المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أمان البيت الحرام - تفسير القرآن الكريم - المقدم - جـ ١٠

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌ البقرة [124 - 134]

- ‌تفسير قوله تعالى: (وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات)

- ‌اجتماع الأمم على حب إبراهيم

- ‌ابتلاء الله لإبراهيم وتوفيته بما ابتلي به

- ‌عهد الله بالإمامة لإبراهيم ولذريته

- ‌المراد بالإمامة في قوله: (إني جاعلك للناس إماماً)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس)

- ‌معنى وصف البيت بالأمن

- ‌البيت الحرام مهوى أفئدة الناس

- ‌الصلاة في المقام الإبراهيمي

- ‌تاريخ مقام إبراهيم

- ‌تفسير قوله تعالى: (وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلداً آمناً)

- ‌رزق الله المجبى من كل مكان إلى مكة

- ‌أمان البيت الحرام

- ‌تفسير قوله تعالى: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ومن يرغب عن ملة إبراهيم)

- ‌معنى قوله تعالى: (ولقد اصطفيناه في الدنيا)

- ‌تفسير قوله تعالى: (إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب)

- ‌وصية الأنبياء لبنهيم عند الموت

- ‌تفسير قوله تعالى: (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت)

- ‌الإسلام ملة الأنبياء قاطبة

- ‌عبر وفوائد من وصية إبراهيم ويعقوب لبنيهما

- ‌تفسير قوله تعالى: (تلك أمة قد خلت)

الفصل: ‌أمان البيت الحرام

‌أمان البيت الحرام

يقول القاسمي رحمه الله تعالى: (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا) الموضع الذي جعلت فيه بيتك وأمرتني بأن أسكنه من ذريتي، وهو مكة، (بلداً) كلمة البلد معناها المكان الذي يأنس الذي يحل به، (بلداً آمناً) أي: ذا أمن، لا يرعب أهله، وقد أجاب الله دعاءه، كقوله تعالى:{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران:97] والمقصود أمنوه، وقوله تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} [العنكبوت:67]، إلى غير ذلك من الآيات.

صحت أحاديث متعددة بتحريم القتال في مكة، ففي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل لأحد أن يحمل بمكة السلاح)، فهو آمن من الآفات، لم يصل إليه جبار إلا قصمه الله، كما فعل بأصحاب الفيل.

وقوله تعالى في سورة إبراهيم: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} [إبراهيم:35] بالتعريف، والكلام في هذا كثير ولن نفصل فيه الآن، لكن باختصار شديد: هنا قال: (اجعل هذا بلداً آمناً) بالتنكير باعتبار أنه لم يكن بنى البيت، وكان لا يزال في بداية بنائه، فلم يعمر بالحجاج والطائفين والمعتكفين وغير ذلك، وفي سورة إبراهيم قال:(رب اجعل هذا البلد)؛ لأن الكعبة كانت قد بنيت بالفعل، فقال:(هذ البلد آمناً).

(وارزق أهله من الثمرات) سأل إبراهيم ذلك؛ لأن مكة لم يكن فيها زرع ولا ثمر، فاستجاب الله تعالى له فصارت يجبى إليها ثمرات كل شيء، (من آمن منهم بالله واليوم الآخر) هذه بدل من أهله، وهو بدل بعض، (وارزق أهله من الثمرات) بدل بعض من كل، (من آمن منهم بالله واليوم الآخر) يعني: ارزق المؤمنين من أهله خاصة، وإنما خصهم بالدعاء إظهاراً لشرف الإيمان، واهتماماً بشأن أهله، فالذي يهمه هم أهل الإيمان، وهذا من مراعاة حسن الأدب في المسألة، حيث ميز الله تعالى المؤمنين عن الكافرين في باب الإمامة، في قوله:(لا ينال عهدي الظالمين)؛ فتأدب إبراهيم عليه السلام في الدعاء فلم يدخل الظالمين في دعوته، وإنما قال:(من آمن منهم بالله واليوم الآخر)، وفيه ترغيب لقومه في الإيمان وزجر عن الكفر، فقال الله تعالى معلماً أن شمول الرحمانية بأمن الدنيا ورزقها لجميع عمرة الأرض:(قال ومن كفر) يعني: رزقي في الدنيا أثر من آثار اسمي الرحمن، الذي هو رحمان الدنيا الذي تعم رحمته الكافرين والمؤمنين، ويرزق الجميع، ويعطي الجميع الصحة وأعراض الدنيا والأرزاق وغير ذلك مما هو مشاهد محسوس، فهذه الرحمة العامة تكون ابتلاء وفتنة للكافرين، ونعمة للمؤمنين، (قال ومن كفر) يعني: أنيله أيضاً ما ألهمتك من الدعاء بالأمن والرزق، فهو عطف على فعل محذوف دل الكلام عليه.

(فأمتعه) والمقصود بالمتاع الرزق عبر عنه بكلمة المتعة وما معنى المتعة؟ المتعة هي زاد قليل وبلغة، تخسيساً لحظهم من الرزق كما قال:{لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} [آل عمران:196 - 197]، وكذلك قال هنا:(ومن كفر) يعني: أرزقه وأمتعه قليلاً، فهذا تخسيس لهذا المتاع الذي ينالونه وتحقير له، وأكد ذلك بقوله:(فأمتعه قليلاً) يعني: تمتيعاً قليلاً، سواء بنعمة الأمن أو بنعمة الرزق.

و (قليلاً) إما أن المعنى أن كمية المتاع تكون قليلاً أو أن زمان المتعة قليل إلى أن تنقضي آجالهم فيفضون إلى ربهم.

(ثم أضطره إلى عذاب النار) يعني: ألجئه إلى عذاب النار، كما قال تعالى:{يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} [الطور:13]، وقال تعالى:{يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} [القمر:48] وقرئ (فأمتعه قليلاً ثم أضطره) بلفظ الأمر فيهما على أنهما دعاء من إبراهيم عليه السلام.

(وبئس المصير) يعني: عذاب النار، والمصير في اللغة هو ما ينتهي إليه الأمر.

ص: 15