المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بسم الله الرحمن الرحيم - إيثار الإنصاف في آثار الخلاف

[سبط ابن الجوزي]

الفصل: ‌بسم الله الرحمن الرحيم

‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

(وَبِه نستعين) وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه

الْحَمد لله الَّذِي أنعم على الْعلمَاء بالإسعاد والإسعاف وَمن عَلَيْهِم بالإتحاف والألطاف وشرفهم بالفضائل وَبهَا يحصل الشّرف والإشراف ذلت الموجودات لهيبته وأقرت عَن اعْتِرَاف وانقادت الأفئدة خاضعة لعظمته وَهِي فِي انقيادها تخَاف

أَحْمَده على ستر الْخَطَايَا والاقتراف وأصلي على رَسُوله مُحَمَّد مَا لبّى محرم وسعى ساع وَطَاف وعَلى آله وَصَحبه الْفُضَلَاء الْأَشْرَاف

وَبعد فَإِن جمَاعَة من إخْوَان الْفُقَهَاء كثر الله عَددهمْ ووفر مددهم كَانُوا يسألونني جمع أَحَادِيث التَّعْلِيق و (بَيَان) مَا صَحَّ مِنْهَا وَمَا لم يَصح لكل فريق وَكنت اقتنع من ذَلِك لشيئين

أَحدهمَا لِأَنِّي ذكرت جَمِيع الْأَحَادِيث المختصة بِالْأَحْكَامِ فِي كتابي الْمُسَمّى ب الْمُخْتَصر اللامع على شرح الْمُخْتَصر وَالْجَامِع

وَالثَّانِي ظَنِّي أَن مَا فِي الطّرق من ذَلِك يَكْفِي وَيحصل المُرَاد ويشفي فَلَمَّا نظرت فِي عَامَّة التَّعَالِيق رَأَيْت بضَاعَة أَكْثَرهم فِي هَذَا الْفَنّ مزجاة وَرُبمَا اعْتمد الْمُسْتَدلّ على حَدِيث وَلَا يدْرِي من رَوَاهُ وَكَيف يحسن بفقيه لَا يعرف صَحِيح حَدِيث الرَّسُول عَلَيْهِ

ص: 33

الصَّلَاة وَالسَّلَام من سقيمه وَلَا سالمه من سليمه وَكَثِيرًا مَا أسمع الْعَجَائِب فِي المناظرات فَمن قَائِل عَن الحَدِيث الصَّحِيح هَذَا لَا يعرف وَإِنَّمَا هُوَ لَا يعرفهُ ومحتج بالواهي ويظنه ثَابتا وَرُبمَا جَاءَ حَدِيث ضَعِيف يُخَالف مذْهبه (فيبين) وَجه الطعْن فِيهِ وَإِن كَانَ مُوَافقا سكت عَن ذَلِك سكُوت غير فَقِيه

فاستخرت الله تَعَالَى فِي إِجَابَة سُؤَالهمْ بتقرير مَذْهَبنَا وَمذهب الْمُخَالف وكشف الغوامض من دقائق الْأَحَادِيث الَّتِي يهتدى بِصِحَّتِهَا إِلَى المعارف وَمَتى ورد حَدِيث فِيهِ نظر بيّنت مَا جَاءَ فِي علته وأظهرت فَسَاده من صِحَّته وَلَا فرق بَين أَن يكون حجَّة لنا أَو يلْزمنَا الْخصم بِهِ إلزاما لِأَنِّي أعتقد العصبية فِي مثل هَذَا حَرَامًا ونادر (مُصَنف) منصف

وعزيت أَحَادِيث الْأَحْكَام إِلَى أَئِمَّة النَّقْل الْأَعْلَام

فلأحمد (حد) وللبخاري (خَ) وَلمُسلم (م) وَلأبي دَاوُد (د) وللترمذي (ت) وَلابْن مَاجَه (جه) وللنسائي (نس) وللدار قطني (ق)

وسميته إِيثَار الْإِنْصَاف فِي آثَار الْخلاف واقتصرت على أَحَادِيث الْمسَائِل الْمَشْهُورَة إِجَابَة لسؤالهم وتبليغا لآمالهم فَمن رام الْوُقُوف على بَاقِي الْمسَائِل وَإِدْرَاك بسط الْأَدِلَّة فَعَلَيهِ بطريقتنا الخلافية فَفِيهَا مقنع وَمَتى طلبنا التَّرْجِيح اقتبسناه من إِجْمَاع الصَّحَابَة وَإِلَى الله سُبْحَانَهُ الإناية

وَرُبمَا استدللنا فِي بعض الْمسَائِل بعمومات الْكتاب لعدم المنقولات فِي الْبَاب وَالله الْمُوفق للصَّوَاب

ص: 34

= كتاب الطَّهَارَة =

مَسْأَلَة الْخَارِج النَّجس من غير السَّبِيلَيْنِ ينْقض الْوضُوء عِنْد عُلَمَائِنَا وَهُوَ قَول الْعشْرَة المبشرين بِالْجنَّةِ وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَزيد بن ثَابت وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَأبي الدَّرْدَاء وثوبان وصدور التَّابِعين

وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله لاينقض وَفرق أَحْمد بَين الْقَلِيل وَالْكثير 2

لنا مَا رُوِيَ أَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش سَأَلت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَت إِنِّي أسْتَحَاض فَلَا أطهر أفأدع الصَّلَاة فَقَالَ لَا إِنَّمَا ذَلِك عرق وَلَيْسَ بالحيضة فَإِذا أَقبلت فدى الصَّلَاة وَإِذا أَدْبَرت فاغسلي عَنْك الدَّم وتوضئي لَك صَلَاة خَ 0 م 0 ت وَصلي وروى زيد بن عَليّ عَن أَبِيه عَن جده قَالَ قَالَ لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم القلس حدث 0 ق 0

وروى 8 ابْن أبي مليكَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عنهاقالت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا قاء أحدكُم فِي صلَاته أَو قلس فلينصرف وليتوضأ وليبن على مَا مضى من صلَاته مَا لم يتَكَلَّم 0 ق 0

ص: 35

وَفِي رِوَايَة أبي سعيد أَو أحدث 0 ق 0

وَفِي رِوَايَة ابْن عَبَّاس كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا رعف فِي صلَاته تَوَضَّأ ثمَّ بنى على صلَاته 0 ق 0

وروى تَمِيم الدَّارِيّ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ الْوضُوء من كل دم سَائل

وروى سلمَان قَالَ سَالَ من أنفي دم فَقَالَ لي النَّبِي صلى الله عليه وسلم أحدث لما حدث لَك وضُوءًا 0 ق 0

وروى أَبُو هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَيْسَ فِي القطرة وَلَا القطرتين من الدَّم وضوء وَإِلَّا أَن يكون سَائِلًا 0 ق 0

وروى معدان بن أبي طَلْحَة عَن أبي الدَّرْدَاء أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قاء فَتَوَضَّأ

(قَالَ معدان) فَلَقِيت ثَوْبَان فِي مَسْجِد دمشق فَذكرت لَهُ ذَلِك فَقَالَ صدق أَنا صببت لَهُ وضُوءًا حد

ص: 36

فَإِن قيل فِي إِسْنَاد حَدِيث زيد بن عَليّ سوار بن مُصعب قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إِنَّه مَتْرُوك

وَفِي حَدِيث ابْن أبي مليكَة اسماعيل بن عَيَّاش ضَعِيف ثمَّ هُوَ مُرْسل

وَفِي رِوَايَة أبي سعيد أَبُو بكر (الداهريء) قَالَ ابْن معِين لَيْسَ بِشَيْء

وَفِي إِسْنَاد حَدِيث ابْن عَبَّاس عمر بن ريَاح وَسليمَان بن أَرقم ضعفهما الدَّارَقُطْنِيّ

ص: 37

وَحَدِيث تَمِيم مُرْسل

وَحَدِيث سلمَان فِيهِ (عَمْرو) الْقرشِي ضعفه أَحْمد

وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة فِيهِ مُحَمَّد بن الْفضل وَهُوَ ضَعِيف

وَحَدِيث ثَوْبَان مُرْسل

فَالْجَوَاب أما حَدِيث زيد فقد رَوَاهُ عَن آبَائِهِ الطاهرين وَزيد غير مُتَّهم واضطراب سوار لَا يقْدَح فِي عَدَالَة زيد وَقد احْتج بِهِ أَبُو بكر الْخلال وَغَيره وَقد قيل إِن اضطرابه من حَيْثُ الْإِرْسَال وَذَلِكَ حجَّة عندنَا

وَأما ابْن عَيَّاش فقد وَثَّقَهُ يحيى بن معِين

ص: 38

وَأما حَدِيث ثَوْبَان فقد قَالَ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ هُوَ أصح شَيْء فِي هَذَا الْبَاب

وَأما مُحَمَّد بن الْفضل فَإِنَّمَا تكلم فِيهِ لِأَنَّهُ رَوَاهُ عَن أَبِيه عَن مَيْمُون بن مهْرَان عَن أبي هُرَيْرَة وَابْن الْمسيب بَين مَيْمُون وَأبي هُرَيْرَة وَلم يذكرهُ وَهَذِه صفة الْإِرْسَال

وَبَاقِي الْأَحَادِيث إِنَّمَا طعنوا فِيهَا من جِهَة الْإِرْسَال والمراسيل عندنَا حجَّة لما عرف من أصولنا

احْتَجُّوا بِأَحَادِيث مِنْهَا

مَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قاء فَغسل فَمه فَقيل لَهُ أَلا تتوضأ وضوءك للصَّلَاة فَقَالَ هَكَذَا الْوضُوء من الْقَيْء

وروى أَنه عليه الصلاة والسلام قَالَ لَا وضوء إِلَّا من حدث قيل وَمَا الْحَدث قَالَ الْخَارِج من السَّبِيلَيْنِ 0 (ت)

وروى أَبُو هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا وضوء إِلَّا من صَوت أَو ريح 0 ت 0

وروى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم احْتجم وَلم يتَوَضَّأ وَلم يزدْ على غسل محاجمه ق

وَفِي رِوَايَة ثَوْبَان فَسَكَبت لَهُ وضُوءًا قلت من هَذَا وضوء فَقَالَ لَو

ص: 39

كَانَ لوجدته فِي كتاب الله تَعَالَى 0 ق 0

وَعَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم خرج من غزَاة ذَات الرّقاع فَقَالَ من يكلؤنا فِي اللَّيْل فَقَالَ رجل من الْأَنْصَار وَرجل من الْمُهَاجِرين نَحن بِفَم الشّعب فَنَامَ الْأنْصَارِيّ وحرس الْمُهَاجِرِي فجَاء رجل من الْمُشْركين فَرَمَاهُ بِسَهْم فَنَزَعَهُ فَرَمَاهُ بآخر حَتَّى رَمَاه بِثَلَاثَة أسْهم فَلَمَّا خَافَ على نَفسه أيقظ صَاحبه فَلَمَّا رأى الدَّم يسيل مِنْهُ قَالَ هلا أيقظتني من الأول فَقَالَ كنت أتلو سُورَة فَوَقَعت فِي روضات دمثات وَلَوْلَا أَنِّي أَخَاف أَن أضيع ثغرا أَمرنِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه لما أيقظتك وَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَدَعَا لَهما 0 د 0

ص: 40

وَلم يَأْمُرهُ بِالْوضُوءِ وَلَا إِعَادَة الصَّلَاة

فَالْجَوَاب أما الحَدِيث الأول فَغَرِيب فَلَا يُعَارض الْمَشْهُور

وَأما الثَّانِي فَلَا يعرف أصلا

وَأما الثَّالِث فمتروك الظَّاهِر لِأَن الْوضُوء يجب من غير الصَّوْت وَالرِّيح بالِاتِّفَاقِ وَأما حَدِيث ثَوْبَان فَفِي إِسْنَاده عتبَة بن السكن قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ هُوَ مَتْرُوك

وَأما الرَّابِع فَيحْتَمل أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بِحَالهِ على الْفَوْر ثمَّ علم بعد ذَلِك فَأمره بِالْإِعَادَةِ بِغَيْر علم الرَّاوِي وَلَو وَقع التَّعَارُض طلبنا التَّرْجِيح وَذَلِكَ من وَجْهَيْن

أَحدهمَا إِجْمَاع الصَّحَابَة على مثل مَذْهَبنَا وَلَو كَانَت الْأَخْبَار غير ثَابِتَة لما أَجمعُوا

