المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير القرطبي لآية: (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) - تفسير القرآن الكريم - المقدم - جـ ١٣٣

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌ الحجرات [1 - 5]

- ‌المناسبة بين سورة الحجرات وما قبلها من السور

- ‌إثبات مدنية سورة الحجرات وطريقة معرفة المكي والمدني

- ‌حث سورة الحجرات على التأدب في الخطاب

- ‌تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله)

- ‌تفسير ابن جرير لآية: (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله)

- ‌تفسير القرطبي لآية: (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله)

- ‌لا دليل لأهل الظاهر في نفي القياس بالآية

- ‌تفسير الشنقيطي لآية: (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله)

- ‌تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي)

- ‌إهمال الناس لأدب خفض الصوت في المساجد

- ‌رفع الصوت عند النبي من الكبائر

- ‌يجوز رفع الصوت عند الحرب

- ‌سبب نزول قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم)

- ‌دلالة الآية على توقير النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌كفر المستهزئ بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌وجوب التمييز بين حقوق الله وحقوق النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌براءة النبي صلى الله عليه وسلم ممن يغالون فيه

- ‌بعض من ينتسب إلى الإسلام أسوأ حالاً من المشركين في الشرك

- ‌المغالي في تعظيم النبي عدو لله وإن ادعى المحبة

- ‌تفسير قوله تعالى: (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله)

- ‌تفسير قوله تعالى: (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم)

- ‌سبب نزول الآية

- ‌كلام الزمخشري في الآية

- ‌صفات الحجرات النبوية

- ‌بيان تعظيم النبي في سياق سورة الحجرات

- ‌كراهة رفع الصوت عند القبر النبوي الشريف

- ‌تعدد أسباب النزول وبيان وجه ذلك

الفصل: ‌تفسير القرطبي لآية: (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله)

‌تفسير القرطبي لآية: (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله)

يقول الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية أيضاً: قوله تعالى: ((لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ))، أصل في ترك الاعتراض على أقوال النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز لإنسان أن يعترض أو يضع رأيه في طريق السنة أبداً، كما قال سفيان: دعوا السنة تمضي لا تعرضوا لها بالرأي.

فهذه الآية أصل أصيل في ترك التعرض لأقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإيجاب اتباعه والاقتداء به، وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه:(مروا أبا بكر فليصل بالناس، فقالت عائشة رضي الله عنها لـ حفصة: قولي له: إن أبا بكر رجل أسيف -يعني: سريع البكاء والحزن لرقة قلبه- وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس من البكاء، فمر عمر فليصل بالناس، فقال صلى الله عليه وسلم: إنكن لأنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس).

الخطاب هنا (إنكن) في صيغة جمع، لكن المراد به عائشة فقط، قال القرطبي رحمه الله تعالى: والمقصود من قوله: (إنكن لأنتن صواحب يوسف)، أي: مثلهن في إظهار خلاف ما في الباطن، فإن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن الصديق لكونه لا يسمع المؤمنين القراءة من بكائه؛ لكن مرادها أمر زائد على ذلك في الحقيقة، وهو ألا يتشاءم الناس به، ولذا قالت:(خشيت لو أن أبا بكر خلف الرسول عليه السلام في الإمامة فإنه سوف يتشاءم الناس أنه أول رجل حل محل الرسول عليه السلام في الصلاة) فأرادت أن تصرف عنه هذه الإمامة.

وهذا مثل زليخا امرأة العزيز استدعت النسوة، وأظهرت لهن الإكرام بالضيافة قال تعالى:{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [يوسف:30] * {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا) [يوسف:31] ففي الظاهر أنها دعتهن لأجل الإكرام والضيافة، لكن غرضها في الحقيقة خلاف ما أظهرته، وهو أن ينظرن إلى حسن يوسف عليه السلام، ويعذرنها في محبته، فهذا هو وجه الشبه في إظهار خلاف ما يبطن، فعبر بالجمع في قوله:(إنكن) والمراد: عائشة فقط، كذلك أيضاً:(صواحب يوسف) جمع لكن المقصود به زليخا امرأة العزيز.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات:1].

قوله: ((وَاتَّقُوا اللَّهَ))، أي: في التقديم أو في مخالفة الحكم، والأمر بالتقوى على أثر ما تقدم بمنزلة قولك للمقارف بعض الرذائل: لا تفعل هذا وتحفظ مما يلصق العار بك، فتنهاه أولاً عن عين ما قارفه، ثم تعم وتأمره بما لو امتثل أمرك فيه لم يرتكب تلك الفعلة، وكل ما يكون في طريقها ويتعلق بسببها.

((إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) أي: فحقيق أن يتقى ويراقب.

ص: 7