المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير قوله تعالى: (قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك) - تفسير القرآن الكريم - المقدم - جـ ٨٦

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌ يوسف [1 - 18]

- ‌تسمية السورة ومناسبتها لما قبلها

- ‌معنى اسم يوسف وحقيقته اللغوية وتعريبه

- ‌وقع سورة يوسف على اليهود وتأثيرها

- ‌تفسير قوله تعالى: (آلر تلك آيات الكتاب المبين)

- ‌تفسير قوله تعالى: (إنا أنزلناه قرآناً عربياً)

- ‌تفسير قوله تعالى: (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن)

- ‌تفسير قوله تعالى: (إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكباً)

- ‌تفسير قوله تعالى: (قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك)

- ‌حكم كتم الحق عند خوف الفتنة

- ‌تفسير قوله تعالى: (وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث)

- ‌أقوال المفسرين في كون الرؤيا سبباً في اصطفاء يوسف عليه السلام

- ‌فوائد من تحذير يعقوب ليوسف من إظهار رؤياه لإخوته

- ‌تفسير قوله تعالى: (لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين)

- ‌تفسير قوله تعالى: (إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة)

- ‌تفسير قوله تعالى: (اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً)

- ‌تفسير قوله تعالى: (قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجبِّ)

- ‌تفسير قوله تعالى: (قالوا يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف لحافظون)

- ‌تفسير قوله تعالى: (قال إني ليحزنني أن تذهبوا به لخاسرون)

- ‌تفسير قوله تعالى: (فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب)

- ‌تفسير قوله تعالى: (وجاءوا أباهم عشاء يبكون)

- ‌تفسير قوله تعالى: (قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا)

- ‌البكاء لا يدل على الصدق

- ‌أهمية الرياضة البدنية

- ‌تفسير قوله تعالى: (وجاءوا على قميصه بدم كذب)

الفصل: ‌تفسير قوله تعالى: (قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك)

‌تفسير قوله تعالى: (قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك)

قال تعالى: {قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يوسف:5].

((قال يا بني)) صغره لصغر سنه، وللشفقة عليه، ولعذوبة المصغر، فإن الصغير كما يكون أحياناً للتحقير يكون أحياناً للتمليح، فهنا المقصود به التعبير عن عذوبة اللفظ المصغر.

((فيكيدوا لك كيداً)) أي: فيفعلوا لهلاكك تحيلاً عظيماً متلفاً لك.

((إن الشيطان للإنسان عدو مبين)) أي: ظاهر العداوة، فلا يألو جهداً في إغواء إخوتك وحملهم على ما لا خير فيه.

قال القاشاني: هذا النهي من الإلهامات المجملة، فإنه قد يلوح صورة الغيب من المجردات الروحانية في الروح، ويصل أثره إلى القلب.

يعني: أن الله سبحانه وتعالى ربما يكون أوقع في قلب يعقوب عليه السلام ما يريده إخوته له، فيقع في النفس من ذلك خوف واحتراز إن كان مكروهاً، فهذا النوع من الإلهام يسمى: إنذارات، وإذا كان الإلهام مما يسر فيسمى بشارات.

فخاف يعقوب عليه السلام من وقوع ما سيقع قبل وقوعه، وهذا شيء مجرب، ويعبرون عن الإلهام أحياناً بالحاسة السادسة.

وهذا يحصل كثيراً ونسمع كثيراً من هذا للأمهات بالذات، لأن قلوب الأمهات رقيقة، فنسمع قصصاً كثيرة عن أمهات قالت في نفس الوقت الذي حصل فيه حادث للابن في مكان بعيد: إني أشعر بقلبي أن حادثاً حدث لابني، وهذا من الإلهام الذي يلقيه الله سبحانه وتعالى في قلب الإنسان، فكذلك ربما يكون ما وقع ليعقوب عليه السلام حينما قص عليه يوسف الرؤيا مثل هذا الخوف، فنهاه عن إخبارهم برؤياه؛ احترازاً واحتياطاً.

ويجوز أن يكون احترازه من جهة دلالة الرؤيا على شرفه وكرامته، وأن قدره سيزيد على قدر إخوته، فخاف من حسدهم عليه عند شعورهم بذلك.

وتعلمون أن من آداب الرؤيا: ألا تقص الرؤيا إلا على حبيب أو لبيب، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الحبيب لا يحسد، أما إذا قصصت الرؤيا على عدوك المناوئ لك فقد يحمله الحسد على أن يتعمد الإساءة في تعبيرها بشر؛ لأنها تقع على ما تعبر به.

أو (لبيب) أي: رجل عاقل له علم ودراية بالأصول وقواعد تفسير وتعبير الرؤى.

قال السيوطي في الإكليل: قال الكياالهراسي: هذا يدل على جواز ترك إظهار النعمة لمن يخشى منه حسد ومكروه.

قال ابن العربي: في حكم العادة أن الإخوة والقرابة يحسدون، أي: أن هذه الآية الكريمة فيها بيان لهذا الأمر الذي يقع عادةً بين الناس، وهو أن الإخوة والقرابة يتحاسدون، والسبب هو أن الحسد يكون أقوى إذا كان هناك قاسم مشترك أو وصف مشترك بين طرفين.

مثلاً: اثنان مشتركان في علم، أو مشتركان في مهنة، أو مشتركان في قرابة من نفس النسق، فغالباً ما يقع الحسد بينهما.

فلذلك يكثر الحسد في الأقارب إلا من عصم الله سبحانه وتعالى.

ثم يقول ابن العربي: وفيه أن يعقوب عرف تأويل الرؤيا ولم يبال بذلك، فهذا فيه إشارة إلى قاعدة مقررة ينطق بها كل الناس: وهي أن الشخص الوحيد الذي يحب لك أن تكون أفضل منه هو أبوك، لذلك يعقوب عليه السلام ما تأذى بذلك، بل فرح لعلو مقام ابنه يوسف عليه السلام كما تنبئ عنه هذه الرؤيا فلم يتأثر بذلك، بل خشي من حسد إخوته له.

أما الأخ فإنه لا يود ذلك لأخيه، بخلاف المؤمن فإنه لا يكره خيراً لأخيه؛ لأن المؤمن لا يؤمن حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه؛ لكن ربما يكون الكلام هنا فيما زاد على القدر المتساوي، وإلا فهذه درجة من الإيمان موجودة كما وجدت في المهاجرين والأنصار:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9] فهناك نماذج في التقوى من البشر لكنها قليلة، فتجد من يحب لأخيه من الخير مثل ما يحب لنفسه.

أما الأب فهو الذي يحب أن يكون ابنه أفضل منه وخيراً منه غالباً.

قال الحاكم: هذا يدل على أنه يجب في بعض الأوقات إخفاء فضيلة؛ تحرزاً من الحسود إذا عرف منه ذلك.

ص: 9