المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تقسير قوله تعالى: (وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين) - تفسير القرآن الكريم - المقدم - جـ ٦٥

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌ الأعراف [103 - 137]

- ‌تفسير قوله تعالى: (وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين فأرسل معي بني إسرائيل)

- ‌تفسير قوله تعالى: (قل إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين فإذا هي بيضاء للناظرين)

- ‌تفسير قوله تعالى: (قال الملأ من قوم فرعون فماذا تأمرون)

- ‌تفسير قوله تعالى: (قالوا أرجه وأخاه ساحر عليم)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وجاء السحرة فرعون وإنكم لمن المقربين)

- ‌تفسير قوله تعالى: (قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين وجاءوا بسحر عظيم)

- ‌الفرق بين السحر والمعجزة

- ‌تفسير قوله تعالى: (وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون وتوفنا مسلمين)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى)

- ‌تفسير قوله تعالى: (قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا فينظر كيف تعملون)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون)

- ‌تفسير قوله تعالى: (فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه)

- ‌تقسير قوله تعالى: (وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين)

- ‌تفسير قوله تعالى: (فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك)

- ‌تفسير قوله تعالى: (فلما كشفنا عنهم الرجز وكانوا عنها غافلين)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها)

الفصل: ‌تقسير قوله تعالى: (وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين)

‌تقسير قوله تعالى: (وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين)

{وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ} [الأعراف:132 - 133] أخبر تبارك وتعالى عن شدة تمرد فرعون وقومه وعتوهم، وأنهم لم يكتفوا بالتكذيب بموسى مع كل ما مضى، بل جاءهم العذاب فلم يتذكروا ولم يتضرعوا إلى الله سبحانه وتعالى، وإنما ازدادوا عتواً، وكانوا إذا أصابهم الخير قالوا: لنا هذه! فلم يشكروا الله سبحانه وتعالى، وإذا أصابهم الشر تشاءموا وقالوا: هذه بشؤم موسى ومن معه، تمادوا في ذلك حتى تجاسروا وتكبروا بقولهم:((وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ)) أي: بمصدقين بالرسالة، فجاءت العقوبة مباشرة:{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ} [الأعراف:133].

((فأرسلنا)) أي: على آل فرعون ((الطوفان))، وأما قوم موسى فلطف تعالى بهم فلم ينلهم ولا حل بهم سوء من الطوفان ولا غيره.

والطوفان لغة هو: المطر الغالب، ويطلق على كل حادثة تطيف بالإنسان وتحيط به، فعم الطوفان الصحراء، وأتلف عشبها، وكسر شجرها، وتواصلت الرعود والبروق ونيران الصواعق في جميع أرض مصر، وعلينا أن نتفكر في هذا لقوله تعالى:{وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ} [إبراهيم:45]، فكل من سكن مساكنهم مخاطب بهذه العبرة وبهذه العظة فهذه سنة الله سبحانه وتعالى في الدنيا أنها دار ابتلاء كما كررنا مراراً، فالله عز وجل قادر بكلمة من حرفين:((كن)) على أن يكون البشر كلهم على أتقى قلب رجل واحد، وهو قلب رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام، ولكننا لسنا ملائكة في الدنيا، فهذه مجرد فترة امتحان في دار امتحان.

فالعزة التي كانت والعتو والتمرد والاستكبار الذي أصاب فرعون وقومه، ومقابلة آيات الله عز وجل بمزيد من التمرد والعتو، تدعونا لننظر إلى العاقبة لمن كانت؟ فالدنيا دار ابتلاء، فنفس هذه الأشبار أو الأمتار التي نعيش عليها عاش عليها من قبلنا، والإنسان أحياناً يغفل عن تدبر هذا الأمر، فلسنا أول من يطأ هذه الأرض، بل وطأ نفس هذه البلاد قرون وقرون وقرون كانوا أعظم منا وأشد قوة، ومع ذلك لما كفروا مكر الله سبحانه وتعالى بهم؛ فلذلك {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ} [آل عمران:196] العتو والاستكبار إنما هو جولة ليست هي النهاية، فالنهاية والعاقبة حتماً ستكون للتقوى:{وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف:128]{وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132] كما أخبر الله عز وجل.

