلاة بنشاط) لانه تعالى ذم تاركيه بقوله: * (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى) *
ــ
أخذا بالأسوأ أي بالأحوط.
فلو تيقن ترك شئ من الأركان وجوز أنه سجدة أو سجدتان، أخذ بالأحوط وجعله سجدتين.
وهكذا.
(قوله: وبنى على ما فعله) أي وبنى صلاته على ما أتى به من الأركان.
فإن كان في حالة سجوده مثلا جوز أن المتروك الفاتحة، قام وأتى بها وبنى صلاته عليها، أي تمم صلاته بانيا على الفاتحة بأن يركع ويعتدل.
وهكذا.
(قوله: وتدارك الباقي) معطوف على أجزأه.
أي أجزأه ذلك المثل وتدارك الباقي من صلاته لأنه ألغى ما بينهما.
ويسن أن يسجد للسهو آخرها لأن ما أبطل عمده يسجد لسهوه.
(قوله: نعم، الخ) إستدراك على قوله: أجزأه.
أي محل الإجزاء بالمثل عن المتروك إن كان ذلك المثل من الصلاة.
فإن لم يكن من الصلاة، كأن ترك السجدة الأخيرة وقام وقرأ آية السجدة وسجد، فإنه لا يجزئه سجود التلاوة عن المتروك لأنه ليس مما تشمله الصلاة.
وقوله: لم يجزئه أي سجود التلاوة عن المتروك.
(قوله: أما المأموم الخ) مقابل قوله فيما تقدم غير مأموم.
والتفصيل الذي ذكره فيه مخصوص بما إذا كان المتروك الفاتحة، أما إذا كان غيرها من بقية الأركان فلا يتأتى فيه بل يتابع الإمام فيما هو فيه ويأتي بعد سلامه بركعة، كما مر التنبيه عليه.
(قوله: فيقرؤها) أي يتخلف لقراءتها، ويغتفر له ثلاثة أركان طويلة كما سيأتي.
(قوله: وبعد ركوعهما) أي وإذا علم أو شك في ذلك بعد ركوعه وركوع إمامه.
وقوله: لم يعد بفتح الياء من عاد، وهو جواب الشرط المقدر.
(قوله: فرع: سن دخول صلاة إلخ) قال حجة الإسلام الغزالي: واعلم أن تخصيص الصلاة من الشوائب والعلل، وإخلاصها لله تعالى، وأداءها بالشروط الظاهرة والباطنة من خشوع وغيره، سبب لحصول أنوار القلب، وتلك الأنوار مفاتيح علوم المكاشفة.
فأولياء الله المكاشفون بملكوت السموات والأرض وأسرار الربوبية إنما يكاشفون في الصلاة، لا سيما في السجود، إذ يتقرب العبد من ربه عزوجل بالسجود.
ولذلك قال تعالى: * (واسجد واقترب) * فليحذر الإنسان مما يفسدها ويحبطها، فإنها إذا فسدت فسدت جميع الأعمال، إذ هي كالرأس للجسد.
وورد أنها عرس الموحدين، لأنه يجتمع فيها أنواع العبادة، كما أن العرس يجتمع فيه أنواع الطعام.
فإذا صلى العبد ركعتين يقول الله: عبدي، مع ضعفك أتيتني بألوان العبادة قياما وركوعا وسجودا وقراءة وتحميدا وتهليلا وتكبيرا وسلاما، فأنا مع جلالتي وعظمتي لا يجمل مني أن أمنعك جنة فيها ألوان النعيم.
أوجبت لك الجنة بنعيمها كما عبدتني بألوان العبادة، وأكرمك برؤيتي كما عرفتني بالوحدانية.
فإني لطيف أقبل عذرك وأقبل الخير منك برحمتي، فإني أجد من أعذبه من الكفار وأنت لا تجد إلها غيري يغفر سيئاتك.
عندي لك بكل ركعة قصر في الجنة وحوراء، وبكل سجدة نظرة إلى وجهي.
وهذا لا يكون إلا لمن أخلص فيها لله وحده.
اه.
قال بعض العارفين: ينبغي لمن أراد الصلاة الكاملة أن يستعد لها قبل دخول الوقت بالوضوء، وإذا دخل الوقت
صلى السنة الراتبة، لأن العبد ربما تشعب باطنه وتفرق همه - من نحو المخالطة وأمر المعاش - فتحصل له كدورة.
فإذا قدم السنة زال ذلك، ثم يجدد التوبة عند الفريضة من كل ذنب عمله، ومن الذنوب عامة وخاصة، ويستقبل القبلة بظاهره والحضرة الإلهية بباطنه، ويقرأ قل أعوذ برب الناس، ثم يرفع يديه ويستحضر في تحرمه عظمة الإله وكبرياءه، ويعلم أن معنى أكبر أنه أكبر من أن يتعاظمه شئ أو يكون في جنب عظمته، وليس معناه أنه أكبر مما سواه من المخلوقين إذ ليس له مشابه.
والكسل: الفتور والتواني.
(وفراغ قلب) من الشواغل لانه أقرب إلى الخشوع.
(و) سن (فيها) أي في صلاته كلها، (خشوع بقلبه) بأن لا يحضر فيه غير ما هو فيه وإن تعلق بالآخرة.
(وبجوارحه) بأن لا يعبث بأحدها،
ــ
وفي العوارف: سئل أبو سعيد الخراز: كيف الدخول في الصلاة؟ فقال: هو أن تقبل عليه تعالى كإقبالك عليه يوم القيامة، ووقوفك بين يديه ليس بينك وبينه ترجمان، وهو مقبل عليك وأنت تناجيه.
قال في الأربعين: الأصل ما معناه: ولا تقل الله أكبر إلا وفي قلبك ليس أكبر منه.
ولا تقل وجهت وجهي إلا وقلبك متوجه بكله إليه تعالى ومعرض عن غيره.
ولا تقل الحمد لله إلا وقلبك طافح بشكر نعمته عليك، فرح به.
ولا تقل إياك نعبد وإياك نستعين إلا وأنت مستشعر ضعفك وعجزك، فإنه ليس إليك ولا إلى غيرك من الامر شئ.
وكذلك في جميع الأذكار والأعمال.
روي عنه عليه السلام أنه قال: يقول الله عزوجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: بسم الله الرحمن الرحيم.
قال الله عزوجل: مجدني عبدي.
فإذا قال: الحمد لله رب العالمين.
قال: حمدني عبدي.
فإذا قال: الرحمن الرحيم.
قال: أثنى علي عبدي.
فإذا قال: مالك يوم الدين.
قال: فوض إلي عبدي.
فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين.
قال: هذا بيني وبين عبدي.
فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم.
قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل.
(قوله: بنشاط) أي بهمة ورغبة.
(قوله: ذم تاركيه) أي النشاط.
(قوله: بقوله إلخ) متعلق بذم.
وقوله: وإذا قاموا أي المنافقون.
وقوله: قاموا كسالى أي متثاقلين.
وأنشد أبو حيان في ذم من ينتمي إلى الفلاسفة: وما انتسبوا إلى الإسلام إلا لصون دمائهم أن لا تسالا فيأتون المناكر في نشاط ويأتون الصلاة وهم كسالى (قوله: والكسل: الفتور والتواني) أي وهو ضد النشاط.
(قوله: وفراغ قلب) بالجر، معطوف على نشاط.
أي خلوه وتجرده.
وقوله: من الشواغل أي الدنيوية، لأن ذلك أدعى لتحصيل الغرض.
فإذا كانت صلاته كذلك انفتح له فيها من المعارف ما يقصر عنه فهم كل عارف، ولذلك قال عليه السلام: وجعلت قرة عيني في الصلاة.
ومثل هذه هي
التي تنهى عن الفحشاء والمنكر.
اه م ر.
وفي المغني: قال القاضي: يكره أن يفكر في صلاته في أمر دنيوي أو مسألة فقهية، أما التفكر في أمر الآخرة فلا بأس به، وأما فيما يقرؤه فمستحب.
(فائدة) فيها بشرى، روى ابن حبان في صحيحه، من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا، إن العبد إذا قام يصلي أتى بذنوبه فوضعت على رأسه، أو على عاتقه، فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه، أي حتى لا يبقى منها شئ إن شاء الله تعالى.
اه.
(قوله: لأنه) أي فراغ القلب.
وقوله: أقرب إلى الخشوع أي إلى تحصيله.
(قوله: وسن فيها خشوع) اختلفت آراء العلماء فيه، فذهب بعضهم إلى أنه غض البصر وخفض الصوت، ومحله القلب.
وعن على: أن لا يلتفت يمينا وشمالا.
وعن ابن جبير: أن لا يعرف من على يمينه ولا من على يساره.
وعن عمرو بن دينار: هو السكون وحسن الهيئة.
وعن ابن سيرين: هو أن لا ترفع بصرك عن موضع سجودك.
وعن عطاء: هو أن لا تعبث بشئ من جسدك في الصلاة.
وقيل: هو جمع الهمة والإعراض عماسوى الصلاة.
وقال في النهاية: وقد اختلفوا هل الخشوع من أعمال الجوارح كالسكون؟ أو من أعمال القلوب كالخوف؟ أو هو عبارة عن المجموع على أقوال للعلماء؟ اه.
(قوله: بأن لا يحضر فيه إلخ) تصوير للخشوع بالقلب.
(قوله: غير ما هو فيه) أي غير ما هو متلبس به وبصدده، من الصلاة وما تشتمل عليه.
وقوله: وإن تعلق بالآخرة أي وإن تعلق ذلك الغير بالآخرة، كذكر الجنة والنار وغيرهما من الأحوال السنية التي لا تعلق لها بذلك المقام.
قال ع ش: وهذا قد يشكل عليه استحباب كثرة الدعاء في السجود والركوع والاستغفار وطلب الرحمة إذا مر بآية استغفار أو رحمة، والاستجارة من العذاب إذا مر بآية عذاب، إلى غير ذلك مما يحمل على طلب الدعاء في
وذلك لثناء الله تعالى في كتابه العزيز على فاعليه بقوله: * (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) * ولانتفاء ثواب الصلاة بانتفائه، كما دلت عليه الاحاديث الصحيحة.
ولان لنا وجها اختاره جمع أنه
شرط للصحة.
ومما يحصل الخشوع استحضاره أنه بين يدي ملك الملوك الذي يعلم السر وأخفى.
يناجيه،
ــ
صلاته، فإن ذلك فرع عن التفكر في غير ما هو فيه، ولا سيما إذا كان الدعاء بطلب أمر دنيوي، اللهم إلا أن يقال إن هذا نشأ من التسبيح والدعاء المطلوبين في صلاته أو القراءة فليس أجنبيا عما هو فيه.
اه.
وفي الأحياء: واعلم أن من مكايده - أي الشيطان - أن يشغلك في صلاتك بذكر الآخرة وتدبير فعل الخيرات ليمنعك عن فهم ما تقرأ.
فاعلم أن كل ما يشغلك عن فهم معاني قراءتك فهو وسواس.
فإن حركة اللسان غير مقصودة بل المقصود معانيها.
(قوله: وجوارحه) أي وخشوع بجوارحه.
وقوله: بأن لا يعبث بأحدها تصوير للخشوع بالجوارح.
(قوله: وذلك لثناء الله تعالى الخ) أي وإنما كان الخشوع سنة لثناء الله تعالى على فاعلي الخشوع، أي المتصفين به.
ولقوله عليه الصلاة والسلام: ما من عبد
يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يقوم فيركع ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وقد أوجب الله له الجنة.
(قوله: ولانتفاء ثواب الصلاة بانتفائه) أي الخشوع.
(قوله: كما دلت عليه) أي على انتفاء ما ذكر.
وقوله: الأحاديث الصحيحة سيأتي بيان بعضها.
(قوله: ولأن لنا وجها اختاره جمع أنه شرط للصحة) قال حجة الإسلام الغزالي في بيان اشتراط الخشوع والحضور: اعلم أن أدلة ذلك كثيرة.
فمن ذلك قوله تعالى: * (وأقم الصلاة لذكري) * وظاهر الأمر الوجوب، والغفلة تضاد الذكر.
فمن غفل في جميع صلاته كيف يكون مقيما للصلاة لذكره.
وقوله تعالى: * (ولا تكن من الغافلين) * فهي وظاهره التحريم.
وقوله.
عزوجل: * (حتى تعلموا ما تقولون) * تعليل لنهي السكران.
وهو مطرد في الغافل المستغرق بالوسواس وأفكار الدنيا.
وقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الصلاة تمسكن وتواضع.
حصر بالألف واللام.
وكلمة إنما للتحقيق والتوكيد.
قوله صلى الله عليه وسلم: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا.
وصلاة الغافل لا تمنع من الفحشاء والمنكر.
وقال صلى الله عليه وسلم: كم من قائم حظه من صلاته التعب والنصب.
وما أراد به إلا الغافل.
وقال صلى الله عليه وسلم: ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها.
والتحقيق فيه أن المصلي مناج ربه عزوجل، كمورد به الخبر.
والكلام مع الغفلة ليس بمناجاة ألبتة.
وأطال الكلام في الاستدلال على ذلك، ثم قال: فإن قلت إن حكمت ببطلان الصلاة وجعلت حضور القلب شرطا في صحتها خالفت إجماع الفقهاء، فإنهم لم يشترطوا إلا حضور القلب عند التكبير.
فاعلم أنه قد تقدم في كتاب العلم أن الفقهاء لا يتصرفون في الباطن ولا يشقون عن القلوب ولا في طريق الآخرة، بل يبنون ظاهر أحكام الدين على ظاهر أعمال الجوارح.
على أنه لا يمكن أن يدعى الإجماع، فقد نقل عن بشر بن الحارث فيما رواه عنه أبو طالب المكي عن سفيان الثوري أنه قال: من لم يخشع فسدت صلاته.
وروي عن الحسن أنه قال: كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع.
وعن معاذ بن جبل: من عرف من على يمينه وشماله متعمدا وهو في الصلاة فلا صلاة له.
وروي أيضا مسندا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد ليصلي الصلاة لا يكتب له سدسها ولا عشرها، وإنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها.
وهذا لو نقل عن غيره لجعل مذهبا فكيف لا يتمسك به، وقال عبد الواحد بن زيد أجمعت العلماء على أنه ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها، فجعله إجماعا.
وما نقل من هذا الجنس عن الفقهاء المتورعين وعن علماء الآخرة أكثر من أن يحصى.
والحق الرجوع إلى أدلة الشرع، والأخبار والآثار ظاهرة في هذا الشرط، إلا أن مقام الفتوى في التكليف
الظاهر يتقدر بقدر قصور الخلق، فلا يمكن أن يشترط على الناس إحضار القلب في جميع الصلاة فإن ذلك يعجز عنه كل
وأنك ربما تجلى عليه بالقهر لعدم القيام بحق ربوبيته فرد عليه صلاته.
وقال سيدي القطب العارف بالله محمد البكري رضي الله عنه: إن مما يورث الخشوع إطالة الركوع والسجود (وتدبر قراءة) أي تأمل معانيها.
قال تعالى: * (أفلا يتدبرون القرآن) * ولان به يكمل مقصود
ــ
البشر إلا الأقلين وإذا لم يمكن اشتراط الاستيعاب للضرورة فلا مرد له إلا أن يشترط منه ما ينطلق عليه الاسم، ولو في اللحظة الواحدة، وأولى اللحظات به لحظة التكبير، فاقتصرنا على التكليف بذلك.
اه.
(قوله: ومما يحصل الخشوع إلخ) أي ومما يقتضي الخشوع ويكون سببا فيه، استحضاره أنه بين يدي ملك الملوك.
ومما يحصله أيضا: الهمة.
قال حجة الإسلام: اعلم أن حضور القلب سببه الهمة، فإن قلبك تابع لهمتك فلا يحضر إلا فيما يهمك.
ومهما أهمك أمر حضر القلب فيه شاء أم أبى، فهو مجبول على ذلك ومسخر فيه.
والقلب إذا لم يحضر في الصلاة لم يكن متعطلا بل جائلا فيما الهمة مصروفة إليه من أمور الدنيا.
فلا حيلة ولا علاج لإحضار القلب إلا بصرف الهمة إلى الصلاة، والهمة لا تتصرف إليها ما لم يتبين أن الغرض المطلوب منوط بها.
وذلك هو الإيمان والتصديق بأن الآخرة خير وأبقى وأن الصلاة وسيلة إليها.
فإذا أضيف هذا إلى حقيقة العلم بحقارة الدنيا ومهماتها، حصل من مجموعها حضور القلب في الصلاة.
وبمثل هذه العلة يحضر قلبك إذا حضرت بين يدي بعض الأكابر ممن لا يقدر على مضرتك ومنفعتك، فإذا كان لا يحضر عند المناجاة مع ملك الملوك الذي بيده الملك والملكوت والنفع والضر فلا تظنن أن له سببا سوى ضعف الإيمان، فاجتهد الآن في تقوية الإيمان.
انتهى.
ولله در العلامة الفقيه إسماعيل المقري رحمه الله تعالى حيث قال: تصلي بلا قلب صلاة بمثلها يكون الفتى مستوجبا للعقوبة تظل وقد أتممتها غير عالم تزيد احتياطا ركعة بعد ركعة فويلك تدري من تناجيه معرضا وبين يدي من تنحني غير مخبت تخاطبه إياك نعبد مقبلا على غيره فيها لغير ضرورة ولو رد من ناجاك للغير طرفه تميزت من غلط عليه وغيرة أما تستحي من مالك الملك أن يرى صدودك عنه يا قليل المروءة إلهي اهدنا فيمن هديت وخذ بنا إلى الحق نهجا في سواء الطريقة
(وقوله: استحضاره) أي المصلي.
وقوله: أنه بين يدي الخ أي أنه قائم بين يدي ملك الملوك الذي يعلم السر، أي ما يسرونه، وأخفى منه.
وقوله: يناجيه أي يكلمه ويخاطبه.
والجملة في محل نصب حال من اسم أن أو خبر بعد خبر لها.
(قوله: وأنه ربما إلخ) أي استحضاره أن الله سبحانه وتعالى ربما تجلى عليه، أي على من ترك الخشوع بصفة القهر، فيعاقبه ويرد عليه صلاته.
(قوله: وتدبر قراءة) أي وسن تدبر القراءة.
وقوله: أي تأمل معانيها أي إجمالا لا تفصيلا كما هو ظاهر، لأنه يشغله عما هو بصدده.
ويسن ترتيلها أيضا، وهو التأني فيها.
فإفراط الإسراع مكروه، وحرف الترتيل أفضل من حرفي غيره.
(قوله: قال تعالى: * (أفلا يتدبرون القرآن) *) قال في حاشية الجمل على الجلالين: هو إنكار واستقباح لعدم تدبرهم القرآن، وإعراضهم عن التأمل فيما فيه من موجبات الإيمان.
وتدبر الشئ تأمله والنظر في أدباره وما يؤول إليه في عاقبته ومنتهاه، ثم استعمل في كل تفكر ونظر.
والفاء للعطف على مقدر، أي أيعرضون عن القرآن فلا يتأملون فيه؟.
اه.
(قوله: ولأن به إلخ) اسم أن، ضمير الشأن محذوفا، وضمير به يعود على
الخشوع.
(و) تدبر (ذكر) قياسا على القراءة، (و) سن (إدامة نظر محل سجوده) لان ذلك أقرب إلى الخشوع، ولو أعمى، وإن كان عند الكعبة أو في الظلمة، أو في صلاة الجنازة.
نعم، السنة أن يقصر نظره على مسبحته عند رفعها في التشهد لخبر صحيح فيه، ولا يكره تغميض عينيه إن لم يخف ضررا.
(فائدة) يكره للمصلي الذكر وغيره ترك شئ من سنن الصلاة.
قال شيخنا: وفي عمومه نظر.
والذي يتجه تخصيصه بما ورد فيه نهي أو خلاف في الوجوب.
ــ
التدبر.
وقوله: مقصود الخشوع الإضافة للبيان، أي مقصود للصلاة هو الخشوع.
(قوله: وتدبر ذكر) أي وسن تدبر ذكر كتسبيح ودعاء.
(قوله: قياسا على القراءة) قال في المغنى: وقد يفهم من هذا أن من قال: سبحان الله مثلا غافلا عن مدلوله، وهو التنزيه، يحصل له ثواب ما يقوله.
وهو كذلك، وإن قال الأسنوي فيه نظر.
اه.
(قوله: وسن إدامة نظر محل سجوده) أي بأن يبتدئ النظر إلى موضع سجوده من ابتداء التحرم، ويديمه إلى آخر صلاته، إلا فيما يستثنى.
وينبغي أن يقدم النظر على ابتداء التحرم ليتأتى له تحقق النظر من ابتداء التحرم.
وخص موضع السجود لأنه أشرف وأسهل.
(قوله: لأن ذلك) أي إدامة النظر إلى محل سجوده.
وقوله: أقرب إلى الخشوع أي إلى تحصيله، كما مر.
(قوله: ولو أعمى) أي وسن إدامة نظره ولو كان أعمى.
والمراد بنظره موضعه، إذ لا نظر للأعمى.
(قوله: وإن كان عند الكعبة إلخ) الغاية للرد على من استثنى الكعبة فقال إنه ينظر إليها.
وفي المغني، وعن جماعة: أن المصلي في المسجد الحرام ينظر إلى الكعبة.
لكن صوب البلقيني أنه كغيره.
وقال الأسنوي: إن استحباب نظره إلى الكعبة في الصلاة وجه ضعيف.
(قوله: أو في الظلمة) أي وسن إدامة النظر وإن كان المصلي في الظلمة.
(قوله: أو في صلاة الجنازة) أي وسن ذلك وإن كان في صلاة الجنازة.
وهذه الغاية للرد على من استثنى صلاة الجنازة فقال: إنه ينظر إلى الميت.
قال الجمال الرملى في النهاية: واستثنى بعضهم أيضا ما لو صلى خلف ظهر نبي فنظره إلى ظهره أولى من نظره لموضع سجوده، وما
لو صلى على جنازة فإنه ينظر إلى الميت.
ولعله مأخوذ من كلام الماوردي القائل بأنه لو صلى في الكعبة نظر إليها.
اه.
وكتب ع ش: قوله: ولعله، أي الاستثناء.
وقوله: مأخوذ أي وهو مرجوح.
اه.
(قوله: نعم، الخ) استدراك على سنية إدامة النظر محل سجوده، وهذا قد مر ذكره قريبا.
(قوله: ولايكره تغميض عينيه) أي لأنه لم يرد فيه نهي: قال ع ش: لكنه خلاف الأولى، وقد يجب التغميض إذا كان العرايا صفوفا، وقد يسن كأن صلى لحائط مزوق ونحوه مما يشوش فكره.
قاله العز بن عبد السلام.
اه م ر.
(قوله: إن لم يخف) أي من التغميض ضررا، فإن خافه كره.
(قوله: يكره للمصلي) أي مطلقا إماما أو مأموما أو منفردا.
(قوله: الذكر) بالجر، بدل مما قبله.
(قوله: وغيره) أي وغير الذكر من أنثى أو خنثى.
(قوله: قال شيخنا إلخ) عبارته مع الأصل: قلت يكره للمصلي الذكر وغيره ترك شئ من سنن الصلاة.
وفي عمومه نظر، والذي يتجه تخصيصه بما ورد فيه نهي أو خلاف في الوجوب فإنه يفيد كراهة الترك، كما صرحوا به في غسل الجمعة وغيره.
اه.
وعبارته على بافضل: قال النووي: ويكره ترك سنة من سنن الصلاة.
اه.
أي فينبغي الاعتناء بسننها، لأن الكراهة تنافي الثواب أو تبطله.
اه.
وكتب العلامة الكردي ما نصه: قوله: قد تنافي الثواب.
كأن المراد إذا قارنت العمل أو تبطله، أي إذا طرأت عليه.
وأشار بقد إلى أنها قد لا تنافيه.
اه.
وقوله: وفي عمومه نظر، أي وفي عموم ما ذكر من كراهة الترك لكل السنن، أي جعل ذلك عاما في كل السنن، نظر.
ووجهه أنه لا يلزم من طلب الشئ كراهة تركه، بل بعضه مكروه وبعضه خلاف الأولى.
(قوله: والذي يتجه تخصيصه) أي ما ذكر من كراهة الترك.
وقوله: بما ورد فيه نهي إن أوقعت ما على ترك، أي ترك ورد فيه نهي أشكل عليه قوله، أو خلاف في الوجوب، إذ الترك ليس فيه ذلك وإن أوقعت على سنن أشكل أن السنن لم يرد فيها نهي.
والذي يظهر الثاني، ويكون ضمير فيه عائدا على ما بتقدير مضاف بالنسبة للأول، وأما بالنسبة للثاني فلا تقدير، أي سنن ورد في تركها نهي وورد فيها نفسها خلاف في الوجوب.
والسنة التي ورد في تركها نهي مثل النظر إلى محل سجوده، فقد ورد: ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في
(و) سن (ذكر ودعاء سرا عقبها) أي الصلاة.
أي يسن الاسرار بهما لمنفرد ومأموم وإمام لم يرد تعليم
ــ
صلاتهم، لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم.
والسنة التي قيل بوجوبها مثل الصلاة على الآل في التشهد الأخير، والسنة التي لم يرد في تركها نهي ولا قيل بوجوبها، مثل رفع اليدين حذو منكبيه، فهذه تركها خلاف الأولى.
(قوله: وسن ذكر ودعاء) عطف الدعاء على الذكر من عطف الخاص على العام.
كما يدل لذلك قول ابن حجر في خطبة متن المنهاج عند قول المصنف: من الأذكار.
ونص عبارته: جمع ذكر، وهو لغة: كل مذكور.
وشرعا: قول سيق لثناء أو دعاء.
وقد
يستعمل شرعا لكل قول يثاب قائله.
اه.
واعلم أن المأثور منهما أولى من غيره، وهو كثير يضيق نطاق الحصر عنه، فينبغي أن يعتنى به لمزيد بركته وظهور غلبة رجاء استجابته ببركته صلى الله عليه وسلم.
فمن ذلك: أستغفر الله ثلاثا، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شئ قدير.
لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن.
لا إله إلا الله مخلصين له الدين وله كره الكافرون.
سبحان من لا يعلم قدره غيره ولا يبلغ الواصفون صفته.
سبحان ربي العلي الأعلى الوهاب.
ثم: سبحان الله، ثلاثا وثلاثين، والحمد لله مثلها، والله أكبر مثلها.
وقال: تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير.
ثم يدعو بعد ذلك بالجوامع الكوامل، وهي: اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة والنجاة من النار.
اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل والفشل، ومن غلبة الدين وقهر الرجال.
اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء.
اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة.
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم ارزقني طيبا واستعملني صالحا.
اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي.
اللهم إني أسألك ك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي.
اللهم اجعل سريرتي خيرا من علانيتي واجعل علانيتي صالحة.
اللهم إني أسألك علما نافعا، وأسألك رزقا طيبا، وأسألك عملا متقبلا.
اللهم اجعل خير عمري آخره، وخير عملي خواتمه، وخير أيامي يوم لقائك.
اللهم أرني الحق حقا وارزقني اتباعه، وأرني الباطل باطلا وارزقني اجتنابه.
اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا.
اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وينبغي للداعي أن يراعي شروط الدعاء وآدابه ما أمكنه.
وسيذكر الشارح قريبا بعضا من ذلك.
(فائدة قال النووي في الأذكار.
وروينا في كتاب ابن السني عن أنس رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قضى صلاته مسح وجهه بيده اليمنى.
ثم قال: أشهد أن لا إله إلا هو الرحمن الرحيم.
اللهم أذهب عني الهم والحزن.
اه.
وفي رواية: بسم الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، اللهم أذهب
…
إلخ.
(فائدة) أخرى، ذكر الشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله تعالى عنه، في كتابه المسمى بالدلالة على الله عز وجل، عن سيدنا أبي العباس الخضر عن نبينا عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين السلام، أنه قال: سألت أربعة وعشرين ألف نبي عن استعمال شئ يأمن العبد به من سلب الإيمان، فلم يجبني أحد منهم حتى اجتمعت بمحمد صلى الله عليه وسلم، فسألته عن ذلك فقال: حتى أسأل جبريل عليه السلام.
فسأله عن ذلك فقال: حتى أسأل رب الغزة عن ذلك.
فسأل رب العزة عن ذلك، فقال الله عزوجل: من واظب على قراءة آية الكرسي وآمن الرسول، إلى آخر السورة، وشهد الله إلى قوله الإسلام، وقل اللهم مالك الملك إلى قوله بغير حساب، وسورة الإخلاص والمعوذتين والفاتحة عقب كل صلاة، أمن من سلب الإيمان.
(وقوله: سرا) منصوب بإسقاط الخافض، أي بالسر، وهو ضد الجهر.
وقوله: عقبها أي الصلاة.
أفهم التعبير
الحاضرين ولا تأمينهم لدعائه بسماعه.
وورد فيهما أحاديث كثيرة ذكرت جملة منها في كتابي إرشاد العباد فاطلبه فإنه مهم.
وروى الترمذي عن أبي أمامة قال: قيل لرسول الله (ص): أي الدعاء أسمع؟ أي أقرب إلى الاجابة؟ قال: جوف الليل، ودبر الصلوات المكتوبات.
وروى الشيخان عن أبي موسى قال: كنا مع النبي (ص) فكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا وارتفعت أصواتنا، فقال النبي (ص): يأيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنه حكيم سميع قريب.
احتج به البيهقي وغيره للاسرار بالذكر والدعاء.
وقال الشافعي في الام: أختار للامام والمأموم أن يذكرا الله تعالى بعد السلام من الصلاة، ويخفيا الذكر، إلا أن يكون إماما يريد أن يتعلم منه فيجهر حتى يرى أنه قد تعلم منه ثم يسر، فإن الله تعالى يقول: * (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) * يعني - والله أعلم - الدعاء، ولا تجهر حتى تسمع غيرك، ولا تخافت حتى لا تسمع نفسك.
انتهى.
ــ
بالعقبية أنهما يقدمان على النافلة راتبة كانت أو غيرها، وأنه لو قدمها عليهما فاتا عليه.
وسيذكر خلافه.
وعبارة ع ش: وفي سم على المنهج: السنة أن يكون الذكر والدعاء قبل الإتيان بالنوافل بعدها، راتبة كانت أو غيرها.
شرح الروض: أي فلو أتى به بعد الراتبة فهل يحصل أو لا؟ فيه تردد نقله الزيادي.
أقول: والأقرب الثاني لطول الفصل.
اه.
وقوله: والأقرب الثاني.
سيأتي عن سم على حجر أن الأفضل تقديم الذكر والدعاء على الراتبة، فيفيد أنه لو قدمها عليهما كان التقديم مفضولا مع حصولهما.
(قوله: أي يسن الخ) تفسير مراد لقوله سرا.
(قوله: بهما) أي بالذكر والدعاء.
(قوله: لم يرد إلخ) في محل جر، صفة لإمام، فإن أراد ذلك جهر بهما.
قال ع ش: وينبغي جريان ذلك في كل دعاء وذكر فهم من غيره أنه يريد تعلمهما، مأموما كان أو غيره، من الأدعية الواردة أو غيرها، ولو دنيويا.
اه.
وقوله: تعليم الحاضرين أي الذكر والدعاء.
(وقوله: ولا تأمينهم) أي ولم يرد تأمين الحاضرين لدعائه.
(قوله: وورد فيهما) أي في فضلهما والحث عليهما - أي مطلقا - عقب الصلاة وغيره.
وقوله: أحاديث كثيرة من جملة ما ورد في الدعاء ما رواه الحاكم عن علي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السموات والأرض.
وروي عن عائشة رضي الله عنها إنه صلى الله عليه وسلم قال: إن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة.
وروى ابن ماجه عن أبي هريرة: من لم يسأل الله يغضب عليه.
ومن جملة ما ورد في الذكر قوله عليه الصلاة والسلام: من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبر الله ثلاثا وثلاثين.
ثم قال: تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له
له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير.
غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر.
(قوله: وروى الترمذي إلخ) هذا مما ورد في الدعاء والحديث الذي بعده في الذكر، وهو متضمن لبعض الآداب.
(قوله: جوف الليل) منصوب على الظرفية بمقدر، أي الدعاء في جوف الليل أسمع.
ويجوز رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هو جوف الليل.
وعليه فيقدر في السؤال مضاف محذوف أي: أي وقت الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل.
وقوله: ودبر معطوف على جوف.
ويجري فيه الاحتمالان في سابقه.
(قوله: أشرفنتا على واد) أي اطلعنا.
(قوله: اربعوا على أنفسكم) هو بفتح الباء، ومعناه: ارفقوا بأنفسكم واخفضوا أصواتكم.
(قوله: أنه) أي الله عزوجل.
(قوله: احتج به) أي استدل بهذا الخبر.
وقوله: للإسرار أي لندبه.
(قوله: أختار) هو بصيغة المضارع، مقول القول.
(قوله: للإمام والمأموم) أي المنفرد.
(قوله: أن يذكر الله تعالى) المراد بالذكر ما يشمل الدعاء.
(قوله: إلا إن يكون إماما الخ) استثناء من قوله: ويخفيا الذكر.
واسم يكون يعود على أحد المذكورين وهو الإمام، ويحتمل عوده على الذاكر المفهوم من الذكر.
ولو حذف أن يكون وقال: إلا الإمام الخ لكان أولى.
(وقوله: أن يتعلم) بالبناء للمجهول.
(وقوله: منه) نائب فاعله، أي أن يتعلم الحاضرون منه.
(قوله: فإن الله يقول إلخ) دليل الاختيار.
(قوله: ولا تخافت بها) يقال: خفت الصوت من بابي
(فائدة) قال شيخنا: أما المبالغة في الجهر بهما في المسجد بحيث يحصل تشويش على مصل فينبغي حرمتها.
(فروع) يسن افتتاح الدعاء بالحمد لله والصلاة على النبي (ص)، والختم بهما وبآمين.
وتأمين مأموم سمع دعاء الامام، وإن حفظ ذلك.
ورفع يديه الطاهرتين حذو منكبيه، ومسح الوجه بهما بعده.
واستقبال القبلة حالة
ــ
ضرب وجلس إذا سكن.
ويعدى بالباء فيقال: خفت الرجل بصوته، إذا لم يرفعه.
وخافت بقراءته مخافتة إذا لم يرفع صوته بها، وخفت الزرع ونحوه فهو خافت.
اه.
مصباح ومختار.
(قوله: يعني والله أعلم بالدعاء) أي أن المراد من الصلاة الدعاء، وهذا القول لعائشة رضي الله عنها.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: المراد بالصلاة القراءة فيها.
وقال: نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة، وكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به.
فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (ولا تجهر بصلاتك) * أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن، * (ولا تخافت بها) * عن أصحابك فلا تسمعهم * (وابتغ بين ذلك سبيلا) * زاد في رواية: أي أسمعهم ولا تجهر حتى يأخذوا عنك القرآن.
(قوله: في الجهر بهما) أي بالذكر والدعاء.
(قوله: بحيث يحصل إلخ) تصوير للمبالغة.
(قوله: يسن افتتاح الدعاء إلخ) قد نظم ابن العماد آداب الدعاء في قوله: واجلس إلى قبلة بالحمد مبتدئا وبالصلاة على المختار من رسل وامدد يديك وسل فالله ذو كرم واطلب كثيرا وقل يا منجح الأمل
ببسط كف خذ الأقوال ثالثها عند البلاء بظهر الكف وابتهل برفع كف أم الإطراق قد ذكروا قولين أقواهما رفع بلا حول إن السما قبلة الداعين فاعن بهاكما دعا سادة فاختره وانتحل وقوله: بالحمد لله والصلاة الخ قال في الأذكار: وينافي سنن أبي داود والترمذي والنسائي عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه، قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى ولو يصل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجل هذا.
ثم دعاه فقال له، أو لغيره: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه سبحانه والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بعد بما شاء.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وروينا في كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض، لا يصعد منه شئ حتى يصلى على نبيك صلى الله عليه وسلم.
اه.
وينبغي أن يتحرى مجامع الحمد، وأفضلها: الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه على كحال، حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده.
يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.
ومجامع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأفضلها صلاة التشهد، لكن لا سلام فيها فيزيد آخرها: وسلم تسليما كثيرا طيبا مباركا فيه.
(قوله: والختم بهما) أي بالحمد لله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
ويسن أيضا الختم بربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
(قوله: وبآمين) أي وسن الختم بآمين أيضا.
(قوله: وتأمين مأموم) أي وسن تأمين مأموم سمع دعاء إمامه، فإن لم يسمعه دعا بنفسه.
(قوله: وإن حفظ ذلك) أي وسن له التأمين وإن حفظ الدعاء.
(قوله: ورفع يديه) أي وسن رفع يديه عند الدعاء.
ولو فقدت إحدى يديه أو كان علة رفع الأخرى.
(قوله: الطاهرتين) خرج بهما المتنجستان فإنه يكره رفعهما ولو بحائل.
(وقوله: حذو منكبيه) أي إلا إذا اشتد الأمر فإنه يجاوز المنكب.
قال الكردي: وفي شرح العباب للشارح: قال الحليمي: وغاية الرفع حذو المنكبين.
وقال الغزالي: حتى يرى بياض إبطيه.
ثم قال في الإيعاب:
الذكر أو الدعاء، إن كان منفردا أو مأموما.
أما الامام إذا ترك القيام من مصلاه الذي هو أفضل له فالافضل جعل يمينه إلى المأمومين ويساره إلى القبلة.
قال شيخنا: ولو في الدعاء.
وانصرافه لا ينافي ندب الذكر له عقبها لانه يأتي به في محله الذي ينصرف إليه، ولا يفوت بفعل الراتبة، وإنما الفائت به كماله لا غيره.
وقضية كلامهم حصول ثواب الذكر وإن جهل معناه، ونظر فيه الاسنوي.
ولا يأتي هذا في القرآن للتعبد بلفظه فأثيب قارئه وإن
ــ
وينبغي حمل الثاني على ما إذا اشتد الأمر.
ويؤيده ما في مسلم من رفعه صلى الله عليه وسلم يديه في الاستسقاء حتى رؤي بياض إبطيه.
وحكمة الرفع إلى السماء أنها قبلة الدعاء، ومهبط الرزق والوحي والرحمة والبركة.
اه.
(قوله: ومسح الوجه بهما) أي وسن مسح الوجه بيديه، أي كفيه.
وقوله: بعده أي الدعاء.
(قوله: واستقبال القبلة) أي وسن استقبال القبلة، أي للاتباع.
(قوله: إن كان) أي الداعي الذي فرغ من صلاته.
(قوله: الذي هو) أي القيام.
وقوله: أفضل له أي للإمام.
ومحل ذلك إذا لم يكن خلفه نساء.
وقال ابن العماد: إن جلوسه في المحراب حرام لأنه أفضل بقعة في المسجد، فجلوسه هو أو غيره فيه يمنع الناس من الصلاة فيه، ولا يكون إمام المصلين فيشوش عليهم.
وزيفه ابن حجر في شرح العباب بمنع كون المحراب أفضل، وبأن للإمام حقا فيه حتى يفرع من الدعاء والذكر المطلوبين عقبها.
(قوله: فالأفضل جعل يمينه إلى المأمومين) أي في غير محراب المسجد النبوي، أما هو فيجعل يمينه إليه تأدبا معه صلى الله عليه وسلم.
هذا معتمد الجمال الرملي، وأما معتمد ابن حجر فهو يجعل يمينه إلى المأمومين وإن كان في المسجد النبوي.
قال: كما اقتضاه إطلاقهم.
ويؤيده أن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم كانوا يصلون بمحرابه صلى الله عليه وسلم ولم يعرف عن أحد منهم خلاف ما عرف منه، فبحث استثنائه فيه نظر وإن كان له وجه وجيه، لا سيما مع رعاية أن سلوك الأدب أولى من امتثال الأمر.
واستثناه الدميري مع الكعبة المشرفة فقال: إنه يستقبلها وقت الدعاء.
وقد نظم ذلك فقال: وسن للإمام أن يلتفتا بعد الصلاة لدعاء ثبتا ويجعل المحراب عن يساره إلا تجاه البيت في أستاره ففي دعائه له يستقبل وعنه للمأموم لا ينتقل وإن يكن في مسجد المدينة فليجعلن محرابه يمينه لكي يكون في الدعا مستقبلا خير شفيع ونبي أرسلا (قوله: ولوفي الدعاء) أي الأفضل جعل يمينه إلخ ولو في حالة الدعاء.
(قوله: وانصرافه) أي الإمام من مصلاه الذي هو أفضل.
وقوله: لا ينافي الخ فيه أنه لا يتم هذا إلا لو عبر كغيره ببعدها بدل عقبها، إلا أن يقال أنه في كل شئ بحسبه.
والمراد بالعقبية هنا أن لا يتكلم بعد الصلاة بغيرهما، وإن قام من مصلاه وجلس في غيره.
وقوله: الذي ينصرف إليه أي الذي ينتقل إليه.
ومقتضى هذا أن جميع الأذكار في سائر الأوقات يقرؤها في المحل المنتقل إليه.
ثم رأيت في سم ما نصه: ينبغي أن يستثنى من ذلك الأذكار التي طلب الإتيان بها قبل تحوله.
ثم رأيته في شرح العباب قال: نعم، يستثنى من ذلك - أعني قيامه بعد سلامه - الصبح، لما صح: كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح جلس حتى تطلع
الشمس.
واستدل في الخادم بخبر: من قال دبر صلاة الفجر، وهو ثان رجله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
الحديث السابق، قال: ففيه تصريح بأنه يأتي بهذا الذكر قبل أن يحول رجليه.
ويأتي مثله في المغرب والعصر لورود ذلك فيهما.
اه.
(قوله: ولا يفوت) أي الذكر، بفعل الراتبة فيه، أنه لا يتم ذلك إلا لو عبر ببعدها بدل عقبها، كما علمت.
وعبارة التحفة: على أنه يؤخذ من قوله بعدها أنه لا يفوت بفعل الراتبة.
اه.
وقوله: بفعل الراتبة قال سم: ظاهره وإن طولها، وفيه نظر إذا فحش التطويل بحيث صار لا يصدق على الذكر أنه بعد الصلاة.
وقد يقال وقوعه بعد توابعها وإن طالت لا يخرجه عن كونه بعدها.
اه.
(قوله: وإنما الفائت به كماله) يفيد أن الأفضل تقديم الذكر والدعاء على الراتبة.
اه سم.
(قوله: وقضية كلامهم) أي الفقهاء.
(قوله: ونظر فيه) أي في حصول الثواب مع جهل المعنى.
(قوله: ولا
لم يعرف معناه، بخلاف الذكر لا بد أن يعرفه ولو بوجه.
انتهى.
ويندب أن ينتقل لفرض أو نفل من موضع صلاته ليشهد له الموضع حيث لم تعارضه فضيلة، نحو صف أول، فإن لم ينتقل فصل بكلام إنسان.
والنفل لغير المعتكف في بيته أفضل إن أمن فوته، أو تهاونا به، إلا في نافلة المبكر للجمعة، أو ما سن فيه الجماعة، أو ورد في المسجد كالضحى، وأن يكون انتقال المأموم بعد
ــ
يأتي هذا) أي التنظير المذكور.
(قوله: للتعبد بلفظه) أي القرآن.
(قوله: فأثيب قارئه) أي القرآن.
(قوله: بخلاف الذكر) خبر لمبتدأ محذوف، أي وهذا بخلاف الذكر.
(قوله: لا بد الخ) الأولى زيادة فاء التفريع.
وقوله: أن يعرفه أي معنى الذكر.
(قوله: ولو بوجه) أي بأن يعرف أن في التسبيح والتحميد ونحوهما تعظيما لله وثناء عليه.
(قوله: انتهى) لعله زائد من النساخ، أو مؤخر من تقديم، لأن عبارة شيخه انتهت عند قوله: لا غير.
(قوله: ويندب أن ينتقل) أي المصلي مطلقا، سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا.
(قوله: لفرض أو نفل) أي لأجل صلاة فرض أو نفل.
وقوله: من موضع صلاته متعلق بينتقل.
أي يندب أن ينتقل من الموضع الذي صلى فيه إلى موضع آخر يريد أن يصلي فيه فرضا أو نفلا.
ويكره ملازمة المكان الواحد لغير الإمام في المحراب، أما هو فلا يكره له، خلافا للسيوطي حيث قال: إنها بدعة مفوتة فضيلة الجماعة له ولمن ائتم به.
(قوله: ليشهد له الموضع) أي الذي صلى فيه ثانيا كالموضع الذي صلى في أولا.
قال في النهاية: ليشهد له، ولما فيه من إحياء البقاع بالعبادة.
اه.
(قوله: حيث لم تعارضه) الظرف متعلق بيندب، والضمير البارز يعود على مصدره.
أي يندب الانتقال حيث لم يعارض الندب تحصيل فضيلة، نحو الصف الأول كالقرب من الإمام، فإن عارضه ذلك ترك الانتقال، ومثله ما لو عارضه مشقة خرق الصفوف.
قال في النهاية: واستثنى بعض المتأخرين بحثا من انتقاله ما إذا قعد مكانه يذكر الله تعالى بعد صلاة الصبح إلى أن تطلع الشمس لأن ذلك كحجة وعمرة.
رواه الترمذي عن أنس.
اه.
(قوله: فصل) أي للنهي - في مسلم - عن وصل صلاة بصلاة إلا بعد كلام أو خروج.
اه تحفة.
أي من محل صلاته الأولى.
وقوله: بكلام إنسان انظر: هل هو قيد أو ليس بقيد؟ بل مثله كلام الله
والذكر.
ثم رأيت ع ش في باب صلاة النفل في مبحث الاضطجاع، كتب على قول النهاية: أو فصل بنحو كلام، ما نصه: ولو من الذكر أو القرآن، لأن المقصود منه تمييز الصلاة التي فرغ منها من الصلاة التي شرع فيها.
اه.
ووافقه على ذلك ش ق.
ومقتضاه أن كلام الإنسان هنا ليس بقيد، بل مثله الذكر أو القرآن.
تأمل.
(قوله: والنفل) أي والانتقال للنفل إلى بيته أفضل، ولو عبر به لكان أولى.
وعبارة المنهاج مع المغني: وأفضله، أي الانتقال للنفل من موضع صلاته إلى بيته.
اه.
(قوله: لغير المعتكف) لو أخره مع المستثنيات لكان أولى.
(قوله: في بيته) متعلق بالنفل أو بما بعده.
وقوله: أفضل أي لخبر الصحيحين: صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته، إلا المكتوبة.
ولخبر مسلم: إذا قضى أحدكم صلاته في مسجده فليجعل لبيته من صلاته فإن الله جاعل في بيته من صلاته، خيرا.
ولكونه في البيت أبعد عن الرياء.
(قوله: إن أمن فوته) أي النفل.
وعبارة التحفة: إن لم يخف بتأخيره للبيت فوت وقت أو تهاونا.
اه.
وهي أولى من عبارة الشارح، لأن التهاون ينشأ عنه الفوات فيكون عين ما قبله.
(قوله: إلا في نافلة المبكر للجمعة) أي فإنها ليست أفضل في البيت، بل هي في المسجد أفضل.
وقوله: أو ما سن في الجماعة أي كالتراويح والاستسقاء والكسوفين والعيدين، فهذه فعلها في المسجد أفضل.
وقوله: أو ورد في المسجد أي وإلا السنة التي ورد فعلها في المسجد، كالضحى أي وكركعتي إحرام بميقات فيه مسجد، وركعتي الطواف فيه.
وقد نظم جميع المستثنيات من أفضلية الصلاة في البيت العلامة الشيخ منصور الطبلاوي فقال: صلاة نفل في البيوت أفضل إلا التي جماعة تحصل
انتقال إمامه.
(وندب) لمصل (توجه لنحو جدار) أو عمود من كل شاخص طول ارتفاعه ثلثا ذراع فأكثر.
وما بينه وبين عقب المصلي ثلاثة أذرع فأقل، ثم إن عجز عنه (ف) - لنحو (عصا مغروزة) كمتاع، (ف) - إن لم يجده ندب (بسط مصلى) كسجادة، ثم إن عجز عنه خط أمامه خطا في ثلاثة أذرع عرضا أو طولا، وهو أولى، لخبر أبي داود: إذا صلى أحدكم فليجعل أمام وجهه شيئا، فإن لم يجد فلينصب عصا، فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا، ثم لا يضره ما مر أمامه.
وقيس بالخط المصلى، وقدم على الخط لانه أظهر في المراد.
والترتيب
ــ
وسنة الإحرام والطواف ونفل جالس للاعتكاف ونحو علمه لإحيا البقعة كذا الضحى ونفل يوم الجمعة وخائف الفوات بالتأخر وقادم ومنشئ للسفر ولاستخارة وللقبلية لمغرب ولا كذا البعديه وقوله: ونفل يوم الجمعة المراد به سنته القبلية، أما البعدية فصلاتها في البيت أفضل.
كما صرح به ع ش.
(قوله: وأن يكون انتقال الخ) معطوف على نائب فاعل يندب، أي ويندب أن يكون انتقال المأموم بعد انتقال إمامه أي فيمكث في مصلاه حتى يقوم الإمام منه، ويكره له الانصراف قبل ذلك حيث لا عذر.
(قوله: وندب لمصل) أي لمريد
الصلاة، ولو صلاة جنازة.
وينبغي أن يعد النعش ساترا إن قرب منه، فإن بعد منه اعتبر لحرمة المرور أمامه سترة بالشروط.
اه ع ش.
(قوله: توجه لنحو جدار) نائب فاعل ندب.
(قوله: أو عمود) معطوف على جدار، وهو مما اندرج تحت نحو، ولو أخره عن البيان وجعله تمثيلا له لكان أولى.
(قوله: من كل شاخص) بيان لنحو الجدار، وهذا البيان أعم من المبين إذا لا يختص بنحو الجدار بل نحو العصا كذلك.
فلو أخره عن قوله فلنحو عصا، وجعله بيانا لهما لكان أولى.
(قوله: وما بينه) أي الشاخص.
والأولى حذف ما.
وقوله: وبين عقب المصلي قال الكردي: مثله من أحرم بسجود تلاوة أو شكر.
وقوله: ثلاثه أذرع فأقل قال في النهاية: وهل تحسب الثلاثة من رؤوس الأصابع أو من العقب؟ فيه احتمالان، والأوجه الأول.
اه.
وجزم حجر بالثاني، وما ذكر إذا كان المصلي قائما.
أما إذا كان جالسا فينبغي أن يكون من الأليتين.
كذا في ع ش.
(قوله: ثم إن عجز عنه) أي نحو الجدار.
والمراد بالعجز عدم السهولة.
كما في البجيرمي.
(قوله: فلنحو عصا) أي فندب له توجه لنحو ذلك.
وقوله: كمتاع تمثيل لنحو العصا.
والمراد يجمعه ويجعله كالسترة.
(قوله: فإن لم يجده) أي نحو العصا.
وقوله: ندب بسط مصلى أي فرشه، ومصلى يقرأ بصيغة اسم المفعول.
(قوله: كسجادة) هو بفتح السين.
اه شرح المنهج.
(قوله: ثم إن عجز عنه) أي عن المصلى، خط أمامه خطا.
قال في شرح الروض: وكلامه كالأصل، والمنهاج يقتضي التخيير بينهما، أي بين المصلى والخط.
(قوله: في ثلاثة أذرع) لا معنى للظرفية إذا المراد - كما هو ظاهر العبارة - أن الخط يكون ثلاثة أذرع، فالأولى حذف في.
ويكون قوله ثلاثة أذرع بدلا من خطا.
ثم إن الثلاث الأذرع ليست بقيد، فيكفي أقل منها، وإن تخصيصه بالخط ليس بظاهر، بل مثله المصلى.
ولو أخره عن قوله وهو أولى لصح رجوعه لجميع ما قبله من نحو العصا والمصلى والخط، وتحسب هذه الثلاثة الأذرع فأقل من رؤوس الأصابع أو العقب على ما مر إلى أعلى الخط الذي من جهة القبلة.
ومثله المصلى - أي السجادة - كما نص عليه البجيرمي وعبارته: يعني أننا نحسب الثلاثة أذرع التي بين المصلي والمصلى، أو الخط من رؤوس الأصابع إلى آخر السجادة مثلا، حتى لو كان فارشها تحته كفت، لاأننا نحسبها من رؤوس الأصابع إلى أولها.
فلو وضعها قدامه وكان بينه وبين أولها ثلاثة أذرع لم يكف، كما قرره شيخنا.
اه.
(قوله: عرضا أو طولا) عبارة الروض: طولا.
وقال في شرحه: لا عرضا.
اه.
(قوله: وهو أولى) أي كون الخط طولا أولى من كونه عرضا.
(قوله: لخبر أبي دواد) تعليل لقوله: ندب الخ.
(قوله: ثم لا يضره ما مر أمامه) أي في كمال ثوابه.
اه ع ش.
وقال الشوبري: أي في إذهابه خشوعه.
وقوله: ما مر، لم يقل: من مر، لأنه شيطان فأشبه غير العاقل.
اه بجيرمي.
(قوله: وقيس بالخط) أي على الخط الكائن في
الخبر.
(قوله: وقدم على الخط) أي قدم المصلى على الخط في الترتيب.
والقياس أن يقدم الخط عليه لكون المصلى
المذكور هو المعتمد، خلافا لما يوهمه كلام ابن المقري.
فمتى عدل عن رتبة إلى ما دونها مع القدرة عليها كانت كالعدم.
ويسن أن لا يجعل السترة تلقاء وجهه بل عن يمينه أو يساره، وكل صف سترة لمن خلفه إن قرب منه.
قال البغوي: سترة الامام سترة من خلفه.
انتهى.
ولو تعارضت السترة والقرب من الامام أو الصف الاول فما الذي يقدم؟ قال شيخنا: كل محتمل وظاهر قولهم يقدم الصف الاول في مسجده (ص) وإن كان خارج مسجده المختص بالمضاعفة تقديم نحو الصف الاول.
انتهى.
ــ
مقيسا عليه.
وقوله: لأنه أي المصلى.
وقوله: أظهر في المراد أي من الخط.
وذلك المراد هو منع مرور الناس عليه الذي هو سبب في التشويش.
(قوله: والترتيب المذكور) أي من تقديم نحو الجدار، ثم نحو العصا، ثم المصلى، ثم الخط.
(قوله: خلافا لما يوهمه كلام ابن المقري) أي من عدم ندب الترتيب، ونص عبارته: وجاز، بل ندب، لمصل دنا ثلاثة أذرع من شاخص أو مصلى أو خط دفع مار.
اه.
(قوله: فمتى عدل) أي المصلي.
وهو مفرع على اشتراط الترتيب المذكور في أداء سنية التوجه إلى السترة.
وقوله: عن رتبة إلى ما دونها أي كأن ترك التوجه لنحو الجدار وغرز عصا.
وقوله: مع القدرة عليها أي على الرتبة التي عدل عنها.
وفي الكردي ما نصه: قال في الإيعاب: لو رآه مستترا بالأدون، وشك في قدرته على ما فوقه، حرم المرور فيما يظهر إلخ.
ونحوه في الإمداد.
وقال الشوبري: وهو قريب إن قامت قرينة عليه أو لم تقم قرينة على خلافه.
اه.
(قوله: كانت) أي الرتبة الثانية التي عدل إليها.
وقوله: كالعدم أي فلا تحصل له سنة الاستتار، ولا يحرم المرور بين يديه.
(قوله: ويسن أن لا يجعل إلخ) وحينئذ يحتاج إلى الجواب عما تقدم في الخبر، وهو: إذا صلى أحدكم فليجعل أمام وجهه شيئا.
اه ح ل.
إلا أن يقال المراد بالأمام ما قابل الخلف، فيصدق بجعلها عن يمينه أو شماله.
والأولى أن تكون على اليسار لأن الشيطان يأتي من جهتها.
وقال ع ش: الأولى عن يمينه لشرف اليمين.
اه بجيرمي.
(قوله: وكل صف سترة لمن خلفه) خالف في ذلك م ر، وقال: الأوجه أن بعض الصفوف لا يكون سترة لبعض، كما هو ظاهر كلامهم.
اه.
(قوله: إن قرب منه) أي بحيث يكون بين الصفين ثلاثة أذرع فأقل.
(قوله: قال البغوي الخ) لم يتعرض له في التحفة والنهاية والأسنى وشرح المنهج.
(قوله: سترة من خلفه) وانظر هل المراد جميع من خلفه من المأمومين؟ أو الصف الذي يليه فقط؟ الظاهر الثاني.
(قوله: ولو تعارضت السترة والقرب من الإمام) يعني أنه لو قرب من الإمام لا يتسير له السترة، وإذا بعد عنه تيسرت له.
وقوله: أو الصف الأول أي أو تعارضت السترة والصف الأول، وكان الأولى أن يقول: أو والصف بزيادة الواو كما هو ظاهر.
وهي ثابتة في الكردي نقلا عن التحفة.
(قوله: فما الذي يقدم) أي هل السترة مع البعد عن الإمام أو مع كونه في غير الصف الأول أو القرب من الإمام أو الصف الأول مع عدم السترة؟ (قوله: كل محتمل) فيحتمل الأول، ويحتمل الثاني، إذا كل منهما مطلوب.
(قوله: وظاهر الخ) مبتدأ خبره قوله تقديم نحو الصف الأول.
(قوله: يقدم الصف الأول) مقول قولهم.
(قوله:
في مسجده) المراد به هنا ما كان في عهده صلى الله عليه وسلم وما زيد عليه بدليل الغاية.
(قوله: وإن كان) أي الصف الأول.
وقوله: ارج مسجده المختص بالمضاعفة أي مضاعفة الثواب، وذلك لأنها مختصة بمسجده الذي كان في زمنه، لقوله عليه السلام: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام.
الحديث.
فاسم الإشارة
وإذا صلى إلى شئ منها فيسن له ولغيره دفع مار بينه وبين السترة المستوفية للشروط، وقد تعدى بمروره لكونه مكلفا.
ويحرم المرور بينه وبين السترة حين يسن له الدفع، وإن لم يجد المار سبيلا ما لم يقصر بوقوف في طريق أو في صف مع فرجة في صف آخر بين يديه فلداخل خرق الصفوف وإن كثرت حتى يسدها.
(وكره فيها) أي الصلاة، (التفات) بوجه بلا حاجة.
وقيل: يحرم.
واختير للخبر الصحيح: لا يزال الله مقبلا على العبد في مصلاه - أي برحمته ورضاه - ما لم يلتفت، فإذا التفت أعرض عنه.
فلا يكره لحاجة، كما لا يكره مجرد لمح العين (ونظر نحو سماء) مما يلهي، كثوب له أعلام، لخبر البخاري: ما بال أقوام يرفعون أبصارهم
ــ
يخصص المضاعفة بما كان في زمنه، وأما الزائد عليه فلا مضاعفة فيه.
وقوله: نحو الصف الأول هو القرب من الإمام.
(قوله: وإذا صلى إلى شئ منها) أي من الجدار فالعصا فالمصلى فالخط.
(قوله: فيسن له إلخ) وإنما لم يجب على خلاف القياس احتراما للصلاة، لأن وضعها عدم العبث ما أمكن، وتوفير الخشوع، والدفع ولو من غيره قد ينافيه.
اه تحفة.
وقوله: ولغيره أي غير المصلي المتوجه للسترة المذكورة.
وشمل الغير من هو في صلاة وخارجها، وقيده ابن حجر بمن ليس في صلاة.
وقال ع ش: ومفهومه - أي القيد المذكور - أن من في صلاة لا يسن له ذلك.
لكن قضية قول الشارح في كف الشعر وغيره، ويسن لمن رآه كذلك ولو مصليا آخر إلخ، خلافه.
اللهم إلا أن يقال إن دفع المار فيه حركات، فربما يشوش خشوعه بخلاف حل الثوب ونحوه.
اه.
وقوله: دفع مار أي للخبر الصحيح: إذا صلى أحدكم إلى شئ ستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان.
أي معه شيطان، أو هو شيطان.
قال في النهاية: ويدفع بالتدريج كالصائل، وإن أدى دفعه إلى قتله.
ومحله إذا لم يأت بأفعال كثيرة وإلا بطلت.
وعليه يحمل قولهم: ولا يحل المشي إليه لدفعه لامره صلى الله عليه وسلم بذلك.
اه.
وقوله: المستوفية للشروط وهي أن يكون طول ارتفاعها ثلثي ذراع، وأن يكون ما بينه وبين السترة ثلاثة أذرع، وأن تكون على الترتيب المتقدم.
(قوله: وقد تعدى بمروره لكونه مكلفا) هكذا في التحفة، واعتمد م ر أنه لا فرق بين المكلف وغيره لأن هذا من باب دفع الصائل، وهو يدفع مطلقا.
اه.
(قوله: ويحرم المرور) أي على المكلف العالم، لقوله صلى الله عليه وسلم: لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين خريفا خيرا له من أن يمر بين يديه.
(قوله: حين يسن له الدفع) وذلك بأن وجدت شروط السترة، فإن لم توجد حرم الدفع، كما صرح به في التحفة.
وقيد الحرمة سم بما إذا حصل منه أذية، وإلا بأن خف وسومح به عادة لم يحرم.
(قوله: ما لم يقصر) أي المصلي.
وهو قيد لحرمة المرور وقوله: بوقوف بيان للتقصير، فالباء للتصوير أي ويتصور التقصير بوقوفه في الطريق - أي محل مرور الناس - أو في صف مع وجود فرجة في صف آخر أمامه.
(قوله: فلداخل) أي محل الصلاة.
(قوله: خرق الصفوف) أي لتقصيرهم بعدم سدها المفوت
لفضيلة الجماعة.
وقوله: وإن كثرت أي الصفوف.
وقوله: حتى يسدها أي الفرجة.
وحتى هنا تعليلية، أي لأجل أن يسدها.
(قوله: وكره فيها الخ) شروع في بيان مكروهات الصلاة.
(قوله: التفات بوجهه) أي يمينا أو شمالا.
وخرج به ما إذا التفت بصدره وحوله عن القبلة فإنها تبطل، وتبطل أيضا إذا قصد الالتفات بوجهه اللعب، كذا في م ر وحجر.
(قوله: وقيل يحرم) أي الالتفات.
(قوله: واختير) أي هذا القيل.
وفي المغني: وقال الأذرعي: والمختار أنه إن تعمد مع علمه بالخبر حرم، بل تبطل إن فعله لعبا.
اه.
(قوله: للخبر الصحيح الخ) مرتبط بالمتن، فهو دليل الكراهة.
وصح أيضا أن عائشة رضي الله عنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة، فقال: هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد.
رواه البخاري.
وقوله اختلاس: أي سبب اختلاس، أي اختطاف يختطفه الشيطان من ثواب صلاة العبد.
(قوله: فلا يكره لحاجة) محترز قوله بلا حاجة.
وذلك لانه صلى الله عليه وسلم كان في سفر فأرسل فارسا في الشعب من أجل الحرس، فجعل يصلي وهو يلتفت إلى الشعب.
اه نهاية.
(قوله: كما لا يكره مجرد لمح العين) أي لأنه ليس فيه التفات.
وعبارة المغنى: وخرج بما ذكر اللمح بالعين دون الالتفات فإنه لا بأس به.
ففي صحيح ابن حبان من حديث على بن شيبان
إلى السماء في صلاتهم.
فاشتد قوله في ذلك حتى قال: لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم.
ومن ثم كرهت أيضا في مخطط أو إليه أو عليه لانه يخل بالخشوع.
(وبصق) في صلاته، وكذا خارجها، (أماما) أي قبل وجهه، وإن لم يكن من هو خارجها مستقبلا، كما أطلقه النووي (ويمينا) لا يسارا، لخبر الشيخين: إذا كان
ــ
قال: قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم وصلينا معه، فلمح بمؤخر عينيه رجلا لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، فقال: لا صلاة لمن لا يقيم صلبه.
اه.
(قوله: ونظر نحو سماء) أي وكره نظره إلى نحو السماء، ولو بدون رفع رأسه، وعكسه وهو رفع رأسه بدون نظر كذلك على ما بحثه الشوبري، فيشمل الأعمى كما قاله البرماوي.
اه بجيرمي.
(قوله: مما يلهي) أي يشغل عن الصلاة، وهو بيان لنحو سماء.
(قوله: كثوب له أعلام) أي خطوط.
وهو مثال لما يلهي.
(قوله: لخبر البخاري) دليل لكراهة النظر إلى السماء فقط.
(قوله: ما بال أقوام) أي ما حالهم؟ وأبهم الرافع لئلا ينكسر خاطره، لأن النصيحة على رؤوس الأشهاد فضيحة.
وقوله: فاشتد أي قوي قول النبي في ذلك، أي في رفع البصر، أي في الإنكار في ذلك.
وقوله: لينتهن جواب قسم محذوف، وهو مرفوع بالنون المحذوفة لتوالي الأمثال.
والأصل والله لينتهونن.
(وقوله: عن ذلك) أي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة.
وقوله: أو لتخطفن أبصارهم بضم الفوقية وفتح الفاء مبنيا للمفعول وأو للتخيير، تهديدا لهم.
وهو خبر بمعنى الأمر.
والمعنى: ليكونن منهم الانتهاء عن رفع البصر إلى السماء أو خطف الأبصار عند رفعها من الله تعالى.
أما رفع البصر إلى السماء في غير الصلاة لدعاء ونحوه فجوزه الأكثرون، كما قاله القاضي عياض، لأن السماء قبلة الدعاء، كالكعبة قبلة الصلاة.
وكرهه آخرون.
اه شرح البخاري
شيخ الإسلام ع ش بزيادة.
(قوله: ومن ثم كرهت الخ) أي ومن أجل ورود الخبر المذكور دليلا لكراهة النظر إلى السماء كرهت أيضا إلخ، بجامع الإلهاء عن الصلاة في كل.
وكان الأولى والأنسب أن يقول كعادته: ويقاس بما في الخبر ما في معناه من كل ما يلهي.
وذلك لأنه قد نص على كراهة النظر إلى السماء وإلى نحوها من كل ما يلهي كالثوب المخطط.
والخبر الذي ساقه لا يصلح دليلا إلا لكراهة النظر إلى السماء ولا يصلح دليلا لغيره، وساق في شرح المنهج والمغنى والنهاية حديث عائشة دليلا لكراهة النظر لنحوها بعد أن ساقوا الخبر الذي ساقه الشارح دليلا لكراهة رفع البصر إلى السماء.
وحديث عائشة هو: أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي وعليه خميصة ذات أعلام، فلما فرغ قال: ألهتني هذه، اذهبوا بها إلى أبي جهم وأتوني بأنبجانيته.
قوله: في مخطط أي ثوب فيه خطوط، سواء كانت تصاوير أو غيرها.
وقوله: أو إليه أي بأن يكون أمامه ثوب فيه ذلك.
وقوله: أو عليه كسجادة وقوله: لأنه يخل بالخشوع علة للمعلل مع علته، أي وإنما كرهت في مخطط للخبر المذكور لأنه يخل بالخشوع.
قال في التحفة: وزعم عدم التأثر به حماقة، فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم مع كماله الذي لا يداني، لما صلى في خميصة لها أعلام نزعها وقال: ألهتني أعلام هذه.
وفي رواية: كادت أن تفتنني أعلامها.
اه.
قال العلامة الكردي: وظاهر أن محل ذلك في البصير.
اه.
(قوله: وبصق في صلاته إلخ) أي وكره بصق إلخ، وهو بالصاد والسين والزاي.
ومحل الكراهة إذا كان في غير المسجد، أما فيه فيحرم.
فإذا كان فيه وأراد أن يبصق فليكن في ثوب، وليكن عن يساره.
وعبارة النهاية: ومحل ما تقرر في غير المسجد، فإن كان فيه بصق في ثوبه في الجانب الأيسر وحك بعضه ببعض، ولا يبصق فيه فإنه حرام.
كما صرح به في المجموع والتحقيق لخبر: البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها.
ويجب الإنكار على فاعله.
ويحصل الغرض ولو بدفنها في ترابه أو رمله، بخلاف المبلط فدلكها فيه ليس بدفن بل زيادة في تقديره.
ويسن تطييب محله.
وإنما لم تجب إزالته منه - مع كون البصاق محرما فيه - للاختلاف في تحريمه.
اه.
وقوله: ويحصل الغرض أي وهو كفارتها.
اه ع ش.
وسنقل الشارح عن حجر ذلك أيضا، لكن قيده ببقاء جرم البصاق.
(قوله: وكذا خارجها) أي وكذا يكره البصق أماما خارج الصلاة.
(قوله: أماما) بفتح الهمزة، ظرف متعلق ببصق.
(قوله: وإن لم يكن من هو خارجها مستقبلا) تبع في هذه الغاية شيخه ابن حجر، وهو خلاف ما عليه الرملي فإنه قيد ذلك بما إذا كان مستقبلا إكراما للقبلة.
ونقله أيضا سم عن شرح البهجة لشيخ الإسلام، ونصه: وظاهر أن محل كراهة ذلك - أي البصق أمامه - على قول النووي - أي وهو الكراهة خارجها - إذا كان
أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه عزوجل، فلا يبزقن بين يديه ولا عن يمينه، بل عن يساره أو تحت قدمه اليسرى أو في ثوب من جهة يساره.
وهو أولى.
قال شيخنا: ولا بعد في مراعاة ملك اليمين دون ملك اليسار إظهارا لشرف الاول، ولو كان على يساره فقط إنسان بصق عن يمينه، إذا لم يمكنه أن يطأطئ رأسه، ويبصق لا إلى اليمين ولا إلى اليسار.
وإنما يحرم البصاق في المسجد إن بقي جرمه لا إن استهلك في نحو ماء مضمضة
وأصاب جزءا من أجزائه دون هوائه.
وزعم حرمته في هوائه وإن لم يصب شيئا من أجزائه بعيد غير معول عليه،
ــ
متوجها إلى القبلة.
اه.
(قوله: كما أطلقه النووي) عبارة منهاجه: وأن يبصق قبل وجهه أو عن يمينه.
