المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌توبة القاذف وأقوال أهل العلم في هذه المسألة - تفسير سورة النور - جـ ٣

[محمد بن محمد المختار الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌سلسلة تفسير سورة النور [3]

- ‌الأحكام الشرعية المستنبطة من هذه الآيات

- ‌سبب نزول الآية

- ‌معاني الرمي

- ‌الأقوال في معنى المحصنات والإحصان

- ‌أمور يجب مراعاتها عند الحكم على القاذف والمقذوف

- ‌أمور توجب الحد على القاذف

- ‌صور القذف

- ‌اللفظ غير الصريح

- ‌اختلاف العلماء في القذف بالتعريض

- ‌حكم القذف وما يترتب على فعله من الوعيد الشديد

- ‌الطعن في أعراض المسلمين

- ‌ما يجب على من رأى من يزني ولم يكن معه غيره وما يندب له

- ‌مواصفات الشهود

- ‌ضوابط يجب توافرها في المسلم حتى يكون عدلاً

- ‌العقوبات المترتبة على من قذف شخصاً ولم تكن عنده بينة

- ‌أقسام الذنوب كما بينها العلماء

- ‌توبة القاذف وأقوال أهل العلم في هذه المسألة

- ‌الخلاف في قبول شهادة القاذف بعد توبته

- ‌آيات اللعان والأحكام المستنطبة منها

- ‌بيان الحكمة من اللعان

- ‌فضل الله على عباده بقبول توبتهم ورحمته بهم

- ‌الأحكام المترتبة على تراجع أحد الزوجين في اليمين

- ‌حالتان تجيز للزوج أن يلاعن زوجته

- ‌صفة الملاعنة بين الزوجين والغرض منها

- ‌الحكمة من نزول هذه الآيات

- ‌أقوال العلماء في تقييد القذف بالرؤية وعدمه

- ‌سبب نزول الآيات

الفصل: ‌توبة القاذف وأقوال أهل العلم في هذه المسألة

‌توبة القاذف وأقوال أهل العلم في هذه المسألة

وأما قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:5] : بعد أن بين الله تبارك وتعالى حُكْم مَن وقع في هذه الكبيرة وهذا الذنب العظيم، فتح الباب للتائبين، ورغَّب في الرجوع إليه لعباده المنيبين، فقال سبحانه وهو أرحم الراحمين:(إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .

قوله: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا) : (إلَاّ) حرف استثناء، والاستثناء إخراج بعض ما يتناوله اللفظ، فأراد الله عز وجل بهذه الآية الكريمة أن يستثني شيئاً مما سبق ذكرُه مما ترتب على القذف من العقوبة، فقال سبحانه:(إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا) .

التوبة من القذف للعلماء فيها قولان: الأول: أن التائب من القذف لابد أن يعترف أنه كان كاذباً في القذف، وأن فلاناً ليس بزانٍ، وفلانة ليست بزانية، وأصحاب هذا القول هم الجمهور، يقولون: إن الذي يقذف غيره فيتهمه بالزنا لا يعتبر تائباً إلا إذا كذب نفسه، فقال: فلان الذي اتهمته بالزنا ليس بزان، ويرجع عن قوله وتهمته، هذا هو قول جمهور العلماء، يقولون: لو تاب وأناب وأصلح، وكان من خيار عباد الله، وبقي على التهمة بالقذف؛ فإنه لا يزال -والعياذ بالله- قاذفاً، وهذا القول هو مذهب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، ولذلك لما وقعت حادثة المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، وشهد عليه الشهود ورجع بعضهم، قال عمر لـ أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه: تب أقبل شهادتك، أي: ارجع عن قذفك للمغيرة حتى أقبل الشهادة منك، فهذا يدل على أن التوبة من القذف أن يكذب القاذف نفسه ويقول: فلان الذي اتهمته بالزنا ليس بزانٍ وفلانة التي اتهمتها بالزنا ليست بزانية.

القول الثاني: إن التائب من القذف لابد أن يُصْلِحَ حاله، وأن يستقيم في ظاهره وباطنه، ولا يشترط عند أصحاب هذا القول أن يكذِّب القاذف نفسه، بل قالوا: إنه إذا تاب وأناب ورجع إلى الطاعة واستمر وداوم عليها فإنه يعتبر تائباً منيباً إلى الله عز وجل يشمله الاستثناء في هذه الآية الكريمة، وهذا القول هو مذهب الإمام أبي عبد الله مالك بن أنس رحمه الله، يقول: إن التوبة بصلاح الحال.

وأصح القولين -والعلم عند الله-: أنه لا توبة للقاذف إلا إذا كذب لفظه، فقال: فلان الذي اتهمته بالزنا ليس بزانٍ، وفلانة التي اتهمتها بالزنا ليست بزانية، فإذا فعل ذلك كان تائباً وإلا فلا.

وقوله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ) أي من بعد قذفهم.

(وَأَصْلَحُوا) : أي أصلحوا بالقول الطيب فقالوا قولاً طيباً بعد أن قالوا القول الخبيث والفحش الذي لا يرضي الله.

ص: 18