وَالثَّانِي أَن أخبارنا مثبة وأخبارهم نَافِيَة والمثبت مقدم

وَأحمد رحمه الله يفرق بَين الْقَلِيل وَالْكثير بِمَا روى ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم رخص فِي دم (الحبون) 0 ق 0 يَعْنِي الدماميل

قُلْنَا فِي إِسْنَاده بَقِيَّة قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ كَانَ يُدَلس إِلَّا أَنه قد أخرج عَنهُ مُسلم

ص: 41

فِي الصَّحِيح فَيحمل على الْقَلِيل إِذا لم يسل

مَسْأَلَة النِّيَّة لَيست بِشَرْط فِي الْوضُوء وَالْغسْل عندنَا

قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد رحمهم الله هِيَ شَرط

لنا مَا رُوِيَ أَن أم سَلمَة رضي الله عنها سَأَلت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَت يَا رَسُول الله إِنِّي امْرَأَة أَشد ضفر رَأْسِي أفأنقضه فِي الْجَنَابَة فَقَالَ لَا إِنَّمَا يَكْفِيك أَن تحثي على رَأسك ثَلَاث حثيات من مَاء فتطهرين م حد

وَفِي رِوَايَة أما أَنا فأحثي على رَأْسِي ثَلَاث حثيات من مَاء فَإِذا أَنا قد طهرت

وَلَو كَانَت النِّيَّة وَاجِبَة لذكرها

وَعلم النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْأَعرَابِي الْوضُوء وَلم يذكر لَهُ النِّيَّة خَ م مَعَ جَهله بِالْأَحْكَامِ

ص: 42

احْتَجُّوا بِأَحَادِيث مِنْهَا

مَا روى عمر رضي الله عنه أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَلكُل امرىء مَا نوى فَمن كَانَت هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله وَمن كَانَت هجرته إِلَى دنيا يُصِيبهَا أَو امْرَأَة يَتَزَوَّجهَا فَهجرَته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ خَ م

وروى أَبُو مَالك الْأَشْعَرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الطّهُور شطر الْإِيمَان وَالْحَمْد لله تملأ الْمِيزَان م

وَفِي رِوَايَة وَلَيْسَ لِلْمُؤمنِ من عمله إِلَّا مَا نَوَاه

وروى أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ لاصلاة لمن لَا وضوء لَهُ وَلَا وضوء لمن لم ينود وَهُوَ قَول ابْن عمر وَابْن مَسْعُود

ص: 43

وَالْجَوَاب أما الحَدِيث الأول فمتروك الظَّاهِر لِأَن الْعَمَل يُوجد من غير نِيَّة لما عرف ثمَّ هُوَ ورد على سَبَب فَكَانَ خطابا لرجل هَاجر لذَلِك السَّبَب وَكَذَا الثَّانِي لِأَن الْإِيمَان عبارَة عَن التَّصْدِيق وَالْوُضُوء لَيْسَ من التَّصْدِيق فِي شَيْء

وَأما الثَّالِث فَيحمل على الِاسْتِحْبَاب تَوْفِيقًا بَين الدَّلَائِل

مَسْأَلَة التَّرْتِيب لَيْسَ بِشَرْط فِي الْوضُوء عندنَا وَهُوَ قَول عَليّ وَابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَبِه قَالَ مَالك إِلَّا أَنه يشْتَرط الدَّلْك وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد رحمهمَا الله هُوَ شَرط

لنا مَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مسح رَأسه بِمَا فضل من وضوئِهِ

قلت وَالَّذِي روينَاهُ على غير هَذَا وَهُوَ مَا رَوَت الرّبيع بنت معوذ بن عفراء قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا فيكثر فَأَتَانَا فَوَضَعْنَا لَهُ الميضأة فَتَوَضَّأ فَغسل كفيه وتمضمض واستنشق وَغسل وَجهه وذراعيه وَمسح رَأسه بِمَا بَقِي من وضوئِهِ فِي يَدَيْهِ ثمَّ غسل رجلَيْهِ حد

وَقد احْتج الإِمَام الرضي فِي طَرِيقَته فَقَالَ روى أَبُو دَاوُد أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم تيَمّم فَبَدَأَ بذراعيه

قلت وَلم أَجِدهُ فِي سنَنه

ص: 44

احْتَجُّوا بِمَا روى خَلاد بن السَّائِب عَن أيه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا يقبل الله تَعَالَى صَلَاة امرىء حَتَّى يضع الطّهُور موَاضعه فَيغسل وَجهه ثمَّ ذِرَاعَيْهِ ثمَّ يمسح بِرَأْسِهِ ثمَّ يغسل رجلَيْهِ ق

وَهَذَا هُوَ التَّرْتِيب وَكَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يتَوَضَّأ مُرَتبا حد م وَقَالَ صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي

فَالْجَوَاب أما الحَدِيث الأول فقد ضعفه الرَّازِيّ فِي أَحْكَام الْقُرْآن وَلَو سلم

ص: 45

فكلمة ثمَّ تذكر بِمَعْنى الْوَاو كَقَوْلِه تَعَالَى {ثمَّ الله شَهِيد} {ثمَّ كَانَ من الَّذين آمنُوا}

وَأما مَا فعله عليه الصلاة والسلام فَيحمل على الِاسْتِحْبَاب لِئَلَّا ترد النُّصُوص الدَّالَّة على جَوَاز الطَّهَارَة بِغَيْر تَرْتِيب كَقَوْلِه تَعَالَى {وأنزلنا من السَّمَاء مَاء طهُورا} وَنَحْوه وَالْمَاء مطهر بطبعه فَلَا يتَوَقَّف على صنع العَبْد

مَسْأَلَة تجوز إِزَالَة النَّجَاسَة الْحَقِيقِيَّة بِغَيْر المَاء من الْمَائِعَات الطاهرات كالخل وَنَحْوه

وَقَالَ مُحَمَّد رحمه الله لَا تجوز وَهُوَ قَول زفر رحمه الله وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد رحمهم الله

لنا مَا روى عَليّ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا ولغَ الْكَلْب فِي إِنَاء أحدكُم فليغسله سبعا 0 خَ 0 م 0

وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ ثَلَاثًا أَمر بِالْغسْلِ مُطلقًا فتقييده بِالْمَاءِ يحْتَاج إِلَى دَلِيل وَكَذَا الْأَحَادِيث الْمُطلقَة فِي الْبَاب

ص: 46

وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت كُنَّا نقرض الدَّم على عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ نبله بالريق

وَالظَّاهِر أَنه صلى الله عليه وسلم علم بذلك

احْتَجُّوا بقوله عليه الصلاة والسلام لأسماء وَقد سَأَلته عَن دم الْحيض يُصِيب الثَّوْب حتيه ثمَّ اقرضيه ثمَّ اغسليه بِالْمَاءِ 0 خَ 0 م 0

أَمر بِالْغسْلِ بِالْمَاءِ فَلَمَّا لم يغسلهُ بِهِ لَا يخرج عَن الْعهْدَة

وثبث أَن صلى الله عليه وسلم نهى عَن قيل وَقَالَ وإضاعة المَال وَغسل هَذِه الْأَشْيَاء بالخل وَنَحْوه إِضَاعَة

فَالْجَوَاب أَنه لَيْسَ فِيهِ نفي الْغسْل بِغَيْر المَاء وَذكر المَاء إِنَّمَا كَانَ على الْأَعَمّ الْأَغْلَب كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلَا طَائِر يطير بجناحيه}

وَأما الحَدِيث الثَّانِي فإنفاق المَال لغَرَض صَحِيح يجوز فَإِن من الْآثَار مَا لَا يَزُول إِلَّا بالخل

مَسْأَلَة جُلُود الْميتَة تطهر بالدباغ عندنَا

ص: 47

وَقَالَ مَالك وَأحمد لَا تطهر

ووافقنا الشَّافِعِي رضي الله عنه إِلَّا فِي جلد الْكَلْب فَإِنَّهُ نجس الْعين عِنْده كالخنزير وَهُوَ رِوَايَة عَن أبي حنيفَة رحمه الله

لنا مَا روى ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مر بِشَاة لميمونة ميتَة فَقَالَ هلا انتفعتم بإهابها فَقَالُوا إِنَّهَا ميتَة فَقَالَ إِنَّمَا حرم من الْميتَة أكلهَا 0 خَ 0 م 0

وروى ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا دبغ الإهاب فقد طهر م وَهَذِه نُصُوص فِي مَحل النزاع

احتجا بِمَا روى عبد الله بن عكيم قَالَ أَتَانَا كتاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قبل مَوته كنت رخصت لكم فِي جُلُود الْميتَة فَإِذا أَتَاكُم كتابي هَذَا فَلَا تنتفعوا مِنْهَا بإهاب وَلَا عصب حد

وَقَوله كنت دَلِيل على نسخ مَا تقدمه

وَالْجَوَاب من وُجُوه

ص: 48

أَحدهَا أَنه كتاب لَا يعرف حامله

وَالثَّانِي أَن أَلْفَاظه مضطربه فَتَارَة يَقُول وَأَنا شَاب وَتارَة يَقُول وَأَنا صبي وَتارَة قبل مَوته بِشَهْر وَتارَة بشهرين

وَقد قَالَ ابْن الْمَدِينِيّ مَاتَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلابْن عكيم سنة وَإِنَّمَا يرويهِ عَن مشيخة من جُهَيْنَة

وَالثَّالِث أَن حديثنا فِي الصَّحِيحَيْنِ وحديثهما مُضْطَرب فَلَا يقاومه وَلَو سلم لم يكن فِيهِ دَلِيل على مَوضِع الْخلاف لِأَن الإهاب فِي اللُّغَة اسْم للجلد مَا لم يدبغ فَإِذا دبغ فَهُوَ أَدِيم

وَالشَّافِعِيّ رحمه الله يحْتَج بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم دَعَاهُ بعض الْأَنْصَار إِلَى دَار فَلم يجب وَدعَاهُ آخر فَأجَاب فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ كَانَ فِي الأولي كلب وَفِي الثَّانِيَة هرة وَإِنَّهَا لَيست نَجِسَة إِنَّهَا من الطوافين عَلَيْكُم أَو الطوافات وَهَذَا الْجَواب وَقع فِي معرض الْفرق تمهيدا لعذره صلى الله عليه وسلم

وَالْجَوَاب أَنه غَرِيب فَلَا يُعَارض الْمَشْهُور وَلَو اشْتهر لم يكن حجَّة لِأَنَّهُ لَا يدل بالمنطوق لِأَنَّهُ مسكوت عَنهُ وَلَا بِالْمَفْهُومِ لِأَنَّهُمَا عينان مُخْتَلِفَانِ وَيحْتَمل أَنه صلى الله عليه وسلم لم يجبهُ لِمَعْنى آخر لَا لماقال وَمَتى احْتمل بَطل الِاحْتِجَاج بِهِ

ص: 49

= كتاب الصَّلَاة =

مَسْأَلَة العَاصِي بِسَفَرِهِ يترخص برخص الْمُسَافِرين عندنَا وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ لَا يترخص وَاتَّفَقُوا على العَاصِي فِي سَفَره يترخص

لنا إِجْمَاع الصَّحَابَة فَإِن عمر وَابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَا صَلَاة الْمُسَافِر رَكْعَتَانِ على لِسَان نَبِيكُم وَقد خَابَ من افترى فَيجب الْعَمَل بِالْعُمُومِ

لَهما أَن الرُّخْصَة مُقَيّدَة بالاضطرار وَكَونه غير بَاغ وَلَا عَاد لقَوْله تَعَالَى {فَمن اضْطر غير بَاغ وَلَا عَاد فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} فَكَانَ الْمُسَافِر العَاصِي مَنْصُوصا عَلَيْهِ فِيمَا تمسكنا بِهِ ومسكوتا عَنهُ فِيمَا تمسكتم بِهِ وَالْمَنْصُوص عَلَيْهِ مقدم على الْمَسْكُوت عَنهُ

وَالْجَوَاب لَا خلاف أَن الْإِثْم مَرْفُوع عَن الْمُضْطَر غير الْبَاغِي العادي وَإِنَّمَا الْخلاف فِي الْبَاغِي العادي إِذا تحقق الِاضْطِرَار فِي حَقه وَالْآيَة ساكتة عَن حكمه

مَسْأَلَة تَارِك الصَّلَاة لَا يجب قَتله عندنَا وَيحبس ويستتاب وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يُسْتَتَاب فَإِن تَابَ وَإِلَّا قتل

لنا قَوْله عليه الصلاة والسلام لَا يحل دم امرىء مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث كفر

