المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير قوله تعالى: (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين) - تفسير القرآن الكريم - المقدم - جـ ١٠٣

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌ الزخرف [33 - 61]

- ‌تفسير قوله تعالى: (ولولا أن يكون الناس أمةً واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً)

- ‌اختصاص نعيم الآخرة بالمؤمنين

- ‌تمتيع الكافر في الدنيا

- ‌المقصود بالمعارج والسقف والزخرف

- ‌تفسير قوله تعالى: (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناَ فهو له قرين)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون)

- ‌تفسير قوله تعالى: (أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين)

- ‌تفسير قوله تعالى: (فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون عليهم مقتدرون)

- ‌تفسير قوله تعالى: (فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون)

- ‌تفسير قوله تعالى: (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا لعلهم يرجعون)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر)

- ‌تفسير قوله تعالى: (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين)

- ‌تفسير قوله تعالى: (فلولا ألقي عليه أسورة قوماً فاسقين)

- ‌تفسير قوله تعالى: (فلما آسفونا انتقمنا منهم ومثلاً للآخرين)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ولما ضرب ابن مريم مثلاً وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم)

- ‌تفسير الشنقيطي لقوله تعالى: (ولما ضرب ابن مريم مثلاً)

- ‌معنى آخر لآية: (ما ضربوه لك إلا جدلاً)

- ‌تفسير قوله تعالى: (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل)

الفصل: ‌تفسير قوله تعالى: (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين)

‌تفسير قوله تعالى: (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناَ فهو له قرين)

قال تبارك وتعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف:36].

أي: ومن يعرض عن ذكر الرحمن فلم يخف سطوته، ولم يخش عقابه (نقيض له شيطاناً فهو له قرين)، أي: نجعل له شيطاناً يغويه، ويضله عن السبيل القويم دائماً؛ لمقارنته له، فإنه يظل مقارناً إياه.

قال: القاشاني: قرئ: ((وَمَنْ يَعْشُ عن))، وقرئ:((وَمَنْ يَعْشَ عن)) بضم الشين وفتحها، والفرق: أن عشى يستعمل إذا نظر نظرة العشى لعارض أو متعمداً من غير آفة في بصره، وعشي إذا ضعف بصره.

قال العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى في تفسيرها أيضاً: وسنتعرض لهذا التفسير في أثناء تفسير سورة فصلت في قوله تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [فصلت:25].

((وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ)) أي: جئناهم بهم، وأتحناهم لهم، أو هيأنا، أو سلطنا، أو بعثنا ووكلنا، أو سببنا، أو قدرنا، وجميع تلك العبارات راجعة إلى شيء واحد، وهو أن الله تبارك وتعالى هيأ للكافرين قرناء من الشياطين يضلونهم عن الهدى، ويزينون لهم الكفر والمعاصي.

والقرناء: جمع قرين، وهم قرناؤهم من الشياطين على التحقيق.

((فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ)) أي: من أمر الدنيا حتى آثروه على الآخرة.

((وَمَا خَلْفَهُمْ)) أي: من أمر الآخرة، فدعوهم إلى التكذيب به، وإنكار البعث.

وبين هنا في سورة الزخرف سبب هذا التقييض، وأنهم مع إضلالهم لهم يحسبون أنهم مهتدون، قال تعالى:{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} [الزخرف:36 - 38].

فترتيب قوله: ((نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا)) على قوله: (ومن يعش) يدل على أن سبب تقييضه له هو غفلته عن ذكر الرحمن، ونظير ذلك آية أخرى في القرآن الكريم فيها الربط بين الغفلة عن الذكر وبين تسليط الشياطين، وهي قوله تعالى:{مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} [الناس:4]، فكلمة (الوسواس الخناس) معناها: أن الإنسان إذا غفل عن ذكر الله وسوس له الشيطان، وإذا ذكر الله انخنس، وفي الحديث أنه إذا سمع الذكر يولي وله ضراط، لشدة نفرته عن ذكر الله سبحانه وتعالى.

إذاً: سورة الناس فيها نفس هذا المعنى في قوله تبارك وتعالى: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} [الناس:4]؛ لأن الوسواس هو كثير الوسوسة؛ ليضل بها الناس، والخناس هو كثير التأخر والرجوع عن إضلال الناس، من قولهم: خنس يخنس إذا تأخر وهرب، فهو وسواس عند الغفلة عن ذكر الرحمن، خناس عند ذكر الرحمن.

إذاً: من أعظم علاج الوسوسة المواظبة على ذكر الله سبحانه وتعالى؛ لأن الذكر يضعف تأثير الشيطان، ويجعله يفر بعيداً عن الإنسان، كما دلت عليه آية الزخرف المذكورة، وهي قوله تعالى:((وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ)) فعقوبته: ((نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)).

ودل على ذلك أيضاً قوله تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل:99 - 100]؛ لأن الذين يتولونه والذين هم به مشركون غافلون عن ذكر الرحمن، وبسبب ذلك قيضه الله لهم فأضلهم.

ومن الآيات الدالة على تقييض الشياطين للكفار ليضلوهم قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [مريم:83].

وقال تبارك وتعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنسِ} [الأنعام:128]، أي: استكثرتم من إضلال الإنس في دار الدنيا.

وقال تعالى: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ} [الأعراف:202].

وقال تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} [يس:60] إلى قوله: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا} [يس:62].

وقوله تعالى: ((فَبِئْسَ الْقَرِينُ)) يدل على أن قرناء الشياطين المذكورين في آية فصلت وآية الزخرف وغيرهما جديرون بالذم الشديد، وقد صرح تعالى في سورة النساء بقوله:{وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا} [النساء:38]، وقال هنا:((فَبِئْسَ الْقَرِينُ))؛ لأن كلاً من (ساء) و (بئس) فعل جامد لإنشاء الذم.

ص: 6