اه.
(قوله: ويمينا) معطوف على أماما.
(قوله: لا يسارا) أي لا يكره البصق لجهة اليسار.
قال الجمال الرملي: ومحل ذلك كما قاله بعض المتأخرين في غير مسجده صلى الله عليه وسلم، أما فيه فبصاقه عن يمينه أولى لان النبي صلى الله عليه وسلم عن يساره.
اه.
وقوله: فبصاقه عن يمينه أي في ثوب عن جهة يمينه، لا في أرض المسجد فإنه حرام كما علمت.
وتردد حجر في التحفة في استثناء مسجده صلى الله عليه وسلم، ونص عبارته: أو عن يمينه ولو في مسجده صلى الله عليه وسلم، على ما اقتضاه إطلاقهم، لكن بحث بعضهم استثناءه.
وقد يؤيده الأول أن امتثال الأمر خير من سلوك الأدب، على قول.
فالنهي أولى لأنه يشدد فيه دون الأمر.
اه.
(قوله: لخبر الشيخين) دليل لكراهة البصق أماما ويمينا لا يسارا في خصوص الصلاة.
(قوله: فإنه يناجي ربه) مأخوذ من المناجاة، وهي بحسب الأصل المساررة بين اثنين، والمراد بها هنا المخاطبة.
أي فإنما يخاطب ربه.
(قوله: فلا يبزقن الخ) أي وإذا كان يناجي ربه فلا ينبغي أن يبزق أمامه ولا عن يمينه، بل يكون على أحسن الحالات وأكملها من إخلاص القلب وحضوره وتفريغه لذكر الله.
(قوله: بل عن يساره الخ) عبارة المغني: فلا يبزقن بين يديه ولا عن يمينه.
زاد البخاري: فإن عن يمينه ملكا، ولكن عن يساره أو تحت قدمه.
انتهى.
وظاهرها أن ما ذكره الشارح من قوله: بل عن يساره إلى قوله: وهو أولى، ليس من الحديث.
ولعله سرى له من عبارة التحفة المرتبطة بالمتن، فانظرها.
وعبارة مختصر ابن أبي جمرة: عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة فحكها بيده، ورؤي منه كراهية - أو رؤي كراهيته لذلك وشدته عليه.
وقال: أن أحدكم إذا قام يصلي فإنما يناجي ربه، أو ربه بينه وبين القبلة، فلا يبزقن في قبلته ولكن عن يساره أو تحت قدمه.
ثم أخذ طرف ردائه فبزق فيه ورد بعضه على بعض، وقال: أو يفعل هكذا.
اه.
(قوله: وهو أولى) أي البصق في ثوب من جهة يساره أولى من البصق لا في ثوب عن اليسار أو تحت القدم.
(قوله: قال شيخنا: ولا بعد في مراعاة الخ) عبارة التحفة: ولا بعد في مراعاة ملك اليمين دون ملك اليسار، إظهارا لشرف الأول.
وقضية كلامهم أن الطائف يراعي ملك اليمين دون الكعبة وهو محتمل.
نعم إن أمكنه أن يطأطئ رأسه ويبصق لا إلى اليمين ولا إلى اليسار فهو الأولى، وكذا في مسجده صلى الله عليه وسلم.
ولو كان على يساره فقط إنسان بصق عن يمينه إذا لم يمكنه ما ذكر، كما هو ظاهر.
سواء من بالمسجد وغيره، لأن البصاق إنما يحرم فيه إن بقي جرمه لا إن استهلك في نحو ماء مضمضة وأصاب جزءا من أجزائه دون هوائه، سواء من به وخارجه، إذ الملحظ التقدير وهو منتف فيه.
اه.
وقوله: أن يطاطئ رأسه أي يرخي رأسه ويميله.
والظاهر أن الطأطأة المذكورة اعتبرها لأجل أن لا يكون البصاق قبل وجهه فإنه مكروه عنده، ولو إلى
غير جهة القبلة، ولأجل أن يتيسر له البصاق تحت قدمه إن أراده.
وقوله: ويبصق لا إلى اليمين ولا إلى اليسار أي بل تحت قدمه، أو في منديل بيده.
وعبارة النهاية: ولم يراع ملك اليسار لأن الصلاة أم الحسنات البدنية، فإذا دخل فيها تنحى عنه ملك اليسار إلى فراغه منها إلى محل لا يصيبه شئ من ذلك، فالبصاق حينئذ إنما يقع على القرين وهو الشيطان.
اه.
وهذه الحكمة لا تظهر في البصاق خارج الصلاة فإن ملك اليسار لم يتنح عنه حينئذ.
(قوله: وإنما يحرم البصاق في المسجد إلخ) ليس لفظ التحفة كما يعلم من لفظها السابق، فالشارح رحمه الله تصرف فيها بما لا ينبغي.
(قوله: لا إن استهلك) أي البصاق، في نحو ماء مضمضمة.
أي فلا يحرم مج الماء المستهلك فيه البصاق في المسجد لذهاب جرمه.
(قوله: وأصاب جزءا) معطوف على بقي جرمه.
وقوله: من أجزائه أي المسجد.
(قوله: دون هوائه) أي فلا يحرم البصاق فيه إلى خارج المسجد، أو في نحو ثوب، سواء كان الفاعل داخله أم خارجه.
لأن الملحظ التقدير،
ودون تراب لم يدخل في وقفه.
قيل: ودون حصره، لكن يحرم عليها من جهة تقذيرها كما هو ظاهر.
اه.
ويجب إخراج نجس منه فورا عينيا على من علم به، وإن أرصد لازالته من يقوم بها بمعلوم، كما اقتضاه إطلاقهم.
ويحرم بول فيه ولو في نحو طشت.
وإدخال نعل متنجسة لم يأمن التلويث.
ورمي نحو قملة فيه ميتة وقتلها في أرضه وإن قل دمها، وأما إلقاؤها أو دفنها فيه حية، فظاهر فتاوي النووي حله، وظاهر كلام الجواهر تحريمه، وبه صرح ابن يونس.
ويكره فصد وحجامة فيه بإناء، ورفع صوت، ونحو بيع وعمل صناعة فيه.
ــ
كالفصد في إناء أو قمامة به، وإن لم يكن ثم حاجة.
وما زعمه بعضهم من حرمته في هوائه وإن لم يصب شيئا من أجزأئه، وأن الفصد مقيد بالحاجة إليه فيه، مردود.
(قوله: ودون تراب الخ) معطوف على دون هوائه، أي فلا يحرم البصاق فيه.
قال سم: ينبغي إلا إذا كان يبقى هو أو أثره ويتأذى به المصلون والمعتكفون، ولو بنحو إصابة أثوابهم أو أبدانهم، واستقذار ذلك.
اه.
وقوله: لم يدخل في وقفه فإن دخل فيه حرم لأنه صار من أجزاء المسجد.
(قوله: قيل: ودون حصره) حكاه بقيل تبعا لحجر، وجزم به في النهاية، ونصها: ولا يحرم البصق على حصر المسجد إن أمن وصول شئ منه له حيث البصاق في المسجد.
اه.
(قوله: فورا من جهة تقديرها) أي من جهة أن في البصاق فيها تقديرا لها مع أنها كفاية حق للغير.
وهو المالك لها إن وضعها في المسجد لمن يصلي عليها من غير وقف، ومن ينتفع بالصلاة عليها إن كانت موقوفة للصلاة.
أفاده ع ش.
(قوله: يجب إخراج نجس منه) أي من المسجد.
(قوله: فورا عينيا الخ) أي فإن أخر حرم عليه، فلو علم به غيره صارت فرض كفاية عليهما، ثم إن أزالها الأول سقط الحرج.
وينبغي دفع الإثم عنه من أصله، على نظير ما تقدم في البصاق.
أو أزالها الثاني سقط الحرج ولم تنقطع حرمة التأخير عن الأول إذ لم يحصل منه ما يكفرها.
اه ع ش.
(قوله: وإن أرصد لإزالته) أي أعد وهيئ لإزالة النجس منه.
وقوله: من يقوم بها نائب فاعل أرصد.
وضمير بها يعود على الإزالة.
وقوله: بمعلوم أي بأجرة.
(قوله: ويحرم بول فيه) أي في المسجد.
وقوله: ولو في نحو طشت أي لما في ذلك من الازدراء بالمسجد، ولأنه ربما يقع منه شئ فيه.
(قوله: وإدخال نعل متنجسة) أي ويحرم
إدخال نعل متنجسة في المسجد.
وقوله: لم يأمن التلويث قيد للحرمة، فإن أمن تلويثها المسجد لم يحرم إدخالها.
(قوله: ورمي نحو قملة فيه) أي ويحرم رمي نحو قملة، كبرغوث وبق وبعوض، في المسجد إذا كانت ميتة لنجاستها حينئذ.
(قوله: وقتلها في أرضه) أي ويحرم قتل القملة، أي ونحوها، في أرض المسجد، أي لأن فيه قصده بالمستقذر.
(قوله: وإن قل دمها) غاية للحرمة.
(قوله: وأما إلقاؤها أو دفنها) أي القملة، أي ونحوها.
ويصح عود الضمير على نحوها.
وتأنيث الضمير لاكتساب المضاف إياه من المضاف إليه وقوله: فيه أي في المسجد.
وقوله: حية حال من المضاف إليه إلقاء ودفن.
وساغ ذلك لوجود شرطه.
(قوله: فظاهر فتاوى الخ) عبارة التحفة: وأما إلقاؤها أو دفنها فيه حية، فظاهر فتاوي المصنف حله.
ويؤيده ما جاء عن أبي أمامة وابن مسعود ومجاهد أنهم كانوا يقتلون في المسجد ويدفنون القمل في حصاه.
وظاهر كلام الجواهر تحريمه، وبه صرح ابن يونس، ويؤيده الحديث الصحيح: إذا وجد أحدكم القملة في المسجد فليصرها في ثوبه حتى يخرج من المسجد.
والأول أوجه مدركا لأن موتها فيه وإيذاءها غير متيقن، بل ولا غالب.
ولا يقال رميها فيه تعذيب لها لأنها تعيش بالتراب.
مع أن فيه مصلحة كدفنها، وهي الأمن من توقع إيذائها لو تركت بلا رمي أو بلا دفن.
اه.
(قوله: وبه صرح) أي بالتحريم صرح، إلخ.
(قوله: ويكره فصد وحجامة فيه) أي في المسجد.
(وقوله: بإناء) أي حال كونهما واقعين في إناء.
فالباء بمعنى في، والجار والمجرور حال من كل مما قبله، وصح ذلك على قول من يجيز مجئ الحال من النكرة، ويصح أن يكون بدل اشتمال من الجار والمجرور قبله.
ولو قدمه على الجار والمجرور قبله لكان أولى، وعليه يكون قوله فيه صفة لإناء، ومحل الكراهة إذا أمن التلويث والإحرام.
والفرق بين البول حيث حرم في المسجد ولو في إناء، وبين الفصد والحجامة حيث كرها، أن الدماء أخف من البول، بدليل العفو عنها في محلها وإن كثرت إذا لم تكن بفعله.
(قوله: ورفع صوت) أي ويكره رفع الصوت فيه،
(وكشف رأس ومنكب) واضطباع ولو من فوق القميص.
قال الغزالي في الاحياء: لا يرد رداءه إذا سقط، أي إلا لعذر، ومثله العمامة ونحوها.
(و) كره (صلاة بمدافعة حدث) كبول وغائط وريح، للخبر الآتي، ولانها تخل بالخشوع.
بل قال جمع: إن ذهب بها بطلت.
ويسن له تفريغ نفسه قبل الصلاة وإن فاتت الجماعة، وليس له الخروج من الفرض إذا طرأت له فيه، ولا تأخيره إذا ضاق وقته.
والعبرة في كراهة ذلك بوجودها عند التحرم.
وينبغي أن يلحق به ما لو عرضت له قبل التحرم فزالت وعلم من عادته أنها تعود إليه في الصلاة.
وتكره بحضرة طعام أو شراب يشتاق إليه، لخبر مسلم: لا صلاة - أي كاملة - بحضرة طعام، ولا صلاة وهو يدافعه الاخبثان
ــ
ومحله ما لم يشوش على المصلين، وإلا حرم.
(قوله: نحو بيع) أي ويكره نحو بيع كسلم وقراض، وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك.
وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالة فقولوا: لا رد الله عليك.
قال الترمذي: حديث حسن.
(قوله: وعمل صناعة فيه) أي ويكره عمل صناعة في المسجد، كخياطة وتجارة.
قال في الروض وشرحه: وكذا يكره عمل صناعة فيه - أي في المسجد - إن كثر.
كما ذكره في الاعتكاف، هذا كله، إذا لم تكن خسيسة تزري بالمسجد، ولم يتخذ حانوتا يقصد فيه بالعمل، وإلا فيحرم.
ذكره ابن
عبد السلام في فتاويه.
اه.
(قوله: وكشف رأس ومنكب) أي وكره كشف رأس ومنكب، لأن السنة التجمل في صلاته بتغطية رأسه وبدنه كما مر.
(قوله: واضطباع) بالرفع، عطفا على كشف.
أي وكره اضطباع، وهو أن يجعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر.
وإنما كره لأنه أدب أهل الشطارة، والمطلوب فيها الخشوع.
(قوله: ولو من فوق القميص) أي ولو كان الاضبطاع من فوق القميص فإنه يكره.
قال ع ش: ولو كان لغير رجل.
اه.
وقال في التحفة: ويسن لمن رآه كذلك أن يحله حيث لا فتنة.
اه.
قال سم: فلو حله فسقط منه شئ وضاع أو تلف ضمنه، كما أفتى بذلك شيخنا الشهاب الرملي: اه.
(قوله: قال الغزالي في الإحياء: لا يرد الخ) أي فلو رده كره لأنه ينافي الخشوع.
وقوله: أي إلا لعذر أي كشدة حر أو برد، أو خوف ضياع لو تركه ملقى في الأرض.
(قوله: ومثله) أي الرداء.
وقوله: ونحوها أي نحو العمامة، كالطيلسان والطاقية.
(قوله: وكره صلاة بمدافعة حدث) أي غلبته.
(قوله: كبول إلخ) تمثيل للحدث، والكاف هنا استقصائية.
(قوله: للخبر الآتي) وهو: لا صلاة بحضرة طعام، ولا صلاة وهو يدافعه الأخبثان.
(قوله: ولأنها) أي مدافعة الحدث.
وقوله: تخل بالخشوع أي تنقص الخشوع.
(قوله: بل قال جمع الخ) عبارة المغني: ونقل عن القاضي حسين أنه قال: إذا انتهى به مدافعة الأخبثين إلى أن يذهب خشوعه لم تصح صلاته.
اه.
(قوله: إن ذهب) أي الخشوع.
وقوله: بها أي بالمدافعة.
وقوله: بطلت أي الصلاة.
(قوله: ويسن له تفريغ نفسه) أي من الحدث.
ومحله كما يعلم من قوله الآتي ولا تأخيره الخ.
إن كان الوقت متسعا، فإن ضاق وجبت الصلاة مع ذلك.
(قوله: وليس له الخروج الخ) أي لا يجوز له ذلك.
ومحله ما لم يظن بكتمه ضررا يبيح له التيمم، وإلا فله الخروج منه، وله تأخيره عن الوقت، كما في التحفة والنهاية.
وقوله: من الفرض خرج به النفل فلا يحرم الخروج منه، وإن نذر إتمام كل نفل دخل فيه لأن وجوب الإتمام لا يلحقه بالفرض، وينبغي كراهته عند طرو ذلك.
أفاده ع ش.
(قوله: ولا تأخيره الخ) أي وليس له تأخير الفرض إذا ضاق وقته بأن لم يبق منه إلا ما يسع الفرض فقط، ومحله أيضا إن لم يظن بكتمه ضررا يبيح له التيمم، وإلا فله ذلك.
(قوله: والعبرة في كراهة ذلك) أي الصلاة بمدافعته.
وقوله: بوجودها أي المدافعة.
(قوله: أن يلحق به) أي بوجودها عند التحرم في الكراهة.
وقوله: ما لو عرضت أي مدافعة الحدث.
وقوله: فزالت أي برده لها.
(قوله: وتكره بحضرة طعام أو شراب) قال في النهاية: وتوقان النفس في غيبة الطعام بمنزلة حضوره إن رجي حضوره عن قرب، كما قيد به في الكفاية، وهو مأخوذ من كلام ابن دقيق العيد.
وتعبير المصنف بالتوق يفهم أنه يأكل ما يزول به ذلك، لكن الذي جرى عليه في شرح مسلم في الأعذار المرخصة في
ترك الجماعة أنه يأكل حاجته بكمالها، وهو الأقرب، ومحل ذلك حيث كان الوقت متسعا.
اه.
(قوله: يشتاق إليه) أي
- أي البول والغائط -.
(و) كره صلاة في طريق بنيان لا برية، وموضع مكس، و (بمقبرة) إن لم يتحقق نبشها، سواء صلى إلى القبر أم عليه أم بجانبه، كما نص عليه في الام.
وتحرم الصلاة لقبر نبي أو نحو ولي تبركا أو إعظاما.
وبحث الزين العراقي عدم كراهة الصلاة في مسجد طرأ دفن الناس حوله، وفي أرض مغصوبة.
وتصح بلا ثوب كما في ثوب مغصوب، وكذا إن شك في رضا مالكه لا إن ظنه بقرينة.
وفي الجيلي: لو ضاق الوقت وهو بأرض مغصوبة أحرم ماشيا.
ورجحه الغزي.
قال شيخنا: والذي يتجه أنه لا يجوز له صلاة شدة
ــ
وإن لم يشتد جوعه ولا عطشه فيما يظهر، أخذا مما ذكروه في الفاكهة.
ونقل عن بعض أهل العصر التقييد بالشديدين، فاحذره.
اه ع ش.
(قوله: أي كاملة) يجوز نصبه صفة لصلاة باعتبار المحل، ورفعه صفة لها قبل دخول لا وقوله: بحضرة طعام خبر.
وقوله: ولا صلاة وهو يدافعه خبر لا محذوف، والواو للحال.
أي لا صلاة كاملة حال مدافعة الأخبثين.
(قوله: وكره صلاة في طريق بنيان) الإضافة على معنى في أي طريق في البنيان، أي العمران.
وإنما كره فيه للنهي عن الصلاة في قارعة الطريق وهي أعلاه.
وقيل: صدره.
وقيل: ما برز منه.
والكل متقارب، والمراد بها نفس الطريق، ولإشغال القلب بمرور الناس فيها.
وبه يعلم أن مدار الكراهة على كثرة مرور الناس، ومدار عدمها على عدم كثرة مرور الناس، سواء كان في بنيان أو في غيره، وسواء كان طريقا أو غيره كالمطاف.
فقوله: لا برية ضعيف، أو جري على الغالب.
وعبارة حجر: والطريق في صحراء أو بنيان وقت مرور الناس به كالمطاف لأنه يشغله.
اه.
(قوله: وموضع مكس) أي وكره صلاة في موضع مكس، أي محل أخذ المعشرات، وذلك لأنه مأوى الشياطين.
ومثله كل محل معصية كموضع الخمر والقمار.
(قوله: وبمقبرة) أي وكره صلاة في مقبرة - بتثليث الباء - ولا فرق فيها بين الجديدة والقديمة.
وعلة الكراهة محاذاته للنجاسة، فلو انتفت المحاذاة انتفت الكراهة.
ومنه يؤخذ عدم الكراهة في مقبرة الأنبياء والشهداء لأنهم أحياء في قبورهم فليس يحصل لبدنهم صديد ولا شئ من النجاسة أبدا.
واعترض ذلك بأنه يؤدي إلى اتخاذها مساجد، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عنه بقوله: لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.
وأجيب بأن المنهي عنه قصد استقبالها للتبرك ونحوه، كما سيذكره قريبا.
وقوله: إن لم يتحقق نبشها أي لطهارتها حينئذ.
فإن تحقق نبشها لم تصح الصلاة أصلا إن لم يفرش عليها طاهر كسجادة، وإلا صحت مع الكراهة.
(قوله: سواء صلى الخ) تعميم في الكراهة.
وقوله: أم عليه أي أم صلى فوق القبر.
والكراهة حينئذ من جهتين: محاذاة النجاسة، والوقوف على القبر.
(قوله: وتحرم الصلاة) أي مع كونها صحيحة.
وقوله: لقبر نبي أي مستقبلا فيها قبر نبي.
وقوله: أو نحو ولي أي كعالم وشهيد.
(وقوله: تبركا أو إعظاما) قيد في الحرمة.
أي إنما تحرم بقصد التبرك أو الإعظام لذلك القبر، فلو لم يقصد ذلك بل وافق في صلاته أن أمامه قبر نبي، كمن يصلي خلف قبر النبي صلى الله عليه وسلم من الأغاوات وغيرهم، فلا حرمة ولا كراهة.
(قوله: وبحث الزين العراقي، إلخ) عبارة الكردي.
وفي التحفة: لو دفن ميت بمسجد كان كذلك، يعني تكره الصلاة.
ونقل ما يخالفه في الإمداد عن الزين العراقي، وأقره.
قال: وكأنه اغتفر محاذاة النجاسة حينئذ لسبق حرمة المسجد، وإلا لزم تنفير الناس منه.
(قوله: وفي أرض مغصوبة) هو معطوف على لقبر نبي، أي وتحرم الصلاة فيها.
(قوله: كما في ثوب مغصوب) أي فإنها تحرم فيه مع صحتها بلا ثواب.
(قوله: وكذا إن شك الخ) أي وكذلك تحرم مع صحتها بلا ثواب إن شك هل مالك الأرض أو الثوب يرضى بذلك أم لا؟ فقوله: مالكه الضمير يعود على المذكورين من الأرض والثوب.
وقوله: لا إن ظنه أي الرضا، فلا تحرم.
(قوله: لو ضاق الوقت) أي بأن لم يبق منه إلا ما يسعها.
(قوله: أحرم ماشيا) أي كالهارب من حريق.
قال ع ش: أي وجوبا.
وظاهره أنه لا يفعلها بالإيماء في هذه الحالة، ولا يكلف عدم إطالة القراءة، وهو ظاهر، لأن هذه صفة صلاة شدة الخوف.
وقد جوزناها له للتخلص من المعصية والمحافظة على فعل الصلاة في وقتها.
اه.
وفي سم ما نصه: قال في شرح العباب: قال - يعني الأذرعي - وهذا إن صح فينبغي وجوب الإعادة لتقصيره.
اه.
(قوله: ورجحه الغزالي) أي بأن المنع الشرعي كالحسي.
وأيده بتصريح القاضي به في ستر
الخوف وأنه يلزمه الترك حتى يخرج منها، كما له تركها لتخليص ماله لو أخذ منه، بل أولى.
(فصل) في أبعاض الصلاة ومقتضي سجود السهو.
(تسن سجدتان قبيل سلام) وإن كثر السهو، وهما
ــ
العورة.
وفيه نظر.
اه تحفة.
(قوله: قال شيخنا) أي في آخر باب صلاة شدة الخوف.
(قوله: صلاة شدة الخوف) وهي أن يصلي كيف شاء، راكبا أو ماشيا، مستقبلا أو غير مستقبل.
(قوله: وأنه يلزمه الترك) أي ترك الصلاة.
وقوله: حتى يخرج منها أي إلى أن يخرج من الأرض المغصوبة.
(قوله: كما له تركها الخ) أي كما أنه يجوز له ترك الصلاة لأجل تخليص ماله لو أخذ منه.
(قوله: بل أولى) أي بل تركها في الأرض المغصوبة أولى من تركها لتخليص ماله، لان الاول للتخليص من المعصية بخلاف الثاني.
قال في التحفة: ومن ثم صرح بعضهم بأن من رأى حيوانا محترما يقصده ظالم، أي ولا يخشى منه قتالا أو نحوه، أو يغرق، لزمه تخليصه وتأخيرها وإبطالها إن كان فيها، أو مالا جاز له ذلك وكره له تركها.
اه.
(تتمة) بقي من مكروهات الصلاة أمور منها: الإقعاء، وهو أن يجلس كالكلاب.
بأن تكون أليتاه مع يديه في الأرض وينصب ساقيه.
ومنها: كف شعره أو ثوبه بلا حاجة، لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بأن لا يكفهما ليسجدا معه.
ووضع يديه على فمه بلا حاجة، للنهي عنه، أما إذا كان لحاجة كالتثاؤب فسنة، لخبر صحيح فيه.
والصلاة خلف أقلف وموسوس وولد زنا، وافتراش السبع في السجود، والإسراع بأن يقتصر على أقل الواجب، والتلثم للرجل والتنقب لغيره.
وقد نظم معظم المكروهات ابن رسلان في زبده بقوله:
مكروهها بكف ثوب أو شعر * * ورفعه إلى السماء بالبصر ووضعه يدا على خاصرته * * ومسح ترب وحصى عن جبهته وحطه اليدين في الأكمام * * في حالة السجود والإحرام والنقر في السجود كالغراب * * وجلسة الإقعاء كالكلاب تكون أليتاه مع يديه * * بالأرض لكن ناصبا ساقيه والالتفات لا لحاجة له * * والبصق لليمين أو للقبله والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل في أبعاض الصلاة أي في بيان السنن التي تجبر بالسجود.
وإنما سميت أبعاضا لأنها لما تأكدت بالجبر أشبهت البعض الحقيقي، كما سيذكره.
وقد نظمها ابن رسلان في قوله: أبعاضها تشهد إذ تبتديه * * ثم القعود وصلاة الله فيهش على النبي وآله في الآخر * * ثم القنوت وقيام القادر في الاعتدال الثان من صبح وفي * * وتر لشهر الصوم إن ينتصف (قوله: ومقتضي) بكسر الضاد، أي سببه.
وهو مفرد مضاف فيعم أسبابه الخمسة وهي: ترك بعض، وسهو ما يبطل عمده فقط، ونقل قولي غير مبطل، والشك في ترك بعض معين هل فعله أم لا، وإيقاع الفعل مع الشك في زيادته.
وقوله: سجود السهو الإضافة فيه من إضافة المسبب إلى السبب، أي سجود سببه السهو.
وهذا جري على الغالب، وإلا فقد يكون سببه عمدا.
وقد صار الآن حقيقة عرفية لجبر الخلل الواقع في الصلاة، سواء كان سهوا أو عمدا.
قال سم على حجر: هو - أعنى السهو - جائز على الأنبياء بخلاف النسيان لأنه نقص.
وما في الأخبار من نسبة النسيان إليه عليه أفضل الصلاة والسلام فالمراد بالنسيان فيه السهو.
وفي شرح المواقف: الفرق بين السهو والنسيان أن الأول زوال الصورة
والجلوس بينهما كسجود الصلاة والجلوس بين سجدتيها في واجباتها الثلاثة ومندوباتها السابقة، كالذكر فيها.
وقيل: يقول فيهما: سبحان من لا ينام ولا يسهو.
وهو لائق بالحال.
وتجب نية سجود السهو بأن يقصده عن السهو عند شروعه فيه، (لترك بعض) واحد من أبعاض ولو عمدا.
فإن سجد لترك غير بعض عالما عامدا
ــ
عن المدركة مع بقائها في الحافظة، والنسيان زوالها عنهما معا.
فيحتاج في حصولها إلى سبب جديد.
اه.
فإن قيل: كيف سها صلى الله عليه وسلم مع أنه لا يقع السهو إلا من القلب الغافل اللاهي؟ أجيب بأنه غاب عن كل ما سوى الله، فسها عن غيره
تعالى واشتغل بتعظيم الله فقط.
وما أحسن قول بعضهم: يا سائلي عن رسول الله كيف سها * * والسهو من كل قلب غافل لاهي قد غاب عن كل شئ سره فسها * * عما سوى الله فالتعظيم لله (قوله: تسن سجدتان) أي إلا لإمام جمع كثير يخشى التشويش عليهم بعدم سجودهم معه، وإنما لم تجب لأنه ينوب عن المسنون دون المفروض، والبدل إما كمبدله أو أخف منه، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: فليسجد سجدتين.
فمصروف عن الوجوب لظاهر الخبر الآتي: وإنما وجب جبران الحج لأنه بدل عن واجب فكان واجبا.
(قوله: وإن كثر السهو) أي تعدد، سواء كان في فرض أو نافلة، ما عدا صلاة الجنازة فلا يسن فيها، بل إن فعله فيها عامدا عالما بطلت صلاته.
وشمل ذلك ما لو سها في سجدة التلاوة خارج الصلاة فيسجد للسهو، ولا مانع من جبران الشئ بأكثر منه.
ومثلها سجدة الشكر.
(قوله: وهما) أي سجدتا السهو.
وقوله: بينهما أي السجدتين.
(قوله: كسجود الخ) لو قال كسجدتي الصلاة والجلوس بينهما لكان أخصر.
(قوله: واجباتها الثلاثة) المقام للإضمار.
فالأولى في واجباتها وهي الطمأنينة، وأن يسجد على سبعة أعظم، وأن يستقر جالسا.
(قوله: ومندوباتها) أي الثلاثة.
وقوله: السابقة صفة لكل من الواجبات والمندوبات.
(قوله: كالذكر فيها) تمثيل للمندوبات.
أي كالذكر الوارد في الثلاثة، من التسبيحات ورب اغفر لي وارحمني واجبرني وعافني واعف عني.
(قوله: وقيل يقول) أي بدل الذكر الوارد.
وقوله: فيهما أي في السجدتين فقط.
(قوله: وهو) أي التسبيح المذكور.
وقوله: لائق بالحال أي مناسب لحال الساهي.
قال في التحفة: لكن، إن سها لا إن تعمد، لأن اللائق حينئذ الاستغفار.
اه.
(قوله: وتجب نية الخ) كالاستدراك من التشبيه السابق، لأن مقتضاه عدم وجوبها، وهي واجبة على الإمام والمنفرد دون المأموم.
كما صرح به في التحفة، ونصها: وقضية التشبيه إنه لا تجب نية سجود السهو، وهو قياس عدم وجوب نية سجدة التلاوة، لكن الوجه الفرق، فإن سببها القراءة المطلوبة في الصلاة فشملتها نيتها ابتداء من هذه الحيثية.
وأما سجود السهو فليس سببه مطلوبا فيها، وإنما هو منهي عنه، فلم تشمله نيتها ابتداء فوجبت، أي على الإمام والمنفرد دون المأموم كما هو واضح، لأن أفعاله تنصرف لمحض المتابعة بلا نية منه.
وقد أمر أنه يلزمه موافقته فيه وإن لم يعرف سهوه، فكيف تتصور نيته له حينئذ.
اه بحذف.
(قوله: بأن يقصده) أي السجود بقلبه، ولا يجوز له أن يتلفظ بما قصده، فلو تلفظ به بطلت صلاته.
كما استوجهه في التحفة والنهاية وعلله بعدم الاضطرار إليه.
وقوله: عن السهو أي وعما تعمده من الترك.
وقوله: عند شروعه فيه يعني أن النية تجب مقارنتها
للشروع في السجود إذ لا تكبير فيه للتحرم حتى يجب قرنها به.
(قوله: لترك بعض) أي يقينا كما يدل عليه قوله الآتي ولشك فيه.
وإنما سن السجود حينئذ لأن الأبعاض من الشعائر الظاهرة المختص طلبها بالصلاة.
(قوله: ولو عمدا) الغاية للرد على من يقول بعدم سجوده حين إذ تركه عمدا لتقصيره بتفويته السنة على نفسه.
قال في التحفة: وردوا هذا القيل بأن خلل العمد أكثر فكان إلى الجبر أحوج، كالقتل العمد بالنسبة إلى الكفارة.
اه.
(قوله: فإن سجد الخ) مفهوم قوله لترك بعض.
وقوله: لترك غير بعض أي من الهيآت، كتسبيحات الركوع والسجود، وتكبيرات الانتقالات، وقراءة السورة والتعوذ ودعاء الافتتاح.
وقوله: عالما عامدا خرج به ما إذا سجد جاهلا بعدم سنية السجود لترك الهيآت، أو ناسيا ذلك، فإنه لا تبطل صلاته، لكن يحصل بهذا السجود خلل في الصلاة فيجبره بسجود آخر، لأنه لا يجبر نفسه وإنما يجبر ما قبله وما بعده وما فيه.
وصورة جبره لما قبله أن يتكلم كلاما قليلا ناسيا ثم يسجد.
وصورة جبره لما بعده أن يسجد
بطلت صلاته.
(وهو تشهد أول) أي الواجب منه في التشهد الاخير، أو بعضه، ولو كلمة.
(وقعوده) وصورة تركه وحده كقيام القنوت أن لا يحسنهما، إذ يسن أن يجلس ويقف بقدرهما.
فإذا ترك أحدهما سجد، (وقنوت راتب) أو بعضه، وهو قنوت الصبح.
ووتر نصف رمضان، دون قنوت النازلة.
(وقيامه) ويسجد تارك القنوت تبعا لامامه الحنفي، أو لاقتدائه في صبح بمصلي سنتها على الاوجه فيهما.
(وصلاة على النبي)(ص)(بعدهما)
ــ
للسهو السابق ثم يتكلم بكلام قليل ناسيا.
وصورة جبره لما يحصل فيه من السهو أن يسجد له ثم يتكلم فيه بكلام قليل ناسيا فلا يسجد ثانيا لأنه لا يأمن من وقوع مثل ذلك في السجود الثاني، وهكذا فيتسلسل.
وكذلك لو سجد ثلاث سجدات ناسيا فلا يسجد ثانيا للتعليل المذكور.
وهذه المسألة هي التي سأل عنها أبو يوسف صاحب أبي حنيفة الكسائي إمام أهل الكوفة حين ادعى أن من تبحر في علم اهتدى به إلى سائر العلوم، فقال له أبو يوسف: أنت إمام في النحو والأدب، فهل تهتدي إلى الفقه؟ فقال: سل ما شئت.
فقال: لو سجد سجود السهو ثلاثا هل يسجد ثانيا؟ قال: لا، لأن المصغر لا يصغر.
وتوجيهه أن المصغر زيد فيه حرف التصغير، كدريهم في درهم، ونصوا على أن المصغر لا يصغر ثانيا.
ومعلوم أن سجود السهو سجدتان فإذا زيد فيه سجدة فقد أشبه المصغر في الزيادة، فيمتنع السجود ثانيا كما يمتنع التصغير ثانيا.
(قوله: وهو تشهد أول) أي ذلك البعض الذي يسن السجود لتركه تشهد أول، وذلك لانه صلى الله عليه وسلم تركه ناسيا وسجد للسهو قبل أن يسلم.
(قوله: أي الواجب الخ) تفسير مراد، أي أن المراد بالتشهد الأول هنا ألفاظه الواجبة في التشهد الأخير، وهي التحيات لله، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
فلو ترك من هذه شيئا سجد للسهو، ولو ترك مما زاد على هذه لا يسجد له.
(قوله: أو بعضه) أي بعض الواجب.
وقوله: ولو كلمة كالواو من وأن محمدا، إلخ.
(قوله: وقعوده) أي التشهد، فهو بعض
من الأبعاض قياسا على التشهد.
(قوله: وصورة تركه وحده إلخ) ذكر ذلك ليدفع به ما قد يقال إنه لا يحتاج لعد القعود للتشهد من الأبعاض، إذ يلزم من ترك القعود ترك التشهد، إذ لا يجزئ في غيره.
ومثله قيام القنوت.
وحاصل الدفع أنه لا يلزم ذلك بل قد يتصور طلب السجود لأجل ترك قعود التشهد، أو قيام القنوت وحده فيما إذا لم يحسن التشهد أو القنوت، فيسن في حقه حينئذ أن يجلس ويقف بقدرهما.
فإن فعل ذلك لم يسجد للسهو، وإلا سجد لترك القيام أو الجلوس وحده.
وقوله: كقيام القنوت أي كصورة ترك قيام القنوت وحده.
وقوله: أي لا يحسنهما أي التشهد والقنوت.
(قوله: بقدرهما) أي التشهد والقنوت.
(قوله: فإذا ترك أحدهما) أي الجلوس في التشهد أو القيام في القنوت.
(قوله: وقنوت راتب) معطوف على تشهد أول، فهو من الأبعاض.
(قوله: أو بعضه) أي بعض القنوت، ولو حرفا واحدا كالفاء في فإنك، والواو في وأنه.
فإن قلت إن كلمات القنوت ليست متعينة بحيث لو أبدلها بآية لكفى.
قلت: إنه بشروعه في القنوت يتعين لأداء السنة ما لم يعدل إلى بدله، ولأن ذكر الوارد على نوع من الخلل يحتاج إلى الجبر، بخلاف ما يأتي به من قبل نفسه، فإن قليله ككثيرة.
(قوله: وهو) أي القنوت الراتب.
(قوله: دون قنوت النازلة) مفهوم قوله: راتب.
وإنما لم يسن السجود لتركه لأنه سنة عارضة في الصلاة يزول بزوال تلك النازلة، فلم يتأكد شأنه بالجبر.
اه م ر.
(قوله: وقيامه) أي القنوت، فهو من الأبعاض تبعا له.
(قوله: ويسجد تارك القنوت تبعا لإمامه الحنفي) مقتضاه أنه لو أتى المأموم به وأدرك الإمام في السجود لا يسجد وليس كذلك بل يسجد أيضا لترك إمامه له.
ومثله ما لو اقتدى شافعي بحنفي في إحدى الخمس فإنه يسجد للسهو لترك إمامه الصلاة على النبي في التشهد الأول لأنها عنده منهي عنها.
وقوله: أو لاقتدائه في صبح إلخ أي ويسجد تارك القنوت في صبح لاقتدائه بمصلي السنة.
ومقتضاه أنه لو تمكن من القنوت وأتى به لا يسجد، وهو كذلك لأن الامام لا قنوت عليه في هذه الصورة فلم يوجد منه خلل يتطرق للمأموم، بخلافه في الصورة الأولى فإنه عليه باعتبار اعتقاد المأموم.
وقوله: على الأوجه فيهما أي يسجد تارك القنوت
أي بعد التشهد الاول والقنوت.
(وصلاة على آل بعد) تشهد (أخير وقنوت).
وصورة السجود لترك الصلاة على الآل في التشهد الاخير أن يتيقن ترك إمامه لها، بعد أن سلم إمامه وقبل أن يسلم هو، أو بعد أن سلم وقرب الفصل.
وسميت هذه السنن أبعاضا لقربها بالجبر بالسجود من الاركان، (ولشك فيه) أي في ترك بعض مما مر معين، كالقنوت هل فعله؟ لان الاصل عدم فعله.
(ولو نسي) منفرد أو إمام (بعضا) كتشهد أول أو قنوت،
ــ
على الأوجه في الصورتين.
وهذا ما جرى عليه م ر.
وصرح ابن حجر في فتح الجواد في الصورة الثانية بعدم السجود، وعلله بأن الإمام يتحمله ولا خلل في صلاته.
وكلامه في التحفة محتمل، والمتبادر من عبارته عدم السجود مطلقا سواء ترك القنوت أو أتى به.
ولفظ التحفة: ولو اقتدى شافعي بحنفي في الصبح وأمكنه أن يأتي به ويلحقه في السجدة الأولى فعله، وإلا فلا.
وعلى كل يسجد للسهو على المنقول المعتمد بعد سلام إمامه، لأنه بتركه له لحقه سهوه في اعتقاده،
بخلافه في نحو سنة الصبح إذ لا قنوت يتوجه على الإمام في اعتقاد المأموم فلم يحصل منه ما ينزل منزلة السهو.
اه.
وكتب سم: قوله: بخلافه في نحو سنة الصبح، يحتمل أن معناه أنه لا سجود هنا مطلقا، وهو المتبادر من عبارته.
وكأن وجهه أنه إذا أتى به بأن أمكنه مع الإتيان به إدراك الإمام في السجدة الأولى فواضح، وإلا فالإمام يتحمله، ولا خلل في صلاة الإمام لعدم مشروعية القنوت له، ويحتمل أن معناه أنه إذا أتى به فلا سجود لعدم الخلل في صلاته بالإتيان به، وفي صلاة الإمام بعدم مشروعيته له.
اه.
(قوله: وصلاة على النبي الخ) معطوف على تشهد أول، فهي من الأبعاض.
والمراد الواجب منها في التشهد الأخير، أخذا مما مر في التشهد الأول.
وإنما سن السجود بتركها لأنها ذكر يجب الإتيان به في الأخير فسجد لتركه في الأول.
وقيس به القنوت والجلوس لها في التشهد.
والقيام لها في القنوت كالقعود للتشهد الأول والقيام للقنوت، فيكونان من الأبعاض.
(قوله: وصلاة على آل) أي فهي من الأبعاض، ومثلها القيام لها في القنوت والجلوس لها في التشهد الأخير، فهما من الأبعاض أيضا.
(قوله: وقنوت) أي وبعد قنوت.
فهو بالجر معطوف على تشهد أخير.
(قوله: وصورة السجود لترك الصلاة على الآل إلخ) دفع به استشكال تصوره بأنه إن علم تركها قبل السلام أتى بها، إذ محلها قبل السلام كسجود السهو، أو علم تركها بعد السلام فات محل السجود.
كما نص عليه ع ش، وعبارته: وجه تصويره بذلك كما وافق عليه م ر: أنه تركه هو - أي المأموم - فإن كان عمدا أتى به ولا سجود، أو سهوا فإن تذكره قبل السلام فكذلك، وإن سلم قبل تذكره فلا جائز أن يعود إليه، لأنا لم نرهم جوزوا العود لسنة غير سجود السهو.
ولا أن يعود إلى السجود السهو عنه لأنه إذا عاد صار في الصلاة فينبغي أن يأتي بالمتروك، ولا يتأتى السجود لتركه.
فليتأمل.
اه سم على المنهج.
اه.
(قوله: لقربها بالجبر) أي بسببه.
فالباء سببية.
وقوله: بالسجود قال البجيرمي: لعل الأولى حذفه كما صنع م ر، لأن الجامع مطلق الجبر.
اه.
وذلك لأن جبر الأركان بالتدارك وجبر الأبعاض بالسجود، فاختلف المجبور به.
وقوله: من الأركان متعلق بقربها، وهي أبعاض للصلاة حقيقة.
(قوله: ولشك الخ) معطوف على لترك بعض، أي تسن سجدتان لشك في ترك
…
إلخ.
وقوله: مما مر أي من التشهد الأول وقعوده، والقنوت وقيامه، ونحو ذلك.
وقوله: معين كالقنوت أي أو التشهد.
فإذا شك هل أتى بالقنوت أو لا؟ أو هل أتى بالتشهد أو لا؟ سجد للسهو، لأن الأصل عدم الفعل.
وخرج بالمعين المبهم، وهو صادق بثلاث صور: بما إذا تيقن ترك بعض وشك هل هو القنوت أم لا، وبما إذا شك هل أتى بجيمع الأبعاض أم لا، وبما إذا شك في ترك مندوب وشك هل هو من الأبعاض أو من الهيآت.
ومفاده أنه لا يسجد فيها كلها، وليس كذلك.
بل يسجد في الصورة الأولى بالاتفاق، لعلمه بمقتضى السجود فيها.
ولا
(وتلبس بفرض) من قيام أو سجود، لم يجز له العود إليه.
(فإن عاد) له بعد انتصاب، أو وضع جبهته عامدا عالما بتحريمه (بطلت) صلاته، لقطعه فرضا لنفل.
(لا) إن عاد له (جاهلا) بتحريمه.
وإن كان مخالطا لنا لان هذا مما يخفى على العوام، وكذا ناسيا أنه فيها فلا تبطل لعذره، ويلزمه العود عند تعلمه أو تذكره.
(لكن يسجد) للسهو لزيادة قعود أو اعتدال في غير محله.
(ولا) إن عاد (مأموما) فلا تبطل صلاته إذا انتصب أو سجد وحده (سهوا، بل عليه) أو على المأموم الناسي (عود) لوجوب متابعة الامام.
فإن لم يعد بطلت صلاته إن لم
ــ
يسجد في الصورة الثالثة بالاتفاق، وأما الصورة الثانية ففيها خلاف، فقيل بالسجود وقيل بعدمه.
انظر ع ش والبجيرمي على شرح المنهج.
(قوله: لأن الأصل عدم فعله) علة لسنية السجود عند الشك في ترك بعض.
(قوله ولو نسي منفرد أو إمام) جعله الفاعل ما ذكر لا يلاقي قوله الآتي ولا إن عاد مأموما، لانحلال المعنى عليه، ولا إن عاد منفرد أو إمام مأموما.
ولا معنى له، فالمناسب أن يجعله المصلي مطلقا، أو يقول فيما يأتي، أما المأموم إلخ، ليصير مقابلا له، فتنبه.
(قوله: بعضا) مفعول نسي.
وقوله: كتشهد الخ تمثيل له.
(قوله: وتلبس بفرض) أي بأن وصل إلى حد يجزئه في القيام أو في السجود.
(قوله: من قيام) أي انتصاب.
وهو بيان للفرض المتلبس به.
وفي البجيرمي ما نصه: قال الشوبري: قوله: من قيام، أي أو بدله.
كأن شرع في القراءة من يصلي قاعدا في الثالثة فتبطل صلاته بالعود للتشهد.
اه.
(قوله: لم يجز له) أي لمن نسي بعضا، وهو جواب لو.
وقوله: العود إليه أي إلى ذلك البعض المنسي.
وإنما لم يجز العود لما صح من الأخبار، ولتلبسه بفرض فعلي يقطعه لأجل سنة.
(قوله: فإن عاد له) أي لذلك البعض المنسي.
وقوله: بعد انتصاب أي بالنسبة للتشهد.
وقوله: أو وضع جبهته أي بالنسبة للقنوت.
وقوله: بتحريمه أي العود.
(قوله: لقطعه فرضا لنفل) أي لأجل نفل.
أي ولأنه زاد فعلا من غير عذر، وهو مخل بهيئة الصلاة.
(قوله: لا إن عاد له الخ) أي لا تبطل إن عاد لذلك البعض جاهلا تحريمه.
(قوله: وإن كان مخالطا لنا) أي لا تبطل بعوده إذا كان جاهلا، وإن لم يكن معذورا بأن كان مخالطا لنا، أي لعلمائنا.
أي أو لم يكن قريب عهد بالإسلام.
(قوله: لأن هذا) أي بطلان الصلاة بالعود المذكور، وهو تعليل للغاية.
وقوله: مما يخفى على العوام أي لأنه من الدقائق.
قال ح ل: ولا نظر لكونهم مقصرين بترك التعلم.
اه.
(قوله: وكذا ناسيا) أي وكذلك لا تبطل إن عاد ناسيا أنه في الصلاة، أي أو ناسيا حرمة عوده، واستشكل عوده للتشهد أو للقنوت مع نسيانه للصلاة، لأن يلزم من عوده للتشهد أو للقنوت تذكر أنه فيها، لأن كلا منهما لا يكون إلا فيها.
وأجيب بأن المراد بعوده للتشهد أو القنوت عوده لمحلهما، وهو ممكن مع نسيان أنه فيها.
(قوله: فلا تبطل لعذره) أي بالجهل أو بالنسيان.
(قوله: ويلزمه العود الخ) أي أنه إذا عاد جاهلا أو ناسيا للتشهد أو للقنوت.
ثم تذكر فيهما، أو علم أن العود حرام، يجب عليه فورا أن يرجع لما كان عليه قبل العود ناسيا أو جاهلا، وهو القيام في صورة التشهد والسجود في صورة القنوت.
وكتب البجيرمي ما نصه: قوله: ويلزمه العود، أي فورا.
أي لما كان عليه قبل
العود ناسيا، ومقتضاه أنه يعود للسجود وإن اطمأن أو لا، مع أنه يلزم عليه تكرير الركن الفعلي.
اه.
تأمل.
(قوله: لكن يسجد) مرتبط بقوله لا إن عاد له جاهلا، أي يسجد للسهو فيما إذا عاد جاهلا.
ومثله ما إذا كان ناسيا.
(قوله: لزيادة قعود الخ) أي وهي مما يبطل عمده، فيسن السجود لسهوه.
وقوله: أو اعتدال أي انتصاب للقنوت.
(وقوله: في غير محله) أي لأن محل القعود قبل القيام، فلما قام زال محله.
ومحل القنوت قبل السجود فلما سجد زال محله.
(قوله: ولا إن عاد مأموما) أي ولا تبطل إن عاد مأموما.
وقد علمت ما فيه فلا تغفل.
(قوله: فلا تبطل صلاته إذا انتصب أو سجد وحده، إلخ) حاصل الكلام عليه أن المأموم إذا ترك التشهد وحده وانتصب أو ترك القنوت وسجد ثم عاد له لا تبطل صلاته، بل يتعين عليه العود إن كان انتصابه أو سجوده نسيانا لمتابعة الإمام لأنها فرض، وهي آكد من تلبسه بالفرض.
وإن كان عمدا لا يتعين عليه ذلك بل يسن.
والفرق بين العامد والناسي أن الأول له غرض صحيح بانتقاله من واجب إلى واجب فاعتد بفعله وخير بين العود وعدمه.
بخلاف الثاني فإن فعله وقع من غير قصد فكأنه لم يفعل شيئا.
فإن ترك الإمام التشهد وانتصب قائما يجب على المأموم أن ينتصب معه وإلا بطلت صلاته لفحش المخالفة، فإن عاد الإمام بعد انتصابه لم تجز
ينو مفارقته، أما إذا تعمد ذلك فلا يلزمه العود بل يسن له.
كما إذا ركع مثلا قبل إمامه، ولو لم يعلم الساهي حتى قام إمامه لم يعد.
قال البغوي: ولم يحسب ما قرأه قبل قيامه.
وتبعه الشيخ زكريا، قال شيخنا في شرح المنهاج: وبذلك يعلم أن من سجد سهوا أو جهلا وإمامه في القنوت لا يعتد له بما فعله، فيلزمه العود للاعتدال، وإن فارق الامام، أخذا من قولهم: لو ظن سلام الامام فقام ثم علم في قيامه أنه لم يسلم لزمه القعود ليقوم منه، ولا يسقط عنه بنية المفارقة وإن جازت، لان قيامه وقع لغوا، ومن ثم لو أتم جاهلا لغا ما أتى به فيعيده ويسجد للسهو.
وفيما إذا لم يفارقه إن تذكر أو علم وإمامه في القنوت فواضح أنه يعود إليه، أو وهو في
ــ
موافقته لأنه إما عامد فصلاته باطلة، أو ساه وهو لا يجوز موافقته.
بل يقوم المأموم إن لم يكن قد قام فورا وينتظره قائما حملا لعوده على السهو أو الجهل، أو يفارقه وهي أولى، أو ترك القنوت لا يجب على المأموم أن يتركه بل له إن يتخلف ليقنت إذا علم أنه يلحقه في السجدة الأولى.
والفرق بين القنوت والتشهد أنه في الأول لم يحدث في تخلفه وقوفا لم يفعله إمامه، بخلافه في الثاني فإنه أحدث جلوسا للتشهد لم يفعله إمامه.
(قوله: سهوا) مرتبط بكل من قوله انتصب وقوله: أو سجد.
(قوله: بل عليه) أي بل يجب عليه، إلخ.
(قوله: لوجوب متابعة الإمام) تعليل لوجوب العود على المأموم الناسي.
(قوله: بطلت صلاته إن لم ينو مفارقته) مفهومه أنه إن نواها ولم يعد لا تبطل صلاته مطلقا، سواء كان في التشهد أو القنوت، كما هو سياق كلامه.
فإنه عام فيهما، وحينئذ يخالف ما سينقله عن شيخه بالنسبة للقنوت من أنه يعود وإن نوى المفارقة.
ويمكن أن يخص هذا المفهوم بالتشهد، والمفهوم إذا كان فيه تفصيل لا اعتراض عليه.
(قوله: أما إذا تعمد ذلك) أي الانتصاب أو السجود، وهو مقابل قوله: سهوا وقوله: فلا يلزمه العود، أي لما تعمد تركه من التشهد أو القنوت.
وقد علمت الفرق بين العامد والساهي فتنبه له.
(قوله: بل يسن) أي العود، والإضراب انتقالي.
وقوله: له أي لمن تعمد تركه.
(قوله: كما إذا ركع مثلا قبل إمامه) أي فإنه يسن له العود إذا تعمد الركوع قبله.
فالكاف
للتنظير في سنية العود في هذه الحالة.
أما إذا ركع قبله ناسيا فلا يلزمه العود ولا يسن منه بل يتخير.
(قوله: ولو لم يعلم الساهي) أي ولو لم يتذكر أنه ترك التشهد حتى قام إمامه منه لم يعد له.
قال سم: فإن عاد عامدا عالما بطلت صلاته.
اه.
(قوله: ولم يحسب ما قرأه) أي من الفاتحة، فيجب عليه إعادته.
قال سم: جزم بذلك في شرح الروض، واعتمده م ر.
وخرج من تعمد القيام، فظاهره أنه يحسب له ما قرأه قبل إمامه.
اه.
(قوله: وبذلك يعلم) أي بعدم حسبان ما قرأه قبل قيام الإمام يعلم، الخ.
وقوله: فيلزمه العود للاعتدال مفرع على عدم الاعتداد بما فعله.
والمراد لزوم العود عليه مطلقا ولو فارق الإمام موضع القنوت.
فإن قلت إن هذا يخالف قولهم: ولو لم يعلم الساهي حتى قام إمامه من التشهد لم يعد.
قلت: يفرق بأن ما نحن فيه المخالفة فيه أفحش فلم يعتد بفعله مطلقا، بخلاف قيامه قبله وهو في التشهد، فلم يلزمه العود إلا حيث لم يقم الإمام.
وقوله: وإن فارق الإمام أي أو بطلت صلاته، كما في سم.
والمعتمد عند الرملي أنه يجب عليه العود إذا لم ينو المفارقة.
ولا فرق في ذلك بين التشهد والقنوت.
قال الكردي: وكلام المجموع والتحقيق والجواهر يؤيد كلام الرملي.
اه.
(قوله: أخذا من قولهم إلخ) مرتبط بالغاية.
وقوله: لو ظن أي المسبوق.
فضميره يعود على معلوم من المقام، ومثله ضمير الفعلين بعده.
وقوله: أنه أي الإمام.
(وقوله: لزمه) جواب لو.
(قوله: ولا يسقط) أي القعود.
وهو محل الأخذ.
وقوله: وإن جازت أي نية المفارقة، ولكنها لا تفيده شيئا.
(قوله: لأن قيامه إلخ) علة للزوم القعود عليه.
(قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أن قيامه وقع لغوا وأن القعود لازم له.
وقوله: لو أتم أي المسبوق، صلاته ولم يعد للقعود حال كونه جاهلا لغا جميع ما أتى به فيعيده، ويسجد للسهو لكونه فعل ما يبطل عمده.
(قوله: وفيما إذا لم يفارقه) مرتبط بقوله: فيلزمه العود للاعتدال وإن فارق الإمام.
وهو تقييد له فكأنه قال: ومحل لزوم العود إليه فيما إذا لم ينو المفارقة إذا لم يتذكر أو يعلم وإمامه فيما بعد السجدة الأولى، وإلا فلا يعود بل يتابع ويأتي بركعة.
وحاصل مفاد كلامه أنه إذا فارق الإمام يلزمه العود مطلقا، سواء تذكر أو علم، وإمامه في القنوت أو في السجدة
السجدة الاولى عاد للاعتدال وسجد مع الامام، أو فيما بعدها.
فالذي يظهر أنه يتابعه ويأتي بركعة بعد سلام الامام.
انتهى.
قال القاضي: ومما لا خلاف فيه قولهم: لو رفع رأسه من السجدة الاولى قبل إمامه ظانا أنه رفع، وأتى بالثانية ظانا أن الامام فيها، ثم بان أنه في الاولى لم يحسب له جلوسه ولا سجدته الثانية ويتابع الامام.
أي فإن لم يعلم بذلك إلا والامام قائم أو جالس أتى بركعة بعد سلام الامام.
وخرج بقولي، وتلبس بفرض ما إذا لم يتلبس به غير مأموم، فيعود الناسي ندبا قبل الانتصاب أو وضع الجبهة، ويسجد للسهو، إن
ــ
الأولى أو الثانية.
وإذا لم يفارقه يعود إذا كان الإمام في القنوت أو في السجدة الأولى، وإلا فلا يعود.
(قوله: إن تذكر أو علم) أي ترك القنوت.
وقوله: وإمامه في القنوت أي والحال أن إمامه في القنوت.
فالواو للحال.
(قوله: فواضح) خبر مقدم.
وقوله: أنه يعود إليه مبتدأ مؤخر، والجملة جواب إن الشرطية.
(قوله: أو وهو في السجدة الأولى) أي أو أن تذكر أو علم وإمامه في السجدة الأولى.
(قوله: عاد للاعتدال) جواب أن المقدرة.
وكان الأخصر والأولى أن يقول
فكذلك، أي واضح، أنه يعود إليه.
وقوله: وسجد مع الإمام أي لما تقرر من إلغاء ما فعله ناسيا أو جاهلا.
(قوله: أو فيما بعدها) أي أو أن تذكر أو علم وإمامه فيما بعد السجدة الأولى من الجلوس والثانية.
(قوله: فالذي يظهر أنه يتابعه الخ) قال في التحفة: ولا يمكن هنا من العود للاعتدال لفحش المخالفة حينئذ.
اه.
(قوله: انتهى) لو أخره عن قول القاضي المذكور بعده لكان أولى، لأن قول القاضي مذكور في شرح المنهاج.
(قوله: قال القاضي: ومما لا خلاف فيه الخ) أي بناء على الحمل الآتي في عبارة سم التي سأنقلها عنه.
(قوله: ظانا) حال من فاعل رفع.
وقوله: أنه أي الإمام.
(قوله: وأتى) أي المأموم.
وقوله: بالثانية أي السجدة الثانية.
وقوله: ظانا أن الإمام المقام للإضمار، فلو قال أنه لكان أولى.
(قوله: ثم بأن الخ) أي ثم تبين للمأموم أن الإمام في السجدة الأولى.
(قوله: لم يحسب له) أي للمأموم.
وهو جواب لو.
وقوله: جلوسه ولا سجدته الثانية أي فيكونان لاغيين.
قال في التحفة: ويوجه إلغاء ما أتى به هنا مع أنه ليس فيه فحش مخالفة فإن فيه فحشا من جهة أخرى وهي تقدمه بركن وبعض آخر، بخلافه في مسألة الركوع وما قبلها.
اه.
وفي سم ما نصه: سيأتي أن الصحيح أن التقدم بركنين هو أن ينفصل عنهما والإمام فيما قبلهما.
وحينئذ فمفهوم الكلام أنه إذا لم ينفصل عنهما بأن تلبس بالثاني منهما والإمام فيما قبل الأول لا تبطل صلاته عند التعمد ويعتد له بهما وإن لم يعدهما.
فالموافق لذلك في مسألة القاضي المذكورة أنه إن بان الحال له بعد رفع رأسه من السجدة الثانية والإمام في الأولى، فإن عاد إلى الإمام أدرك الركعة، وإن لم يعد سهوا أو جهلا أتى بعد سلام الإمام بركعة.
وإن بان له الحال قبل رفعه من السجدة الثانية، وعاد إلى الإمام أو استمر في الثانية إلى أن أدركه الإمام فيها، أو رفع رأسه منها بعد رفع الإمام من الأولى، بحيث لم يحصل سبقه بركنين فقد أدرك هذه الركعة.
ويمكن حمل كلام القاضي على ذلك بأن يريد أنه بأن له ذلك بعد رفعه من الثانية ولم يعد إلى الإمام في الأولى إلى أن وصل إليه، بخلاف كلام الشارح لتصريحه بالإلغاء في التقديم بركن وبعض ركن.
اه بحذف.
(قوله: ويتابع الإمام) أي في الجلوس والسجدة الثانية.
(قوله: أي فإن لم يعلم الخ) مقابل قوله: ثم بان أنه في الأولى.
(قوله: بذلك) أي بما ذكر من رفع رأسه من السجدة الأولى قبل إمامه، وإتيانه بالسجدة الثانية وإمامه في الأولى.
وقوله: إلا والإمام الخ استثناء من عموم الأحوال.
أي لم يعلم به في حال من الأحوال إلا في حال كون الإمام في القيام أو في جلوس التشهد.
(قوله: أتى بركعة بعد سلام الإمام) قال سم: فإن قلت: هلا جاز له المشي على نظم صلاته لأنه معذور بظنه المذكور، وقد تخلف بركنين لعدم الاعتداد بما فعله، فهو بمنزلة المتخلف نسيانا بركنين، وحكمه جواز المشي على نظم صلاته ما لم يسبق بأكثر من ثلاثة أركان.
قلت: ليس هذا
متخلفا بل هو متقدم بركنين، وحكمه عدم الاعتداد له بهما.
اه.
(قوله: وخرج بقولي وتلبس بفرض) أي في قوله أولا في المتن: ولو نسي بعضا وتلبس بفرض.
وقوله: ما إذا الخ فاعل خرج.
وقوله: لم يتلبس به أي بالفرض.
قال ع ش: بأن لم يصر إلى القيام أقرب منه إلى الركوع في مسألة التشهد، ولم يضع الأعضاء السبعة في مسألة القنوت.
وقوله: غير مأموم فاعل الفعل.
والمناسب لما مر عنه أن يقول هنا في بيان الفاعل كل من الإمام والمنفرد، وخرج به
قارب القيام في صورة ترك التشهد، أو بلغ حد الركوع في صورة ترك القنوت.
ولو تعمد غير مأموم تركه فعاد عالما عامدا بطلت صلاته إن قارب أو بلغ ما مر، بخلاف المأموم.
(ولنقل) مطلوب (قولي غير مبطل) نقله إلى غير محله - ولو سهوا - ركنا كان كفاتحة وتشهد أو بعض أحدهما، أو غير ركن كسورة إلى غير القيام وقنوت إلى
ــ
المأموم فيجب عليه العود ولو تلبس بفرض كما مر.
(قوله: فيعود الخ) بيان لحكم ما إذا لم يتلبس به.
وقوله: الناسي أي للتشهد أو للقنوت.
وقوله: ندبا محله إذا لم يشوش الإمام بعوده على المأمومين، وإلا فالأولى له عدم العود، كما قيل به في سجود التلاوة.
أفاده ح ل.
(قوله: قبل الانتصاب) متعلق بيعود.
ولا حاجة إليه، إذ قوله فيعود مرتبط بما إذا لم يتلبس بفرض.
وقوله: أو وضع الجبهة أي وقبل وضع الجبهة.
أي ووضع بقية الأعضاء السبعة.
وعبارة التحفة والنهاية مع الأصل: أو ذكره قبله.
أي قبل تمام سجوده، بأن لم يكمل وضع الأعضاء السبعة بشروطها.
ومثله في المغنى، ونص عبارته مع الأصل: أو قبله بأن لم يضع جميع أعضاء السجود حتى لو وضع الجبهة فقط، أو مع بعض أعضائه، عاد - أي جاز له العود - لعدم التلبس بالفرض.
وإن كان ظاهر كلام ابن المقري أنه لو وضع الجبهة فقط أنه لا يعود.
اه.
(قوله: ويسجد للسهو إن قارب القيام) أي لأنه فعل فعلا يبطل عمده وهو النهوض مع العود فالسجود لهما لا للنهوض وحده لأنه غير مبطل.
(قوله: أو بلغ حد الركوع إلخ) أي ويسجد للسهو إن بلغ حد الركوع، أي أقله.
وذلك لأنه زاد ركوعا سهوا وتعمد الوصول إليه، ثم العود مبطل بخلاف ما إذا لم يبلغه فلا يسجد.
(قوله: ولو تعمد الخ) مفهوم قوله في المتن: ولو نسي.
وكان المناسب أن يقول: وخرج بقولي نسي إلخ.
ويكون على اللف والنشر المشوش.
(قوله: إن قارب أو بلغ) أي غير المأموم من إمام أو منفرد.
أما إذا لم يقارب أو لم يبلغ ما ذكر فلا تبطل صلاته.
(قوله: ما مر) تنازعه كل من قارب وبلغ، وهو القيام في صورة التشهد، أو الركوع في صورة القنوت.
وقوله: بخلاف المأموم أي فلا يبطل عوده بل يسن كما مر.
واعلم أن حاصل ما أفاده كلامه مما يتعلق بالتشهد والقنوت من الأحكام عند تركهما: أن التارك لهما إما أن يكون مستقلا أو لا.
فإن كان الأول - وأعني به الإمام والمنفرد - فإما أن يكون الترك نسيانا أو عمدا، فإن كان نسيانا وتلبس بفرض فلا
يجوز له العود بعده، فإن عاد عامدا عالما بطلت صلاته، وإن كان ناسيا أو جاهلا فلا تبطل ولكن يسجد للسهو.
وإن كان الترك عمدا فلا يجوز له العود أيضا، سواء تلبس بفرض أو لا، ولكن قارب حد القيام أو بلغ حد الركوع، فإن عاد عالما عامدا بطلت صلاته، وإلا فلا.
وإن كان الثاني - وأعني به المأموم - فلا يخلو أيضا تركه إما أن يكون نسيانا أو عمدا.
فإن كان الأول فيجب عليه العود، فإن لم يعد بطلت صلاته.
ومحل وجوب العود إذا تذكر أو علم وإمامه في التشهد في مسألة التشهد، فإن لم يتذكر أو يعلم إلا والإمام قائم لا يعود، ولكن يجب عليه إعادة ما قرأه.
وفي مسألة القنوت يجب عليه العود إن تذكر أو علم وإمامه في القنوت أو في السجدة الأولى، فإن تذكر أو علم وإمامه بعدها وجب عليه متابعته ويأتي بركعة بعد السلام.
وإن كان عمدا لا يجب عليه العود بل يسن له كما إذا ركع قبل إمامه.
(قوله: ولنقل الخ) معطوف على لترك بعض، أي وتسن سجدتان لنقل مطلوب قولي، عمدا كان ذلك النقل أو سهوا، لتركه التحفظ المأمور به.
ويكون هذا مستثنى من قولهم: ما لا يبطل عمده لا يسجد لسهوه.
(قوله: نقله) فاعل بمبطل.
(وقوله: إلى غير محله) إما متعلق به أو بنقل في المتن.
(قوله: ولو سهوا) غاية لسنية السجود لنقل ما ذكر.
أي يسن السجود لذلك مطلقا، عمدا كان ذلك النقل أو سهوا.
(قوله: ركنا كان الخ) تعميم في المطلوب القولي.
والحاصل أن المطلوب القولي المنقول عن محله إما أن يكون ركنا أو بعضا أو هيئة.
فالركن يسجد لنقله مطلقا، ومثله البعض إن كان تشهدا، فإن كان قنوتا فإن نقله بنيته سجد أو بقصد الذكر فلا.
والهيئة إن كانت تسبيحا لا يسجد لنقلها
ما قبل الركوع أو بعده في الوتر في غير نصف رمضان الثاني، فيسجد له.
أما نقل الفعلي فيبطل تعمده.
وخرج بقولي غير مبطل ما يبطل، كالسلام وتكبير التحرم بأن كبر بقصده.
(ولسهو ما يبطل عمده لا هو) أي السهو.
كتطويل ركن قصير، وقليل كلام، وأكل، وزيادة ركن فعلي، لانه (ص) صلى الظهر خمسا وسجد للسهو.
ــ
عند م ر والخطيب، ويسجد لها عند ابن حجر وشيخ الإسلام.
وإن كانت الهيئة السورة سجد لنقلها عند الجميع.
(قوله: كفاتحة وتشهد) تمثيل للركن أي كنقلهما إلى غير محلهما، وهو غير القيام في الأول وغير الجلوس في الثاني.
(قوله: أو بعض أحدهما) أفاد به أنه لا فرق في الركن المنقول إلى غير محله بين كله أو بعضه.
(قوله: أو غير ركن) معطوف على قوله ركنا.
وقوله: كسورة تمثيل لغير الركن.
وقوله: إلى غير القيام متعلق بمحذوف، أي منقولة إلى غير القيام من ركوع أو اعتدال أو سجود فإن نقل السورة إلى ما قبل الفاتحة لم يسجد لأن القيام محلها في الجملة.
وقياسه أنه لو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم قبل التشهد لم يسجد لأن القعود محلها في الجملة.
قال الأسنوي: وقياسه السجود للتسبيح في القيام.
والمعتمد عند الشهاب الرملي عدم السجود.
اه.
قال سم: وقد يوجه بأن جميع الصلاة قابلة للتسبيح غير منهي عنه في
شئ منها، بخلاف القراءة ونحوها فإنه منهي عنها في غير محلها.
اه.
(قوله: وقنوت) أي كلا أو بعضا، ولو كلمة منه.
وقد علمت أنه لا بد من نيته.
(وقوله: إلى ما قبل الركوع) متعلق بمحذوف كالذي قبله.
(قوله: أو بعده الخ) أي أو قنوت منقول إلى ما بعد الركوع في الوتر، غير نصف رمضان الأخير، بناء على الصحيح أنه مختص بوتر نصف رمضان الأخير.
فإذا قنت في غيره سجد لسهوه ولعمده ولا تبطل به الصلاة، لكن إذا لم يطل به الاعتدال.
وإلا بطلت عند م ر.
وتقدم عن ابن حجر عدم البطلان.
ومثل الوتر في غير نصف رمضان بقية الصلوات كالظهر فيسجد له، كما في سم.
(قوله: أما نقل الفعلي إلخ) المناسب لما بعده أن يقول: وخرج بقولي قولي الفعلي، وبقولي غير مبطل ما يبطل الخ.
وعبارة شرح المنهج: وخرج بما ذكر نقل الفعلي والسلام وتكبيرة الإحرام، فمبطل.
وفارق نقل الفعلي نقل القولي غير ما ذكر، بأنه لا يغير هيئة الصلاة بخلاف نقل الفعلي.
اه.
(قوله: ما يبطل) فاعل خرج.
(قوله: كالسلام وتكبير التحرم) تمثيل للمبطل.
أي فنقلهما إلى غير محلهما مبطل.
وفي سم: لو أتى به - أي بالسلام - سهوا سجد للسهو كما هو ظاهر مأخوذ مما يأتي فيما لو سلم الإمام فسلم معه المسبوق سهوا.
