المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير قوله تعالى: (حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور) - تفسير القرآن الكريم - المقدم - جـ ٨٤

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌ هود [36 - 49]

- ‌تفسير قوله تعالى: (حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وقال اركبوا فيها باسم الله مجراها ومرساها)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وهي تجري بهم في موج كالجبال)

- ‌تفسير قوله تعالى: (قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي)

- ‌جهات الإعجاز العلمي في قوله تعالى: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك)

- ‌الجهة الأولى: علم البيان في قوله تعالى: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك)

- ‌الجهة الثانية: علم المعاني في قوله تعالى: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك)

- ‌الجهة الثالثة: الفصاحة المعنوية في قوله تعالى: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك)

- ‌الجهة الرابعة: الفصاحة اللفظية في قوله تعالى: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك)

- ‌ذكر من ألف ذكر شيئاً في إعجاز الآية الكريمة

- ‌تفسير قوله تعالى: (ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي)

- ‌تفسير قوله تعالى: (قال يا نوح إنه ليس من أهلك)

- ‌تفسير قوله تعالى: (قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم)

- ‌تفسير قوله تعالى: (قيل يا نوح اهبط بسلام منا)

- ‌كلام العلماء في الطوفان الذي وقع لقوم نوح

- ‌تفسير قوله تعالى: (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك)

الفصل: ‌تفسير قوله تعالى: (حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور)

‌تفسير قوله تعالى: (حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور)

يقول الله تبارك وتعالى: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ * وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [هود:36 - 39].

ثم قال تبارك وتعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود:40]: ((حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا)) أي: حتى إذا جاء أمرنا بإهلاك قومه، وحتى هنا هي غاية لقوله تبارك وتعالى:((وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ))، أي: أنه كان مستمراً في صناعة الفلك، وما بينهما حال من الضمير فيه، يعني: ويصنع الفلك وحاله أنه كلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه إلى آخره، (ويصنع الفلك) حتى إذا جاء أمرنا.

و ((سَخِرُوا مِنْهُ)) جواب ((َكُلَّمَا)).

((وَفَارَ التَّنُّورُ)) أي: وجه الأرض أو كل مفجر ماء، أو محفل ماء الوادي، أو عين ماء معروفة، أو الكانون الذي يخبز فيه، أو تنوير الفجر، هذه أقوال حكاها اللغويون والمفسرون.

بعض المفسرين زادوا على ما ذكره اللغويون والمفسرون: أن هذا كناية عن اشتداد الأمر، كما يقال: حمي الوطيس، والوطيس: هو التنور، وهو من فصيح الكلام وبليغه.

يقول القاسمي: وعندي أنه أظهر الأوجه المذكورة وأرقها وأبدعها وأبلغها، وإن حاول الرازي رده.

فـ القاسمي يختار أن قوله: (وفار التنور) كناية عن اشتداد الأمر؛ فكأنه قيل: واشتد الأمر وقوي انهمار الماء ونبوعه من الأرض.

وهذا الإيجاز في قوله: (وفار التنور) في مجازه الرهيب قد بينته آيات آخر، والقرآن يفسر بعضه بعضاً، فمن هذه الآيات قوله تعالى:{فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر:11 - 12]، فكل هذه المعاني التي فصلت في هاتين الآيتين في سورة القمر قد ركزت وأجملت في قوله تعالى:((وَفَارَ التَّنُّورُ)).

ومما يؤيده شموله لشدة الأمر من السماء والأرض، فهذا الشمول يطابق هذه الآيات:((فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ)) من السماء ومن الأرض ((عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ)).

أما قول من قال: إن معنى قوله تعالى: (وفار التنور) أي: وجه الأرض، أو المكان الذي ينفجر منه الماء، أو محفل ماء الوادي، أو عين ماء معروفة، أو الكانون الذي يخبز فيه، كل هذه الأقوال إنما تشير فقط إلى الأرض ولا تعم السماء بخلاف قولنا إنه كناية عن شدة الأمر من السماء والأرض.

وجلي أن الأمر كان أعم، وأنه لم يقتصر على ما خرج من الأرض، وإنما التقى ماء السماء مع الماء الذي انفجر من الأرض.

((قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا)) أي: في السفينة.

((مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ)) أي: من كل صنف من البهائم والطيور وما يدب على وجه الأرض ((زَوْجَيْنِ اثنين)) ذكراً وأنثى.

وقال أبو البقاء: (كل) فيها قراءتان: القراءة الأولى: ((قلنا احمل فيها من كلِّ زوجين اثنين))، بالإضافة فيكون فيها وجهان: الأول: أن المفعول هو (اثنين) على أساس أن (من كل زوجين) حال.

الوجه الثاني: أن (من) زائدة، فالمفعول هو (كل)، فتكون كلمة (اثنين) توكيداً.

القراءة الثانية: ((قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين)) بالتنوين، فزوجين هنا مفعول للفعل (احمل) و (اثنين) توكيد له، و (من) متعلقة باحمل أو هي حال.

((وَأَهْلَكَ)) أي: من يتصل بك من أقاربك الذين هم موافقون لك في الدين والإيمان، وفي السيرة والهدي.

((إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ)) أي: إلا من وجب عليه القول، والمقصود بالقول هو الإغراق بسبب ظلمه، كما قال تعالى:((وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا)) فبين له أن ابنه كان من الذين ظلموا، فهو في الحقيقة ليس من أهله أي: ليس من أهل دينه.

((وَمَنْ آمَنَ)) أي: واحمل في السفينة من آمن معك، وإفراد الأهل منهم للاستثناء المذكور، وإيثار صيغة الإفراد في (آمن) محافظة على لفظ:(من) للإيذان بقلة المؤمنين، بدليل قوله بعدها مباشرة:((وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ)).

ص: 2