المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير الشنقيطي لقوله تعالى: (يعرف المجرمون بسيماهم) - تفسير القرآن الكريم - المقدم - جـ ١٥١

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌ الرحمن [37 - 54]

- ‌تفسير قوله تعالى: (فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان فبأي آلاء ربكما تكذبان)

- ‌أقول المفسرين في معنى قوله تعالى: (فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان)

- ‌تفسير قوله تعالى: (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان فبأي آلاء ربكما تكذبان)

- ‌كلام ابن القيم في السؤال المنفي في قوله: (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه) والجمع بين الأقوال فيها

- ‌كلام الشنقيطي في الجمع بين قوله: (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه) وغيرها من الآيات التي تثبت السؤال

- ‌تفسير قوله تعالى: (يعرف المجرمون بسيماهم فبأي آلاء ربكما تكذبان)

- ‌تفسير الشنقيطي لقوله تعالى: (يعرف المجرمون بسيماهم)

- ‌تفسير قوله تعالى: (هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون فبأي آلاء ربكما تكذبان)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان)

- ‌تفسير الشنقيطي لقوله تعالى: (ولمن خاف مقام ربه)

- ‌أقوال العلماء والمفسرين في قوله تعالى: (ولمن خاف مقام ربه)

- ‌ترجيح ابن القيم بين الأقوال في قوله تعالى: (ولمن خاف مقام ربه)

- ‌أوجه دخول الجن مع الإنس في التكليف والثواب والعقاب

- ‌تفسير قوله تعالى: (ذواتا أفنان فبأي آلاء ربكما تكذبان)

- ‌تفسير قوله تعالى: (فيهما عينان تجريان فبأي آلاء ربكما تكذبان)

- ‌التفاوت بين الجنتين الأوليين والجنتين الأخريين

- ‌معنى قوله تعالى: (فيهما من كل فاكهة زوجان) والفرق بين ثمار الدنيا وثمار الآخرة

- ‌تفسير قوله تعالى: (متكئين على فرش بطائنها من استبرق)

الفصل: ‌تفسير الشنقيطي لقوله تعالى: (يعرف المجرمون بسيماهم)

‌تفسير الشنقيطي لقوله تعالى: (يعرف المجرمون بسيماهم)

يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى: قوله: ((بِسِيمَاهُمْ)) أي: بعلامتهم المميزة لهم، وقد دل القرآن على أنها هي سواد وجوههم وزرقة عيونهم، كما قال تعالى:{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ} [آل عمران:106] الآية.

وقال تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} [الزمر:60]، وقال تعالى:{وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [يونس:27]، وقال تعالى:{وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} [عبس:40 - 42]؛ لأن معنى قوله: (ترهقها قترة): يعلوها ويغشاها سواد كالدخان الأسود.

وقال تعالى في زرقة عيونهم: {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا} [طه:102]، ولا شيء أقبح وأشوه من سواد الوجوه وزرقة العيون؛ ولذا لما أراد الشاعر أن يقبح علل البخيل بأسوأ الأوصاف وأقبحها وصفها بسواد الوجوه وزرقة العيون حيث قال: وللبخيل على أمواله علل زرق العيون عليها أوجه سود ولاسيما إذا اجتمع مع سواد الوجه اغبراره، كما في قوله:{عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} [عبس:40 - 41] فإن ذلك يزيده قبحاً على قبح.

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ((فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ)) قد قدمنا تفسيرها في الكلام على قوله تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} [الطور:13] قيل: تسحبهم الملائكة إلى النار، وفي قول آخر: تارة تأخذ بناصيته، أي: بمقدم شعر الرأس ثم تجره في النار على وجهه، وتارة تأخذ بقدميه وتسحبه على رأسه، والظاهر هو ما ذكرناه آنفاً من أنه تجمع النواصي إلى الأقدام ثم يلقى في النار أعاذنا الله وإياكم منها.

((فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ))، كما قلنا في صدر السورة: إذا ذكر قوله تبارك وتعالى: ((فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)) فيراد بها تقرير العباد بامتنان الله عليهم بما سبق ذكره قبل هذه الآية الكريمة من النعم.

وفي بعض المواضع التي قد لا يظهر فيها معنى الامتنان بالنعمة وبالآلاء نحتاج إلى أن نتدبر ونتفكر حتى نعرف وجه الامتنان في قوله: ((فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ))، نقول: بعد أن وصف سبحانه أحوال أهل العذاب وأهل الجحيم وأهوال القيامة وعقاب المجرمين، تبين لنا أن هذا من رحمة الله بنا، وأن هذا من أعظم النعم؛ لأنه حذرنا من المعاصي كي لا نقع فيما نستحق به هذا العذاب، هذا هو وجه النعمة.

فإذاً: النعمة فيما وصف من أهوال القيامة وعقاب المجرمين ما في ذلك من الزجر عن المعاصي والترغيب في الطاعات، ولذلك يقول بعض المفسرين: ولما كان معاقبة العصاة المجرمين وتنعيم المتقين من فضله ورحمته وعدله ولطفه بخلقه، وكان إنذاره لهم عذابه وبأسه مما يزجرهم عما هم فيه من الشرك والمعاصي وغير ذلك، قال تعالى ممتناً بذلك على بريته:((فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)) أي: من عقوبته أهل الكفر به وتكريمه أهل الإيمان به.

ص: 8