ومثله ما لو أتى بتكبيرة الإحرام بنيته إذ عمدها مبطل، فيسجد لسهوها على القاعدة.
اه.
(قوله: بأن كبر بقصده) أي التحرم، وهو قيد في التكبير.
وأما السلام فيبطل وإن لم يقصده، لما فيه من الخطاب.
فلو قصد بالتكبير الذكر لم تبطل.
(قوله: ولسهو ما يبطل عمده) معطوف على لترك أيضا.
أي وتسن سجدتان لسهو ما يبطل عمده، أي للإتيان بما يبطل عمده سهوا.
ويستثنى منه ما لو حول المتنفل دابته عن القبلة سهوا وردها فورا فلا يسجد عند حجر، مع أن عمده مبطل لكن خفف عنه لمشقة السفر مع عدم تقصيره.
وما لو سها فسجد للسهو ثم سها قبل سلامه فإنه لا يسجد للسهو إذ سجود السهو يجبر ما قبله وما بعده وما فيه، كما مر، لا نفسه.
كأن ظن سهوا فسجد فبان أن لا سهو فيسجد ثانيا لسهوه بالسجود.
وقوله: لا هو عبارة غيره: دون سهوه.
وهي أولى.
(قوله: كتطويل ركن قصير) تمثيل لما يبطل عمده.
وضابط التطويل أن يزيد على قدر ذكر الاعتدال المشروع فيه في تلك الصلاة بالنسبة للوسط المعتدل لا لحال المصلي فيما يظهر قدر الفاتحة ذاكرا كان أو ساكتا، وعلى قدر ذكر الجلوس بين السجدتين المشروع فيه، كذلك قدر التشهد الواجب.
اه تحفة.
(قوله: وقليل كلام) أي كالكلمتين والثلاث.
وفي الصوم من التحفة أنهم ضبطوا القليل بثلاث أو أربع.
وتضبط الكلمة بالعرف لا بما ضبطها به النحاة واللغويون.
اه كردي.
(قوله: وأكل) أي وقليل أكل.
وهو بضم الهمزة لأن المراد المأكول، ولا يصح فتحها على إرادة الفعل، أي المضغ.
لأن القليل منه وهو ما دون الثلاث لا يبطل الصلاة وإن تعمده.
والمراد هنا ما يبطل عمده دون سهوه.
(قوله:
وزيادة ركن فعلي) معطوف على تطويل، أي وكزيادة ركن فعلي كسجود أو ركوع، فيسجد لسهوه لأن تعمده مبطل.
(قوله: لانه صلى الله عليه وسلم إلخ) دليل لسنية السجود لسهوه بزيادة ركن فعلي.
وهو متفق عليه.
وفي الكردي ما نصه: هذا دليل على أن زيادة الركعة سهوا لا تبطل الصلاة وإن أبطل عمدها، وأنه يسجد لسهوها.
فقيس عليها زيادة كل ما يبطل عمده دون
وقيس به غيره، وخرج بما يبطل عمده ما يبطل سهوه أيضا، ككلام كثير.
وما لا يبطل سهوه ولا عمده، كالفعل
القليل والالتفات، فلا يسجد لسهوه ولا لعمده.
(ولشك فيما صلاه واحتمل زيادة) لانه إن كان زائدا فالسجود للزيادة وإلا فلتردد الموجب لضعف النية.
فلو شك أصلى ثلاثا أم أربعا مثلا أتى بركعة لان الاصل عدم فعلها، ويسجد للسهو، وإن زال شكه قبل سلامه بأن تذكر قبله أنها رابعة، للتردد في زيادتها.
ولا يرجع في فعلها إلى ظنه ولا إلى قول غيره أو فعله، وإن كانوا جمعا كثيرا ما لم يبلغوا عدد التواتر.
وأما لا يحتمل زيادة، كأن شك
ــ
سهوه.
اه.
(قوله: وقيس به) أي بما في الحديث.
وقوله: غيره أي من كل ما يبطل عمده لا سهوه.
(قوله: وخرج بما يبطل عمده الخ) المناسب أن يكون الإخراج للصورة الأولى بقوله: لا هو.
أي السهو.
وللصورة الثانية بقوله: ما يبطل عمده.
فلو قال: وخرج بما يبطل عمده لا هو، ويكون الإخراج على التوزيع لكان أولى.
وعبارة شرح المنهج: وخرج بما يبطل عمده ما لا يبطل عمده، كالتفات وخطوتين، فلا يسجد لسهوه ولا لعمده لعدم ورود السجود له.
وخرج بلفظ ما يبطل عمده وسهوه ككلام كثير الخ.
اه.
وهي ظاهرة.
وقوله: أيضا أي كما يبطل عمده.
وقوله: ككلام كثير أي أو أكل كثير أو فعل كثير، فلا سجود في ذلك لأنه ليس في صلاة.
(قوله: وما لا يبطل الخ) أي وخرج ما لا يبطل سهوه ولا عمده.
وقوله: كالفعل القليل أي كخطوتين.
وقوله: والالتفات أي بالوجه كما هو ظاهر.
(قوله: فلا يسجد لسهوه ولا لعمده) أي لعدم ورود السجود له، ولأن عمده في محل العفو فسهوه أولى.
اه مغنى.
(قوله: ولشك فيما صلاه الخ) معطوف على لترك بعض أيضا.
أي وتسن سجدتان لشك فيما صلاه إلخ.
والواو في هذا وفيما قبله من المعطوفات بمعنى أو كما هو ظاهر.
وإنما سن السجود لذلك لخبر مسلم: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أصلى ثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم.
فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته، وإن كان صلى تماما لأربع كانتا ترغيما للشيطان.
ومعنى شفعن له صلاته: ردتها السجدتان مع الجلوس بينهما لأربع لجبرهما خلل الزيادة كالنقص، لا أنهما صيراها ستا.
وقد أشار في الخبر إلى أن سبب السجود هنا التردد في الزيادة لأنها إن كانت واقعة فظاهر، وإلا فوجود التردد يضعف النية ويحوج للجبر، ولهذا يسجد، وإن زال تردده قبل سلامه.
أفاده في النهاية.
(قوله: واحتمل زيادة) أي بالنسبة للركعة التي يريد أن يأتي بها، كما ستعرفه.
(قوله: لأنه) أي ما صلاه مع الشك.
وقوله: إن كان زائدا أي باعتبار الواقع.
وقوله: وإلا فللتردد الخ أي وإن لم يكن زائدا فالسجود يكون لتردده الموجب لضعف النية، وذلك لأنه حال التردد لا يكون جازما بأنه من الصلاة وهذا خلل فيسجد لجبره.
(قوله: فلو شك أصلى إلخ) أي شك أهذا الذي صليته ثلاثا وهي - أي الركعة - التي يأتي بها رابعة، أو أربعة وهي خامسة؟ اه ح ل.
وأشار بهذا إلى أن
قوله: واحتمل زيادة، أي بالنسبة للركعة التي يأتي بها، وإلا فقبل الإتيان بها لا يحتمل ما صلاه للزيادة، لأن كلا من الثالثة والرابعة لا بد منه.
اه بجيرمي.
(قوله: وإن زال شكه قبل سلامه) هو غاية لسنية السجود.
وقوله: بأن تذكر الخ تصوير لزوال الشك.
أي بأن تيقن أن الركعة التي أتى بها رابعة.
(قوله: للتردد في زيادتها) أي يسجد للسهو وإن زال ما ذكر للتردد في زيادتها، أي حال القيام لها، فقد أتى بزائد على تقدير دون تقدير.
(قوله: ولا يرجع) أي الشاك.
وقوله: في فعلها أي الركعة التي شك فيها.
وقوله: إلى ظنه متعلق بيرجع.
(قوله: ولا إلى قول غيره) أي ولا يرجع إلى قول غيره.
(وقوله: أو فعله) أي الغير.
(قوله: وإن كانوا) أي غيره.
والأولى وإن كان بإفراد الضمير، وهو غاية لعدم الرجوع.
ولا يرد على هذا مراجعة النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة وعوده للصلاة في خبر ذي اليدين لأنه ليس من باب الرجوع إلى قول غيره، وإنما هو محمول على تذكره بعد مراجعته، أو أنهم بلغوا عدد التواتر.
(قوله: ما لم يبلغوا عدد التواتر) أي فإن بلغوا عدده بحيث يحصل العلم الضروري بأنه فعلها رجع لقولهم لحصول اليقين له، لأن العمل بخلاف هذا العلم تلاعب.
كما ذكر ذلك الزركشي، وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى.
ويلحق بما ذكر ما لو صلى في جماعة وصلوا إلى هذا الحد فيكتفي بفعلهم فيما يظهر.
لكن أفتى الوالد رحمه الله بخلافه، ووجهه أن الفعل لا يدل بوضعه.
اه نهاية.
وجزم ابن حجر في التحفة بالاكتفاء بفعلهم، ومثله الخطيب في الإقناع والمغنى.
(قوله: وأما ما لا يحتمل زيادة) محترز قوله: واحتمل
في ركعة من رباعية أهي ثالثة أم رابعة؟ فتذكر قبل القيام للرابعة أنها ثالثة فلا يسجد، لان ما فعله منها مع التردد لا بد منه بكل تقدير، فإن تذكر بعد القيام لها سجد لتردده حال القيام إليها في زيادتها.
(و) سن للمأموم سجدتان (لسهو إمام) متطهر وإمامه، ولو كان سهوه قبل قدوته، (وإن فارقه) أو بطلت صلاة الامام بعد وقوع السهو منه، (أو ترك) الامام السجود جبرا للخلل الحاصل في صلاته، فيسجد بعد سلام الامام وعند سجوده يلزم المسبوق والموافق متابعته، وإن لم يعرف أنه سها، وإلا بطلت صلاته إن علم وتعمد ويعيده المسبوق
ــ
زيادة.
(قوله: فتذكر قبل القيام إلخ) يؤخذ منه تقييد الشاك المار بما إذا استمر إلى أن قام للرابعة.
والحاصل أنه إذا كان التذكر في الركعة التي شك فيها قبل أن ينتقل إلى غيرها لا سجود.
وأما إذا تذكر بعد القيام لركعة أخرى غير التي شك فيها فإنه يسجد.
(قوله: لأن ما فعله الخ) علة لعدم السجود.
وقوله: منها أي من الرباعية.
وقوله: مع التردد أي مع الشك.
(قوله: لا بد منه بكل تقدير) أي سواء قدر أنها ثالثة أو قدر أنها رابعة، فلا تردد هنا في الزيادة حتى يسجد له.
(قوله: فإن تذكر بعد القيام لها) أي للرابعة.
وهو مقابل قوله: قبل القيام.
وهذا يغني عنه قوله السابق: وإن زال شكه قبل سلامه بأن تذكر إلخ.
(قوله: لتردده إلخ) علة للسجود.
(قوله: في زيادتها) متعلق بالتردد.
أي للتردد في زيادتها حال القيام، فقد أتى وقته بزائد على تقدير دون تقدير، وهو الذي أضعف النية وأحوج إلى الجبر.
(قوله: سن للمأموم سجدتان الخ) لما أنهى الكلام على سنية السجود لجبر الخلل الحاصل في صلاة نفسه شرع يتكلم على سنيته لجبر الخلل الحاصل في صلاة إمامه لتطرقه منه إليه.
(قوله: لسهو إمام) أي أو عمده.
وقوله: متطهر خرج المحدث بأن
اقتدى به ولم يعلم أنه محدث، وسها في صلاته فلا يسجد لسهوه إذ لا قدوة في الحقيقة.
قال في المغنى: فإن قيل: الصلاة خلف المحدث صلاة جماعة على المنصوص المشهور حتى لا يجب عند ظهوره في الجمعة إعادتها إذا تم العدد بغيره.
أجيب: بأن كونها جماعة لا يقتضي لحوق السهو، لأن لحوقه تابع لمطلوبيته من الإمام، وهي منتفية لأن صلاة المحدث لبطلانها لا يطلب منه جبرها، فكذا صلاة المؤتم به.
اه.
(قوله: وإمامه) أي إمام الإمام، فهو بالجر معطوف على إمام وضميره يعود عليه.
وصورة ذلك أن يكون قد اقتدى مسبوق بمن سها، فلما قام المسبوق ليتم صلاته اقتدى به آخر، وهكذا فالخلل يتطرق من الإمام الأول إلى من اقتدى به، وإلى من اقتدى بمن اقتدى به، وهكذا.
(قوله: ولو كان سهوه قبل قدوته) غاية لسنية السجود للمأموم، أي يسن له السجود ولو كان سهو الإمام وجد قبل اقتدائه به.
(قوله: وإن فارقه) غاية ثانية لها.
أي يسجد المأموم وإن نوى مفارقة الإمام.
(قوله: أو بطلت صلاة الإمام) أي كأن أحدث قبل إتمامه وبعد وقوع السهو منه.
(قوله: بعد وقوع السهو منه) ظرف متعلق بكل من فارق وبطلت.
(قوله: أو ترك الإمام السجود) غاية ثالثة.
أي يسجد المأموم وإن ترك إمامه السجود.
(قوله: جبرا للخلل إلخ) علة لسنية السجود للمأموم مطلقا.
قوله: الحاصل أي من الإمام.
وقوله: في صلاته أي الإمام، أي ويتطرق للمأموم، ويحتمل عوده على المأموم.
أي الحاصل في صلاة المأموم بطريق السراية له من الإمام.
وقضية التعليل المذكور أنه لو اقتدى به بعد سجوده للسهو لم يسجد المسبوق آخر صلاته إذ لم يبق خلل في صلاة الإمام يتطرق لصلاة المأموم.
فانظره.
ثم رأيت في ع ش ما نصه: قوله: ويلحقه سهو إمامه.
ظاهره ولو اقتدى به بعد فعل الإمام للسجود، ويحتمل خلافه، وهو الأقرب لأنه لم يبق في صلاة الإمام خلل حين اقتدى به.
لكن في فتاوى الشارح أنه سئل عما لو سجد للسهو فاقتدى به شخص قبل شروعه في السلام من الصلاة، هل يسجد آخر صلاة نفسه للخلل المتطرق له من صلاة الإمام أم لا؟ فأجاب أنه يندب له السجود آخر صلاته لتطرق الخلل من صلاة إمامه.
اه.
ويتأمل قوله: لتطرق الخلل، فإن الخلل انجبقبل اقتدائه.
اه.
(قوله: فيسجد بعد سلام الإمام) أي فيما لو ترك الإمام السجود فهو مرتبط بالغاية الأخيرة.
(قوله: وعند سجوده) أي الإمام المتطهر.
وظاهره أنه يسجد عند سجوده مطلقا سواء فرغ من تشهده أم لا.
وسيصرح بهذا قريبا، وسننقل ما يؤيده وما يخالفه هناك.
وقوله: يلزم المسبوق الخ أي لخبر: إنما جعل الإمام ليؤتم به.
(قوله: وإن لم يعرف أنه سها) أي يوافقه وإن لم يعرف سهوه، حملا على أنه سها.
(قوله: وإلا بطلت صلاته) أي وإن لم يتابعه بطلت صلاته.
أي بمجرد
- ندبا - آخر صلاة نفسه، (لا لسهوه) أي سهو المأموم (حال القدوة خلف إمام) فيتحمله عند الامام المتطهر، لا المحدث ولا ذو خبث خفي، بخلاف سهوه بعد سلام الامام فلا يتحمله لانقضاء القدوة.
ولو ظن المأموم سلام الامام فسلم فبان خلاف ظنه سلم معه ولا سجود، لانه سهو في حال القدوة.
ــ
سجود الإمام إذا قصد عدم السجود، وإلا فتبطل بتخلفه بركنين، كأن هوى الإمام للسجدة الثانية فإن تخلف لعذر كزحمة لم تبطل، فإن زال عذره والإمام في السجدة الثانية سجد فورا حتما، أو بعدها فإن كان موافقا سجد لأنه يستقر عليه بسجود الإمام، أو مسبوقا فات هذا السجود عليه لأنه لمحض المتابعة وقد فاتت.
(قوله: ويعيده) أي السجود.
(قوله: لا لسهوه) معطوف على قوله لسهو إمام.
أي لا يسن السجود للمأموم للسهو الحاصل من نفسه حال الاقتداء لقوله صلى الله عليه وسلم: الإمام ضامن.
رواه أبودواد وصححه ابن حبان.
قال الماوردي: يريد بالضمان والله أعلم أنه يتحمل سهو المأموم، ولأن معاوية شمت العاطس خلف النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسجد ولا أمره صلى الله عليه وسلم بالسجود.
(قوله: أي سهو المأموم الخ) أفاد بهذا التفسير أن مرجع الضمير في سهوه معلوم من المقام، وهو المأموم.
لا ما يتوهم من المتن من عوده على الإمام لعدم صحته.
(قوله: حال القدوة) أي الحسية، كأن سها عن التشهد الأول.
أو الحكمية، كأن سهت الفرقة الثانية في ثانيتها من صلاة ذات الرقاع.
اه.
مغني، وقوله في ثانيتها: أي بأن فرقهم فرقتين وصلى بفرقة ركعة من الثنائية ثم تتم لنفسها، ثم تجئ الأخرى فيصلي بها الركعة الباقية وينتظرها في التشهد لتسلم معه، فهي مقتدية به حكما في الركعة الثانية.
(قوله: خلف إمام) ظرف متعلق بسهو، وهو يغني عن قول الشارح حال القدوة، فلو حذفه أو أخره عنه وجعله تفسيرا له لكان أولى.
(قوله: فيتحمله الخ) مفرع على مفهوم قوله لا لسهوه.
أي يتحمل سهوه عنه الإمام.
قال ع ش: فيصير المأموم كأنه فعله حتى لا ينقص شئ من ثوابه.
اه.
وقد نظم بعضهم الأشياء التي يتحملها عنه الإمام فقال: تحمل الإمام عن مأموم في تسعة تأتيك في المنظوم قيامه فاتحة مع جهر كذاك سورة لذات الجهر تشهد أول مع قعود فاتهما الإمام مع سجود إذا سها المأموم حال الاقتدا أو كان في ثانية قد اقتدى تحمل الإمام عنه أو لا تشهدا كذا قنوتا حملا وقوله: مع سجود: أي للتلاوة.
كأن قرأ المأموم آية سجدة فلا يسجد لها بل يتحملها عنه الإمام.
(قوله: المتطهر) أي عن الحدثين وعن الخبث.
(قوله: لا المحدث الخ) تصريح بمفهوم المتطهر، أي لا يتحمل الإمام المحدث وذو خبث خفي لأنه لا قدوة في الحقيقة، وإنما أثيب على الجماعة خلفهما لوجود صورتها، إذ يغتفر في الفضائل ما لا يغتفر في غيرها كالتحمل المستدعي لقوة الرابطة.
وقد مر عن المغني نحوه فلا تغفل.
والخبث الخفى هو
النجاسة الحكمية، والظاهر هو العينية، ولا فرق في ذلك بين الأعمى والبصير.
(قوله: بخلاف سهوه بعد سلام الإمام) محترز قوله خلف إمام، أو قوله حال القدوة.
ومثل السهو بعد القدوة سهوه قبل القدوة، كما اعتمده في التحفة والنهاية والمغنى.
وإنما لحقه سهو إمامه ولو قبل القدوة به لأنه عهد تعدي الخلل من صلاة الإمام إلى المأموم، كأن كان الإمام أميا فيتطرق بطلان صلاته إلى صلاة المأموم، دون عكسه.
(قوله: فلا يتحمله) أي لا يتحمل سهوه الإمام فيسجد آخر صلاة نفسه.
وقوله: لانقضاء القدوة أي انتهائها، وهو علة لعدم التحمل.
(قوله: ولو ظن الخ) الأولى التفريع بالفاء لاقتضاء المقام له.
(قوله: فسلم) أي المأموم قبل إمامه، بناء على الظن المذكور.
(قوله: فبان خلاف ظنه) أي ظهر للمأموم خلاف ظنه، وهو أن الإمام لم يسلم.
(قوله: سلم) جواب لو.
وقوله: معه أي أو بعده، وهو أولى.
والسلام المذكور واجب لعدم الاعتداد بالسلام الأول لتقدمه على سلام الإمام.
(قوله: ولا سجود) أي لسلامه الأول وإن أبطل عمده.
كما لو نسي نحو الركوع، فإنه يأتي بعد سلام الإمام بركعة، ولا يسجد سواء تذكر قبل سلامه أم بعده.
(قوله:
(فرع) لو تذكر المأموم في تشهده ترك ركن غير نية وتكبيرة، أو شك فيه، أتى بعد سلام إمامه بركعة ولا يسجد في التذكر لوقوع سهوه حال القدوة.
بخلا ف الشك لفعله بعدها زائدا بتقدير.
ومن ثم لو شك في إدراك ركوع الامام، أو في أنه أدرك الصلاة معه كاملة أو ناقصة ركعة، أتى بركعة وسجد فيها لوجود شكه المقتضي للسجود بعد القدوة أيضا.
ويفوت سجود السهو إن سلم عمدا، وإن قرب الفصل، أو سهوا وطال عرفا.
وإذا سجد صار عائدا إلى الصلاة فيجب أن يعيد السلام، وإذا عاد الامام لزم المأموم الساهي العود، وإلا بطلت
ــ
لأنه) أي سلامه المذكور.
(وقوله: سهو في حال القدوة) أي فيتحمله عنه الإمام.
(قوله: لو تذكر المأموم) خرج به غيره من إمام أو منفرد.
وتقدم حكمه في مبحث الترتيب، ولا بأس بإعادته هنا.
وحاصله أنه إن تذكر ترك ركن قبل أن يأتي به أتى به فورا وجوبا، وإن تذكره بعد الإتيان بمثله أجزأه ذلك المثل عن متروكه ولغا ما بينهما.
(قوله: في تشهده) أي في جلوس تشهد، أو هو ليس بقيد بل مثله ما إذا تذكره قبله أو بعده.
(قوله: ترك ركن) أي كركوع وسجدة، لكن من غير الركعة الأخيرة.
أما إذا تذكر ترك سجدة منها فيأتي بها ويعيد تشهده.
(قوله: غير نية وتكبيرة) أما هما فتذكره ترك أحدهما، أو شكه فيه أو في شرط من شروطه إذا طال الشك، أو مضى معه ركن يبطل الصلاة.
(قوله: أو شك فيه) أي في ترك ركن غير ما ذكر.
(قوله: أتى بعد سلام إمامه بركعة) أي ولا يجوز له العود لتداركه، لما فيه من ترك المتابعة الواجبة.
(قوله: ولا يسجد في التذكر) أي ولا يسجد للسهو في صورة التذكر.
وقوله: لوقوع سهوه حال القدوة أي وإذا كان كذلك يتحمله عنه الإمام فلا يسجد.
(قوله: بخلاف الشك إلخ) أي بخلافه في صورة الشك، فإنه يسجد بعد الإتيان بركعة.
قال الرشيدي في حاشية النهاية: والحاصل أنه إذا ذكر في صلب الصلاة ترك ركن غير ما مر تداركه بعد سلام الإمام، ولا سجود عليه لوقوع سببه الذي هو السهو وزواله حال القدوة بالتذكر، فيتحمله الإمام.
بخلاف ما لو شك في ذلك واستمر شكه إلى انقطاع القدوة فإنه يسجد بعد التدارك لهذا الشك المستمر معه بعد القدوة لعدم تحمل الإمام له،
لأنه إنما يتحمل الواقع حال القدوة.
وإيضاحه أن أول الشك الواقع حال القدوة تحمله الإمام، والسجود إنما هو لهذه الحصة الواقعة منه بعد القدوة، وإن كان ابتداؤها وقع حال القدوة.
اه.
وقوله: لفعله إلخ علة للسجود.
أي أنه يسجد لأنه فعل أمرا زائدا بتقدير بعد انقضاء القدوة.
والإمام إنما يتحمل ما وقع حال القدوة.
وقوله: بعدها أي القدوة.
وقوله: زائدا مفعول المصدر المضاف لفاعله.
وذلك الزائد هو الركعة التي يأتي بها.
وقوله: بتقدير أي احتمال.
أي أن الزيادة محتملة، لأن ترك الركن المقتضي للإتيان بالركعة مشكوك فيه.
(قوله: ومن ثم الخ) أي ومن أجل أن سبب سجوده في صورة الشك المذكور كونه فعل بعد القدوة زائدا بتقدير، يسجد بعد إتيانه بركعة فيما لو شك في أنه هل أدرك ركوع الإمام أو لا.
أو في أنه هل أدرك الصلاة مع الإمام كاملة أو ناقصة ركعة.
وذلك لفعله بعد القدوة أمرا زائدا بتقدير.
(قوله: أتى بركعة) أي وجوبا.
وقوله: وسجد فيها أي ندبا.
(قوله: لوجود شكه إلخ) علة للسجود.
وقوله: المقتضي للسجود الأولى تأخيره عن الظرف لأن المقتضي للسجود كونه بعد القدوة، لا مطلقا.
وقوله: بعد القدوة متعلق بوجود.
وقوله: أيضا أي كوجود الشك حال القدوة.
ويحتمل أن المراد كوجوده بعدها في الصورة المتقدمة على قوله: ومن ثم.
(قوله: ويفوت سجود السهو إن سلم عمدا) أي ذاكرا لمقتضى السجود، عالما بأن محله قبل السلام، لفوات محله.
وقوله: وإن قرب الفصل أي لعدم عذره.
(قوله: أو سهوا) أي أو سلم سهوا، أي ناسيا لمقتضى سجود السهو.
ومثله كما في النهاية ما لو سلم جاهلا بأنه عليه ثم علم.
وقوله: وطال عرفا أي وطال الفصل بين سلامه وتذكره، وهو قيد لفواته في صورة السهو، وإنما فاته حينئذ لتعذر البناء بالطول، كما لو مشى على نجاسة، أو أتى بفعل أو كلام كثير.
(قوله: وإذا سجد الخ) مرتبط بمحذوف هو مفهوم قوله: وطال عرفا، تقديره: وإذا سلم سهوا وقصر الفصل بين السلام، وتذكر الترك، ولم يعرض عنه بعد التذكر، يندب له العود للسجود.
وإذا عاد وسجد - أي مكن جبهته في الأرض - صار عائدا إلى الصلاة.
أي بأن أنه لم يخرج منها.
لاستحالة حقيقة: الخروج منها ثم العود إليها، فيحتاج لسلام ثان، وتبطل بطرو مناف حينئذ، كحدث بعد العود، وتصير الجمعة ظهرا إن خرج وقتها بعد العود.
(قوله: وإذا عاد
صلاته إن تعمد وعلم.
ولو قام المسبوق ليتم فيلزمه العود لمتابعة إمامه إذا عاد.
(تنبيه) لو سجد الامام بعد فراغ المأموم الموافق من أقل التشهد وافقه وجوبا في السجود، أو قبل أقله تابعه وجوبا، ثم يتم تشهده.
(ولو شك بعد سلام في) إخلال شرط أو ترك (فرض غير نية و) تكبير (تحرم لم يؤثر) وإلا لعسر وشق،
ــ
الإمام) أي بعد أن سلم ناسيا أن عليه مقتضى سجود السهو.
وقوله: لزم المأموم الساهي العود أي لزم المأموم الذي سلم معه ناسيا أن يعود مع الإمام.
قال في شرح الروض: لموافقته له في السلام ناسيا.
اه.
ومحل لزوم العود حيث لم يوجد منه ما ينافي السجود، كحدث أو نية إقامة، وهو قاصر.
وخرج بالساهي العامد، فإنه إذا عاد الإمام لم يوافقه لقطعه
القدوة بسلامه عمدا.
(قوله: وإلا بطلت صلاته) أي وإن لم يعد مع الإمام بطلت صلاته للزوم المتابعة لإمامه في ذلك.
وقوله: إن تعمد وعلم قيد في البطلان.
أي ومحل البطلان إن كان متعمدا عدم العود عالما بوجوبه عليه، وإلا فلا بطلان.
ومحل البطلان أيضا ما لم يعلم خطأ إمامه في العود، وما لم ينو مفارقته قبل تخلف مبطل.
وإلا فلا بطلان.
(قوله: ولو قام المسبوق) أي بعد أن سلم إمامه نسيانا.
وقوله: ليتم أي صلاته.
وقوله: فيلزمه العود أي يلزم المسبوق أن يعود إلى الجلوس ليسجد مع إمامه.
وقوله: لمتابعة إمامه أي لأجلها.
وقوله: إذا عاد أي الإمام.
(قوله: بعد فراغ المأموم الموافق) خرج به المسبوق، فيتابع إمامه مطلقا فرغ أو لم يفرغ، لأن تشهده هذا غير محسوب له ولا يحب عليه إتمامه، بدليل أنه لو سلم إمامه قبل أن يتمه له أن يقوم قبله ويأتي بما عليه.
(قوله: من أقل التشهد) أي مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
(قوله: وافقه وجوبا في السجود) فإن تخلف يأتي فيه ما مر.
(قوله: أو قبل أقله) أي أو سجد الإمام قبل أن يفرع من أقل تشهده.
وقوله: تابعه إلخ في الكردي ما نصه: قوله: يلزم المأموم متابعته.
استثنى الشارح في الإيعاب من ذلك مسألة، وهي لو سجد الإمام قبل فراغ المأموم الموافق من أقل التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لم تلزمه متابعته.
قال: بل لا يجوز.
كما لا يخفى.
اه.
وخالفه في التحفة فقال: تابعه وجوبا، ثم يتم تشهده.
وعليه فهل يعيد السجود؟ رأيان: قضية الخادم: نعم.
والذي يتجه أنه لا يعيد.
اه.
ملخصا.
وفي نهاية الجمال الرملي - بعد كلام التحفة الذي أفتى به الوالد -: أنه يجب عليه إتمام كلمات التشهد الواجبة ثم يسجد.
اه.
وفي البجيرمي، ومحل سجوده معه إن كان المأموم فرغ من التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الواجبة، وإلا لم تجز له متابعته، ويتعين عليه السجود في هذه بعد فراغ تشهده، ولو بعد سلام الإمام.
كما اعتمده شيخنا م ر.
فإن سلم من غير سجود بطلت صلاته.
ق ل.
اه.
(وقوله: ثم يتم تشهده) أي كما لو سجد إمامه للتلاوة وهو في الفاتحة فإنه يسجد معه ثم يتم فاتحته.
ولا فرق بين هذه الصورة والتي قبلها لا في هذا.
فلو جمع بين الصورتين ثم استثنى هذا من الصورة الثانية، كأن قال بعد قوله: من أقل التشهد أو قبله، وافقه وجوبا، لكن يتم تشهده في الثاني.
لكان أخصر.
(قوله: ولو شك) المراد بالشك هنا وفي معظم أبواب الفقه: مطلق التردد الشامل للوهم والظن، ولو مع الغلبة.
وليس المراد خصوص الشك المصطلح عليه، وهو التردد بين أمرين على السواء.
وقوله: بعد سلام أي لم يحصل بعده عود للصلاة.
فإن شك بعد سلام حصل بعده عود للصلاة، كأن سلم ناسيا لسجود السهو ثم عاد عن قرب.
وشك في ترك ركن لزمه تداركه، لأنه بان بعوده أن الشك في صلب الصلاة.
وبذلك يلغز ويقال: لنا سنة عاد لها فلزمه فرض.
وخرج بكون الشك وقع بعد السلام ما إذا وقع قبل السلام، وقد مر بيان حكمه مفصلا.
وحاصله أنه إن كان في ترك ركن لم يأت بمثله أتى به، وإلا أجزأه عن المتروك ولغا ما بينهما وتدارك الباقي وسجد للسهو فيهما.
هذا إن كان غير المأموم، فإن كان مأموما أتى بركعة بعد سلام إمامه إن كان المتروك غير السجدة الأخيرة من الركعة الأخيرة.
وخرج به أيضا ما إذا وقع في السلام نفسه، فيجب تداركه ولو بعد طول الفصل ما لم يأت بمبطل.
ولان الظاهر مضيها على الصحة.
أما الشك في النية وتكبيرة الاحرام فيؤثر على المعتمد، خلافا لمن أطال في عدم الفرق.
وخرج بالشك ما لو تيقن ترك فرض بعد سلام فيجب البناء ما لم يطل الفصل، أو يطأ نجسا، وإن استدبر القبلة أو تكلم أو مشى قليلا.
قال الشيخ زكريا في شرح الروض: وإن خرج من والمسجد.
والمرجع في طول الفصل وقصره إلى العرف.
وقيل: يعتبر القصر بالقدر الذي نقل عن النبي (ص) في خبر ذي اليدين،
ــ
(قوله: في إخلال شرط) أي تركه كالطهارة والشك فيها صادق، بما إذا تيقن وجود الطهارة وشك في رافعها، وبما إذا تيقن وجود الحدث وشك في وجود الطهارة بعدها.
لا يقال إن الأصل فيما إذا تيقن الحدث بقاؤه، لأنا نقول محله ما لم يوجد معارض له كما هنا، فإن هذا الأصل قد عارضه أن الأصل أنه لم يدخل الصلاة إلا بطهارة، لكن يمتنع عليه استئناف صلاة أخرى بهذه الطهارة ومن الشك في الطهارة بعد السلام.
كما في سم، الشك في نية الطهارة بعده لأنه لا يزيد على الشك بعده في نفس الطهارة فلا يؤثر في صحة الصلاة، وإن أثر الشك بعد الطهارة في نيتها بالنسبة للطهارة، حتى لا يجوز له افتتاح صلاة بها.
وما ذكر في الشرط هو المعتمد عند ابن حجر وم ر والخطيب.
وعبارة المغني له: وقد اختلف فيه - أي في الشرط - فقال في المجموع: في موضع لو شك هل كان متطهرا أم لا أنه يؤثر، فارقا بأن الشك في الركن يكثر بخلافه في الطهر، وبأن الشك في الركن حصل بعد تيقن الانعقاد.
والأصل الاستمرار على الصحة، بخلافه في الطهر، فإنه شك في الانعقاد، والأصل عدمه.
ومقتضى هذا الفرق أن تكون الشروط كلها كذلك.
وقال في الخادم: وهو فرق حسن.
لكن المنقول عدم الفرق مطلقا، وهو المتجه.
وعلله بالمشقة، وهذا هو المعتمد كما هو ظاهر كلام ابن المقري.
اه.
بتصرف.
(قوله: أو ترك فرض) أي أو شك بعد السلام في ترك فرض.
(قوله: غير نية) صفة لفرض.
(قوله: لم يؤثر) جواب لو.
أي لم يضر في صحة الصلاة.
(قوله: وإلا) أي بأن أثر فيها.
(قوله: لعسر وشق) أي الأمر على الناس، لكثرة عروض الشك في ذلك.
(قوله: ولأن الظاهر إلخ) انظر المعطوف عليه، فلو حذف الواو وقدمه على قوله وإلا الخ لكان أولى.
(قوله: أما الشك في النية الخ) مفهوم قوله: غير نية وتكبير تحرم.
(قوله: فيؤثر على المعتمد) أي فيضر في صحة الصلاة لشكه في أصل الانعقاد من غير أصل يعتمده، فتلزمه الإعادة ما لم يتذكر أنه أتى بهما، ولو بعد طول الزمان.
وإنما لم يضر الشك بعد
فراغ الصوم في نيته لمشقة الإعادة فيه، ولأنه يغتفر في النية فيه ما لم يغتفر فيها هنا.
ومن الشك في النية ما لو شك هل نوى فرضا أو نفلا، لا الشك في نية القدوة في غير جمعة ومعادة ومجموعة مطر.
(قوله: خلافا لمن أطال في عدم الفرق) أي بين النية وتكبيره الإحرام وبين بقية الأركان.
(قوله: ما لو تيقن ترك فرض) سكت عما إذا تيقن ترك شرط لوضوح حكمه، وهو أنه يأتي به ويستأنف الصلاة لتبين عدم صحتها.
(قوله: فيجب البناء) أي على ما فعله من الصلاة.
وفي وجوب البناء نظر لجواز استئناف الصلاة من أولها.
وعبارة الروض ليس فيها لفظ الوجوب، ونصها: فلو تذكر بعده - أي السلام - أنه ترك ركنا بنى على ما فعله إن لم يطل الفصل ولم يطأ نجاسة.
اه.
ومثله في المغني.
وقوله: ما لم يطل الفصل أي بين سلامه وتذكر الترك، فإن طال الفصل بينهما استأنف الصلاة من أولها.
وقوله: أو يطأ نجسا أي وما لم يطأ نجاسة بعد سلامه.
ولا بد أن تكون غير معفو عنها، فإن وطئها استأنف الصلاة أيضا.
(قوله: وإن استدبر القبلة أو تكلم أو مشى قليلا) غاية لوجوب البناء.
أي يجب وإن كان قد استدبر القبلة أو تكلم قليلا أو مشى، كذلك فلا تؤثر هذه الأمور في صحت البناء، وتفارق وطئ النجاسة باحتمالها في الصلاة في الجملة (قوله: وإن خرج من المسجد) أي فلا يؤثر أيضا إذا كانت الأفعال قليلة.
(قوله: إلى العرف) أي فما عده العرف طويلا فهو طويل، وما عده قصيرا فهو قصير.
(قوله: في خبر ذي اليدين) وهو ما رواه أبو هريرة قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر أو العصر فسلم من ركعتين، ثم أتى خشبة بالمسجد واتكأ عليها كأنه غضبان، فقال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال لأصحابه: أحق ما يقول ذو اليدين؟.
قالوا: نعم.
فصلى
والطول بما زاد عليه.
والمنقول في الخبر أنه قام ومضى إلى ناحية المسجد، وراجع ذا اليدين، وسأل الصحابة.
انتهى.
وحكى الرافعي عن البويطي أن الفصل الطويل ما يزيد على قدر ركعة، وبه قال أبو إسحاق.
وعن أبي هريرة أن الطويل قدر الصلاة التي كان فيها.
(قاعدة): وهي أن ما شك في تغيره عن أصله يرجع به إلى الاصل، وجودا كان أو عدما، ويطرح الشك، فلذا قالوا: كمعدوم مشكوك فيه.
(تتمة) تسن سجدة التلاوة لقارئ وسامع جميع آية سجدة، ويسجد مصل لقراءته، إلا مأموما فيسجد هو
ــ
ركعتين أخريين، ثم سجد سجدتين.
(قوله: والطول بما زاد عليه) أي ويعتبر الطول بما زاد على هذا القدر المنقول.
(قوله: والمنقول في الخبر) أي خبر ذي اليدين.
ووقوله: أنه أي النبي صلى الله عليه وسلم.
(قوله: وراجع ذا اليدين) المناسب: وراجعه ذو اليدين.
(قوله: عن البويطي) بضم الباء وفتح الواو، وسكون الياء، وهو أبو يعقوب يوسف بن يحيى القرشي البويطي، من بويط قرية من قرى صعيد مصر الأدنى، وكان خليفة للشافعي رضي الله عنه بعده.
قال الشافعي: ليس أحد أحق بمجلسي من أبي يعقوب.
وكان كثير الصيام وقراءة القرآن، وكان ابن أبي الليث السمرقندي قاضي مصر فحسده، فسعى به إلى الواثق أيام المحنة بالقول بخلق القرآن.
فأمر بحمله إلى بغداد، فحمل إليها على بغل مغلولا، وجلس على تلك الحالة إلى أن مات ببغداد سنة إحدى وثلاثين ومائتين.
اه.
سبكي.
(قوله: وبه) أي
بما حكاه الرافعي.
(قوله: وعن أبي هريرة) لعله غير الصحابي المشهور، فانظره.
(قوله: قدر الصلاة التي كان فيها) أي سواء كانت ثنائية أو ثلاثية أو رباعية.
(قوله: قاعدة إلخ) هذه القاعدة تجري في سائر أبواب الفقه.
(قوله: وهي أن ما شك الخ) عبارة الروض: ما كان الأصل وجوده أو عدمه وشككنا في تغيره، رجعنا إلى الأصل واطرحنا الشك.
اه.
(قوله: يرجع به) أي بما شك في تغيره.
(قوله: وجودا كان) أي ذلك الأصل، كما إذا تيقن وجود الطهارة وشك في رافعها فإنه يأخذ بالطهارة لأن الأصل وجودها.
وقوله: أو عدما أي أو كان ذلك الأصل عدما، كما إذا تيقن عدم الطهارة وشك في وجودها، فإنه يأخذ بالعدم لأنه الأصل.
وكما إذا شك: هل أتى بالقنوت أو لا، فإنه يسجد للسهو لأن الأصل عدم الإتيان به.
أو شك: هل سجد السجدة الثانية أو لا فإنه يأتي بها، لأن الأصل عدمها.
وهكذا فقس.
(قوله: كمعدوم) خبر مقدم.
وقوله: مشكوك فيه مبتدأ مؤخر.
أي أن المشكوك فيه كالمعدوم، فلا يعتبر بل يرجع فيه إلى الأصل.
قال في فتح الجواد: ويستثنى من ذلك الأصل: الشك في ترك ركن غير نية وتحرم بعد السلام، فإنه لا يؤثر لأن الظاهر وقوعه - أي السلام - عن تمام.
اه.
(قوله: تتمة) أي في بيان سجود التلاوة.
(قوله: تسن سجدة التلاوة إلخ) أي للإجماع على طلبها، ولخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول: يا ويلتى، أمر ابن آدم بالسجود فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار.
ولخبر ابن عمر رضي الله عنهما: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه رواه أبودواد والحاكم.
وإنما لم تجب عندنا لأنه صلى الله عليه وسلم تركها في سجدة والنجم.
متفق عليه.
وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما التصريح بعدم وجوبها على المنبر، وهذا منه في هذا الموطن العظيم مع سكوت الصحابة دليل إجماعهم.
وأما ذمه تعالى من لم يسجد بقوله: * (وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون) * فوارد في الكفار بدليل ما قبله وما بعده.
واعلم أن سجدات التلاوة أربع عشرة سجدة: سجدتان في الحج، وثلاث في المفصل في النجم والانشقاق واقرأ، والبقية في الأعراف والرعد والنحل والإسراء ومريم والفرقان والنمل وألم تنزيل وحم السجدة.
واحتج لذلك خبر أبي دواد بإسناد حسن، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة سجدة في
لسجدة إمامه فإن سجد إمامه وتخلف هو عنه، أو سجد هو دونه، بطلت صلاته، ولو لم يعلم المأموم سجوده بعد رفع رأسه من السجود لم تبطل صلاته ولا يسجد، بل ينتظر قائما.
أو قبله هوى، فإذا رفع قبل سجوده رفع معه
ــ
القرآن، منها ثلاث في المفصل، وفي الحج سجدتان، ومنها سجدة ص.
إلا أنها ليست من سجدات التلاوة وإنما هي سجدة شكر لله تعالى.
ينوي بها سجود الشكر على توبة سيدنا دواد عليه الصلاة والسلام من خلاف الأولى الذي
ارتكبه مما لا يليق بكمال شأنه.
ومحال هذه السجدات معروفة، لكن اختلف في أربع منها: إحداها: سجدة النحل، فالأصح أنها عند قوله: * (ويفعلون ما يؤمرون) * وقال المارودي: إنها عند قوله: * (وهم لا يستكبرون) * وهو ضعيف.
وثانيتها: سجدة النمل فالأصح أنها عند قوله: * (الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم) * وقيل: إنها عند قوله: * (ويعلم ما تخفون وما تعلنون) *.
وثالثتها: سجدة حم فصلت، فالأصح أنها عند قوله: * (وهم لا يسأمون) * وقيل: عند قوله: * (إن كنتم إياه تعبدون) *.
ورابعتها: سجدة الانشقاق، فالأصح أنها عند قوله: * (لا يسجدون) * وقيل: إنها في آخر السورة.
(قوله: لقارئ) قال في التحفة: ولو صبيا وامرأ، ومحدثا تطهر على قرب، وخطيب أمكنه بلا كلفة على منبره أو أسفله إن قرب الفصل.
اه.
(وقوله: وسامع) أي سواء قصد السماع أم لا.
لكن تتأكد للقاصد له بسجود القارئ للاتفاق على استحبابه في هذه الحالة.
(قوله: جميع آية سجدة) تنازعه الاسمان قبله، فلو قرأها إلا حرفا واحدا حرم السجود.
ويشترط أيضا أن تكون القراءة مشروعة بأن لا تكون محرمة ولا مكروهة لذاتها، كقراءة جنب مسلم آية السجدة بقصدها، ولو مع نحو الذكر.
وكقراءتها في غير القيام من الصلاة.
وأن تكون من قارئ واحد وفي زمان واحد عرفا، وأن لا تكون في غير صلاة الجنازة، وأن لا يطول فصل عرفا بين آخر الآية والسجود.
وإن كان القارئ مصليا اشترط أيضا أن لا يكون مأموما، وأن لا يقصد بقراءته السجود، كما يأتي.
(قوله: ويسجد مصل) أي إماما أو منفردا.
وقوله: لقراءته أي لقراءة نفسه فقط.
فلا يسجد لقراءة غيره.
قال في المغنى: فإن فعل عامدا عالما بالتحريم بطلت صلاته.
اه.
(قوله: إلا مأموما) استثناء متصل من مطلق مصل.
(قوله: فيسجد هو) أي المأموم.
وقوله: لسجدة إمامه أي فقط فلا يسجد لقراءة نفسه ولا لقراءة غيره ولا لقراءة إمامه إذا لم يسجد، فلو خالف وسجد لذلك عامدا عالما بالتحريم بطلت صلاته.
(قوله: فإن سجد إمامه الخ) مفرع على قوله: فيسجد هو إلخ.
وأفاد بهذا التفريع وجوب سجود المأموم إذا سجد إمامه للمتابعة.
(قوله: وتخلف هو) أي المأموم عنه، أي الإمام.
أي لم يسجد مع إمامه.
(قوله: أو سجد) أي شرع في السجود بأن هوى.
اه.
شوبري.
وقوله: هو أي المأموم.
وقوله: دونه أي الإمام.
(قوله: بطلت صلاته) أي عند
التعمد والعلم بالتحريم.
كما في شرح الروض، لما في ذلك من المخالفة الفاحشة.
وكتب البجيرمي ما نصه: قوله: بطلت.
أي إذا رفع الإمام رأسه من السجود في الأولى، إلا إذا ترك السجود قصدا، فبمجرد الهوى للسجود.
اه ز ي وع ش.
وعبارة الشوبري: قوله: وتخلف إن كان قاصدا عدم السجود بطلت بهوى الإمام، وإلا برفع الإمام رأسه من السجود.
اه.
(قوله: ولو لم يعلم المأموم الخ) تقييد لقوله: وتخلف إلخ، بالتعمد وبالعلم.
وقوله: وسجوده الضمير فيه وفيما بعده يعود على الإمام.
(قوله: لم تبطل صلاته) أي المأموم، وهو جواب لو.
(قوله: ولا يسجد) قال
ولا يسجد.
ويسن للامام في السرية تأخير السجود إلى فراغه.
بل بحث ندب تأخيره في الجهرية أيضا في الجوامع العظام، لانه يخلط على المأمومين.
ولو قرأ آيتها فركع بأن بلغ أقل الركوع ثم بدا له السجود لم يجز لفوات محله.
ولو هوي للسجود فلما بلغ حد الركوع صرفه له لم يكفه عنه.
وفروضها لغير مصل: نية سجود التلاوة، وتكبير تحرم، وسجود كسجود الصلاة، وسلام.
ويقول فيها
ــ
البجيرمي: فإن سجد عالما عامدا بطلت صلاته.
(قوله: بل ينتظر) أي إمامه.
وقوله: قائما حال من فاعل الفعل المستتر.
(قوله: أو قهوى) عطف الظرف على لفظ بعد يوجب ركاكة في التقدير، فالأولى جعله متعلقا بفعل مقدر ويكون عطفه على ما قبله من عطف الجمل.
والتقدير: ولو علم قبل رفع رأس الإمام من السجود هوى المأموم للسجود مع إمامه.
(قوله: فإذا رفع) أي الإمام (وقوله: قبل سجوده) أي المأموم (قوله: رفع معه) أي رفع المأموم رأسه مع الإمام.
والمراد: رجع إلى الحالة التي كان عليها قبل الهوى من قيام أو جلو س.
(قوله: ولا يسجد) أي ولا يتمم الهوي للسجود وحده.
قال في التحفة: إلا إن يفارقه، وهو فراق بعذر.
اه.
ومثله في النهاية.
(قوله: تأخير السجود إلى فراغه) أي من الصلاة.
قال في النهاية: ومحله إذا قصر الفصل.
اه.
قال ع ش: أما إذا طال فلا يطلب تأخيره بل يسجد وإن أدى إلى التشويش المذكور.
اه.
وفي التحفة: واعترض، أي ندب التأخير بما صح أنه صلى الله عليه وسلم سجد في الظهر للتلاوة.
ويجاب بأنه كان يسمعهم الآية فيها أحيانا، فلعله أسمعهم آيتها مع قلتهم فأمن عليهم التشويش، أو قصد بيان جواز ذلك.
اه.
(قوله: بل بحيث ندب تأخيره الخ) عبارة النهاية: ويؤخذ من التعليل - أعني قوله: لئلا يشوش - أن الجهرية كذلك إذا بعد بعض المأمومين عن إمامه بحيث لا يسمع قراءته ولا يشاهد أفعاله، أو أخفى جهره، أو وجد حائل أو صمم أو نحوها، وهو ظاهر من جهة المعنى.
اه.
(قوله: في الجوامع العظام) متعلق بما بعد بل، كما هو صريح عبارة التحفة.
ولم يقيد به في النهاية كما يعلم من عبارته السابقة.
(قوله: لأنه يخلط على المأمومين) علة لسنية التأخير في الصورتين.
قال في النهاية: ولو تركه الإمام سن للمأموم بعد السلام إن قصر الفصل لما يأتي من فواتها بطوله، ولو مع العذر، لأنها لا تقضى على الأصح، اه.
ومثله في التحفة والمغني.
(قوله: ولو قرأ) أي المصلي غير المأموم من إمام أو منفرد.
وقوله: آيتها أي السجدة.
(قوله: بأن بلغ أقل الركوع) قال سم: قال في شرح الروض: فلو لم يبلغ حد
الراكع جاز.
اه.
فانظر هل يسجد من ذلك الحد؟ أو يعود للقيام ثم يسجد؟ والسابق إلى الفهم منه الأول.
اه.
(قوله: ثم بدا له السجود) أي ثم بعد وصوله إلى أقل الركوع طرأ له أن يتمم الهوي إلى أن يصل إلى حد السجود ويجعله عن سجود التلاوة.
(قوله: لفوات محله) أي المحل الذي يشرع السجود منه، وهو القيام وما قاربه.
وعلله في شرح الروض بأن فيه رجوعا من فرض إلى سنة.
(قوله: ولو هوي للسجود) أي لأجل سجود التلاوة.
(قوله: صرفه) أي الهوي وقوله: له أي للركوع.
(قوله: لم يكفه) أي هويه للسجود.
وقوله: عنه أي عن الركوع.
وذلك لأنه صارف.
(قوله: وفروضها) أي سجدة التلاوة.
وقد تعرض للفروض ولم يتعرض للشروط، وهي كشروط الصلاة من نحو الطهارة والستر والتوجه للقبلة ودخول الوقت.
وهو بالفراغ من آيتها.
وقوله: لغير مصل أما المصلي إذا أراد أن يسجد فليسجد من غير نية وتكبير تحرم وسلام.
ويندب له أن يكبر للهوي إليها والرفع منها، ولا يندب له رفع اليدين عند تكبيره للهوي والرفع بل يكره، ولا تندب جلسة الاستراحة بعدها.
وقيل: إن النية واجبة من غير تلفظ بها لأن نية الصلاة لا تشملها.
(قوله: نية سجود التلاوة) هو وما عطف عليه خبر عن فروضها، وأفادت إضافة سجود للتلاوة أنه لا يكفي نية السجود فقط.
واستوجهه البجيرمي ثم قال: وانظر هل معنى وجوب نية السجود للتلاوة نية السجود لخصوص الآية؟ كأن ينوي السجود لتلاوة الآية المخصوصة.
أو معناه نية التلاوة من غير تعرض لخصوص الآية؟ قياس وجوب التعيين في النفل ذي الوقت.
والسبب ذلك وهو قريب.
اه.
وقوله: ذلك أي التعرض لخصوص الآية.
(قوله: وتكبير تحرم) قال في النهاية: ولا يسن له أن يقوم ليكبر من قيام لعدم ثبوت شئ فيه.
اه.
قال ع ش: أي فإذا قام كان مباحا كما يقتضيه قوله: لا يسن دون
ندبا: سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته، فتبارك الله أحسن الخالقين.
(فائدة) تحرم القراءة بقصد السجود فقط في صلاة أو وقت مكروه، وتبطل الصلاة به.
بخلافها بقصد السجود وغيره مما يتعلق بالقراءة فلا كراهة مطلقا.
ولا يحل التقرب إلى الله تعالى بسجدة بلا سبب، ولو بعد الصلاة.
وسجود الجهلة بين يدي مشايخهم حرام اتفاقا.
ــ
سن أن لا يقوم.
اه.
(قوله: وسجود كسجود الصلاة) أي في واجباته ومندوباته لا في عدده، فإن سجدة التلاوة واحدة بخلاف سجود الصلاة فإنه اثنان.
(قوله: وسلام) أي كسلام الصلاة، قياسا على التحرم.
قال في التحفة: وقضية كلامهم أن الجلوس للسلام ركن، وهو بعيد، لأنه لا يجب لتشهد النافلة وسلامها، بل يجوز مع الاضطجاع، فهذا أولى.
نعم، هو سنة.
اه.
ومثله في النهاية.
(قوله: ويقول فيها) أي في سجدة التلاوة، سواء كان في الصلاة أو خارجها.
قال في شرح المنهج: ويسن أن يقول أيضا: اللهم اكتب لي بها عندك أجرا، واجعلها لي عندك ذخرا، وضع عني بها وزرا، واقبلها مني كما قبلتها من عبدك داود.
رواه الترمذي وغيره بإسناد حسن.
اه.
وقوله: كما قبلتها: أي السجدة، لا بقيد كونها سجدة تلاوة.
كما في ع ش.
أو المعنى: كما قبلت نوعها.
وإلا فالتي قبلها من داود هي خصوص سجدة الشكر.
اه بجيرمي.
(قوله: تحرم القراءة بقصد السجود) أي في غير صبح يوم الجمعة بألم تنزيل، وإلا فلا تحرم.
فإن قرأ فيها بغير ألم تنزيل بقصد السجود، وسجد عامدا عالما، بطلت صلاته عند م ر.
ولا تبطل عند حجر، لأنها محل السجود في الجملة.
وقوله: في صلاة أو وقت مكروه خرج بذلك ما إذا قرأها في غير هذين المحلين بقصد السجود فقط فإنه لا يحرم.
قال في التحفة: وإنما لم يؤثر قصد السجود فقط خارج الصلاة والوقت المكروه لأنه قصد عبادة لا مانع منها هنا بخلافه ثمة.
اه.
(قوله: وتبطل الصلاة به) أي بالسجود بالفعل ومحله إن كان عامدا عالما لأنه زاد فيها ما هو من جنس بعض الأركان تعديا.
(قوله: بخلافها) أي القراءة بقصد السجود مع غيره من مندوبات القراءة أو الصلاة، فإنه لا حرمة ولا بطلان لمشروعية القراءة والسجود حينئذ.
(قوله: فلا كراهة مطلقا) أي سواء كان ذلك في الوقت المكروه أو الصلاة أو لا.
(قوله: ولا يحل التقرب إلى الله تعالى بسجدة) أي فهو حرام.
قال في شرح الروض.
كما يحرم بركوع مفرد ونحوه لأنه بدعة، وكل بدعة ضلالة إلا ما استثنى.
(قوله: بلا سبب) أما بالسبب فلا تحرم بل تسن، وذلك السبب كالتلاوة.
وقد تقدم الكلام على سجود التلاوة، أو هجوم نعمة كحدوث ولد أو جاه، أو قدوم غائب، أو نصر على عدو، أو اندفاع نقمة كنجاة من غرق حرق، لا لاستمرارها لأن ذلك يؤدي إلى استغراق العمر في السجود.
لذلك شكر الله تعالى على ما أعطاه من النعم أو دفع عنه من النقم.
والحاصل: تستحب سجدة الشكر لذلك خارج الصلاة ولا تدخل الصلاة إذ لا تتعلق بها، فإن سجدها في الصلاة عامدا عالما بالتحريم بطلت صلاته.
والأصل فيها خبر: سألت ربي وشفعت لأمتي، فأعطاني ثلث أمتي، فسجدت لربي شكرا، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني ثلث أمتي، فسجدت شكرا لربي.
ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي، فأعطاني الثلث الآخر، فسجدت شكرا لربي.
رواه أبو داود بإسناد حسن.
وروى البيهقي بإسناد صحيح أنه صلى الله عليه وسلم سجد لما جاءه كتاب علي رضي الله عنه من اليمن بإسلام همدان.
وتستحب أيضا لرؤية مبتلى ببلية، من زمانة ونحوها، للاتباع وشكر الله تعالى على السلامة.
أو لرؤية مبتلى بمعصية يجاهر بها، لأن المصيبة في الدين أشد منها في الدنيا، ويظهرها للعاصي تعييرا أو لعله يتوب، لا للمبتلى لئلا يتأذى.
(قوله: حرام اتفاقا) قال في شرح الروض: ولو إلى القبلة، أو قصده لله تعالى.
وفي بعض صوره ما يقتضي الكفر، عافانا الله تعالى من ذلك.
وقوله تعالى: * (وخروا له سجدا) * منسوخ أو مؤول، والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل في مبطلات الصلاة (تبطل الصلاة) فرضها ونفلها لا صوم واعتكاف (بنية قطعها) وتعليقه بحصول شئ ولو محالا عاديا.
(وتردد فيه) أي القطع، ولا مؤاخذة بوسواس قهري في الصلاة كالايمان وغيره، (وبفعل كثير) يقينا من غير
ــ
فصل في مبطلات الصلاة
وهي إما فقد شرط من شروط الصلاة، أو فقد ركن من أركانها.
كما قال إبن رسلان: ويبطل الصلاة ترك ركن أو فوات شرط من شروط قد مضوا (قوله: تبطل الصلاة) أي ولو كانت جنازة أو سجدة تلاوة أو شكر.
(قوله: فرضها) بدل من الصلاة.
(قوله: لا صوم واعتكاف) أي لا يبطل صوم واعتكاف بما ذكره، ومثلهما الوضوء والنسك.
والفرق أن الصلاة أضيق بابا من الأربعة.
(قوله: بنية قطعها) أي حالا، أو بعد مضي ركن، ولو بالخروج إلى صلاة أخرى وذلك لمنافاة ذلك للجزم بالنية المشروط دوامه فيها، وخرج بنية قطعها نية الفعل المبطل، فلا تبطل بها حتى يشرع في ذلك المنوي.
(قوله: وتعليقه) الواو بمعنى أو، ومدخولها يحتمل أن يكون معطوفا على قطعها المضاف إليه والضمير فيه يعود عليه، والتقدير: وتبطل الصلاة بنية تعليق القطع على حصول شئ، كما إذا نوى: إن جاء فلان قطعت صلاتي.
ويحتمل عطفه على المضاف - أعني نية - والتقدير: وتبطل بتعليقه وهو صادق بما إذا كان بقلبه أو باللفظ.
والأول أولى لأن الكلام هنا في الإبطال من حيث التعلق لا من حيث اللفظ، لأنه من هذه الحيثية سيأتي الكلام عليه.
وقوله: بحصول شئ أي ولو لم يحصل.
(قوله: ولو محالا عاديا) أي ولو كان الشئ المعلق عليه محالا عاديا، كصعود السماء وعدم قطع السكين.
وخرج بالعادي العقلي، كالجمع بين الضدين، فتعليق القطع بحصوله لا يبطل.
والفرق بينهما أن الأول ينافي الجزم بالنية لإمكان وقوعه، بخلاف الثاني.
قال الكردي: واعلم أن المحال قسمان: لذاته، ولغيره، فالمحال لذاته هو الممتنع عادة وعقلا، كالجمع بين السواد والبياض.
والمحال لغيره قسمان: ممتنع عادة لا عقلا، كالمشي من الزمن والطيران من الإنسان.
ثانيهما: الممتنع عقلا لا عادة كالإيمان ممن علم الله أنه لا يؤمن.
اه.
(قوله: وتردد فيه) معطوف على نية قطعها.
أي وتبطل الصلاة بتردد في القطع.
قال ش ق: وكالتردد في قطعها التردد في الاستمرار فيها، فتبطل حالا لمنافاته الجزم المشروط دوامه كالإيمان والمراد بالتردد أن يطرأ شك مناقض للجزم، ولا عبرة بما يجري في الفكر، فإن ذلك مما يبتلى به الموسوسون، بل يقع في الإيمان بالله تعالى.
اه.
(قوله: ولا مؤاخذة) أي لا ضرر في ذلك.
وقوله: بوسواس قهري وهو الذي يطرق الفكر بلا اختيار.
قال في الإيعاب: بأن وقع في فكره أنه لو تردد في الصلاة ما حكمه فلا مؤاخذة به قطعا، وبه يعلم الفرق بين الوسوسة والشك.
فهو أن يعدم اليقين، وهي أن يستمر اليقين ولكنه يصور في نفسه تقدير التردد.
ولو كان كيف يكون الأمر فهو من الهاجس الآتي.
وكذا في الإيمان بالله تعالى، لأن ذلك مما يبتلى به الموسوسون، فالمؤاخذة به من الحرج.
اه كردي: (قوله: كالإيمان) أي بالله تعالى.
وهو بكسر الهمزة.
يعني كما أنه
لا يؤاخذ بالوسواس القهري في الإيمان بالله.
وقوله: وغيره أي غير الإيمان من بقية العبادات.
(قوله: بفعل كثير) أي وتبطل الصلاة بصدور فعل كثير منه.
وقوله: يقينا منصوب بإسقاط الخافض، أو على الحال.
وهو قيد في الكثرة المقتضية للبطلان.
أي أن كثرة الفعل لا بد أن تكون يقينية وإلا فلا بطلان.
والحاصل ذكر للفعل المبطل ستة شروط: أن
جنس أفعالها إن صدر ممن علم تحريمه أو جهله ولم يعذر حال كونه (ولاء) عرفا في غير شدة الخوف ونفل السفر، بخلاف القليل كخطوتين وإن اتسعتا حيث لا وثبة، والضربتين.
نعم، لو قصد ثلاثا متوالية ثم فعل واحدة أو شرع فيها بطلت صلاته، والكثير المتفرق بحيث يعد كل منقطعا عما قبله.
وحد البغوي بأن يكون بينهما قدر ركعة ضعيف، كما في المجموع.
(ولو) كان الفعل الكثير (سهوا) والكثير (كثلاث) مضغات
ــ
يكون كثيرا، وأن تكون كثرته بيقين، وأن يكون من غير جنس أفعالها، وأن يصدر من العالم بالتحريم، وأن يكون ولاء، وأن لا يكون في شدة الخوف ونفل السفر.
(قوله: من غير جنس أفعالها) متعلق بمحذوف، صفة لفعل.
أي فعل كائن من غير جنس أفعالها، كالمشي والضرب.
فإذا كان من جنسها ففيه تفصيل، وهو أنه إن كان عمدا بطلت، ولو كان فعلا واحدا كزيادة الركوع عمدا.
وإن كان سهوا فلا تبطل، وإن زاد على الثلاثة كزيادة ركعة سهوا.
وسيذكر في أواخر الفصل.
(قوله: إن صدر) أي ذلك الفعل الكثير.
وقوله: ممن علم تحريمه أي من مصل علم تحريم الفعل الكثير في الصلاة.
وقوله: أو جهله هو مفهوم العلم.
وقوله: ولم يعذر أي في جهله، بأن يكون بين أظهر العلماء وبعيد عهد بالإسلام.
وهو قيد في الجهل، وخرج به المعذور فلا يبطل فعله الكثير.
(قوله: حال كونه) أي الفعل الكثير.
وأفاد به أن ولاء منصوب على الحال، ثم إنه يحتمل أنه حال من ضمير كثير المستتر لأنه صفة مشبهة، ويحتمل أن حال من فعل وسوغ مجئ الحال منه مع أنه نكرة وصفه بكثير بعده.
(قوله: عرفا) منصوب بإسقاط الخافض وهو مرتبط بقوله: كثير.
يعني أن المعتبر في الكثرة العرف.
فما يعده العرف كثيرا كثلاث خطوات ضر، وما يعده العرف قليلا كخلع الخف، ولبس الثوب الخفيف، وكإلقاء نحو القملة، وكخطوتين وضربتين، لم يضر.
ويصح أن يكون مرتبطا بقوله: ولاء بناء على أن المعتبر فيه العرف.
لكن يحتاج حينئذ إلى تقدير نظيره في الأول.
وفي متن المنهج تقديمه على قوله ولاء، وهو أولى.
(قوله: في غير شدة الخوف ونفل السفر) أي وتبطل الصلاة بفعل كثير في غير ما ذكر أي وفي غير صيال نحو حية عليه.
فالأفعال الكثيرة في ذلك لا تبطل لشدة الحاجة إليها.
(قوله: بخلاف القليل) محترز قوله كثير.
أي بخلاف الفعل القليل فلا يبطل، لأنه عليه الصلاة والسلام فعل القليل وأذن فيه.
فخلع نعليه في الصلاة ووضعهما عن يساره، وغمز رجل عائشة في السجود، وأشار برد السلام، وأمر بقتل الأسودين في الصلاة الحية والعقرب، وأمر بدفع المار، وأذن في تسوية الحصى.
ولأن المصلي يعسر عليه السكون على هيئة واحدة في زمان طويل، ولا بد من رعاية التعظيم، فعفي عن القليل الذي لا يخل به دون الكثير.
ومحل عدم البطلان بالفعل القليل إن لم يقصد به اللعب وإلا أبطل.
(قوله:
كخطوتين) تمثيل للقليل.
(قوله: وإن اتسعتا) أي الخطوتان.
وخالف الخطيب في المغنى والإقناع وقيدهما بالمتوسطتين.
وهو تابع في ذلك إمام الحرمين.
، فإنه قال: لا أنكر البطلان بتوالي خطوتين واسعتين جدا فإنهما يوازيان الثلاث عرفا.
اه.
(قوله: حيث لا وثبة) قيد في الغاية، فإن وجدت الوثبة أبطلتا من جهتها.
قال ع ش: ما لم يكن فزعا من نحو حية، وإلا فلا تبطل لعذره.
(قوله: والضربتين) معطوف على خطوتين، فهو تمثيل للقليل أيضا.
(قوله: نعم، لو قصد إلخ) تقييد لجعل الخطوتين والضربتين من القليل وأنهما لا يبطلان فكأنه قال: كل ذلك ما لم يقصد من أول الأمر ثلاث خطوات أو ثلاث ضربات متواليات، فإن قصد ذلك بطلت صلاته بمجرد شروعه في واحدة لأنه قصد المبطل وشرع فيه، أما لو نواه من غير شروع فلا بطلان.
(قوله: والكثير المتفرق) محترز قوله ولاء، وهو بالجر معطوف على القليل.
أي وبخلاف الكثير المتفرق فإنه لا يبطل، لأنه عليه الصلاة والسلام صلى وهو حامل أمامة، فكان إذا سجد وضعها وإذا قام حملها.
(قوله: بحيث يعد إلخ) الحيثية للتقييد، أي أن محل عدم تأثير الفعل الكثير المتفرق إذا كان يعد عرفا، أن كل فعل منقطع عما قبله فيعد الثاني منقطعا عن الأول، والثالث منقطعا عن الثاني، فإن لم يعد كما ذكر أثر.
وقوله: وحد البغوي أي ضبطه للمتفرق.
وهو مبتدأ خبره ضعيف.
وقوله: بأن يكون بينهما أي بين كل فعل وما بعده.
وضبطه بعضهم أيضا بأن يطمئن بين الفعلين، وهو ضعيف أيضا.
(قوله: ولو كان الفعل الكثير سهوا) أي فإنه يبطل لأن الحاجة لا تدعو إليه، أما لو دعت الحاجة إليه كصلاة شدة الخوف فلا يبطل كما مر.
(قوله: والكثير) أفاد به أن الجار والمجرور
و (خطوات توالت) وإن كانت بقدر خطوة مغتفرة، وكتحريك رأسه ويديه ولو معا والخطوة - بفتح الخاء - المرة، وهي هنا نقل رجل الامام أو غيره، فإن نقل معها الاخرى ولو بلا تعاقب فخطوتان.
كما اعتمده شيخنا في شرح المنهاج.
لكن الذي جزم به في شرح الارشاد وغيره أن نقل رجل مع نقل الاخرى إلى محاذاتها ولاء خطوة
ــ
بعده خبر لمبتدأ محذوف تقديره ما ذكر.
(قوله: كثلاث مضغات وخطوات) لا يشترط في الثلاث أن تكون من جنس واحد، بل إذا كانت من جنسين كخطوتين وضربة أو من ثلاثة كخطوة وضربة وخلع نعل، أبطلت الصلاة أيضا.
(قوله: توالت) أي الثلاث.
وضابط التوالي يعلم من ضابط التفريق السابق.
(قوله: وإن كانت) أي الثلاث.
وهي غاية في البطلان بالثلاث.
وقوله: مغتفرة صفة كاشفة، إذ الخطوة لا تكون إلا مغتفرة.
إلا أن يقال احترز به عن الخطوة المصحوبة بالوثبة فإنها تكون مؤسسة.
(قوله: وكتحريك رأسه ويديه) أي لأن المجموع ثلاث حركات، وهي لا يشترط فيها أن تكون من عضو واحد.
بل مثله إذا كانت من عضوين أو من ثلاثة أعضاء.
(قوله: ولو معا) غاية في البطلان بتحريك الرأس واليدين.
أي أنها تبطل بذلك، سواء وقع تحريكها في آن واحد أو على التوالي.
وفي الكردي ما نصه: قوله: ولو معا.
ينبغي التنبيه لذلك عند رفع اليدين للتحرم أو الركوع أو الاعتدال، فإن ظاهر هذا بطلان صلاته إذا تحرك
رأسه حينئذ.
