المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير قوله تعالى: (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح) - تفسير القرآن الكريم - المقدم - جـ ١٧٦

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌ التحريم

- ‌تفسير قوله تعالى: (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك)

- ‌سبب نزول قوله تعالى: (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك)

- ‌ما رجحه القاسمي في سبب نزول أول سورة التحريم

- ‌حكم تحريم المرء على نفسه شيئاً حلالاً

- ‌تفسير قوله تعالى: (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً)

- ‌تفسير قوله تعالى: (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما)

- ‌تفسير قوله تعالى: (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن)

- ‌النبي صلى الله عليه وسلم لم يطلق أزواجه

- ‌تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً)

- ‌تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم)

- ‌تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً)

- ‌تفسير قوله تعالى: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها)

- ‌شبهة النصارى في كون عيسى ابن الله والرد عليهم

- ‌ما يستفاد من الأمثال المضروبة في سورة التحريم

- ‌كلام الزمخشري على الأمثال المضروبة في سورة التحريم

- ‌كلام ابن القيم على الأمثال المضروبة في سورة التحريم

- ‌الأحكام المستفادة من الأمثال المضروبة في سورة التحريم

الفصل: ‌تفسير قوله تعالى: (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح)

‌تفسير قوله تعالى: (ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح)

يقول الله تبارك وتعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [التحريم:10](ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط) يعني: حال امرأة نوح وحال امرأة لوط.

(كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما) أي: بالمظاهرة عليهما والكفر والعصيان، فمع تمكن نوح ولوط عليهما السلام من الطاعة والإيمان، إلا أن زوجتيهما تظاهرتا عليهما بالكفر والعصيان.

(فلم يغنيا عنهما من الله) يعني: من عذاب الله (شيئاً).

(وقيل ادخلا النار مع الداخلين) أي: قيل لهما إما عند موتهما أو يوم القيامة: ادخلا النار مع سائر الداخلين، من الفجرة الذين لا صلة بينهم وبين الأنبياء.

يقول الشيخ عطية سالم رحمه الله تعالى في قوله تعالى: ((ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا)): أجمع المفسرون هنا على أن الخيانة ليست زوجية.

فلا يجوز أن يفهم أن الخيانة خيانة في إتيان الفاحشة؛ لأنه لا يمكن أن تفجر زوجة نبي، ولأن جانب العفة والإحصان بالنسبة لزوجات الأنبياء لا يمكن أن يخدش، ولأن هذا طعن في النبي نفسه، والطعن في النبي طعن في ربه عز وجل؛ كما سبق أن بينا ذلك بالتفصيل في تفسير سورة النور.

وقال ابن عباس (نساء الأنبياء معصومات -أي: من ارتكاب الفاحشة والخيانة الزوجية- ولكنها خيانة دينية بعدم إسلامهن، وإخبار أقوامهن بمن يؤمنون مع أزواجهن.

يقول: وقد يستأنس لقول ابن عباس هذا بتحريم التزوج من نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعده، والتعليل له بأن ذلك يؤذيه، كما في قوله تعالى:{وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} [الأحزاب:53]، فإذا كان هذا يؤذيه، فكيف إذا كان الأمر أخطر وأبعد من التساؤل بغير حجاب أو الزواج، إن مكانة الأنبياء عند الله سبحانه وتعالى أعظم من ذلك.

وكون النبي عليه الصلاة والسلام أعظم وأفضل خلق الله عز وجل، هذا باب مستقل صنف فيه بعض العلماء مصنفات مستقلة، وحصل فيه نوع من الاستقراء لآيات القرآن الكريم التي اشتملت على الآيات التي تدل على ذلك، منها كتاب (القول المبين في بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل العالمين) لـ أبي عبد الله الغماري، مع أنه صوفي وفيه بدعة غليظة، لكن هذا من محاسن كتبه.

وفي سورة الأحزاب بالذات آيات كثيرة تخدم هذا المعلم، ومما يبين هذا المعلم قوله تعالى:{وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} [الأحزاب:53] أي: في أي شأن من الشئون، لأنه إذا كان سؤال أزواجه عليه الصلاة والسلام للمتاع بدون حجاب يؤذيه، فكيف إذا كان الأمر أخطر من التساؤل وهو الزواج بهن بعده، أو الوقوع في الفاحشة، هذا غير وارد على الإطلاق؛ فإنهن محفوظات من الوقوع في الفاحشة للسبب الذي ذكرنا.

قوله: ((فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا)) فيه بيان أن العلاقة الزوجية لا تنفع شيئاً مع الكفر، وقد بين تعالى ما هو أعم من ذلك في عموم القرابات، كقوله تعالى:{يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ} [الشعراء:88]، وقال تعالى:{يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ} [عبس:34 - 35].

جعل الله هاتين المرأتين مثلاً للذين كفروا، وهو شامل لجميع الأقارب، وإذا تتبعنا القرآن الكريم سنجد فيه قصصاً توضح لنا أن القرابة لا تنفع إذا اختلفت العقيدة، مثل هاتين الزوجتين المظاهرتين على نوح ولوط، وكذلك قصة إبراهيم مع أبيه، ونوح مع ابنه؛ فهذه جهة الزوجة مع زوجها، والولد مع والده، والوالد مع ولده.

وأيضاً ما ورد في الحديث: (يا فاطمة اعملي؛ فإني لا أغني عنك من الله شيئاً) فلا يملك أحد نفع أحد يوم القيامة ولو كان أقرب قريب إلا بواسطة الإيمان بالله، وبما يكرم الله به من شاء من الشفاعة، كما قال تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور:21].

ص: 15