ص: 50

بعد إِيمَان وزنى بعد إِحْصَان وَقتل نفس بِغَيْر حق حد

وَلَفظ الصَّحِيحَيْنِ فِي رِوَايَة ابْن مَسْعُود لَا يحل دم امرىء مُسلم يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث الثّيّب الزَّانِي وَالنَّفس بِالنَّفسِ والتارك لدينِهِ المفارق للْجَمَاعَة

وَرِوَايَة الْمسند قَالَهَا عُثْمَان يَوْم الدَّار عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهَذَا لم يَأْتِ بِأحد هَذِه الْأَشْيَاء فَلَا يُبَاح دَمه

وَقَالَ عليه الصلاة والسلام أرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله الحَدِيث

فاقتضي عصمَة مَاله وَدَمه عملا بِعُمُومِهِ

فَإِن قيل ظَاهره مَتْرُوك فَإِنَّهُ لَو بغى أُبِيح دَمه

وَأما الحَدِيث الثَّانِي فَفِي سِيَاقه إِلَّا بِحَقِّهَا وَالصَّلَاة من حَقّهَا وبتركها زَالَت الْعِصْمَة

قُلْنَا الْبَغي أَيْضا مَحْمُول على (إصراره) أَو بدايته بِالْقِتَالِ وَلَا نسلم أَن بِتَرْكِهَا زَالَت الْعِصْمَة وَالْخلاف فِيهِ

ص: 51

احْتَجُّوا بقوله عليه الصلاة والسلام بَين العَبْد وَالْكفْر ترك الصَّلَاة م إِلَى غير ذَلِك من الْأَخْبَار المستفيضة وَحكم الْكفْر الْقَتْل

لنا الحَدِيث مَحْمُول على مَا إِذا تَركهَا اعتقادا وَلم يرهَا فرضا أَو يحمل على المتهاون بهَا فقاله عليه الصلاة والسلام مُبَالغَة فِي الزّجر كَمَا قَالَ شَارِب الْخمر عَابِد وثن

ص: 52

= كتاب الزَّكَاة =

مَسْأَلَة تجب الزَّكَاة فِي حلي النِّسَاء عندنَا وَهُوَ قَول عمر وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة رضي الله عنهم

وَقَالَ الشَّافِعِي رضي الله عنه لَا تجب وَعَن أَحْمد كالمذهبين لنا أَحَادِيث عَامَّة وخاصة فالعامة أَرْبَعَة مِنْهَا مَا روى أَبُو سعيد أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَيْسَ فِيمَا دون خمس أَوَاقٍ صَدَقَة م وَرُوِيَ عَن عَليّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هاتوا صَدَقَة الرقة ت قَالَ ابْن قُتَيْبَة الرقة الْفضة دَرَاهِم كَانَت أَو غَيرهَا

وروى عمر بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَيْسَ فِي أقل من عشْرين مِثْقَالا من الذَّهَب شَيْء وَلَا فِي أقل من مِائَتي دِرْهَم شَيْء ق وروى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لعَلي رضي الله عنه لَيْسَ عَلَيْك فِي الذَّهَب شَيْء حَتَّى

ص: 53

يبلغ عشْرين مِثْقَالا

نفى الْوُجُوب إِلَى غَايَة بُلُوغه عشْرين مِثْقَالا فَإِذا بلغ هَذَا الْقدر ثَبت الْوُجُوب وَكَذَا مَا ذكرنَا من الْأَحَادِيث

أما الْخَاصَّة فثمانية مِنْهَا

رُوِيَ عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ أَتَت النَّبِي صلى الله عليه وسلم امْرَأَتَانِ فِي أَيْدِيهِمَا أساور من ذهب فَقَالَ عليه الصلاة والسلام أتحبان أَن يسوركما الله يَوْم الْقِيَامَة أساور من نَار قَالَتَا لَا قَالَ فأديا حق الله فِيمَا فِي أيديكما حد

وَفِي رِوَايَة جَاءَت امْرَأَة وابنتها من أهل الْيمن إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَفِي يَدهَا مسكتان غليظتان من ذهب قَالَ هَل تعطين زَكَاة هَذَا قَالَت لَا قَالَ فيسرك أَن يسورك الله بسوارين من نَار قَالَ فخلعتهما وَقَالَت هما لله وَلِرَسُولِهِ ق

الحَدِيث الثَّانِي عَن أَسمَاء بنت يزِيد قَالَت دخلت أَنا وخالتي على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وعلينا أسورة من ذهب فَقَالَ لنا أتعطيان زَكَاته فَقُلْنَا لَا فَقَالَ أما تخافان أَن يسوركما الله تَعَالَى أسورة من نَار أديا زَكَاته حد

ص: 54

(الحَدِيث) الثَّالِث عَن أم سَلمَة أَنَّهَا كَانَت تلبس أَوْضَاحًا من ذهب فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن ذَلِك فَقَالَت أكنز هُوَ قَالَ إِذا أدّيت زَكَاته فَلَيْسَ بكنز ق

الرَّابِع عَن عَائِشَة قَالَ دخلت على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَرَأى فِي يَدي فتخات من ورق فَقَالَ مَا هَذَا يَا عَائِشَة فَقلت صنعتهن أتزين لَك بِهن قَالَ أتؤدين زكاتهن قلت لَا قَالَ هن حَسبك من النَّار ق

الْخَامِس عَن فَاطِمَة بنت قيس قَالَت أتيت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بطوق فِيهِ سَبْعُونَ مِثْقَالا من ذهب فَقلت يَا رَسُول الله خُذ مِنْهُ الْفَرِيضَة فَأخذ مِنْهُ مِثْقَالا وَثَلَاثَة أَربَاع مِثْقَال ق

السَّادِس عَن فَاطِمَة بنت قيس أَيْضا أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الْحلِيّ زَكَّاهُ ق

السَّابِع عَن ابْن مَسْعُود قَالَ قلت يارسول الله إِن لامرأتي جليا من عشْرين مِثْقَالا قَالَ فأد زَكَاته نصف مِثْقَال ق

ص: 55

الثَّامِن عَن ابْن مَسْعُود أَيْضا أَن امْرَأَة جَاءَت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَت إِن لي حليا وَإِن زَوجي خَفِيف ذَات الْيَد وَإِن لي بني أَخ أفيجزيني أَن أجعَل زَكَاة الْحلِيّ فيهم قَالَ نعم ق

فَإِن قيل أما حَدِيث عَليّ فَالْمُرَاد مِنْهُ الْمُسْتَخْرج من الْمَعْدن لَا مُطلق الذَّهَب وَأما الْأَحَادِيث الْخَاصَّة فَفِيهَا مقَال

أما الأول فَفِيهِ الْحجَّاج بن أَرْطَاة قَالَ أَحْمد كَانَ يرْوى عَمَّن لم يلقه وَفِي طَرِيق الْمَرْأَة الَّتِي جاءن من الْيمن الْمثنى بن الصَّباح ضعفه أَحْمد

وَأما الثَّانِي ففه شهر بن حَوْشَب ضعفه ابْن عدي

ص: 56

وَأما الثَّالِث فَفِيهِ مُحَمَّد بن مهَاجر ضَعِيف وَأما الرَّابِع فَفِيهِ مُحَمَّد بن عَطاء قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ هُوَ مَجْهُول أما الْخَامِس فَفِيهِ الْهُذلِيّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ اسْمه ابو بكر لم يَأْتِ بِهِ غَيره أما السَّادِس فَفِيهِ مَيْمُون قَالَ أَحْمد مَتْرُوك

ص: 57

وَأما السَّابِع فَفِيهِ يحيى بن أبي أنيسَة ضعفه أَحْمد قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالصَّوَاب أَنه مُرْسل مَوْقُوف وَأما الثَّامِن فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا إِنَّه مُرْسل مَوْقُوف وَلَو سلمت كَانَت الأول مجملة فافتقرت إِلَى الْبَيَان

الْجَواب أما حَدِيث عَليّ فَلَا يُمكن حمله على الْمَعْدن لِأَن الْوَظِيفَة فِيهِ الْخمس بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُور فَمن أوجب فِيهِ ربع الْعشْر فقد خَالف الحَدِيث

وَأما الْحجَّاج بن أَرْطَاة فمشهور بِصِحَّة الرِّوَايَة وَمَا ذكره أَحْمد عَنهُ فَهُوَ صفة الْإِرْسَال وَأما شهر بن حَوْشَب فقد وَثَّقَهُ أَحْمد وروى عَنهُ فِي غير مَوضِع وَأما بَاقِي الأجاديث فطريقة الْفُقَهَاء فِي قبُول الْأَحَادِيث غير طَريقَة الْمُحدثين والمراسيل عندنَا حجَّة وَالَّذِي يدل على أحاديثنا إِجْمَاع الصَّحَابَة على مثل مَذْهَبنَا وَلَو لم تكن ثَابِتَة لما ذَهَبُوا إِلَى ذَلِك احْتَجُّوا بِمَا روى جَابر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَيْسَ فِي الْحلِيّ زَكَاة

ص: 58

وَعَن ابْن عمر مَوْقُوفا وَمَرْفُوعًا زَكَاة الْحلِيّ إعارته وَكَذَا روى جَابر وَأنس وَعَائِشَة رضي الله عنهم وَالْجَوَاب أما الحَدِيث الأول فَعَنْهُ أجوبة أَحدهَا إِن فِي إِسْنَاده عَافِيَة بن أَيُّوب ضَعِيف وَالثَّانِي أَنه مَوْقُوف عَليّ جَابر وَالثَّالِث أَن التِّرْمِذِيّ قَالَ لَا يَصح فِي هَذَا الْبَاب شَيْء عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُشِير

ص: 59

إِلَى مَذْهَب الْخصم فَإِن ادعوا أَنه أَشَارَ إِلَى أَحَادِيث مَذْهَبنَا لم يَصح لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا للأحاديث الْعَامَّة لِأَنَّهُ لَا مطْعن فِيهَا وَالثَّانِي لإِجْمَاع الصَّحَابَة فَلم تبْق الْإِشَارَة إِلَّا إِلَى جانبهم وَلَو سلم حمل على الْجَوَاهِر لِأَنَّهَا حلي بِالنَّصِّ مَسْأَلَة لَا زَكَاة فِي مَال الضمار عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة وَقَالَ زفر فِيهِ الزَّكَاة وَهُوَ قَول الشَّافِعِي

وَتَفْسِير الضمار أَن يكون المَال قَائِما وينسد طَرِيق الْوُصُول إِلَيْهِ كَالْعَبْدِ الْآبِق والضال وَالْمَال السَّاقِط فِي الْبَحْر وَالَّذِي أَخذ مصادرة وَالدّين المجحود إِذا لم تكن لَهُ بَيِّنَة ثمَّ صَار بِأَن أقرّ عِنْد النَّاس والمدفون فِي الصَّحرَاء إِذا خفى على الْمَالِك مَكَانَهُ وَاتَّفَقُوا على انْعِقَادهَا فِي المدفون فِي الْبَيْت وَفِي المدفون فِي الْكَرم اخْتِلَاف الْمَشَايِخ لنا مَا روى أَبُو هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَيْسَ على الْمُسلم فِي عَبده وَلَا فِي فرسه صَدَقَة حد وَالْعَبْد الْآبِق من مَحل النزاع

ص: 60

وروى عَن عُثْمَان وَعلي وَابْن عمر رضي الله عنهم أَنهم قَالُوا لَا زَكَاة فِي مَال الضمار وَهُوَ مَأْخُوذ من الْبَعِير الضامر الَّذِي لَا ينْتَفع بِهِ لشدَّة هزاله وَقَالَ الرَّاعِي

وأنضاء أنخن إِلَى سعيد

طروقا ثمَّ عجلن ابتكارا

حمدن مزاره فأصبن مِنْهُ

عَطاء لم يكن عدَّة ضمارا

وَعَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه رد مَا وجده فِي بَيت المَال مِمَّا أَخذه بَنو أُميَّة من أَمْوَال الْمُسلمين على أَهله وَقَالَ لَا زَكَاة فِي مَال الضمار

احتجا بالعمومات الْوَارِدَة فِي الْبَاب مثل قَوْله عليه الصلاة والسلام فِي عشْرين مثقالامن الذَّهَب نصف مِثْقَال (وَفِي مِائَتي دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم) من غير فصل بَين الضمار وَغَيره

