المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مقدمة الطبعة الثانية - تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن - المقدمة

[القرطبي]

الفصل: ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ط -

‌مقدمة الطبعة الثانية

(بسم الله الرحمن الرحيم)

مقدمة الطبعة الثانية

لعلنا في غير حاجة إلى تعريف القراء بهذا التفسير العظيم، بعد ان عرفوه في طبعته الاولى فأقبلوا عليه إقبالا منقطع النظير. إذ لم يكد يخرج منه جزء حتى تهافت عليه الجمهور، ممن عرفوا فضل القرطبي وعلمه وأدبه، ودقته في تأويل كتاب الله تعالى، وعرض اقوال الأئمة من جهابذة المحققين، وأولي البصر بكتاب الله من أعلام المجتهدين. ولقد رأى القراء حين طلع عليهم تفسير القرطبي مبلغ ما بذله مؤلفه من جهد كبير، وعناية فائقة، يدلان على عمقه في البحث، ومقدرته على فهم كتاب الله، وإلمامه بأصول علوم الشريعة وفروعها، من لغة وأدب وبلاغة. يتجلى كل أولئك في استنباطه الأحكام الشرعية من نصوص الآيات الكريمة، حتى ليكاد يستغني به القارئ عن دراسة كتب الفقه، ثم في استشهاده بكثير من النصوص الأدبية من لغة العرب شعرها ونثرها، مما يشهد له بطول البيع وسعة الأفق. وإن أخذ عليه شي فليس إلا هنات يسيرة، لا تنقص من مقداره، ولا تغض من قيمته، فقد ينبو الحسام، وقد يكبو الجواد. فمن ذلك أنه خالف أحيانا ما اشترطه على نفسه في مقدمة كتابه إذ يقول:"

وَأَضْرِبُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ قَصَصِ الْمُفَسِّرِينَ وَأَخْبَارِ الْمُؤَرِّخِينَ، إِلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَا غنى عنه للتبيين

"

ص: 3

- ي -

فليس مما لا بد منه أو لا غنى عنه ما ينقله عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ:" أَنَّ إِبْلِيسَ تَغَلْغَلَ إِلَى الْحُوتِ الَّذِي عَلَى ظَهْرِهِ الْأَرْضُ كُلُّهَا، فَأَلْقَى فِي قَلْبِهِ فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا عَلَى ظَهْرِكَ يَا لُوثِيَا «1» مِنَ الْأُمَمِ وَالشَّجَرِ وَالدَّوَابِّ وَالنَّاسِ وَالْجِبَالِ! لَوْ نَفَضْتَهُمْ أَلْقَيْتَهُمْ عَنْ ظَهْرِكَ أَجْمَعَ. قَالَ: فَهَمَّ لُوثِيَا بِفِعْلِ ذَلِكَ، فَبَعَثَ اللَّهُ دَابَّةً فَدَخَلَتْ فِي مَنْخَرِهِ، فَعَجَّ إِلَى الله منها فخرجت «2» .... ". وليس مما لا بد منه:" أَنَّ الْحَيَّةَ كَانَتْ خَادِمَ آدَمَ عليه السلام فِي الْجَنَّةِ فَخَانَتْهُ بِأَنْ مَكَّنَتْ عَدُوَّ اللَّهِ من نفسها وأظهرت له العداوة هناك، فلما هبطوا تأكدت العداوة وجعل رزقها التراب «3» ". وليس مما لا بد منه ما يرويه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:" سَأَلَتِ الْيَهُودُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الرَّعْدِ مَا هو؟ قال: ملك من الملائكة مَعَهُ مَخَارِيقُ مِنْ نَارٍ يَسُوقُ بِهَا السَّحَابَ حيث شاء الله «4» ". وليس مما لا بد منه ما ذكره عن كلب اصحاب الكهف والاختلاف في لونه وفي اسمه «5» . ولا ما يرويه عن الزهري في قوله تعالى" جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ": أَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام قَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ لَوْ رَأَيْتَ إِسْرَافِيلَ إِنَّ لَهُ لَاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ جَنَاحٍ، مِنْهَا جَنَاحٌ بِالْمَشْرِقِ، وَجَنَاحٌ بِالْمَغْرِبِ، وَإِنَّ الْعَرْشَ لَعَلَى كَاهِلِهِ، وَإِنَّهُ فِي الْأَحَايِينِ لَيَتَضَاءَلُ لِعَظَمَةِ اللَّهِ حَتَّى يَعُودَ مِثْلَ الوصع «6» .... ". ولا ما ذكره في قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ": أَنَّ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ «7» بَيْنَ أَظْلَافِهِنَّ وَرُكَبِهِنَّ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سماء، وفوق ظهورهن العرش «8» ".

(1). اسم الحوت.

(2)

. راجع ج 1 ص 257.

(3)

. ج 1 ص 313.

(4)

. ج 1 ص 327.

(5)

. راجع ج 10 ص 370.

(6)

. ج 14 ص 320 والوصع: عصفور صغير.

(7)

. الأوعال: جمع وعل، وهو التيس الجبلي.

(8)

. ج 18 ص 267.

ص: 4

- ك -

إلى غير ذلك من الأمثلة التي ترد في مناسبات مختلفة، جارى فيها من سبقه من المفسرين

الذين ينقلون عن الإسرائيليات ولا يتحرون الدقة في المعلومات الكونية، خصوصا في الكلام على خلق السموات والأرض، وتأويل الآيات التي تتعرض للظواهر الطبيعية، أو تشير إلى المسائل العلمية. وللمؤلف في ذلك كثير من العذر، لأنه- رحمه الله تابع فيه ثقافة عصره، وما تجري به ألسنة العلماء في ذلك الزمان. وقد رأت الدار- بعد أن تحققت حاجة الناس إلى هذا الكتاب، ورغبة الكثير من العلماء في الأقطار الإسلامية في ذيوعه- أن تقرر إعادة طبعها تعميما للفائدة. هذا وسيرى القارئ أننا حرصنا على أن تكون هذه الطبعة موافقة لسابقتها في أجزائها وصفحاتها وأرقامها، إلا في تفاوت يسير، يستطيع القارئ أن يدركه في الصفحة التالية أو السابقة. كما أننا نبهنا في هذه الطبعة إلى أمر لم يكن في سابقتها، فعند ما يذكر المؤلف عبارة:(على ما يأتي بيانه) نوضح ذلك في الهامش، مبينين موضعه من الكتاب حتى يسهل على القارئ متابعة الدراسة، وربط الكلام بعضه ببعض، دون جهد أو عناء. ولا يفوتني أن أنوه بفضل حضرات الزملاء الذين اشتركوا معي في تصحيح هذا الكتاب في طبعته الأولى بعد جزئه الرابع، وهم السادة: الشيخ إبراهيم أطفيش، والشيخ بشندي خلف الله، والشيخ محمد محمد حسنين. والله المسئول أن ينفع بهذا التفسير الجليل، وأن يجزي مؤلفه خير الجزاء، وأن يعين القائمين بنشر التراث الإسلامي من أمثال هذا الكتاب العظيم. وأن يوفق" الدار" في تأدية رسالتها حتى تنهض بهذا العبء الكبير، وتقدم للعالم أجمع خير تراث تركه الأقدمون. وصلي الله على سيدنا ومولانا محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين.

مصححه أحمد عبد العليم البردوني

16 من المحرم سنة 6 (1372 من أكتوبر سنة 1952).

ص: 5