المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير قوله تعالى: (وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه) - تفسير القرآن الكريم - المقدم - جـ ٥١

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌ الأنعام [36 - 49]

- ‌تفسير قوله تعالى: (إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم)

- ‌اشتمال القرآن على كل العلوم

- ‌أمثلة على دلالة القرآن على حجية السنة

- ‌تفسير قوله تعالى: (والذين كذبوا بآياتنا صم بكم في الظلمات)

- ‌تفسير قوله تعالى: (قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله وتنسون ما تشركون)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك ما كانوا يعملون)

- ‌تفسير قوله تعالى: (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء)

- ‌تفسير قوله تعالى: (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين)

- ‌تفسير قوله تعالى: (قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم)

- ‌تفسير قوله تعالى: (قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين)

- ‌تفسير قوله تعالى: (والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون)

الفصل: ‌تفسير قوله تعالى: (وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه)

‌تفسير قوله تعالى: (وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه)

قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [الأنعام:37].

قوله: (وقالوا) يعني مشركي مكة، وهذا بيان لنوع آخر من تعنتهم؛ إذ لم يقتنعوا بما شاهدوا من البينات التي تخر لها صم الجبال، فطلب الآيات ما هو إلا نوع من التعنت والتزمت، وقد ذكر أن الله سبحانه وتعالى في هذه السورة أنهم لو آتاهم من الآيات ما يطلبون فإنهم يتمادون في كفرهم وفي غيهم، فلا يزيدهم هذا إلا جحوداً وكفراً وعناداً، وحينئذ يستحقون نزول العذاب إذا أجيبوا إلى ما اقترحوه من الآيات، فكأن الله سبحانه وتعالى أمسك عن أن يجيبهم إلى ما اقترحوه إبقاءً عليهم، وإلا فما أعظم الآيات التي أيد الله بها نبيه محمداً صلى الله عليه وآله وسلم، وأعظمها على الإطلاق هذا القرآن الكريم، وغيره من المعجزات الخوارق التي تقطع بصدق نبوته صلى الله عليه وآله وسلم.

وقوله تعالى: (وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه) يعني: خارقة على مقتضى ما كانوا يريدون ومما يتعنتون.

وهذا كقولهم: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا} [الإسراء:90] إلى آخر الآيات.

وقوله: (ولكن أكثرهم لا يعلمون) أي أن اقتراحها جهل، فإن الله سبحانه وتعالى قادر -بلا شك- على أن ينزل آية، ولكن اقتراح الآيات على سبحانه وتعالى جهل به عز وجل؛ لأن في تنزيلها قلعاً لأساس التكليف المبني على قاعدة الاختبار؛ لأنه لو جرت أمور الدنيا على خرق العادة باستمرار بأن يستجيب الله لهم فبهذه الحالة نصير كأننا في عالم الآخرة ولسنا في عالم هذه الدنيا، فالدنيا دار ابتلاء ودار تكليف، فلا شك في أنه لو كشفت الحجب وكشفت لهم الآيات وأجيبوا إلى كل ما اقترحوا من الخوارق فلن نبقى في هذا العالم الذي يكون الإيمان فيه اختيارياً، بل سنتحول إلى العالم الذي يكون فيه إيمان افتراضياً، قال تعالى:{وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة:12].

فهذا الإيمان وهذا اليقين لا يفيد؛ لأنه ليس في ذلك تكليف، فالقيمة هي في أن توقن هنا بالغيب في دار الابتلاء والتكليف، وأما الآخرة فهي دار ظهور النتائج، فلا يستقيم أن يبقى التكليف مع تحول الأمور إلى خوارق إجابة مقترحاتهم، بل سيقضى على أساس التكليف ويقتلع من أساسه.

أو أن في اقتراح هذه الآيات وفي إجابتهم ما يترتب عليه استئصالهم بالكلية؛ لأن سنة الله سبحانه وتعالى أنه إذا طلب قوم آية أو اقترحوا آية فأجابهم إليها فإنه يجيب إليها بشرط أنهم إذا لم يؤمنوا إذا رأوها فإنهم يعاقبون بالاستئصال بالكلية، فكأنه لم يجبهم رحمةً بهم وإبقاءً عليهم؛ فإن من لوازم جحد الآية الهلاك، جرياً على سنته تعالى في الأمم السالفة، وتخصيص عدم العلم بأكثرهم لأن بعضهم واقفون على حقيقة الحال، وإنما يفعلون ما يفعلون مكابرة وعناداً.

فقوله: (ولكن أكثرهم لا يعلمون) في هذا إشارة إلى أن بعض هؤلاء الكفار واقفون على حقيقة الحال، ويعلمون هذا المعنى، وأن الله قادر على أن ينزل آية، وأنه لم ينزل آية من أجل كذا وكذا من الحكم التي ذكرنا، لكنهم مع ذلك يتعنتون مكابرةً وعناداً.

ص: 3