فَالْجَوَاب أَن النُّصُوص كلهَا مَخْصُوصَة بثبات البذلة والمهنة وَنَحْوهمَا فيخص

ص: 61

الْمُتَنَازع فِيهِ بِالْقِيَاسِ مَسْأَلَة كل دين لَهُ مطَالب من جِهَة الْعباد يمْنَع وجوب الزَّكَاة عندنَا وَهُوَ قَول أَحْمد وَقَالَ مَالك لَا يمْنَع وَعَن الشَّافِعِي كالمذهبين

وَاتَّفَقُوا على أَن الدُّيُون الَّتِي لَا مطَالب لَهَا من جِهَة الْعباد لَا تمنع الزَّكَاة كالنذور وَالْكَفَّارَات لنا مَا روى أَبُو نضر الْمَالِكِي عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا كَانَ للرجل ألف دِرْهَم وَعَلِيهِ ألف دِرْهَم فَلَا زَكَاة عَلَيْهِ وَهُوَ صَرِيح فِي مَحل النزاع

وروى الزُّهْرِيّ أَن عُثْمَان خطب فَقَالَ هَذَا شهر زَكَاتكُمْ فَمن كَانَ عَلَيْهِ دين فليقضه وزكوا بَقِيَّة أَمْوَالكُم بِمحضر من الضحابة من غير نَكِير فَكَانَ إِجْمَاعًا مِنْهُم على أَنه لَا زَكَاة فِي المَال المشغول بِالدّينِ

احْتَجُّوا بالخطابات الْوَارِدَة فِي الْبَاب لإِيجَاب الزَّكَاة من غير فصل بَين مَال وَمَال مثل قَوْله عليه الصلاة والسلام لِمعَاذ خُذْهَا من أغنيائهم وردهَا على فقرائهم خَ م ت

ص: 62

وروى أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا تحل الصَّدَقَة إِلَّا لخمسة غاز فِي سَبِيل الله تَعَالَى وَالْعَامِل عَلَيْهَا والغارم أَو رجل اشْترى بِمَالِه أَو مِسْكين تصدق عَلَيْهِ فأهدى لَغَنِيّ د ق اسْتثْنِي الْغَنِيّ

وَالْجَوَاب أَن الخطابات مُقَيّدَة أَو خصوصة فِي المَال الَّذِي يحْتَاج إِلَيْهِ حَاجَة أَصْلِيَّة وَمَال الْمَدْيُون كَذَلِك فَلم يكن غَنِيا فَلَا تتناوله الخطابات

مَسْأَلَة الْمُسْتَفَاد من جنس النّصاب يضم إِلَى مَا عِنْده من النّصاب فِي حكم الْحول وَهُوَ قَول مَالك وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ لَا يضم وَاتَّفَقُوا على الْأَوْلَاد والأرباح وعَلى خلاف الْجِنْس لنا قَوْله عليه الصلاة والسلام فِي مِائَتي دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم من غير فصل

وروى أَنه عليه الصلاة والسلام قَالَ إِن من السّنة شهرا تؤدون فِيهِ زَكَاة أَمْوَالكُم فَمَا حدث بعد ذَلِك فَلَا زَكَاة فِيهِ حَتَّى يَجِيء رَأس الشَّهْر ت بِمَعْنَاهُ وَقيل إِنَّه مَوْقُوف على عُثْمَان وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس

ص: 63

احْتَجُّوا بِمَا روى ابْن عمر وَأنس وَعَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا زَكَاة فِي مَال حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول ت وَهَذَا مَا لم يحل عَلَيْهِ الْحول وَالْجَوَاب أَنه لَا يَصح لِأَن فِي إِسْنَاد ابْن عمر عبد الرحمن بن زيد

ص: 64

ضعفه التِّرْمِذِيّ وَالْجَمَاعَة وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ الصَّحِيح أَنه عَن مَالك مَوْقُوف وَفِي إِسْنَاده (اسحق بن) إِبْرَاهِيم الحنيني لَيْسَ بمرضي قَالَ التِّرْمِذِيّ الْأَصَح أَن هَذَا الحَدِيث مَوْقُوف على ابْن عمر وَفِي إِسْنَاد أنس حسان بن سياه قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ ضَعِيف

وَفِي إِسْنَاد عَائِشَة (حَارِثَة) قَالَ أَحْمد (حَارِثَة) لَيْسَ بِشَيْء وَقَالَ يحيى لَيْسَ بِثِقَة وَلَو سلم فَهُوَ ناف وَمَا روينَا مُثبت لِأَن معنى الضَّم أَن تجب الزَّكَاة فِيهِ عِنْد تَمام الْحول وَعند الْخُصُوم يعْتَبر للْوُجُوب حول كَامِل

ص: 65

مَسْأَلَة أَثمَان الْإِبِل المزكاة لَا تضم إِلَى مَا عِنْده من النّصاب فِي حكم الْحول عِنْد أبي حنيفَة رحمه الله وَقَالا يضم وَصورته إِذا كَانَ لَهُ خمس من الْإِبِل وَمِائَتَا دِرْهَم فتم حول الْإِبِل فزكاها ثمَّ بَاعهَا بِدَرَاهِم لَا تضم إِلَى الْمِائَتَيْنِ بل يُرَاعى لَهَا حول على حِدة عِنْده وَعِنْدَهُمَا يزكّى الْجَمِيع عِنْد عَام حول الدَّرَاهِم لَهُ مَا روى أَنه عليه الصلاة والسلام قَالَ لَا ثنى فِي الصَّدَقَة حد وَقَوله عليه الصلاة والسلام إِن الله حرم عَلَيْكُم الرِّبَا أفيأخذه مِنْكُم

وَلَهُمَا مَا رُوِيَ أَن النَّبِي عليه الصلاة والسلام قَالَ إِن من السّنة شهرا تؤدون فِيهِ زَكَاة أَمْوَالكُم فَمَا حدث بعد ذَلِك فَلَا زَكَاة فِيهِ حَتَّى يَجِيء رَأس ذَلِك الشَّهْر من غير فصل بَينهمَا إِذا كَانَت السّنة حائلة على جَمِيعهَا أَو على بَعْضهَا

وَالْجَوَاب أَنه لَا يَصح مَرْفُوعا وَإِنَّمَا رَوَاهُ الزُّهْرِيّ مَوْقُوفا على عُثْمَان وَلَو سلم فقد خص عَنهُ المستفادات الْمُخْتَلفَة (بالحول)

ص: 66

مَسْأَلَة من عَلَيْهِ الزَّكَاة إِذا فرط فِي أَدَاء الزَّكَاة حَتَّى هلك النّصاب سَقَطت عَنهُ الزَّكَاة وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا تسْقط وعَلى هَذَا الْعشْر وَالْخَرَاج لنا قَوْله عليه الصلاة والسلام فِي كل أَرْبَعِينَ شَاة شَاة وَفِي مِائَتي دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم وَفِي للظريفة وَلم تبْق فَلَو كلفناه بِالْأَدَاءِ لَكَانَ تَكْلِيف الْعَاجِز وَإنَّهُ لَا يجوز

احْتَجُّوا بالعمومات الْوَارِدَة فِي الْبَاب إِلَّا أَن الْمحل قد فَاتَ وَله ولَايَة الدّفع إِلَى من يخْتَار فالتأخير لم يفوت على الْفَقِير حَقًا

مَسْأَلَة يجوز دفع الْقيم فِي الزَّكَاة وَهُوَ قَول عمر وَابْن عمر وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز وَعَن أَحْمد كالمذهبين وعَلى هَذَا الْخلاف الْعشْر وَالْخَرَاج وَصدقَة الْفطر وَالنُّذُور وَالْكَفَّارَات

ص: 67

لنا مَا روى الصنَابحِي أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم خرج يَوْمًا إِلَى إبل الصَّدَقَة فَرَأى فِيهَا نَاقَة كوماء فَغَضب فَقَالَ ألم أنهاكم عَن كرائم أَمْوَال النَّاس فَقَالَ ارتجعتها ببعيرين فَسكت حد

قَالَ أَبُو عبيد الارتجاع أَن يَأْخُذ سنا مَكَان سِنِين وَتلك تسمى رَجْعَة بِكَسْر الرَّاء وَمَعْنَاهُ إِذا وَجب على رب المَال أَسْنَان من الْإِبِل فَأخذ الْمُصدق مَكَانهَا أسنانا فَوْقهَا أَو دونهَا فَتلك رَجْعَة لِأَنَّهُ ارتجعها من الَّتِي وَجَبت على رَبهَا وَهَذَا عين الْبَدَل وَالنَّبِيّ عليه الصلاة والسلام أقره على ذَلِك

ص: 68

وروى طَاوس أَن معَاذًا قَالَ لأهل الْيمن ائْتُونِي بِكُل خَمِيس أَو لبيس آخذه مِنْكُم مَكَان الذّرة وَالشعِير فَإِنَّهُ أَهْون عَلَيْكُم وأنفع لمن بِالْمَدِينَةِ من الْمُهَاجِرين ق وَلم يخف فعله على النَّبِي عليه الصلاة والسلام وَلَا على الصَّحَابَة

وروى مَسْرُوق عَن معَاذ قَالَ بَعثه النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَى الْيمن فَأمره أَن يَأْخُذ من كل ثَلَاثِينَ بقرة تبيعا أَو تبيعة وَمن كل أَرْبَعِينَ مُسِنَّة وَمن كل حالم دِينَارا أَو عدله معافر حد

وروى البُخَارِيّ أَن أَبَا بكر رضي الله عنه كتب كتاب الصَّدقَات إِلَى أنس وَكَانَ اسْتَخْلَفَهُ على الْبَحْرين هَذِه فَرِيضَة الصَّدَقَة الَّتِي فرض رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على الْمُسلمين إِلَى أَن قَالَ فِي سِيَاقه وَمن بلغت صدقته الْجَذعَة وَلَيْسَ عِنْده جَذَعَة

ص: 69

وَعِنْده حقة فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ الحقة وَيجْعَل مَعهَا شَاتين إِن استيسرتا لَهُ أَو عشْرين درهما وَمن بلغت صدقته الحقة وَلَيْسَت عِنْده الحقة وَعِنْده الْجَذعَة فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ الجزعة وَيُعْطِيه الْمُصدق عشْرين درهما أَو شَاتين وَهَذَا دَلِيل على التعادل فِي الْقيمَة فَإِن قيل حَدِيث النَّاقة مُرْسل لِأَن طاوسا لم يلق معَاذًا وَلَعَلَّ السَّاعِي اشْتَرَاهَا ببعيرين بعد أَن قبضهما

وروى عَن أبي عبيد أَن الارتجاع أَن يقدم الرجل الْمصر بإبله فيبيعها وَيَشْتَرِي بِثمنِهَا مثلهَا أَو غَيرهَا وَحَدِيث معَاذ مُرْسل أَيْضا

أَو يحمل على الْجِزْيَة لِأَن مَذْهَب معَاذ لَا يرى نقل الزَّكَاة من بلد إِلَى بلد فسماها صَدَقَة مجَازًا قُلْنَا الْمُرْسل حجَّة عندنَا

ص: 70

وَلَو فسر الارتجاع بِمَا قَالُوا لَكَانَ على خلاف تَفْسِير أهل اللُّغَة فَكَانَ تعطيلا لَا تَأْوِيلا والساعي لَا يملك التَّصَرُّف على الْوَجْه الَّذِي قَالُوا وَلَا يَصح حمل حَدِيث معَاذ على الْجِزْيَة فَإِنَّهُ صَرِيح فَلَا يُعَارضهُ الِاحْتِمَال

احْتَجُّوا بقوله عليه الصلاة والسلام وَفِي خمس وَعشْرين بنت مَخَاض خَ نَص على بنت مَخَاض فَلَا يجوز الْعُدُول إِلَى الْقيَاس مَعَ تَقْدِير الشَّرْع

وَرُوِيَ أَنه عليه الصلاة والسلام قَالَ لِمعَاذ لما بَعثه إِلَى الْيمن خُذ الْحبّ من الْحبّ وَالشَّاة من الْغنم وَالْبَعِير من الْإِبِل وَالْبَقَرَة من الْبَقر ق

الْجَواب أما الحَدِيث الأول ف فِي للظرفية وَقد لَا يكون فِي خمس وَعشْرين بنت مَخَاض فيتقدر بمالية بنت مَخَاض

وَأما حَدِيث معَاذ فَظَاهره مَتْرُوك فَإِنَّهُ تُؤْخَذ الشَّاة من الْإِبِل فَكَانَ المُرَاد مِنْهُ الْأَوْلَوِيَّة

