المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير قوله تعالى: (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي) - تفسير القرآن الكريم - المقدم - جـ ٨٣

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌ هود [13 - 35]

- ‌تفسير قوله تعالى: (أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات)

- ‌من لطائف تحدي الكفار في الآيتين

- ‌تفسير قوله تعالى: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها)

- ‌تفسير قوله تعالى: (أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار)

- ‌شروط العمل الصالح المقبول

- ‌تفسير قوله تعالى: (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه)

- ‌علاقة ما مضى من الكتب السماوية بالقرآن

- ‌الفوائد المستنبطة من قوله تعالى: (أفمن كان على بينة)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً)

- ‌تفسير قوله تعالى: (الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً)

- ‌تفسير قوله تعالى: (أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض)

- ‌تفسير قوله تعالى: (أولئك الذين خسروا أنفسهم)

- ‌تفسير قوله تعالى: (مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع)

- ‌في قصص الأنبياء والصالحين تثبيت للصالحين

- ‌تفسير قوله تعالى: (أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم)

- ‌تفسير قوله تعالى: (فقال الملأ الذين كفروا من قومه)

- ‌نظرة الملأ للأنبياء وأتباعهم

- ‌بطلان حجج الملأ من قوم نوح وسخافتها

- ‌تفسير قوله تعالى: (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ويا قوم لا أسألكم عليه مالاً)

- ‌تفسير قوله تعالى: (ولا أقول لكم عندي خزائن الله)

- ‌تفسير قوله تعالى: (قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا)

- ‌تفسير قوله تعالى: (أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي)

الفصل: ‌تفسير قوله تعالى: (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي)

‌تفسير قوله تعالى: (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي)

{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} [هود:28].

((قال يا قوم)) أي: قال نوح: يا قوم ((أرأيتم)) أرأيت: اسم فعل أمر بمعنى أخبرني، أي: أخبروني.

((إن كنت على بينة من ربي)) إن كنت على برهان.

((وآتاني رحمة)) أي: منَّ الله سبحانه وتعالى عليَّ بأمر اختصني به، وهو أن ((آتاني)) منه ((رحمة)) أي: هداية خاصة كشفية تكشف لي الحقائق.

((من عنده)) أي: أن هذه الرحمة من عند الله فوق طور العقل، بل هي من العلوم اللدنية ومقام النبوة، قال تعالى:{وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلمًا} [الكهف:65] أي: علمناه من عندنا علماً وهو مقام النبوة؛ لأن النبوة لا تكتسب، بل هي هبة من الله لا يستطيع الإنسان أن يجتهد في العبادة والذكر حتى يصل إليها، {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص:68] فيصطفي الأنبياء ويختصهم دون من عاداهم بخاصية مقام النبوة وعلم النبوة.

((فعميت عليكم)) أي: لاحتجابكم بالظاهر عن الباطن، وبالخلقة عن الحقيقة.

((أنلزمكموها وأنتم لها كارهون)) أي: أنكرهكم على قبولها ونقصركم على الاقتداء بها وأنتم تكرهونها ولا تختارونها، مع أنه {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:256]؟ فالاستفهام هنا للإنكار أي: لا نقدر على أن نكرهكم على الإيمان، والذي في وسعنا هو دعوتكم إلى الله سبحانه وتعالى، لا أن نضطركم إليها، فإن شئتم تلقيها فزكوا أنفسكم واتركوا إنكاركم.

وفي طي جوابه عليه السلام حث على تدبرها ورد عن الإعراض عنها بأسلوب فائق في غاية الجدارة؛ لأن هذا الأسلوب الذي يتكلم به نوح عليه السلام فيه نوع من الاستفزاز الباطني؛ لأنه يصف ما آتاه الله سبحانه وتعالى بكونه بينة من ربه، تزكية للمنهج الذي هو عليه، فهو واثق من منهجه وعنده البرهان على صحته.

إذاً مع أنكم محجوبون عن تدبرها فلا نملك أن نقصركم على اتباع الحق، في هذا الذي يدعوهم إليه نوح عليه السلام إرشاد لهم إلى أن يزكوا أنفسهم، وأن يتخلوا عن المكابرة والإنكار والجحود والعناد، لينقادوا إلى هذا الحق.

وقريب من هذا أن بعض الناس كتب بعض الأوراق لدعوة غير المسلمين إلى الإسلام، يريد أن يضع شعاراً ليستفز غير المسلم لكي يبدأ في تدبر آيات الله سبحانه وتعالى ويعمل العقل، فكتب بالإنجليزية ما ترجمته: نحن بهذا الجهد فقط نبذر بذرة الهداية، ولعل الله سبحانه وتعالى القدير يجعلها تترعرع في قلب من يستحقها.

فهذا الأسلوب فيه نوع من الاستفزاز للمرء كي يعمل عقله في الوصول إلى هذا الحق.

ص: 20