ورأيت في فتاوي الشارح ما نصه: قد صرحوا بأن تصفيق المرأة في الصلاة، ودفع المصلي للمار بين يديه، لا يجوز أن يكون بثلاث مرات متواليات - مع كونهما مندوبين - فيؤخذ منه البطلان فيما لو تحرك حركتين في الصلاة ثم عقبهما بحركة أخرى مسنونة.
وهو ظاهر لأن الثلاث لا تغتفر في الصلاة لنسيان ونحوه مع العذر، فأولى في هذه الصورة.
إلى آخر ما في فتاويه.
وفيه من الحرج ما لا يخفى.
لكن اغتفر الجمال الرملي توالي التصفيق والرفع في صلاة العيد، وهذا يقتضي أن الحركة المطلوبة لا تعد في المبطل.
ونقل عن أبي مخرمة ما يوافقه.
اه.
(قوله والخطوة بفتح الخاء المرة) أي أن الخطوة إذا كانت بفتح الخاء يكون معناها المرة، وأما إذا كانت بضمها يكون معناها ما بين القدمين.
والأول هو المراد هنا، والثاني هو المراد في صلاة المسافر.
كما نص عليه في شرح الروض، وعبارته: والخطوة بفتح الخاء المرة الواحدة، وهي المراد هنا.
وبضمها ما بين القدمين، وهو المراد في صلاة المسافر.
(قوله: وهي) أي الخطوة بمعنى المرة.
وقوله: هنا انظر ما فائدة التقييد به، فإن قيل أنه للاحتراز عنها في صلاة المسافر فلا يصح، لأنها هناك بضم الخاء وهي هنا مقيدة بالفتح - كما يعلم من عبارة شرح الروض السابقة - فكان الأولى أن يقدم لفظ هنا على قوله بفتح الخاء ليكون له فائدة.
وهي الاحتراز عنها في باب صلاة المسافر كما علمت.
وعبارة التحفة: والخطوة بفتح الخاء المرة، وبضمها ما بيد القدمين.
وقضية تفسير الفتح الأشهر هنا بالمرة.
وقولهم: إن الثاني ليس مرادا هنا حصولها بمجرد نقل الرجل لأمام أو غيره، فإذا نقل الأخرى حسبت أخرى وهكذا.
وهو محتمل.
اه.
وهي ظاهرة.
(قوله: لأمام) بفتح الهمزة، أي قدام.
(قوله: أو غيره) أي غير الأمام من خلف ويمين وشمال.
(قوله: فإن نقل معها الأخرى) أي نقل الرجل الأخرى مع الرجل الأولى.
ولفظ معها ساقط من عبارة التحفة المارة، وهو أولى، لأن المعية لا تناسب الغاية بعدها، ولإيهامها ما سنذكره قريبا.
(قوله: ولو بلا تعاقب) المناسب ولو مع التعاقب، أي التوالي.
لأنه يؤتى في الغاية بالطرف البعيد.
(قوله: فخطوتان) قال في التحفة: ومما يؤيده جعلهم حركة اليدين على التعاقب أو المعية مرتين مختلفتين، فكذا الرجلان.
اه.
(قوله: كما اعتمده شيخنا في شرح المنهاج) اعتمده أيضا في النهاية، ونص عبارتها.
واضطرب المتأخرون في تعريف الخطوة.
والذي أفتى به الوالد رحمه الله أنها عبارة عن نقل رجل واحدة إلى أي جهة كانت.
فإن نقل الأخرى عدت ثانية، سواء أساوى بها الأولى أم قدمها عليها أم أخرها عنها، إذ المعتبر تعدد الفعل.
اه.
(قوله: لكن الذي جزم به في شرح الإرشاد) عبارته: والخطوة بفتح الخاء وبضمها: ما بين القدمين.
وهي هنا نقل رجل مع نقل الأخرى إلى محاذاتها.
كما بينته في الأصل.
أما نقل كل على التعاقب إلى جهة التقدم على الأخرى أو التأخر
عنها فخطوتان بلا شك.
اه.
ومثله في شرحه على مختصر بافضل، ونص عبارته: والخطوة بفتح الخاء المرة، وهي المرادة هنا إذ هي عبارة عن نقل رجل واحدة فقط.
حتى يكون نقل الأخرى إلى أبعد عنها أو أقرب خطوة أخرى، بخلاف
فقط، فإن نقل كلا على التعاقب فخطوتان بلا نزاع.
ولو شك في فعل أقليل أو كثير فلا بطلان.
وتبطل بالوثبة وإن لم تتعدد.
(لا) تبطل (بحركات خفيفة) وإن كثرت وتوالت، بل تكره، (كتحريك) أصبع أو (أصابع) في حك أو سبحة مع قرار كفه، (أو جفن) أو شفة أو ذكر أو لسان، لانها تابعة لمحالها المستقرة كالاصابع.
ولذلك
بحث أن حركة اللسان إن كانت مع تحويله عن محله أبطل ثلاث منها.
قال شيخنا: وهو محتمل.
وخرج
ــ
نقلها إلى مساواتها.
اه.
(قوله: إن نقل رجل مع نقل الأخرى) ليس المراد أن ينقل الرجلين في آن واحد وإن كانت المعية توهمه، لأنه لا يتصور ذلك إلا على هيئة الوثبة المبطلة للصلاة بل المراد أنه ينقل إحدى رجليه أولا وينقل الأخرى إلى محاذاتها من غير تراخ.
فالمعية في مطلق النقل.
(قوله: فإن نقل كلا) أي من غير محاذاة لتغاير هذه الصورة السابقة، وكما هو صريح عبارة شرح الإرشاد.
وقوله: على التعاقب أي التوالي.
ومثله بالأولى ما إذا كان النقل على غير التعاقب.
والحاصل أن الذي اعتمده ابن حجر في التحفة، والشهاب الرملي وابنه والخطيب وغيرهم، أن نقل الرجل الأخرى خطوة ثانية، سواء نقلت إلى محاذاة الأولى أو إلى أبعد منها أو أقرب.
والذي اعتمده ابن حجر في شرحي الإرشاد وشرح بافضل أن نقل الرجل الأخرى إلى محاذاة الأولى مع التوالي ليس خطوة ثانية، بل هو مع النقل الأول خطوة واحدة، وإن لم يكن إلى محاذاة الأول أو كان ولكن ليس على التوالي فخطوة ثانية.
واختلف أيضا فيما لو رفع الرجل لجهة العلو ثم لجهة السفل، فقيل: يعد ذلك خطوة واحدة.
قال البجيرمي: وهو المعتمد.
وقال سم: ينبغي أن يعد ذلك خطوتين.
(قوله: ولو شك في فعل أقليل إلخ) هو محترز قوله فيما تقدم يقينا.
وكان المناسب ذكره قبل الغاية التي في المتن، ويكون بلفظ: وبخلاف ما لو شك إلخ، كبقية المحترازت.
وقوله: فلا بطلان أي لأن الأصل استمرار الصلاة على الصحة، وهذا هو المعتمد.
وقيل: تبطل الصلاة به.
وقيل: يوقف إلى بيان الحال.
(قوله: وتبطل بالوثبة) أي النطة.
ولم يقيدها بالفاحشة لأنها لا تكون إلا كذلك.
قال في فتح الجواد: لما فيها من الانحناء المخرج عن حد القيام، بخلاف ما لا يخرج عن حده.
وكأن من قيد بالفاحشة احترز عن هذه.
اه.
ويلحق بالوثبة حركة جميع البدن فتبطل الصلاة بها، كما أفتى به الشهاب الرملي.
وفي ع ش: وليس من حركة جميع البدن ما لو مشى خطوتين.
قال م ر في فتاويه ما حاصله: وليس من الوثبة ما لو حمله إنسان فلا تبطل صلاته بذلك.
اه.
وظاهره وإن طال حمله.
وهو ظاهر حيث استمرت الشروط موجودة من استقبال القبلة وغير ذلك.
اه.
(قوله: وإن لم تتعدد) أي الوثبة، وهي غاية للبطلان.
(قوله: لا تبطل بحركات خفيفة) معطوف على قوله: تبطل الصلاة بنية قطعها.
وهو كالتقييد للبطلان بالفعل الكثير.
فكأنه قال: ومحل البطلان بذلك إن كان بعضو ثقيل كاليد والرجل، فإن كان بعضو خفيف كما لو حرك أصابعه في سبحة
من غير تحريك كفه ولو مرارا متعددة فلا بطلان، إذ لا يخل بهيئة الخشوع والتعظيم، فأشبه الفعل القليل.
(قوله: وإن كثرت وتوالت) أي الحركات الخفيفة.
(قوله: بل تكره) قال في الروض: والأولى تركه، أي ترك ما ذكر من الحركات الخفيفة.
قال في شرحه: قال في المجموع: ولا يقال مكروه لكن جزم في التحقيق بكراهته، وهو غريب.
اه.
(قوله: كتحريك أصبع الخ) تمثيل لما يحصل به الحركات الخفيفة.
وقوله: في حك أي أو حل أو عقد (قوله: مع قرار كفه) أي استقرارها وعدم تحريكها، وسيأتي حكم تحريكها.
(قوله: أو جفن أي أو تحريك جفن، ومثله يقدر فيما بعده.
(قوله: لأنها) أي المذكورات، من الجفن والشفة والذكر واللسان.
وقوله: تابعة أي فلا يضر تحريكها مع استقرار محالها وعدم تحريكها.
(قوله: كالأصابع) أي فإنها تابعة لمحلها، وهو الكف.
ولو حذفه وجعل ضمير أنها يعود على الأصابع وما بعدها لكان أخصر.
(قوله: ولذلك بحث) أي ولكون العلة في عدم البطلان بتحريك المذكورات تبعيتها لمحالها المستقرة، بحث بعضهم أنه لو حرك لسانه مع تحويله عن محله ثلاث مرات بطلت صلاته، وذلك لعدم تبعيته حينئذ لمحله.
وقوله: إن كانت أي حركة اللسان.
وقوله: مع تحويله عن محله أي إخراجه عن محله الذي هو الفم.
وقوله: أبطل ثلاث منها أي من الحركات.
(قوله: قال شيخنا) أي في التحفة.
وأما في شرح بأفضل وفتح الجواد فأطلق عدم البطلان.
قال الكردي: وظاهر إطلاقه أنه لا فرق بين أن يخرجه إلى خارج الفم أو يحركه داخله.
بالاصابع الكف، فتحريكها ثلاثا ولاء مبطل، إلا أن يكون به جرب لا يصبر معه عادة على عدم الحك فلا تبطل للضرورة.
قال شيخنا: ويؤخذ منه أن من ابتلي بحركة اضطرارية ينشأ عنها عمل كثير سومح فيه.
وإمرار اليد وردها على التوالي بالحك مرة واحدة، وكذا رفعها عن صدره ووضعها على موضع الحك مرة واحدة.
أي إن اتصل أحدهما بالآخر، وإلا فكل مرة، على ما استظهره شيخنا.
(وبنطق) عمدا ولو بإكراه (بحرفين) إن تواليا
ــ
واعتمده الشهاب الرملي وولده.
قال: وإن كثر، خلافا للبلقيني في الإيعاب للشارح.
يمكن الجمع بالفرق بين مجرد التحريك فلا بطلان به مطلقا، وهو ما قالوه.
وبين إخراجه إلى خارج الفم فتبطل بإخراجه إلى خارج الفم وتحركه ثلاث حركات لفحش حركته حينئذ وعليه يحمل كلام البلقيني.
اه ملخصا بمعناه.
انتهى.
وقوله: وهو أي البحث المذكور، محتمل.
(قوله: وخرج بالأصابع الكف) لو أخذ محترز القيد الذي ذكره في الشرح، وهو مع قرار كفه، بأن قال: وخرج بقولي مع قرار كفه ما إذا حركها مع الكف فيبطل ثلاث منها، لكان أنسب.
(قوله: فتحريكها ثلاثا ولاء مبطل) وقيل: لا يبطل، لأن أكثر البدن ساكن.
كما في الكردي.
(قوله: إلا إن يكون به) أي بالمصلي، وهو استثناء من بطلانها بتحريك الكف ثلاثا.
وقوله: لا يصبر معه عادة أي لا يطيق الصبر مع ذلك الجرب على عدم الحك.
أي ولم يكن له حالة يخلو فيها من هذا الحك زمنا يسع الصلاة قبل ضيق الوقت، فإن كان وجب عليه انتظاره.
كما في سم.
وقوله: على عدم الحك أي بالأصابع مع تحريك الكف.
(قوله: فلا تبطل) أي الصلاة.
وهو تصريح بالمفهوم.
وقوله: للضرورة أي الحاجة إلى ذلك الحك، وهو علة عدم البطلان.
(قوله: ويؤخذ منه) أي من تعليلهم عدم البطلان بتحريك الكف ثلاثا، إذا كان به جرب لا يصير معه على عدم الحك بالضرورة.
(قوله: بحركة اضطرارية) أي كحركة المرتعش.
وقوله: ينشأ عنها أي الحركة المذكورة.
وقوله: عمل كثير أي ثلاث حركات فأكثر.
وقوله: سومح فيه أي في العمل الكثير للضرورة.
والجملة المذكورة خبر إن بناء على جعل من موصولة، فإن جعلت شرطية وجعل اسم أن ضمير الشأن محذوفا كانت الجملة جواب الشرط.
وكتب ع ش قوله: سومح فيه.
أي حيث لم يخل منه زمن يسع الصلاة، قياسا على ما تقدم في السعال.
اه.
(قوله: وإمرار اليد إلخ) أي ذهابها.
ولو عبر به لكان أنسب بمقابله.
وقوله: وردها أي رجوعها.
وقوله: على التوالي أي على الاتصال.
وخرج به ما إذا لم يكن كذلك، فلا يعد ذلك مرة بل مرتين.
وقوله: بالحك متعلق بكل من المصدرين قبله.
وقوله: مرة واحدة خبر عنهما.
(قوله: وكذا رفعها عن صدره) أي أو غيره من كل موضع كانت اليد عليه.
والتقييد به ساقط من عبارة التحفة.
(قوله: على موضع الحك) قيد لا بد منه، كما يستفاد من عبارة التحفة، ونصها: ووضعها لكن على موضع الحك.
اه.
فقوله: لكن إلخ، يفيد ذلك.
(قوله: أي إن اتصل الخ) قيد في حسبان ذلك مرة واحدة.
(قوله: وإلا فكل مرة) أي وإن لم يكن ذلك على التوالي في الصورة الأولى، ولم يتصل أحدهما بالآخر في الثانية، عد الذهاب مرة والرد مرة ثانية.
وكذا الرفع عن الصدر مرة والوضع على موضع الحك مرة ثانية.
ولو حذف قوله أولا على التوالي، واستغنى عنه بقوله أي إن اتصل إلخ، أو حذف هذا واستغنى بذاك، ويستفاد التقييد بالتوالي في الصورة الثانية من قوله: وكذا، لكان أولى وأخصر.
ولم يصرح في التحفة بالثاني، ولا في فتح الجواد بالأول.
ونص عبارة الثاني: وذهابها ورجوعها ووضعها ورفعها حركة واحدة.
أي إن اتصل أحدهما بالآخر، وإلا فكل مرة فيما يظهر.
اه.
(قوله: وبنطق) معطوف على قوله: بنية قطعها.
أي وتبطل الصلاة أيضا بالنطق، لخبر مسلم عن زيد بن أرقم: كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت: * (وقوموا لله قانتين) * فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام.
ولما روي عن معاوية بن الحكم السلمي قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله إذ عطس رجل من القوم، فقلت له: يرحمك الله.
فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أماه، ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم.
فلما رأيتهم يصمتونني سكت.
فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: أن هذه الصلاة لا يصلح فيها
- كما استظهره شيخنا - من غير قرآن وذكر أو دعاء لم يقصد بها مجرد التفهيم، كقوله لمن استأذنوه في الدخول: * (ادخلوها بسلام آمنين) * فإن قصد القراءة أو الذكر وحده أو مع التنبيه لم تبطل، وكذا إن أطلق.
على ما قاله جمع متقدمون.
لكن الذي في التحقيق والدقائق البطلان، وهو المعتمد.
وتأتي هذه الصور الاربعة في الفتح على الامام بالقرآن أو الذكر، وفي الجهر بتكبير الانتقال من الامام والمبلغ.
وتبطل بحرفين، (ولو) ظهرا (في
ــ
شئ من كلام الناس.
اه شرح الروض.
(قوله: عمدا) حال من فاعل المصدر المحذوف.
أي بنطقه حال كونه
عمدا، أي عامدا.
ولا بد أيضا أن يكون عالما بالتحريم وبأنه في الصلاة، فإن لم يكن متعمدا أو لم يكن عالما بذلك فلا بطلان إن كان ما أتى به قليلا عرفا كما سيذكره.
(قوله: ولو بإكراه) أي تبطل بالنطق ولو صدر منه بإكراه، لندرة الإكراه في الصلاة بذلك.
(قوله: بحرفين) متعلق بنطق.
(قوله: إن تواليا) قيد في البطلان بالنطق بالحرفين، أي تبطل بذلك بشرط توالي الحرفين، سواء أفهما أم لا.
لأن الحرفين من جنس الكلام، وهو يقع على المفهم وغيره، وتخصيصه بالمفهم اصطلاح للنحاة.
(قوله: من غير قرآن الخ) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لحرفين، أو حال من ضمير تواليا.
أي حرفين كائنين من غير إلخ، أو حالة كونهما من غير إلخ.
واندرج في غير ما ذكر كلام البشر والحديث القدسي، والمنسوخ لفظه، وكتب الله المنزلة على الأنبياء، فيبطل النطق بحرفين منها ما لم يكن من الذكر أو الدعاء.
(قوله: وذكر) قال الكردي: بحث في الإمداد أنه ما ندب الشارع إلى التعبد بلفظه، والدعاء أنه ما تضمن حصول شئ وإن لم يكن اللفظ نصا فيه، كقوله: كم أحسنت إلي وأسأت، وقوله: أنا المذنب.
اه.
ولا بد من تقييد الذكر بغير المحرم ليخرج ما لو أتى بألفاظ لا يعرف معناها ولم يضعها العارفون.
ومن تقييد الدعاء بذلك أيضا ليخرج ما لو دعا على إنسان بغير حق، وما لو دعا بقوله: اللهم اغفر للمسلمين جميع ذنوبهم.
فتبطل بذلك الصلاة مطلقا لأنه محرم.
(قوله: لم يقصد بها) أي بالقرآن والذكر والدعاء، مجرد التفهيم فإن قصد بها ذلك بطلت صلاته، لأن عروض القرينة أخرجه عن موضعه من القراءة والذكر والدعاء إلى أن صيره من كلام الناس.
(قوله: فإن قصد القراءة أو الذكر وحده) أي أو الدعاء (قوله: أو مع التنبيه) معطوف على وحده، أي أو قصد القراءة أو الذكر مع التنبيه.
(قوله: لم تبطل) أي لبقاء ما تكلم به على موضوعه.
(قوله: وكذا إن أطلق) أي وكذلك لا تبطل إن لم يقصد شيئا.
(قوله: على ما قاله جمع متقدمون) تبرأ منه بتعبيره بعلى لكونه ضعيفا جدا.
(قوله: لكن الذي في التحقيق والدقائق) هما للإمام النووي.
وساق في المغني عبارة الدقائق، ونصه: قال في الدقائق: يفهم من قول المنهاج أربع مسائل: إحداها: إذا قصد القراءة.
الثانية: إذا قصد القراءة والإعلام.
الثالثة: إذا قصد الإعلام فقط.
الرابعة: أن لا يقصد شيئا.
ففي الأولى والثانية لا تبطل، وفي الثالثة والرابعة تبطل.
وتفهم الرابعة من قوله وإلا بطلت، كما تفهم منه الثالثة.
وهذه الرابعة لم يذكرها المحرر، وهي نفيسة لا يستغنى عن بيانها.
وسبق مثلها في قول المنهاج: وتحل أذكاره لا بقصد قرآن.
اه.
(وقوله: البطلان) قال في النهاية: لأن القرينة متى وجدت صرفته إليها ما لم ينو صرفه عنها.
وفي حالة الإطلاق لم ينو شيئا فأثرت.
اه.
(قوله: وهو) أي الذي في التحقيق والدقائق من البطلان في حالة الإطلاق المعتمد.
(قوله: وتأتي هذه الصور الأربعة) وهي قصد الفتح فقط،
وقصد الذكر أو القراءة فقط، وقصدهما معا، والإطلاق.
فتبطل في الأولى بلا خلاف، وتصح في الثانية والثالثة بلا خلاف، ويجري الخلاف في الرابعة.
وبقي صورة خامسة وهي: ما إذا ش ك في الحالة المبطلة.
كأن شك هل قصد بذلك تفهيما أو قراءة أو أطلق أولا؟ والأوجه فيها عدم البطلان، لأنا تحققنا الانعقاد وشككنا في المبطل، والأصل عدمه.
(قوله: بالقرآن أو الذكر) أي أو الدعاء.
ويتصور فيما إذا أرتج على الإمام في القنوت ووقف عند نحو قوله: وتولنا فيمن توليت.
(قوله: وفي الجهر الخ) معطوف على في الفتح.
أي وتأتي أيضا هذه الأربعة في الجهر بتكبير الانتقال.
فإن قصد الذكر وحده أو مع الإعلام صحت الصلاة، وإن قصد الإعلام فقط أو أطلق بطلت.
وفي الكردي ما نصه: في فتاوى م ر: لا بد من النية، أي نية الذكر وحده، أو مع الإعلام في كل واحدة فإن أطلق بطلت صلاته.
قال القليوبي في حواشي المحلي: اكتفى الخطيب بقصد ذلك في جميع الصلاة عند أول تكبيرة.
اه.
وجرى سم العبادي في شرحه على
تنحنح لغير تعذر قراءة واجبة) كفاتحة، ومثلها كل واجب قولي كتشهد أخير وصلاة فيه فلا تبطل بظهور حرفين في تنحنح لتعذر ركن قولي، (أو) ظهرا في (نحوه) كسعال وبكاء وعطاس وضحك.
وخرج بقولي لغير تعذر قراءة واجبة، ما إذا ظهر حرفان في تنحنح لتعذر قراءة مسنونة، كالسورة أو القنوت أو الجهر بالفاتحة، فتبطل.
وبحث الزركشي جواز التنحنح للصائم لاخراج نخامة تبطل صومه.
قال شيخنا: ويتجه جوازه للمفطر أيضا
ــ
مختصر أبي شجاع على صحة صلاة نحو المبلغ، والفاتح على الإمام بقصد التبليغ والفتح فقط، للجهل بامتناع ذلك.
وإن علم امتناع جنس الكلام، وإن لم يقرب عهده بالإسلام ولا نشأ بعيدا عن العلماء.
وذكر نحوه في حواشي شرح المنهج أيضا.
اه.
(قوله: ولو ظهرا) أي الحرفان.
وهو غاية للبطلان.
ومثل ظهور الحرفين ظهور الحرف المفهم فيه، لأن الكل مبطل من غير تنحنح، فمعه كذلك إذا لا مزية للتنحنح ونحوه على عدمه.
والأولى تأخير هذه الغاية عن قوله: أو بنطق بحرف مفهم.
(قوله: لغير تعذر الخ) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لتنحنح، أي تنحنح صادر منه لغير تعذر قراءة واجبة بأن لم يوجد هناك تعذر لقراءة مطلقا، أو وجد تعذر لها وهي مسنونة، فهاتان صورتان مندرجتان تحت منطوق قوله: لغير إلخ.
وبقي صورة المفهوم وهي ما إذا صدر منه لتعذر القراءة الواجبة، وتبطل الصلاة في الأوليين لا في الثالثة.
(قوله: كفاتحة) تمثيل للقراءة الوجبة.
والكاف استقصائية، إذ المراد بالقراءة الواجبة قراءة خصوص ما كان من القرآن وهو هنا الفاتحة.
ويدل على هذا قوله بعد: ومثلها إلخ.
ثم ظهر صحة كونها تمثيلية أيضا أن لوحظ أنه قد يعجز عن الفاتحة لأنه ينتقل حينئذ إلى سبع آيات من القرآن بدلها فتكون الكاف أدخلت هذه الصورة.
(قوله: ومثلها) أي مثل القراءة الواجبة.
(وقوله: كل واجب قولي) أي في الصلاة.
(قوله: كتشهد أخير) أي أقله.
وقوله: وصلاة فيه أي صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير.
والمراد أقلها أيضا.
(قوله: فلا تبطل الخ) مفرع على مفهوم قوله: لغير تعذر إلخ.
وقوله: بظهور حرفين أي أو حرف مفهم كما علمت.
وفي فتح الجواد: ويتجه اغتفار الزيادة عليهما، أي
الحرفين، حيث سمى الجميع قليلا عرفا.
اه.
وقوله: في تنحنح أي وإن كثر وظهر بكل واحدة حرفان فأكثر.
اه بجيرمي بالمعنى.
وقوله: لتعذر ركن قولي المناسب أي يقول: لتعذر ما ذكر، أي من القراءة الواجبة وما كان مثلها.
والمراد بالتعذر أن لا تمكنه القراءة مع عدم التنحنح.
(قوله: أو ظهرا في نحوه) معطوف على الغاية قبله، أي وتبطل الصلاة أيضا بالنطق بحرفين ولو ظهرا في نحو التنحنح.
وقوله: كسعال الخ تمثيل لنحو التنحنح.
ومحل البطلان بظهور الحرفين في المذكورات إذا لم تغلب عليه، وإلا فلا بطلان إن كانت يسيرة، كما سيأتي قريبا.
وقوله: وبكاء أي ولو من خوف الأخرة.
ومثله الأنين والنفخ ولو من الأنف إن تصور.
وقوله: وضحك خرج به التبسم فلا يبطل الصلاة لأنه لا يظهر معه حروف.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم تبسم فيها، فلما سلم قال: مر بي ميكائيل فضحك لي فتبسمت له.
(قوله: وخرج بقولي لغير تعذر الخ) لا يخفي عدم مناسبة الإخراج بما ذكر، لأن هذه الصورة المخرجة مما اندرجت تحت لفظ غير كما علمت، فلا حاجة لإخراجها.
نعم، لو قال في المتن: ولا تبطل بظهور حرفين في تنحنح لتعذر قراءة واجبة لكان ما ذكره مناسبا، إلا أنه يسقط منه لفظ غير بأن يقول: وخرج بقولي لتعذر إلخ.
إذا علمت ذلك فكان حقه أن يقول: وخرج بقولي لغير تعذر الخ ما إذا ظهر حرفان في تنحنح لتعذر قراءة واجبة فإنها لا تبطل.
ويحذف قوله سابقا فلا تبطل بظهور حرفين إلخ.
وعبارة المنهج: ولا تبطل بتنحنح لتعذر ركن قولي.
وقال في شرحه: لا لتعذر غيره كجهر الخ.
اه.
وهي ظاهرة.
(قوله: كالسورة إلخ) تمثيل المسنونة.
وقوله: أو الجهر ظاهره أنه معطوف على السورة، فيكون تمثيلا للقراءة.
وهو لا يصح إذ الجهر صفة القراءة لا نفسها.
(قوله: فتبطل) أي لأنه لا ضرورة إلى التنحنح لأجلها.
قال في شرح الروض: لكن المتجه في المهمات جواز التنحنح للجهر بأذكار الانتقال عند الحاجة إلى إسماع المأمومين.
اه.
ووافقه ابن حجر في الاستثناء المذكور، وخالفه الخطيب وم ر.
(قوله: وبحث الزركشي الخ) استوجهه في التحفة، ونصها: والأوجه في صائم نزلت نخامة لحد الظاهر من فمه واحتاج في إخراجها لنحو حرفين اغتفار، ذلك لأن قليل الكلام يغتفر فيها - أي الصلاة - لأعذار لا يغتفر في نظيرها نزول المفطر للجوف.
اه.
(قوله: تبطل صومه) أي لو بلعها.
(قوله: قال شيخنا)
لاخراج نخامة تبطل صومه.
قال شيخنا: ويتجه جوازه للمفطر أيضا لاخراج نخامة تبطل صلاته بأن نزلت لحد الظاهر ولم يمكنه إخراجها إلا به.
ولو تنحنح إمامه فبان منه حرفان لم يجب مفارقته لان الظاهر تحرزه عن المبطل نعم، إن دلت قرينة حاله على عدم عذره وجبت مفارقته، كما بحثه السبكي.
ولو ابتلي شخص بنحو سعال دائم بحيث لم يخل زمن من الوقت يسع الصلاة بلا سعال مبطل.
قال شيخنا: الذي يظهر العفو عنه، ولا قضاء عليه لو شفي.
(أو) بنطق (بحرف مفهم) ك: ف وع وف، أو بحرف ممدود، لان الممدود في الحقيقة حرفان.
ولا تبطل الصلاة بتلفظه بالعربية بقربة توقفت على اللفظ كنذر وعتق،
ــ
أي في فتح الجواد.
وقال أيضا فيه: وبحث الأذرعي جوازه عند تزاحم البلغم بحلقه إذا خشي أن ينخنق.
اه.
وقوله: ويتجه جوازه أي التنحنح الظاهر معه حرفان.
(قوله: تبطل صلاته) أي لو دخلت إلى جوفه.
(قوله: بأن تزلت) أي النخامة من رأسه.
وهو تصوير لبطلان الصلاة بها لو وصلت إلى جوفه.
وقوله: لحد الظاهر هو مخرج الحاء المهملة.
وقيل: الخاء المعجمة.
وقوله: ولم يمكنه أي المصلي.
وقوله: إخراجها أي النخامة من حد الظاهر.
وقوله: إلا به أي بالتنحنح الظاهر معه حرفان.
(قوله: ولو تنحنح إمامه) قال ع ش: أي ولو مخالفا، لأنه إما ناس وهو منه لا يضر، أو عامد فكذلك.
لأن فعل المخالف الذي لا يبطل في اعتقاده ينزل منزلة السهو.
اه.
(قوله: فبان) أي ظهر من إمامه.
(قوله: لم يجب مفارقته) أي لم يجب على المأموم أن ينوي المفارقة.
(قوله: لأن الظاهر الخ) علة عدم الوجوب.
ولو قال: لاحتمال عذره لأن الظاهر الخ.
لكان أنسب بقوله بعد: على عدم عذره.
وعبارة النهاية: حملا له على العذر، لأن الظاهر الخ.
اه.
وقوله: تحرزه أي الإمام.
(قوله: نعم إلخ) تقييد لعدم وجوب نية المفارقة.
(قوله: إن دلت قرينة حاله على عدم عذره) أي بأن كان شأن هذا الإمام التقصير في الصلاة وفعل المبطلات كثيرا.
(قوله: وجبت مفارقته) أي على المأموم.
فإن لم يفارقه بطلت صلاته.
(قوله: ولو ابتلي شخص بنحو سعال دائم) دخل تحت نحو السعال العطاس والبكاء والضحك.
فلو ابتلي بذلك على الدوام بحيث لا يقدر على دفعه ولا يخلو عنه زمنا يسع الصلاة عفي عنه.
(قوله: بحيث الخ) تصوير لدوام السعال.
وقوله: لم يخل زمن الخ قال ع ش: فإن خلا من الوقت زمن يسعها بطلت بعروض السعال الكثير فيها، والقياس أنه إن خلا من السعال أول الوقت، وغلب على ظنه حصوله في بقيته، بحيث لا يخلو منه ما يسع الصلاة وجبت المبادرة للفعل.
وأنه إن غلب على ظنه السلامة منه في وقت يسع الصلاة قبل خروج وقتها وجب انتظاره.
اه.
(قوله: قال شيخنا الخ) جواب لو، ونص عبارته: فالذي يظهر العفو عنه ولا قضاء عليه لو شفي.
نظير ما يأتي فيمن به حكة لا يصبر معها على عدم الحك.
اه.
ومثله في الخطيب والنهاية.
وقوله: العفو عنه أي عن السعال الدائم في الصلاة.
(قوله: ولا قضاء) عبارة النهاية: ولا إعادة عليه.
وهي أولى لشمول الإعادة لما لو شفي في الوقت أو خارجه، بخلاف القضاء فإنه خاص بالثاني، إلا أن يحمل على اللغوي.
(قوله: أو بنطق الخ) معطوف على قوله: وبنطق بحرفين.
وقد علمت أنه كان الأولى تقديم هذا على الغاية وتأخير الغاية عنه لترجع الغاية له أيضا.
وقوله: بحرف مفهم قال سم: ظاهره وإن أطلق، فلم يقصد المعنى الذي باعتباره صار مفهما ولا غيره.
وقد يقال قصد ذلك المعنى لازم لشرط البطلان، وهو التعمد وعلم التحريم.
ولو قصد بالحرف المفهم الذي لا يفهم كأن نطق بف قاصدا به أول حرفي لفظة في، فيحتمل أنه لا يضر.
اه.
(قوله: ك: ق إلخ) أمثلة للحرف المفهم.
وإنما بطلت الصلاة بالنطق بها لأن كل واحد منها كلام تام لغة وعرفا، إذ هو فعل أمر وفاعله مستتر فيه.
والأول مأخوذ من الوقاية، والثاني من الوعي، والثالث من الوفاء.
(قوله: أو بحرف ممدود) معطوف على بحرف مفهم.
أي وتبطل بنطقه بحرف ممدود وإن لم يفهم نحو آومحل
البطلان - كما في ع ش - إن أتى بحرف ممدود من غير القرآن، بخلاف ما لو زاد مدة على حرف قرآني ولم يغير المعنى فإنه لا يبطل.
(قوله: لأن الممدود إلخ) علة البطلان.
وقيل: لا تبطل به لأن المدة قد تتفق لإشباع الحركة ولا تعد حرفا.
(قوله: ولا تبطل الصلاة بتلفظه) أي المصلي.
وقوله: بالعربية إلخ ذكر خمسة شروط لعدم البطلان، وهي: أن يكون ما تلفظ به بالعربية، وأن يكون قربة، وأن يخلو عن التعليق، وعن الخطاب المضر، وأن تتوقف القربة على اللفظ.
فلو
كأن قال: نذرت لزيد بألف أو أعتقت فلانا.
وليس مثله التلفظ بنية صوم أو اعتكاف لانها لا تتوقف على اللفظ فلم تحتج إليه، ولا بدعاء جائز ولو لغيره بلا تعليق، ولا خطاب لمخلوق فيهما، فتبطل بهما عند التعليق كإن شفى الله مريضي فعلي عتق رقبة، أو اللهم اغفر لي إن شئت.
وكذا عند خطاب مخلوق غير النبي (ص) ولو عند
ــ
فقد واحد منها - بأن كان بغير العربية أو كان ليس قربة، أو كان لم يخل عن التعليق أو الخطاب، أو كانت القربة لم تتوقف على التلفظ بها -، بطلت الصلاة به.
نعم، محله في الأول كما في التحفة والنهاية إذا لم يكن المترجم عنه واردا، أو كان واردا ولكنه يحسن العربية.
(قوله: كنذر) أي لأنه مناجاة لله فهو من جنس الدعاء إلا ما علق منه.
قال في فتح الجواد: وألحق الأسنوي به - أي بالنذر - الوصية والصدقة وسائر القرب المنجزة.
وتبعه المصنف، واعترضه جمع بما رددته في الأصل.
اه.
(قوله: وليس مثله) أي المذكور من النذر والعتق في عدم البطلان.
والمناسب التعبير بفاء التفريع لأن المقام يقتضيه.
وقوله: بنية صوم أو اعتكاف أي أو نحوهما من كل ما لا يتوقف على التلفظ بالنية، كالنسك.
(قوله: لأنها) أي نية الصوم وما عطف عليه، وهو علة انتفاء المثلية.
وقوله: لا تتوقف على اللفظ أي لأنهما يحصلان بالنية القلبية.
(وقوله: فلم تحتج) أي النية إليه، أي اللفظ.
ولا حاجة إلى هذا التفريع لأن عدم التوقف يستلزم عدم الاحتياج.
(قوله: ولا بدعاء جائز) عطف على بقربة، من عطف الخاص على العام، إذ القربة تشمل الدعاء، أي ولا تبطل بتلفظه بالعربية بدعاء جائز.
وخرج به غير الجائز، وقد مر بيانه، فتبطل به الصلاة.
وفي فتاوي الرملي جواز اللهم ارزقني جارية أو زوجة فرجها قدر كذا.
اه.
(قوله: ولو لغيره) أي ولو كان الدعاء ليس لنفسه بل لغيره فإنه لا يبطل الصلاة، فالغاية لعدم البطلان.
(قوله: بلا تعليق ولا خطاب) صفة لكل من قوله: بقربة.
وقوله: ولا بدعاء.
ولو قدمهما الشارح وذكرهما بعد قوله: توقفت على اللفظ، وحذف لفظ: لا، من قوله: ولا بدعاء، كأن قال: بقربة توقفت على اللفظ بلا تعليق ولا خطاب كنذر وعتق، ثم قال عطفا عليهما، ودعاء، لكان أخصر وأولى، لتنضم الشروط إلى بعضها، ولسلامته من إيهام المغايرة المستفاد من عطف قوله: ولا بدعاء على بقربة.
فتنبه.
(قوله: لمخلوق) أي غير النبي صلى الله عليه وسلم، كما سينص عليه.
وقوله: فيهما أي في القربة والدعاء.
(قوله: فتبطل) أي الصلاة.
وقوله: بهما أي بالقربة والدعاء.
(قوله: عند التعليق) لا معنى للعندية، فكان عليه أن يقول: مع التعليق.
ومثله يقال في قوله: وكذا عند خطاب الخ.
تأمل.
(قوله:
فعلى عتق رقبة) أي أفعبدي حر، والأول تمثيل لتعليق النذر، وما ذكرته تمثيل لتعليق العتق.
وقوله: أو اللهم اغفر لي إلخ تمثيل الدعاء بالمشيئة.
(قوله: وكذا عند خطاب الخ) أي وكذلك تبطل الصلاة بالنذر إذا كانا مشتملين على خطاب مخلوق غير النبي صلى الله عليه وسلم من إنس وجن وملك وغيرهم، كقوله لغيره: سبحان ربي وربك.
أو لعبده: لله علي أن أعتقك.
(قوله: ولو عند سماعه لذكره) هكذا في التحفة، والذي يظهر أن هذه الغاية مرتبطة بمحذوف هو مفهوم قوله غير النبي صلى الله عليه وسلم، تقديره: أما خطاب مخلوق هو النبي صلى الله عليه وسلم فلا يبطل الصلاة، ولو كان ذلك الخطاب عند سماع المصلي لذكره، أي النبي صلى الله عليه وسلم، كأن سمع إنسانا يقول: قال النبي كذا، فقال المصلي: صلى الله وسلم عليك يا رسول الله.
ويدل على ذلك عبارة حجر على بافضل، ونصها: ولا يبطل خطاب الله وخطاب رسوله صلى الله عليه وسلم ولو في غير التشهد.
اه.
وكتب الكردي: قوله: ولو في غير التشهد، هذا هو المعتمد.
اه.
ونازع الأذرعي في عدم بطلانها بخطاب النبي صلى الله عليه وسلم في غير التشهد.
وقال: إن الأرجح بطلانها به من العالم لمنعه من ذلك.
وفي إلحاقه بما في التشهد نظر، لأنه خطاب غير مشروع.
ورده في المغنى وقال: أن الأوجه عدم البطلان إلحاقا بما في التشهد.
ونص عبارته: أما خطاب الخالق كإياك نعبد، وخطاب النبي صلى الله عليه وسلم كالسلام عليك، في التشهد فلا تبطل به.
قال الأذرعي: وقضيته أنه لو سمع بذكره صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك، أو الصلاة عليك يا رسول الله، أو نحوه، لم تبطل صلاته.
ويشبه أن يكون الأرجح بطلانها من العالم لمنعه من ذلك.
وفي إلحاقه بما في التشهد نظر لأنه خطاب غير مشروع.
اه.
والأوجه عدم البطلان إلحاقا بما في التشهد.
اه.
ومثله في شرح الروض، ونصه بعد أن ساق كلام الأذرعي السابق وفي قوله: ويشبه أن يكون الأرجح بطلانها إلخ، وقفة.
اه.
وتقدم عن الشارح
سماعه لذكره على الاوجه، نحو نذرت لك بكذا، أو رحمك الله، ولو لميت.
ويسن لمصل سلم عليه الرد بالاشارة باليد أو الرأس ولو ناطقا، ثم بعد الفراغ منها باللفظ.
ويجوز الرد بقوله: عليه السلام، كالتشميت برحمة الله.
ولغير مصل رد سلام تحلل مصل، ولمن عطس فيها أن يحمد ويسمع نفسه.
(لا) تبطل (بيسير نحو تنحنح) عرفا (لغلبة) عليه، (و) لا بيسير (كلام) عرفا كالكلمتين والثلاث.
قال شيخنا: ويظهر ضبط الكلمة هنا
ــ
في مبحث الفاتحة أنه لو قرأ المصلي آية، أو سمع آية، فيها اسم محمد صلى الله عليه وسلم لم تندب الصلاة عليه.
وتقدم فيما كتبته عليه أن العجلي قال باستحباب الصلاة عليه عند قراءة آية فيها اسم محمد صلى الله عليه وسلم.
فارجع إليه إن شئت.
(قوله: نحو نذرت لك) تمثيل للقربة المشتملة على الخطاب.
ومثله أعتقتك يا عبدي.
وقوله: أو رحمك الله تمثيل للدعاء المشتمل على الخطاب.
وقوله: ولو لميت أي ولو قال: رحمك الله لميت، فإنها تبطل.
والغاية للرد على المستثني لهذه الصورة من البطلان بالخطاب.
واستثنى مسائل غيرها أيضا ذكرها في شرح الروض، وعبارته: واستثنى الزركشي وغيره مسائل، إحداها دعاء فيه خطاب لما لا يعقل، كقوله: يا أرض، ربي وربك الله، أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما دب
عليك.
وكقوله إذا رأى الهلال: آمنت بالذي خلقك ربي وربك الله.
ثانيتها: إذا أحس بالشيطان فإنه يستحب أن يخاطبه بقوله ألعنك بلعنة الله، أعوذ بالله منك.
لانه صلى الله عليه وسلم قال ذلك في الصلاة.
ثالثتها: لو خاطب الميت في الصلاة عليه فقال: رحمك الله، عافاك الله، غفر الله لك.
لأنه لا يعد خطابا، ولهذا لو قال لامرأته: إن كلمت زيدا فأنت طالق فكلمته ميتا لم تطلق.
اه.
وساق في المغنى أيضا هذه المسائل المستثناة، ثم قال: والمعتمد خلاف ما ذكر من الاستثناء.
اه.
(قوله: ويسن لمصل) مثله المؤذن والمقيم، فالرد منهم سنة، وإن كان السلام عليهم غير مندوب، وذلك للاتباع.
(قوله: سلم عليه) الجار والمجرور نائب فاعل سلم والضمير يعود على المصلي.
أي سلم غيره عليه.
وقوله: الرد نائب فاعل يسن.
(وقوله: بالإشارة) متعلق بالرد.
وقوله: باليد متعلق بالإشارة.
(وقوله: ولو ناطقا) أي ولو كان المصلي الراد ناطقا.
(قوله: ثم بعد الخ) ظاهر صنيعه هنا أنه يجمع بين الرد بالإشارة والرد باللفظ، وسيأتي عنه في باب الجهاد أنه إن لم يرد بالإشارة في الصلاة يرد بعد الفراغ باللفظ.
وعبارته هناك: ويسن الرد لمن في الحمام وملب باللفظ، ولمصل ومؤذن ومقيم بالإشارة، وإلا فبعد الفراغ، أي وإن قرب الفصل، ولا يجب عليهم.
اه.
وصنيع التحفة يؤيد الأول فانظره.
(قوله: باللفظ) متعلق بمحذوف كالظرف الذي قبله، تقديره يرد، أن يرد بعد الفراغ باللفظ.
(قوله: ويجوز الرد) أي من المصلي، لانتفاء الخطاب فيه.
(وقوله: بقوله) أي المصلي.
(وقوله: وعليه السلام) أي بضمير الغيبة.
(وقوله: كالتشميت برحمة الله) أي كما أنه يجوز للمصلي تشميت العاطس برحمه الله، أي بضمير الغيبة.
(قوله: ولغير مصل الخ) معطوف على قوله لمصل سلم عليه.
أي ويسن لغير مصل رد إلخ.
وإنما لم يجب لأن سلام المصلي إنما ينصرف للتحليل دون التأمين المقصود من السلام الواجب رده، ولأنه حين سلم غير متأهل لخطاب غير الله تعالى حتى يلزم الرد عليه.
(قوله: ولمن عطس الخ) معطوف أيضا على لمصل.
أي ويسن لمن عطس في الصلاة أن يحمد الله تعالى ويسمع نفسه.
قال ع ش: لكن إذا وقع ذلك في الفاتحة قطع الموالاة.
اه.
وفي التحفة ما نصه: وبحث ندب تشميت مصل عطس وحمد جهرا.
اه.
وقال سم: هل يسن له أي المصلي إجابة هذا التشميت بلا خلاف.
اه.
(قوله: لا تبطل بيسير نحو تنحنح) أي من ضحك وسعال وعطاس، وإن ظهر به حرفان، ولو من كل نفخة.
اه.
نهاية.
(وقوله: عرفا) مرتبط بقوله: يسير.
أي أن العبرة في كونه يسيرا أي قليلا العرف.
والمراد أن ما يظهر في نحو التنحنح من الحروف يشترط أن يكون قليلا في العرف.
فالقلة ومثلها الكثرة - كما سيأتي - راجعان لذلك، لا لنحو التنحنح.
إذ مجرد الصوت لا يضر مطلقا.
أفاده سم.
(قوله: لغلبة عليه) أي قهر منه.
قال القليوبي: المراد من الغلبة عدم قدرته على
دفعه.
اه.
وخرج بها ما لو قصد التنحنح ونحوه، كأن تعمد السعال لما يجده في صدره فحصل منه حرفان مثلا من مرة، أو ثلاث حركات متوالية، فتبطل الصلاة به.
وهذا خصوصا في شربة التنباك كثيرا.
كذا في بشرى الكريم.
(قوله: ولا بيسير الخ) أي ولا تبطل بكلام يسير في العرف.
فإضافة يسير إلى ما بعده من إضافة الصفة للموصوف، وذلك ست
بالعرف (بسهو)، أي مع سهوه عن كونه في الصلاة بأن نسي أنه فيها، لانه (ص) لما سلم من ركعتين تكلم بقليل معتقدا الفراغ وأجابوه به مجوزين النسخ، ثم بنى هو وهم عليها.
ولو ظن بطلانه بكلامه القليل سهوا فتكلم كثيرا لم يعذر.
وخرج بيسير تنحنح لغلبة وكلام بسهو كثيرهما فتبطل بكثرتهما، ولو مع غلبة وسهو وغيره، (أو) مع (سبق لسان) إليه، (أو)
ــ
كلمات عرفية فأقل، أخذا من حديث ذي اليدين حيث قال: أقصرت الصلاة أم نسيت؟ مع قوله: بل بعض ذلك قد كان يجعل، أم نسيت كلمة واحدة عرفا، وكذا قد كان.
ومنه أيضا ما صدر من النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه قال كل ذلك لم يكن، والتفت للصحابة عند قول ذي اليدين.
بل بعض ذلك قد كان، فقال: أحق ما يقول ذو اليدين.
فقالوا: نعم.
ومجموع ذلك ست كلمات عرفية.
فقول الشارح: كالكلمتين والثلاث، ليس بقيد.
ثم رأيت سم كتب على قول ابن حجر: كالكلمتين والثلاث، ما نصه: ينبغي أن مما يغتفر القدر الواقع في خبر ذي اليدين.
(قوله: قال شيخنا إلخ) عبارته.
ويظهر ضبط الكلمة هنا بالعرف بدليل تعبيرهم ثم بحرف وهنا بكلمة، ولا تضبط الكلمة عند النحاة ولا عند اللغويين.
اه.
(قوله: بسهو) متعلق بمحذوف، حال من يسير كلام.
أي حال كونه كائنا بسهو.
(قوله: أي مع سهوه) أفاد به أن الباء بمعنى مع.
(وقوله: عن كونه) أي نفس المصلي.
(قوله: بأنه نسي أنه فيها) تصوير لسهوه أنه فيها.
ولا حاجة إليه.
واحترز بذلك عما إذا نسي تحريمه فلا يعذر.
(قوله: لانه صلى الله عليه وسلم إلخ) دليل لعدم البطلان بيسير الكلام سهوا.
(قوله: معتقدا الفراغ) هو وما بعده بيان لوجه الدلالة.
وفي المغني ما نصه: وجه الدلالة أنه تكلم معتقدا أنه ليس في الصلاة، وهم تكلموا مجوزين النسخ.
اه.
وفي القسطلاني شرح البخاري: وإنما بنى عليه الصلاة والسلام على الركعتين بعد أن تكلم لأنه كان ساهيا لظنه عليه الصلاة والسلام أنه خارج الصلاة، والكلام سهوا لا يقطعها خلافا للحنيفة.
وأما كلام ذي اليدين والصحابة فلأنهم لم يكونوا على اليقين من البقاء في الصلاة لتجويزهم نسخ الصلاة من الأربع إلى الركعتين.
وتعقب بأنهم تكلموا بعد قوله عليه الصلاة والسلام: لم تقصر.
أو أن كلامهم كان خطابا له عليه الصلاة والسلام، وهو غير مبطل عند قوم.
أو أنهم لم يقع منهم كلام إنما أشاروا إليه أي نعم.
كما في سنن أبي داود بإسناد صحيح، بلفظ: أومؤا.
اه.
وقوله: وإن كلامهم معطوف على قوله فلأنهم لم يكونوا، وليس معطوفا على ما بعد تعقب كما هو ظاهر.
(قوله: وأجابوه) أي أجاب الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: به أي بقليل الكلام.
وقوله: مجوزين النسخ أي نسخ الرباعية إلى الركعتين.
(قوله: ثم بنى هو) أي النبي صلى الله عليه وسلم.
(وقوله: وهم) أي الصحابة.
وقوله: عليها أي على الصلاة.
والأولى عليهما،
بضمير التثنية العائد على الركعتين.
قوله: ولو ظن أي المصلي.
وقوله: بطلانها أي الصلاة.
وقوله: فتكلم كثيرا أي بعد الكلام اليسير الصادر منه سهوا، وخرج ما إذا تكلم بعده بكلام يسير فإنه يعذر ولا تبطل صلاته.
لكن قال ع ش: محل عدم البطلان حيث لم يحصل من مجموع الكلامين كلام كثير متوال وإلا بطلت صلاته لأنه لا يتقاعد عن الكلام الكثير سهوا.
وقوله: لم يعذر أي فتبطل صلاته، وذلك لأن الكثير يبطل مطلقا، عمدا أو سهوا.
(قوله: وكلام بسهو) أي يسير كلام مصحوب بسهو.
وقوله: كثيرهما فاعل خرج، والضمير يعود على التنحنح والكلام.
(قوله: فتبطل) أي الصلاة.
وقوله: بكثرتهما أي بكثرة التنحنح لغلبته، وكثرة الكلام سهوا.
والكثرة في الأول إنما هي باعتبار ما يظهر فيه من الحروف، لأن مجرد الصوت لا يضر مطلقا كما مر.
وفي البجيرمي ما نصه: وحاصل تقرير المسألة كما يؤخذ من شرح م وغيره أنه يعذر في التنحنح اليسير ونحوه للغلبة، وإن ظهر حرفان.
ويعذر في التنحنح فقط لتعذر ركن قولي، وإن كثر التنحنح والحروف.
ولا يعذر في تنحنح ونحوه لغلبة إن كثر التنحنح ونحوه وكثرت الحروف لأن ذلك يقطع نظم الصلاة وهيئتها.
هكذا يجب أن يفهم.
وأيد ذلك بعض مشايخنا بقوله: سمعت ذلك من ح ل.
اه بزيادة.
(قوله: ولو مع غلبة وسهو) هذه الغاية تستدعي ركاكة في الكلام، إذ ضمير بكثرتهما يعود على التنحنح المقيد بالغلبة، وعلى الكلام المقيد بالسهو، فيكون الحل هكذا: فتبطل بكثرة التنحنح لغلبة ولو مع غلبة، وبكثرة الكلام سهوا ولو سهوا.
إلا أن يدعي أن الضمير يعود عليهما بقطع النظر عن قيديهما فلا ركاكة لكنه بعيد.
وبالجملة فلو حذفها لكان أولى.
(وقوله: وغيره) أي غير المذكورين من الغلبة والسهو، وذلك كسبق اللسان والجهل بالتحريم.
(قوله: أو مع سبق لسان) معطوف
مع (جهل تحريمه) أي الكلام فيها (لقرب إسلام) وإن كان بين المسلمين، (أو بعد عن العلماء) أي عمن يعرف ذلك.
ولو سلم ناسيا ثم تكلم عامدا - أي يسيرا - أو جهل تحريم ما أتى به مع علمه بتحريم جنس الكلام أو كون التنحنح مبطلا مع علمه بتحريم الكلام، لم تبطل لخفاء ذلك على العوام.
ــ
على بسهو.
والأولى كما تقدم غير مرة التعبير بالباء فيه وفيما بعده، وإن كانت بمعنى مع.
وقوله: إليه أي إلى الكلام اليسير.
(قوله: أو مع جهل تحريمه) معطوف على بسهو أيضا.
وقوله: أي الكلام تفسير لضمير تحريمه.
والمراد تحريم الكلام مطلقا، ما أتى به وغيره.
أما تحريم ما أتى به فقط فسيذكره.
وقوله: فيها أي في الصلاة.
(قوله: لقرب إسلام) أي لأن معاوية بن الحكم رضي الله عنه تكلم جاهلا بذلك، ومضى في صلاته بحضرته صلى الله عليه وسلم.
وهو مع ما بعده قيد في عدم البطلان مع جهل التحريم.
أي أن محل ذلك إذا عذر في جهله بأن قرب الخ، بخلاف ما لو بعد إسلامه وقرب من العلماء فتبطل صلاته لعدم عذره بسبب تقصيره بترك التعلم.
واعلم أن أعذار الجاهل من باب التخفيف لا من حيث جهله، وإلا كان الجهل خيرا من العلم إذا كان يحط عن
العبد أعباء التكليف أي ثقله، ويريح قلبه عن ضروب التعنيف.
مع أنه لا عذر للعبد في جهله بالحكم بعد التبليغ والتمكين.
(قوله: وإن كان بين المسلمين) أي وإن كان نشأ بين المسلمين.
والغاية للرد.
قال في التحفة: وبحث الأذرعي أن من نشأ بيننا ثم أسلم لا يعذر وإن قرب إسلامه لأنه لا يخفى عليه أمر ديننا.
اه.
ويؤخذ من علته أن الكلام في مخالط قضت العادة فيه بأنه لا يخفى عليه ذلك.
اه.
(قوله: أو بعد إلخ) هو بصيغة المصدر، معطوف على قرب، أي أو لعبد عنهم.
قال في التحفة: ويظهر ضبط البعد بما لا يجد مؤنة يجب بذلها في الحج توصله إليه.
ويحتمل أن ما هنا أضيق لأنه واجب فوري أصالة، بخلاف الحج.
وعليه فلا يمنع الوجوب إلا الأمر الضروري لا غير، فيلزمه مشي أطاقه وإن بعد، ولا يكون نحو دين مؤجل عذرا له، ويكلف بيع نحو قنه الذي لا يضطر إليه.
اه.
والمراد بالعلماء هنا العالمون بذلك الحكم المجهول، وإن لم يكونوا علماء عرفا.
فقول الشارح: أي عمن يعرف ذلك، بيان للمراد بالعلماء هنا.
(قوله: ولو سلم ناسيا) أي لشئ من صلاته، كأن سلم من ركعتين ظانا كمال صلاته.
(وقوله: ثم تكلم عامدا) أي بناء على ظن أنها كملت.
وقوله: أي يسيرا لا حاجة للفظ أي فالأولى حذفها.
(قوله: أو جهل الخ) معطوف على سلم ناسيا.
وقوله: تحريم ما أتى به أي من الكلام اليسير.
وخرج بجهله تحريم ذلك ما لو علمه وجهل كونه مبطلا فتبطل به.
كما لو علم تحريم شرب الخمر دون إيجابه الحد فإنه يحد، إذ كان حقه بعد العلم بالتحريم الكف.
(قوله: مع علمه بتحريم جنس الكلام) قال سم على حجر: يؤخذ من ذلك بالأولى صحة صلاة نحو المبلغ والفاتح بقصد التبليغ، والفتح فقط الجاهل بامتناع ذلك وإن علم امتناع جنس الكلام.
فتأمله.
اه.
ثم إن في الكلام مضافين محذوفين، أي مع علمه بتحري بعض أفراد جنس الكلام، وبه يندفع ما استشكله بعضهم من أن الجنس لا تحقق له إلا في ضمن أفراده.
فكيف يتصور جهله بتحريم ما أتى مع علمه بذلك؟ ويمكن أن يندفع أيضا بأن المراد بالجنس الحقيقة في ضمن بعض مبهم.
(قوله: أو كون التنحنح مبطلا) معطوف على تحريم ما أتى به، أي أو جهل كون التنحنح مبطلا، أي وإن كان مخالطا للمسلمين، كما في الكردي.
(قوله: لم تبطل) أي الصلاة، وهو جواب لو.
(قوله: لخفاء ذلك على العوام) تعليل لعدم البطلان.
وظاهر صنيعه أنه تعليل له بالنسبة للمسائل الثلاث، أعني ما لو سلم ناسيا، وما لو جهل تحريم ما أتى به، وما لو جهل كون التنحنح مبطلا.
وأن اسم الإشارة فيه راجع للمذكور منها كلها، وذلك لا يصح.
أما بالنسبة للمسألة الأولى فواضح، إذ ليس فيها جهل أصلا حتى يعلل ما تضمنته بخفائه على العوام.
وكذا بالنسبة للمسألة الثانية، فيتعين أن يكون
تعليلا له بالنسبة للمسألة الأخيرة فقط، وعليه يكون اسم الإشارة راجعا لمجموع ما تقدم منها.
نعم إن كان ما أتى به مما يجهله أكثر العوام، وجرينا على عدم اشتراط قربه من الإسلام أو بعده عن العلماء، حينئذ فإنه يصح بالنسبة للمسألة
(و) تبطل (بمفطر) وصل لجوفه وإن قل، وأكل كثير سهوا وإن لم يبطل به الصوم، فلو ابتلع نخامة نزلت من رأسه لحد الظاهر من فمه، أو ريقا متنجسا بنحو دم لثته، وإن ابيض، أو متغيرا بحمرة نحو تنبل، بطلت.
أما الاكل القليل عرفا - ولا يتقيد بنحو سمسمة - من ناس، أو جاهل معذور، ومن مغلوب، كأن نزلت نخامته لحد الظاهر وعجز عن مجها، أو جرى ريقه بطعام بين أسنانه وقد عجز عن تمييزه ومجه، فلا يضر للعذر.
(و) تبطل
ــ
الثانية أيضا.
وكتب الكردي ما نصه: قوله: وكالجاهل من جهل تحريم ما أتى به إلخ، قضيته اشتراط كونه قريب عهد بالإسلام، أو نشأ بعيدا عن العلماء، وهو كذلك في بعض نسخ شرح الروض.
ويصرح به كلام شرح المنهج.
وظاهر كلام أصل الروضة عدم اشتراط ذلك.
وبحث في التحفة الجمع بينهما بحمل الثاني على أن يكون ما أتى به مما يجهله أكثر العوام فيعذر مطلقا، والأول على أن يكون مما يعرفه أكثرهم فلا يعذر إلا بأحد الشرطين المتقدمين.
اه.
واقتصر في المغني على المسألة الأخيرة، وعللها بالتعليل المذكور.
ونص عبارته: لو جهل بطلانها بالتنحنح مع علمه تحريم الكلام فمعذور لخفاء حكمه على العوام.
اه.
وذلك مؤيدا لما قلناه، فتفطن.
(قوله: وتبطل بمفطر وصل لجوفه) أي لشدة منافاته لها، لأن ذلك يشعر بالإعراض عنها.
وتبطل بذلك ولو بلا حركة فم إذ هي وحدها فعل يبطل كثيره.
(قوله: وإن قل) أي المفطر، كسمسمة، وكأن نكش أذنه بشئ فوصل باطنها فتبطل الصلاة به.
والغاية للرد على القائل بعدم بطلانها القليل كسائر الأفعال القليلة.
(قوله: وأكل) بضم الهمزة بمعنى مأكول، وعطفه على مفطر من عطف المغاير إن نظر للقيد، أعني قوله سهوا.
فإن لم ينظر إليه كان من عطف الخاص على العام.
وفي البجيرمي قال ع ش: ولا يضر عطفه على المفطر لأنه يضر، وإن لم يكن مفطرا فلا يستفاد منه، فتعين ذكره.
اه.
(وقوله: سهوا) أي أو جهلا بتحريمه، ولو عذر فيه.
(وقوله: وإن لم يبطل به الصوم) الواو للحال، وأن زائدة.
أي والحال أن الصوم لا يبطل به.
والفرق أن للصلاة حالة تذكر بها، بخلاف الصوم.
(قوله: فلو ابتلع الخ) تفريع على بطلانها بمفطر (وقوله: نخامة) هي الفضلة الغليظة يلفظها الشخص من فيه، ويقال لها أيضا نخاعة بالعين.
(قوله: نزلت من رأسه) أي وأمكنه مجها ولم يفعل.
ونزولها من الرأس ليس بقيد، بل مثله ما لو طلعت من جوفه ووصلت لحد الظاهر (وقوله: من فمه) حال من حد الظاهر.
(قوله: أو ريقا متنجسا) معطوف على نخامة.
أي أو ابتلع ريقا متنجسا.
(وقوله: بنحو دم لثته) متعلق بمتنجسا.
واندرج تحت نحو القئ وأكل شئ نجس.
(قوله: وإن ابيض) هو بتشديد الضاد، فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر يعود على الريق.
وفي بعض نسخ الخط: وإن كان أبيض.
وعليه يحتمل أن يكون وصفا خبر كان، وأن يكون فعلا والجملة خبر.
(قوله: أو متغيرا) معطوف على متنجسا.
أي أو ابتلع ريقا متغيرا.
(وقوله: بحمرة نحو تنبل) أي أو بسواد
نحو قهوة، أو خضرة نحو قات.
واستقرب ع ش عدم بطلانها بتغيره بسواد القهوة، وقياسه يقال في المتغير بحمرة وخضرة ما مر.
ونص عبارته: مجرد الطعم الباقي من أثر الطعام لا أثر له لانتفاء وصول العين إلى جوفه، وليس مثل ذلك الأثر الباقي بعد شرب القهوة مما يغير لونه أو طعمه فيضر ابتلاعه، لأن تغير لونه يدل على أنه عينا، ويحتمل أن يقال بعدم الضرر لأن مجرد اللون يجوز أن يكون اكتسبه الريق من مجاورته الأسود مثلا.
وهذا هو الأقرب أخذا مما قالوه في طهارة الماء إذا تغير بمجاور.
اه ببعض تغيير.
(قوله: بطلت) جواب لو.
وإنما بطلت بذلك للقاعدة أن كل ما أبطل الصوم أبطل الصلاة.
(قوله: أما الأكل القليل) مفهوم قوله كثير.
(قوله: ولا يتقيد) أي القليل بنحو سمسمة، بل المعتبر العرف.
فما يعده العرف قليلا فهو قليل وما يعده كثيرا فهو كثير.
(قوله: من ناس) متعلق بمحذوف خال من الأكل، أي حال كونه واقعا من ناس الخ.
(قوله: أو جاهل معذور) أي بأن قرب عهده بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة عن العلماء.
(قوله: ومن مغلوب) معطوف على من ناس.
والمراد به المقهور على وصوله للجوف.
وقوله: كأن نزلت الخ تمثيل له.
وقوله: لحد الظاهر هو مخرج الخاء عند النووي، والحاء عند الرافعي.
اه بجيرمي.
(قوله: وعجز عن مجها) أي بأن لم يمكنه إمساكها وقذفها.
قال ع ش: أو أمكنه ونسي كونه في الصلاة، أو جهل تحريم ابتلاعها.
اه.
(قوله: أو
(بزيادة ركن فعلي عمدا) لغير متابعة، كزيادة ركوع أو سجود وإن لم يطمئن فيه.
ومنه - كما قال شيخنا -: أن ينحني الجالس إلى أن تحاذي جبهته ما أمام ركبتيه ولو لتحصيل توركه، أو افتراشه المندوب، لان المبطل لا يغتفر للمندوب.
ويغتفر القعود اليسير بقدر جلسة الاستراحة قبل السجود، وبعد سجد التلاوة، وبعد سلام إمام مسبوق في غير محل تشهده.
أما وقوع الزيادة سهوا أو جهلا عذر به فلا يضر، كزيادة سنة نحو رفع اليدين
ــ
جرى الخ) معطوف على نزلت.
أي وكأن جرى ريقه بالطعام الذي بين أسنانه إلى جوفه قهرا عنه.
(قوله: وقد عجز عن تمييزه) أي تمييز الطعام من الريق، أو المراد به فصله من فمه.
وقوله: ومجه عطفه على ما قبله مغاير على الأول ومرادف على الثاني.
وخرج بذلك ما إذا أمكنه ذلك وبلعه فإنه يضر.
(قوله: وتبطل بزيادة إلخ) أي وبتقديمه على غيره أيضا لتلاعبه، ولأنه يخل بنظم الصلاة.
وقوله: ركن إلخ ذكر للبطلان أربعة قيود: كون ما زاده ركنا، وكون الركن فعليا، وكونه عمدا، ولغير المتابعة.
وبقي عليه قيود ثلاثة: أن لا يكون جلوسا خفيفا عهد في الصلاة، وهذا يستفاد من قوله: ويغتفر القعود اليسير إلخ.
وأن يكون عالما بالتحريم، وهذا يستفاد من ذكر محترزه بقوله: أو جهلا عذر به، ولعله سقط من النساخ.
وأن يكون ما أتى به أولا معتدا به، وخرج بهذا الأخير ما لو سجد على ما يتحرك بحركته ثم رفع وسجد ثانيا فإنه لا يضر لعدم الاعتداد بالأول.
قال البجيرمي: وينبغي إن محل عدم الضرر فيه إذا لم يطل زمن سجوده على ذلك، وإلا ضر.
اه.
(قوله: عمدا) حال من زيادة.
أي حال كون تلك الزيادة وقعت عمدا.
(قوله: لغير متابعة) متعلق بزيادة، أو متعلق بمحذوف حال منها.
(قوله: كزيادة ركوع الخ) قال ع ش: مفهومه أنه لو انحنى إلى حد لا تجزئه فيه
القراءة بأن صار إلى الركوع أقرب منه للقيام عدم البطلان لأنه لا يسمى ركوعا.
ولعله غير مراد، وأنه متى انحنى حتى خرج عن حد القيام عامدا عالما بطلت صلاته، ولو لم يصل إلى حد الركوع، لتلاعبه.
ومثله يقال في السجود.
اه.
(قوله: وإن لم يطمئن فيه) أي في المذكور من الركوع والسجود، والغاية للبطلان بذلك.
(قوله: ومنه) أي ومن المبطل.
وقوله: أن ينحني إلخ خالف الرملي وغيره في كون هذا الانحناء مبطلا، كما في الكردي.
ونص عبارته: رأيت في فتاوي الجمال الرملي: لا تبطل صلاته بذلك إلا إن قصد به زيادة ركوع.
اه.
وقال القليوبي: لا يضر وجوده، أي صورة الركوع في توركه وافتراشه في التشهد، خلافا لابن حجر.
اه.
وقوله: أي صورة الركوع أي للمصلي جالسا.
(قوله: ولو لتحصيل توركه أو افتراشه) أي تبطل بالانحناء المذكور، ولو كان صادرا منه لأجل تحصيل إلخ.
وقوله: المندوب صفة لكل من توركه أو افتراشه.
وإفراد الصفة لكون العطف بأو.
والتورك المندوب يكون في تشهد يعقبه سلام، والافتراش المندوب يكون في تشهلا يعقبه ذلك كما مر.
(قوله: لأن المبطل إلخ) علة لبطلانها به إذا كان لتحصيل ما ذكر.
قال في التحفة: ولا ينافي ذلك ما يأتي في الانحناء لقتل نحو الحية، لأن ذاك لخشية ضرره صار بمنزلة الضروري.
وسيأتي اغتفار الكثير الضروري، فأولى هذا.
اه.
(قوله: ويغتفر القعود) قال م ر: وإنما اغتفر لأن هذه الجلسة عهدت في الصلاة غير ركن بخلاف نحو الركوع لم يعهد فيها إلا ركنا، فكان تأثيره في تغيير نظمها أشد.
اه.
ومثله في فتح الجواد والمغنى.
وقوله: اليسير هو ما يسع الذكر الوارد في الجلوس بين السجدتين ودون أقل التشهد.
فقوله: بقدر جلسة الاستراحة بيان له، فهو خبر لمبتدأ محذوف.
أي وهو بقدر إلخ.
ولو صرح به أو قال بأن كان بقدر الخ لكان أولى، لإيهام عبارته أنه قيد لا بيان، مع أنه ليس كذلك.
وعبارة التحفة: كأن كان بقدر الخ، اه.
وهي ظاهرة.
(قوله: قبل السجود) متعلق بمحذوف حال من القعود، أي حال كون القعود واقعا منه قبل السجود.
وعبارة التحفة: بعد هويه وقبل سجوده، أو عقب سجود تلاوة أو سلام إمام في غير محل جلوسه، بخلافه قبل الركوع مثلا، فإنه بمجرده، بل بمجرد خروجه عن حد القيام في الفرض تبطل وإن لم يقم.
اه.
وقوله: بخلافه أي تعمد الجلوس.
اه سم.
(قوله: وبعد سجدة التلاوة) أي عقبها.
والأولى التعبير به.
(قوله: وبعد سلام إمام إلخ) أي ويغتفر القعود اليسير لمسبوق بعد سلام إمامه في غير محل تشهده الأول، فإن طوله بطلت صلاته.