ومعاذ بعث إِلَى سكان المفاوز غَالِبا وهم كَانُوا أهل الْمَوَاشِي فَكَأَنَّهُ أمره أَن يَأْخُذ مِمَّن أَخذ الْإِبِل وَنَحْوهَا (أيسروا) أسهل عَلَيْهِ

ص: 71

مَسْأَلَة لَا تجب الزَّكَاة فِي مَال الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَحكى عَن الْحسن الْبَصْرِيّ إِجْمَاع الصَّحَابَة على مثل مَذْهَبنَا وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ تجب لنا مَا روى أَبُو عبيد أَن النَّبِي عليه الصلاة والسلام كتب كتابا الى الْبَحْرين إِلَى الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ أما الْعِبَادَة فالصيام وَالْقِيَام وَالصَّدَََقَة النَّافِلَة بعد الزَّكَاة سَمَّاهَا عبَادَة وَالصَّبِيّ وَالْمَجْنُون ليسَا من أهل الْعِبَادَة

وروت عَائِشَة رضي الله عنه قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة عَن الصَّبِي حَتَّى يَحْتَلِم وَعَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يعقل (حد)

احْتَجُّوا بِمَا روى عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم خطب فَقَالَ ابْتَغوا فِي أَمْوَال الْيَتَامَى خيرا لِئَلَّا تأكلها الزَّكَاة ق وَفِي رِوَايَة عَمْرو أَيْضا لِئَلَّا تأكلها الصَّدَقَة وَفِي رِوَايَة عَمْرو أَيْضا وَمن ولي يَتِيما لَهُ مَال فليتجر لَهُ وَلَا يتْركهُ حَتَّى تَأْكُله الصَّدَقَة

ص: 72

وروى عَمْرو أَيْضا عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي عليه الصلاة والسلام قَالَ فِي مَال الْيَتِيم زَكَاة ق

وَالْجَوَاب أما الرِّوَايَة الأولى فَفِيهَا مُحَمَّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِي ضعفه الدَّارَقُطْنِيّ وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة المثني بن الصَّباح قَالَ أَحْمد لَا يُسَاوِي شَيْئا وَأما الرِّوَايَة الثَّالِثَة فَفِيهَا منْدَل قَالَ ابْن حبَان كَانَ يرفع الْمَرَاسِيل ويسند الْمَوْقُوفَات من سوء حفظه فَلَمَّا فحش ذَلِك مِنْهُ اسْتحق التّرْك وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ الْأَصَح أَنه من كَلَام عَمْرو وَأما الرِّوَايَة الرَّابِعَة فَفِي إسنادها من ذكرنَا من الضُّعَفَاء

على أَن أَحَادِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده لَا تصح عِنْد الحذاق من أهل الصَّنْعَة

ص: 73

قَالَ أَبُو حَاتِم الْحَافِظ لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِأَحَادِيث عَمْرو لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو من أَن تكون مُرْسلَة أَو مُنْقَطِعَة لِأَن عَمْرو بن شُعَيْب بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ فَإِذا روى عَن أَبِيه عَن جده وَأَرَادَ بجده مُحَمَّدًا فمحمد لَا صُحْبَة لَهُ وَإِن أَرَادَ عبد الله فأبوه شُعَيْب لم يلق عبد الله فَلم يبْق إِلَّا مُنْقَطِعًا والمنقطع لَيْسَ بِحجَّة

فَإِن قَالُوا قد كَانَ يحيى بن معِين يكْتب حَدِيث المثني والعرزمي روى عَنهُ سُفْيَان

قُلْنَا قَالَ يحيى بن سعيد إِن المثني اخْتَلَط وَالْجرْح مقدم ثمَّ مَدَاره على عَائِشَة وَالأَصَح من مذهبها مثل قَوْلنَا وَذَلِكَ يُوجب وَهنا فِي الرِّوَايَة والعرزمي

ص: 74

ضَعِيف باتفاقهم وَلَو سلمت كَانَت أَخْبَار آحَاد وَردت فِيمَا (تعم) بِهِ الْبلوى

وَالْمَسْأَلَة مُخْتَلف فِيهَا بَين الصَّحَابَة وَلَو كَانَت ثَابِتَة لما اخْتلفُوا وَلَو سلمت حملت على النَّفَقَة لِأَن اسْم الصَّدَقَة ينْطَلق عَلَيْهَا قَالَ عليه الصلاة والسلام نَفَقَة الرجل على نَفسه وَعِيَاله صَدَقَة

وَفِيه أَيْضا دَلِيل عَلَيْهِ فَإِنَّهُ أضَاف الْأكل إِلَى جَمِيع المَال وَالنَّفقَة هِيَ الَّتِي تَأْكُله لَا الزَّكَاة أَو يحمل قَوْله فيلزك مَاله أَي يتَصَرَّف فِيهِ لينمو لِأَن التَّزْكِيَة هِيَ التنمية وَالله أعلم

ص: 75

= كتاب الصَّوْم =

مَسْأَلَة يَصح صَوْم رَمَضَان من الصَّحِيح الْمُقِيم (فِي الْمصر) بِمُطلق النِّيَّة وبنية النَّفْل وبنية وَاجِب آخر

وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ لَا يَصح

لنا قَوْله صلى الله عليه وسلم الصَّوْم لي وَأَنا أجزي بِهِ خَ م فَدلَّ على أَن جملَة الصّيام يَقع لله تَعَالَى

احْتَجُّوا بِمَا روينَا من قَوْله عليه الصلاة والسلام وَلكُل امرىءما نوى وَهَذَا لم ينْو الْفَرْض وَلَا غَيره فَيكون عابثا

وَالْجَوَاب أَنه نوى عبَادَة الصَّوْم (فِي هذااليوم) فَحصل لَهُ ذَلِك

مَسْأَلَة إِذا صَامَ رَمَضَان بنية قبل انتصاف النَّهَار جَازَ وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ لَا يجوز

وَاتَّفَقُوا على أَن صَوْم النَّفْل يتَأَدَّى بنيته قبل الزَّوَال وَإِن كَانَ صوما مَا لم ينْعَقد بعد الزَّوَال

وَعند مَالك لَا يَصح التَّطَوُّع إِلَّا بنية من اللَّيْل

ص: 76

لنا مَا روى سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ أَمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم رجلا من أسلم أَن أذن فِي النَّاس من كَانَ أكل فليصم بَقِيَّة يَوْمه وَمن لم يكن أكل فليصم فَإِن الْيَوْم يَوْم عَاشُورَاء خَ م فَدلَّ على جَوَاز الصَّوْم فِي أثنار النَّهَار

فَإِن قيل كَانَ ذَلِك الصَّوْم نفلا وَلَا كَلَام فِيهِ إِنَّمَا الْكَلَام فِي الْفَرْض وَإِنَّمَا كَانُوا يَصُومُونَ عَاشُورَاء بطرِيق الشُّكْر وَالصَّوْم على هَذَا الْوَجْه لَا يكون فرضا

وَلما خطب مُعَاوِيَة بِالْمَدِينَةِ قَالَ يَا أهل الْمَدِينَة أَيْن عُلَمَاؤُكُمْ سَمِعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول هَذَا يَوْم عَاشُورَاء وَلم يفْرض علينا صِيَامه فَمن شَاءَ مِنْكُم أَن يَصُوم فليصم فَإِنِّي صَائِم فصَام النَّاس حد فَالْجَوَاب قد ثَبت أَن صَوْم عَاشُورَاء كَانَ هُوَ الْفَرْض وَإِنَّمَا نسخ برمضان

وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنه ص فصل بَين من أكل وَبَين من لم يَأْكُل فأمربالصيام من لم يَأْكُل وبالتشبه من أكل

والتشبه إِنَّمَا يكون فِي الْفَرْض دون النَّفْل ثمَّ هُوَ أَمر وَمُقْتَضَاهُ الْوُجُوب وصومه

ص: 77

بطرِيق الشُّكْر لَا يَنْفِي الْوُجُوب قِيَاسا على سَائِر الْعِبَادَات فَإِنَّهَا وَجَبت شكرا لله تَعَالَى

وَمَا رُوِيَ عَن مُعَاوِيَة لَا حجَّة فِيهِ لِاتِّفَاق الْعلمَاء على نسخه بِشَهْر رَمَضَان ثمَّ هُوَ ناف وحديثنا مُثبت فَيقدم

احْتَجُّوا بِمَا رَوَت عَائِشَة رَضِي الله عنهاأن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من لم يبيت الصّيام قبل طُلُوع الْفجْر فَلَا صِيَام لَهُ ق وروت حَفْصَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ من لم يجمع الصّيام من اللَّيْل فَلَا صِيَام لَهُ ق

وروت ميمونه بنت سعد قَالَت سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من أجمع الصَّوْم من اللَّيْل فليصم وَمن أصبح وَلم يجمعه فَلَا يصم ق وَفِي رِوَايَة من لم يبيت وَفِي رِوَايَة أُخْرَى من لم يعزم

ص: 78

وكل هَذِه الرِّوَايَات تدل على اشْتِرَاط التبييت والتقديم وَالْجَوَاب أما حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها فَيحمل على نفي الْكَمَال وَقد خص مِنْهُ صَوْم النَّفْل وَأما حَدِيث حَفْصَة فموقوف عَلَيْهَا وَأما حَدِيث مَيْمُونَة فَفِيهِ الْوَاقِدِيّ اتَّفقُوا على تَضْعِيفه وَلَو سلما حملا على مَا قُلْنَا تَوْفِيقًا بَين الدَّلَائِل

وَقد احْتج أَصْحَابنَا بِمَا روى أَن أَعْرَابِيًا شهد عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَان بعد طُلُوع الشَّمْس بِرُؤْيَة الْهلَال فَأمر مناديه أَن يُنَادي من أكل فليمسك وَمن لم يَأْكُل فليصم

قلت وَهَذَا اللَّفْظ لَا يعرف وَإِنَّمَا الْمَشْهُور الَّذِي رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَن أَعْرَابِيًا

ص: 79

شهد عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَيْلَة رَمَضَان بِرُؤْيَة الْهلَال وذكرالحديث مَسْأَلَة إِذا نذر صَوْم يَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق صَحَّ نَذره

وَقَالَ زفر لَا يَصح وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَرِوَايَة ابْن الْمُبَارك عَن أبي حنيفَة رحمه الله وَالْأولَى أَن يَصُوم يَوْمًا آخر مَكَانَهُ وَلَو صَامَ فِي هَذَا خرج عَن عُهْدَة النّذر خلافًا لَهُم وَلَا يلْزمه الْمُضِيّ بِالشُّرُوعِ وَلَا الْقَضَاء بالإفساد عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله وَعند أبي يُوسُف رحمه الله يلْزمه الْمُضِيّ وَالْقَضَاء لنا مَا روى عمر وَأَبُو سعيد وَأَبُو هُرَيْرَة رضي الله عنهم أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نهى عَن صِيَام يَوْمَيْنِ يَوْم الْفطر وَيَوْم النَّحْر خَ م

ص: 80

وروى عَليّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن هَذِه أَيَّام أكل وَشرب قُم فَأذن عني لَا صَوْم فِيهَا حد

وَالنَّهْي يَقْتَضِي تصور المنهى عَنهُ لِأَنَّهُ عَمَّا لَا يتَصَوَّر لَغْو لِأَنَّك لَا تَقول (للأكمه) لَا تنظر وَلَا للأعمى لَا تبصر فَكَانَ الْمنْهِي عَنهُ غير الصَّوْم

وروت عَائِشَة رضي الله عنها أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من صَامَ ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْر الثَّالِث عشر وَالرَّابِع عشر وَالْخَامِس عشر خَ م فقد تنَاول آخر أَيَّام التَّشْرِيق وَفِي رِوَايَة لم يكن النَّبِي عليه الصلاة والسلام يُبَالِي من أَي الشَّهْر يَصُوم خَ م احْتَجُّوا بِهَذِهِ الْأَحَادِيث وَوجه الْحجَّة أَنَّهَا صَرِيحَة فِي النَّهْي وَذَلِكَ دَلِيل الْحُرْمَة وَكَذَا أَشَارَ فِي الحَدِيث بقوله عليه الصلاة والسلام إِنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب فَمَتَى

ص: 81

وجد الصَّوْم كَانَ أمرا بضده

وروت عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من نذر أَن يُطِيع الله فليطعه وَمن نذر أَن يعصيه فَلَا يَعْصِهِ خَ م وروى عمرَان بن حُصَيْن رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لانذر فِي مَعْصِيّة الله تَعَالَى م

