المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير قوله تعالى: (بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل وما نحن بمبعوثين) - تفسير القرآن الكريم - المقدم - جـ ٥٠

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌ الأنعام [13 - 35]

- ‌تفسير قوله تعالى: (وله ما سكن في الليل والنهار ولا تكونن من المشركين)

- ‌تفسير قوله تعالى: (قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم)

- ‌تفسير قوله تعالى: (من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وإن يردك بخير فهو على كل شيء قدير)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير)

- ‌تفسير قوله تعالى: (قل أي شيء أكبر شهادة)

- ‌إعجاز القرآن في بلاغته

- ‌إطلاق لفظ شيء على الله عز وجل

- ‌الخلاف في المقصود بالشهادة في قوله تعالى: (قل أي شيء أكبر شهادة)

- ‌أحكام القرآن تعم جميع الخلق منذ نزوله إلى قيام الساعة

- ‌وجوب التوحيد والبراءة من الشرك

- ‌تفسير قوله تعالى: (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون)

- ‌الأسس التي يعرف بها صدق الرسول

- ‌تفسير قوله تعالى: (ويوم نحشرهم جميعاً ثم نقول للذين أشركوا)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين)

- ‌تفسير قوله تعالى: (انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وهم ينهون عنه وينأون عنه)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد)

- ‌تفسير قوله تعالى: (بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل وما نحن بمبعوثين)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق)

- ‌تفسير قوله تعالى: (قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو)

- ‌تفسير قوله تبارك وتعالى: (قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وإن كان كبر عليك إعراضهم)

الفصل: ‌تفسير قوله تعالى: (بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل وما نحن بمبعوثين)

‌تفسير قوله تعالى: (بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل وما نحن بمبعوثين)

يقول تعالى: {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام:28].

قوله: (بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل) في هذا إضراب عما يدل عليه تمنيهم الباطل من الوعد بالتصديق بالإيمان، يعني: ليس هذا الكلام الذي يقولونه حقاً، وإنما هو كما قال تعالى:{كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} [المؤمنون:100] على أحد التفاسير، فهي مجرد كلمة، لكن في الحقيقة لو أن الله ردهم لعادوا إلى ما كانوا عليه من الكفر، والعياذ بالله! فالله سبحانه وتعالى يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون، ويعلم -أيضاً- ما لم يكن لو كان كيف يكون، حتى الشيء الذي لم يقع لو كان سيقع بعلمه على أي صورة سيقع، والدليل هذه الآية (ولو ردوا لعادوا لما نهو عنه)، فيخبر تعالى أنه لو ردهم إلى الدنيا كما يطلبون وكما يتمنون لعادوا لما نهوا عنه من الشرك.

وهذا نلاحظه في الجبابرة والعتاة والطغاة حينما يتعرضون للموت ويواجهون الموت، ثم يشاء الله سبحانه وتعالى أن ينجيهم، ولا شك في أن أي واحد منا لو استحضر أنه ما بينه وبين الموت إلا طرفة عين وانتباهتها فإنه في تلك اللحظة يعاهد الله على التوبة والاستقامة؛ لأنه رأى الموت بعينه.

وما من أحد يمرض إلا وهو في الغالب يجدد العهد مع الله سبحانه وتعالى، كما قال تعالى:{لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [يونس:22]، وهذا شيء يحسه كل إنسان منا في نفسه.

فعادة هؤلاء الجبابرة المتجبرين أن الله إذا رد أحدهم فإنه لا يتعظ ولا ينزجر ولا يرعوي، ولا يحدث توبة، بل ربما يتمادى في الطغيان وفي العتو وفي الإفساد في الأرض.