فالله سبحانه وتعالى قادر على أن ينزل صاعقة من السماء على كل من يعادي الإسلام أو يعادي أولياء الله سبحانه وتعالى، والناس ينظرون إليه، لكن هذا سينافي حكمة الابتلاء، فلو أن كل من يكفر بالله، وكل من يحارب الإسلام، تنزل عليه صاعقة وتأخذه أمام الناس، فهنا سيبطل اختيار الناس وسيؤمنون كرهاً وليس طواعية، وحكمة الله سبحانه وتعالى: أن يكون الإيمان المعتبر هو الإيمان الاختياري وليس الإيمان الذي يأتي بالإجبار؛ فلذلك تستمر سنن الله سبحانه وتعالى، وتنتهي فصول بعض الأحداث في الدنيا والتي قد تكون بنهاية غير سارة، لكن ليست هذه هي العبرة، العبرة أنهم صاروا من أهل النار، فعلينا أن نستحضر هذا التعاقب بين عتو قوم فرعون ثم العذاب الذي يأتيهم.

ومن رحمه الله سبحانه وتعالى: أنه يأتينا بهذه النذر لعلنا نتذكر أو لعلنا نتضرع، إنعاماً في إقامة الحجة عليهم، فانظر أتتنا من قبل الزلازل وأتتنا الفئران وأتانا الجدب والقحط من سنوات إذا كنتم تتذكرون، ومن قبل أشياء كثيرة جداً، والآن حينما عم وانتشر هذا البلاء المسمى بجنون البقر، انظر كيف كان رد فعل الناس لمثل هذا الأمر، حتى أنهم بالغوا في هذه الردود بمقاطعة لحم البقر حتى إن الجزارين تأثروا بذلك.

يخبرنا الله سبحانه وتعالى به وهو أصدق القائلين من أن هذا حلال، وأن هذا حرام، وأن هذا يغضب الله، وأن هذا يرضي الله، ونحن لا نبالي بأوامر الله عز وجل ولا بشرع الله عز وجل، ولا نبالي بمحاربة دين الله.

وقد انتشر الآن جنون البقر، والناس خافوا من هذه الأشياء، ألا ينبغي علينا حينما يخبرنا الله بشيء: أن فيه هلاكنا وأن فيه دخول النار أن نحذر؛ لأننا عصينا الله وحاربنا دين الله، فتكون عاقبتنا كذا وكذا، فأولى أن نصدق خبر الله سبحانه وتعالى ونعمل به.

والآن وزير الصحة اليمني أو اليماني أعلن أن الآلاف من اليمنيين يموتون بالسرطان الذي ينشأ عن مضغ القات، ويحتمل أنهم الآن يرتدعون، ومن قبل كان العلماء ينصحونهم أن القات فيه كذا وكذا من المضار، أو أنه محرم شرعاً، فلا يبالون، والقات منتشر هناك أشد من التدخين هنا، بين النساء والرجال والأطفال والكبار والصغار بصورة مقززة وسيئة، فهم يتعاطون هذا القات ويمضغونه ويكومونه في أشداقهم فيما يسمونه تخزين القات، ومع ذلك لم يبالوا بكلام العلماء حينما زجروهم عن ذلك، لكن يحتمل الآن أن ينفعلوا ويبدءوا في تصحيح أوضاعهم إذا أذيع لهم أن الآلاف منهم يموتون بالسرطان؛ بسبب مضغ القات.

فحينما تأتينا الأخبار أو التحذيرات من بشر مثلنا نقبلها، حينما يأتيك الطبيب ويقول لك: لا تأكل السمك ولا تأكل كذا، وربما منع عليك أشياء معينة بسبب مرض معين تنصاع، بل تسلم له نفسك كي يفتح بطنك بالمشرط ويجري لك عملية جراحية، فإذا أخبرك الله سبحانه وتعالى أن في ذلك شراً لك أو أن في ذلك خيراً لك لا تبالي بشرع الله سبحانه وتعالى، ولا تسارع إلى طاعته والخوف مما حذرك الله عز وجل منه.

ص: 14