وقوله: في غير محل تشهده قيد في الأخير، وهو
في غير محله، أو ركن قولي كالفاتحة، أو فعلي للمتابعة، كأن ركع أو سجد قبل إمامه ثم عاد إليه.
(و) تبطل (باعتقاد) أو ظن (فرض) معين من فروضها (نفلا) لتلاعبه، لا إن اعتقد العامي نفلا من أفعالها فرضا، أو علم أن فيها فرضا ونفلا ولم يميز بينهما، ولا قصد بفرض معين النفلية، ولا إن اعتقد أن الكل فروض.
ــ
متعلق بالقعود اليسير، كما يعلم من الحل السابق.
وخرج به ما إذا قعد بعد سلام إمامه في محل تشهد فيغتفر مطلقا، ولا
يتقيد بيسير ولا كثير.
نعم يكره تطويله، كما نص عليه في النهاية قبيل باب شروط الصلاة، ونصها: أما المسبوق فيلزمه أن يقوم عقب تسليمتيه فورا إن لم يكن جلوسه مع الإمام محل تشهده، فإن مكث عامدا عالما بالتحريم قدرا زائدا على جلسة الاستراحة بطلت صلاته، أو ناسيا أو جاهلا فلا، فإن كان محل تشهده لم يلزمه ذلك لكن يكره تطويله.
اه.
(قوله: أما وقوع الزيادة الخ) شروع في أخذ محترزات القيود السابقة على اللف والنشر المشوش.
ولو قال كعادته: وخرج بقولي كذا الخ، لكان أولى.
وقوله: سهوا حال من الزيادة.
قال ع ش: ومن ذلك ما لو سمع المأموم وهو قائم تكبيرا فظن أنه إمامه فرفع يديه للهوي وحرك رأسه للركوع ثم تبين له الصواب فكف عن الركوع فلا تبطل صلاته، لأن ذلك في حكم النسيان.
ومن ذلك ما لو تعددت الأئمة بالمسجد فسمع المأموم تكبيرا فظنه تكبير إمامه فتابعه، ثم تبين له خلافه فيرجع إلى إمامه، ولا يضره ما فعله للمتابعة لعذره فيه، وإن كثر.
اه.
(قوله: عذر به) أي بالجهل بأن كان قريب عهد بالإسلام أو بعد عن العلماء كما مر.
وذلك لأنه حينئذ كالنسيان.
(قوله: فلا يضر) جواب أما.
وذلك لانه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسا ولم يعد الصلاة بل سجد للسهو.
(قوله: كزيادة الخ) الكاف للتنظير في عدم الضرر، وهذا محترز قوله: سنة ركن.
وقوله: مضاف لما بعده وهي للبيان.
وقوله: نحو رفع اليدين انظر ما اندرج تحت نحو، فإن كان المراد به جلسة الاستراحة بعد سجدة التلاوة أو قبل السجود فقد تقدمت، فالأولى حذف لفظ نحو.
ومحل عدم الضرر برفع اليدين - كما في سم - إذا لم يكثر ويتوال، وإلا ضر.
وقوله: في غير محله متعلق بزيادة ومحل الرفع عند التحرم، وعند الركوع، وعند الاعتدال، وعند القيام من التشهد الأول.
كما مر.
(قوله: أو ركن قولي) محترز قوله: فعلي.
وهو معطوف على سنة.
أي وكزيادة ركن قولي.
والمراد به ما عدا تكبيرة الإحرام والسلام، أما هما فزيادتهما مبطلة.
(قوله: أو فعلي للمتابعة) أي أو زيادة ركن فعلي لأجل متابعة إمامه.
(قوله: كأن ركع إلخ) أي وكأن رفع المصلي منفردا رأسه من الركوع فاقتدى بمن لم يركع ثم أعاد الركوع معه فإنه لا تبطل به صلاته.
وقوله: ثم عاد إليه أي إلى إمامه ليركع معه أو يسجد.
والعود سنة إن صدر منه ذلك على سبيل العمد، فإن صدر منه على سبيل السهو تخير بين العود وعدمه كما مر.
(قوله: وتبطل باعتقاد إلخ) يشترط لبطلان الصلاة في الركن الفعلي ثلاثة شروط.
أن يعتقده أو يظنه نفلا، وأن يفعله على هذا الاعتقاد أو الظن، وأن يكون ذلك اعتقاد الشخص نفسه.
فلا يبطل صلاة المأموم اعتقاد إمامه.
وفي الركن القولي يزاد شرط رابع وهو: شروعه في فعلي بعده.
أما لو أعاده في محله لا بينة نفل فلا بطلان، كما في فتح الجواد.
اه.
كردي.
وقوله: معين لبيان الواقع لا للاحتراز، إذ لا يتصور اعتقاد أو ظن فرض مبهم نفلا.
وقوله: من فروضها أي
الصلاة.
وقوله: نفلا مفعول لكل من اعتقاد ومن ظن.
(قوله: لتلاعبه) علة البطلان.
(قوله: لا إن اعتقد الخ) أي لا تبطل إن اعتقد.
وقوله: العامي هو من لم يحصل من الفقه شيئا يهتدي به إلى الباقي.
وقيل: المراد به هنا من لم يميز فرائض صلاته من سننها، والعالم من يميز ذلك.
وقيل: هو من يشتغل بالعلم زمنا تقضي العادة بأن يميز فيه بين الفرض والنفل، وبالعالم من اشتغل بالعلم زمنا تقضي العادة فيه بأن يميز الفرض والنفل.
وقوله: نفلا من أفعالها، أي الصلاة.
وقوله: فرضا مفعول ثان لاعتقد.
(قوله: أو علم الخ) معطوف على اعتقد، وفاعل الفعل يعود على العامي.
أي ولا تبطل إن علم العامي أن في الصلاة فرضا ونفلا.
وقوله: ولم يميز بينهما أي بين الفرض والنفل.
والجملة حال من فاعل علم.
(قوله: ولا قصد الخ) معطوف على ولم يميز، فهو حال ثانية إذ المعطوف على الحال حال.
قوله: ولا إن اعتقد الخ أي ولا تبطل إن اعتقد العامي أن أفعال الصلاة كلها فروض.
ومثل العامي في هذه الصورة العالم على
(تنبيه) ومن المبطل أيضا حدث ولو بلا قصد، واتصال نجس لا يعفى عنه إلا إن دفعه حالا، وانكشاف عورة إلا إن كشفها ريح فستر حالا، وترك ركن عمدا، وشك في نية التحرم أو شرط لها مع مضي ركن قولي أو فعلي أو طول زمن.
وبعض القولي ككله مع طول زمن شك، أو مع قصره، ولم يعد ما قرأه فيه.
ــ
الوجه، كما تقدم للشارح في أواخر شروط الصلاة.
وعلل عدم البطلان من العالم في هذه الصورة - في الفتح - بأنه ليس فيها أكثر من أنه أدى سنة باعتقاد الفرض، وذلك لا يؤثر.
(قوله: ومن المبطل أيضا حدث الخ) لو قال في المنهج عروض مناف لها لكان أولى، ليشمل كل ما يبطلها من انتهاء مدة الخف والرد واستدبار القبلة وغيذلك.
(قوله: ولو بلا قصد) أي ولو خرج منه الحدث بغير قصد فإنه يبطل الصلاة للخبر الصحيح: إذا فسا أحدكم في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليعد صلاته.
(قوله: واتصال نجس) أي ومن المبطل أيضا اتصال نجس - أي بالمصلى - بدنا وثوبا ومكانا.
وخرج بالاتصال المحاذاة فلا يضر نجس يحاذيه لعدم ملاقاته له، فصار كما لو صلى على بساط طرفه نجس فإن صلاته صحيحة، وإن عد ذلك مصلاه.
وخرج بالجار والمجرور الذي زدته اتصاله بما هو متصل بالمصلي، فإن فيه تفصيلا مر، وحاصله أنه إن كان مع حمل لذلك بطلت، وإلا فلا.
كما لو وضع أصبعه على حجر تحته نجاسة ونحاها به من غير حمل له.
وقوله: لا يعفى عنه خرج به المعفو عنه، كذرق الطيور في المكان بالشروط المارة من عموم البلوى، وعدم تعمد الصلاة عليه، وعدم وجود رطوبة.
(قوله: إن دفعه حالا) أي إلا إن دفع المصلي النجس عنه حالا فإنه لا بطلان.
وصورة دفعه حالا أن يلقي الثوب فيما إذا كان النجس رطبا، وأن ينفضه فيما إذا كان يابسا.
ولا يجوز له أن ينحيها بيده أو كمه أو بعود على أصح الوجهين، فإن فعل بطلت صلاته.
وفي ابن قاسم صورة إلقاء الثوب في الرطب أن يدفع الثوب من مكان طاهر منه إلى أن يسقط، ولا يرفعه بيده ولا يقبضه بيده ويجره.
وصورة نفضه في اليابس أن يميل محل النجاسة حتى
تسقط.
اه.
(قوله: وانكشاف عورة) أي ومن المبطل انكشاف عورة المصلي.
(قوله: إلا إن كشفها الخ) أي فلا بطلان.
وقوله: ريح أي أو حيوان أو آدمي غير مميز، أما المميز فيؤثر كشفه لها، وذلك لأن له قصدا فيبعد إلحاقه بالريح.
بخلاف غير المميز فإنه لما لم يكن له قصد أمكن إلحاقه به.
كذا في ع ش.
(قوله: وترك ركن عمدا) أي ومن المبطل أيضا ترك ركن عمدا، ولو قوليا، لما مر من إخلاله بنظم الصلاة.
وخرج بقوله عمدا الترك سهوا فلا يبطل لعذره، وإنما يتداركه إن لم يفعل مثله من ركعة أخرى، وإلا قام مقامه ولغا ما بينهما وأتى بركعة كما تقدم غير مرة.
(قوله: وشك في نية التحرم) أي ومن المبطل أيضا شك المصلي في نية التحرم، كأن شك هل نوى أو لا؟ والشك في التحرم كالشك في النية.
(قوله: أو شرط لها) أي أو شك في شرط للنية فيبطلها.
وشروطها ثلاثة، نظمها بعضهم في قوله: يا سائلي عن شروط النية القصد والتعيين والفرضيه وقد مر ذلك.
فلو شك هل عين أو لا؟ أو هل نوى الفرض أو لا؟ ضر ذلك بالقيود الآتية.
(قوله: مع مضي إلخ) قيد لبطلان الصلاة بالشك في النية أو شرطها.
فلو فقد بأن تذكر الإتيان بما شك فيه قبل مضي ركن وقبل طول زمن فلا بطلان.
وقوله: ركن قولي أي كالفاتحة.
وقوله: أو فعلي أي كالاعتدال.
(قوله: أو طول زمن) أي أو مع طول زمن الشك.
قال الشرقاوي: وطوله بأن يسع ركنا، وقصره بأن لا يسعه، كأن خطر له خاطر فزال سريعا.
اه.
(قوله: وبعض القولي إلخ) أي ومضي بعض الركن القولي كمضي كله فتبطل به الصلاة، لكن إن طال زمن الشك أو لم يطل، ولكنه لم يعد ما قرأه فيه.
(قوله: ولم يعد ما قرأه فيه) أي في زمن الشك القصير.
قال في فتح الجواد: وقول ابن عبد السلام: يعتد بما قرأ مع الشك.
ضعيف.
اه.
والحاصل أن الصلاة تبطل إذا شك في النية أو في شرطها بأحد ثلاثة أشياء.
بمضي ركن مطلقا، أو طول زمن وإن لم يتم معه ركن، أو لم يعد ما قرأه في حالة الشك وإن لم يطل الزمن ولم يمض ركن.
وتصح فيما إذا تذكر قبل إتيانه بركن.
أو قبل طول الزمن، وأعاد ما قرأه في حالة الشك، لكثرة عروض مثل ذلك.
(قوله:
(فرع) لو أخبره عدل رواية بنحو نجس أو كشف عورة مبطل لزمه قبوله، أو بنحو كلام مبطل فلا.
(وندب لمنفرد رأى جماعة) مشروعة (أن يقلب فرضه) الحاضر لا الفائت (نفلا) مطلقا، (ويسلم من ركعتين) إذا لم يقم لثالثة، ثم يدخل في الجماعة.
نعم، إن خشي فوت الجماعة إن تمم ركعتين استحب له قطع الصلاة واستئنافها جماعة.
ذكره في المجموع.
وبحث البلقيني أنه يسلم ولو من ركعة، أما إذا قام لثالثة أتمها
ــ
عدل رواية) الفرق بينه وبين عدل الشهادة: أن الأول شامل للعبد والمرأة، بخلاف الثاني فإنه خاص بالحر الذكر.
(قوله: بنحو نجس) أي كحدث.
(قوله: أو كشف عورة) عطف على نحو، أي أو أخبره عدل بكشف عورته.
وقوله: مبطل صفة لكل من النجس وكشف العورة.
واحترز به عن النجس غير المبطل وهو المعفو عنه، وعن كشف العورة غير المبطل كأن كشفها الريح فسترها حالا، فإنه لا فائدة في الإخبار به وقبوله.
(قوله: أو بنحو كلام مبطل) معطوف على نحو
نجس أيضا.
أو أخبره عدل بكلام مبطل ونحوه، كالنطق بحرفين أو حرف مفهم، وكالفعل المبطل.
وقوله: فلا أي فلا يلزمه قبوله.
قال في التحفة: والفرق - أي بين نحو الكلام ونحو النجس -: أن فعل نفسه لا يرجع فيه لغيره، وينبغي أن محله فيما لا يبطل سهوه، لاحتمال أن ما وقع منه سهو.
أما هو كالفعل أو الكلام الكثير فينبغي قبوله فيه لأنه حينئذ كالنجس.
اه.
(قوله: وندب لمنفرد) أي بشروط يعلم معظمها من كلامه: الأول: أن يكون منفردا، فلو كان في جماعة لا يجوز له قلبها نفلا والدخول في جماعة أخرى.
أما لو نقل نفسه إلى الأخرى من غير قلب فإنه يجوز من غير كراهة إن كان بعذر، وإلا كره.
كما سيصرح به في فصل صلاة الجماعة.
الثاني: أن يرى جماعة يصلي معهم، فلو لم يرها حرم القلب.
الثالث: أن تكون الجماعة مشروعة، أي مطلوبة.
فلو لم تكن مشروعة، كما لو كان يصلي الظهر فوجمن يصلي العصر فلا يجوز له القلب، كما ذكره في المجموع.
الرابع: أن لا يكون الإمام ممن يكره الاقتداء به لبدعة أو غيرها، كمخالفة في المذهب، فإن كان كذلك لم يندب القلب بل يكره.
الخامس: أن يكون في ثلاثية أو رباعية.
فلو كان في ثنائية لم يندب القلب بل يباح.
السادس: أن لا يقوم لثالثة، فلو قام لها لم يندب القلب بل يباح كالذي قبله.
السابع: أن يتسع الوقت بأن يتحقق إتمامها فيه لو استأنفها، فإن علم وقوع بعضها خارجة، أو شك في ذلك، حرم القلب.
فعلم مما تقرر أن القلب تعتريه الأحكام الخمسة ما عدا الوجوب.
(قوله: لا الفائت) مفهوم الحاضر.
فلو كان يصلي فائتة والجماعة القائمة حاضرة أو فائتة ليست من جنس التي يصليها حرم القلب، فإن كانت من جنسها كظهر خلف ظهر لم يندب بل يجوز.
كذا في الروض وشرحه.
(قوله: نفلا مطلقا) أي غير معين.
فلو قلبها نفلا معينا كركعتي الضحى لم يصح.
(قوله: ويسلم من ركعتين) هذا يفيد اشتراط كون الصلاة ثلاثية أو رباعية، إذ لا يتصور السلام من ركعتين إلا إذا كانت كذلك.
(قوله: إذا لم إلخ) متعلق بيقلب، وهو قيد لا بد منه كما علمت.
(قوله: ثم يدخل) معطوف على يسلم.
(قوله: نعم، إن خشي إلخ) تقييد لندب القلب والسلام من ركعتين.
فكأنه قال: محل ذلك إذا لم يخف فوت الجماعة التي رآها لو قلب وسلم من ركعتين، فإن خاف ذلك لم يفعل
بل يقطعها ويصليها مع الجماعة.
(قوله: وبحث البلقيني أنه يسلم) أي بعد قلبها نفلا.
وقوله: ولو من ركعة وعليه
ندبا إن لم يخش فوت الجماعة، ثم يدخل في الجماعة.
ــ
لا يشترط أن تكون ثلاثية أو رباعية.
(قوله: أما إذا قام لثالثة إلخ) محترز إذا لم يقم لثالثة.
(قوله: أتمها ندبا) فلو خالف وقلبها نفلا وسلم لم يندب ولكنه يجوز كما مر.
(قوله: إن لم يخش فوت الجماعة) فإن خشي فوتها قطعها واستأنفها مع الجماعة.
(قوله: ثم يدخل في الجماعة) معطوف على جملة أتمها.
(تتمة) لو كان يصلي الفائتة وخاف فوت الحاضرة قلبها نفلا وجوبا واشتغل بالحاضرة.
ولو كان يصلي في النافلة وخاف فوت الجماعة قطعها ندبا.
نعم، إن رجا جماعة غيرها تقام عن قرب، والوقت متسع، فالأولى إتمام نافلته ثم يصلي الفريضة معها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل في الاذان والاقامة
هما لغة: الاعلام.
وشرعا: ما عرف من الالفاظ المشهورة فيهما.
والاصل فيهما الاجماع المسبوق برؤية
ــ
فصل في الأذان والإقامة أي في بيان حكمهما وشروطهما وسننهما.
(قوله: هما لغة: الإعلام) فيه أن الاذ فقط لغة: الإعلام.
قال تعالى: * (وأذن في الناس بالحج) * أي أعلمهم به.
وأما الإقامة فهي لغة: مصدر أقام، أي حصل القيام.
فهما مختلفان لغة، كما في التحفة والنهاية والمغنى.
فكان الأولى أن يزيد.
وتحصيل القيام.
ويكون على التوزيع الأول للأول والثاني للثاني.
ثم رأيت في فتح الجواد مثل ما ذكره الشارح فلعله تبعه في ذلك.
ولكن الإيراد باق ويكون عليهما.
واعلم أن الأذان والإقامة من خصوصيات هذه الأمة، كما قال السيوطي.
وشرعا في السنة الأولى من الهجرة، كما في ع ش.
وهما مجمع عليهما.
والأذان أفضل من الإقامة وإن ضمت إليها الإمامة على الراجح.
فإن قيل: أنه صلى الله عليه وسلم كان يؤم ولم يؤذن.
أجيب: بأنه عليه السلام كان مشغولا بما هو أهم، أو أنه لو أذن لوجب الحضور على كل من سمعه.
وإنما كان الأذان أفضل من الإمامة لأنه ورد أن المؤذن أمين والإمام ضمين، والأمين أشرف.
وسيأتي الكلام على ذلك.
واختلفوا في كيفية مشروعيتهما، فقيل: فرضا كفاية لأنهما من الشعائر الظاهرة، وفي تركهما تهاون بالدين، وعليه فيقاتل أهل بلد تركوهما.
والأصح أنها سنة عين للمنفرد وكفاية للجماعة، كالتسمية عند الأكل وعند الجماع، والتضحية من أهل بيت، وابتداء سلام، وتشميت عاطس، وما يفعل بالميت من المندوب.
وقد نظم سنن الكفاية بعضهم بقوله: أذان وتشميت وفعل بميت إذا كان مندوبا وللأكل بسملا
وأضحية من أهل بيت تعددواوبدء سلام والإقامة فاعقلا فذي سبعة إن جابها البعض يكتفي ويسقط لوم عن سواه تكملا (قوله: وشرعا) معطوف على لغة.
وقوله: ما عرف من الألفاظ المشهورة وهي: الله أكبر الله أكبر، إلخ.
وهي كما قال القاضي عياض: كلمات جامعة لعقيدة الإيمان، مشتملة على نوعيه العقلية والسمعية، فأولها فيه إثبات ذاته تعالى وما تستحقه من الكمال، بقوله: الله أكبر.
أي أعظم من كل شئ.
ثم الشهادة بالوحدانية له تعالى بقوله: أشهد أن لا إله إلا الله، وبالرسالة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: أشهد أن محمدا رسول الله.
ثم الدعاء إلى الصلاة بقوله: حي على الصلاة.
أي أقبلوا عليها ولا تكسلوا عنها، فحي اسم فعل أمر بمعنى أقبلوا.
ثم الدعاء إلى الفلاح بقوله: حي على الفلاح.
أي أقبلوا على سبب الفلاح وهو الفوز والظفر بالمقصود، وسببه هو الصلاة.
فهو تأكيد لما قبله بعد تأكيد وتكرير بعد تكرير، وفيه إشعار بأمور الآخرة من البعث والجزاء لتضمن الفلاح لذلك.
ثم كرر التكبير لما فيه من التعظيم له تعالى، وختم بكلمة التوحيد لأن مدار الأمر عليه، جعلنا الله وأحبتنا عند الموت ناطقين بها عالمين بمعناها.
وقوله: فيهما أي في الأذان والإقامة.
عبد الله بن زيد المشهورة ليلة تشاوروا فيما يجمع الناس، وهي كما في سنن أبي داود: عن عبد الله أنه قال: (لما أمر النبي (ص) بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة، طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ فقال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة.
قال: أو لا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت له: بلى.
فقال: تقول: الله أكبر الله أكبر، إلا آخر الاذان.
ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال: وتقول إذا قمت إلى الصلاة: الله أكبر الله أكبر، إلى آخر الاقامة
…
فلما أصبحت أتيت النبي (ص) فأخبرته بما رأيت فقال: إنها لرؤيا حق إن شاء الله.
قم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك.
ــ
واعلم أنه اختلف في الأذان هل شرع للإعلام بدخول الوقت؟ أو شرع للإعلام بالصلاة المكتوبة؟ على قولين للإمام الشافعي رضي الله عنه، والراجح الثاني، وأما الأول فهو مرجوح، وينبني على القولين أنه لا يؤذن للفائتة على المرجوح لأن وقتها قد فات، ويؤذن لها على الراجح لأن الأذان حق للصلاة لا للوقت.
(قوله: والأصل فيهما) أي الدليل على مشروعية الأذان والإقامة.
وقوله: الإجماع إلخ هكذا في التحفة.
والذي في النهاية والمغنى والأسنى الأصل فيهما قبل الإجماع، قوله تعالى: * (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة) * وقوله تعالى: * (وإذا ناديتم إلى الصلاة) * وما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: إذا أقيمت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم.
اه.
وقوله: المسبوق صفة للإجماع.
وقوله: برؤية عبد الله إلخ فإن قيل: رؤية المنام لا يثبت بها حكم.
أجيب بأنه ليس مستندا لأذان الرؤيا فقط، بل وافقها نزول الوحي.
فالحكم ثبت به لا بها.
ويؤيده رواية عبد الرازق وأبي داود في المراسيل، من طريق عبيد بن عمير الليثي، أحد كبار التابعين، أن عمر لما رأى الأذان جاء ليخبر النبي (ص فوجد الوحي قد ورد بذلك، فما راعه إلا أذان بلال، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: سبقك بذلك الوحي.
(قوله: ليلة تشاوروا) الظرف متعلق
برؤية، وواو الجماعة عائد على النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من الصحابة.
وقوله: فيما يجمع الناس أي في الأمر الذي يكون سببا لجمع الناس للصلاة.
(قوله: وهي) أي رؤية الأذان من حيث هي، بقطع النظر عن كونها صدرت من عبد الله، وإلا لحصل ركة بقوله بعد عن عبد الله.
(قوله: لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم) أي بعد اتفاقهم عليه.
وكتب ع ش ما نصه: قوله: لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم إلخ.
عبارة حجر تفيد عدم أمره صلى الله عليه وسلم، ويوافقه ما في سيرة الشامي حيث قال: اهتم صلى الله عليه وسلم كيف يجمع الناس للصلاة، فاستشار الناس فقيل: انصب راية.
ولم يعجبه ذلك، فذكر له القنع - وهو البوق - فقال: هو من أمر اليهود.
فذكر له الناقوس فقال: هو من أمر النصارى.
فقالوا: لو رفعنا نارا؟.
فقال: ذاك للمجوس.
فقال عمر: أو لا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: يا بلال قم فناد بالصلاة.
قال النووي: هذا النداء دعاء إلى الصلاة غيالاذان، كأن شرع قبل الأذان.
قال الحافظ ابن حجر: وكان الذي ينادي به بلال: الصلاة جامعة.
اه.
وهو كما ترى مشتمل على النهي عن الناقوس والأمر بالذكر.
اه.
(قوله: بالناقوس) قال في المصباح: هو خشبة طويلة يضربها النصارى إعلاما للدخول في صلاتهم.
(قوله: يعمل) أي يصنع.
(قوله: ليضرب به للناس) عبارة غيره: ليضرب به الناس، بحذف لام الجر.
وعليها يكون الناس فاعل يضرب، وعلى عبارة شارحنا يكون الفعل مبنيا للمجهول، وبه نائب فاعل، وللناس متعلق بالفعل.
وقوله: لجمع الصلاة أي لاجتماع الناس لها.
فالإضافة لأدنى ملابسة.
والجار والمجرور إما بدل من الجار والمجرور قبله أو متعلق بالفعل، وتجعل اللام للتعليل، وبه يندفع ما يقال إنه يلزم عليه تعلق حرفي جر بمعنى واحد بعامل واحد.
وهو لا يصح.
وحاصل الدفع أن الحرفين ليسا بمعنى واحد، لأن الثاني للتعليل والأول للتعدية.
(قوله: طاف إلخ) جواب لما.
وقوله: وأنا نائم الجملة حالية، وهي معترضة بين الفعل وفاعله وهو رجل.
(قوله: فقال) أي الرجل لعبد الله.
وقوله: وما تصنع به أي بالناقوس.
(قوله: ثم استأخر) أي الرجل.
(قوله: فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: أنها أي رؤيتك يا عبد الله.
وقوله: حق أي صادقة.
وهو بالرفع صفة لرؤيا أو بالجر على أنه
فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه فيؤذن به.
فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى.
فقال (ص): فلله الحمد.
قيل: رآها بضعة عشر صحابيا.
وقد يسن الاذان لغير الصلاة، كما في أذن المهموم والمصروع والغضبان، ومن ساء خلقه من إنسان أو بهيمة، وعند الحريق، وعند تغول الغيلان - أي تمرد الجن -.
وهو والاقامة في أذني المولود وخلف المسافر
ــ
مضاف إليه ما قبله، وهي من إضافة الموصوف للصفة.
(قوله: فألق عليه ما رأيت) أي لقنه ما رأيته منامك.
(قوله فليؤذن به) أي فليؤذن بلال بما رأيت.
وفي ع ش ما نصه: ذكر بعضهم في مناسبة اختصاصه - أي بلال - بالأذان دون غيره، كونه لما عذب ليرجع عن الإسلام فلم يرجع وجعل يقول: أحد أحد.
جوزي بولاية الأذان المشتمل على التوحيد في ابتدائه وانتهائه.
اه حواشي المواهب لشيخنا الشوبري.
(قوله: فإنه) أي بلالا.
وقوله: أندى صوتا منك أي أرفع
وأعلى.
وقيل: أحسن وأعذب.
وقيل: أبعد.
(قوله: فقمت مع بلال) أي فامتثلت أمر النبي صلى الله عليه وسلم إلخ، وقمت مع بلال.
وقوله: فجعلت ألقيه أي ما رأيته.
وقوله: عليه أي على بلال.
(قوله: فيؤذن) أبلال.
(فائدة) لم يؤذن بلال لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم غير مرة لعمر حين دخل الشام فبكى الناس بكاء شديدا.
وقيل: إنه أذن لأبي بكر إلى أن مات، ولم يؤذن لعمر.
وقيل: أنه كان في الشام فرأى النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: ما هذه الجفوة يا بلال؟ أما أن لك أن تزورني.
فشد على راحلته إلى أن أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وجعل يبكي ويمرغ وجهه عليه، ثم اشتهى عليه الحسن والحسين أن يسمعا أذانه فأذن في محله الذي كان يؤذن فيه من سطح المسجد.
فما رؤي بعد موته صلى الله عليه وسلم أكثر باكيا ولا باكية من ذلك اليوم.
وروي أنه لم يؤذن لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذه المرة، وأنها بطلب من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وأنه لم يتم الأذان لما غلبه من البكاء والوجد.
(قوله: فسمع ذلك) أي الأذان الذي ألقي على بلال رضي الله عنه.
(قوله: لقد رأيت مثل ما رأى) أي بعد ما أخبر بالرؤيا المتقدمة، فلا يقال من أين عرف ذلك.
اه ع ش.
(قوله: فقال صلى الله عليه وسلم: فلله الحمد) في رواية: سبقك به الوحي.
وبها يندفع الإيراد السابق بأن الأحكام لا تثبت بالرؤيا.
(قوله: قيل: رآها) أي رؤيا عبد الله المشهورة.
قال في التحفة: في رواية: أنه صلى الله عليه وسلم سمى تلك الرؤية وحيا.
اه.
(قوله: وقد يسن إلخ) قد للتحقيق لا للتقليل.
وقوله: لغير الصلاة أي كما يسن لها.
(قوله: كما في أذن المهموم) أي لأن همه يزول بالأذان، ولو لم يزل بمرة طلب تكريره.
وكذا يقال في الذي بعده.
(قوله: والمصروع) أي من الجن.
فإذا أذن في أذنه يزول عنه صرعه ويذهب عنه الجن.
(فائدة) من الشنواني ومما جرب لحرق الجن أن يؤذن في أذن المصروع سبعا، ويقرأ الفاتحة سبعا، والمعوذتين، وآية الكرسي، والسماء والطارق، وآخر سورة الحشر من * (لو أنزلنا هذا القرآن) * إلى آخرها، وآخر سورة الصافات من قوله: * (فإذا نزل بساحتهم) * إلى آخرها.
وإذا قرئت آية الكرسي سبعا على ماء ورش به وجه المصروع فإنه يفيق.
اه.
(قوله: والغضبان، ومن ساء خلقه) أي لما ورد: من ساء خلقه من إنسان أو بهيمة فإنه يؤذن في أذنه.
(قوله: وعندد تغول الغيلان) أي تصور مردة الجن والشياطين بصور مختلفة بتلاوة أسماء يعرفونها هم، وإنما سن الأذان عند ذلك لأنه يدفع الله شرهم به، لأن الشيطان إذا سمع الأذان أدبر.
(قوله: وهو والإقامة الخ) أي ويسن الأذان والإقامة في أذني المولود، ويكون الأذان في اليمنى والإقامة في اليسرى.
وذلك لما قيل: إن من فعل به ذلك لم تضره أم الصبيان،
أي التابعة من الجن، وليكون أول ما يقرع سمعه حال دخوله في الدنيا الذكر.
ويشترط في المؤذن أن يكون ذكرا مسلما،
(يسن) على الكفاية.
ويحصل بفعل البعض (أذان وإقامة) لخبر الصحيحين: إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم.
(لذكر ولو) صبيا، و (منفردا وإن سمع أذانا) من غيره على المعتمد، خلافا لما في شرح مسلم.
نعم، إن سمع أذان الجماعة وأراد الصلاة معهم لم يسن له على الاوجه (لمكتوبة) ولو فائتة دون غيرها، كالسنن
ــ
وفي المولود أن يكون ولد مسلم، لأن الأذان من جملة أحكام الدنيا وأولاد الكفار معاملون معاملة آبائهم فيها وإن ولدوا على الفطرة.
واعلم أنه لا يسن الأذان عند دخول القبر، خلافا لمن قال بنسبته قياسا لخروجه من الدنيا على دخوله فيها.
قال ابن حجر: ورددته في شرح العباب، لكن إذا وافق إنزاله القبر أذان خفف عنه في السؤال.
(قوله: وخلف المسافر) أي ويسن الأذان والإقامة أيضا خلف المسافر، لورود حديث صحيح فيه.
قال ع ش: أقول: وينبغي أن محل ذلك ما لم يكن سفر معصية، فإن كان كذلك لم يسن.
اه.
(قوله: يسن على الكفاية) هذا لا يناسب قوله بعد: ولو منفردا، لأنه يقتضي أن يكون سنة كفاية في حقه، وليس كذلك لأنه لا معنى له، ولما تقدم من أنهما سنتا عين في حقه.
فكان عليه أن يزيد: أو على العين، أو يحذف قوله: ولو منفردا.
(قوله: ويحصل بفعل البعض) الأولى التعبير بفاء التفريع لأن المقام يقتضيه، أي ويحصل المذكور من الأذان والإقامة - أي سنيتهما - بفعل البعض، كابتداء السلام من جماعة.
وأقل ما تحصل به السنة في الأذان بالنسبة لأهل البلد أن ينتشر في جميعها، حتى إذا كانت كبيرة أذن في كل جانب واحد، فإن أذن واحد في جانب فقط لم تحصل السنة إلا لأهل ذلك الجانب دون غيرهم.
(قوله: أذان) نائب فاعل يسن.
(قوله: لخبر الصحيحين) دليل لسنية ما ذكر على الكفاية، لكن يحمل الأمر فيه على الندب بدليل الإجماع، كما في القسطلاني، ونصه: واستدل به على وجوب الأذان، لكن الإجماع صارف للأمر عن الوجوب.
اه.
وساق الخبر المذكور في التحفة دليلا على القول بأنهما فرض كفاية.
وكتب سم: قوله: فليؤذن.
الأمر يدل على الوجوب.
وقوله: لكم أحدكم: على الكفاية.
اه.
(قوله: إذا حضرت الصلاة إلخ) أتى بمحل الاستدلال من الحديث، وقد ذكره في البخاري بتمامه، وهو: حدثنا معلى بن أسد قال: حدثنا وهيب، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قومي فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رحيما رفيقا، فلما رأى شوقنا إلى أهلينا قال: ارجعوا فكونوا فيهم وعلموهم وصلوا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكن أحدكم وليؤمكم أكبركم.
وقوله: فليؤذن استعمل الأذان فيما يشمل الإقامة، أو تركها للعلم بها.
اه ع ش.
(قوله: لذكر) متعلق بيسن، وهو قيد بالنسبة للأذان لا الإقامة، لما سيصرح به قريبا أنها سنة للأنثى، ولا بد من كونه مسلما.
وإن نصبه الإمام للأذان اشترط تكليفه
وأمانته ومعرفته بالوقت، لأن ذلك ولاية فاشترط كونه من أهلها.
(قوله: ولو صبيا) أي مميزا، فلا يصحان من غيره كمجنون وصبي غير مميز وسكران إلا في أول نشوته.
(قوله: ومنفردا) أي يسن الأذان والإقامة للذكر، ولو صلى منفردا.
أي من غير جماعة، سواء كان بعمران أو صحراء.
(قوله: وإن سمع أذانا من غيره) غاية ثانية لسنية الأذان فقط.
وكان المناسب أن يزيد بعد قوله.
أذانا وإقامة، لتكون الغاية لهما معا.
أي يسن الأذان لذكر، ولو سمع أذانا من غيره، لكن بشرط أن لا يكون مدعوا به، فإن كان مدعوا به بأن سمعه من مكان وأراد الصلاة فيه وصلى مع أهله بالفعل فلا يندب له الأذان حينئذ.
وقد استفيد الشرط المذكور من قوله بعد: نعم، إن سمع إلخ.
فهو تقييد للغاية المذكورة.
وفي سم: إذا وجد الأذان لم يسن لمن هو مدعو به إلا إن أراد إعلام غيره، أو انقضى حكم الأذان بأن لم يصل معهم.
اه.
(قوله: خلافا لما في شرح مسلم) أي من أنه إذا سمع أذان الجماعة لا يشرع له الأذان.
وفي النهاية: ما في شرح مسلم يحمل على ما إذا أراد الصلاة معهم.
اه.
قال ع ش: أي وصلى معهم.
اه.
(قوله: نعم، إن سمع الخ) قد علمت أنه تقييد لقوله وإن سمع أذانا من غيره، فكأنه قال: محل سنيته إن سمع أذان الغير إذا لم يبلغه أذان الجماعة ولم يرد الصلاة معهم، فإن بلغه ذلك وأرادها لم يسن الأذان له.
وقوله: وأراد الصلاة معهم أي وصلى بالفعل، كما مر.
وأما لو أراد
وصلاة الجنازة والمنذورة.
ولو اقتصر على أحدهما لنحو ضيق وقت فالاذان أولى به.
ويسن أذانان لصبح واحد قبل الفجر، وآخر بعده، فإن اقتصر فالاولى بعده.
وأذانان للجمعة، أحدهما بعد صعود الخطيب المنبر.
والآخر الذي قبله إنما أحدثه عثمان رضي الله عنه لما كثر الناس، فاستحبابه عند الحاجة كأن توقف حضورهم عليه، وإلا لكان الاقتصار على الاتباع أفضل.
(و) سن (أن يؤذن للاولى) فقط (من صلوات توالت) كفوائت وصلاتي
ــ
ذلك لكن لم يتفق له أن يصلي معهم، بأن حضر محل الصلاة بعد انقضائها، سن له الأذان.
وقوله: لم يسن أي الأذان.
وهو جواب إن.
وقوله: له أي لمن سمع ذلك وأراد الصلاة.
(قوله: لمكتوبة) متعلق بكل من الأذان والإقامة على سبيل التنازع، أي يسن الأذان لمكتوبة والإقامة لها.
قال سم على حجر: هل المراد ولو أصالة فتدخل المعادة؟.
وعلى هذا فيتجه أن محل الأذان لها ما لم تفعل عقب فعل الفرض، وإلا كفى أذانه عن أذانه، كما في الفائتة والحاضرة وصلاتي الجمع، أو لا.
وتدخل المعادة في النفل الذي تسن له الجماعة، فيقال فيها: الصلاة جامعة.
فيه نظر.
اه.
(قوله: ولو فائتة) الغاية للرد على الجديد القائل بعدم سنية الأذان لها لزوال الوقت.
قال في المنهاج: ويقي للفائتة ولا يؤذن في الجديد.
قلت: القديم أظهر، والله أعلم.
ودليل القديم ما ثبت في خبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم نام وهو وأصحابه عن صلاة الصبح في الوادي حتى طلعت الشمس، ثم لما انتبهوا أمرهم بالانتقال منه لأن فيه شيطانا.
فساروا حتى ارتفعت الشمس، ثم نزل فتوضأ وأمر بلالا بالأذان، وصلى ركعتي الفجر ثم الصبح.
(قوله: دون غيرها) أي المكتوبة، فلا يسن الأذان والإقامة له بل يكرهان لعدم ورودهما فيه.
(قوله: كالسنن وصلاة الجنازة والمنذورة) أمثلة لغير المكتوبة، وهذا
بناء على أن المراد بالمكتوبة المفروضة في اليوم والليلة.
أما إن أريد بها المفروضة مطلقا فصلاة الجنازة والمنذورة يكونان داخلين فيهما، فلا بد من زيادة قيدين لإخراجهما، وهما: أصالة، وعلى الأعيان.
فخرج بالأول المنذورة، وبالثاني صلاة الجنازة.
(قوله: ولو اقتصر) أي أراد الإقتصار على أحدهما.
إما الأذان وإما الإقامة.
وقوله: فالأذان أولى به أي بالاقتصار.
(قوله: ويسن أذانان لصبح) المناسب تأخيره عن قوله: ووقت لغير أذان صبح.
وكما يسن الأذانان يسن مؤذنان يؤذن واحد قبل الفجر وآخر بعده، لخبر الصحيحين: إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا آذان ابن أم مكتوم.
(قوله: فإن اقتصر) أي أريد الاقتصار.
وقوله: فالأولى بعده أي فالأولى الإقتصار على ما بعد الفجر.
قال ع ش: يؤخذ من هذا أن ما يقع للمؤذنين في رمضان من تقديم الأذان على الفجر كاف في أداء السنة، لكنه خلاف الأولى.
وقد يقال ملاحظة منع الناس من الوقوع فيما يؤدي إلى الفطر، إلا إن أخر الأذان إلى الفجر مانع من كونه خلاف الأولى لا يقال، لكنه يؤدي إلى مفسدة أخرى وهي صلاتهم قبل الفجر، لأنا نقول: علمهم باطراد العادة بالأذان قبل الفجر مانع من ذلك، وحامل على تحري تأخير الصلاة لتيقن دخول الوقت أو ظنه.
اه.
(قوله: وأذانان للجمعة) معطوف على قوله: أذانان لصبح - أي ويسن أذانان للجمعة.
وقوله: أحدهما أي أحد الأذانين.
وقوله: والآخر الذي قبله إنما أحدثه المناسب في التعبير أن يقول: والآخر قبله، وهذا إنما أحدثه إلخ، فيحذف اسم الموصول ويزيد اسم الإشارة بعد الظرف.
وفي البخاري: كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر حين يجلس الإمام على المنبر، فلما كثر الناس في عهد عثمان أمرهم بأذان آخر على الزوراء، واستقر الأمر على هذا.
وقوله: فاستحبابه عند الحاجة تفريع على كون سيدنا عثمان أحدثه لما كثر الناس.
وقوله: وكأن توقف الخ تمثيل للحاجة.
وقوله: حضورهم أي الناس للجمعة.
وقوله: عليه متعلق بتوقف، وضميره يعود على الأذان الآخر المحدث.
وقوله: وإلا الخ أي وإن لم توجد حاجة إليه فلا يكون مستحبا، لأن الاقتصار على الاتباع أفضل.
ولا يخفى في العبارة المذكورة من عدم السبك ومن اقتضائها سنية أذانين للجمعة.
والذي يصرح به كلامهم أنها لا يسن لها إلا أذان واحد، وهو الذي عند طلوع الخطيب المنبر.
وأما الثاني فلم يصرح أحد بسنيته، بل المصرح به أنه أحدثه عثمان لما كثر الناس.
وغاية ما يستفاد منه أنه مباح لا سنة.
وأنا أسرد ذلك بعض ما اطلعت عليه ممن عباراتهم.
فعبارة فتح الجواد مع الأصل: وسن لها - أي الصبح وحدها - أذانان ولو من واحد، أذانان قبل الفجر وآخر بعده للاتباع.
اه.
فقوله: وحدها.
أي لا غيرها من بقية
جمع وفائتة، وحاضرة دخل وقتها قبل شروعه في الاذان.
(ويقيم لكل) منها للاتباع.
(و) سن (إقامة لانثى) سرا، وخنثى فإن أذنت للنساء سرا لم يكره، أو جهرا حرم.
(وينادي لجماعة) مشروعة (في نفل) كعيد وتراويح
ــ
الصلوات، الجمعة وغيرها.
وعبارة التحفة في باب الجمعة بعد كلام: وأما الأذان الذي قبله على المنارة فأحدثه عثمان رضي الله عنه وقيل: معاوية رضي الله عنه لما كثر الناس.
ومن ثم كان الاقتصار على الاتباع أفضل، أي إلا لحاجة، كأن توقف حضورهم على ما بالمنائر.
اه.
وقوله: إلا لحاجة.
أي فليس حينئذ الاقتصار على الاتباع أفضل، بل يأتي بالأذان الآخر المحدث للحاجة.
وفي شرح الروض - بعد أن نقل حديث البخاري السابق - ما نصه: قال في الأم: وأيهما كان فالأمر الذي على عهده صلى الله عليه وسلم أحب إلي.
اه.
وبالجملة فالأولى والأخصر للشارح أن يقول: بخلاف الجمعة فليس لها إلا أذان واحد بعد صعود الخطيب المنبر.
وأما الأذان الذي قبله فإنما أحدثه سيدنا عثمان رضي الله عنه لأجل الحاجة، واستقر الأمر عليه.
تأمل.
(قوله: وسن أن يؤذن للأولى فقط إلخ) أي للاتباع، ولأن ولاء ما عدا الأولى صيره كالجزء منها، فاكتفى لها كلها بأذان واحد.
وبه يندفع استشكال بعضهم بأن المرجح في المذهب أن الأذان حق للفريضة فكان مقتضاه طلبه لكل فريضة.
واعلم أن حاصل ما يفهم من كلامه أن الصلاة أربعة أقسام يؤتى فيه بالأذان والإقامة، وهو الخمس.
وقسم يقام له فقط، وهو الصلوات المتوالية غير الأولى.
وقس لا يؤتى فيه بهما، لكن ينادى له بنحو الصلاة جامعة، وهو العيد، ونحوه مما سيأتي.
وقسم لا ينادى له أيضا، وهو النذر والنفل وصلاة الجنازة.
وقوله: من صلوات توالت خرج به ما إذا كانت متفرقة.
فإن طال فصل بين كل عرفا أذن لكل.
قال ع ش: وهل يضر في الموالاة رواتب الفرائض أم لا؟ فيه نظر.
ويؤخذ من كلام ابن حجر أن الفصل بالرواتب لا يضر في الموالاة لأنها مندوبة.
اه بتصرف.
(قوله: كفوائت) أي قضاها متوالية.
(قوله: وصلاتي جمع) أي تقديما أو تأخيرا.
(قوله: وفائتة وحاضرة) أي فيكفي أذان واحد لهما، سواء قدم الفائتة على الحاضرة أو قدم الحاضرة عليها، لكن بشرط التوالي، وبشرط أن يكون شرع في الأذان بعد دخول وقت الحاضرة.
وقد صرح بالشرط الثاني بعد: ويعلم الشرط الأول من قوله: توالت.
فلو والى بين فائتة ومؤداة أذن لأولاهما، إلا أن يقدم الفائتة ثم بعد الأذان لها يدخل وقت المؤداة فيؤذن لها أيضا.
(قوله: دخل وقتها) أي الحاضرة.
وقوله: قبل شروعه في الأذان فإن شرع في الأذان قبل دخول وقت الحاضرة فلا يكفي أذان واحد بل يؤذن لكل، كما مر.
(قوله: ويقيم لكل) أي من الصلوات.
وقوله: للاتباع أي وهو أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة بأذان وإقامتين.
رواه الشيخان من رواية جابر.
ويقاس بما فيه الفوائت التي والاها والفائتة والحاضرة.
(قوله: وسن إقامة لأنثى) أي لنفسها وللنساء، لا للرجال والخناثى.
ولا يسن لها الأذان مطلقا.
والفرق بين
الإقامة وبينه - كما في شرح المنهج -: أنها لاستنهاض الحاضرين فلا تحتاج إلى رفع الصوت.
والأذان لإعلام الغائبين فيحتاج فيه إلى الرفع.
والمرأة يخاف من رفع صوتها الفتنة، وألحق بها الخنثى.
(قوله: سرا) هذا إن لم تقم للنساء، فإن أقامت لهن ترفع صوتها بقدر ما يسمعن إن لم يكن هناك غير محرم.
قال في فتح الجواد: وتقيم المرأة للنساء إن لم يسمع غير المحرم.
اه.
(قوله: وخنثى) معطوف على أنثى.
أي وسن إقامة الخنثى لنفسه أو للنساء، لا للرجال ولا لمثله.
(قوله: فإن أذنت للنساء) مفرع على محذوف مفهوم مما قبله، تقديره: أما الأذان فلا يندب للمرأة مطلقا، فإن أذنت إلخ.
وقوله: للنساء.
خرج الرجال والخناثى.
فلو أذنت لهما لم يصح أذانها وأثمت لحرمة نظرهما إليها.
قال الجمال الرملى في النهاية: ولا يشكل حرمة أذانها بجواز غنائها مع استماع الرجل، لأن الغناء يكره للرجل استماعه وإن أمن الفتنة، والأذان يستحب له استماعه، فلو جوزناه للمرأة لأدى إلى أن يؤمر الرجل باستماع ما يخشى منه الفتنة، وهو ممتنع، ولأن فيه تشبيها بالرجال.
بخلاف الغناء فإنه من شعار النساء.
ولأن الغناء ليس بعبادة والأذان عبادة، والمرأة ليست من أهلها فيحرم عليها تعاطيها كما يحرم عليها تعاطي العبادة الفاسدة.
ولأنه يستحب النظر إلى المؤذن حالة أذانه، فلو استحببناه للمرأة لأمر السامع بالنظر إليها، وهذا مخالف لمقصود الشارع.
ولأن الغناء منها إنما يباح للأجانب الذين يؤمن افتتانهم
ووتر أفرد عنها برمضان وكسوف.
(الصلاة) بنصبه إغراء، ورفعه مبتدأ، (جامعة) بنصبه حالا، ورفعه خبرا للمذكور.
ويجزئ: الصلاة الصلاة، وهلموا إلى الصلاة.
ويكره: حي على الصلاة.
وينبغي ندبه عند دخول الوقت وعند الصلاة ليكون نائبا عن الاذان والاقامة وخرج بقولي لجماعة ما لا يسن فيه الجماعة، وما فعل
ــ
بصوتها، والأذان مشروع لغير معين فلا يحكم بالأمن من الافتتان، فمنعت منه.
اه.
وقوله: سرا الخ عبارة فتح الوهاب: بقدر ما يسمعن، لم يكره، وكان ذكر الله أو فوقه كره بل حرم إن كان ثم أجنبي.
اه.
فعلم أن المراد بقوله: سرا قدر ما يسمعن، والجهر ما زاد على ذلك.
وقوله: لم يكره أي وكان ذكر الله، فتثاب عليه من هذه الحيثية لا من حيث إنه أذان.
إذا علمت ذلك، فقوله: لم يكره، لا ينافي قولهم: لا يندب لها الأذان مطلقا.
لأن قولهم المذكور من حيث كونه أذانا، وأيضا هو مع عدم الكراهة مباح لا مندوب، فلا تنافي.
وقد صرح بالإباحة ابن حجر في شرحه على بافضل وفي الإمداد.
(قوله: أو جهرا حرم) أي فإن أذنت للنساء جهرا، أي فوق ما يسمعن، حرم.
وقيد الحرمة في شرح الروض وفي المغنى وفي التحفة، بما إذا كان هناك أجنبي يسمع.
ونقل البجيرمي عن م ر ما نصه: المعتمد الحرمة، وإن لم يكن هناك أجنبي.
لأن رفع الصوت بالأذان من وظيفة الرجال، ففي رفع صوتها به تشبه بالرجال، وهو حرام.
اه.
(قوله وينادى) أي ندبا.
وفي سم: هل يسن إجابة ذلك - أي النداء -، لا يبعد سنها بلا حول ولا قوة إلا بالله.
اه.
وقوله: لجماعة قيد.
وقوله: مشروعة أي مطلوبة، قيد ثان.
وقوله: في نفل قيد ثالث.
فجملة ما ذكره لندب
النداء ثلاثة قيود، وسيذكر الشارح مفاهيمها.
(قوله: كعيد إلخ) تمثيل للنفل الذي تشرع له الجماعة.
(قوله: وتراويح) أي سواء فعلت عقب العشاء أم لا.
(قوله: ووتر أفرد عنها) أي عن التراويح، فأن لم يفرد عنها بأن صلي عقبها فلا يندب له النداء، لأن النداء للتراويح نداء له حينئذ.
قال سم: وقد يقال هذا ظاهر إن كان قوله: الصلاة جامعة بمنزلة الأذان.
فإن كان بمنزلة الإقامة فقد يتجه أنه لا فرق بين تراخي فعله عنها وعدمه.
وقياس كونه بمنزلة الإقامة الإتيان به لكل ركعتين من التراويح.
اه.
(قوله: وكسوف) أي للشمس أو للقمر، أي واستسقاء.
(قوله: الصلاة جامعة) حاصل ما قيل في هذين الجزأين من جهة الإعراب أنه يجوز نصبهما ورفعهما، ورفع أحدهما ونصب الآخر.
فعلى الأول: يكون نصب الجزء الأول على الإغراء بفعل محذوف جوازا، والثاني على الحالية.
أي احضروا الصلاة أو الزموها حال كونها جامعة.
وعلى الثاني: يكون رفعهما على الابتداء والخبر.
وعلى الثالث: إن كان المرفوع هو الجزء الأول فهو مبتدأ، والخبر محذوف، أو خبر لمبتدأ محذوف، أي هذه الصلاة، أو الصلاة هذه، وإن كان الجزء الثاني، فهو خبر لمبتدأ محذوف لا غير.
أي هي جامعة.
ونصب الآخر على الإغراء إن كان الجزء الأول، وعلى الحالية إن كان الجزء الثاني.
(قوله: بنصبه إغراء) أي بدال الإغراء، والإغراء تنبيه المخاطب على أمر محمود ليفعله، كقوله: أخاك أخاك، أي الزمه.
(قوله: ورفعه مبتدأ) أي وبرفعه على أنه مبتدأ، أي أو خبر محذوف كما تقدم.
(قوله: جامعة) معنى ذلك أنها تجمع الناس، أو ذات جماعة.
(قوله: بنصبه حالا) أي يقرأ بنصبه على أنه حال.
(قوله: خبرا للمذكور) أي وهو الصلاة، على رفعها.
ولا يتعين ذلك بل يجوز أن يكون خبرا لمحذوف كما علمت.
(قوله: ويجزئ الخ) أي في أداء أصل السنة.
وإلا فالأول أفضل لوروده عن الشارع.
(وقوله: الصلاة الصلاة) أي أو الصلاة فقط، على ما يفيده كلام المنهج، والصلاة رحمكم الله.
(قوله: وهلموا إلى الصلاة) أي احضروا إليها.
(قوله: ويكره حي على الصلاة) أي عند ابن حجر، وأما عند م ر فلا يكره.
(قوله: وينبغي ندبه) أي النداء بما ذكر.
وفي البجيرمي ما نصه: وانظر هل يشترط فيه شروط المؤذن لأن نائب عن الأذان والإقامة، فيكون المنادي المذكور ذكرا مثلا.
أو لا يشترط ذلك.
فليراجع.
شوبري.
(وقوله: عند دخول الوقت وعند الصلاة) أي فيكون النداء مرتين.
وفي ع ش: والمعتمد أنه لا يقال إلا مرة واحدة بدلا عن الإقامة، كما يدل عليه كلام الأذكار للنووي رملي.
اه.
زيادي هذا.
وقد يقال في جعلهم إياه بدلا عن الإقامة نظر، فإنه لو كان بدلا عنها لشرع للمنفرد، بل الظاهر أنه ذكر شرع لهذه الصلاة استنهاضا للحاضرين وليس بدلا عن شئ.
اه.
(قوله: وخرج بقولي لجماعة ما لا يسن فيه الجماعة) هذا خرج بقوله مشروعة.
وقوله بعد: وما فعل فرادى خرج بقوله المذكور.
فكان الأولى
فرادى، وبنفل منذورة وصلاة جنازة.
(وشرط فيهما) أي في الاذان والاقامة.
(ترتيب) أي الترتيب المعروف فيهما، للاتباع.
فإن عكس ولو ناسيا لم يصح وله البناء على المنتظم منهما.
ولو ترك بعضهما أتى به مع إعادة ما بعده.
(وولاء) بين كلماتهما.
نعم، لا يضر يسير كلام وسكوت ولو عمدا.
ويسن أن يحمد سرا إذا عطس، وأن يؤخر رد السلام وتشميت العاطس إلى الفراغ.
(وجهر) إن أذن أو أقام (لجماعة)، فينبغي إسماع واحد
ــ
أن يقول: وخرج بقولي لجماعة ما فعل فرادى، وبمشروعة ما لا تشرع فيه الجماعة مثل الضحى.
فلا يندب النداء فيما ذكر.
تأمل.
(قوله: وبنفل) أي وخرج بنفل.
وقوله: منذورة وصلاة جنازة قال في المغنى: أما غير الجنازة فظاهر، وأما الجنازة فلأن المشيعين لها حاضرون فلا حاجة للإعلام.
اه.
ومثله في التحفة والنهاية.
قال ع ش: ويؤخذ منه - أي من التعليل المذكور - أن المشيعين لو كثروا ولم يعلموا وقت تقدم الإمام للصلاة سن ذلك لهم، ولا بعد فيه.
اه.
ويؤخذ منه أيضا - كما في الكردي -: أنه لو لم يكن معها أحد، أو زادوا بالنداء، سن النداء حينئذ لمصلحة الميت.
ومحل عدم ندب النداء في المنذورة إذا لم تطلب فيها الجماعة قبل نذرها، كالضحى.
وإلا بقي حكمها على ما كانت فيندب النداء.
(قوله: وشرط فيهما إلخ) ذكر أربعة شروط، وهي: الترتيب، والولاء، والجهر لجماعة، ودخول الوقت.
وبقي من الشروط: الإسلام، والتمييز، والذكورة بالنسبة للأذان.
وتقدم أن منصوب الإمام يشترط فيه التكليف والأمانة ومعرفة الوقت.
وقد نظم معظمها ابن رسلان في قوله: شرطهما الولاء ترتيب ظهر * * وفي مؤذن مميز ذكر أسلم والمؤذن المرتب * * معرفة الأوقات لا المحتسب (قوله: للاتباع) ولأن ترك الترتيب يوهم اللعب ويخل بالإعلام.
(قوله: فإن عكس) أي بأن قدم النصف الثاني على الأول.
وقوله: لم يصح أي ما عكسه من الأذان والإقامة.
(قوله: وله البناء الخ) أي يجوز للمؤذن أو المقيم إن عكس أن يبني على ما انتظم من الأذان والإقامة، فيبني على النصف الأول الذي أخره ويتمم الأذان أو الإقامة، والاستئناف أفضل، ومحل جواز البناء - كما هو ظاهر - حيث لم يطل الفصل بين الأول وما ينبني عليه وإلا لم يجز (قوله: ولو ترك بعضهما) أي بعض الأذان والإقامة.
(وقوله: أتى به) أي المتروك.
ومحله أيضا حيث لم يطل الفصل.
وقوله: مع إعادة ما بعده أي بعد المتروك.
(قوله: وولاء) أي وشرط ولاء.
فلا يفصل بينهما بسكوت طويل أو كلام طويل للاتباع، ولأن تركه يخل بالإعلام.
فلو تركه ولو ناسيا بطل.
ويشترط أيضا أن لا يطول الفصل عرفا بين الإقامة والصلاة، ولا يشترط لهما نية، بل الشرط عدم الصارف.
فلو ظن أنه يؤذن أو يقيم للظهر فكانت العصر صح.
أفاده ح ل.
(قوله: نعم، لا يضر الخ استدراك على اشتراط الولاء الموهم عدم جواز الفصل مطلقا.
وقوله: يسير كلام) أي كلام يسير.
(وقوله: وسكوت) بالجر، عطف على كلام.
أي ولا يضر يسير سكوت.
ومثله يسير نوم أو إغماء أو جنون، لعدم إخلال
ذلك به.
ويسن أن يستأنف الأذان والإقامة في غير الأولين، أعني الكلام والسكوت اليسيرين.
أما فيهما فيسن أن يستأنف الإقامة فقط، لأنها لقربها من الصلاة وتأكدها لم يسامح فيها بفاصل البتة، بخلاف الأذان.
(قوله: ويسن أن يحمد) أي كل من المؤذن والمقيم.
وقوله: سرا أي بقلبه.
وقوله: إذا عطس بفتح الطاء.
(قوله: وأن يؤخر الخ) أي ويسن أن يؤخر رد السلام.
وسيذكر الشارح في باب الجهاد أنه يرد بالإشارة في حالة الأذان أو الإقامة.
فإن لم يرد بها رد بعد الفراغ باللفظ إن لم يطل الفصل.
وقوله: وتشميت العاطس أي ويسن أن يؤخر المؤذن أو المقيم تشميت من عطس.
وقوله: إلى الفراغ متعلق بيؤخر.
أي ويسن أن يؤخر ما ذكر إلى الفراغ من الأذان أو الإقامة، إذ السنة أن لا يتكلم أثناءهما ولو لمصلحة.
قال في النهاية: وإن طال الفصل، كما هو مقتضى كلامهم.
ووجهه أنه لما كان معذورا سومح له في التدارك مع طوله لعدم تقصيره بوجه، فإن لم يؤخر ذلك للفراغ فخلاف السنة، كالتكلم ولو لمصلحة.
اه.
وقوله: وإن طال الفصل.
مثله في شرح إبن حجر على بافضل.
ونظر شيخ الإسلام في الأسنى فيه، وعبارته: وظاهره أنه لا فرق بين طول
جميع كلماته.
أما المؤذن أو المقيم لنفسه فيكفيه إسماع نفسه فقط.
(ووقت) أي دخوله (لغير أذان صبح) لان ذلك للاعلام، فلا يجوز ولا يصح قبله.
أما أذان الصبح فيصح من نصف ليل.
(وسن تثويب) لاذاني (صبح، وهو أن يقول بعد الحيعلتين: الصلاة خير من النوم، مرتين).
ويثوب لاذان فائتة صبح، وكره لغير صبح.
ــ
الفصل وقصره، وفيه نظر.
اه.
وهو أيضا خلاف ما جرى عليه الشارح من التقييد بعدم الطول كما علمت كلامه.
(قوله: وجهر) أي وشرط جهر للحديث الآتي.
قال في فتح الجواد: فلا يجزئ الإسرار ولو ببعضه، ما عدا الترجيع لفوات الإعلام، اه.
قوله: فينبغي أي يجب، كما عبر به في فتح الجواد.
وقوله: إسماع واحد أي بالفعل، وأما الباقون فيكفي إسماعهم بالقوة بحيث لو أصغوا لسمعوا.
قال ش ق: هذا بالنسبة لأصل السنة، أما كمالها فلا يحصل إلا بسماع كلهم بالفعل.
ومحل هذا في غير ما يحصل به الشعار، أما هو فشرطه أن يظهر في البلد بحيث يبلغ جميعهم بالفعل.
فيكفي في القرية الصغيرة في موضع، وفي الكبيرة في مواضع، بحيث يظهر الشعار بها.
فلو أذن واحد في جانب فقط حصلت السنة فيه دون غيره.
اه.
(وقوله: جميع كلماته) أي المذكور من الأذان والإقامة.
(قوله: فيكفيه لسماع نفسه فقط) أي لأن الغرض منه الذكر لا الإعلام.
اه فتح الجواد.
(قوله: ووقت) أي وشرط فيهما وقت، وهو في الإقامة عند إرادة فعل الصلاة أداء أو قضاء، وفي الأذان المضروب لها شرعا، فيصح في أي جزء منه.
والأفضل وقوعه في وقت الاختيار.
(وقوله: أي دخوله) أفاد به أن في الكلام مضافا محذوفا، والمراد دخوله ولو بحسب الواقع.
فإذا هجم وأذن جاهلا بدخوله وصادفه أجزأ، والفرق بينه وبين التيمم والصلاة حيث لا يصحان حينئذ، وإن تبين وقوعهما في الوقت توقفهما على نية، بخلافه.
ومثل الصلاة خطبة الجمعة على المعتمد، لأنها قائمة مقام ما يتوقف على نية، إذ هي في مقام
ركعتين.
(قوله: لأن ذلك الخ) علة لاشتراط دخول الوقت فيهما.
واسم الإشارة عائد على المذكور من الأذان الإقامة.
(وقوله: للإعلام) أي بالصلاة، أو بالوقت، على الخلاف المار.
ولا معنى للإعلام قبل دخول وقتها.
(قوله: فلا يجوز الخ) تفريع على اشتراط الوقت.
أي فلا يجوز كل من الأذان والإقامة ولا يصح قبل دخول الوقت، أي للتلبس بعبادة فاسدة، ولأنه قد يؤدي إلى التلبيس على غيره، ويكون صغيرة لا كبيرة.
ومثل وقوعهما قبله وقوعهما بعده، فلا يجوز أن كانت الصلاة فعلت في الوقت.
(قوله: أما أذان الصبح الخ) محترز قوله: لغير أذان الصبح.
وخرج بالأذان الإقامة، فإنها لا تصح قبل الوقت ولو للصبح.
وقوله: فيصح من نصف ليل أي شتاء كان أو صيفا، لما صح أنه صلى الله عليه وسلم قال: إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم.
وحكمته أن الفجر يدخل وفي الناس الجنب والنائم فجاز بل ندب تقديمه ليتهيؤا لإدراك فضيلة أول الوقت.
وفي ش ق ما نصه: قال سم: لو فاتت صلاة الصبح وأرادوا قضاءها فهل يسن تعدد الأذان لأن القضاء يحكي الأداء، ولهذا يسن التثويب في الأذان في القضاء؟ أو لا لأن الأذان لمعنى، كتهيؤ الناس لصلاة الصبح، وقد فات بخروج وقته، ويفارق التثويب بأنه جزء من الأذان، والتعدد خارج عنه؟ فيه نظر.
فإن قلنا بالأول فقياسه أنه لو ترك الأذان حتى طلع الفجر أن يطلب تعدده، وإلا فما الفرق؟ فليتأمل.
اه.
(قوله: وسن تثويب) أي لما صح: أن بلالا أذن للصبح فقيل له: إن النبي صلى الله عليه وسلم نائم.
فقال: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، الصلاة خير من النوم.
فقال صلى الله عليه وسلم: اجعله في تأذينك للصبح.
والتثويب مأخوذ من ثاب إذا رجع، لأن المؤذن دعا إلى الصلاة بالحيعلتين، ثم عاد فدعا إليها بذلك.
وخص بالصبح لما يعرض للنائم من التكاسل بسبب النوم.
وقوله: لأذاني صبح جرت عادة أهل مكة بتخصيصه بالأذان الثاني ليحصل التمييز بينه وبين الأول.
(قوله: الصلاة خير من النوم) فيه أنه لا مشاركة بين الصلاة والنوم، لأنه مباح وهي عبادة، إلا أن يقال أنه قد يكون عبادة كما إذا كان وسيلة إلى تحصيل طاعة أو ترك معصية، أو لأنه راحة في الدنيا والصلاة راحة في الآخرة، والراحة في الآخرة أفضل.
أو أن في الكلام حذفا، أي اليقظة للصلاة خير من راحة النوم.
فالمفاضلة بين اليقظة والراحة لا بين الصلاة والنوم.
ويندب أن يقول مرتين في نحو الليلة ذات المطر ألا صلوا في رحالكم.
ومن سمع ذلك يجيبه بلا حول ولا قوة إلا بالله.
قياسا على الحيعلتين، بجامع الطلب في كل.
(قوله: ويثوب لأذان فائتة صبح) أي في كل من أذاني الصبح، ويوالي بين أذانيه.
اه ع ش.
(قوله:
(وترجيع) بأن يأتي بكلمتي الشهادتين مرتين سرا، أي بحيث يسمع من قرب منه عرفا قبل الجهر بهما للاتباع، ويصح بدونه.
(وجعل مسبحتيه بصماخيه) في الاذان دون الاقامة، لانه أجمع للصوت.
قال شيخنا: إن أراد رفع الصوت به، وإن تعذرت يد جعل الاخرى، أو سبابة سن جعل غيرها من بقية الاصابع.
(و) سن (فيهما) أي في الاذان والاقامة (قيام) وأن يؤذن على موضع عال، ولو لم يكن للمسجد منارة سن بسطحه ثم ببابه.
(واستقبال) للقبلة، وكره تركه.
(وتحويل وجهه) لا الصدر (فيهما يمينا) مرة (في حي على الصلاة) في المرتين،
ــ
وكره) أي التثويب، لخبر الصحيحين: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد.
(قوله: وترجيع) معطوف على
تثويب، أي وسن ترجيع، وهو مختص بالأذان كالتثويب.
قال في الأذكار: والترجيع عندنا سنة، وهو أنه إذا قال بعالي صوته: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، قال سرا بحيث يسمع نفسه ومن بقربه: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله.
ثم يعود إلى الجهر وإعلاء الصوت فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله.
اه.
(قوله: بأن يأتي إلخ) تصوير للترجيع.
واختلف في الذي يسمى بالترجيع هل الذي يقوله سرا أو الذي يقوله جهرا أو هما معا؟ فقال بعضهم بالأول، وهو مقتضى التصوير المذكور.
وقيل بالثاني، وقيل بالثالث.
(قوله: أي بحيث يسمع إلخ) تصوير مراد للسر.
وعبارة المغني: والمراد بالإسرار بهما - أي بالشهادتين - أي يسمع من بقربه أو أهل المسجد، أي أو نحوه، إن كان واقفا عليهم والمسجد متوسط الخطة.
كما صححه ابن الرفعة ونقله عن النص وغيره وهذا تفسير مراد، وإلا فحقيقة الإسرار هو أن يسمع نفسه، لأنه ضد الجهر.
اه.
(قوله: للاتباع) دليل لسنية الترجيع، وهو أنه صلى الله عليه وسلم علمه لأبي محذورة.
(قوله: ويصح بدونه) أي ويصح الأذان بدون الترجيع، لأنه سنة فيه لا شرط، ومثله التثويب.
(قوله: وجعل مسبحتيه الخ) معطوف على تثويب.
أي وسن جعل مسبحتيه - أي طرفهما - في صماخية - أي خرقي أذنيه - لما صح من فعل بلال ذلك بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم.
(قوله: لأنه أجمع للصوت) أي لأنه أبلغ في رفع الصوت المطلوب في الأذان.
أي ولأنه يستدل به الأصم والبعيد.
قال في التحفة: وقضيتهما أنه لا يسن لمن يؤذن لنفسه بخفض الصوت.
اه.
(قوله: قال شيخنا: إن أراد) أي لا يسن الجعل المذكور إن أراد رفع الصوت به، أي بالأذان.
والقيد المذكور ليس مذكورا في التحفة ولا في فتح الجواد فلعله في غيرهما من بقية كتبه.
(قوله: وإن تعذرت يد) أي جعل يد.
والمراد بتعذر ذلك تعذر جعل كل أصبع من أصابعها المسبحة وغيرها من بقية الأصابع، بدليل ما بعده، لقيام علة باليد كنحو شلل.
(قوله: جعل الأخرى) أي اليد الأخرى، والمراد مسبحتها كما هو ظاهر.
(قوله: أو سبابة) أي أو لم تتعذر اليد، أي كل أصابعها بل السبابة فقط.
وقوله: جعل غيرها أي غير السبابة.
وقوله: من بقية الأصابع بيان للغير.
قال ع ش: قضيته استواؤها في حصول السنة بكل منها، وأنه لو فقدت أصابعه الكل لم يضع الكف.
