المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير قوله تعالى: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا) - تفسير القرآن الكريم - المقدم - جـ ٢٩

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌ آل عمران [186 - 200]

- ‌تفسير قوله تعالى: (لتبلون في أموالكم وأنفسكم)

- ‌تفسير السيوطي لقوله تعالى: (لتبلون في أموالكم وأنفسكم)

- ‌واجب المسلم تجاه الأذى الصادر من غير المسلمين

- ‌تفسير قوله تعالى: (وإذا أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب)

- ‌أقوال المفسرين في قوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب)

- ‌تفسير قوله تعالى: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا)

- ‌تفسير السيوطي لقوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب) وما بعدها

- ‌تفسير قوله تعالى: (ولله ملك السماوات والأرض)

- ‌تفسير قوله تعالى: (إن في خلق السماوات والأرض)

- ‌تفسير قوله تعالى: (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً)

- ‌دلائل التوحيد عند الإمام الرازي

- ‌تفسير قوله تعالى: (ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك)

- ‌تفسير قوله تعالى: (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم)

- ‌تفسير قوله تعالى: (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد)

- ‌تفسير قوله تعالى (متاع قليل ثم مأواهم جهنم)

- ‌تفسير قوله تعالى: (لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله)

- ‌تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا)

- ‌فضل خواتيم سورة آل عمران

الفصل: ‌تفسير قوله تعالى: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا)

‌تفسير قوله تعالى: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا)

بعد أن وصفهم تعالى بأنهم يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً، ويستعملون آيات الله وكتاب الله وسيلة لنيل مآربهم الدنيوية، ومع ذلك فهم لا يستقبحون هذا الفعل ولا يندمون عليه، بل يفرحون به ويسرون:{لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران:188].

((لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا)) أي: بما فعلوا من اشتراء الثمن القليل بتغيير كلام الله تعالى.

((ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا)) أي: من وفاء الميثاق من غير تغيير ولا كتمان.

((فلا تحسبنهم بمفازة)) أي: بمنجاة من العذاب.

((ولهم عذاب أليم)) أي: بكفرهم وتدليسهم.

روى الإمام أحمد عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن مروان قال: (اذهب يا رافع -وهو بوابه- إلى ابن عباس فقل له: لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتي، وأحب أن يحمد بما لم يفعل لنعذبن أجمعون، فقال ابن عباس: مالكم وهذه، إنما نزلت في أهل الكتاب، ثم تلا ابن عباس رضي الله عنهما: ((وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ)) إلى قوله: ((وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) ثم قال ابن عباس: سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره، فخرجوا قد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدوا بذلك إليه، وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم ما سألهم عنه) يعني: كأنهم استحقوا أن يحمدوا على هذا الذي أخبروا به النبي عليه الصلاة والسلام بخلاف الواقع والحقيقة.

انظر كيف تتولى الآيات الذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما حصل ذلك في مواضع من القرآن الكريم، {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} [الكوثر:1 - 3]، وغير ذلك من النصوص.

فكذلك هنا لما سألهم النبي عليه الصلاة والسلام عن شيء معين أوهموه أنهم قد أجابوه، ومع ذلك أحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، وبما أتوا من كذبهم عليه وإخبارهم له بخلاف الذي كان يسألهم عنه، فانظر كيف نزل الوحي يفضح هؤلاء اليهود، ويكذبهم، ويذب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وروى البخاري عن أبي سعيد الخدري (أن رجالاً من المنافقين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغزو اعتذروا إليه وحلفوا، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلت: ((ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا))) الآية.

كذا رواه مسلم.

لا منافاة بين الروايتين؛ لأن الآية عامة في جميع ما ذكر، ومعنى ذلك: أنه بعدما نزلت الآية قد تحصل واقعة يصدق عليها حكم الآية، فيقول واحد من الصحابة: نزلت في كذا؛ لأن معنى سبب النزول أعم من مجرد نزول الآية في واقعة بعينها، لكن يتعدى حكمها إلى نظائرها.

وهذه الآية وإن كانت محمولة على الكفار لما تقدم، ففيها ترهيب للمؤمنين مما ذم عليه أهلها من الإصرار على القبائح والفرح بها، ومحبة المدح بما ليس عندهم من الفضائل.

ويدخل في ذلك المراءون المتكثرون بما لم يعطوا، وقد جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(ومن ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها لم يزده الله إلا قلة)، وفي الصحيحين أيضاً:(المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور) يعني: الثوبان اللذان يلبسهما ليسا ملكه في الحقيقة، بل هما لغيره، وهو يلبسهما ويظهر للناس أنهما له.

وهكذا المتشبع بما لم يعط، وهو الذي يظهر للناس ما ليس عنده من الفضائل والعلم وغير ذلك.

ص: 7