وَالْجَوَاب قد بَينا أَن الْمعْصِيَة صَوْم يَوْم النَّحْر لَا نفس الصَّوْم وَنحن لَا ندعي وجود النّذر بِصَوْم يَوْم النَّحْر وَإِنَّمَا ندعي وجود النّذر بِنَفس الصَّوْم وَأَنه مَوْجُود وَقد يتَصَوَّر ان لَا يُوجد معنى الدعْوَة بِأَن تقدم القرابين أَو لَا يُوجد من هُوَ من أَهلهَا فَتبْطل الدعْوَة لِأَنَّهَا بلحوم القرابين مَسْأَلَة الْمَجْنُون إِذا أَفَاق فِي شهر رَمَضَان يلْزمه قَضَاء مَا مضى وَقَالَ زفر لَا يلْزمه وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَاحْمَدْ

لنا عمومات الْكتاب الْمُوجبَة للصَّوْم كَقَوْلِه تَعَالَى {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو على سفر فَعدَّة من أَيَّام أخر} ومعنا فليصم عدَّة

ص: 82

احْتَجُّوا بِمَا روينَا من قَوْله عليه الصلاة والسلام رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة الحَدِيث نفى الْخطاب عَن الْمَجْنُون قبل الْإِفَاقَة فَإِذا خُوطِبَ بِالْوُجُوب يتَضَرَّر

وَالْجَوَاب أَن المُرَاد مِنْهُ رفع الْقَلَم من حق الْأَدَاء لَا فِي حق الْوُجُوب ثمَّ هُوَ خبر (آحَاد) ورد على مُخَالفَة الْكتاب فَلَا يقبل أَو يحمل على مَا أولناه تَوْفِيقًا بَين الْأَدِلَّة

مَسْأَلَة الْمُنْفَرد بِرُؤْيَة الْهلَال إِذا رد القَاضِي شَهَادَته صَامَ بالِاتِّفَاقِ وَلَو أفطر بِالْجِمَاعِ لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَة

وَلَو أفطر قبل أَن يرد الإِمَام شَهَادَته أَو بعد أَدَائِهَا قبل الرَّد لَا رِوَايَة فِيهِ عَن أَصْحَابنَا وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ

لنا مَا روى أَبُو هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من أفطر فِي رَمَضَان فَعَلَيهِ مَا على الْمظَاهر ق علق وجوب الْكَفَّارَة (بالإفطار) فِي نَهَار رَمَضَان فَلَا يجب عَلَيْهِ لفَوَات شَرطه

وروى أَن رجلا أخبر عمر رضي الله عنه بِرُؤْيَة الْهلَال فَمسح عمر على حَاجِبه ثمَّ قَالَ أَيْن الْهلَال فَقَالَ فقدته يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَعلم أَن شَعْرَة من حَاجِبه تقوست فظنها هلالا فَاحْتمل أَن لَا يكون من رَمَضَان فَلَا تتَعَلَّق بِهِ الْكَفَّارَة

ص: 83

احْتَجُّوا بِمَا روى أَبُو هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ هَلَكت فَقَالَ مَا أهْلكك قَالَ واقعت أَهلِي فِي رَمَضَان فَقَالَ أتجد رَقَبَة تعتقها قَالَ لَا قَالَ أتستطيع أَن تَصُوم شَهْرَيْن مُتَتَابعين قَالَ لَا قَالَ أتستطيع أتطعم سِتِّينَ مِسْكينا قَالَ لَا قَالَ فاجلس فَأتي النَّبِي صلى الله عليه وسلم بعرق من تمر والعرق المكتل الضخم فَقَالَ لَهُ تصدق بِهَذَا فَقَالَ مَا بَين لابتيها أهل بَيت أفقر منا فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقَالَ أطْعمهُ أهلك خَ م وَالْمُنْفَرد هَكَذَا نقُول وَالْجَوَاب لم يثبت كَون هَذَا الْيَوْم من رَمَضَان أَو تمكنت فِيهِ الشُّبْهَة

وَقد احْتج بعض أَصْحَابنَا بِمَا روى أَبُو هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ صومكم يَوْم تصومون وفطركم يَوْم تفطرون ت ق إِلَّا أَن التِّرْمِذِيّ قَالَ هُوَ غَرِيب وَفِي إِسْنَاد الدَّارَقُطْنِيّ مُحَمَّد بن عمر الْوَاقِدِيّ ضَعِيف

ص: 84

مَسْأَلَة الْإِفْطَار بِالْأَكْلِ وَالشرب فِي نَهَار رَمَضَان مُتَعَمدا يُوجب الْكَفَّارَة عندنَا وَهُوَ قَول مَالك وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ لَا يُوجب وَاتَّفَقُوا على وُجُوبهَا بالوقاع

لنا مَا روى أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أفطرت يَوْمًا من رَمَضَان فَقَالَ أعتق رَقَبَة أَو صم شَهْرَيْن مُتَتَابعين أَو أطْعم سِتِّينَ مِسْكينا ق

وَفِي روايه أبي هُرَيْرَة أَن رجلا أكل فِي رَمَضَان فَأمره النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِأَن يعْتق رَقَبَة أَو يَصُوم شَهْرَيْن مُتَتَابعين أَو يطعم سِتِّينَ مِسْكينا ق وَفِي رِوَايَة أبي هُرَيْرَة أَيْضا أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَمر الَّذِي أفطر يَوْمًا من رَمَضَان بكفارة الظِّهَار ق

فَإِن قيل هَذَا حَدِيث الْأَعرَابِي الَّذِي وَاقع أَهله فِي رَمَضَان بِعَيْنِه وَإِنَّمَا عبر بعض الروَاة عَن الْجِمَاع بِالْفطرِ والجم الْغَفِير على لَفْظَة الْجِمَاع وَأما الحَدِيث الثَّانِي وَهُوَ لَفْظَة الْأكل فَفِي إِسْنَاده أَبُو معشر ضَعِيف واسْمه نجيح

ص: 85

وَأما الثَّالِث فَفِي إِسْنَاده يحيى الْحمانِي تكلم فِيهِ أَحْمد قُلْنَا قد روى لَفْظَة الْفطر خلق كثير مِنْهُم مَالك وَيحيى بن سعيد وَابْن

ص: 86

جريج وَأَبُو أويس وفليح بن سُلَيْمَان وَعمر بن عُثْمَان المَخْزُومِي وَيزِيد

ص: 87

بن عِيَاض وشبل بن عباد وَاللَّيْث بن سعد وَابْن عُيَيْنَة وَإِبْرَاهِيم بن سعد عَن الزُّهْرِيّ رضي الله عنهم أرجلا أفطر وَلنْ يجْتَمع هَؤُلَاءِ عل الضَّلَالَة

احْتَجُّوا بِحَدِيث الْأَعرَابِي وَوجه الْحجَّة مِنْهُ أَنه علق الْكَفَّارَة بِالْجِمَاعِ وَالْكَفَّارَات لَا تثبت قِيَاسا بل نصا

ص: 88

وَالْجَوَاب أَنه معَارض بِمَا روينَا وَمَا روينَاهُ مُثبت فيترجح مَسْأَلَة الكفارتان تتداخلان وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تتداخلان وَصورته أَن يُجَامع فِي نَهَار رَمَضَان مُتَعَمدا فِي يَوْم ثمَّ يُجَامع فِي الْيَوْم الثَّانِي ثمَّ فِي الثَّالِث وَلم يكفر فَعَلَيهِ لذَلِك كَفَّارَة واحده عندنَا وَعِنْدهم لكل يَوْم كَفَّارَة وَأَجْمعُوا على أَنه لَو أفطر بِالْجِمَاعِ ثمَّ كفر ثمَّ أفطر (أَنه) تجب كفارتان وروى عَن أبي حنيفَة رحمه الله أَنه لَا تجب إِلَّا كَفَّارَة وَاحِدَة لنا مَا رَوَت عَائِشَة رضي الله عنها أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ ادرأوا الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد ادرءوا الْحُدُود عَن الْمُسلمين

ص: 89

والشبهة متمكنة فِي حق وجوب الْكَفَّارَة لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يحصل الانزجار ومحو الذَّنب بِالْإِعْتَاقِ الأول

واحتجو بِمَا روينَا من قَوْله عليه الصلاة والسلام من أفطر فِي رَمَضَان فَعَلَيهِ مَا على الْمظهر وَبِحَدِيث الْأَعرَابِي وَهَذَا يتَنَاوَل الْيَوْم الثَّانِي كَمَا يتَنَاوَل الْيَوْم الأول وَالْجَوَاب لَا حجَّة فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي التّكْرَار وَالْكَلَام فِيهِ وَأما حَدِيث الْأَعرَابِي فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يستفسره فيكتفي بكفارة وَاحِدَة

مَسْأَلَة إِذا شرع فِي صَوْم التَّطَوُّع أَو صَلَاة التَّطَوُّع لزمَه الْمُضِيّ وَلَو أفطر لزمَه الْقَضَاء وَهُوَ قَول أبي بكر وَابْن عَبَّاس وَمَالك وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ لَا يلْزمه الْمُضِيّ وَلَو أفسد لَا قَضَاء عَلَيْهِ لنا على الأول قَوْله تَعَالَى {وَلَا تُبْطِلُوا أَعمالكُم}

وعَلى الثَّانِي مَا رَوَت عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت أَصبَحت أَنا وَحَفْصَة صائمتين فأهديت لنا شَاة فأكلنا فَدخل علينا النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرنَاهُ فَقَالَ صوما يَوْمًا

ص: 90

مَكَانَهُ حد وَفِي لفظ آخر أبدلا أَمر بِالْقضَاءِ والأمرللوجوب

وَفِي رِوَايَة كنت أَنا وَحَفْصَة صائمتين فَعرض لنا طَعَام فاشتهيناه فأكلنا مِنْهُ فجَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم فبدرتني إِلَيْهِ حَفْصَة وَكَانَت ابْنة أَبِيهَا فَأَخْبَرته فَقَالَ اقضيا يَوْمًا آخر مَكَانَهُ

وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت دخل عَليّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِنِّي أُرِيد الصَّوْم فأهدي لَهُ حيس فَقَالَ إِنِّي آكل وَأَصُوم يَوْمًا مَكَانَهُ ق

وَعَن إِبْرَاهِيم بن عبيد قَالَ صنع أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ طَعَاما فَدَعَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه فَقَالَ رجل من الْقَوْم إِنِّي صَائِم فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم صنع لَك أَخُوك وتكلف لَك أفطر وصم يَوْمًا مَكَانَهُ ق

وَعَن ثَوْبَان قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم صَائِما فِي غير رَمَضَان فَأَصَابَهُ غم فآذاه فقاء فَدَعَا بِوضُوء فَتَوَضَّأ ثمَّ أفطر فَقلت يَا رَسُول الله أفريضة الْوضُوء من الْقَيْء

ص: 91

قَالَ لَو كَانَ فَرِيضَة لوجدته فِي الْقُرْآن قَالَ ثمَّ صَامَ من الْغَد فَسَمعته يَقُول هَذَا مَكَان إفطاري أمس ق وَعَن أم سَلمَة انها صَامت يَوْمًا تَطَوّعا فأفطرت فَأمرهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن تقضي يَوْمًا مَكَانَهُ ق فَإِن قيل فقد قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي الحَدِيث الأول وَالثَّانِي إنَّهُمَا لَا يثبتان

وَأما الثَّالِث فقد قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لم يروه بِهَذَا اللَّفْظ عَن ابْن عُيَيْنَة غير الْبَاهِلِيّ وَلم يُتَابع على قَوْله وَأَصُوم يَوْمًا مَكَانَهُ وَلَعَلَّه شبه عَلَيْهِ لِكَثْرَة من خَالفه عَن ابْن عُيَيْنَة

وَأما الرَّابِع فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ هُوَ مُرْسل وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن أبي حميد ضعفه سعيد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَأما الْخَامِس فَفِي إِسْنَاده عتبَة بن السكن قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ مَتْرُوك

ص: 92

وَأما السَّادِس فَفِي طَرِيقه الضَّحَّاك بن حمرَة ضعفه ابْن معِين وَأَبُو زرْعَة قُلْنَا أما الأول وَالثَّانِي فَقَالَ التِّرْمِذِيّ رَوَاهُمَا مَالك بن أنس وَمعمر وَعبيد الله بن عمر وَزِيَاد بن سعد وَغير وَاحِد من الْحفاظ عَن الزُّهْرِيّ عَن عَائِشَة رضي الله عنها مُرْسلا وَلم يذكرُوا فِيهِ عَن عُرْوَة والمراسيل حجَّة عندنَا