اه.
(قوله: وسن فيهما الخ) أي لخبر الصحيحين: يا بلال قم فناد.
فيكرهان للقاعد وللمضطجع أشد كراهة، وللراكب المقيم بخلاف المسافر.
(قوله: وأن يؤذن على موضع عال) أي وسن أن يؤذن على ذلك لأنه أبلغ في الإعلام.
وخرج بالأذان الإقامة، فلا تسن على موضع عال إلا لحاجة ككبر المسجد.
(قوله: ولو لم يكن للمسجد منارة) هذا مرتبط بمحذوف، وهو أنه يسن أن يكون على منارة
المسجد، فلو لم الخ.
(قوله: سن بسطحه) أي المسجد.
وقوله: ثم ببابه أي ثم إذا لم يكن له سطح سن أن يكون على باب المسجد.
(قوله: واستقبال للقبلة) أي وسن فيهما استقبال القبلة، أي لأنها أشرف الجهات، ولأن توجهها هو المنقول سلفا وخلفا.
وفي بشرى الكريم ما نصه: قال الأطفيحي: قال م ر: وعلم من سن التوجه حال الأذان أنه لا يدور على ما يؤذن عليه من منارة أو غيرها.
اه.
ونقل سم عن م ر أنه لا يدور، فإن دار كفى إن سمع آخره من سمع أوله، وإلا فلا.
اه.
والراجح كراهة الدوران مطلقا، كبرت البلد أو صغرت، وإذا لم يسمع من بالجانب الآخر سن أن يؤذن فيه.
اه شيخنا ع ش.
لكن كتب ب ج على شرح المنهج ما نصه: قوله: وتوجه للقبلة.
إن لم يحتج لغيرها، وإلا كمنار وسط البلد فيدور حولها.
اه.
(قوله: وكره تركه) أي الاستقبال، لأنه مخالف للمنقول سلفا وخلفا.
(قوله: وتحويل وجهه)
ثم يرد وجهه للقبلة (وشمالا) مرة (في حي على الفلاح) في المرتين، ثم يرد وجهه للقبلة.
ولو لاذان الخطبة أو لمن يؤذن لنفسه.
ولا يلتفت في التثويب، على نزاع فيه.
(تنبيه) يسن رفع الصوت بالاذان لمنفرد فوق ما يسمع نفسه، ولمن يؤذن لجماعة فوق ما يسمع واحدا منهم، وأن يبالغ كل في جهر به للامر به، وخفضه به في مصلى أقيمت فيه جماعة وانصرفوا، وترتيله، وإدراج
ــ
أي وسن تحويل وجهه، أي المذكور من المؤذن والمقيم، لأن بلالا كان يفعل ذلك في الأذان.
وقيس به الاقامة، واختص بالحيعلتين لأنهما خطاب آدمي، كالسلام من الصلاة، بخلاف غيرهما فإنه ذكر الله تعالى.
(قوله: لا الصدر) عبارة النهاية: ويسن أن يلتفت في الأذان والإقامة بوجهه لا بصدره، من غير أن ينتقل عن محله، ولو على منارة، محافظة على الاستقبال.
اه.
(قوله: فيهما) أي الأذان والإقامة.
(قوله: يمينا) منصوب بنزع الخافض، وهو متعلق بتحويل.
أي تحويله إلى جهة اليمين.
وقوله: مرة حال من تحويل، أو ظرف متعلق به.
(قوله: في حي على الصلاة) متعلق بتحويل، أو بدل بعض من فيهما.
وقوله: في المرتين بدل من الجار والمجرور قبله، أو متعلق بتحويل.
وهذا في الأذان، أما الإقامة فليس فيها إلا مرة واحدة.
(قوله: وشمالا) معطوف على يمينا.
أي ويسن تحويل وجهه إلى جهة الشمال.
وقوله: مرة حال من تحويل المقدر، أو ظرف متعلق به، كما في الذي قبله.
(قوله: في حي على الفلاح) متعلق بتحويل المقدر، أو بدل من مقدر أيضا.
وقوله: في المرتين بدل مما قبله، أو متعلق بتحويل المقدر.
ويقال فيه أيضا ما مر، من إن هذا في الأذان، أما الإقامة فليس فيها إلا مرة واحدة.
ولو زاد الشارح هنا: وفيما مر، بعد قوله: في المرتين أو في المرة الواحدة، لكان أولى.
وعبارة المنهج وشرحه: وأن يلتفت بعنقه فيهما يمينا مرة في حي على الصلاة مرتين في الأذان ومرة في الإقامة، وشمالا مرة في حي على الفلاح كذلك.
اه.
(قوله: ولو لأذان الخطبة إلخ) غاية لسنية التحويل المذكور.
أي يسن تحويل وجهه ولو لأذان الخطبة.
وقوله: أو لمن يؤذن لنفسه أي ويسن التحويل ولو لمن يؤذن لنفسه.
لأنه قد يسمعه من لا يعلم به وقد يريد الصلاة معه، فمظنة فائدة التحويل موجودة.
فإن كان بمحل يقطع بعدم إتيان الغير له فيه لم يحول بل يتوجه للقبلة في كل أذانه.
ويسن التحويل المذكور في الأذان لتغول الغيلان، لأنه أبلغ في الإعلام وأدفع لشرهم بزيادة الإعلام، ولذا يسن فيه رفع الصوت.
أما الأذان في أذن المولود فلا يطلب فيه رفع ولا التفات لعدم فائدته.
أفاده ش ق.
(قوله: ولا يلتفت في التثويب) قال الكردي: ارتضاه شيخ الإسلام في الأسنى، والخطيب في شرح التنبيه، والمغني والشارح في الإمداد، والجمال الرملي في النهاية، وغيرهم.
وفي التحفة: قال ابن عجيل: لا.
وغيره: نعم.
الخ.
اه.
وقوله: على نزاع أي خلاف.
وقوله: فيه أي في عدم الالتفات.
ووجه النزاع أن التثويب في المعنى دعاء إلى الصلاة كالحيعلتين، والالتفات فيهما مطلوب، فكذلك هو يطلب فيه ذلك.
(قوله: يسن رفع الصوت بالأذان لمنفرد) أي لما روى البخاري عن عبد الله بن عبد الرحمن بن صعصعة، أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال له: إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شئ إلا شهد له يوم القيامة.
سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أي سمعت جميع ما قلته لك بخطاب من النبي صلى الله عليه وسلم.
ومحل سنية رفع الصوت به في غير مصلى أقيمت فيه جماعة وذهبوا.
ويؤخذ ذلك من قوله بعد: وخفضه به الخ.
وقوله: فوق ما يسمع نفسه أما بقدر ما يسمع نفسه فهو شرط.
(قوله: ولمن يؤذن لجماعة الخ) أي ويسن لمن يؤذن لجماعة أن يرفع صوته فوق ما يسمع واحدا منهم، أما بقدر ما يسمع واحدا منهم فقط فهو شرط كما مر.
(قوله: وإن يبالغ كل إلخ) أن ويسن أي يبالغ كل من المنفرد ومن أذن لجماعة في الجهر بالأذان.
قال في النهاية: ما لم يجهد نفسه.
اه.
والحاصل: يحصل له أصل السنة بمجرد الرفع فوق ما يسمع نفسه.
أو واحدا من المصلين.
وكمال السنة بالرفع طاقته.
وقوله: للأمر به أي برفع الصوت في الخبر المتقدم في قوله: فارفع صوتك إلخ.
فهو تعليل لسنية رفع الصوت للمؤذن لنفسه أو لجماعة، لا لسنية المبالغة إذ لم
الاقامة، وتسكين راء التكبير الاولى.
فإن لم يفعل فالافصح الضم.
وإدغام دال محمد في راء رسول الله لان تركه من اللحن الخفي.
وينبغي النطق بهاء الصلاة، ويكرهان من محد ث وصبي وفاسق.
ولا يصح نصبه، وهما
ــ
يؤمر بها في الخبر المذكور.
نعم، تؤخذ سنيتها من قوله فيه: فإنه لا يسمع الخ.
تأمل.
(قوله: وخفضه به) أي ويسن خفض الصوت بالأذان لئلا يوهمهم دخول وقت صلاة أخرى أو يشككهم في وقت الأولى، لا سيما في الغيم، فيحضرون مرة ثانية، وفيه مشقة شديدة.
وقوله: في مصلى متعلق بمحذوف حال من ضمير به العائد على الأذان، أي حال كونه في مصلى، مسجدا كان أو غيره.
(قوله: أقيمت فيه جماعة) ليس بقيد، بل مثله ما لو صلوا فيه فرادى.
(قوله: وانصرفوا) هكذا قيد به في التحفة، ولم يقيد به في النهاية، وقال فيها: وقول الروضة، كأصلها: وانصرفوا، مثال لا قيد.
فلو لم ينصرفوا فالحكم كذلك، لأنه إن طال الزمن بين الأذانين توهم السامعون دخول وقت صلاة أخرى، وإلا توهموا وقوع صلاتهم قبل الوقت، لا سيما في يوم الغيم.
اه.
(قوله: وترتيله) معطوف على رفع الصوت: والضمير فيه يعود على الأذان.
أي ويسن ترتيل الأذان.
أي التأني فيه بأن يأتي بكلماته مبينة.
وقوله: وإدراج الإقامة أي ويسن إدراج الإقامة، أي الإسراع فيها.
وذلك للأمر بهما، ولأن الأذان للغائبين، فالترتيل فيه أبلغ.
والإقامة للحاضرين فالإدراج فيها أشبه، ولذا كانت أخفض منه صوتا.
(قوله: وتسكين الخ) أي ويسن تسكين راء التكبيرة الأولى من الأذان، ومثلها راء التكبيرة الثانية، بل أولى، لأنه يسن الوقف عليها.
قال الكردي: وعبارة الإمداد: السنة تسكين راء التكبيرة الثانية، وكذا الأولى، فإن لم يفعل ضم أو فتح الخ.
اه.
(قوله: فإن لم يفعل) أي التسكين.
وقوله: فالأفصح الضم أي أفصح من الفتح.
قال ابن هشام في مغنيه: قال جماعة منهم المبرد: حركة راء أكبر - أي الأولى - فتحة: وأنه وصل بنية الوقف.
ثم اختلفوا فقيل: هي حركة الساكنين، وهي حركة الهمزة نقلت.
وهذا خروج عن الظاهر لغير داع، والصواب أن حركة الراء ضمة إعراب.
اه.
والحاصل أن الوقف أولى لأنه المروي، ثم الرفع وإن الرفع أولى من الفتح لأنه حركة الإعراب الأصلية، فالإتيان به أولى من اجتلاب حركة أخرى لالتقاء الساكنين، وإن كان جائزا.
ولا ينافي الأول أنه يندب قرن كل تكبيرتين في صوت لأنه يوجد مع الوقف على الراء الأولى بسكتة لطيفة جدا.
(قوله: وإدغام الخ) أي ويسن إدغام دال محمد في راء رسول الله.
وقوله: لأن تركه أي الإدغام المذكور.
وقوله: من اللحن الخفي ولهذا لو تركه في التشهد أبطل الصلاة، كما مر في الركن العاشر من أركان الصلاة.
(قوله: وينبغي النطق بهاء الصلاة) أي في الحيعلتين وفي كلمة الإقامة.
قال حجر في فتح الجواد: وليحترز من أغلاط تبطل الأذان، بل يكفر متعمد بعضها، كمد باء أكبر وهمزته، وهمزة أشهد، وألف ألله، وعدم النطق بهاء الصلاة، وغير ذلك.
ويحرم تلحينه إن أدى لتغيير معنى أو إيهام محذور، ولا يضر زيادة لا تشتبه بالأذان، ولا الله الأكبر.
اه.
(قوله: ويكرهان) أي الأذان والإقامة.
وقوله: من محدث أي غير فاقد الطهورين.
وإنما كره للمحدث لخبر الترمذي: لا يؤذن إلا متوضئ.
وقيس بالأذان الإقامة، والكراهة للجنب أشد منها للمحدث، لغلظ الجنابة.
وهي في إقامة منهما أغلظ منها في أذانهما لقربها من الصلاة.
وقوله: وفاسق أي لأنه لا يؤمن أن يأتي بهما في غير الوقت، والصبي مثله.
(قوله: ولا يصح نصبه) الضمير يعود على المذكور من الفاسق والصبي، وإن كان صنيعه يقتضي أنه عائد على الفاسق فقط.
ولو قال: نصبهما - بضمير التثنية - لكان أولى.
والمعنى: لا يصح للإمام أن ينصب للأذان الفاسق - كالصبي - لما مر من اشتراط التكليف والأمانة في منصوب الإمام.
(قوله:
وهما) أي الأذان والإقامة.
أي مجموعهما أفضل، أي لأنه علامة على الوقت، فهو أكثر نفعا منها، ولما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول لاستهموا عليه.
أي اقترعوا.
وقوله: إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظلة لذكر الله تعالى.
وقوله: المؤذنون أطول أعناقا يوم القيامة.
أي أكثر رجاء، لأن راجي الشئ يمد عنقه.
وقيل بكسر الهمزة، أي إسراعا إلى الجنة.
وقوله: الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن.
اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين.
والأمانة أعلى من الضمان، والمغفرة أعلى من الإرشاد، وخبر: المؤذن يغفر له مدى صوته ويشهد له كل رطب ويابس.
قال في المغنى: فإن قيل: كيف فضل المصنف الأذان مع موافقته للرافعي على تصحيحه
أفضل من الامامة لقوله تعالى: * (ومن أحسن قو ممن دعا إلى الله) * قالت عائشة رضي الله عنها: هم المؤذنون.
وقيل: هي أفضل منهما، وفضلت من أحدهما بلا نزاع.
(و) سن (لسامعهما) سماعا يميز الحروف، وإلا لم يعتد بسماعه - كما قال شيخنا -.
آخرا (أن يقول ولو
ــ
أنه سنة وتصحيحه فرضية الجماعة، إذ يلزم من ذلك تفضيل سنة على فرض، وإنما يرجحه - أي الأذان - عليها من يقول بسنيتها.
أجيب بأنه لا مانع من تفضيل سنة على فرض.
فقد فضل إبتداء السلام على الجواب، وإبراء المعسر على إنظاره، مع أن الأول فيهما سنة والثاني واجب.
اه.
(قوله: ومن أحسن قولا) أي لا أحد أحسن قولا ممن دعا إلى الله بالتوحيد.
(قوله: قالت عائشة الخ) قال في التحفة: ولا ينافيه قول ابن عباس: هو النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه الأحسن مطلقا، وهو الأحسن بعده.
ولا كون الآية مكية، والأذان إنما شرع بعد الهجرة في المدينة، لأنه لا مانع من أن المكي يشير إلى فضل ما يشرع بعد.
اه بزيادة.
(قوله: هم المؤذنون) أي أن المراد بمن دعا إلى الله المؤذنون.
وفي حاشية الجمل ما نصه في الخازن: وللدعوة إلى الله مراتب، الأولى: دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلى الله تعالى بالمعجزات وبالحجج والبراهين وبالسيف، وهذه المرتبة لم تتفق لغير الأنبياء.
المرتبة الثانية: دعوة العلماء إلى الله تعالى بالحجج والبراهين فقط.
المرتبة الثالثة: دعوة المجاهدين إلى الله بالسيف، فهم يجاهدون الكفار حتى يدخلوهم في دين الله وطاعته.
المرتبة الرابعة: دعوة المؤذنين إلى الصلاة، فهم أيضا دعاة إلى الله، أي إلى طاعته.
اه.
(قوله: وقيل هي) أي الإمام أفضل منهما، أي الأذان والإقامة.
وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم.
رواه الشيخان.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين واظبوا على الإمامة دون الأذان، وإن كان صلى الله عليه وسلم قد أذن في السفر راكبا، ولأن القيام بالشئ أولى من الدعاء إليه.
(قوله: وفضلت) أي الإمامة.
وقوله: من أحدهما أي الأذان والإقامة.
(قوله: بلا نزاع) أي خلاف.
وفيه أن العلامة الجمال الرملي خالف، وعبارته بعد كلام: وسواء انضم إليه - أي الأذان - الإقامة أم لا، خلافا للمصنف في نكت التنبيه.
اه.
ومثله الخطيب، ونص عبارته: تنبيه الأذان وحده أفضل من الإمامة.
وقيل: إن
الأذان مع الإقامة أفضل من الإمامة.
وصحح النووي هذا في نكته.
اه.
وعبارة التحفة مع الأصل: قلت: الأصح انه - أي الأذان - مع الإقامة، لا وحده - كما اعتمده، خلافا لمن نازع فيه - أفضل.
والله أعلم.
اه.
وقوله: خلافا لمن نازع فيه.
يثبت النزاع.
فلو عبر به الشارح لكان أولى.
(قوله: وسن لسامعهما) أي الأذان والإقامة.
قال ع ش: هو شامل للأذان للصلاة ولغيرها، كالأذان في أذن المولود وخلف المسافر.
ويوافقه عموم حديث: إذا سمعتم المؤذن إلخ.
فإن المتبادر أن اللام فيه للاستغراق، فكأنه قيل: إذا سمعتم أي مؤذن، سواء أذن للصلاة أو لغيرها.
لكن نقل عن م ر أنه لا يجيب إلا أذان الصلاة.
وعليه فاللام في قوله: إذا سمعتم المؤذن، للعهد.
فليراجع.
اه.
وقوله: فليراجع.
في سم: فرع.
لا تسن إجابة أذان نحو الولادة وتغول الغيلان.
اه.
(قوله: سماعا يميز الحروف) أي ولو في البعض، بدليل قوله بعد: ولو سمع بعض الأذان أجاب فيه.
(قوله: وإلا) أي وإن لم يسمع سماعا يميز الحروف.
(وقوله: لم يعتد بسماعه) أي فلا يسن له أن يقول مثل قولهما.
(قوله: كما قال شيخنا آخرا) هو الذي في التحفة.
والذي في شرح بأفضل.
وفتح الجواد، وكذلك الإيعاب والإمداد، خلافه.
وهو أنه يجيب ولو لم يسمع إلا مجرد الصوت من غير أن يميز حروفه.
فلابن حجر قولان: القول الأول ما في غير التحفة من كتبه، والقول الآخر ما فيها.
(قوله: أن يقول الخ) لخبر الطبراني: إن المرأة إذا أجابت الأذان أو الإقامة كان لها بكل حرف ألف ألف درجة، وللرجل ضعف ذلك.
اه شرح حجر.
ولخبر مسلم: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي.
ويؤخذ من قوله: فقولوا.
أن يأتي بكل كلمة عقب فراغه منها.
وأخذوا من قوله: مثل ما يقول ولم يقل: مثل ما تسمعون.
أنه يجيب في الترجيع وإن لم يسمعه.
(قوله: ولو غير
غير متوضئ) أو جنبا أو حائضا - خلافا للسبكي فيهما - أو مستنجيا فيما يظهر، (مثل قولهما إن لم يلحنا لحنا يغير المعنى).
فيأتي بكل كلمة عقب فراغه منها، حتى في الترجيع وإن لم يسمعه.
ولو سمع بعض الاذان أجاب فيه وفيما لم يسمعه.
ولو ترتب المؤذنون أجاب الكل ولو بعد صلاته.
ويكره ترك إجابة الاول.
ويقطع
ــ
متوضئ) أي يسن للسامع أن يقول مثل قولهما، ولو كان ذلك السامع غير متوضئ بأن كان محدثا حدثا أصغر.
وقوله: أو جنبا أو حائضا أي ولو كان جنبا أو حائضا فإنه يسن له أن يقول مثل قولهما.
قال سم: قضيته عدم كراهة إجابة المحدث والجنب والحائض، ويشكل عليه كراهة الأذان لهم.
وفرق شيخ الإسلام بأن المؤذن والمقيم مقصران حيث لم يتطهرا عند مراقبتهما الوقت، والمجيب لا تقصير منه لأن إجابته تابعة لأذان غيره، وهو لا يعلم غالبا وقت أذانه.
اه.
قال في شرح العباب: وهو حسن متجه.
اه.
(قوله: خلافا للسبكي فيهما) أي في الجنب والحائض، فإنه قال: لا يجيبان، لخبر: كرهت أن أذكر الله تعالى إلا على طهر.
ولخبر: كان عليه السلام يذكر الله على كل أحيانه إلا لجنابة.
وهما صحيحان.
ووافقة ولده التاج في الجنب لإمكان طهره حالا، لا الحائض لتعذر طهرها مع طول أمد حدثها.
اه تحفة.
(قوله: أو مستنجيا) معطوف على جنبا، أي ويسن للسامع أن يقول مثل قولهما ولو كان في حال استنجائه.
ومحله إذا استنجى في غير نحو بيت الخلاء، وإلا فلا يسن ذلك، لأن الذكر بمحل النجاسة مكروه.
(قوله: مثل قولهما) مفعول مطلق ليقول.
أي يقول قولا مثل المؤذن والمقيم، وفي سم: قال في العباب: ولو ثنى حنفي الإقامة أجيب مثنى.
قال في شرحه: كما نقله الأذرعي عن ابن كج، لأنه هو الذي يقيم، فأدير الأمر على ما يأتي به.
ثم أبدى احتمالا أنه لا يجيب في الزيادة، أي أنه قال في توجيه هذا الاحتمال: وكما لو زاد في الأذان تكبيرا أو غيره فإن الظاهر أنه لا يتابعه.
اه.
ويجاب بأنها سنة في اعتقاد الآتي الخ.
اه.
(قوله: إن لم يلحنا) أي المؤذن والمقيم، فإن لحنا لحنا يغير المعنى، كمد همزة أكبر ونحوهما مما مر في الأغلاط التي تقع للمؤذنين، لا تسن إجابتهما.
قال في بشرى الكريم: ولو كان المؤذن يغير معنى بعض كلماته فيظهر أنه لا تسن إجابته.
لكن نقل سم عن العباب وشرحه سن إجابته، ثم قال: وقد يتوقف فيه بل في إجزائه، فليتأمل.
اه.
(قوله: فيأتي بكل كلمة الخ) تفريع على أنه يسن للسامع أن يقول مثل قولهما: وفي الكردي ما نصه: قوله: عقب كل كلمة.
مثله المغنى وغيره.
قال في التحفة: هو الأفضل، فلو سكت حتى فرغ كل الأذان ثم أجاب قبل فاصل طويل عرفا كفى في أصل سنة الإجابة كما هو ظاهر.
اه.
ونحوه في الإمداد وغيره.
نعم، قد يقال إن غفران الذنوب ودخول الجنة الآتيين في كلامه نقلا عن خبر مسلم يتوقفان على الإجابة عقب كل كلمة، إذ الذي فيه: إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر.
ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله.
الحديث اه.
وقوله: عقب فراغه، أي المذكور من المؤذن والمقيم.
وأفهمت العقبية أنه لا يتقدم عليه ولا يتأخر ولا يقارن.
وقوله: منها أي الكلمة.
(قوله: حتى في الترجيع) أي فيأتي به عقب فراغ المؤذن منه، وإن لم يسمعه، تبعا لما سمعه.
(قوله: أجاب فيه وفيما لم يسمعه) أي سن أن يجيب المؤذن في البعض الذي سمعه والبعض الذي لم يسمعه.
قال ع ش: سواء ما سمعه من الأول أو الآخر.
وفي الكردي قال في الإمداد: مبتدئا من أوله وإن كان ما سمعه آخره.
اه.
(قوله: ولو ترتب المؤذنون أي أذن واحد بعد واحد.
وقوله: أجاب الكل قال العز بن عبد السلام: أن إجابة الأول أفضل إلا أذاني الصبح فلا أفضلية فيهما لتقدم الأول ووقوع الثاني في الوقت، وإلا أذاني الجمعة لتقدم الأول ومشروعية الثاني في زمنه عليه الصلاة والسلام.
وخرج بقوله: ترتب ما إذا أذنوا معا فإنه تكفي إجابة واحدة.
كذا في فتح الجواد.
وقال في النهاية: ومما عمت به البلوى ما إذا أذن المؤذنون واختلطت أصواتهم على السامع وصار بعضهم يسبق بعضا.
وقد قال بعضهم: لا يستحب إجابة هؤلاء.
والذي أفتى به الشيخ عز الدين أنه يستحب إجابتهم.
اه.
وكتب ع ش: قوله: يستحب إجابتهم أي إجابة واحدة.
ويتحقق ذلك بأن يتأخر بكل كلمة حتى يغلب على ظنه أنهم أتوا بها بحيث تقع إجابته متأخرة أو مقارنة.
اه.
(قوله: ولو بعد صلاته) أي أنه تسن الإجابة له ولو بعد أن صلى، كأن سمع أذان بعضهم فصلى، ثم سمع أذان الباقي أجابه أيضا.
(قوله: ويكره ترك إجابة الأول) أي المؤذن الأول، لأن
للاجابة القراءة والذكر والدعاء.
وتكره لمجامع وقاضي حاجة، بل يجيبان بعد الفراغ، كمصل إن قرب الفصل، لا لمن بحمام، ومن بدنه ما عدا فمه نجس وإن وجد ما يتطهر به.
(إلا في حيعلات فيحوقل) المجيب، أي يقول فيها: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أي لا تحول عن معصية الله إلا به ولا قوة على طاعته إلا بمعونته.
(ويصدق) أي يقول: صدقت وبررت، مرتين.
أي صرت ذا بر، أي خير كثير.
(إن ثوب) أي
ــ
إجابته متأكدة.
ومفهومه أنه لا يكره ترك إجابة غير الأول.
(قوله: ويقطع الخ) أي إذا كان السامع يقرأ ويذكر أو يدعو سن له الإجابة وقطع ما هو مشتغل به، ولو كان المصلي يقرأ الفاتحة فأجابه قطع موالاتها ووجب عليه أن يستأنفها.
ولو سمع المؤذن وهو في الطواف أجابه فيه.
كما قاله الماوردي.
(فائدة) قال القطب الشعراني في العهود المحمدية: أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجيب المؤذن بما ورد في السنة، ولا نتلاهى عنه قط بكلام لغو ولا غيره أدبا مع الشارع صلى الله عليه وسلم.
فإن لكل سنة وقتا يخصها، فلإجابة المؤذن وقت، وللعلم وقت، وللتسبيح وقت، ولتلاوة القرآن وقت.
كما أنه ليس للعبد أن يجعل موضع الفاتحة استغفارا، ولا موضع الركوع والسجود قراءة، ولا موضع التشهد غيره.
وهكذا فافهم.
وهذا العهد يبخل به كثير من طلبة العلم فضلا عن غيرهم، فيتركون إجابة المؤذن، بل ربما تركوا صلاة الجماعة حتى يخرج الناس منها وهم يطالعون في علم نحو أو أصول أو فقه، ويقولون: العلم مقدم مطلقا، وليس كذلك فإن المسألة فيها تفصيل، فما كل علم يكون مقدما في ذلك الوقت على صلاة الجماعة كما هو معروف عند كل من شم رائحة مراتب الأوامر الشرعية.
وكان سيدي علي الخواص رحمه الله تعالى إذا سمع المؤذن يقول: حي على الصلاة.
يرتعد ويكاد يذوب من هيبة الله عزوجل، ويجيب المؤذن بحضور قلب وخشوع تام، رضي الله تعالى عنه.
فاعلم ذلك والله يتولى هداك.
اه.
(قوله: وتكره) أي الإجابة وهذا تقييد لقوله: وسن لسامعهما.
فكأنه قال: ومحل سنية ذلك له ما لم يكن في حال سماعه مجامعا أو قاضي حاجة، فإن كان كذلك لا يسن ذلك بل يكره.
(قوله: بل يجيبان) أي المجامع وقاضي الحاجة.
وقوله: بعد الفراغ أي من الجماع وقضاء الحاجة.
وقوله: كمصل فيه حوالة على مجهول لأنه لم يذكر فيما مر حكم المصلي، وذكره في التحفة، فلعله سقط هنا من النساخ، وعبارتها: وتكره لمن في صلاة إلا الحيعلة أو التثويب أو صدقت، فإنه يبطلها إن علم وتعمد.
ولمجامع وقاضي حاجة، بل يجيبان بعد الفراغ كمصل إن قرب الفصل.
اه.
وقوله: إن قرب الفصل قيد لسنية الإجابة بعد ما ذكر، فإن طال لم تستحب الإجابة للمذكورين، من المجامع وما
بعده.
قال في المغنى وفارق هذا تكبير العيد المشروع عقب الصلاة، حيث يتدارك وإن طال الفصل بأن الإجابة تنقطع مع الطول بخلاف التكبير.
اه.
(قوله: لا لمن بحمام) أي ولا تكره الإجابة لمن سمع الأذان وهو بحمام.
(قوله: ومن بدنه الخ) أي ولا تكره الإجابة أيضا لمن بدنه نجس ما عدا فمه، فإن كان فمه نجسا كرهت له الإجابة قبل تطهيره، فإذا طهره أجاب إن قرب الفصل، على قياس ما مر.
(قوله: وإن وجد) أي من بدنه نجس، وهو غاية لعدم كراهة الإجابة له.
(قوله: إلا في حيعلات) إستثناء من قوله: مثل قولهما.
والمراد بالجمع ما فوق الواحد إذ ليس هناك إلا حيعلتان فقط، وهما حي على الصلاة وحي على الفلاح.
وعبارة المنهاج: إلا في حيعلتيه، بالتثنية.
(قوله: فيحوقل) أي أربع مرات في الأذان ومرتين في الإقامة، وإنما سنت الحوقلة لقوله في خبر مسلم: وإذا قال حي على الصلاة.
قال: - أي سامعه - لا حول ولا قوة إلا بالله.
وإذا قال: حي على الفلاح.
لا حول ولا قوة إلا بالله.
ولما في الخبر الصحيح: من قال ذلك مخلصا من قلبه دخل الجنة.
(قوله: أي يقول فيها) قال في النهاية: يقول ذلك بدل كل منهما للخبر السابق، ولأن الحيعلتين دعاء إلى الصلاة.
فلا يليق بغير المؤذن، إذ لو قاله السامع لكان الناس كلهم دعاة.
فمن المجيب؟.
فيسن للمجيب ذلك لأنه تفويض محض إلى الله تعالى.
اه.
ونقل الكردي عن الإيعاب أنه يطلب الإتيان بهما من السامع أيضا لكن مع الحوقلة.
فانظره.
(قوله: إلا به) أي بالله.
(قوله: ولا قوة على طاعته) منها ما دعوتني يا الله إليه.
(قوله:
أتى بالتثويب في الصبح.
ويقول في كلمتي الاقامة: أقامها الله وأدامها وجعلني من صالحي أهلها.
(و) سن (لكل) من مؤذن ومقيم وسامعهما (أن يصلي) ويسلم (على النبي)(ص)(بعد فراغهما)، أي بعد فراغ كل منهما إن طال فصل بينهما، وإلا فيكفي لهما دعاء واحد.
(ثم) يقول كل منهم رافعا يديه: (اللهم رب هذه الدعوة) أي الاذان والاقامة، (إلى آخره).
تتمته: التامة والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته.
والوسيلة هي أعلى درجة في الجنة.
والمقام المحمود مقام الشفاعة في فصل القضاء يوم القيامة.
ويسن أن يقول بعد أذان المغرب: اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك فاغفر لي.
وتسن الصلاة على النبي (ص) قبل الاقامة، على ما قاله النووي في شرح الوسيط، واعتمده شيخنا ابن زياد، وقال: أما قبل الاذان فلم أر في ذلك شيئا.
وقال الشيخ الكبير البكري أنها تسن قبلهما، ولا يسن محمد رسول الله بعدهما.
قال الروياني في البحر: يستحب أن يقرأ بين الاذان والاقامة آية الكرسي لخبر: إن من قرأ ذلك بين الاذان والاقامة لم يكتب عليه ما بين الصلاتين.
ــ
ويصدق) الأولى أن يقول: وإلا في التثويب فيصدق.
(قوله: أي يقول: صدقت وبررت) بكسر الراء الأولى، وحكي فتحها.
زاد في العباب: وبالحق نطقت.
وقيل: يقول: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(قوله: وسن لكل من مؤذن إلخ) وذلك لخبر مسلم: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صل علي فإنه من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه وسلم بها عشرا، ثم اسألوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة.
أي غشيته ونالته.
وحكمة سؤال ذلك - مع كونه واجب الوقوع بوعد الله تعالى - إظهار شرفه وعظم منزلته.
(قوله: بعد فراغهما) أي الأذان والإقامة.
(قوله: أي بعد فراغ الخ) أشار بهذا إلى سنية الصلاة والسلام بعد تمام كل واحد منهما بالقيد الآتي، لا بعد تمام مجموعهما مطلقا كما يتوهم من الإضافة.
(قوله: إن طال فصل بينهما) أي بين الأذان والإقامة.
ولم أر هذا القيد في التحفة والنهاية وفتح الجواد والأسنى وشرح المنهج والمغنى والإقناع، فانظره.
(قوله: وإلا) أي وإن لم يطل الفصل بينهما بأن قرب.
وقوله: فيكفي لهما أي بعد الإقامة.
وقوله:
دعاء واحد المراد به الصلاة والسلام لأنهما دعاء، ويحتمل أن المراد به ما يشملهما ويشمل الدعاء الآتي، وهو بعيد.
ولو قال: فيكفي لهما صلاة واحدة وسلام واحد، لكان أنسب.
(قوله: كل منهم) أي المؤذن والمقيم والسامع.
(قوله: التامة) أي السالمة من تطرق الخلل إليها لاشتمالها على معظم شرائع الإسلام.
وقوله: الصلاة القائمة أي التي ستقام قريبا.
(قوله: والفضيلة) عطف تفسير، أو أعم.
تحفة.
(قوله: الذي) منصوب بدلا مما قبله، أو بتقدير أعني، أو مرفوع خبرا لمبتدأ محذوف.
اه شرح المنهج.
وقوله: وعدته أي بقولك: * (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) *.
(قوله: بعد أذان المغرب) أي وبعد إجابة المؤذن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وكل من هذه سنة مستقلة فلا يتوقف طلب شئ منها على فعل غيره.
ويسن أن يقول أيضا بعد أذان الصبح: اللهم هذا إقبال نهارك وإدبار ليلك، الخ.
قال ع ش: وإنما خص المغرب والصبح بذلك لكون المغرب خاتمة عمل النهار والصبح خاتمة عمل الليل ومقدمة عمل النهار.
اه.
(قوله: وأصوات دعاتك) أي وهذه أصوات دعاتك، وهي بضم الدال جمع داع.
(قوله: وتسن الصلاة إلخ) أي غير الصلاة والسلام بعد فراغ الأذان.
(قوله: إنها) أي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: قبلهما أي الأذان والإقامة.
(قوله: ولا يسن محمد رسول الله بعدهما) أي الأذان والإقامة، بأن يقول بعد لا إله إلا الله فيهما.
محمد رسول الله.
(فرع) أفتى البلقيني فيمن وافق فراغه من الوضوء فراغ المؤذن، بأنه يأتي بذكر الوضوء لانه للعبادة التي فرغ منها، ثم بذكر الاذان.
قال: وحسن أن يأتي بشهادتي الوضوء ثم بدعاء الاذان لتعلقه بالنبي (ص)، ثم بالدعاء لنفسه.
ــ
(قوله: ما بين الصلاتين) أي ما يقع بينهما من الذنوب.
(قوله: أفتى البلقيني إلخ) ولا تعارض إجابة الأذان وذكر الوضوء، بأن فرغ منه وسمع الأذان، بدأ بذكر الوضوء لأنه للعبادة التي باشرها وفرغ منها.
اه سم.
(قوله: بأنه يأتي إلخ) متعلق بأفتى.
وقوله: لأنه للعبادة التي فرغ منها أي وباشرها، وهي مقدمة على العبادة المباشر لها غيره.
(قوله: قال) أي البلقيني.
(قوله: وحسن أن يأتي بشهادتي الوضوء) أي وهما: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(قوله: ثم بدعاء الأذان) أي بعد الشهادتين يأتي به.
(قوله: لتعلقه) أي دعاء الأذان، بالنبي صلى الله عليه وسلم.
أي وما كان متعلقا به صلى الله عليه وسلم مقدم على ما كان متعلقا به نفسه.
وقوله: ثم بالدعاء لنفسه أي الذي بعد الوضوء، وهو: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين واجعلني من عبادك الصالحين.
(فوائد) ذكر في هامش مقامات الحريري ما نصه: من قال حين يسمع المؤذن مرحبا بالقائل عدلا، مرحبا بالصلاة أهلا.
كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألفي ألف سيئة، ورفع له ألفي ألف درجة.
اه.
وفي الشنواني ما نصه: من قال حين يسمع قول المؤذن: أشهد أن محمدا رسول الله: مرحبا بحبيبي وقرة عيني محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
ثم يقبل
إبهاميه ويجعلهما على عينيه لم يعم ولم يرمد أبدا.
وذكر أبو محمد بن سبع في شفاء الصدور: وأن من قال إذا فرغ المؤذن من أذانه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كل شئ هالك إلا وجهه.
اللهم أنت الذي مننت علي بهذه الشهادة وما شهدتها إلا لك، ولا يقبلها مني غيرك، فاجعلها لي قربة عندك وحجابا من نارك، واغفر لي ولوالدي ولكل مؤمن ومؤمنة برحمتك، إنك على كل شئ قدير.
أدخله الله الجنة بغير حساب.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل في صلاة النفل وهو لغة: الزيادة.
وشرعا: ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه.
ويعبر عنه بالتطوع والسنة والمستحب والمندوب.
وثواب الفرض يفضله بسبعين درجة، كما في حديث صححه ابن خزيمة.
وشرع ليكمل نقص الفرائض بل وليقوم في الآخرة لا في الدنيا مقام ما ترك منها لعذر، كنسيان، كما نص عليه.
ــ
فصل في صلاة النفل أي في بيان حكمها، وبيان ما هو مؤكد منها وغيره.
وما يسن له الجماعة من ذلك وما لا يسن.
(قوله: وهو) أي النفل.
وقوله لغة: الزيادة.
قال الله تعالى: * (ويعقوب نافلة) * أي زيادة على المطلوب.
(قوله: وشرعا الخ) سمي المعنى الشرعي به لنفله، أي زيادته على ما فرضه الله علينا.
(وقوله: ما يثاب الخ) قال ابن رسلان في زبده: والسنة المثاب من قد فعله * * ولم يعاقب امرؤ إن أهمله وهذا التعريف هو معنى قولهم: هو ما رجح الشرع فعله على تركه وجوز تركه.
(قوله: ويعبر عنه) أي عما يثاب إلخ.
وجملة ما ذكره من الألفاظ المترادفة على معنى واحد خمسة، ومثلها الإحسان.
والأولى، وقيل: التطوع: ما ينشئه الإنسان بنفسه.
والسنة ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم، والمستحب ما فعله أحيانا، أو أمر به.
(قوله: وثواب الفرض يفضله) أي النفل.
والمراد يفضله من حيث ذاته، فلا ينافيه أن المندوب قد يفضله - كما في إبراء المعسر وإنظاره - وابتداء السلام ورده، لأن ذلك لعارض وهو اشتمال المندوب على مصلحة الواجب، وزيادة، إذ بالإبراء زاد الإنظار وبالابتداء حصل أمن أكثر مما في الجواب.
(قوله: وشرع) أي النفل.
وقوله: ليكمل إلخ أي للخبر الصحيح: إن فريضة الصلاة والزكاة وغيرهما إذا لم تتم تكمل بالتطوع.
ولخبر ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول ما افترض الله على أمتي الصلوات الخمس، وأول ما يرفع من أعمالهم الصلوات الخمس، وأول ما يسألون من أعمالهم الصلوات الخمس.
فمن كان ضيع شيئا منها يقول الله تبارك وتعالى: انظروا هل تجدون لعبدي نافلة من صلاة تتمون بها ما نقص من الفريضة؟ وانظروا في صيام عبدي شهر رمضان، فإن كان ضيع شيئا منه فانظروا هل تجدون لعبدي نافلة من صيام تتمون بها ما نقص من الصيام؟ وانظروا في زكاة عبدي، فإن كان ضيع شيئا منها فانظروا هل تجدون لعبدي نافلة من
صدقة تتمون بها ما نقص من الزكاة؟ فيؤخذ ذلك على فرائض الله، وذلك برحمة الله وعدله.
فإن وجد فضل وضع في ميزانه، وقيل له ادخل الجنة مسرورا.
وإن لم يوجد له شئ من ذلك أمرت به الزبانية تأخذه بيديه ورجليه ثم يقذف به في النار.
وفي سم ما نصه: عبارة العباب: وإذا انتقص فرض كمل من نفله، وكذا باقي الأعمال.
اه.
وقوله: نفله.
قد يشمل غير سنن ذلك الفرض من النوافل، ويوافقه ما في الحديث: فإن انتقص من فريضته شيئا قال الرب سبحانه: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل به ما انتقص من الفريضة؟.
اه.
بل قد يشمل هذا تطوعا ليس من جنس الفريضة.
اه.
وقوله: نقص الفرائض.
أي الخلل الواقع فيها، كترك خشوع وتدبر قراءة.
(قوله: بل وليقوم الخ) يعني أنه إذا ترك
والصلاة أفضل عبادات البدن بعد الشهادتين، ففرضها أفضل الفروض، ونفلها أفضل النوافل.
ويليها الصوم،
فالحج، فالزكاة، على ما جزم به بعضهم، وقيل: أفضلها الزكاة.
وقيل: الصوم.
وقيل: الحج.
وقيل غير ذلك.
ــ
فريضة من الفرائض لعذر ومات قبل قضائها قام النفل مقامها، ويكون كل سبعين منه بركعة منها.
كما في ش ق.
وقوله: لا في الدنيا أما فيها فإذا تذكرها يجب عليه قضاؤها، ولا يقوم النفل مقامها.
وقوله: مقام ما ترك منها أي من الفرائض.
أي ومات قبل تذكرها.
(قوله: كما نص عليه) أي على قيامه في الآخرة مقام ما ترك منها.
(قوله: والصلاة أفضل إلخ) وذلك لقول الله تعالى: * (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) * الآية.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: ما افترض الله على العباد بعد التوحيد شيئا أحب إليه من الصلاة.
ولو كان شئ أحب منها لتعبد به ملائكته، فمنهم راكع وساجد وقائم وقاعد.
ولخبر الصحيحين: أي الأعمال أفضل؟ فقال: الصلاة لوقتها.
وقوله عليه الصلاة والسلام: استقيموا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة.
ولأنها تجمع من القرب ما تفرق في غيرها، من ذكر الله تعالى ورسوله والقراءة والتسبيح واللبس والاستقبال والطهارة والسترة وترك الأكل والكلام وغير ذلك، مع اختصاصها بالركوع والسجود وغيرهما.
وقوله: عبادات البدن خرج بها عبادات القلب، فإنها أفضل من الصلاة، وذلك كالإيمان والمعرفة والتفكر في مصنوعات الله تعالى التي يستدل بها على كمال قدرته، والصبر وهو حبس النفس على الطاعة ومنعها عن المعصية، والتوكل وهو التفويض إلى الله في الأمور كلها، والإعراض عما في أيدي الناس، والرضا والخوف والرجاء، ومحبة الله ومحبة رسوله وأهل بيته، والتوبة والتطهر من الرذائل.
وأفضلها الإيمان.
ورأيت في هامش فتح الجواد ما نصه: قال الفارقي: وهذا - أي قوله عبادات البدن - احتراز من عبادات المال، فإنها أفضل من عبادات البدن على ما وردت به الأخبار، ولأن نفعها يتعدى إلى الغير ونفع عبادات البدن قاصر على العابد، ونفع العباد أفضل الطاعات، ولهذا قرن صلى الله عليه وسلم بين نفع العباد وبين الإيمان بالله، وسوى بين الشرك بالله وبن ظلم العباد فقال عليه السلام: ليس بعد الإيمان أفضل من نفع العباد،
وليس بعد الشرك بالله أعظم من ظلم العباد.
اه.
من فوائد المهذب لابن أبي عصرون.
انتهى.
والظاهر أن المراد بعبادات المال ما يعم الصدقة الواجبة كالزكاة، والمستحبة.
لكن قول الشارح الآتي، وقيل: أفضلها الزكاة.
يقتضي أن الزكاة من عبادات البدن، لأن أفعل التفضيل بعض من المضاف إليه.
ثم رأيت القسطلاني نص على أن الزكاة من العبادات المالية، وعبارته فيما كتبه على حديث: بني الإسلام على خمس إلخ: ووجه الحصر في الخمسة أن العبادات إما قولية أو غيرها، الأولى: الشهادتان.
والثانية: إما تركية أو فعلية، الأولى: الصوم.
والثانية: إما بدنية أو مالية، الأولى الصلاة، والثانية الزكاة، أو مركبة منهما.
وهي الحج.
اه.
وعلى ما قاله الفارقي تكون الزكاة أفضل مطلقا، فتدبر.
وقوله: بعد الشهادتين منه تعلم أن المراد بالعبادات البدنية ما يشمل اللسانية.
اه كردي.
(قوله: ففرضها) أي الصلاة.
وقوله: أفضل الفروض أي من سائر العبادات البدنية.
(قوله: ونفلها أفضل النوافل) لا يرد حفظ غير الفاتحة من القرآن والاشتغال بالعلم، حيث نص الشافعي على أنهما أفضل من صلاة التطوع لأنهما فرض كفاية.
(قوله: ويليها) أي الصلاة، في الفضيلة.
(قوله: على ما جزم به) أي بالترتيب المذكور بعضهم.
وقيل أن الذي يلي الصلاة الزكاة، ثم الصوم، ثم الحج.
(قوله: وقيل أفضلها) أي عبادات البدن وهذا مقابل قوله: والصلاة أفضل عبادات البدن.
(قوله: وقيل الصوم) أي أفضلها، لخبر الصحيحن: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به.
وإنما اختص الصوم به سبحانه وتعالى لأنه لم يتقرب لأحد بالجوع والعطش إلا لله تعالى، ولأنه مظنة الإخلاص لخفائه، دون سائر العبادات.
فإنها أعمال ظاهرة يطلع عليها فيكون الرياء أغلب فيها.
وقيل إن كان بمكة فالصلاة أفضل، أو بالمدينة فالصوم أفضل.
(قوله: وقيل الحج) أي أفضلها، لاشتماله على المال والبدن، ولأنا دعينا إليه ونحن في الأصلاب.
كما أخذ علينا العهد بالإيمان حينئذ.
ولأن الحج يجمع معاني العبادات كلها.
فمن حج فكأنما صام وصلى واعتكف وزكى ورابط في سبيل الله وغزا.
كما قاله الحليمي.
(قوله: وقيل غير ذلك) منه ما قاله بعضهم أن الجهاد أفضل، ومنه ما قاله في الإحياء.
والخلاف في الاكثار من واحد - أي عرفا - مع الاقتصار على الآكد من الآخر، وإلا فصوم يوم أفضل من ركعتين.
وصلاة النفل قسمان: قسم لا تسن له جماعة كالرواتب التابعة للفرائض، وهي ما تأتي آنفا.
(يسن) للاخبار الصحيحة الثابتة في السنن (أربع ركعات قبل عصر، و) أربع قبل (ظهر و) أربع (بعده، وركعتان بعد
ــ
العبادات تختلف أفضليتها باختلاف أحوالها وفاعليها، فلا يصح إطلاق القول بأفضلية بعضها على بعض، كما لا يصح إطلاق القول بأن الخبر أفضل من الماء، فإن ذلك مخصوص بالجائع والماء أفضل للعطشان، فإن اجتمعا نظر للأغلب.
فتصدق الغني الشديد البخل بدرهم أفضل من قيام ليلة وصيام ثلاثة أيام لما فيه من دفع حب الدنيا، والصوم لمن استحوذت عليه شهوته من الأكل والشرب أفضل من غيره.
اه.
(قوله: والخلاف في الإكثار الخ) أي إن الخلاف بين
كون الصلاة مثلا أفضل أو الصوم مثلا أفضل مفروض فيما إذا أراد مثلا أن يكثر من الصوم ويقتصر على الآكد من الصلاة أو العكس.
فهل الأفضل الأول أو الثاني؟.
فمنهم من جنح إلى الأول، ومنهم من جنح إلى الثاني، وأنت خبير بأن ما ذكره لا يظهر إلا بين الصلاة والصوم، أما بينهما وبين غيرهما من الزكاة والحج فلا يظهر، إذ الزكاة ليس فيها آكد وغيره حتى يصح أن يقال يكثر من الصلاة مثلا مع الاقتصار على الآكد من الزكاة، أو يكثر من الزكاة مع الاقتصار على الآكد من الصلاة مثلا.
ومثلها الحج، ويدل عليه اقتصاره على الصوم والصلاة في قوله: وإلا فصوم يوم أفضل من ركعتين.
ثم رأيت عبارة الدميري صريحة فيما قلناه، ونصها: قال المصنف: وليس المراد من قولهم: الصلاة أفضل من الصوم، أن صلاة ركعتين أفضل من صوم أيام أو يوم، فإن صوم يوم أفضل من ركعتين، وإنما معناه أن من أمكنه الاستكثار من الصوم ومن الصلاة وأراد أن يستكثر من أحدهما ويقتصر من الآخر على المتأكد منه فهذا محل الخلاف، والصحيح تفضيل جنس الصلاة.
اه.
ومثلها عبارة شرح الروض فانظرها.
نعم، يتجه أن يقال بالنسبة للنسك لو أراد أن يصرف الزمن الذي يريد أن يشتغل فيه بالنسك تطوعا في الصلاة أو الصوم، فهل الأفضل ذلك أو الأفضل اشتغاله بالنسك مع اقتصاره على الآكد من الصلاة أو الصوم؟.
فعلى أنهما أفضل منه كان الاشتغال بهما أفضل، وعلى أنه أفضل منهما كان الاشتغال به أفضل.
بقي ما إذا تساوى الصوم والصلاة في الكثرة فمقتضى ما تقدم أن هذه الصورة ليست محل الخلاف وأن الصلاة أفضل من الصوم.
وقوله: مع الاقتصار على الآكد قال سم: ومنه الرواتب غير المؤكدة، ومن ثم عبر بالآكد دون المؤكد، فليتأمل.
اه.
(قوله: وإلا فصوم الخ) أي وإن لم يكن الخلاف مفروضا في الإكثار من أحدهما مع الاقتصار على الآكد من الآخر، بأن جعل بين الصلاة من حيث هي والصوم من حيث هو فلا يصح، لأن صوم يوم أفضل من صلاة ركعتين بلا شك.
(قوله: وصلاة النفل قسمان) أي ذات قسمين، وإلا لم يصح الإخبار.
(قوله: قسم لا تسن له جماعة) أي دائما وأبدا بأن لم تسن له أصلا، أو تسن في بعض الأوقات كالوتر في رمضان.
قال في النهاية: ولو صلى جماعة لم يكره.
اه.
ونقل ع ش عن سم أنه يثاب عليها.
وقال ح ل: لا يثاب عليها.
قال البجيرمي: واعتمد شيخنا ح ف كلام ح ل.
اه.
(قوله: كالرواتب) تمثيل للذي لا تسن فيه جماعة، أي وكالوتر وصلاة الضحى وتحية المسجد.
وقوله: التابعة للفرائض أي في المشروعية، فيشمل القبلية والبعدية، فهي تابعة لها في الطلب حضرا وسفرا.
(قوله: وهي) أي الرواتب.
(قوله: آنفا) بمد الهمزة بمعنى الزمن الذي يقرب منك.
سواء كان سابقا أو لاحقا، كما نص عليه ش ق في باب الغسل، وعبارته: وآنفا بمد الهمزة بمعنى قريبا، وتطلق على السابق واللاحق.
اه.
وعبارة القاموس: وقال: آنفا
كصاحب وكتف، وقرئ بهما، أي مذ ساعة، أي في أول وقت يقرب منها.
انتهت.
وقوله في أول وقت يقرب منها سواء كان ماضيا أو مستقبلا، فلا ينافي ما مر.
(قوله: الثابتة في السنن) أي سنن أبي داود والنسائي وابن ماجة والترمذي، وقد نظمهم بعضهم في قوله: أعني أبا داود ثم الترمذي * * كذا النسائي وابن ماجة فاحتذي (قوله: أربع ركعات قبل عصر) أي لخبر: رحم الله امرءا صلى قبل العصر أربعا وله جمعها بإحرام واحد، وسلام كذلك بتشهد أو تشهدين.
وفصلها بإحرامين وسلامين، وهو الأفضل.
(قوله: وأربع قبل ظهر إلخ) وذلك لخبر:
مغرب) وندب وصلهما بالفرض.
ولا يفوت فضيلة الوصل بإتيانه قبلهما الذكر المأثور بعد المكتوبة.
(و) بعد (عشاء) ركعتان خفيفتان (وقبلهما)، إن لم يشتغل بهما عن إجابة المؤذن.
فإن كان بين الاذان والاقامة ما يسعهما فعلهما، وإلا أخرهما.
(و) ركعتان قبل (صبح)، ويسن تخفيفهما.
وقراءة الكافرون والاخلاص فيهما، لخبر مسلم وغيره، وورد أيضا فيهما ألم نشرح لك وألم تر كيف، وأن من داوم على قراءتهما فيهما زالت عنه علة
ــ
من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار.
رواه الترمذي وصححه، وله هنا أيضا ما مر من جمعها بسلام واحد وفصلها، ولا بد هنا من نية القبلية والبعدية، ككل صلاة لها قبلية وبعدية.
(قوله: وركعتان بعد مغرب) أي لخبر: من صلى بعد المغرب ركعتين قبل أن يتكلم كتبتا في عليين.
ويسن أن يقرأ فيهما بسورتي الكافرون والإخلاص.
(قوله: وندب وصلهما) أي ركعتي المغرب به لضيق وقته، ولخبر: عجلوا الركعتين بعد المغرب لترفعا مع العمل.
وندب تطويلهما حتى ينصرف أهل المسجد، ومحل ندب الكافرون والإخلاص فيهما حيث لم يرد تطويلهما.
(قوله: ولا يفوت فضيلة الوصل) أي وصل ركعتي المغرب به.
وقوله: بإتيانه متعلق بيفوت، والمصدر مضاف إلى فاعله.
وقوله: قبلهما أي الركعتين.
وقوله: الذكر المأثور مفعول المصدر.
وتقدم في أواخر صفة الصلاة عن سم أن الأفضل تقديم الذكر والدعاء على الراتبة فلا تغفل.
وقوله: بعد المكتوبة متعلق بالمأثور.
(قوله: بعد عشاء ركعتان خفيفتان) أي لما رواه الشيخان عن محمد بن المنكدر قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد العشاء.
(قوله: وقبلهما) أي قبل المغرب وقبل العشاء، وذلك لحديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة.
قال في الثالثة: لمن شاء رواه البخاري ومسلم.
والمراد بالأذانين الأذان والإقامة، باتفاق العلماء.
(قوله: إن لم يشتغل بهما) أي بالركعتين قبلهما.
وهذا تقييد لكونه يصليهما قبلهما.
أي محل كونه يصلي الركعتين قبل المغرب وقبل العشاء إن لم يكن إذا صلاهما يشتغل بهما عن إجابة المؤذن، فإن كان يشتغل بهما عنها لو صلاهما أجاب المؤذن ثم بعد الفراغ من الإجابة إن كان هناك زمن يسعهما فعلهما قبل الصلاة، وإلا أخرهما عنها.
فقوله: فإن كان الخ مفرع على مفهوم النفي قبله، وهو أنه إن اشتغل بهما تركهما وأجاب
المؤذن، فإن كان بين إلخ.
(قوله: روكعتان قبل صبح) أي لخبر مسلم: ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها.
ولخبر البيهقي: لا يحافظ على ركعتي الفجر إلا أواب قال في النهاية: وله في النية كيفيات سنة الصبح سنة الفجر سنة البرد سنة الوسطى - على القول بأنها الوسطى - سنة الغداة.
وله أن يحذف لفظ السنة ويضيف فيقول: ركعتي الصبح وركعتي الفجر وركعتي البرد وركعتي الوسطى وركعتي الغداة.
اه.
قال بعضهم: معناه أن الناس عند قيامهم من نومهم يبتدرون إلى معاشهم وكسبهم، فأعلمهم أنها خير من الدنيا وما فيها، فضلا عما عساه يحصل لكم، فلا تتركوهما وتشغلوا به.
(قوله: ويسن تخفيفهما) أي لما رواه ابن السني عن والد أبي المليح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين خفيفتين، ثم سمعته يقول وهو جالس: اللهم رب جبريل وإسرافيل وميكائيل ومحمد النبي صلى الله عليه وسلم أعوذ بك من النار.
ثلاث مرات.
(قوله: وقراءة الكافرون والإخلاص فيهما) أي السورة الأولى في الركعة الأولى والثانية في الثانية.
(قوله: لخبر مسلم وغيره) من الغير ما رواه البيهقي عن عائشة رضي الله عنها: نعم السورتان هما تقرآن في الركعتين قبل الفجر، قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد.
(قوله: وورد أيضا فيهما) أي في الركعتين قبل الصبح، وورد أيضا فيهما آية البقرة وهي قوله تعالى: * (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) *.
وآية آل عمران، وهي قوله تعالى: * (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) * (قوله: وأن من داوم على قراءتهما) أي: ألم نشرح وألم تر.
وقوله فيهما: أي في
البواسير، فيسن الجمع فيهما بينهن لتتحقق الاتيان بالوارد، أخذا مما قاله النووي في: إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا كبيرا.
ولم يكن بذلك مطولا لهما تطويلا يخرج عن حد السنة والاتباع، كما قاله شيخنا ابن حجر وزياد.
ويندب الاضطجاع بينهما وبين الفرض إن لم يؤخرهما عنه، ولو غير متهجد.
والاولى كونه على الشق الايمن، فإن لم يرد ذلك فصل بنحو كلام أو تحول.
ــ
الركعتين وقوله: زالت عنه علة البواسير وقيل: إن من دوام عليهما فيهما لا يرى شرا ذلك اليوم أصلا.
ولذا قيل: من صلاهما بألم وألم لم يصبه في ذلك اليوم ألم.
وقال الغزالي في كتاب وسائل الحاجات: بلغنا عن غير واحد من الصالحين من أرباب القلوب.
أن من قرأ في ركعتي الفجر ألم نشرح لك وألم تر قصرت عنه يد كل عدو، ولم يجعل لهم عليه سبيلا.
وهذا صحيح مجرب بلا شك.
اه.
(قوله: فيسن الجمع فيهما) أي في ركعتي الصبح.
وقوله: بينهن أي بين السور الأربع.
وذلك بأن يقرأ في الركعة الأولى ألم نشرح والكافرون، وفي الثانية ألم تر والإخلاص.
ويزيد عليهن أيضا الآيتين المتقدمتين، فيقدم آية البقرة على ألم نشرح في الأولى وآية آل عمران على ألم تر في الثانية.
وقوله: ليتحقق الإتيان بالوارد أي ليحصل العمل بالوارد كله.
(قوله: أخذا مما قاله النووي) يعني أن سنية الجمع بين السور
فيهما مأخوذة - أي مقيسة - على ما قاله النووي في: إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا كبيرا.
وحاصله أنه ورد ظلما كثيرا بالثاء المثلثة، وورد ظلما كبيرا بالباء الموحدة.
فقال النووي رضي الله عنه: يسن الجمع بينهما ليتحقق الوارد، - أي كله - فكذلك هنا يسن الجمع بين السور ليتحقق الوارد كله.
(قوله: ولم يكن) عطف على فيسن.
وقوله: بذلك أي الجمع.
وهذا جواب عن سؤال وارد على سنية الجمع، وحاصله: كيف يسن الجمع مع أن تخفيفهما سنة؟ وحاصل الجواب أن المراد بتخفيفهما عدم تطويلهما على الوارد، فبالإتيان بالوارد لا يكون مطولا بل مخففا لهما.
(قوله: ويندب الاضطجاع) وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على يمينه.
رواه أبو داود والترمذي بأسانيد صحيحة.
ويحصل بأي كيفية كان، والأولى كونه على الهيئة التي يكون عليها في القبر.
قال في النهاية: ولعل من حكمته أنه يتذكر بذلك ضجعة القبر حتى يستفرغ وسعه في الأعمال الصالحة يتهيأ لذلك.
اه.
وقوله: بينهما أي بين الركعتين وبين الفرض.
ويسن أن يقول في اضطجاعه: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل محمد صلى الله عليه وسلم أجرني من النار، ثلاثا.
وفي رسالة الصدق والتحقيق لمن أراد أن يسير بسير أهل الطريق، للشيخ أحمد الجنيدي، ما نصه: وإن يقول في اضطجاعه: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وحملة العرش ومحمد صلى الله عليه وسلم أجرني من النار.
ويقول: اللهم أجرني من النار سبعا، اللهم أدخلني الجنة سبعا.
ويقول: الموت الموت، اللهم كما حكمت علي بالموت أن تكفيني شر سكرات الموت.
ويسكت سكتة لطيفة يتذكر فيها أنه في القبر.
اه.
وظاهر ما ذكر أنه يقول ذلك بعد الاضطجاع، لكن الذي في الحصن الحصين وغيره كالأذكار أنه يقول: اللهم رب جبريل إلخ، وهو جالس، ثم يضطجع على شقه الأيمن.
ويؤيد ما فيه الحديث المار عن ابن السني.
(فائدة) لتثبيت الإيمان مجربة عن كثير من العارفين بإعلام النبي صلى الله عليه وسلم وأمره بذلك في المنام بين سنة الصبح والفريضة: يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت، أربعين مرة.
وعن الترمذي الحكيم قال: رأيت الله في المنام مرارا فقلت له: يا رب أني أخاف زوال الإيمان.
فأمرني بهذا الدعاء بين سنة الصبح والفريضة إحدى وأربعين مرة.
وهو هذا: يا حي يا قيوم يا بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا الله لا إله إلا أنت، أسألك أن تحيي قلبي بنور معرفتك، يا الله يا الله يا ألله، يا أرحم الراحمين.
(فائدة أخرى) وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث صحيحة كثيرة، أمر بها بعض أصحابه لتوسعة الرزق، قال بعض العارفين: وهي مجربة لبسط الرزق الظاهر والباطن، وهي هذه: لا إله إلا الله الملك الحق المبين، كل يوم مائة مرة.
سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، أستغفر الله، كل يوم مائة مرة.
واستحسن كثير من الأشياخ أن تكون بين سنة
(تنبيه) يجوز تأخير الرواتب القبلية عن الفرض وتكون أداء.
وقد يسن كأن حضر والصلاة تقام أو قربت إقامتها بحيث لو اشتغل بها يفوته تحرم الامام فيكره الشروع فيها، لا تقديم البعدية عليه لعدم دخول وقتها، وكذا بعد خروج الوقت على الاوجه.
والمؤكد من الرواتب عشر، وهو ركعتان قبل صبح وظهر وبعده وبعد مغرب وعشاء.
ــ
الصبح والفريضة، فإن فاتت في ذلك فبعد صلاة الصبح وقبل طلوع الشمس، فإن فاتت في ذلك فعند الزوال.
فلا ينبغي للعبد أن يخلي يومه عنها.
اه.
(قوله: إن لم يؤخرهما عنه) ظاهر صنيعه انه قيد لندب الاضطجاع، أي يندب الاضطجاع بين السنة وبين الفرض إن لم يؤخرها عنه، فيفيد أنه إذا أخر السنة عن الفرض لا يندب الاضطجاع، وليس كذلك، بل يندب الاضطجاع مطلقا، قدمها عليه أو أخرها عنه.
كما صرح بذلك في التحفة والنهاية، وعبارتهما بعد ذكرهما سنية الاضطجاع بينهما وبين الفرض: ويأتي هذا في المقضية، وفيما لو أخر سنة الصبح عنها، كما هو ظاهر.
اه.
ويمكن جعله قيدا لكون الاضطجاع بينهما وبين الفرض، أي محل كونه يكون كذلك إن لم يؤخرهما عنه، فإن أخرهما اضطجع بعد أن يصليهما معا لا بينهما.
وعبارة ش ق صريحة فيه، ونصها: قوله: بينهما.
محل ذلك إذا قدم السنة على الفرض، فإن أخرها اضطجع بعد أن يصليهما معا، لا بينهما.
اه.
لكن استظهر ع ش أنه إذا أخر السنة يضطجع بينها وبين الفرض لا بعد السنة، ونص عبارته: قوله: ويأتي، إلخ.
قضيته أنه إذا أخر سنة الصبح ندب له الاضطجاع بعد السنة، لا بين الفرض وبينها.
والظاهر خلافه، لأن الغرض من الاضطجاع الفصل بين الصلاتين، كما يشعر به قوله، فإن لم يرد ذلك فصل بينهما الخ.
اه.
وعلى ما ذكره ع ش: لو لم يذكر الشارح القيد المذكور لشملت عبارته الصورة المذكورة، وذلك لأن كونه بينهما وبين الفرض صادق بتقديم السنة على الفرض وبتأخيرها عنه.
تأمل.
(قوله: ولو غير متهجد) غاية في ندب الاضطجاع.
(قوله: والأولى كونه) أي الاضطجاع.
وقوله: على الشق الأيمن أي كهيئته التي يكون عليها في القبر، كما مر.
(قوله: فإن لم يرد ذلك) أي الاضطجاع، وهو مقابل لمحذوف، أي ويندب الاضطجاع إن أراده، فإن لم يرده إلخ.
وقوله: فصل بنحو كلام قال ع ش: ظاهره ولو من الذكر أو القرآن، لأن المقصود منه تمييز الصلاة التي فرغ منها من الصلاة التي شرع فيها.
اه.
(قوله: أو تحول) بصيغة الماضي عطف على فصل.
ويحتمل قراءته بصيغة المصدر عطف على بنحو كلام، أي أو فصل بتحول - أي انتقال - من المكان الذي صلى فيه السنة إلى مكان آخر.
(قوله: يجوز تأخير الرواتب القبلية عن الفرض) وعليه يجوز عند م ر أن يجمع بينها وبين البعدية بسلام واحد.
ونظر فيه في التحفة، ونصها: وبحث بعضهم أنه لو أخر القبلية إلى ما بعد الفرض جاز له جمعها مع البعدية بسلام واحد.
فيه نظر ظاهر لاختلاف النية.
اه بتصرف.
(قوله: وتكون أداء) أي لأن وقتها يدخل بدخول وقت الفرض ويمتد بامتداده، فمتى فعلها فيه فهي أداء، سواء فعلها قبله أو بعده.
بخلاف الرواتب البعدية ولو وترا، فإن وقتها إنما يدخل بفعل الفرض، وقد أشار ابن رسلان في زبده إلى هذه المسألة والتي بعدها بقوله: وجاز تأخير مقدم أدا * * ولم يجز لما يؤخر ابتدا ويخرج النوعان جمعا بانقضا * * ما وقت الشرع لما قد فرضا (قوله: وقد تسن) أي تأخير الرواتب القبلية.
(قوله: كأن حضر) أي إلى محل الجماعة.
(قوله: بحيث لو إلخ) تصوير لقرب الإقامة.
أي قربت قربا مصورا بحيث لو اشتغل بالسنة لفاته تحرم الإمام.
(قوله: فيكره الشروع) أي عند الإقامة أو قربها.
وقوله: فيها أي في الرواتب القبلية.
(قوله: لا تقديم البعدية عليه) معطوف على تأخير الرواتب، أي لا يجوز تقديمها على الفرض، وذلك لأن صحتها مشروطة بفعل الفرض، ولو قضاء ولو تقديما فيمن يجمع.
(قوله: لعدم دخول وقتها) أي لأنه إنما يدخل بفعل الفرض.
(قوله: وكذا بعد خروج الوقت) أي وكذلك لا يجوز تقديم البعدية
(وتر)(و) يسن أي صلاته، بعد العشاء، لخبر: الوتر حق على كل مسلم.
وهو أفضل من جميع
الرواتب للخلاف في وجوبه.
(وأقله ركعة)، وإن لم يتقدمها نفل من سنة العشاء أو غيرها.
قال في المجموع: وأدنى الكمال ثلاث، وأكمل منه خمس فسبع فتسع.
(وأكثره إحدى عشرة) ركعة.
فلا يجوز الزيادة عليها بنية الوتر، وإنما يفعل الوتر أوتارا.
ولو أحرم بالوتر ولم ينو عددا صح، واقتصر على ما شاء منه على الاوجه.
قال شيخنا: وكأن بحث بعضهم إلحاقه بالنفل المطلق من أن له إذا نوى عددا أن يزيد وينقص توهمه من ذلك، وهو
ــ
عليه إذا خرج وقته وأراد أن يقضيه فيجب فعلها بعد قضائه لما علمت.
ولذا يلغز فيقال: لنا صلاة خرج وقتها ولم يدخل، وهي الراتبة المتأخرة إذا خرج وقت الفرض.
(قوله: والمؤكد من الرواتب عشر) أي بناء على عدم عد الوتر منها، نظرا إلى أنه لا يصح أن ينوي فيه سنة العشاء.
وعده في المنهج منها، نظرا إلى توقف فعله على فعلها.
وعليه فتزيد الرواتب المؤكدة على عشر.
وخرج بالمؤكد منها غيره، هو اثنا عشرة ركعة: ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعده، وأربع قبل العصر، وركعتان قبل المغرب، وركعتان قبل العشاء.
(قوله: وهو) أي المؤكد من الرواتب.
(قوله: وظهر) بالجر عطف على صبح.
أي وقبل ظهر.
(قوله: وبعده) أي وركعتان بعد ظهر.
(قوله: وبعد مغرب) أي وركعتان بعد مغرب.
وقوله: وعشاء أي وبعد عشاء.
(قوله: ويسن وتر) بكسر الواو وفتحها.
(قوله: أي صلاته) أشار به إلى مضاف محذوف، ولا حاجة إليه لأنه أشهر الوتر في الصلاة.
وقوله: بعد العشاء أي وقبل طلوع الفجر، كما سيصرح به في بيان وقته.
(قوله: لخبر: الوتر حق على كل مسلم).
دليل لسنية الوتر.
