المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير قوله تعالى: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) - تفسير القرآن الكريم - المقدم - جـ ٦٨

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌ الأنفال [12 - 24]

- ‌تفسير قوله تعالى: (وإذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار)

- ‌تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ومن يولهم يومئذٍ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة)

- ‌تفسير قوله تعالى: (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين)

- ‌تفسير قوله تعالى: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح)

- ‌تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون)

- ‌تفسير قوله تعالى: (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم)

- ‌تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم)

- ‌معنى استجابة المؤمنين لما يحييهم

- ‌معنى أن الله يحول بين المرء وقلبه

- ‌تفسير ابن القيم لقوله: (إذا دعاكم لما يحييكم)

- ‌حياة البدن بالعافية وحياة القلب بالإيمان

- ‌النفخة الملكية والنفخة النبوية لحياة الإنسان

- ‌معنى أن الله يحول بين المرء وقلبه عند ابن القيم

الفصل: ‌تفسير قوله تعالى: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح)

‌تفسير قوله تعالى: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح)

ثم قال عز وجل مخاطباً المشركين: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:19].

قوله: ((إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ))، هذا خطاب للمشركين، يعني: إن تطلبوا الفتح وأن يفصل يبنكم وبين أعدائكم المؤمنين فقد جاءكم القضاء بما سألتم.

روى أحمد والنسائي والحاكم وصححه عن عبد الله بن ثعلبة: أن أبا جهل قال حين التقى القوم: اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرفه، فأحنه الغداة.

يعني: أهلكه الغداة، فكان هو المستفتح؛ ليستعجل فصل القضاء من الله سبحانه وتعالى.

وروي أيضاً في بعض الآثار: أنهم تعلقوا بأستار الكعبة، وأخذوا يدعون الله سبحانه وتعالى أن ينزل العذاب والهلكة، وأن يهزم أظلم الفريقين، وأقطعهم للرحم، وأفسدهم في الأرض، وأبعدهم عن الله سبحانه وتعالى.

فهم استفتحوا، بمعنى: أنهم سألوا الله سبحانه وتعالى أن يفتح بين الفريقين، فالله سبحانه وتعالى يقول لهم: أنتم جلبتم ذلك لأنفسكم، ألستم أنتم الذين استفتحتم؟ ألستم الذين قلتم: اللهم أهلك أظلمنا وأقطعنا للرحم، وأبعدنا منك؟ فلذلك جاءت الآية:((إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ))، أي: أنتم الذين استفتحتم وطلبتم أن يقضي الله سبحانه وتعالى بينكم.

وعن السدي: أن المشركين حين خرجوا من مكة إلى بدر أخذوا بأستار الكعبة، فاستنصروا الله، وقالوا: اللهم انصر أعز الجندين وأكرم الفئتين وخير القبيلتين، فقال تعالى:((إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ)).

وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أن هذه الآية إخبار عنهم بما قالوا؛ لأنهم أيضاً استفتحوا في الآية الأخرى، كما قال تعالى:{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال:32].

وقيل: إن في هذا الخطاب تهكماً بهم.

أي: أنتم الذين استفتحتم، ودعوتموني أن أنصر أعز الفريقين وأكرم الفئتين وخير القبيلتين! فتهكم الله سبحانه وتعالى بهم بقوله:((فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ))؛ لأن الذي جاءهم هو الهلاك والذلة، وهذا كما في كلمة (بشر) في قوله تعالى:{وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة:3]، فإن الكافر عندما يسمع كلمة (بشر) ينشرح، فإذا صدم بكلمة (عذاب أليم) يعرف أن المقصود بها التهكم، فكذلك قوله تعالى هنا:((فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ)) المقصود بها التهكم؛ لأن الذي جاءهم كان الذلة والهلاك والصغار.

والقول بأن المقصود من قوله تعالى: ((فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ)) التهكم يصح إذا قلنا بأن الفتح بمعنى النصر.

لكن له معنىً آخر فسرت به الآية أيضاً، وهو: أن الفتح هو الحكم والفصل بين الخصمين والقضاء بينهما، فقوله:((إِنْ تَسْتَفْتِحُوا))، أي: أنتم طلبتم القضاء والحكم، ((فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ)) أي: حكمي وقضائي.

وقوله: ((وَإِنْ تَنتَهُوا))، يعني: إن تنتهوا وتتوبوا عن الكفر وعن عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم.

((فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)) في الدنيا وفي الآخرة.

((وَإِنْ تَعُودُوا)) لمحاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم ((نَعُدْ)) لنصره عليكم.

((وَلَنْ تُغْنِيَ))، أي: لن تدفع ((عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ)) بالنصر، وقرئ:(وإن الله مع المؤمنين) استئنافاً.

وجوز أن يكون الخطاب في قوله تعالى: ((إِنْ تَسْتَفْتِحُوا)) للمؤمنين، أي: إن تطلبوا الفتح، ((فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ))، فيكون هذا بشارة للمؤمنين بالنصر، والمعنى: إن تطلبوا النصر باستغاثتكم ربكم فقد حصل لكم ذلكم، فاشكروا ربكم، والزموا طاعته.

وقوله: ((وَإِنْ تَنتَهُوا)) يعني: عن المنازعة في أمر الأنفال -على أن الخطاب للمؤمنين- وعن طلب الفداء عن الأسرى الذي عوتبوا عليه بقوله تعالى: {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} [الأنفال:68].

فقوله تعالى: ((وَإِنْ تَنتَهُوا))، أي: عن مثله، ((فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا))، أي: إلى تلك المنازعات ((نعد)) عليكم بالإنكار، وتأييد العدو؛ لأن الوعد بنصرتكم مشروط بشرط استمراركم على الطاعة وترك المخالفة، ثم لا تنفعكم الفئة والكثرة إذا لم يكن الله معكم بالنصر، فإنه مع الكاملين في إيمانهم، وهذا الوجه قرره الرازي، ونقله عنه البيضاوي.

قال البيضاوي: ويؤكده الآية بعد؛ فإن المراد بها الأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، والنهي عن الإعراض عنه.

يعني: أن البيضاوي يرجح هذا التفسير الأخير، وهو أن الخطاب للمؤمنين.

((وَلَنْ تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ))، أي: الكاملي الإيمان الذين لا يخالفون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في هذه المنازعات.

ص: 9