الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير قوله تعالى: (واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم)
يقول الله جل جلاله لمن عاصر رسول الله من الأنصار والمهاجرين وغيرهم: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ} [الحجرات:7]، وهم يعلمون أن رسول الله فيهم، ولكن هذه الجملة قيلت تمهيداً لما سيأتي بعدها، وهو قوله تعالى:{لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} [الحجرات:7]، فيأتي الكثير من الأصحاب فيقول كل منهم: أَمِّر فلاناً، واعزل فلاناً، وقاتل فلاناً، وأعط فلاناً، وامنع فلاناً، وقد يستشيرهم وإذا بهم يشيرون بالكثير من الآراء المتضاربة.
وقد كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يستشير أصحابه؛ لقول الله له: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران:159]، وليست الاستشارة ملزمة، وقد يكثرون عليه من الإشارات: افعل كذا، اصنع كذا، وكان البعض ممن لا يعمل بمشورتهم ولا يقبل رأيهم يغضبون وينزعجون ويقولون: قبل رأي فلان ورفض رأي فلان، وفلان لا يزال شاباً صغيراً وهذا كان زعيماً في الجاهلية وكبير السن، فهو أعقل وأدرى وأعلم.
قوله تعالى: {لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} [الحجرات:7]، فلو أطاعهم رسول الله في كثير من إشاراتهم ومطالبهم لعنتوا، أي: لوجدوا مشقة وإثماً وعظيمة من العظائم، وذلك بما سيكون في اقتراحاتهم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم، والله جل جلاله يرعاه مهما أكثروا عليه من الإشارة، فلا يفعل إلا ما أوحي إليه به وألهمه الله عمله ورآه الحق والصواب:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4].
فقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} [الحجرات:7]، معناه أن الآراء والأوامر والإشارات لو أطاعكم فيها حسب رغبتكم لانقلب ذلك عليكم مشقة وإثماً وبلاءً ومحنة، وهو أعلم بما يصلحكم في دنياكم وأخراكم، إذ هو معصوم ومعه تأييد إلهي، فلا يليق أن تكثروا عليه ولا أن تقترحوا عليه، فإذا استشاركم فكلمة أو كلمتان، فإن قبل ذلك فذاك، وإلا فدعوا الأمر له مفوضين.