وتمام الخبر المذكور: فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل، أو بثلاث فليفعل، أو بواحدة فليفعل.
رواه أبو داود بإسناد صحيح.
وصححه الحاكم، وهو واجب عند أبي حنيفة رضي الله عنه.
والصارف عن وجوبه عندنا قوله تعالى: * (والصلاة الوسطى) * إذ لو وجب لم يكن للصلوات
وسطى.
وقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة.
(قوله: وهو) أي الوتر، أفضل.
وقوله: للخلاف في وجوبه أي وللخبر السابق وغيره من الأخبار، كخبر: أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر.
(قوله: وأقله ركعة) أي لخبر مسلم من حديث ابن عمر وابن عباس: الوتر ركعة من آخر الليل.
وفي الكفاية عن أبي الطيب أنه يكره الإتيان بركعة، وفيه وقفة إذ لا نهي.
اه.
مغني.
وفي الشرقاوي: الاقتصار عليها خلاف الأولى، والمداومة عليها مكروهة.
اه.
(قوله: وإن لم يتقدمها نفل) الغاية للرد على من يشترط لجواز الإيتار بركعة سبق نفل بعد العشاء، وإن لم يكن من سننها، لتقع هي موترة لذلك النفل.
والقائل بالأول يرده بأنه يكفي كونها وترا في نفسها، أو موترة لما قبلها، ولو فرضا.
كما في التحفة والنهاية.
وقوله: من سنة إلخ بيان للنفل.
(قوله: وأدنى الكمال الخ) أي إن الكمال في الوتر له مراتب، وأدناها ثلاث ثم خمس ثم سبع ثم تسع.
فكل مرتبة أعلى من التي قبلها وأدنى من التي بعدها.
والأصل في ذلك خبر: أوتروا بخمس أو سبع أو تسع أو إحدى عشرة.
(قوله: وأكثره إحدى عشرة) للخبر المتفق عليه عن عائشة رضي الله عنها: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة.
وقيل: أكثره ثلاث عشرة، للخبر الصحيح عن أم سلمة رضي الله عنها: أنه صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث عشرة.
لكن حمل على أنها حسبت سنة العشاء.
(قوله: فلا يجوز الزيادة إلخ) فلو زاد على الإحدى عشرة بنية الوتر لم يصح الكل في الوصل، ولا الإحرام الأخير في الفصل إن علم وتعمد وإلا صحت نفلا مطلقا.
اه تحفة.
(قوله: وإنما يفعل الوتر أوتارا) أي ثلاثا فخمسا فسبعا فتسعا فإحدى عشرة.
ولا حاجة إلى ذكر الشارح هذا لأنه قد علم من قوله: وأقله ركعة.
وقوله: قال في المجموع إلخ.
ولعله سرى له من عبارة الإرشاد وشرحه، ونصهما: فوتر من ركعة إلى إحدى عشرة.
وإنما يفعل أوتارا ثلاثا، وهي أدنى الكمال، فخمسا فسبعا فتسعا.
اه.
(قوله: ولم ينو عددا) أي بأن قال: نويت الوتر، وأطلق.
(قوله: صح) أي إحرامه.
(قوله: واقتصر على ما شاء منه) أي من الوتر.
أي فإن شاء أن يقتصر على واحدة فله ذلك، وإن شاء أن يقتصر على ثلاث فله ذلك، وهكذا.
وقال سم: الذي اعتمده شيخنا الشهاب الرملي إن إحرامه ينحط على ثلاث.
اه.
(قوله: إلحاقه) أي الوتر.
(قوله: من أن له) أي للموتر.
(قوله: توهمه) الجملة خبر كأن.
(وقوله: من
غلط صريح.
وقوله: إن في كلام الغزالي عن الفوراني ما يؤخذ منه ذلك، وهم أيضا، كما يعلم من البسيط.
ويجري ذلك فيمن أحرم بسنة الظهر الاربع بنية الوصل فلا يجوز له الفصل بأن يسلم من ركعتين، وإن نواه قبل النقص، خلافا لمن وهم فيه أيضا.
انتهى.
ويجوز لمن زاد على ركعة الفصل بين كل ركعتين بالسلام - وهو أفضل من الوصل - بتشهد أو تشهدين في الركعتين الاخيرتين، ولا يجوز الوصل بأكثر من تشهدين.
والوصل خلاف الاولى، فيما عدا الثلاث، وفيها مكروه للنهي عنه في خبر: ولا تشبهوا الوتر بصلاة المغرب.
ويسن
ــ
ذلك) أي من قولهم: لو أحرم بالوتر ولم ينو عددا، له أن يقتصر على ما شاء.
وقوله: وهو غلط أي التوهم المذكور غلط صريح، لأن الصورة السابقة مفروضة فيما إذا لم ينو عددا، وصورة البعض فرضها فيما إذا نوى عددا، وبينهما بون
كبير.
(قوله: وقوله) أي هذا البعض.
وهو مبتدأ خبره وهم.
وهو بفتح الهاء مصدر وهم، كغلط وزنا ومعنى.
وأما الوهم بإسكان الهاء، فمصدر وهمت في الشئ، بالفتح، من باب وعد، إذا سبق إلى قلبك وأنت تريد غيره.
أفاده في المصباح.
(قوله: ما يؤخذ منه ذلك) أي أنه إذا نوى عددا له أن يزيد وينقص.
(قوله: ويجري ذلك الخ) إسم الإشارة يعود على عدم جواز الزيادة والنقص فيما إذا نوى عددا.
المفهوم من الحكم على ما بحثه بعضهم في الوتر من إلحاقه بالنفل المطلق، وأنه إذا نوى عددا فله أن يزيد أو ينقص عنه بأنه غلط صريح والحاصل أنه إذا نوى عددا في الوتر فليس له أن يزيد عنه أو ينقص، ومثله ما إذا نوى عددا في سنة الظهر بأن قال: نويت سنة الظهر الأربع، فليس له أن ينقص عنه.
ويقاس عليه ما إذا نوى ركعتين فليس له أن يزيد عليهما.
وفي حواشي التحفة للسيد عمر البصري ما نصه: وهل له أن ينوي بغير عدد ثم يفعل ركعتين أو أربعا؟ مقتضى ما مر في الوتر.
نعم، وليس ببعيد.
والله أعلم.
ثم رأيت المحشي قال: فرع: يجوز أن يطلق في سنة الظهر المتقدمة مثلا، ويتخير بين ركعتين أو أربع.
اه.
وقوله: بنية الوصل لا فائدة فيه بعد قوله: أحرم بسنة الظهر الأربع.
(قوله: وإن نواه) أي الفصل قبل النقص، أي قبل أن يسلم بالفعل.
(قوله: خلافا لمن وهم فيه) أي فيما إذا أحرم بسنة الظهر الأربع فقال إنه يجوز السلام من ركعتين.
(قوله: ويجوز لمن زاد) أي في الوتر.
(قوله: الفصل بين كل ركعتين) قال سم: هذا هو الأفضل، ولو صلى كل أربع بتسليم واحد، أو ستا بتسليم واحد، جاز.
كما اعتمده شيخنا الشهاب الرملي خلافا لبعض المتأخرين.
اه.
(قوله: وهو) أي الفصل.
وقوله: أفضل من الوصل أي إذا استوى العددان، وإلا فالإحدى عشرة مثلا وصلا أفضل من ثلاث مثلا فصلا.
وقد يكون الوصل أفضل مع التساوي فيما إذا لم يسع الوقت إلا ثلاثا موصولة فهي أفضل من ثلاث مفصولة، لأن في صحة قضاء النوافل خلافا.
وإنما كان الفصل أفضل لأن أحاديثه أكثر، كما في المجموع.
منها الخبر المتفق عليه: كان صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة.
ولأنه أكثر عملا، والمانع له الموجب للوصل مخالف للسنة الصحيحة فلا يراعي خلافه.
ومن ثم كره بعض أصحابنا الوصل، وقال غير واحد منهم أنه مفسد للصلاة للنهي الصحيح عن تشبيه صلاة الوتر بالمغرب، وحينئذ فلا يمكن وقوع الوتر متفقا على صحته أصلا.
اه تحفة.
(قوله: بتشهد) أي في الأخيرة.
وقدمه على ما بعده لأنه أفضل منه لما فيه من التشبيه بالمغرب.
وقوله: أو بتشهدين في الركعتين الأخيرتين.
أي على هيئة صلاة المغرب.
(قوله: ولا يجوز الوصل بأكثر من تشهدين) أي لعدم وروده.
وكذلك لا يجوز فعل أولهما قبل الأخيرتين.
(قوله: والوصل خلاف الأولى فيما عدا الثلاث الخ) الذي
يظهر من صنيعه إن المراد أن الوصل في غير الثلاث من بقية الركعات خلاف الأولى، وأن الوصل في الثلاث الركعات مكروه، سواء صلاها فقط أو صلى أكثر منها، وهذا هو مقتضى التشبيه بصلاة المغرب، لكن في بعض العبارات ما يدل على أن الوصل مكروه إذا أتى بثلاث ركعات فقط، فإن أتى بأكثر فخلاف الأولى.
ومن ذلك عبارة الأستاذ أبي الحسن البكري، ونصها: ويكره الوصل عند الإتيان بثلاث ركعات، فإن زاد ووصل فخلاف الأولى.
اه.
(واعلم) أن ضابط الوصل والفصل - كما في بشرى الكريم وغيره - أن كل إحرام جمعت فيه الركعة الأخيرة مع
لمن أوتر بثلاث أن يقرأ في الاولى سبح، وفي الثانية الكافرون، وفي الثالثة الاخلاص والمعوذتين للاتباع.
فلو أوتر بأكثر من ثلاث فيسن له ذلك في الثلاثة الاخيرة إن فصل عما قبلها، وإلا فلا.
كما أفتى به البلقيني.
ولمن أوتر بأكثر من ثلاث قراءة الاخلاص في أولييه، فصل أو وصل.
وأن يقول بعد الوتر ثلاثا سبحان الملك
ــ
ما قبلها وصل، وإن فصل فيما قبلها بأن سلم من كل ركعتين مثلا.
وكل إحرام فصل فيه الركعة الأخيرة عما قبلها فصل، وعليه فينبض الوتر فصلا ووصلا، فلو صلى عشرا بإحرام ففضل لفصلها عن الركعة الأخيرة.
(قوله: للنهي عنه) أي عن الوصل.
(وقوله: في خبر: ولا تشبهوا الوتر بصلاة المغرب).
قال ش ق: لا يقال التشبيه لا يظهر إلا فيما إذا أوتر بثلاث ركعات، فإن أوتر بخمس أو سبع مثلا فلا تشبيه.
لأنا نقول هو موجود أيضا من حيث الإتيان بتشهدين أحدهما قبل الأخيرة والآخر بعدها.
اه.
(قوله: ويسن لمن أوتر بثلاث أن يقرأ الخ) أي لما رواه النسائي وابن ماجة: سئلت عائشة رضي الله عنها بأي شئ كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان يقرأ في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى، وفي الثانية بقل يا أيها الكافرون، وفي الثالثة بقل هو الله أحد والمعوذتين.
وفي فتاوى ابن حجر ما نصه: سئل رضي الله عنه عمن نسي قراءة سبح وقل يأيها الكافرون في الوتر، فهل يقرؤه إذا تذكر في الثالثة فيما إذا أوتر بثلاث ركعات أو لا؟ فأجاب بقوله: إن وصلها فالقياس أنه يتدارك في الثالثة، نظير ما لو ترك سورتي أولتي المغرب، فإن القياس كما بينته في شرح العباب أنه يتداركهما في ثالثتها، وأما إذا فصلها فالظاهر أنه لا تدارك.
ويفرق بأن الأولى صارت الثلاثة فيها صلاة واحدة فلحق بعضها نقص بعض فشرع فيها التدارك جبرا لذلك النقص.
بخلاف الثانية، فإن الثالثة بالفصل صارت كأجنبية عن الأوليين فلم يشرع تدارك فيها.
اه.
(قوله: فلو أوتر بأكثر من ثلاث) أي كخمس أو سبع أو تسع أو إحدى عشرة.
(قوله: فيسن له ذلك) أي المذكور من قراءة سبح في الأولى والكافرون في الثانية والإخلاص والمعوذتين في الثالثة.
(قوله: إن فصل) قيد في السنية.
والفعل يقرأ بالبناء للفاعل، ومفعوله محذوف، أي الثلاثة الأخيرة.
وفي بعض نسخ الخط: إن فصلها (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يفصلها عما قبلها فلا يقرأ ذلك في الثلاثة الأخيرة لئلا يلزم خلوما قبلها عن السورة، أو تطويلها على ما قبلها، أو القراءة على غير ترتيب المصحف أو على غير
تواليه، وكل ذلك خلاف السنة.
قال في التحفة: نعم، يمكن أن يقرأ فيما لو أوتر بخمس مثلا: المطففين والانشقاق في الاولى، والبروج والطارق في الثانية، وحينئذ لا يلزم شئ من ذلك.
اه.
وأطلق في النهاية قراءة ما ذكر في الثلاثة الأخيرة، ونصها: ويسن لمن أوتر بثلاث أن يقرأ في الأولى بعد الفاتحة الأعلى، وفي الثانية الكافرون، وفي الثالثة الإخلاص ثم الفلق ثم الناس، مرة مرة.
ولو أوتر بأكثر من ثلاث قرأ في الثلاثة الأخيرة ما ذكر فيما يظهر.
اه.
وظاهره وإن وصلها بما قبلها.
ومثلها المغني.
(قوله: ولمن أوتر بأكثر الخ) معطوف على لمن أوتر بثلاث.
أي ويسن لمن أوتر بأكثر من ثلاث أن يقرأ سورة الإخلاص في أولييه، وعبارة إرشاد العباد للمؤلف ليس فيها التقييد بأكثر من ثلاث، ونصها: ويسن أن يقرأ في كل من أولتي الوتر الإخلاص.
اه.
وانظر إذا قرأ ذلك في الأوليين ما يقرؤه فيما بعدهما من بقية الركعات؟ فإن كان يقرأ سبح وما بعدها نافاه قوله أولا، وإلا فلا.
وإن كان يقرأ المعوذتين فهما في ركعتين، فما يقرأ في الخامسة مثلا؟ وانظر أيضا: هل سنية قراءة الإخلاص مقيدة بما إذا عجز عن غيرها أو مطلقا؟ فإني لم أر هذه المسألة منصوصا عليها في الأذكار والإحياء ولا في الكتب التي بأيدينا من التحفة والنهاية والأسنى والمغنى وغيرها، فلتراجع.
ثم رأيت في المسلك القريب ما نصه: ويصلي الوتر إحدى عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعتين مقرأين أو ثلاثة أو أقل أو أكثر، إن كان حافظا للقرآن يبتدئ من أوله إلى أن يختمه، وإن لم يحفظ قرأ ما يحفظه كالسجدة ويس والدخان والواقعة وتبارك الملك، وإلا كرر من الإخلاص ما تيسر عشرا أو أقل أو أكثر، حسب النشاط والهمة.
هذا في الثمان الركعات، وأما الثلاث الأخيرة فلا يقرأ فيها إلا ما ورد، وهو سبح اسم ربك الأعلى والإخلاص والمعوذتين والكافرون.
اه.
وقوله: وإلا كرر من الإخلاص صريح في أنه لا يقرأ الإخلاص إلا عند العجز عن غير ها.
وقوله: وأما الثلاث الأخيرة إلخ ظاهره ولو وصلها بما قبلها.
(قوله: وأن يقول الخ) أي ويسن أن يقول بعد الوتر ثلاثا: سبحان الملك القدوس.
لما رواه أبو داود
القدوس، ويرفع صوته بالثالثة، ثم يقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.
ووقت الوتر كالتراويح بين صلاة العشاء، ولو بعد المغرب في جمع التقديم وطلوع الفجر، ولو خرج الوقت لم يجز قضاؤها قبل العشاء كالرواتب البعدية، خلافا لما رجحه بعضهم.
ولو بان بطلان عشائه بعد فعل الوتر أو التراويح وقع نفلا مطلقا.
(فرع) يسن لمن وثق بيقطته قبل الفجر بنفسه أو غيره أن يؤخر الوتر كله لا التراويح عن أول الليل وإن
ــ
والترمذي عن أبي بن كعب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم في الوتر قال سبحان الملك القدوس، ثلاث مرات يرفع في الثالثة صوته.
وفي الإحياء: يستحب بعد التسليم من الوتر أن يقول: سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح، جللت السموات والأرض بالعظمة والجبروت، وتعززت بالقدرة، وقهرت العباد بالموت.
وقوله: ثم يقول الخ أي لما رواه أبو داود والترمذي، عن علي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن يقول في آخر وتره: اللهم إني أعوذ برضاك إلخ.
وقوله: وبك منك أي وأستجير بك من غضبك.
(قوله: ووقت الوتر كالتروايح إلخ) وذلك لنقل الخلف عن
السلف.
وروى أبو داود وغيره خبر: إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم، وهي الوتر، فجعلها لكم من العشاء إلى طلوع الفجر.
قال المحاملي: ووقته المختار إلى نصف الليل.
اه.
شرح الروض.
(قوله: ولو بعد المغرب الخ) أي إن وقته يكون بعد صلاة العشاء، ولو صلى بعد أن صلى المغرب فيما إذا جمعها مع المغرب جمع تقديم.
قال ع ش: وظاهره وإن صار مقيما قبل فعله وبعد فعل العشاء، كأن وصلت سفينته دار إقامته بعد فعل العشاء، أو نوى الإقامة.
لكن نقل عن العباب أنه لا يفعله في هذه الحالة بل يؤخره حتى يدخل وقته الحقيقي.
وهو ظاهر لأن كونه في وقت العشاء انتفى بالإقامة.
اه.
(قوله: وطلوع الفجر) معطوف على صلاة العشاء، أي أن وقت الوتر بين صلاة العشاء وطلوع الفجر، أي يمتد من بعدها إلى طلوع الفجر، أي الصادق (قوله: ولو خرج الوقت) أي وقت الوتر المذكور، بأن طلع الفجر الصادق وهو لم يصل الوتر ولا العشاء.
وقوله: لم يجز قضاؤها أي صلاة الوتر.
وقوله: قبل العشاء أي التي فاتته.
وذلك لما علمت أن وقت الوتر إنما يدخل بعد فعل العشاء، فهو متوقف عليه قضاء كالأداء.
وقوله: كالرواتب البعدية أي نظير الرواتب البعدية، فإنها - كما مر - لا يجوز تقديمها على الفرض فيما إذا فاتت مع الفرض وأراد قضاءهما.
(قوله: خلافا لما رجحه بعضهم) أي من أنه لو خرج الوقت يجوز قضاؤه قبل العشاء كالرواتب البعدية.
قال في التحفة: قصرا للتبعية على الوقت، هو كالتحكم، بل هي موجودة خارجة أيضا.
إذ القضاء يحكي الأداء، فالأوجه أنه لا يجوز تقديم شئ من ذلك على الفرض في القضاء كالأداء.
ثم رأيت ابن عجيل رجح هذا أيضا.
اه.
وقوله: قصرا للتبعية على الوقت.
معناه أن الوتر مثلا إنما يكون تابعا لفعل العشاء إذا كان الوقت باقيا، فإن خرج الوقت زالت التبعية.
(قوله: ولو بأن بطلان عشائه) أي كأن تذكر ترك ركن منها بعد فعل الوتر أو فعل التروايح.
(قوله: وقع) أي ما صلاه من الوتر والتروايح وقوله: نفلا مطلقا قال في شرح الروض: كما لو صلى الظهر قبل الزوال غالطا.
(قوله: يسن لمن وثق بيقظته) أي أمن من نفسه أن يستيقظ بأن اعتادها.
واليقظة بفتح القاف، كما في شرح المنهج.
وقوله: بنفسه أو غيره متعلق بيقظته.
أي لا فرق فيها بين أن تحصل له بنفسه أو بغيره.
(قوله: أن يؤخر الوتر كله) المصدر المؤول نائب فاعل يسن، أي يسن لمن ذكر تأخير الوتر إلى آخر الليل.
قال في الإحياء: وليوتر قبل النوم إن لم يكن عادته للقيام.
فقال أبو هريرة رضي الله عنه: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أنام إلا على وتر.
وإن كان معتادا صلاة الليل فالتأخير أفضل، قال صلى الله عليه وسلم: صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بركعة.
وقالت عائشة رضي الله عنها: أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم أول الليل وأوسطه وآخره، وانتهى وتره إلى السحر.
اه.
وقوله: لا التروايح أي لا يسن لمن وثق بيقظته أن يؤخر
التروايح، بل السنة أن يقدمها.
(قوله: عن أول الليل) متعلق بيؤخر، أي يؤخره عن أول الليل إلى آخره.
(قوله: وإن
فاتت الجماعة فيه بالتأخير في رمضان، لخبر الشيخين: اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا.
وتأخيره عن صلاة
الليل الواقعة فيه، ولمن لم يثق بها أن يعجله قبل النوم.
ولا يندب إعادته.
ثم إن فعل الوتر بعد النوم حصل له به سنة التهجد أيضا وإلا كان وترا لا تهجدا.
وقيل: الاولى أن يوتر قبل أن ينام مطلقا، ثم يقوم ويتهجد، لقول أبي هريرة رضي الله عنه: أمرني رسول الله (ص) أن أوتر قبل أن أنام.
رواه الشيخان.
وقد كان أبو بكر رضي عنه يوتر قبل أن ينام ثم يقوم ويتهجد، وعمر رضي الله عنه ينام قبل أن يوتر ويقوم ويتهجد ويوتر.
فترافعا إلى رسول الله (ص) فقال: هذا أخذ بالحزم - يعني أبا بكر - وهذا أخذ بالقوة - يعني عمر -.
وقد روي عن عثمان مثل فعل أبي بكر، وعن علي مثل فعل عمر، رضي الله عنهم.
قال في الوسيط: واختار الشافعي فعل أبي بكر رضي الله عنه.
وأما الركعتان اللتان يصليهما الناس جلوسا بعد الوتر فليستا من السنة، كما صرح به الجوجري والشيخ زكريا.
قال في المجموع: ولا تغتر بمن يعتقد سنية ذلك ويدعو إليه لجهالته.
ــ
فاتت إلخ) غاية لسنية تأخيره.
وقوله: فيه أي في الوتر.
وقوله: بالتأخير الباء سببية متعلق بفاتت.
(قوله: لخبر الشيخين إلخ) دليل لسنية تأخيره إلخ.
ولو أخره عن قوله: وتأخيره إلخ، وجعله دليلا له لكان أولى.
(قوله: وتأخيره عن صلاة الليل) معطوف على أن يؤخر، أي ويسن تأخيره عن صلاة ليل من نحو راتبة أو تراويح أو تهجد، وهو صلاة بعد النوم أو فائتة أراد قضاءها ليلا.
(قوله: ولمن لم يثق بها) أي باليقظة.
وقوله: أن يعجله أي لخبر مسلم: من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل.
(قوله: ولا يندب إعادته) أي لا تطلب إعادته، فإن أعاده بنية الوتر عامدا عالما حرم عليه ذلك، ولم ينعقد لخبر: لا وتران في ليلة.
اه نهاية.
ومثله في التحفة.
(قوله: ثم إن فعل الخ) أي ثم إن أخره وفعله بعد النوم حصل له بالوتر سنة التهجد، لما مر من أن التهجد هو الصلاة بعد النوم.
(قوله: وإن كان وترا) أي وإن لم يفعله بعد النوم بل فعله قبله كان وترا لا تهجدا، فليس كل وتر تهجدا كعكسه، فبينهما العموم والخصوص الوجهي، فيجتمعان في صلاة بعد النوم بنية الوتر، وينفرد الوتر بصلاة قبل النوم، والتهجد بصلاة بعده من غير نية الوتر.
(قوله: وقيل الأولى إلخ) مقابل للقول بالتفصيل بين الوثوق باليقظة وعدمه.
(قوله: مطلقا) أي سواء وثق بيقظته أم لا.
(قوله: ثم يقوم) أي من النوم.
(قوله: لقول أبي هريرة الخ) دليل لكون الأولى الإيتار قبل النوم.
(قوله: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ) الذي في الأسنى والمغنى والإحياء ومختصر ابن أبي جمرة: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام.
فلعل ما ذكره الشارح رواية بالمعنى.
وحملوا الخبر المذكور على من لم يثق بيقظته آخر الليل، جمعا بين الأخبار.
قال بعضهم: ويمكن حمله أيضا على النومة الثانية آخر الليل المأخوذة من قوله صلى الله عليه وسلم: أفضل القيام قيام داود.
كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه.
أي فقوله أن أوتر قبل أن أنام، أي النومة الثانية لا الأولى.
(قوله: وقد كان أبو بكر رضي الله عنه الخ) شروع في بيان اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في تقديمه قبل النوم وتأخيره بعده.
فأبو بكر رضي الله عنه عمل بالأول وتبعه جمع من الصحابة وغيرهم، وسيدنا عمر رضي الله عنه عمل بالثاني وتبعه جمع من الصحابة وغيرهم، ولكل وجهة.
(قوله: فترافعا) أي سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر رضي الله عنهما.
(قوله: فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: هذا الخ أي فأقرهما النبي صلى الله عليه وسلم وصوب فعل كل منهما.
وقال مشيرا لأبي بكر: هذا أخذ بالحزم أي بالاحتياط والإتقان، ومشيرا إلى سيدنا
عمر: هذا أخذ بالقوة.
قال في الإحياء: فالأكياس يأخذون أوقاتهم من أول الليل، والأقوياء من آخره.
والحزم التقديم له، فإنه ربما لا يستيقظ أو يثقل عليه القيام، إلا إذا صار ذلك عادة له فآخر الليل أفضل.
اه.
(قوله: فليستا) أي
(و) يسن (الضحى) لقوله تعالى: * (يسبحن بالعشي والاشراق) * قال ابن عباس: صلاة الاشراق صلاة الضحى.
روى الشيخان، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي (ص) بثلاث، صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام.
وروى أبو داود أنه (ص) صلى سبحة الضحى - أي صلاتها -
ــ
الركعتان من السنة، أي سنة صلى الله عليه وسلم وطريقته، وعليه فلو صلاهما مع الوتر لم يصح وتره أصلا إن أحرم بالجميع دفعة واحدة وكان عالما عامدا، وإلا انعقد نفلا مطلقا.
فإن سلم من كل ركعتين صح، ما عدا الإحرام السادس فإنه لا يصح إن كان عامدا عالما، وإلا صح نفلا مطلقا.
(قوله: كما صرح به) أي بكونهما ليستا من السنة.
وقوله: الجوجري والشيخ زكريا لم يصرح الشيخ زكريا في الأسنى وشرح المنهج بأنهما ليستا من السنة، بل الذي صرح به فيهما أنه لو زاد على الإحدى عشرة لم يجز ولم يصح، ثم نقل القول بأن أكثر الوتر ثلاث عشرة ركعة.
ونص عبارة الأسنى: فلو زاد عليها لم يجز ولم يصح وتره بأن أحرم بالجميع دفعة واحدة، فإن سلم من ثنتين صح إلا الإحرام السادس فلا يصح وترا، ثم إن علم المنع وتعمد فالقياس البطلان، وإلا وقع نفلا مطلقا كإحرامه قبل الزوال غالطا.
وقيل: أكثر الوتر ثلاث عشرة ركعة، وفيه أخبار صحيحة تأولها الأكثرون بأن ركعتين منها سنة العشاء.
قال النووي: وهو تأويل ضعيف مضاد للأخبار.
قال السبكي: وأنا أقطع بحل الإيتار بذلك وصحته، لكن أحب الاختصار على إحدى عشرة فأقل لأنه غالب أحواله صلى الله عليه وسلم.
اه.
ويمكن أن يقال المراد صرح بما يفيد ذلك، ولا شك أن ما ذكره يفيد أنهما ليستا من السنة، أو صرح بذلك في غير الأسنى وشرح المنهج من بقية كتبه.
وقوله: وفيه أخبار صحيحة.
أورد بعضها في الإحياء، ونصه: جاء في الخبر: أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الوتر ركعتين جالسا.
وفي بعضها: متربعا.
وفي بعض الأخبار: إذا أراد أن يدخل فراشه زحف إليه وصلى فوقه ركعتين قبل أن يرقد، يقرأ فيهما إذا زلزلت الأرض وسورة التكاثر.
وفي رواية أخرى: قل يا أيها الكافرون.
اه.
(قوله: قال) أي النووي في المجموع.
(قوله: سنية ذلك) أي ما ذكر من الركعتين بعد الوتر.
(قوله: ويدعو) أي الناس، فمفعول الفعل محذوف.
وقوله: لجهالته اللام تعليلية متعلقة بيعتقد أو بتغتر.
(قوله: ويسن الضحى) بضم الضاد والمد أو القصر، أي الصلاة المفعولية في الضحى.
وهو اسم لأول النهار، فسميت الصلاة باسم وقت فعلها.
قال القطب الغوث الحبيب عبد الله الحداد في النصائح: ومن السنة المحافظة على صلاة الضحى، وأقلها ركعتان، وأكثرها ثمان ركعات.
وقيل: اثنتا عشرة.
وفضلها كبير، ووقتها الأفضل أن تصلى عند مضي قريب من ربع النهار.
قال عليه السلام: يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، وكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة
صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة.
يجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى.
وقال عليه السلام: من حافظ على شفعة الضحى غفرت له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر.
والشفعة هي الركعتان، والسلامى هو المفصل، وفي كل إنسان ثلاثمائة وستون مفصلا بعدد أيام السنة.
وتسمى صلاة الضحى.
اه.
(قوله: لقوله تعالى: * (يسجن بالعشي والإشراق) * ساقه دليلا لسنية صلاة الضحى، وهو لا يتم إلا إن أريد بالتسبيح الصلاة الحقيقة، وهو خلاف ما في الجلال، ونصه: * (يسبحن) * أي الجبال بتسبيحه.
اه.
أي فإذا سبح داود أجابته بالتسبيح.
ثم قال: بالعشي، أي وقت صلاة العشاء.
والإشراق وقت الصلاة الضحى، وهو أن تطلع الشمس ويتناهى ضوؤها.
اه.
فهو صريح في أن المراد بالتسبيح حقيقته لا الصلاة، فلا يتم دليلا لما نحن فيه.
(قوله: قال ابن عباس: صلاة الإشراق صلاة الضحى) هو المعتمد.
وقيل غيرها.
قال في العباب: ركعتا الإشراق غير الضحى، ووقتها عند الارتفاع.
اه ش ق.
(قوله: روى الشيخان إلخ) مؤيد لما مر آنفا من أن ما ساقه أولا رواية بالمعنى.
وروى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه: إن في الجنة بابا يقال له الضحى، فإذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الذين كانوا يديمون على صلاة الضحى؟ هذا بابكم فادخلوه برحمة الله.
وروى الديلمي عن عبد الله بن جراد: المنافق لا يصلي صلاة الضحى، ولا يقرأ قل يا أيها الكافرون.
اه إرشاد العباد للمؤلف.
(قوله: صيام ثلاثة أيام) بجر صيام بدل من ثلاث.
وقوله: وركعتي الضحى)
ثماني ركعات، وسلم من كل ركعتين.
(وأقلها ركعتان وأكثرها ثمان) كما في التحقيق والمجموع، وعليه الاكثرون.
فتحرم الزيادة عليها بنية الضحى، وهي أفضلها على ما في الروضة، وأصلها: فيجوز الزيادة عليها بنيتها إلى ثنتي عشرة، ويندب أن يسلم من كل ركعتين.
ووقتها من ارتفاع الشمس قدر رمح إلى الزوال،
ــ
عطف على صيام.
أي أوصاني بصلاة ركعتي الضحى.
زاد الإمام أحمد: في كل يوم.
وقوله: وأن أوتر، معطوف على صيام أيضا.
أي أوصاني بصلاة الوتر قبل أن أنام.
قال الشنواني: وليست هذه الوصية خاصة بأبي هريرة، فقد وردت وصيته عليه الصلاة والسلام بالثلاث أيضا لأبي ذر كما عند النسائي، ولأبي الدرادء كما عند مسلم.
وقيل في تخصيص الثلاث للثلاثة لكونهم فقراء لا مال لهم، فوصاهم بما يليق بهم وهو الصوم والصلاة، وهما من أشرف العبادات البدنية.
اه.
(قوله: صلى سبحة الضحى) هي بضم السين، تطلق على خرزات تعد للتسبيح، وعلى الدعاء وصلاة التطوع.
وبالفتح على ثياب من جلود، وفرس للنبي صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك.
اه قاموس بتصرف.
(قوله: ثماني ركعات) مفعول مطلق لصلى.
(قوله: وأقلها) أي صلاة الضحى.
وقوله: ركعتان أي لحديث أبي هريرة السابق.
وحديث: يصبح على كل سلامى إلخ المار أيضا.
(قوله: وأكثرها) أي صلاة الضحى.
وقوله: ثمان أي ثمان ركعات) وهو منقوص كقاض، فهو مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين.
وقيل: مرفوع بضمة ظاهرة على النون، كما في قول الشاعر:
لها ثنايا أربع حسان * * وأربع فثغرها ثمان (قوله: وعليه الأكثرون) أي وعلى أن أكثرها ثمان جرى الأكثرون، واعتمده الجمال الرملي، قال: وأفتى به الوالد رحمه الله.
(قوله: فتحرم الزيادة عليها) أي الثمان، ثم إن أحرم بالجميع دفعة واحدة بطل الجميع، أو سلم من كل ركعتين بطل الإحرام الآخر فقط، ومحل البطلان في الصورتين إن علم المنع وتعمده وإلا وقع نفلا مطلقا.
(قوله: وهي أفضلها الخ) أي إن الثمان أفضلها لا أكثرها، أما هو فثنتا عشرة، وهو معتمد ابن حجر كشيخ الإسلام، وذلك لخبر أبي ذر رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن صليت الضحى ركعتين لم تكتب من الغافلين، أو أربعا كتبت من المحسنين، أو ستا كتبت من القانتين، أو ثمانيا كتبت من الفائزين، أو عشرا لم يكتب عليك ذلك اليوم ذنب، أو ثنتي عشرة بنى الله لك بيتا في الجنة.
رواه البيهقي.
وقد نظم الشيخ عبد السلام بن عبد الملك ما تضمنه هذا الحديث في قوله: صلاة الضحى يا صاح سعد لمن يدري * * فبادر إليها يا لك الله من حر ففيها عن المختار ست فضائل * * فخذ عددا قد جاءنا عن أبي ذر فثنتان منها ليس تكتب غافلا * * وأربع تدعى مخبتا يا أبا عمرو وست هداك الله تكتب قانتا * * ثمان بها فوز المصلي لدى الحشر وتمحى ذنوب اليوم بالعشر فاصطبر * * وإن جئت ثنتي عشرة فزت بالقصر فيا رب وفقنا لنعمل صالحا * * ويا رب فارزقنا مجاورة البدر محمد الهادي وصل عليه ما * * حدا نحوه الحادي وأصحابه الغر قال في التحفة: ما ذكر من أن الثمان أفضل من اثنتي عشرة لا ينافي قاعدة أن كل ما كثر وشق كان أفضل، لخبر مسلم: أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة، أجرك على قدر نصبك.
وفي رواية: نفقتك لأنها أغلبية لتصريحهم بأن العمل القليل يفضل العمل الكثير في صورة، كالقصر أفضل من الإتمام بشروطه.
اه.
(قوله: على ما في الروضة) هي للنووي.
وقوله: وأصلها هو للرافعي، ويسمى العزيز شرح الوجيز.
(قوله: فيجوز الزيادة عليها) أي على الثمان، وهو مفرع على كون الثمان أفضل فقط لا أكثر.
وقوله: بنيتها أي الضحى.
وقوله: إلى ثنتي عشرة متعلق بالزيادة.
إي وتنتهي الزيادة إلى اثنتي عشرة.
(قوله: ويندب أن يسلم من كل ركعتين) أي لخبر أم هانئ قالت: صلى النبي صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى ثمان ركعات، يسلم من كل ركعتين.
ولو جمع بين الثمان أو الاثنتي عشرة بإحرام واحد جاز.
(قوله: ووقتها)
والاختيار فعلها عند مضي ربع النهار لحديث صحيح فيه، فإن ترادفت فضيلة التأخير إلى ربع النهار وفضيلة أدائها في المسجد إن لم يوءخرها، فالاولى تأخيرها إلى ربع النهار وإن فات به فعلها في المسجد، لان الفضيلة المتعلقة بالوقت أولى بالمراعاة من المتعلقة بالمكان.
ويسن أن يقرأ سورتي والشمس والضحى.
وورد أيضا
قراءة الكافرون والاخلاص.
والاوجه أن ركعتي الاشراق من الضحى، خلافا للغزالي ومن تبعه.
(و) يسن (ركعتا تحية) لداخل مسجد وإن تكرر دخوله أو لم يرد الجلوس، خلافا للشيخ نصر.
وتبعه
ــ
أي صلاة الضحى.
وقوله: من إرتفاع الشمس أي ابتداء وقتها من ارتفاع الخ، وهذا هو المعتمد.
وقيل: من الطلوع.
ويسن أن تؤخر إلى الارتفاع.
وعلى هذا القول فلا يؤثر فيها وقت الكراهة لأنها صاحبة وقت.
أفاده ق ل.
(قوله: إلى الزوال) متعلق بما تعلق به الجار والمجرور قبله.
(قوله: والاختيار فعلها عند مضي ربع النهار) أي ليكون في كل ربع من النهار صلاة، ففي الربع الأول الصبح، وفي الثاني الضحى، وفي الثالث الظهر، وفي الرابع العصر.
(قوله: لحديث صحيح فيه) أي في أن وقتها المختار إذا مضى ربع النهار، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: صلاة الأوابين - أي صلاة الضحى - حين ترمض الفصال - أي تبرك من شدة الحر - في خفافها.
(قوله: فإن ترادفت الخ) يعني إذا تعارضت فضيلة التأخير وفضيلة أدائها في المسجد، بأن كان إذا أخرها لم يمكنه أن يفعلها في المسجد، وإذا فعلها في المسجد لم يمكن تأخيرها، فهل يؤخرها من غير أن يفعلها في المسجد أو يقدمها مع فعلها في المسجد؟ فقال الشارح: الأولى تأخيرها ليدرك فضيلتها، لأن الفضيلة المتعلقة بالوقت أولى بالمراعاة من الفضيلة المتعلقة بالمكان.
(قوله: إن لم يؤخرها) قيد في أدائها في المسجد.
ولو قال مع عدم تأخيرها لكان أنسب.
(قوله: فالأولى إلخ) جواب الشرط.
(قوله: وإن فات به) أي بالتأخير.
ولا معنى للغاية لأن موضوع المسألة أنه تعارض تأخيرها من غير فعلها في المسجد وتقديمها مع فعلها في المسجد.
ويمكن جعل الواو للحال، وما بعدها جملة حالية.
أي والحال أنه يفوت بسبب تأخيرها فعلها في المسجد.
(قوله: لأن الفضيلة إلخ) تعليل للأولوية.
وقوله: المتعلقة بالوقت وهي هنا تأخيرها إلى ربع النهار.
وقوله: أولى بالمراعاة من المتعلقة بالمكان وهي هنا فعلها في المسجد.
(قوله: ويسن أن يقرأ إلخ) في حواشي الخطيب، ذكر الجلال السيوطي أن الأفضل أن يقرأ في الركعة الأولى منها بعد الفاتحة سورة والشمس بتمامها، وفي الثانية الفاتحة وسورة والضحى للمناسبة ولما ورد في ذلك.
وتبعه ابن حجر.
لكن الذي ذهب إليه م ر واعتمده أنه يقرأ في الأولى الكافرون، والثانية الإخلاص، ويفعل ذلك في كل ركعتين منها.
قال: وهما أفضل في ذلك من الشمس والضحى وإن وردتا أيضا، إذ السورة الأولى تعدل ربع القرآن والثانية ثلث القرآن.
اه.
وعلى هذا فالجمع بين القولين أولى بأن يقرأ في الأولى سورة والشمس والكافرون، وفي الثانية والضحى والإخلاص، ثم باقي الركعات يقتصر على الكافرون والإخلاص.
اه.
ملخصا.
(فائدة) إذا فرغ من صلاتها دعا بهذا الدعاء، وهو: اللهم إن الضحاء ضحاؤك، والبهاء بهاؤك، والجمال جمالك،
والقوة قوتك، والقدرة قدرتك، والعصمة عصمتك.
اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله، وإن كان في الأرض فأخرجه، وإن كان معسرا فيسره، وإن كان حراما فطهره، وإن كان بعيدا فقربه، بحق ضحائك وبهائك وجمالك وقوتك وقدرتك آتني ما آتيت عبادك الصالحين.
قال في المسلك القريب: ويضيف إليه: اللهم بك أصاول وبك أحاول وبك أقاتل.
ثم يقول: رب اغفر لي وارحمني وتب علي إنك أنت التواب الرحيم.
مائة مرة أو أربعين مرة.
(قوله: خلافا للغزالي ومن تبعه) أي في قولهم أنها غيرها.
ومما ينبني عليه أنها تحصل حينئذ بركعتين فقط، ولا تتقيد بالعدد الذي لصلاة الضحى، وأيضا تفوت بمضي وقت شروق الشمس وارتفاعها، ولا تمتد للزوال.
(قوله: ويسن ركعتا تحية) أي ركعتان للتحية للمسجد، أي تعظيمه، إذ التحية شرعا ما يحصل به التعظيم، فعلا كان أو قولا.
والمراد
الشيخ زكريا في شرحي المنهج والتحرير بقوله: إن أراد الجلوس، لخبر الشيخين: إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين.
وتفوت التحية بالجلوس الطويل، وكذا القصير إن لم يسه أو يجهل.
ويلحق بهما على الاوجه ما لو احتاج للشرب فيقعد له قليلا ثم يأتي بها، لا بطول قيام أو إعراض عنها.
ولمن أحرم بها قائما القعود لا تمامها.
وكره تركها من غير عذر.
نعم، إن قرب قيام مكتوبة جمعة أو غيرها، وخشي لو اشتغل
ــ
تعظيم رب المسجد، إذ لو قصد تعظيمه بها لم تنعقد، إذ المسجد من حيث ذاته لا يقصد بالعبادة شرعا وإنما يقصد لإيقاع العبادة فيه لله تعالى، لكن لا تشترط ملاحظة المضاف وهو رب، بل لو أطلق صح.
(فائدة) قال الأسنوي: التحيات أربع: تحية المسجد بالصلاة، والبيت صح بالطواف، والحرم بالإحرام، ومنى بالرمي.
وزيد عليه تحية عرفة بالوقوف، وتحية لقاء المسلم بالسلام.
(قوله: لداخل مسجد) أي خالص، عند حجر.
ولا يشترط ذلك عند م ر.
فلو كان مشاعا أي بعضه مسجد وبعضه غيره، وإن قل البعض الذي جعل مسجدا، تسن التحية فيه عنده.
والمراد بالمسجد غير المسجد الحرام، أما هو فإن كان داخله يريد الطواف سن له الطواف، وهو تحية البيت.
فإن صلى ركعتي الطواف حصلت تحية المسجد بهما أيضا، كما يفيده قوله بعد: ولمريد طواف الخ.
(قوله: وإن تكرر دخوله) أي ولو مع تقارب ما بين الدخولين، أو كان معتكفا وخرج ثم دخل، سواء قلنا اعتكافه باق أم لا، لوجود الدخول منه.
(قوله: أو لم يرد الجلوس) أي تسن التحية له، سواء أراد الجلوس أم لا.
كما يسن لداخل مكة الإحرام سواء أراد الإقامة بها أم لا.
وذلك لأن العلة فيها تعظيم المسجد وإقامة الشعار.
(قوله: خلافا للشيخ نصر) مرتبط بالغاية الثانية، وهو منصوب على الحالية من مجموع الكلام السابق.
أي تسن التحية وإن لم يرد الجلوس حال كون ذلك مخالفا للشيخ نصر.
(قوله: وتبعه) أي الشيخ نصر.
(وقوله: في شرحي المنهج والتحرير) عبارة شرح المنهج مع الأصل وكتحية مسجد غير المسجد الحرام لداخله متطهرا مريدا الجلوس فيه لم يشتغل بها عن الجماعة ولم يخف فوت راتبة، وإن تكرر دخوله عن قرب.
لوجود المقتضي.
اه.
وعبارة شرح
التحرير مع الأصل ومنه تحية المسجد لداخله إن أراد الجلوس فيه.
اه.
(قوله: بقوله) متعلق بخلافا، والباء بمعنى في، والضمير يعود على الشيخ نصر.
أي خلافا للشيخ نصر ومن تابعه في تقييد سنية التحية لداخل المسجد بما إذا أراد الجلوس فيه.
(قوله: لخبر الشيخين) علة لقوله ويسن ركعتا تحية.
(قوله: فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) هذا يؤيد ما قاله الشيخ نصر.
قال الزركشي: لكن الظاهر أن التقييد بذلك خرج مخرج الغالب، وأن الأمر بذلك معلق على مطلق الدخول، تعظيما للبقعة وإقامة للشعار.
اه شرح الروض.
(قوله: وتفوت التحية بالجلوس) أي متمكنا مستوفزا كعلى قدميه ومعرضا عنها لا يستريح قليلا ثم يقوم لها.
(وقوله: الطويل) قال العلامة الكردي: هل طوله بمقدار ركعتين بأقل مجزئ، حرره فإنه غير بعيد.
اه.
(قوله: وكذا القصير) أي وكذا تفوت بالجلوس القصير.
(قوله: إن لم يسه أو يجهل) قيد في فواتها بالجلوس القصير.
أي فإن جلس قصيرا ساهيا أو جاهلا أنها تفوت به تندب له التحية ولا تفوت به، وذلك لخبر الصحيحين: أنه صلى الله عليه وسلم قال - وهو قاعد على المنبر يوم الجمعة - لسليك الغطفاني لما قعد قبل أن يصلي: قم فاركع ركعتين.
(قوله: ويلحق بهما) أي بالسهو والجهل.
(وقوله: ما لو احتاج للشرب) أي لعطشه.
(وقوله: فيقعد له) أي للشرب، لكراهته للقائم.
وخالف م ر في النهاية فجرى على الفوات بجلوسه للشرب.
وفي التحفة: ولو دخل المسجد محدثا وجلس للوضوء فاتت التحية به لتقصيره مع عدم احتياجه للجلوس.
اه.
وقوله: ثم يأتي بها أي بالتحية بعد الشرب جالسا.
(قوله: لا بطول قيام) أي لا تفوت به.
قال سم: اعتمد شيخنا الشهاب الرملي الفوات إذا طال القيام.
كما في نظائره، كما لو طال الفصل بين قراءة آية سجدة وسجودها، أو بين السلام سهوا من سجود السهو وتذكره.
اه.
وقوله: (أو إعراض عنها) أي ولا تفوت بالإعراض عنها، لكن بشرط القيام.
وعبارة التحفة: ولا بقيام وإن طال أو أعرض عنها.
اه.
وهي أولى من عبارة شارحنا كما هو ظاهر.
(قوله: ولمن أحرم بها قائما الخ) أي ويجوز لمن أحرم بالتحية حال كونه قائما أن يقعد لا تمامها قال في التحفة: لأن المحذور الجلوس في غير الصلاة.
اه.
وله نيتها
بالتحية فوات فضيلة التحرم انتظره قائما.
ويسن لمن لم يتمكن منها ولو بحدث أن يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أربعا.
وتكره لخطيب دخل وقت الخطبة، ولمريد طواف دخل المسجد، لا لمدرس، خلافا لبعضهم.
(و) ركعتا (استخارة) وإحرام وطواف ووضوء.
ــ
جالسا حيث جلس ليأتي بها، كما في النهاية، إذ ليس لنا نافلة يجب التحرم بها قائما.
(قوله: وكره تركها) أي التحية، للخبر السابق.
وقوله: من غير عذر أما به، كأن كان مريضا أو خطيبا دخل وقت الخطبة أو مريد طواف، فلا يكره له تركها بل يكره له فعلها في الأخيرة (قوله: نعم، إن قرب الخ) إستدراك من كراهة الترك.
وفيه أنه إذا انتظره قائما فلا ترك لاندراجها في الفرض، فلا معنى حينئذ للاستدراك.
وقوله: قيام مكتوبة أي وإن كان قد صلاها جماعة أو فرادى
على الأوجه.
اه تحفة.
وقوله: انتظره قائما أي انتظر قيام المكتوبة حال كونه قائما، وتندرج التحية حينئذ في المكتوبة.
فإن صلاها حينئذ أو جلس كره.
قال الكردي: وجرى في الإمداد على أن الداخل لو كان صلى المكتوبة جماعة لا كراهة، لكن الأولى له الاشتغال بالجماعة لا بالتحية.
اه.
(قوله: ولو بحدث) أي ولو كان عدم التمكن بسبب الحدث.
قال ع ش: وينبغي إن محل الإكتفاء بذلك - أي بقوله سبحان الله إلخ - حيث لم يتيسر له الوضوء فيه قبل طول الفصل، وإلا فلا تحصل لتقصيره بترك الوضوء مع تيسره.
اه.
(وقوله: فيه) أي في المسجد: ولا بد من تقييده بكونه مع غير الجلوس.
(قوله: أن يقول سبحان الله والحمد لله الخ) قال في التحفة: لأنها الطيبات والباقيات الصالحات وصلاة الحيوانات والجمادات.
اه.
قال الكردي: وأقول كأن وجه المناسبة أن الداخل حيث لم يتمكن من فعل صلاة الآدميين فلا ينزل رتبة عن الحيوانات والجمادات، فليصل صلاتها.
وفي التحفة والنهاية وغيرهما أنها تعدل صلاة ركعتين.
وفي حواشي المحلى للشهاب القليوبي ما نصه: (فرع): يقوم مقام السجود للتلاوة أو الشكر ما يقوم مقام التحية لمن لم يرد فعلها ولو متطهرا، وهو سبحان الله إلخ.
(قوله: وتكره إلخ) ويحرم الاشتغال بها عن فرض ضاق وقته فيعتريها من الأحكام الخمسة الندب والكراهة والحرمة.
(قوله: دخل وقت الخطبة) أي بشرط التمكن منها، كما في التحفة.
(وقوله: ولمريد طواف) أي وتكره لمريد طواف، لكن بشرط التمكن منه - كما في الذي قبله - وذلك لحصولها بركعتيه.
قال سم: ولو بدأ بالتحية في هذه الحالة فينبغي انعقادها لأنها مطلوبة منه في الجملة.
غاية الأمر أنه طلب منه تقديم الطواف لحصولها بسنته، ولو بدأ بالطواف كما هو الأفضل، ثم نوى بالركعتين بعده التحية، فينبغي صحة ذلك، ويندرج فيهما سنة الطواف، لأن التحية لم تسقط بالطواف بل اندرجت في ركعتيه، فجاز أن ينوي خصوصها ويندرج فيها سنة الطواف.
(قوله: لا لمدرس) أي لا تكره لمدرس.
(وقوله: خلافا لبعضهم) هو الزركشي، نقلا عن بعض مشايخه.
فجرى على أنه كالخطيب بجامع التشوف إليه، وهو ضعيف لأن كلام مقدمة شرح المهذب مصرح بخلافه، وعبارته: وإذا وصل مجلس الدرس صلى ركعتين، فإن كان مسجدا تأكد الحث على الصلاة.
انتهت.
(قوله: وركعتا استخارة) أي ويسن ركعتان للاستخارة، أي طلب الخير فيما يريد أن يفعله.
ومعناها في الخير الاستخارة في تعيين وقته.
ويكررها إلى أن ينشرح صدره لشئ، ثم يمضي فيما انشرح له صدره.
فإن لم ينشرح أخر إن أمكن، وإلا شرع فيما تيسر، ففيه الخير إن شاء الله تعالى.
قال في الإحياء: فمن هم بأمر وكان لا يدري عاقبته، ولا يعرف أن الخير في تركه أو في الإقدام عليه، فقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يصلي ركعتين، يقرأ في الأولى فاتحة الكتاب وقل يا أيها الكافرون، وفي الثانية الفاتحة وقل
هو الله أحد.
فإذا فرغ دعا وقال: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب.
اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي، في ديني ودنياي وعاقبة أمري وعاجله وآجله، فقدره لي وبارك لي فيه، ثم يسره لي.
وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي، في ديني ودنياي وعاقبة أمري وعاجله وآجله، فاصرفني عنه واصرفه عني، واقدر لي الخير أينما كان، إنك على كل شئ قدير.
رواه جابر بن عبد الله، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها.
كما يعلمنا السورة من القرآن.
وقال صلى الله عليه وسلم: إذا هم أحدكم بأمر فليصل ركعتين، ثم ليسم الأمر ويدعو - بما ذكرناه - وقال بعض العلماء: من أعطى أربعا لم يمنع أربعا، من
وتتأدى ركعتا التحية وما بعدها بركعتين فأكثر من فرض أو نفل آخر، وإن لم ينوها معه، أي يسقط طلبها بذلك.
أما حصول ثوابها فالوجه توقفه على النية، لخبر: إنما الاعمال بالنيات.
كما قاله جمع متأخرون، واعتمده شيخنا.
لكن ظاهر كلام الاصحاب حصول ثوابها وإن لم ينوها معه، وهو مقتضى كلام المجموع.
ويقرأ ندبا في أولى ركعتي الوضوء بعد الفاتحة: * (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم) * إلى * (رحيما) * والثانية: * (ومن يعمل سوءا
ــ
أعطى الشكر لم يمنع المزيد، ومن أعطى التوبة لم يمنع القبول، ومن أعطى الاستخارة لم يمنع الخيرة، ومن أعطى المشورة لم يمنع الصواب.
اه.
(قوله: وإحرام) بالجر، عطفا على استخارة.
أي وتسن ركعتان للإحرام، ويكونان قبله.
(قوله: وطواف) بالجر، عطف على استخارة أيضا.
أي ويسن ركعتان للطواف، ويكونان بعده.
(قوله: ووضوء) بالجر، عطف أيضا على استخارة.
أي وتسن ركعتان للوضوء، ويكونان بعده أيضا بحيث تنسبان إليه عرفا، فتفوتان بطول الفصل عرفا على الأوجه، وعند بعضهم بالأعراض.
وبعضهم بجفاف الأعضاء.
وقيل بالحدث كما مر عن الشارح في مبحث الوضوء، وإنما سنتا بعده.
قال في الإحياء: لأن الوضوء قربة، ومقصودها الصلاة، والأحداث عارضة.
فربما يطرأ الحدث قبل صلاة فينتقض الوضوء ويضيع السعي، فالمبادرة إلى ركعتين استيفاء لمقصود الوضوء قبل الفوات.
وعرف ذلك بحديث بلال، إذ قال صلى الله عليه وسلم: دخلت الجنة فرأيت بلالا فيها، فقلت لبلال: بم سبقتني إلى الجنة؟.
فقال بلال: لا أعرف شيئا إلا أني لا أحدث وضوءا إلا أصلي عقبه ركعتين.
اه.
(قوله: وتتأدى ركعتا التحية إلخ) أي تحصل بذلك لأنها سنن غير مقصودة، بخلاف نية سنة مقصودة مع مثلها أو فرض فلا يصح.
قال ع ش: ينبغي أن محل ذلك - أي حصول ركعتي التحية وغيرها بركعتين - حيث لم ينذرها، وإلا فلا بد من فعلها مستقلة، لأنها بالنذر صارت مقصودة فلا يجمع بينها وبين فرض ولا نفل، ولا تحصل بواحد منهما.
اه.
(وقوله: وما بعدها) الأولى وما بعدهما بضمير التثنية، وهو ركعتا الاستخارة والإحرام والطواف والوضوء.
(وقوله: بركعتين) متعلق بتتأدى، فلا تتأدى بأقل منهما، ولا بصلاة جنازة، ولا بسجدتي تلاوة وشكر.
(وقوله: من فرض أو نفل آخر) بيان لما قبله.
(قوله: وإن لم ينوها معه) غاية لتأدية ركعتي التحية وما بعدهما بما ذكر، أي تتأدى بذلك سواء نوى التحية وما بعدها مع ذلك أم لا.
(قوله: أي
يسقط إلخ) تفسير لقوله وتتأدى إلخ.
والمراد يسقط ما ذكر من غير نيتها.
وقوله: طلبها أي المذكورات من ركعتي التحية وما بعدها.
(وقوله: بذلك) أي بالركعتين فأكثر.
وقوله: أما حصول ثوابها أي المذكورات.
وقوله: فالأوجه توقفه أي حصول الثواب على النية.
(قوله: لخبر: إنما الأعمال بالنيات).
قال سم: قد يقال هذا الحديث يشكل على حصولها بغيرها إذا لم ينوها، ويجاب بأن مفاد الحديث توقف العمل على النية أعم من نيته بخصوصه.
وقد حصلت النية ههنا وإن لم يكن المنوي خصوص التحية.
فتدبر.
اه.
(قوله: واعتمده شيخنا) عبارته: أما حصول ثوابها فالوجه توقفه على النية لحديث: إنما الأعمال بالنيات.
وزعم أن الشارع أقام فعل غيرها مقام فعلها فيحصل وإن لم تنو بعيد، وإن قيل كلام المجموع يقتضيه.
اه.
(قوله: لكن ظاهر الخ) جرى عليه م ر والخطيب، ومحل الخلاف إذا لم ينو عدمها، وإلا فلا يحصل له فضلها، بل لا يسقط عنه طلبها اتفاقا لوجود الصارف.
(قوله: وهو) أي حصول ثوابها وإن لم ينوها.
(قوله: ويقرأ ندبا إلخ) قال الحبيب طاهر بن حسين باعلوي في المسلك القريب: ويقرأ في الأولى منهما بعد الفاتحة.
* (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) * ويقول: أستغفر الله، ثلاثا.
ثم يقرأ الكافرون.
وفي الثانية بعد الفاتحة * (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما) * ويقول: أستغفر الله، ثلاثا.
ثم يقرأ الإخلاص، فإذا فرغ قال: الله أكبر عشرا.
الحمد لله عشرا، لا إله إلا الله عشرا، أستغفر الله عشرا، سبحان الله وبحمده عشرا، سبحان الملك القدوس عشرا، اللهم إن أعوذ بك من ضيق الدنيا وضيق يوم القيامة عشرا.
اه.
(وقوله: في أولى ركعتي الوضوء) قد ذكر في فصل في صفة الصلاة بيان ما يقرؤه في
أو يظلم نفسه) * إلى * (رحيما) *.
ومنه صلاة الاوابين، وهي عشرون ركعة بين المغرب والعشاء، ورويت ستا وأربعا، وركعتين، وهما الاقل.
وتتأدى بفوائت وغيرها، خلافا لشيخنا، والاولى فعلها بعد الفراغ من أذكار المغرب.
وصلاة التسبيح وهي أربع ركعات بتسليمة أو تسليمتين.
وحديثها حسن لكثرة طرقه، وفيها ثواب
ــ
البقية، وهو الكافرون في أولاها والإخلاص في ثانيتها.
وذكر بعضهم أنه يقرأ في الاستخارة ما ذكر، أو يقرأ في الركعة الأولى * (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون) * وفي الثانية * (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) *.
(قوله: ومنه صلاة الأوابين) أي ومن القسم الأول الذي لا تسن فيه الجماعة صلاة الأوابين، أي الراجعين إلى الله في أوقات الغفلة.
قال في النصائح الدينية: ومن المستحب المتأكد إحياء ما بين العشاءين بصلاة، وهو الأفضل، أو تلاوة قرآن، أو ذكر الله تعالى من تسبيح أو تهليل أو نحو ذلك.
قال النبي عليه السلام: من صلى بعد المغرب ست ركعات لا يفصل بينهن بكلام عدلن له عبادة اثنتي عشرة سنة.
وورد أيضا: أن من صلى
بين المغرب والعشاء عشرين ركعة بنى الله له بيتا في الجنة.
وبالجملة فهذا الوقت من أشرف الأوقات وأفضلها، فتتأكد عمارته بوظائف الطاعات ومجانبة الغفلات والبطالات.
وورد كراهة النوم قبل صلاة العشاء فاحذر منه، وهو من عادة اليهود.
وفي الحديث: من نام قبل صلاة العشاء الآخرة فلا أنام الله عينيه.
اه.
(قوله: ورويت) أي صلاة الأوابين.
(قوله: وركعتين) أي ورويت ركعتين.
(فائدة) قال الفشني: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يحفظ الله عليه إيمانه فليصل ركعتين بعد سنة المغرب، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد ست مرات والمعوذتين مرة مرة.
اه وقال في المسلك: فإذا سلم رفع يديه وقال بحضور قلب: اللهم إني أستودعك إيماني في حياتي وعند مماتي وبعد مماتي، فاحفظه علي إنك على كل شئ قدير، ثلاثا.
(قوله: وتتأدى إلخ) أي تحصل صلاة الأوابين بفوائت وغيرها من الفرائض المؤداة والنوافل، وهذا بناء على أنها كتحية المسجد.
(وقوله: خلافا لشيخنا) أي في فتاويه، كما صرح به في أول فصل في صفة الصلاة، وعبارته هناك: وكذا صلاة الأوابين، على ما قال شيخنا ابن زياد والعلامة السيوطي رحمهما الله تعالى، والذي جزم به شيخنا في فتاويه أنه لا بد فيها من التعيين كالضحى.
اه.
وقد نقلت بعض عبارة الفتاوي هناك فارجع إليه إن شئت.
(قوله: وصلاة التسبيح) بالرفع.
عطف على صلاة الأوابين أي ومنه صلاة التسبيح.
قال في الإحياء: وهذه الصلاة مأثورة على وجهها، ولا تختص بوقت ولا بسبب.
ويستحب أن لا يخلو الأسبوع عنها مرة واحدة، أو الشهر مرة، فقد روى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب: ألا أعطيك؟ ألا أمنحك؟ ألا أحبوك بشئ إذا أنت فعلته غفر الله لك ذنبك أوله وآخره، قديمه وحديثه، خطأه وعمده، سره وعلانيته؟ تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم تقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشر مرات، ثم ترفع من الركوع فتقولها قائما عشرا، ثم تسجد فتقولها عشرا، ثم ترفع من السجود فتقولها جالسا عشرا، ثم تسجد فتقولها وأنت ساجد عشرا، ثم ترفع من السجود فتقولها عشرا، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة.
تفعل ذلك في أربع ركعات.
إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل، فإن لم تستطع ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة، فإن لم تفعل ففي السنة مرة.
وفي رواية أخرى أنه يقول في أول الصلاة: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، وتقدست
لا يتناهى.
ومن ثم قال بعض المحققين: لا يسمع بعظيم فضلها ويتركها إلا متهاون بالدين.
ويقول في كل
ركعة منها خمسة وسبعين سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، خمسة عشر بعد القراءة وعشرا في كل من الركوع، والاعتدال، والسجودين، والجلوس بينهما بعد الذكر الوارد فيها، وجلسة الاستراحة.
ويكبر عند ابتدائها دون القيام منها، ويأتي بها في محل التشهد قبله.
ويجوز جعل الخمسة عشر قبل القراءة، وحينئذ
ــ
أسماؤك، ولا إله غيرك.
ثم يسبح خمس عشرة تسبيحة قبل القراءة وعشرا بعد القراءة، والباقي كما سبق عشرا عشرا، ولا يسبح بعد السجود الأخير قاعدا.
وهذا هو الأحسن، وهو اختيار ابن المبارك.
والمجموع من الروايتين ثلاثمائة تسبيحة، فإن صلاها نهارا فبتسليمة واحدة، وإن صلاها ليلا فبتسليمتين أحسن، إذ ورد أن صلاة الليل مثنى مثنى.
وإن زاد بعد التسبيح قوله: ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فهو حسن.
اه.
وقال السيوطي رحمه الله تعالى في كتاب الكلم الطيب والعمل الصالح، كيفية صلاة التسبيح: أربع ركعات يقرأ فيها ألهاكم والعصر والكافرون والإخلاص، وبعد ذلك: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة مرة في القيام، وعشرا في الركوع والاعتدال والسجدتين والجلوس بينهما والاستراحة والتشهد - ترمذي - أو يضم إليها لا حول ولا قوة إلا بالله، وبعدها قبل السلام: اللهم إني أسألك توفيق أهل الهدى، وأعمال أهل اليقين، ومناصحة أهل التوبة، وعزم أهل الصبر، وجد أهل الخشية، وطلب أهل الرغبة، وتعبد أهل الورع، وعرفان أهل العلم، حتى أخافك.
اللهم إني أسألك مخافة تحجزني عن معاصيك حتى أعمل بطاعتك عملا أستحق به رضاك، وحتى أناصحك بالتوبة خوفا منك، وحتى أخلص لك النصيحة حياء منك، وحتى أتوكل عليك في الأمور حسن ظن بك.
سبحان خالق النار.
اه.
وفي رواية: النور.
وظاهره أنه لا يكرر الدعاء، ولو قيل بالتكرار لكان حسنا.
ثم قوله: وبعدها قبل السلام الخ ينبغي أن المراد أنه يقول مرة إن صلاها بإحرام واحد، ومرتين إن صلى كل ركعتين بإحرام.
اه ع ش.
(قوله: وهي) أي صلاة التسبيح.
(وقوله: أربع ركعات بتسليمة أو تسليمتين) قد تقدم في كلام الغزالي أنه إن صلاها نهارا فبتسليمة واحدة، وإن صلاها ليلا فبتسليمتين.
وقال النووي في الأذكار، عن ابن المبارك: فإن صلاها ليلا فأحب إلي أن يسلم من كل ركعتين، وإن صلاها نهارا فإن شاء سلم وإن شاء لم يسلم.
اه.
وعلى أنها بتسليمة واحدة له أن يفعلها بتشهد واحد، وله أن يفعلها بتشهدين كصلاة الظهر.
(قوله: وحديثها) أي الحديث الوارد في صلاة التسبيح، وهو ما مر عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وقوله: لكثرة طرقه أي رواياته.
(قوله: وفيها) أي صلاة التسبيح.
(وقوله: ثواب لا يتناهى) أي ليس له نهاية، وهو كناية عن كثرته.
(قوله: ومن ثم) أي من أجل أن حديثها حسن وأن ثوابها لا يتناهى.
(قوله: إلا متهاون بالدين) أي مستخف به.
(قوله: ويقول) أي مصليها.
(وقوله: في كل ركعة منها) أي من الأربع الركعات.
(قوله: خسمة عشر) بدل بعض من خمسة وسبعين.
(قوله: بعد القراءة) أي قراءة الفاتحة والسورة، والظرف متعلق
بمحذوف حال من خمسة عشر، أو متعلق بيقول مقدرا.
(قوله: وعشرا) معطوف على خمسة عشر.
(قوله: في كل من الخ) متعلق بمحذوف صفة لعشرا، أو حال على قول، أو متعلق بيقول مقدرا.
قوله: بينهما أي السجودين.
(قوله: بعد الذكر) متعلق بما تعلق به ما قبله.
(وقوله: الوارد فيها) أي في الركوع وما بعده.
(قوله: وجلسة الاستراحة) معطوف على الركوع.
(قوله: ويكبر عند ابتدائها) أي جلسة الاستراحة.
والمراد أنه ينهي التكبير الذكر شرع فيه عند رفع رأسه من السجدة الثانية بابتداء جلسة الاستراحة لأنه يريد أن يسبح فيها.
(وقوله: دون القيام منها) أي ولا يكبر عند القيام منها.
والمراد أنه لا يشرع في التكبير عند القيام من جلسة الاستراحة، لأن التكبير إنما يشرع عند رفع رأسه من السجدة بل يقوم ساكتا.
(قوله: ويأتي بها) أي بالتسبيحات العشر.
(وقوله: في محل التشهد) هو الجلوس.
وقوله: قبله أي قبل التشهد.
وهو ظرف متعلق بيأتي، وكونه قبله ليس بشرط فيجوز بعده، لكن الأول أقرب كما نص عليه في التحفة، وعبارتها: تنبيه: هل يتخير في جلسة التشهد بين كون التسبيح قبله أو بعده؟ كهو في القيام أو لا يكون إلا قبله كما يصرح به كلامهم؟ ويفرق بأنه إذا جعل قبل الفاتحة يمكنه نقل ما في الجلسة الأخيرة، بخلافه هنا.
كل محتمل، والأقرب
يكون عشر الاستراحة بعد القراءة.
ولو تذكر في الاعتدال ترك تسبيحات الركوع لم يجز العود إليه ولا فعلها في بالاعتدال لانه ركن قصير، بل يأتي بها في السجود.
ويسن أن لا يخلي الاسبوع منها أو الشهر.
والقسم الثاني ما تسن فيه الجماعة، (و) هو:(صلاة العيدين) أالعيد الاكبر والاصغر، بين طلوع شمس وزوالها.
وهي ركعتان، ويكبر ندبا في أولى ركعتي العيدين - ولو مقضية على الاوجه بعد افتتاح
ــ
الأول.
اه.
(قوله: ويجوز جعل الخمسة عشر) أي التي يقولها بعد القراءة.
وقوله: قبل القراءة أي قراءة الفاتحة والسورة.
(قوله: وحينئذ) أي حين إذ جعلها قبل القراءة.
(وقوله: يكون عشر الاستراحة بعد القراءة) أي يجعل العشر التي يقرؤها في جلسة الاستراحة بعد القراءة ولا يأتي بها في جلسة الاستراحة.
(قوله: لم يجز العود إليه) أي إلى الركوع ليأتي بتسبيحاته.
(قوله: ولا فعلها في الاعتدال) أي ولم يجز فعل التسبيحات المتروكة في الاعتدال.
(قوله: لأنه) أي الاعتدال.
وهو علة لعدم جواز فعلها في الاعتدال.
(وقوله: ركن قصير) أي وهو لا يجوز الزيادة فيه على ما ورد.
(قوله: بل يأتي بها) أي بتسبيحات الركوع المتروكة، والاضراب انتقالي.
