المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير قوله تعالى: (واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار) - تفسير القرآن الكريم - المقدم - جـ ٦٦

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌ الأعراف [138 - 155]

- ‌تفسير قوله تعالى: (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر)

- ‌تفسير قوله تعالى: (إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون)

- ‌تفسير قوله تعالى: (قال أغير الله أبغيكم إلهاً وهو فضلكم على العالمين)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه)

- ‌وجه إثبات رؤية الله من قوله: (رب أرني أنظر إليك)

- ‌الرد على الذين ينكرون رؤية الله عز وجل يوم القيامة

- ‌الرد على الزمخشري المعتزلي في إنكاره لرؤية الله عز وجل يوم القيامة

- ‌تفسير قوله تعالى: (قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وكتبنا له في الألواح من كل شيء)

- ‌تفسير قوله تعالى: (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق)

- ‌تفسير قوله تعالى: (والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم)

- ‌تفسير قوله تعالى: (واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلاً جسداً له خوار)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً)

- ‌تفسير قوله تعالى: (قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين)

- ‌تفسير قوله تعالى: (إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم)

- ‌تفسير قوله عز وجل: (والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح)

- ‌تفسير قوله تعالى: (واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا)

الفصل: ‌تفسير قوله تعالى: (واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار)

‌تفسير قوله تعالى: (واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلاً جسداً له خوار)

ثم قال تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ} [الأعراف:148].

يخبر تعالى عن ضلال من ضل من بني إسرائيل في عبادتهم العجل الذي اتخذه لهم السامري من حلي القبط الذي كانوا استعاروه منهم، فشكل لهم منه عجلاً جسداً لا روح فيه، وقد احتال بإدخال الريح فيه حتى صار يسمع له خوار، أي: صوت كصوت البقر، وقد أعلمه الله بذلك وهو على الطور؛ حيث قال إخباراً عن نفسه سبحانه وتعالى:{فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ} [طه:85].

قال الزمخشري: فإن قلت: لِمَ قيل: ((وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا)) والمتخذ هو السامري؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما: أن ينسب الفعل إليهم؛ لأن رجلاً منهم باشره، فوجد فيما بين ظهرانيهم، كما يقال: بنو تميم قالوا كذا، وفعلوا كذا، والقائل والفاعل واحد، ولأنهم كانوا مريدين لاتخاذه راضين به، فكأنهم أجمعوا عليه؛ لأن الذي يقر على المنكر شريك فيه، كما نسب عقر الناقة إلى ثمود، مع أن الذي عقرها واحد منهم، بدليل قوله تعالى:{إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} [الشمس:12].

الوجه الثاني: أن يراد أنهم اتخذوه إلهاً وعبدوه.

ثم قال: فإن قلت: لم قال: (من حليهم)، ولم يقل: الحلي لهم، وإنما كانت عواري في أيديهم؟ قلت: الإضافة تكون بأدنى ملابسة، وكونها في أيديهم عواري كفى بها ملابسة، على أنهم قد ملكوها بعد المهلكين، كما قال تعالى:{وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء:59].

قال النسفي: وفيه دليل على أن من حلف ألا يدخل دار فلان فدخل داراً استعارها يحنث، وأن الاستيلاء على أموال الكفار يوجب زوال ملكهم عنها.

والحلي جمع حلية، كثدي وثدي، وهو: اسم لما يتحسن به من الذهب والفضة، كما قال الشاعر: وما الحلي إلا زينة من ناقص يتمم من حسن إذا الحسن قصرا وأما إذا كان الجمال موفراً كحسنك لم يحتج إلى أن يزورا إشارة إلى أن المرأة فيها نقص ظاهري في هيئتها، فهي تحاول تكميل هذا بالزينة، ولذلك أباح الله لهن الحرير والذهب والزينة.

وقوله تعالى: ((أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا))، هذا تقريع على فرط ضلالهم وإخلالهم بالنظر والتفكر والتدبر، والمعنى: ألم يروا حين اتخذوه إلهاً أنه لا يقدر على كلام ولا على إرشاد سبيل كآحاد البشر، فهو جماد لا ينفع ولا يضر، يعني: أن العجل أحط من البشر؛ لأنه لا عقل عنده، ولا ينفع ولا يضر، فكيف يصلح أن يكون إلهاً؟! وقوله:((اتَّخَذُوهُ)) هذا تكرير لتأكيد الذم، أي: اتخذوه إلهاً وعبدوه.

((وَكَانُوا ظَالِمِينَ)) أي: واضعين الأشياء في غير مواضعها، والجملة إما استئنافية، وإما اعتراضية تذييلية للإخبار بأن ذلك دأبهم وعادتهم قبل ذلك، فلا ينكر هذا منهم، أو حالية، أي: اتخذوه في هذه الحالة المستقرة لهم.

قال الجشمي: تدل الآية على صحة الحجاج على الدين، وأنه تعالى دلهم في بطلان اتخاذ العجل إلهاً بأنه لا يتكلم ولا يهدي، وإنما ذكر الكلام لأن الخوار تنفذ فيه الحيلة، ولا تنفذ في الكلام، وتدل على أن إزالة الشبه في الدين واجب، كما أزالها الله تعالى، وتدل على أن القوم كانوا جهالاً غير عارفين بحقيقة الأشياء، لذلك عبدوا العجل، وتدل على أن تلك الحلي كانت ملكاً لبني إسرائيل، لذلك قال:(حليهم)، فإن ثبت أنهم استعاروه فيدل على زوال ملكهم وانتقال الملك إلى بني إسرائيل، كما تملك أموال أهل الحرث، وتدل على أن الاتخاذ فعلهم.

ص: 15