فالإنسان كما قال الشاعر: ما أنت إلا كزرع عند خضرته لكل شيء من الآفات مقصود فإن سلمت من الآفات أجمعها فأنت عند تمام الزرع محصود فليست الأمنية التي يذكرونها عن عزمٍ صحيح، وليست عن اعتقاد خالص، بل هي بسبب آخر، وهو أنه ظهر لهم ما كانوا يكتمون في أنفسهم من الكفر والشرك، يعني: أنهم حاولوا أن يكتموا جريمتهم بقولهم: (والله ربنا ما كنا مشركين)، فالله سبحانه وتعالى يبين هنا حالهم فقال:{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنعام:27]، يعني: أنهم الآن يقولون: (ولا نكذب بآيات ربنا)، ويقولون أيضاً:(ونكون من المؤمنين)، وهم قبلها في موقف آخر في القيامة كانوا يقولون:((وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ))، أي: نحن كنا مؤمنين، فيبين الله سبحانه وتعالى أن السبب في تمنيهم الرجوع إلى الدنيا ليس العزم الصحيح والنية الصادقة على أنهم يتوبون إذا رجعوا إلى الدنيا، لكن الذي جعلهم يتمنون الرجوع هو أنه قد كشف الله مخبوء صدورهم حينما كذبوا وحلفوا كذباً وزوراً أنهم ما كانوا مشركين، فقد ظهر ما كانوا يكتمون في أنفسهم من الكفر والشرك بقولهم:(والله ربنا ما كنا مشركين)، وعرفوا أنهم هالكون بشركهم، فتمنوا لذلك أن يعودوا إلى الدنيا.

أو كشفهم بشهادة جوارحهم عليهم، فإنهم حلفوا أنهم ما كانوا مشركين، وما عملوا المعاصي، فينطق الله سبحانه وتعالى جوارحهم فتنطق تدينهم، فحينئذ ينكشف الكذب الذي كانوا يكذبونه.

أو انكشف لهم ما كانوا يخفون من قبل في الدنيا حينما كانوا يخفون تصديق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ويخفونها في صدورهم، انكشفت لهم الحقيقة يوم القيامة، وكانوا يبدون في الدنيا خلاف هذا التصديق، كما قال عز وجل عن موسى أنه قال لفرعون:{قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ} [الإسراء:102] يعني: أن فرعون نفسه كان موقناً بصدق موسى، لكن كان يخفي ذلك في صدره، فقد كان أمام الجماهير وأمام الشعب يجهر بتكذيب موسى، وهو في قلبه مؤمن بأن موسى صادق، والدليل قوله تعالى هنا حكايةً عن موسى:(لَقَدْ عَلِمْتَ) يعني: يا فرعون (ما أَنزَلَ هَؤُلاءِ) أي: الآيات: {إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ} [الإسراء:102]، وقال في الآية الأخرى في شأن فرعون وقومه:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل:14].

وقوله: (ولو ردوا) يعني: عن هذا الموقف إلى الدنيا كما تمنوا وغاب عنهم ما شاهدوه من الأحوال (لعادوا لما نهوا عنه) أي: لعادوا إلى الشرك وإلى الكفر.

وقوله: (وإنهم لكاذبون) يعني: في وعدهم بالإيمان، أو أن ديدنهم الكذب في أحوالهم، ولذلك كان للسلف الصالح مع هذه الآية وأمثالها مواقف، فقد كان بعض السلف يعظ ابنه فيقول له: يا بني! هب أننا متنا ثم بعثنا ونشرنا وقامت القيامة، وحكم علينا أن ندخل النار، ثم وقفنا على الصراط، ووقفنا أمام ربنا سبحانه وتعالى فسألناه الرجعة، ودعونا الله أن نرجع لنعمل صالحاً، هب أنك سألت الله الكرة الجديدة فأعطاك، فافترض أن حياتك الآن هي فرصة ثانية أعطاك الله إياها، فانتهز هذه الفرصة قبل أن تسأل الكرة فلا تعطاها.

ثم قال تعالى: {وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} .

قوله: (إن هي إلا حياتنا الدنيا)، يعني: ما الحياة إلا حياتنا الدنيا، وإن هي إلا أرحام تدفع وأرض تبلع! وقوله:(وما نحن بمبعوثين)، يعني: بعد أن نفارق هذه الحياة.

ص: 21