قال ع ش: وبقي ما لو ترك التسبيح كله أو بعضه ولم يتداركه، هل تبطل به صلاته أو لا؟ وإذا لم تبطل فهل يثاب عليها ثواب صلاة التسبيح أو النفل المطلق؟ فيه نظر، والأقرب أنه إن ترك بعض التسبيح حصل له أصل سنتها، وإن ترك الكل وقعت له نفلا مطلقا.
اه.
(قوله: ويسن أن لا يخلي الأسبوع منها) أي من صلاة التسبيح.
(وقوله: أو الشهر) أي أو السنة أو العمر، كما ورد في حديثها.
(تنبيه) سئل ابن حجر رضي الله عنه عن صلاة التسبيح، هل هي من النوافل المطلقة؟ أو من المقيدة باليوم أو الجمعة أو الشهر أو السنة أو العمر؟ وإذا قلتم أنها من النوافل المقيدة، هل يكون قضاؤها مستحبا وتكرارها في اليوم أو
الليلة غير مستحب أم لا؟ وإذا قلتم أنها من النوافل المطلقة، هل يكون قضاؤها غير مستحب وتكرارها في اليوم والليلة مستحب أم لا؟ وهل التسبيح فرض أو بعض أو هيئة؟.
فأجاب رضي الله عنه: الذي يظهر من كلامهم أنها من النفل المطلق، فتحرم في وقت الكراهة.
ووجه كونها من المطلق أنه الذي لا يتقيد بوقت ولا سبب، وهذه كذلك، لندبها كل وقت من ليل أو نهار - كما صرحوا به - ما عدا وقت الكراهة لحرمتها فيه.
كما تقرر وعلم من كونها مطلقة أنها لا تقضى، لأنها ليس لها وقت محدود حتى يتصور خروجها عنه وتفعل خارجه، وأنه يسن تكرارها ولو مرات متعددة في ساعة واحدة.
والتسبيحات فيها هيئة كتكبيرات العيدين، بل أولى، فلا يسجد لترك شئ منها، ولو نواها ولم يسبح فالظاهر صحة صلاته بشرط أن لا يطول الاعتدال ولا الجلوس بين السجدتين ولا جلسة الاستراحة، إذ الأصح المنقول أن تطويل جلسة الاستراحة مبطل، كما حررته في شرح العباب وغيره.
وإنما اشترطت أن لا يطول هذه الثلاثة لأنه إنما اغتفر تطويلها بالتسبيح الوارد.
فحيث لم يأت به امتنع التطويل وصارت نافلة مطلقة بحالها، لكنها لا تسمى صلاة التسبيح.
اه، من الفتاوي بتصرف.
(قوله: وهو) أي القسم الثاني الذي تسن فيه الجماعة.
(وقوله: صلاة العيدين) هي من خصوصيات هذه الأمة، ومثلها صلاة الاستسقاء، وصلاة الكسوفين.
وأول عيد صلاة النبي صلى الله عليه وسلم عيد الفطر في السنة الثانية من الهجرة، وكذلك عيد الأضحى شرع في السنة المذكورة، وصلاة عيد الأضحى أفضل من صلاة الفطر لثبوتها بنص القرآن وهو قوله تعالى: * (فصل لربك وانحر) * أي صل صلاة الأضحى وانحر الأضحية.
والعيد مأخوذ من العود لتكرره وعوده كل عام، أو لأن الله تعالى يعود على عباده فيه بالسرور.
قال في الإتحاف: وإنما كان يوم العيد من رمضان عيدا لجميع هذه الأمة إشارة لكثرة العتق قبله، كما أن يوم النحر هو العيد الأكبر لكثرة العتق في يوم عرفة قبله، إذ لا يرى أكثر عتقا منه، فمن أعتق قبله فهو الذي بالنسبة إليه عيد، ومن لا فهو في غاية الإبعاد والوعيد.
اه.
(قوله: أي العيد الأكبر) هو عيد الأضحى.
(وقوله: والأصغر) هو عيد الفطر.
(قوله: بين طلوع شمس وزوالها)
- سبعا، وفي الثانية خمسا، قبل تعوذ فيهما، رافعا يديه مع كل تكبيرة ما لم يشرع في قراءة.
ولا يتدارك في الثانية إن تركه في الاولى.
وفي ليلتهما من غروب الشمس إلى أن يحرم الامام مع رفع صوت، وعقب كل صلاة، ولو
ــ
خبر لمبتدأ محذوف.
أي ووقتها بين طلوع الشمس وزوالها، أي الزمن الذي بين ذلك.
ويكفي طلوع جزء من الشمس لكن يسن تأخيرها حتى ترتفع الشمس كرمح، للاتباع وللخروج من خلاف من قال لا يدخل وقتها إلا بالارتفاع فهي
مستثناة من سن فعل العبادة في أول الوقت، ولو فعلها فقيل خلاف الأولى، وهو المعتمد.
وقال شيخ الإسلام أنه مكروه، وهو ضعيف.
ويسن البكور لغير الإمام ليأخذ مجلسه وينتظر الصلاة، وأما الإمام فيحضر وقت الصلاة.
ويسن أن يعجل الحضور في الاضحى ليتسع وقت التضحية، ويؤخره قليلا في الفطر ليتسع وقت صدقة الفطر قبل الصلاة.
ولو ارتفعت الشمس لم يكره النفل قبل الصلاة لغير الإمام، وأما بعدها فإن لم يسمع الخطبة فكذلك وإلا كره، لأنه يكون معرضا عن الخطيب بالكلية.
وأما الإمام فيكره له النفل قبلها وبعدها لمخالفته فعله صلى الله عليه وسلم ولاشتغاله بغير الأهم.
ويسن قضاؤها إن فاتت لأنه يسن قضاء النفل المؤقت إن خرج وقته.
نعم، إن شهدوا بعد الغروب أو عدلوا بعده برؤية الهلال في الليلة الماضية صليت من الغد أداء لتقصيرهم في تأخير الشهادة أو التعديل.
(قوله: وهي ركعتان) أي بالإجماع.
وهي كسائر الصلوات في الأركان والشروط والسنن.
وأقلها ركعتان كسنة الوضوء، وأكملها ركعتان بالتكبير الآتي.
ويجب في نيتها التعيين من كونها صلاة عيد فطر أو صلاة أضحى، في كل من أدائها وقضائها.
ويسن أن يقرأ فيها بعد الفاتحة في الأولى ق وفي الثانية اقتربت، أو سبح اسم ربك الأعلى في الأولى والغاشية في الثانية، جهرا.
(قوله: ويكبر ندبا) أي مع الجهرية وإن كان مأموما، ولو في قضائها.
وليس التكبير المذكورر فرضا ولا بعضا، وإنما هو هيئة كالتعوذ ودعاء الافتتاح فلا يسجد لتركه.
(قوله: ولو مقضية) سواء قضاها في يوم العيد أو في غيره، لأن القضاء يحكى الأداء.
وقال العجلي: لا تسن فيها لأنها شعار للوقت وقد فات، فالغاية للرد عليه.
(قوله: بعد افتتاح) أي دعائه، وهو متعلق بيكبر.
(وقوله: سبعا) مفعول مطلق ليكبر، أو تكبيرات سبعا، أي غير تكبيرتي الإحرام والركوع.
وقوله: وفي الثانية خمسا أي غير تكبيرتي القيام والركوع.
ولو نقص إمامه التكبيرات تابعه ندبا، فلو اقتدى بحنفي كبر ثلاثا، أو مالكي كبر ستا، تابعه ولم يزد عليه.
ويستحب بين كل ثنتين منها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
(قوله: قبل تعوذ) متعلق بيكبر.
ولو قال وقبل تعوذ، بزيادة الواو، عطفا على بعد افتتاح لكان أولى.
وكونه قبل العوذ ليس بقيد، وإنما هو مطلوب.
فلو تعوذ قبل التكبير ولو عمدا كبر بعده ولا يفوت بالتعوذ.
(وقوله: فيهما) أي في الركعة الأولى والركعة الثانية.
(قوله: رافعا يديه) حال من فاعل يكبر، أي يكبر حال كونه رافعا يديه حذو منكبيه.
ولو والى الرفع مع موالاة التكبير لم تبطل صلاته، وإن لزم هذه الأعمال الكثيرة، لأن هذا مطلوب فلا يضر.
نعم، لو اقتدى بحنفي ووالى الرفع مع التكبير تبعا لإمامه الحنفي بطلت صلاته على المعتمد، لأنه عمل كثير في غير محله عندنا، لأن التكبير عندهم بعد القراءة في الركعة الثانية، وأما في الأولى فقبل القراءة كما هو عندنا.
وقيل لا تبطل لأنه مطلوب في الجملة، فاغتفر ولو في غير محله.
(قوله: ما لم يشرع) أي يسن التكبير ما لم يشرع في القراءة.
فإن شرع فيها قبل التكبيرات فإن كانت تلك القراءة التعوذ أو السور قبل الفاتحة لم تفت.
وإن كانت الفاتحة فاتت لفوات محلها فلا يسن العود إليها، فإن عاد إليها قبل الركوع عامدا عالما لا تبطل صلاته، أو بعد الركوع بأن ارتفع ليأتي بها بطلت صلاته.
(قوله: ولا يتدارك في الثانية) الفعل مبني للمجهول، ونائب فاعله ضمير يعود على التكبير، أي لا يؤتي به مع تكبيرات الركعة الثانية.
وهذا معتمد ابن حجر.
وجزم الرملي على سنية تداركها في الثانية مع تكبيرها قياسا على قراءة الجمعة في الركعة الأولى من صلاة الجمعة، فإنه إذا تركها فيها سن له أن يقرأها في الثانية مع المنافقين.
(قوله: وفي ليلتهما) معطوف على قوله في أولى، أي ويسن أن يكبر في ليلة عيد الفطر وليلة عيد الأضحى.
وقوله: من غروب الشمس أي أن ابتداء التكبير من حينئذ (وقوله: إلى أن يحرم الإمام) أي إلى أن ينطق بالراء من التحرم.
وهذا في حق من صلى جماعة، وأما من صلى منفردا فالعبرة في حقه بإحرامه.
فإن لم يصل أصلا فقيل يستمر في حقه إلى الزوال.
وقيل إلى أول وقت يطلب من الإمام الدخول للصلاة فيه.
جنازة، من صبح عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، وفي عشر ذي الحجة حين يرى شيئا من بهيمة الانعام أو يسمع صوتها.
(و) صلاة (الكسوفين) أي كسوف الشمس والقمر.
وأقلها ركعتان كسنة الظهر، وأدنى كمالها زيادة قيام وقراءة وركوع في كل ركعة، والاكمل أن يقرأ بعد الفاتحة في القيام الاول البقرة أو قدرها، وفي الثاني كمائتي آية منها، والثالث كمائة وخمسين، والرابع كمائة.
وأن يسبح في أول ركوع وسجود كمائة من
ــ
ويسن أن يكون ذلك التكبير في الطرق والمنازل والمساجد والأسواق وغيرها، ماشيا وراكبا وقاعدا ومضطجعا في جميع الأحوال إلا في نحو بيت الخلاء، ودليله في الأول قوله تعالى: * (ولتكملوا العدة) * أي عدة صوم رمضان * (ولتكبروا الله) * أي عند إكمالها.
وفي الثاني القياس على الأول.
وهذا التكبير يسمى مرسلا ومطلقا إذ لا يتقيد بصلاة ولا نحوها.
وما ذكر لغير الحاج، أما هو فلا يكبر هذا التكبير لأن التلبية شعاره.
(قوله: مع رفع صوت) أي لغير المرأة، أما هي فلا ترفع صوتها مع غير محارمها.
(قوله: وعقب كل صلاة) معطوف على قوله في أولى أيضا.
أي ويسن أن يكبر أيضا عقب كل صلاة، أي فرضا كانت أو نفلا، أداء أو قضاء.
وهذا التكبير يسمى مقيدا، وهو خاص بعيد الأضحى.
(قوله: من صبح عرفة) متعلق بيكبر المقدر، أي ويكبر عقب كل صلاة من عقب فعل صبح يوم عرفة.
وقوله: إلى عصر آخر أيام التشريق أي إلى عقب فعل عصر آخرها.
وهذا معتمد ابن حجر.
واعتمد م ر أنه يدخل بفجر يوم عرفة وإن لم يصل الصبح، وينتهي بغروب آخر أيام التشريق.
وعلى كل يكبر بعد صلاة العصر آخر أيام التشريق، وينتهي به عند ابن حجر، وعند م ر بالغروب.
وهذا لغير الحاج، أما هو فيكبر من ظهر يوم النحر إلى صبح آخر أيام التشريق، لأن أول صلاة يصليها بعد تحلله الظهر وآخر صلاة يصليها بمنى قبل نفره الثاني الصبح، وهذا معتمد ابن حجر تبعا للنووي.
واعتمد م ر أن العبرة بالتحلل تقدم أو تأخر، فمتى تحلل كبر.
وكتب الرشيدي على قول المنهاج: ويختم بصبح آخر التشريق.
ما نصه:
هذا من حيث كونه حاجا كما يؤخذ من العلة، وإلا فمن المعلوم أنه بعد ذلك كغيره فيطلب منه التكبير المطلوب من كل أحد إلى الغروب، فتنبه له.
اه.
وصيغة التكبير المحبوبة: الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
واستحسن في الأم أن يزيد بعد التكبيرة الثالثة: الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده.
لا إله إلا الله والله أكبر.
(قوله: وفي عشر ذي الحجة) معطوف على في أولى أيضا.
أي ويكبر ندبا في عشر ذي الحجة، لقوله تعالى: * (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) * قال في الأذكار: قال ابن عباس والشافعي والجمهور: هي أيام العشر.
(قوله: أو يسمع صوتها) معطوف على يرى، أي أو يكبر حين يسمع صوت الأنعام.
(قوله: وصلاة الكسوفين) معطوف على صلاة العيدين.
أي وهو صلاة الكسوفين، أي كسوف الشمس وكسوف القمر.
ويعبر عنهما في قول بالخسوفين، وفي آخر بالكسوف للشمس والخسوف للقمر، وهو أشهر.
وهي من السنن المؤكدة، للأخبار الصحيحة في ذلك.
منها قوله عليه الصلاة والسلام: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله والصلاة.
قال ذلك لما مات ولده سيدنا إبراهيم وكسفت الشمس، فقال الناس: إنما كسفت لموته.
(قوله: وأقلها ركعتان كسنة الظهر) فلو نواها كسنة الظهر ثم عن له بعد الإحرام أن يزيد ركوعا في كل ركعة لم يجز، وهذا هو المعتمد.
برماوي بجيرمي.
(قوله: وأدنى كمالها زيادة قيام) ويجب قراءة الفاتحة في القيام الزائد.
(قوله: والأكمل) أي وأعلى الكمال ما ذكر، فتلخص أن لها ثلاث كيفيات.
(قوله: أن يقرأ بعد الفاتحة) أي وسوابقها من الافتتاح والتعوذ.
(وقوله: البقرة) هي أفضل لمن يحسنها.
(وقوله: أو قدرها) أي قدر البقرة من القرآن.
وفي الإحياء ما نصه: فيقرأ في الأولى من قيام الركعة الأولى الفاتحة والبقرة، وفي الثانية الفاتحة وآل عمران، وفي الثالثة الفاتحة وسورة النساء، وفي الرابعة الفاتحة وسورة المائدة، أو مقدار ذلك من القرآن من حيث أراد.
ولو اقتصر على الفاتحة في كل قيام أجزأه، ولو اقتصر على سور قصار فلا بأس.
ومقصود التطويل دوام الصلاة إلى الانجلاء.
ويسبح في الركوع الأول قدر مائة آية، وفي الثاني قدر ثمانين آية، وفي الثالث قدر سبعين، وفي الرابع قدر خمسين.
ولكن السجود على قدر الركوع في كل ركعة.
البقرة، وفي الثاني من كل منهما كثمانين، والثالث منهما كسبعين، والرابع كخمسين.
(بخطبتين) أي معهما (بعدهما) أي يسن خطبتان بعد فعل صلاة العيدين - ولو في غد فيما يظهر والكسوفين ويفتتح أولى خطبتي العيدين لا الكسوف - بتسع تكبيرات، والثانية بسبع ولاء.
وينبغي أن يفصل بين الخطبتين بالتكبير، ويكثر منه في فصول الخطبة.
قاله السبكي.
ولا تسن هذه التكبيرات للحاضرين.
(و) صلاة (استسقاء) عند الحاجة للماء
ــ
(تتمة) اعلم أن الشارح اقتصر على بيان كيفية صلاة الكسوفين ولم يبين وقتها: وبيانه أنه من ابتداء الكسوف إلى تمام الانجلاء، فتفوت صلاة كسوف الشمس بالانجلاء للمنكسف وبغروبها كاسفة، فلا يشرع فيها بعده.
وأما لو حصل
غروبها كاسفة في أثناء الصلاة أتمها وتفوت صلاة خسوف القمر بالانجلاء وبطلوع الشمس لا بطلوع الفجر، لأن ما بعد الفجر ملحق بالليل.
(قوله: بخطبتين) متعلق بمحذوف حال من كل من صلاة العيدين وصلاة الكسوفين، أي تسن صلاة العيدين وصلاة الكسوفين حال كونهما مصحوبتين بخطبتين بعدهما، وهما كخطبتي الجمعة في أركانهما، أما شروط خطبتي الجمعة - كالقيام فيهما، والجلوس بينهما، والطهارة والستر - فلا تشترط هنا.
نعم، يعتبر من الشروط لأداء السنة الإسماع والسماع، وكون الخطبة عربية، ويسن أن يعلمهم في خطبة عيد الفطر أحكام زكاة الفطر، وفي عيد الأضحى أحكام الأضحية.
ويسن أن يأمر الناس في خطبة الكسوفين بالتوبة من الذنوب، وبفعل الخير من صدقة وعتق ونحو ذلك.
(قوله: أي معهما) أفاد به أن الباء بمعنى مع.
(قوله: بعدهما) أي بعد صلاة العيدين وبعد صلاة الكسوفين، والظرف متعلق بمحذوف صفة لخطبتين، واحترز به عما لو قدمتا على الصلاة فإنه لا يعتد بهما، كالسنة الراتبة البعدية لو قدمت.
(قوله: أي يسن خطبتان الخ) أفاد بهذا التفسير أن الخطبتين بعدهما سنة مستقلة.
(قوله: ولو في غد) أي ولو كان فعلها في الغد، وذلك فيما إذا شهدوا بعد الغروب برؤية الهلال الليلة الماضية فإنها تصلى أداء من الغد كما تقدم.
(قوله: والكسوفين) معطوف على العيدين، أي وبعد فعل صلاة الكسوفين.
(قوله: لا الكسوف) أي لا يفتتح أولى خطبتي الكسوف بما ذكر، أي ولا الثانية أيضا.
ولو أخره عن قوله والثانية بسبع ولاء لكان أولى، وظاهر سياقه أنه لا يبدله بالتسبيح ولا بالإستغفار.
وفي ع: وهل يحسن أن يأتي بدله بالإستغفار قياسا على الاستسقاء أم لا؟ فيه نظر، والأقرب الأول، لأن صلاته مبنية على التضرع، والحث على التوبة والاستغفار من أسباب الحمل على ذلك.
وعبارة الناشري: يحسن أن يأتي بالإستغفار إلا أنه لم يرد فيه نص.
اه.
(قوله: بتسع تكبيرات) متعلق بيفتتح.
(قوله: والثانية) أي ويفتتح ثانية الخطبتين بسبع تكبيرات.
(وقوله: ولاء) حال من كل من التسع التكبيرات ومن السبع.
(قوله: ويبنغي أن يفصل) أي الخطيب.
وفي شروح الزبد ما نصه: ولو فصل بينهما بالحمد والتهليل والثناء جاز.
اه.
(قوله: ويكثر منه في فصول الخطبة) أي وينبغي أن يكثر الخطيب من التكبير في فواصل الخطبة، أي رؤوس سجعاتها.
(قوله: قاله) أي ما ذكر من الفصل بينهما بالتكبير والإكثار منه في الفصول.
(قوله: ولا تسن هذه التكبيرات للحاضرين) أي بل يسن لهم استماع ذلك من الخطيب.
(قوله: وصلاة استسقاء) الأصل فيها الاتباع، واستأنسوا لها بقوله تعالى: * (وإذ استسقى موسى لقومه) * وإنما كان هذا استئناسا لا استدلالا، لأن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا على الراجح، وإن ورد في شرعنا ما
يقرره.
والاستسقاء معناه لغة: طلب السقيا مطلقا من الله أو من غيره.
وشرعا: طلب سقيا العباد من الله عند حاجتهم إليه.
قال حجة الإسلام الغزالي في بيان صلاة الاستسقاء: فإذا غارت الأنهار وانقطعت الأمطار، أو انهارت قناة، فيستحب للإمام أن يأمر الناس أولا بصيام ثلاثة أيام، وما أطاقوا من الصدقة، والخروج من المظالم، والتوبة من المعاصي، ثم يخرج بهم في اليوم الرابع وبالعجائز والصبيان متنظفين في ثياب بذلة واستكانة متواضعين، بخلاف
لفقده أو ملوحته أو قلته بحيث لا يكفي.
وهي كصلاة العيد، لكن يستغفر الخطيب بدل التكبير في الخطبة، ويستقبل القبلة حالة الدعاء بعد صدر الخطبة الثانية، أي نحو ثلثها.
(و) صلاة (التراويح)، وهي عشرون ركعة
ــ
العيد.
وقيل يستحب إخراج الدواب لمشاركتها في الحاجة، ولقوله صلى الله عليه وسلم: لولا صبيان رضع ومشايخ ركع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا.
ولو خرج أهل الذمة أيضا متميزين لم يمنعوا، فإذا اجتمعوا في المصلى الواسع من الصحراء نودي: الصلاة جامعة.
فصلى بهم الإمام ركعتين مثل صلاة العيد بغير تكبير، ثم يخطب خطبتين وبينهما جلسة خفيفة، وليكن الاستغفار معظم الخطبتين.
وينبغي في وسط الخطبة الثانية أن يستدبر الناس ويستقبل القبلة، ويحول رداءه في هذه الساعة تفاؤلا بتحويل الحال.
هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فيجعل أعلاه أسفله وما على اليمين على الشمال وما على الشمال على اليمين، وكذلك يفعل الناس، ويدعون في هذه الساعة سرا، ثم يستقبلهم فيختم الخطبة ويدعون وأرديتهم محولة كما هي حتى ينزعوها متى نزعوا الثياب، ويقول في الدعاء: اللهم إنك أمرنا بدعائك ووعدتنا إجابتك، فقد دعوناك كما أمرتنا فأجبنا كما وعدتنا.
اللهم فامنن علينا بمغفرة ما قارفنا وإجابتك في سقيانا وسعة أرزاقنا.
ولا بأس بالدعاء أدبار الصلوات في الأيام الثلاثة قبل الخروج.
اه.
وقوله: في صدر العبارة بغير تكبير، لعله رأي له، أو بيان لغير الأكمل في صلاة الاستسقاء، فتنبه.
(قوله: عند الحاجة للماء) خرج بذلك ما لو لم تكن حاجة فلا تجوز صلاة الاستسقاء بل ولا تصح.
(قوله: لفقده) أي الماء.
(وقوله: أو ملوحته) أي بحيث لا يشرب.
(وقوله: أو قلته) أي الماء.
(وقوله: لا يكفي) أي أهل البلدة أو القرية.
(قوله: وهي) أي صلاة الاستسقاء.
(وقوله: كصلاة العيد) أي في الأركان وغيرها، فيكبر بعد افتتاحه قبل التعوذ والقراءة سبعا في الأولى وخمسا في الثانية، ويرفع يديه عند كل تكبيرة، ويقف بين كل تكبيرة كآية معتدلة، ويقرأ في الأولى جهرا سورة ق وفي الثانية اقتربت - في الأصح -، أو يقرأ في الأولى سبح وفي الثانية الغاشية - لوروده بسند ضعيف - ولا تختص صلاة الاستقساء بركعتين بل تجوز الزيادة عليهما، بخلاف العيد.
ولا بوقت العيد في الأصح، بل
يجوز فعلها متى شاء ولو في وقت الكراهة على الأصح، لأنها ذات سبب فدارت معه، كصلاة الكسوف.
(قوله: لكن يستغفر الخطيب) لعل في العبارة سقطا من النساخ قبله، وهو: يخطب كالعيد.
وعبارة متن المنهاج: وهي ركعتان كالعيد - إلى أن قال - ويخطب كالعيد، لكن يستغفر الله تعالى بدل التكبير.
اه.
ويمكن أن يقال لا سقط، والخطبة تفهم من التشبيه.
أي وهي كصلاة العيد في الأركان والسنن وفي سنية خطبتين بعدها.
(وقوله: بدل التكبير) يعلم منه أنه يستغفر الله في أولهما تسعا وفي ثانيتهما سبعا، والأولى أن يقول أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه.
وإنما سن الاستغفار هنا لأنه أليق بالحال، ولخبر الترمذي وغيره: من قاله غفر له وإن كان فر من الزحف.
وينبغي أن يكثر منه ومن قوله تعالى: * (استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) * (قوله: ويستقبل القبلة حالة الدعاء الخ) عبارة المنهاج: ويدعو في الخطبة الأولى ويقول اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا مريعا غدقا مجللا سحا طبقا دائما.
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا.
ويستقبل القبلة بعد صدر الخطبة الثانية ويبالغ في الدعاء سرا وجهرا ويحول رداءه عند استقباله فيجعل يمينه يساره وعكسه وينكسه - في الجديد - فيجعل أعلاه أسفله وعكسه، ويحول الناس مثله.
اه.
قوله: أي نحو ثلثها تفسير مراد للصدر.
قال في النهاية: فإن استقبل للدعاء في الأولى لم يعده في الثانية.
اه.
(تنبيه) ما ذكره من كيفية صلاة الاستسقاء هو أكمل كيفيات الاستسقاء، وثانيتها - وهي أدناها - مجرد الدعاء.
وثالثتها - وهي أوسطها - الدعاء خلف الصلوات ولو نفلا، وفي نحو خطبة الجمعة.
(قوله: وصلاة التراويح) الأصل فيها ما روى الشيخان: أنه صلى الله عليه وسلم خرج من جوف الليل ليالي من رمضان وصلى في
بعشر تسليمات، في كل ليلة من رمضان، لخبر: من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
ويجب التسليم من كل ركعتين، فلو صلى أربعا منها بتسليمة لم تصح، بخلاف سنة الظهر والعصر والضحى والوتر.
وينوي بها التراويح أو قيام رمضان، وفعلها أول الوقت أفضل من فعلها أثناءه بعد النوم، خلافا لما وهمه الحليمي.
وسميت تروايح لانهم كانوا يستريحون لطول قيامهم بعد كل تسليمتين، وسر العشرين أن الرواتب
ــ
المسجد وصلى الناس بصلاته فيها، وتكاثروا فلم يخرج لهم في الرابعة وقال لهم صبيحتها: خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها.
وروى البيهقي بإسناد صحيح أنهم يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة.
وروى مالك في الموطأ بثلاث وعشرين.
وجمع البيهقي بينهما بأنهم كانوا يوترون بثلاث.
واستشكل قوله صلى الله عليه وسلم: خشيت أن تفرض عليكم.
بقوله تعالى في ليلة الإسراء: هن خمس والثواب خمسون، لا يبدل القول لدي.
وأجيب بأجوبة أحسنها أن ذلك في كل يوم وليلة فلا ينافي فرضية غيرها في السنة.
(قوله: وهي) أي صلاة
التراويح.
(وقوله: عشرون ركعة) أي لغير أهل المدينة على مشرفها أفضل الصلاة وأزكى السلام، أما هم فلهم فعلها ستا وثلاثين، وإن كان اقتصارهم على العشرين أفضل، ولا يجوز لغيرهم ذلك، وإنما فعل أهل المدينة هذا لأنهم أرادوا مساواة أهل مكة، فإنهم كانوا يطوفون سبعا بين كل ترويحتين، فجعل أهل المدينة مكان كل سبع أربع ركعات.
قال السيوطي: وما كانوا يطوفون بعد الخامسة، وإنما خص أهل المدينة بذلك لأن لهم شرفا بهجرته صلى الله عليه وسلم ومدفنه.
(قوله: بعشر تسليمات) أي وجوبا، لأنها وردت هكذا، وأشبهت الفرائض بطلب الجماعة فيها، فلا تغير عما وردت عليه.
(قوله: في كل ليلة) أي بعد صلاة العشاء، ولو مجموعة مع المغرب جمع تقديم.
(قوله: ويجب التسليم) الأولى التعبير بفاء التفريع، إذ المقام يقتضيه لأنه مفرع على قوله بعشر تسليمات.
(قوله: فلو صلى أربعا منها) أي أو أكثر.
(وقوله: لم تصح) أي أصلا إن كان عامدا عالما، وإلا صحت له نفلا مطلقا.
(قوله: بخلاف سنة الظهر الخ) أي فإنه يجوز جمع الأربع القبلية أو البعدية بتحريم واحد وسلام واحد، وكذلك الضحى يجوز أن يجمع فيه بين ركعاته كلها بتحرم واحد وسلام واحد.
وقد تقدم أنه لو أخر القبلية لا يجوز له جمعها مع البعدية بسلام واحد، على معتمد ابن حجر، وقال: لعل بحث الجواز مبني على الضعيف إنه لا تجب نية القبلية ولا البعدية.
ويجوز ذلك على معتمد م ر.
(قوله: وينوي بها التروايح إلخ) أي وينوي في صلاة التروايح، أو ينوي قيام رمضان، وأفاد بذلك أنه لا بد من التعيين في النية.
وظاهر كلامه أنه لا يشترط التعرض للعدد فيها، وهو المعتمد، لأن التعرض للعدد لا يجب.
كما لو قال: أصلي الظهر أو العصر.
(قوله: وفعلها أول الوقت) قد بين وقتها في قوله في مبحث الوتر: ووقت الوتر كالتروايح بين صلاة العشاء وطلوع الفجر.
فلا يعترض بأنه كان المناسب أن يقول أولا ووقتها كذا ثم يقول وفعلها أول إلخ.
(قوله: أفضل إلخ) في بشرى الكريم خلافه، ونص عبارته: قال عميرة: وفعلها - أي التروايح - عقب العشاء أول الوقت من بدع الكسالى.
وفي الإمداد: ووقتها المختار يدخل بربع الليل.
اه.
ولو تعارض فعلها مع العشاء أول الوقت، أو في جوف الليل بعد نوم، قدمتا لكراهة النوم قبل العشاء.
(قوله: أثناءه) أي الوقت.
(قوله: بعد النوم) متعلق بفعلها أثناءه، ومقتضى التقييد به أن فعلها أول الوقت لا يكون أفضل من فعلها أثناءه مع عدم النوم، فانظره.
(قوله: خلافا لما وهمه الحليمي) أي من أن فعلها أثناءه بعد النوم أفضل.
(قوله: وسميت) أي العشرون ركعة التي يصليها في رمضان.
(وقوله: لأنهم) أي الصحابة.
(قوله: كانوا يستريحون لطول قيامهم) يؤخذ من التعليل المذكور أنه ينبغي طول القيام بالقراءة مع الحضور والخشوع، خلافا لما يعتاده كثيرون في زماننا من تخفيفها ويتفاخرون بذلك، قال قطب الإرشاد سيدنا عبد الله بن علوي
الحداد في النصائح: وليحذر من التخفيف المفرط الذي يعتاده كثير من الجهلة في صلاتهم للتراويح، حتى ربما يقعون بسببه في الإخلال بشئ من الواجبات مثل ترك الطمأنينة في الركوع والسجود، وترك قراءة الفاتحة على الوجه الذي لا بد منه بسبب العجلة، فيصير أحدهم عند الله لا هو صلى ففاز بالثواب ولا هو ترك فاعترف بالتقصير وسلم من الإعجاب.
وهذه وما أشبهها من أعظم مكايد الشيطان لأهل الإيمان، يبطل عمل العامل منهم عمله مع فعله للعمل، فاحذروا من
المؤكدة في غير رمضان عشر فضوعفت فيه لانه وقت جد وتشمير.
وتكرير قل هو الله أحد ثلاثا ثلاثا في الركعات الاخيرة من ركعاتها بدعة غير حسنة لان فيه إخلالا بالسنة، كما أفتى به شيخنا.
ــ
ذلك وتنبهوا له معاشر الإخوان.
وإذا صليتم التروايح وغيرها من الصلوات فأتموا القيام والقراءة والركوع والسجود والخشوع والحضور وسائر الأركان والآداب، ولا تجعلوا للشيطان عليكم سلطانا فإنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون فكونوا منهم، إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون فلا تكونوا منهم.
اه.
(قوله: بعد كل تسليمتين) متعلق بيستريحون.
(قوله: وسر العشرين) أي الحكمة فيها.
(قوله: في غير رمضان) الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من عشر، لأن نعت النكرة إذا تقدم عليها يعرب حالا منها، أي أن الرواتب عشر ركعات حال كونها كائنة في غير رمضان.
ويصح أن يكون حالا من الرواتب، والمراد أنها عشر في غير رمضان مثل رمضان.
(قوله: فضوعفت فيه) أي في رمضان.
واعترض بأن التضعيف أن يزاد على الشئ مثله فيقتضي أن التراويح عشر ركعات، لأنه إذا زيد على العشر ركعات المؤكدات مثلها صارت عشرين، عشرة منها هي المؤكدة من الرواتب، والعشرة الأخرى هي التروايح.
وأجيب - كما في سم - بأن المعنى: فزيد قدرها وضعفه، لا فزيد عليها قدرها فقط، لأنه ليس كذلك.
أي زيد قدر الرواتب العشرة، وضعف هذا القدر الزائد أي مثله وهو عشرة، فيصير الجميع ثلاثين ركعة، الرواتب عشرة، والتراويح عشرون.
وهذا كما ترى مبني على أن ضعف الشئ مثله، أما إذا قيل إن ضعفه مثلاه فلا تأويل، وهذا الأخير هو المشهور، كما في ع ش.
وفي الرشيدي ما نصه: فقوله: فضوعفت، أي وجعلت بتضعيفها زيادة في رمضان.
وإلا فالرواتب مطلوبة أيضا، وأنه مبني على أن ضعف الشئ مثلاه.
اه.
(قوله: وتكرير قل هو الله أحد، إلى: كما أفتى به شيخنا) عبارة الفتاوي له: سئل رضي الله عنه ومتع بحياته -: في تكرير سورة الإخلاص في التراويح هل يسن؟ وإذا قلتم لا، فهل يكره أم لا؟ وقد رأيت في المعلمات لابن شهبة أن تكرير سورة الإخلاص في التراويح ثلاثا كرهها بعض السلف، قال لمخالفتها المعهود عمن تقدم، ولأنها في المصحف مرة فلتكن في التلاوة مرة.
اه.
فهل كلامه مقرر معتمد أم لا؟ بينوا ذلك وأوضحوه لا عدمكم المسلمون.
فأجاب فسح الله في مدته: تكرير قراءة سورة
الإخلاص أو غيرها في ركعة أو في كل ركعة من التراويح ليس بسنة، ولا يقال مكروه على قواعدنا لأنه لم يرد فيه نهي مخصوص.
وقد أفتى ابن عبد السلام وابن الصلاح وغيرهما بأن قراءة القدر في التراويح - وهو التجزئة المعروفة - بحيث يختم القرآن جميعه في الشهر أولى من سورة قصيرة.
وعللوه بأن السنة القيام فيها بجميع القرآن.
واقتضاه كلام المجموع، واعتمد ذلك الأسنوي وغيره.
قال الزركشي وغيره: ويقاس بذلك كل ما ورد فيه الأمر ببعض معين، كآية البقرة وآل عمران في سنة الصبح إلخ، انتهت.
وإذا تأملت العبارة المذكورة تعلم ما في قوله كما أفتى به شيخنا، فإنها ليس فيها التقييد بقوله في الركعات الأخيرة، ولا التقييد بسورة الإخلاص، وليس فيها قوله بدعة غير حسنة، بل الذي فيها أن قراءة القرآن في جميع الشهر أولى وأفضل، وأن تكرير سورة الإخلاص أو غيرها في ركعة ما خلاف الأولى فقط، وليس بسنة ولا بمكروه.
إلا أن يقال أفتى بذلك في فتوى لم تقيد في الفتاوي.
لكن عبارة الروض مصرحة بما في الفتاوى، إلا أنه قيد فيها بسورة الإخلاص، ونصها: وفعلها بالقرآن في جميع الشهر أفضل من تكرير سورة الإخلاص.
اه.
ومثلها عبارة النهاية والمغني.
والحاصل الذي يظهر من كلامهم أن الوارد قراءة القرآن كله بالتجزئة المعلومة، فهو الأولى والأفضل، وأن غير ذلك خلاف الأولى والأفضل، سواء قرأ سورة الإخلاص أو غيرها، في كل الركعات أو في بعضها، الأخير منها أو الأول، وسواء كررها ثلاث أو لا.
فما يعتاده أهل مكة من قراءة قل هو الله أحد في الركعات الأخيرة، وقراءة ألهاكم إلى المسد في الركعات الأول، خلاف الأفضل.
وكذلك ما يعتاده بعضهم من قراءة جزء كامل في ست عشرة ركعة وتكرير قل هو الله أحد في الباقي.
ثم رأيت عبارة بعض المتأخرين ناطقة بما قلناه، ونصها: وفعلها بالقرآن في جميع الشهر بأن يقرأ فيها كل ليلة جزءا أفضل من تكرير سورة الرحمن أو هل أتى على الإنسان أو سورة الإخلاص بعد كل سورة من التكاثر إلى
ويسن التهجد إجماعا، وهو التنفل ليلا بعد النوم.
قال الله تعالى: * (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) * وورد في فضله أحاديث كثيرة، وكره لمعتاده تركه بلا ضرورة.
ويتأكد أن لا يخل بصلاة في الليل بعد النوم ولو
ــ
المسد كما اعتاده أهل مصر.
اه.
ومعلوم أن محل ذلك كله إذا كان يحفظ القرآن كله أو يحفظ بعضه.
ويقرأ على ترتيب المصحف مع التوالي، فإن لم يحفظ إلا سورة واحدة فقط، الإخلاص أو غيرها، أتى بما حفظه ويبعد في حقه أن يقال أنه خلاف الأفضل والأولى، فتدبر.
(قوله: ويسن التهجد) هو لغة: رفع النوم بالتكلف.
واصطلاحا: ما ذكره الشارح.
(قوله: فتهجد به نافلة لك) قال بعضهم: الباء للظرفية، أي فتهجد فيه.
وفي التفسير: فتهجد به، أي صل به، أي بالقرآن، أي اقرأه في صلاتك فريضة نافلة لك، أي زائدة على الصلوات الخمس.
كما في الجلال.
فنافلة صفة
لموصوف محذوف واقع مفعولا لتهجد وهو فريضة، لأن التهجد كان واجبا في صدر الإسلام.
اه بجيرمي.
(قوله: وورد في فضله) أي التهجد.
(وقوله: أحاديث كثيرة)، منها: قوله عليه الصلاة والسلام: أفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل.
وقوله عليه الصلاة والسلام: عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة لكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام.
ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: يحشر الناس في صعيد واحد، فينادي مناد: أين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع؟ فيقومون - وهم قليل - فيدخلون الجنة بغير حساب.
وروي أن الجنيد رؤي في النوم، فقيل له: ما فعل الله بك فقال: طاحت تلك الإشارات وغابت تلك العبارات، وفنيت تلك العلوم ونفدت تلك الرسوم، وما نفعنا إلا ركيعات كنا نركعها عند السحر.
ومعنى طاحت تلك الإشارات: أن إشاراته التي يشير بها للناس هلكت فلم يجد ثوابها.
ومعنى غابت تلك العبارات: أن عباراته التي يعبر بها للمريدين تلاشت واضمحلت فلم يجد ثوابها أيضا.
ومعنى فنيت تلك العلوم: أن العلوم التي يعلمها للتلامذة انعدمت فلم يجد ثوابها أيضا.
ومعنى نفدت تلك الرسوم: أن الرسوم التي يرسمها للمبتدئين فرغت فلم يجد لها ثوابها.
ومعنى وما نفعنا إلخ: أنه وجد ثوابها.
والمقصود من ذلك أن هذه الأمور لم يجد لها ثوابا لاقترانها في الغالب بالرياء ونحوه، إلا الركيعات المذكورة للإخلاص فيها.
وإنما قال رضي الله عنه ذلك حثا على التهجد وبيانا لشرفه، وإلا فيبعد على مثله اقتران عمله برياء أو نحوه مع كونه سيد الصوفية.
قال القطب الغوث الحبيب عبد الله الحداد في نصائحه: واعلم أن قيام الليل من أثقل شئ على النفس، ولا سيما بعد النوم.
وإنما يصير خفيفا بالاعتياد والمداومة والصبر على المشقة والمجاهدة في أول الأمر، ثم بعد ذلك ينفتح باب الأنس بالله تعالى وحلاوة المناجاة له ولذة الخلو به عزوجل، وعند ذلك لا يشبع الإنسان من القيام فضلا عن أن يستثقله أو يكسل عنه.
كما وقع ذلك للصالحين من عباد الله حتى قال قائلهم: إن كان أهل الجنة في مثل ما نحن فيه بالليل إنهم لفي عيش طيب.
وقال آخر: منذ أربعين سنة ما غمني شئ إلا طلوع الفجر.
وقال آخر: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم.
وقال آخر: لولا قيام الليل وملاقاة الإخوان في الله ما أحببت البقاء في الدنيا.
وأخبارهم في ذلك كثيرة مشهورة.
وقد صلى خلائق منهم الفجر بوضوء العشاء، رضي الله عنهم.
أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده.
فعليك
رحمك الله بقيام الليل وبالمحافظة عليه وبالاستكثار منه، وكن من عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما.
واتصف ببقية أوصافهم التي وصفهم الله بها في هذه الآيات إلى آخرها.
وإن عجزت عن الكثير من القيام بالليل فلا تعجز عن القليل منه، قال الله تعالى: * (فاقرءوا ما تيسر من القرآن) * أي في القيام من الليل.
وقال عليه السلام: عليكم بقيام الليل ولو ركعة وما أحسن وأجمل الذي يقرأ القرآن
ركعتين لعظم فضل ذلك.
ولا حد لعدد ركعاته، وقيل: حدها ثنتا عشرة، وأن يكثر فيه من الدعاء والاستغفار.
ونصفه الاخير آكد، وأفضله عند السحر لقوله تعالى: * (وبالاسحار هم يستغفرون) * وأن يوقظ من يطمع في تهجده.
ويندب قضاء نفل مؤقت إذا فات كالعيد والرواتب والضحى، لا ذي سبب ككسوف وتحية وسنة
ــ
الكريم بالغيب أن يقرأ كل ليلة في قيامه بالليل شيئا منه، ويقرأه على التدريج من أول القرآن إلى آخره، حتى تكون له في قيام الليل ختمة إما في كل شهر أو في كل أربعين أو أقل من ذلك أو أكثر، على حسب النشاط والهمة.
اه.
(قوله: وكره لمعتاده تركه) أي التهجد، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنه: يا عبد الله لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل ثم تركه.
وحكى اليافعي عن الشيخ أبي بكر الضرير قال: كان في جواري شاب حسن يصوم النهار ولا يفطر، ويقوم الليل ولا ينام، فجاءني يوما وقال: يا أستاذ إني نمت عن وردي الليلة، فرأيت كأن محرابي قد انشق، وكأني بجوار قد خرجن من المحراب لم أر أحسن وجها منهن، وإذا فيهن واحدة شوهاء فوهاء لم أر أقبح منها منظرا، فقلت: لمن أنتن؟ ولمن هذه؟ فقلن: نحن لياليك التي مضين، وهذه ليلة نومك، ولو مت في ليلتك هذه لكانت هذه حظك.
فشهق شهقة وخر ميتا، رحمة الله عليه.
وحكي عن بعض الصالحين أنه قال: رأيت سفيان الثوري في النوم بعد موته فقلت له: كيف حالك يا أبا سعيد؟ فأعرض عني وقال: ليس هذا زمان الكنى.
فقلت له: كيف حالك يا سفيان؟ فأنشأ يقول: نظرت إلى ربي عيانا فقال لي * * هنيئا رضائي عنك يا ابن سعيد لقد كنت قواما إذ الليل قد دجا * * بعبرة مشتاق وقلب عميد فدونك فاختر أي قصر تريده * * وزرني فإني عنك غير بعيد (قوله: ويتأكد أن لا يخل الخ) أي إن لا يتركها.
اه ع ش.
(قوله: لعظم فضل ذلك) أي الصلاة في الليل بعد النوم.
(قوله: ولا حد لعدد ركعاته) أي لا تعيين لعدد ركعات التهجد.
(قوله: وقيل حدها) أي ركعاته.
(قوله: وأن يكثر فيه) أي ويتأكد أن يكثر في الليل من الدعاء والاستغفار، لخبر مسلم: إن في الليل ساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله تعالى خيرا من الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه.
وذلك كل ليلة، ولأن الليل محله الغفلة.
(قوله: ونصفه) أي الليل.
(وقوله: آكد) أي بالدعاء فيه والاستغفار.
(قوله: وأفضله عند السحر) أي وأفضل ما ذكر من الدعاء والاستغفار أن يكون عند السحر.
(وقوله: لقوله تعالى الخ) أي وللخبر الصحيح: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ ومن يسألني فأعطيه؟ ومن يستغفرني فأغفر له؟.
ومعنى ينزل: ينزل أمره أو ملائكته أو رحمته، أو هو كناية عن مزيد القرب المعنوي.
(قوله: وأن يوقظ إلخ) أي ويتأكد أن يوقظ من يطمع في تهجده ليتهجد معه، لقوله تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى) * ولخبر الإمام أحمد وأبي داود، عن أبي هريرة رضي الله عنه: رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فصلت، فإن أبت نضح في وجهها الماء.
رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقضت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء.
ولخبر أبي داود والنسائي، عن أبي هريرة: إذا استيقظ الرجل من الليل وأيقظ أهله وصليا ركعتين كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات.
وإذا تأكد الإيقاظ للتهجد فللراتبة أولى، لا سيما إن ضاق وقتها.
وعن عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي صلاته من الليل وأنا معترضة بين يديه، فإذا بقي الوتر أيقظني فأوترت.
(قوله: ويندب قضاء نفل مؤقت) وذلك لعموم خبر: من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها.
ولانه صلى الله عليه وسلم قضى بعد الشمس ركعتي الفجر، وبعد العصر الركعتين اللتين بعد الظهر.
رواهما مسلم وغيره.
ولخبر أبي داود بإسناد حسن: من نام عن وتره أو سنته فليصل إذا ذكره.
اه شرح الروض.
(قوله: لا ذي
وضوء.
ومن فاته ورده - أي من النفل المطلق - ندب له قضاؤه، وكذا غير الصلاة، ولا حصر للنفل المطلق، وله أن يقتصر على ركعة بتشهد مع سلام بلا كراهة، فإن نوى فوق ركعة فله التشهد في كل ركعتين وفي ثلاث وأربع فأكثر، أو نوى قدرا فله زيادة ونقص إن نويا قبلهما وإلا بطلت صلاته.
فلو نوى ركعتين فقام إلى ثالثة
ــ
سبب) أي لا يندب قضاء نفل ذي سبب، وذلك لأن فعله لعارض السبب وقد زال فلا يقضى.
وقوله: ككسوف هو تمثيل لذي السبب على تقديره مضاف، أي صلاته.
ويحتمل أن يكون تمثيلا للسبب نفسه، لكن يعكر عليه ما بعده فإنهما لذي السبب.
ومثلها صلاة الاستسقاء.
قال في فتح الجواد: وسنها فيما لو سقوا قبلها إنما هو لطلب الاستزادة لا للقضاء.
اه.
(قوله: ندب له قضاؤه) أي لئلا تميل نفسه إلى الدعة والرفاهية.
(قوله: وكذا غير الصلاة) أي وكذلك يندب قضاء الورد الفائت من غير الصلاة لما قدمنا.
(قوله: ولا حصر للنفل المطلق) هو ما لا يتقيد بوقت ولا سبب، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: الصلاة خير موضوع استكثر منها أو أقل رواه ابن حبان والحاكم في صحيحيهما.
(قوله: وله) أي للمنتفل نفلا مطلقا.
(قوله: أن يقتصر على ركعة) قال ع ش: بأن ينويها أو يطلق في نيته ثم يسلم منها.
اه.
(قوله: بلا كراهة) عبارة الروض وشرحه: وفي كراهة الاقتصار على ركعة فيما لو أحرم مطلقا وجهان، أحدهما: نعم.
بناء على القول بأنه إذا نذر صلاة لا تكفيه ركعة.
والثاني: لا.
بل قال في المطلب الذي يظهر استحبابه: خروجا من خلاف بعض
أصحابنا، وإن لم يخرج من خلاف أبي حنيفة من أنه يلزم بالشروع ركعتان.
اه.
(قوله: فإن نوى فوق ركعة) مقابل لمحذوف، أي له الإقتصار على ركعة إن نواها وأطلق، فإن نوى فوق ركعة - أي نوى عددا فوق ركعة - فله أن يتشهد بلا سلام في كل ركعتين، وهو أفضل، كالرباعية، وفي كل ثلاث وكل أربع أو أكثر، لأن ذلك معهود في الفرائض في الجملة.
فإن قلت: عهد التشهد عقب الثانية كالصبح، وعقب الثلاثية كالمغرب، وعقب الرابعة كالعصر، وأما عقب الخامسة فلم يعهد! قلت: ذلك مدفوع بقولهم: في الجملة.
وأفهم قول الشارح: فله أن يتشهد: أن له الإقتصار على تشهد واحد آخر صلاته، وهو كذلك.
لأنه لو اقتصر عليه في الفريضة لجاز.
وهذا التشهد ركن كسائر التشهدات الأخيرة، فإن أتى بتشهدين قرأ السورة فيما قبل التشهد الأول، أو بتشهد واحد قرأها في جميع الركعات.
وأفهم أيضا قوله: في كل ركعتين: أنه لا يجوز له التشهد من غير سلام في كل ركعة، وهو كذلك إذ لم يعهد له نظير أصلا.
وقوله: في كل ركعتين أي بعد كل ركعتين.
ومثله يقال فيما بعده كما هو ظاهر.
قال ع ش: ولا يشترط تساوي الأعداد قبل كل تشهد، فله أن يصلي ركعتين ويتشهد، ثم ثلاثا ويتشهد، ثم أربعا.
وهكذا.
اه.
(قوله: أو نوى قدرا) أي عددا معينا.
ولو حذفه وقال وله زيادة ونقص.
عطفا على قوله فله التشهد، لكان أولى.
لأن العطف يقتضي أن نيته قدرا مغايرا لنيته فوق ركعة، مع أنه عينه ثم ظهر أنه ليس عينه بل هو أعم منه، لأن نيته قدرا صادق بركعة وبأكثر، بخلاف نيته فوق ركعة فإنه خاص بما زاد عليها.
فتنبه.
(وقوله: إن نويا) أي الزيادة والنقص.
وقوله: قبلهما أي للزيادة والنقص، وهو على التوزيع.
أي نوى الزيادة قبل الإتيان بها، ونوى النقص قبل أن يشرع فيه، كأن نوى ركعتين ثم قبل السلام نوى الزيادة فقام وأتى بها، أو نوى أربعا عند رفع رأسه من السجدة الثانية نوى الاقتصار على ركعتين، فإنه يصح ذلك، بخلاف ما لو فعل الزيادة قبل أن ينويها أو فعل النقص قبل أن ينويه فإنه يبطل الصلاة.
وعبارة الروض وشرحه: فإن نوى أربعا وسلم من ركعتين أو من ركعة، أو قام إلى خامسة عامدا قبل تغيير النية، بطلت صلاته لمخالفته ما نواه بغير نية، لأن الزيادة صلاة ثانية فتحتاج إلى نية.
ولهذا لو كان المصلي متيمما ورأى الماء لم يجز له الزيادة.
اه.
(قوله: وإلا بطلت صلاته) أي وإن لم ينوهما قبلهما بطلت صلاته، أي إن كان عامدا عالما.
(قوله: فلو نوي ركعتين الخ) تفريع على قوله وإلا بطلت صلاته.
وهو كالتقييد له، فكأنه قال: محل البطلان إذا فعل
سهوا ثم تذكر فيقعد وجوبا، ثم يقوم للزيادة إن شاء ثم يسجد للسهو آخر صلاته.
وإن لم يشأ قعد وتشهد وسجد للسهو وسلم.
ويسن للمتنفل ليلا أو نهارا أن يسلم من كل ركعتين، للخبر المتفق عليه: صلاة الليل مثنى مثنى.
وفي رواية صحيحة: والنهار.
قال في المجموع: إطالة القيام أفضل من تكثير الركعات.
وقال فيه أيضا: أفضل النفل عيد أكبر، فأصغر، فكسوف.
فخسوف، فاستسقاء، فوتر، فركعتا فجر، فبقية الرواتب، فجميعها في مرتبة واحدة.
فالتراويح، فالضحى، فركعتا الطواف والتحية والاحرام، فالوضوء.
ــ
ذلك عمدا، فإن كان سهوا بأن قام من نوى ركعتين لثالثة سهوا فلا تبطل صلاته، لكن يجب عليه عند التذكر أن يقعد، ثم إن شاء الزيادة نواها وقام.
(وقوله: ثم تذكر) أي أنه لم ينو إلا ركعتين، وأن قيامه هذا سهو.
(وقوله: فيقعد وجوبا) أي لأن ما أتى به وقع لغوا.
(وقوله: إن شاء) مفعوله محذوف، أي شاء الزيادة قبل قيامه.
(وقوله: ثم يسجد للسهو آخر صلاته) لأنه أتى بما يبطل عمده.
(قوله: وإن لم يشأ) أي الزيادة.
(وقوله: قعد) أي دام على قعوده.
ولو حذفه واقتصر على قوله تشهد وما بعده لكان أولى.
(قوله: ويسن للمتنفل) أي نفلا مطلقا.
ولو قال كما في الروض: والأفضل له أن يسلم الخ لكان أولى، لأنه مرتبط بقوله وله أن يقتصر إلخ.
وليفيد الأفضلية.
(وقوله: أن يسلم من كل ركعتين) قال في التحفة: بأن ينويهما ابتداء أو يقتصر عليهما فيما إذا أطلق أو نوى أكثر منهما بشرط تغيير النية، لكن في هذه تردد، إذ لا يبعد أن يقال بقاؤه على منويه أولى.
اه.
(قوله: مثنى مثنى) أي اثنان اثنان.
والثاني تأكيد لدفع توهم إرادة اثنين فقط.
اه ق ل.
(قوله: وفي رواية صحيحة والنهار) أي زيادة على الليل.
(قوله: إطالة القيام) أي في كل الصلوات.
(وقوله: أفضل من تكثير الركعات) أي للخبر الصحيح: أفضل الصلاة طول القنوت، أي القيام.
ولأن ذكره القرآن، وهو أفضل من ذكر غيره.
فلو صلى شخص عشرا وأطال قيامها، وصلى آخر عشرين في ذلك الزمن، كانت العشر أفضل.
وقيل إن العشرين أفضل.
ويرجحه قاعدة أن الفرض أفضل من النفل، وأن ما يتجزأ من الواجب يقع القدر المجزئ منه فرضا، وما عداه نفلا.
وهي كلها أو غالبها يقع واجبا بخلاف العشر.
أفاده ابن حجر وباعشن في شرحي بافضل.
وتقدم عن ع ش في مبحث ركن القيام أن العشرين أفضل، ونص عبارته بعد كلام: أما لو كانت الكل من قيام، واستوى زمن العشر والعشرين، فالعشرون أفضل لما فيها من زيادة الركوعات والسجودات مع اشتراك الكل في القيام.
اه.
(قوله: وقال) أي النووي.
(وقوله: فيه) أي في المجموع.
(قوله: أفضل النفل عيد أكبر فأصغر) أفاد أن العيدين أفضل مما بعدهما وذلك لشبههما الفرض في ندب الجماعة وتعين الوقت، وللخلاف في أنهما فرضا كفاية.
وأما خبر مسلم: أفضل صلاة بعد الفريضة صلاة الليل فمحمول على النفل المطلق.
وأفاد أيضا أن العيد الأكبر وهو عيد الأضحى، أفضل من العيد الأصغر.
قال في شرح الروض: وعن ابن عبد السلام أن عيد الفطر أفضل.
وكأنه أخذه من تفضيلهم تكبيره على تكبير الأضحى، لأنه منصوص عليه بقوله تعالى: * (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم) * قال الزركشي: لكن الأرجح في النظر ترجيح عيد الأضحى، لأنه في شهر حرام وفيه نسكان، الحج والأضحية.
وقيل لأن عشره أفضل من
العشر الأخير من رمضان.
اه.
(قوله: فكسوف الخ) أي ثم يتلو العيدين في الأفضلية الكسوفان، وذلك للاتفاق على مشروعيتهما، بخلاف الاستسقاء فإن أبا حنيفة ينكره.
(وقوله: فخسوف) أي ثم يتلو الكسوف الخسوف، وإنما كان الأول أفضل من الثاني لتقدم الشمس على القمر في القرآن، ولأن الانتفاع بها أكثر من الانتفاع به.
(وقوله: فاستسقاء) أي ثم يتلو الكسوفين في الفضيلة الاستسقاء، لتأكد طلب الجماعة فيها.
(قوله: فوتر) أي ثم يتلو الاستسقاء فيها الوتر، لأنه قيل بوجوبه.
(قوله: فركعتا فجر) أي ثم يتلو الوتر فيها ركعتا الصبح، أي سنته، لما صح من شدة مثابرته صلى الله عليه وسلم عليهما أكثر من غيرهما.
ومن قوله: إنهما خير من الدنيا وما فيها.
(قوله: فبقية الرواتب) أي ثم يتلو ما ذكر بقية الرواتب، الصلاة القبلية والبعدية، لمواظبته صلى الله عليه وسلم عليها.
(قوله: فجميعها في مرتبة واحدة) أي أن الرواتب الباقية كلها في مرتبة
(فائدة) أما الصلاة المعروفة ليلة الرغائب ونصف شعبان ويوم عاشوراء فبدعة قبيحة، وأحاديثها موضوعة.
ــ
واحدة.
ولو قال وهي - أي البقية - في مرتبة واحدة لكان أولى، إذ عبارته توهم أن ضمير جميعها يعود على الرواتب لا على البقية.
(قوله: فالتراويح) أي ثم يتلو بقية الرواتب التراويح، لمشروعية الجماعة فيها.
(قوله: فالضحى) أي ثم يتلو التراويح الضحى، لشبهها بالفرض في تعيين الوقت.
(قوله: فركعتا الطواف الخ) أي ثم يتلو الضحى ركعتا الطواف والتحية والإحرام، وظاهر عبارته أن الثلاثة في مرتبة واحدة، وليس كذلك، بل ركعتا الطواف أفضل من ركعتي الإحرام والتحية للخلاف في وجوبهما، وركعتا التحية أفضل من ركعتي الإحرام أيضا لتقدم سببهما وهو دخول المسجد.
فلو قال كالذي قبله فركعتا الطواف فالتحية فالإحرام لكان أولى، لكون الفاء تفيد الترتيب بينها في الأفضلية.
(قوله: فالوضوء) أي ثم يتلو الجميع سنة الوضوء.
وسكت عن النفل المطلق، وهو يتلو سنة الوضوء كما صرح به في التحفة والنهاية.
(قوله: فائدة: أما الصلاة المعروفة ليلة الرغائب إلخ) قال المؤلف في إرشاد العباد: ومن البدع المذمومة التي يأثم فاعلها ويجب على ولاة الأمر منع فاعلها: صلاة الرغائب اثنتا عشرة ركعة بين العشاءين ليلة أول جمعة من رجب.
وصلاة ليلة نصف شعبان مائة ركعة، وصلاة آخر جمعة من رمضان سبعة عشر ركعة، بنية قضاء الصلوات الخمس التي لم يقضها.
وصلاة يوم عاشوراء أربع ركعات أو أكثر.
وصلاة الأسبوع، أما أحاديثها فموضوعة باطلة، ولا تغتر بمن ذكرها.
اه.
وممن ذكرها الغزالي في الإحياء، ونص عبارته: أما صلاة رجب فقد روي بإسناد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما من أحد يصوم أول خميس من رجب، ثم يصلي فيما بين العشاء والعتمة اثنتي عشرة ركعة يفصل بين كل ركعتين بتسليمة، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة وإنا أنزلناه في ليلة القدر ثلاث مرات وقل هو الله أحد اثنتي عشرة، فإذا
فرغ من صلاته صلى علي سبعين مرة، ويقول: اللهم صل على النبي الأمي وعلى آله.
ثم يسجد ويقول في سجوده، سبعين مرة: سبوح قدوس رب الملائكة والروح.
ثم يرفع رأسه ويقول سبعين مرة: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم، فإنك أنت العلي الأعظم.
ثم يسجد سجدة أخرى ويقول فيها مثل ما قال في السجدة الأولى.
ثم يسأل حاجته في سجوده، فإنها تقضى.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يصلي أحد هذه الصلاة إلا غفر له جميع ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر وعدد الرمل ووزن الجبال وورق الأشجار، ويشفع يوم القيامة في سبعمائة من أهل بيته ممن قد استوجب النار.
فهذه صلاة مستحبة، وإنما أوردناها في هذا القسم لأنها تتكرر بتكرر السنين، وإن كان لا تبلغ رتبتها رتبة صلاة التراويح وصلاة العيدين، لأن هذه الصلاة نقلها الآحاد.
ولكن رأيت أهل القدس بأجمعهم يواظبون عليها ولا يسمحون بتركها فأحببت إيرادها.
وأما صلاة شعبان فهي أن يصلي في ليلة الخامس عشر منه مائة ركعة، كل ركعتين بتسليمة، يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة قل هو الله أحد إحدى عشرة مرة.
وإن شاء صلى عشر ركعات يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة قل هو الله أحد مائة مرة، فهذه أيضا مروية في جملة الصلوات، كان السلف يصلون هذه الصلاة ويسمونها صلاة الخير، ويجتمعون فيها، وربما صلوها جماعة.
وروي عن الحسن البصري رحمه الله أنه قال: حدثني ثلاثون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن من صلى هذه الصلاة في هذه الليلة نظر الله تعالى إليه سبعين نظرة، وقضى له بكل نظرة سبعين حاجة أدناها المغفرة.
اه.
قال العلامة الكردي: واختلف العلماء فيها، فمنهم من قال لها طرق إذا اجتمعت وصل الحديث إلى حد يعلم به في فضائل الأعمال.
ومنهم من حكم على حديثها بالوضع، ومنهم النووي، وتبعه الشارح في كتبه.
وقد أفرد الشارح الكلام على ذلك في تأليف مستقل سماه الإيضاح والبيان فيما جاء في ليلة الرغائب والنصف من شعبان.
وقد أشبع الكلام فيه على ذلك، فراجعه منه إن أردته.
اه.
(قوله: فبدعة قبيحة) في الأذكار ما نصه: ذكر الشيخ الإمام أبو محمد بن عبد السلام رحمه الله.
في كتابه القواعد، أن البدع على خمسة أقسام: واجبة، ومحرمة، ومكروهة، ومستحبة، ومباحة.
قال: ومن أمثلة البدع المباحة
قال شيخنا: كابن شبهة وغيره.
وأقبح منها ما اعتيد في بعض البلاد من صلاة الخمس في الجمعة الاخيرة من رمضان عقب صلاتها زاعمين أنها تكفر صلوات العام أو العمر المتروكة، وذلك حرام.
(والله أعلم).
وصلى الله على سيدنا محمد النبي الامي وعلى آله وصحبه وسلم.
والحمد لله رب العالمين.
وحسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ــ
المصافحة عقب الصبح والعصر.
والله أعلم.
اه.
وقوله: واجبة.
من أمثلتها تدوين القرآن والشرائع إذا خيف عليها
الضياع.
فإن التبليغ لمن بعدنا من القرون واجب إجماعا، وإهماله حرام إجماعا.
وقوله: ومحرمة.
من أمثلتها المحدثات من المظالم كالمكوس.
وقوله: ومكروهة.
من أمثلتها زخرفة المساجد، وتخصيص ليلة الجمعة بقيام.
وقوله: ومستحبة.
من أمثلتها فعل صلاة التراويح بالجماعة، وبناء الربط والمدارس، وكل إحسان لم يعهد في العصر الأول.
وقوله: ومباحة.
من أمثلتها ما ذكره.
وقال ابن حجر في فتح المبين، في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد، ما نصه: قال الشافعي رضي الله عنه: ما أحدث وخالف كتابا أو سنة أو إجماعا أو أثرا فهو البدعة الضالة، وما أحدث من الخير ولم يخالف شيئا من ذلك فهو البدعة المحمودة.
والحاصل أن البدع الحسنة متفق على ندبها، وهي ما وافق شيئا مما مر، ولم يلزم من فعله محذور شرعي.
ومنها ما هو فرض كفاية، كتصنيف العلوم.
قال الإمام أبو شامة شيخ المصنف رحمه الله تعالى: ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يفعل في كل عام في اليوم الموافق ليوم مولده صلى الله عليه وسلم: من الصدقات والمعروف وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك مع ما فيه من الإحسان إلى الفقراء يشعر بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وجلالته في قلب فاعل ذلك، وشكر الله تعالى على ما من به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم.
وأن البدع السيئة، وهي ما خالف شيئا من ذلك صريحا أو التزاما، قد تنتهي إلى ما يوجب التحريم تارة والكراهة أخرى، وإلى ما يظن أنه طاعة وقربة.
فمن الأول الانتماء إلى جماعة يزعمون التصوف ويخالفون ما كان عليه مشايخ الطريق من الزهد والورع وسائر الكمالات المشهورة عنهم، بل كثير من أولئك إباحية لا يحرمون حراما، لتلبيس الشيطان عليهم أحوالهم الشنيعة القبيحة، فهم باسم الكفرة أو الفسق أحق منهم باسم التصوف أو الفقر.
ومنه الصلاة ليلة الرغائب أول جمعة من رجب، وليلة النصف من شعبان.
ومنه الوقوف ليلة عرفة أو المشعر الحرام، والاجتماع ليالي الختوم آخر رمضان، ونصب المنابر والخطب عليها، فيكره ما لم يكن فيه اختلاط الرجال بالنساء بأن تتضام أجسامهم.
فإنه حرام وفسق.
قيل: ومن البدع صوم رجب، وليس كذلك بل هو سنة فاضلة، كما بينته في الفتاوي وبسطت الكلام عليه.
اه.
بحذف.
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
وقد تم تحرير الجزء الأول من الحاشية المباركة بحمد الله وعونه وحسن توفيقه، يوم الأحد المبارك في التاسع والعشرين من شهر ذي القعدة عام ثمانية وتسعين بعد الألف والمائتين، على يد مؤلفها راجي الغفران من ربه ذي العطا أبي بكر ابن المرحوم محمد شطا الدمياطي الشافعي، غفر الله له ولوالديه ولمشايخه ولمحبيه ولجميع المسلمين.
المشعر الحرام، والاجتماع ليالي الختوم آخر رمضان، ونصب المنابر والخطب عليها، فيكره ما لم يكن فيه اختلاط الرجال بالنساء بأن تتضام أجسامهم.
فإنه حرام وفسق.
قيل: ومن البدع صوم رجب، وليس كذلك بل هو سنة فاضلة، كما بينته في الفتاوي وبسطت الكلام عليه.
اه.
بحذف.
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
وقد تم تحرير الجزء الأول من الحاشية المباركة بحمد الله وعونه وحسن توفيقه، يوم الأحد المبارك في التاسع والعشرين من شهر ذي القعدة عام ثمانية وتسعين بعد الألف والمائتين، على يد مؤلفها راجي الغفران من ربه ذي العطا أبي بكر ابن المرحوم محمد شطا الدمياطي الشافعي، غفر الله له ولوالديه ولمشايخه ولمحبيه ولجميع المسلمين.
وأرجو الله الكريم المنان بجاه سيدنا محمد سيد ولد عدنان أن يرزقنا رضاه، وأن يصحح منا ما أفسدناه، وأن يمن علينا بقربه، وأن يتحفنا بحقائق حبه، وأن لا يجعل أعمالنا حسرة علينا وندامة.
وأن يجعلنا مع ساداتنا في أعلى فراديس الكرامة.
وأن يعيننا على التمام كما أعاننا على الابتداء.
فإنه مجيب الدعاء، لا يرد من قصده واعتمد عليه، ولا من عول في جميع أموره عليه.
ولذة الخلو به عزوجل، وعند ذلك لا يشبع الإنسان من القيام فضلا عن أن يستثقله أو يكسل عنه.
كما وقع ذلك للصالحين من عباد الله حتى قال قائلهم: إن كان أهل الجنة في مثل ما نحن فيه بالليل إنهم لفي عيش طيب.
وقال آخر: منذ أربعين سنة ما غمني شئ إلا طلوع الفجر.
وقال آخر: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم.
وقال آخر: لولا قيام الليل وملاقاة الإخوان في الله ما أحببت البقاء في الدنيا.
وأخبارهم في ذلك كثيرة مشهورة.
وقد صلى خلائق منهم الفجر بوضوء العشاء، رضي الله عنهم.
أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده.
فعليك رحمك الله بقيام الليل وبالمحافظة عليه وبالاستكثار منه، وكن من عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما.
واتصف ببقية أوصافهم التي وصفهم الله بها في هذه الآيات إلى آخرها.
وإن عجزت عن الكثير من القيام بالليل فلا تعجز عن القليل منه، قال الله تعالى: * (فاقرءوا ما تيسر من القرآن) * أي في القيام من الليل.
وقال عليه السلام: عليكم بقيام الليل ولو ركعة وما أحسن وأجمل الذي يقرأ القرآن الكريم بالغيب أن يقرأ كل ليلة في قيامه بالليل شيئا منه، ويقرأه على التدريج من أول القرآن إلى آخره، حتى تكون له في قيام الليل ختمة إما في كل شهر أو في كل أربعين أو أقل من ذلك أو أكثر، على حسب النشاط والهمة.
اه.