المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌معنى قوله تعالى: (يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق) - تفسير المنتصر الكتاني - جـ ٢٦٩

[محمدالمنتصر الكتاني]

الفصل: ‌معنى قوله تعالى: (يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق)

‌معنى قوله تعالى: (يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق)

قال تعالى: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ} [الزمر:6] قص علينا سبحانه قصة آدم وكيف خلقه من تراب، وكيف نفخ فيه من روحه وكيف أسجد له ملائكته، ثم هنا أكد لنا كيف خلق زوجته وأنها خلقت منه، ثم كيف خلقنا نحن.

فقوله: {يَخْلُقُكُمْ} [الزمر:6] أي: خلقنا من مني كما خلق جميع الخلق من البشر سوى آدم وحواء.

قوله: (خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) أي: في أطوار، خلقنا نطفة ثم علقة ثم مضغة مخلقة وغير مخلقة، ثم خلق العظام ثم كساها اللحم، ثم نفخ فيها الروح ثم خرج الإنسان في هذا الوجود وليداً ضعيفاً.

واستمر الإنسان منتقلاً من طور إلى طور: الرضاع ثم الطفولة والتمييز، ثم الفتوة واليفوعة، ثم الشباب، ثم الكهولة، ثم الشيخوخة، ثم الموت.

فهو إلى قوة ثم إلى ضعف، أتى بنا من العدم وسننتهي بالعدم، وهو عدم مؤقت، إذ لا نسميه عدماً إلى الأبد، وإنما هي نقلة من دار إلى دار، فنحن كنا عدماً لا وجود لنا، وإن كنا في صلب أبينا آدم ولكننا لا ندري.

ولذلك نبينا عليه الصلاة والسلام عندما أسري به صعد السماء الأولى وقال له جبريل: هذا أبوك آدم، فسلم عليه النبي عليه الصلاة والسلام، فوجد أبانا آدم إذا التفت يميناً ضحك، وإذا التفت يساراً بكى، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام قال: ما هذا؟ قال: إذا التفت يميناً رأى ذريته وأولاده المنعمين في الجنة فسره ذلك وأضحكه، فإذا التفت يساراً رأى المعذبين من أولاده وسلالته في النار فساءه ذلك وبكى.

فنحن كنا في أصلاب آبائنا الأولين وأمرنا بعبادته سبحانه ونحن في أصلابهم، فقال: ألست بربكم؟ فأجاب الجميع: بلى.

قالها من سيكون مؤمناً ومن سيكون كافراً، قالها المؤمن عن رضاً وقالها الكافر عن كراهية، ولكنه قهر على أن يقول: بلى.

فقوله: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [الزمر:6] خلقنا في البطون، وآدم خلق من التراب، وحواء خلقت من ضلع آدم، وعيسى خلق من بطن أمه ولكن بلا أب.

قوله: {خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} [الزمر:6] أي: أطواراً من نطفة، إلى علقة، إلى مضغة، إلى إلى، إلى أن يكون الفرد منا بشراً سوياً في هذا الوجود ذكراً أو أنثى، شقياً أو سعيداً.

ما الرزق؟ ما الحياة؟ ما الأجل؟ كل ذلك يكون مسجلاً قبل خروج الجنين من رحم أمه.

قال تعالى: {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ} [الزمر:6] أي: ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة.

والمشيمة هي تلك الجلدة الرقيقة التي يكون فيها الجنين وهو في رحم أمه، فتلك ظلمات، وخرجنا من الظلمات إلى النور.

وكنا نجهل كل شيء ولا نعلم شيئاً.

ص: 5