وَأما طعن الدَّارَقُطْنِيّ فَلَا يقبل إِذا انْفَرد لما عرف من عصبيته فِي الْمسَائِل الَّتِي يعْتَمد عَلَيْهَا أَصْحَابنَا وَقد روى الْحَدِيثين الْأَوَّلين المتصلين أبوداود

ص: 93

احْتَجُّوا بِمَا رَوَت جوَيْرِية أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم دخل عَلَيْهَا فِي يَوْم الْجُمُعَة هِيَ صَائِمَة فَقَالَ لَهَا أصمت أمس قَالَت لَا قَالَ اتصومين غَدا قَالَت لَا قَالَ فافطري ح وَفِي رِوَايَة الْمسند فافطري إِذا

وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْتِيهَا وَهُوَ صَائِم فَيَقُول أصبح عنْدكُمْ شَيْء تطعمونيه فَتَقول لَا مَا أصبح عندنَا شَيْء فَيَقُول إِنِّي صَائِم ثمَّ جاءها بعد ذَلِك فَقَالَت أهديت لنا هَدِيَّة (وَقد خبأت لَك شَيْئا) قَالَ ماهو قَالَت حيس قَالَ قد أَصبَحت صَائِما فَأكل م وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا إِذن أطْعم وَإِن كنت قد فرضت الصَّوْم

وروت أم سَلمَة رضي الله عنها أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يصبح من اللَّيْل وَهُوَ يُرِيد الصَّوْم فَيَقُول أعندكم شَيْء أَتَاكُم شَيْء قَالَت (فَنَقُول أَو لم تصبح

ص: 94

صَائِما فَيَقُول) بلَى وَلَكِن لَا بَأْس أَن أفطر مَا لم يكن نذرا أَو قَضَاء من رَمَضَان ق

وَعَن أم هانىء قَالَت كنت قَاعِدَة عِنْد النَّبِي عليه الصلاة والسلام فَأتى بشراب فَشرب مِنْهُ ثمَّ ناولني فَشَرِبت فَقلت إِنِّي أذنبت فَاسْتَغْفر لي فَقَالَ وَمَا ذَاك قلت كنت صَائِمَة فأفطرت فَقَالَ أَمن قَضَاء كنت تقضينه قلت لَا قَالَ فَلَا يَضرك ت

وَفِي رِوَايَة الْمسند أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم دخل على أم هانىء فَدَعَا بشراب فَشرب مِنْهُ ثمَّ ناولها فَشَرِبت وَقَالَت يَا رَسُول الله أما إِنِّي كنت صَائِمَة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِن الصَّائِم المتطوع أَمِير نَفسه إِن شَاءَ صَامَ وَإِن شَاءَ أفطر

وَفِي لفظ الْمسند أَيْضا فَشرب ثمَّ ناولني فَقلت إِنِّي صَائِمَة فَقَالَ إِن المتطوع أَمِير نَفسه فَإِن شِئْت فصومي وَإِن شِئْت فأفطري

وَفِي رِوَايَة الْمسند أَيْضا فناولها لتشرب فالت إِنِّي صَائِمَة وَلَكِنِّي كرهت أَن أرد سؤرك فَقَالَ إِن كَانَ قَضَاء من رَمَضَان فاقضي يَوْمًا مَكَانَهُ وَإِن كَانَ تَطَوّعا فَإِن شِئْت فاقضي وَإِن شِئْت فَلَا تقضي

ص: 95

وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ الصَّائِم المتطوع أَمِير نَفسه إِن شَاءَ صَامَ وَإِن شَاءَ أفطر حد

وَالْجَوَاب أما حَدِيث جوَيْرِية فَإِنَّمَا أمرهَا بالإفطار عِنْد تَحْقِيق وَاحِد من الْأَعْذَار كالضيافة وَكَذَا حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها مَحْمُول على هَذَا وَأما حَدِيث أم سَلمَة رضي الله عنها فَفِيهِ مُحَمَّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِي

وَأما حَدِيث أم هانىء فمطلق الْإِفْطَار غير مُوجب للْقَضَاء بل الْمُوجب الْإِفْطَار فِي الصَّوْم الْمَشْرُوع فَلم قُلْتُمْ إِنَّه كَانَ مَشْرُوعا لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لما دَعَاهَا صَار الصَّوْم عَلَيْهَا حَرَامًا

وَأما الحَدِيث الْأَخير فَمَحْمُول على الصَّائِم المتردد وَلِهَذَا روى مَا لم تزل الشَّمْس مد الْخيرَة إِلَى الزَّوَال فَكَانَت خيرة الشُّرُوع لَا خيرة الْإِبْطَال على أَنَّهَا أَخْبَار آحَاد وَردت على مُخَالفَة الْكتاب وَهُوَ مَا تلونا فَترد وَلَو وَقع التَّعَارُض بَين الْأَخْبَار فالترجيح مَعنا لثَلَاثَة أوجه أَحدهَا إِجْمَاع الصَّحَابَة وَالثَّانِي إِن أحاديثنا مثبتة وأحاديثهم نَافِيَة والمثبت مقدم وَالثَّالِث أَنه احْتِيَاط فِي الْعِبَادَة مَسْأَلَة المطاوعة فِي الوقاع فِي نَهَار رَمَضَان يجب عَلَيْهَا الْكَفَّارَة عندنَا وَهُوَ قَول أَحْمد

ص: 96

وَقَالَ الشَّافِعِي لَا كَفَّارَة عَلَيْهَا لنا مَا روينَا من قَوْله صلى الله عليه وسلم من أفطر فِي نَهَار رَمَضَان فَعَلَيهِ مَا على الْمظَاهر من غير فصل بَين مفطر ومفطرة وَهَذِه مفطرة فيتناولها الحَدِيث

احْتج بِحَدِيث الْأَعرَابِي الَّذِي وَاقع اهله فِي رَمَضَان وَالْحجّة مِنْهُ أَنه صلى الله عليه وسلم لم يَأْمُرهُ فِي حق الْمَرْأَة بِشَيْء وَالْجَوَاب من وُجُوه أَحدهمَا أَنه يحتم أَنه ذكر حكمهَا وَلم ينْقل وَالثَّانِي أَنه اسْتِدْلَال بِعَدَمِ والعدم لَا صِيغَة لَهُ وَالثَّالِث أَن فِي سِيَاق الحَدِيث هَلَكت وأهلكت وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَنه

ص: 97

أكرهها والمكرهة لَا تجب عَلَيْهَا الْكَفَّارَة وَبَاقِي الْأَجْوِبَة (ذَكرنَاهَا) فِي الخلافيات

ص: 98

= كتاب الْحَج =

مَسْأَلَة الْحَج وَاجِب على الْفَوْر عِنْد أبي حنيفَة رحمه الله فِي الْأَصَح وَهُوَ قَول أبي يُوسُف حَتَّى يَأْثَم بِالتَّأْخِيرِ عَن أول وَقت الْإِمْكَان وَهُوَ السّنة الأولى عِنْد اجْتِمَاع الشَّرَائِط وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد وَقَالَ أَحْمد على التَّرَاخِي وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَهُوَ رِوَايَة عَن أبي حنيفَة رحمه الله لنا مَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من ملك زادا وراحلة تبلغه الْبَيْت الْحَرَام فَلم يحجّ فليمت إِن شَاءَ يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا ت وَالْفَاء للتعقيب أَي عقيب ملك الزَّاد وَالرَّاحِلَة

وَعَن عمر رضي الله عنه لقد هَمَمْت بِأَقْوَام وجدوا الزَّاد وَالرَّاحِلَة وَلم يحجوا أَن اخرب عَلَيْهِم بُيُوتهم بِمحضر من الصَّحَابَة من غير نَكِير فَإِن قيل فِي إِسْنَاده هِلَال والْحَارث ضعيفان

ص: 99

وَلَو سلم حمل على الِاعْتِقَاد بِدَلِيل قَوْله صلى الله عليه وسلم فليمت إِن شَاءَ يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا قُلْنَا لَيْسَ فِي الْبَاب حَدِيث يُعَارضهُ وَحمله على الِاعْتِقَاد إِثْبَات زِيَادَة لَا يتَعَرَّض لَهَا الحَدِيث احْتَجُّوا بعفله صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ حج سنة عشر من الْهِجْرَة وَالْحج فرض سنة خمس وَمَكَّة فتحت سنة ثَمَان فقد أخر صلى الله عليه وسلم مَعَ الِاسْتِطَاعَة وَلَو كَانَ على الْفَوْر لما أَخّرهُ وَالْجَوَاب أَنه قد روى أَن الْحَج فرض سنة تسع وَلَئِن ثبتَتْ الرِّوَايَة الْأُخْرَى فعنها اجوبة أَحدهَا أَن الله تَعَالَى أعلمهُ أَنه لَا يَمُوت حَتَّى يحجّ بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى {لتدخلن الْمَسْجِد الْحَرَام} فَكَانَ على يَقِين من الْإِدْرَاك الثَّانِي خَوفه على الْمَدِينَة وعَلى نَفسه وَلِهَذَا كَانَ يحترس حَتَّى نزل قَوْله تَعَالَى {وَالله يَعْصِمك من النَّاس} فأزال الحرس وَالثَّالِث اشْتِغَاله بتمهيد قَوَاعِد الدّين وَتَعْلِيم الْعِبَادَات وَالْجهَاد الرَّابِع ظُهُور الْمُشْركين على مَكَّة فَلَمَّا نَادَى لَا يحجّ الْبَيْت بعد الْعَام مُشْرك حج

ص: 100

مَسْأَلَة (الصرورة) إِذا حج بنية النَّفْل أَو النّذر أَو عَن الْغَيْر وَقع حجه (عَمَّا) نَوَاه وَهُوَ قَول مَالك وَقَالَ الشَّافِعِي يَقع عَن فَرْضه وَعَن احْمَد كالمذهبين لنا مَا روى أَن امْرَأَة من خثعم قَالَت يَا رَسُول الله إِن أبي أَدْرَكته فَرِيضَة الْحَج وَإنَّهُ شيخ كَبِير لَا يسْتَمْسك على الرَّاحِلَة أفأحج عَنهُ قَالَ نعم حجي عَن أَبِيك خَ م

وَفِي لفظ لوكان على أَبِيك دين فقضيته عَنهُ أَكَانَ يُجزئهُ قَالَت نعم قَالَ فحجي عَن أَبِيك حد من غير استفسار هَل حجت أم لَا احْتَجُّوا بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يُلَبِّي عَن شبْرمَة فَقَالَ أحججت

ص: 101

عَن نَفسك قَالَ لَا قَالَ حج عَن نَفسك ثمَّ حج عَن شبْرمَة (ق) د قُلْنَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ الصَّحِيح من الرِّوَايَة اجْعَلْهَا فِي نَفسك ثمَّ حج عَن شبْرمَة قَالُوا كَيفَ يَأْمُرهُ بذلك وَالْإِحْرَام وَقع عَن الأول

قُلْنَا يحْتَمل إِنَّه كَانَ فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام حِين لم يكن الْإِحْرَام لَازِما على ماروى عَن بعض الصَّحَابَة أَنه تحلل فِي حجَّة الْوَدَاع عَن الْحَج بِأَفْعَال الْعمرَة فَكَانَ يُمكنهُ فسخ الأول وَتَقْدِيم حج نَفسه ثمَّ حديثنا فِي الصَّحِيحَيْنِ وحديثهم لَيْسَ كَذَلِك وَالله أعلم

ص: 102

= كتاب النِّكَاح =

مَسْأَلَة الِاشْتِغَال بِالنِّكَاحِ أفضل من التخلي لنوافل الْعِبَادَة وَهُوَ قَول عَامَّة الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمَالك وَأحمد

وَقَالَ الشَّافِعِي التخلي أفضل

وَاتَّفَقُوا على أَنه أفضل حَالَة التوقان

لنا مَا روى ابْن مَسْعُود قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (شبَابًا) لَيْسَ لنا شئ فَقَالَ يَا معشر الشَّبَاب من اسْتَطَاعَ مِنْكُم الْبَاءَة فليتزوج فانه أَغضّ لِلْبَصَرِ وَأحْصن لِلْفَرجِ وَمن لم يسْتَطع فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ فانه لَهُ وَجَاء حد أوجب النِّكَاح وَقدمه على الصَّوْم

وروى أنس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ لكني أَصوم وَأفْطر وأتزوج النِّسَاء فَمن رغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني خَ م

ص: 103

وَعَن أنس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَأْمر بِالْبَاءَةِ (وَينْهى) عَن التبتل نهيا شَدِيدا وَيَقُول تزوجوا الْوَدُود الْوَلُود (إِنِّي) مُكَاثِر بكم الْأَنْبِيَاء يَوْم الْقِيَامَة حد

وَعَن أبي ذَر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَكَّافِ بن (بشر) هَل لَك زَوْجَة قَالَ لَا قَالَ وَلَا جَارِيَة قَالَ لَا قَالَ وَأَنت مُوسر قَالَ وَأَنا مُوسر قَالَ أَنْت إِذا من إخْوَان الشَّيَاطِين إِن من سنتنا النِّكَاح شِرَاركُمْ عُزَّابُكُمْ (وأراذل) مَوْتَاكُم عُزَّابُكُمْ إِن الشَّيَاطِين يتمرسون حد

احْتج الشَّافِعِي بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ أحب الْمُبَاحَات الى الله تَعَالَى النِّكَاح والمباح مَا اعتدل طرفاه فِي الثَّوَاب وَالْعِقَاب

وَقَوله صلى الله عليه وسلم إِخْبَارًا عَن ربه تَعَالَى الصَّوْم لي وَأَنا أجزي بِهِ

وَقَوله صلى الله عليه وسلم خير أَعمالكُم الصَّلَاة رَوَاهُ أَحْمد عَن ثَوْبَان

ص: 104

وَقَوله صلى الله عليه وسلم فِي رِوَايَة أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِخْبَارًا عَن ربه تَعَالَى لَا يزَال العَبْد يتَقرَّب إِلَيّ بالنوافل حَتَّى أحبه الحَدِيث خَ وَمَا ورد فِي هَذَا الْبَاب يدل على أَن التخلي لنفل الْعِبَادَة أفضل وَالْجَوَاب أما الحَدِيث الأول فَغَرِيب وَمَا روينَاهُ مَشْهُور وأحاديثنا تدل على الْوُجُوب وَمَا روى الشَّافِعِي يدل على التَّرْغِيب فِي الْعِبَادَات وَبَينهمَا تناف على أَن النِّكَاح لَا يُنَافِي الْعِبَادَات والمباح عبارَة عَمَّا لَا حرج فِيهِ فيتقرب على هَذَا الْوَضع لُغَة

مَسْأَلَة الزِّنَا يُوجب حُرْمَة الْمُصَاهَرَة عندنَا وَهُوَ قَول عمر وَأبي بن كَعْب وَعمْرَان بن الْحصين وَعَائِشَة وَابْن عَبَّاس وَفِي الْأَصَح من مذْهبه وَمَالك وَأحمد رضي الله عنهم وَقَالَ الشَّافِعِي رضي الله عنه لايوجب لنا مَا روى وهب بن مُنَبّه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ مَلْعُون من نظر إِلَى فرج امْرَأَة وابنتها فَذكر ذَلِك لسَعِيد بن الْمسيب فأعجبه وَإِذا ثبتَتْ الْحُرْمَة بِالنّظرِ فبالوطء أولى وَفِي رِوَايَة من مس امْرَأَة بِشَهْوَة حرمت عَلَيْهِ أمهَا وابنتها وَالأَصَح أَنه

ص: 105

مَوْقُوف على عمر رضي الله عنه

احْتج الشَّافِعِي بِمَا رَوَت عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْحَلَال لَا يفْسد بالحرام ق

وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا سُئِلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن الرجل يتبع الْمَرْأَة حَرَامًا ثمَّ ينْكح ابْنَتهَا أَو يتبع الِابْنَة ثمَّ ينْكح امها قَالَ لَا يحرم الْحَرَام الْحَلَال

وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا يحرم الْحَرَام والحلال

وَهَذِه نُصُوص صَرِيحَة فِي نفي حُرْمَة الْمُصَاهَرَة لِأَنَّهُ نفى أَن يكون الْحَرَام محرما للْحَلَال

وَالْجَوَاب أما الرِّوَايَة الأولى فَفِي إسنادها عُثْمَان بن عبد الرحمن الوقاصي قَالَ ابْن معِين كَانَ يكذب وَضَعفه ابْن الْمَدِينِيّ جدا وَقَالَ البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ والرازي وَأَبُو دَاوُد لَيْسَ بِشَيْء وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ مَتْرُوك وَقَالَ ابْن حبَان يروي الموضوعات عَن الثِّقَات لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ

وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة عبد الله بن عمر أَخُو عبيد الله قَالَ ابْن حبَان فحش

ص: 106

خَطؤُهُ فَاسْتحقَّ التّرْك وَفِيه إِسْحَاق الْفَروِي كذبه البُخَارِيّ وَابْن معِين وَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَة الثَّالِثَة وَلَو سلمت لَكَانَ السُّؤَال وَاقعا عَن الابتغاء اَوْ الِاتِّبَاع وهما لَا يحرمان شَيْئا ثمَّ هِيَ أَخْبَار آحَاد وَردت على مُخَالفَة قَوْله تَعَالَى {وَلَا تنْكِحُوا مَا نكح آباؤكم} وَالنِّكَاح حَقِيقَة فِي الْوَطْء وَقد عضد هَذَا إِجْمَاع الصَّحَابَة مَسْأَلَة الْبِنْت المخلوقة من مَاء الزِّنَى يحرم على الزَّانِي نِكَاحهَا وَهُوَ قَول أَحْمد وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يحرم وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا ملكهَا تعْتق عَلَيْهِ عندنَا لنا مَا روينَا من النُّصُوص فِي الْمَسْأَلَة الْمَاضِيَة وفيهَا دَلِيل على حُرْمَة النِّكَاح فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بل أولي لِأَنَّهَا بنته بِالنَّصِّ

ص: 107

وَلَهُمَا العمومات وَقَوله صلى الله عليه وسلم الْوَلَد للْفراش وللعاهر الْحجر وَمَعْنَاهُ قطع الْإِضَافَة عَن الزَّانِي شرعا فَيقطع عرفا وَالْجَوَاب أَن هَذِه بنته بِالنَّصِّ فَتحرم عَلَيْهِ وَإِذا حرمت عَلَيْهِ لم تدخل تَحت العمومات وَأما الحَدِيث فخبر آحَاد ورد على مُخَالفَة الْكتاب وَلَا نسلم أَنه لقطع الْإِضَافَة بل لقطع الْأَحْكَام التابعة كالملك وَنَحْوه مَسْأَلَة يجوز للْأَب أَن يتَزَوَّج جَارِيَة ابْنه عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ لَا يجوز لنا العمومات الْمُطلقَة لجَوَاز النِّكَاح وَلَهُمَا مَا روى عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن أَعْرَابِيًا أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله إِن أبي يُرِيد أَن يجتاح مَالِي فَقَالَ انت وَمَالك لأَبِيك حد وَفِي رِوَايَة اطيب مَا أكلْتُم من كسبكم وَإِن أَمْوَال أَوْلَادكُم من كسبكم فَكُلُوا

ص: 108

هَنِيئًا خَ أضَاف مَاله إِلَى الْأَب بلام التَّمْلِيك فَيثبت لَهُ الْملك فِيهَا وَالْجَوَاب لَا نسلم أَن اللَّام فِيهِ للتَّمْلِيك بل للاختصاص لِأَنَّهُ لَو حمل على الْملك لتعارض إِضَافَة المَال إِلَى الابْن أَيْضا فَلَا يَصح مَسْأَلَة الْمولى يملك إِجْبَار عَبده على النِّكَاح وَهُوَ قَول مَالك وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ لَا يملك وَهُوَ رِوَايَة التسترِي عَن أبي حنيفَة وَاتَّفَقُوا على إِجْبَار أمته لنا قَوْله تَعَالَى {وَأنْكحُوا الْأَيَامَى مِنْكُم وَالصَّالِحِينَ من عبادكُمْ وَإِمَائِكُمْ} وَمُقْتَضَاهُ الْإِجْبَار إِذا أَبى لِأَن الْأَمر مُقْتَضَاهُ التَّمَكُّن فَلَو كَانَ عَاجِزا لَكَانَ خلاف ذَلِك احْتَجُّوا بقوله تَعَالَى {لَا إِكْرَاه فِي الدّين} وَبِمَا روى فِي الْبَاب من هَذَا الْقَبِيل وَنحن نعارضه بِمَا تلونا (ونمنع) أَن هَذَا الْفِعْل إِكْرَاه لِأَن الْإِكْرَاه إخافة وَهَذَا مَنْفَعَة

ص: 109

مَسْأَلَة الْأَب لَا يملك إِجْبَار الْبكر الْبَالِغَة على النِّكَاح وَهُوَ قَول عمر وَابْن عَبَّاس وَأبي مُوسَى وَأبي هُرَيْرَة وَجَابِر وَابْن عمر وَمَالك رضي الله عنهم وَقَالَ الشَّافِعِي يملك وَعَن أَحْمد كالمذهبين لنا سَبْعَة أَحَادِيث أَحدهَا مَا روى ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ الثّيّب أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا وَالْبكْر تستأمر وإذنا صماتها حد ق

فالنبي صلى الله عليه وسلم أَمر بالاستئمار وَجعل سكُوتهَا إِذْنا مِنْهَا فَمن جوز نِكَاحهَا من غير استئمار مِنْهَا وَلَا إِذن فقد خَالف النَّص

وروى ابْن عَبَّاس أَن جَارِيَة بكرا أَتَت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَذكرت لَهُ أَن أَبَاهَا زَوجهَا وَهِي كارهة فَخَيرهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم حد

وروى ابْن عَبَّاس أَن خذاما أَبَا وَدِيعَة أنكح ابْنَته رجلا فَأَتَت النَّبِي عليه الصلاة والسلام فاشتكت إِلَيْهِ أَنَّهَا أنكحت وَهِي كارهة فانتزعها النَّبِي صلى الله عليه وسلم من زَوجهَا وَقَالَ لَا تكرهوهن حد

وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت جَاءَت فتاة إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَت يَا رَسُول الله إِن أبي وَنعم الْأَب هُوَ زَوجنِي ابْن أَخِيه ليرْفَع بِي خسيسته قَالَ فَجعل الْأَمر إِلَيْهَا

ص: 110

فَقَالَت إِنِّي قد أجزت مَا صنع أبي وَلَكِنِّي أردْت أَن تعلم النِّسَاء أَن لَيْسَ للآباء من أُمُور بناتهم شَيْء حد وَعَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رد نِكَاح بكر وثيب أنكحهما أَبوهُمَا وهما كارهتان ق وَعَن ابْن عمر أَن رجلا زوج ابْنَته بكرا فَكرِهت ذَلِك فَرد النَّبِي صلى الله عليه وسلم نِكَاحهَا ق وَفِي رِوَايَة عَن ابْن عمر قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ينْزع النِّسَاء من أَزوَاجهنَّ ثيبات وأبكارا بعد أَن يزوجهن

وَعَن جَابر رضي الله عنه أَن رجلا زوج ابْنَته وَهِي بكر من غير أمرهَا فَأَتَت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَفرق بَينهمَا ق فَإِن قيل أما استئمار الْبكر فلتطييب قَلبهَا وَجُمْهُور الْأَحَادِيث مَحْمُولَة إِمَّا على

ص: 111

الِاسْتِحْبَاب أَو على التَّزَوُّج من غير كُفْء

وَأما أَحَادِيث ابْن عَبَّاس وَجَابِر وَعَائِشَة فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إِنَّهَا مَرَاسِيل وَحَدِيث ابْن عمر طعن فِيهِ أَحْمد وَلَو سلمت حملت على مَا قُلْنَا فَالْجَوَاب أما الحَدِيث الأول فصيغته وَإِن كَانَت إِخْبَارًا لَكِن المُرَاد مِنْهَا الْأَمر لِأَنَّهُ يرد (الْأَمر بِصِيغَة الْإِخْبَار) فَيحمل على الْوُجُوب لِأَنَّهُ مُقْتَضَاهُ أَلا ترى أَنه حمل على الْوُجُوب فِي حق الثّيّب وَالْبكْر فِي غير الْأَب وَالْجد بِالْإِجْمَاع وَخرج الْجَواب عَن حملهَا على الِاسْتِحْبَاب وَحملهَا على التَّزْوِيج من غير كُفْء بِأَن ذَلِك لَا يَصح لِأَنَّهَا مُطلقَة فَلَا تتقيد إِلَّا بِدَلِيل

وَأما قَول الدَّارَقُطْنِيّ إِن سلم من عصبيته أَو قبلناه بِانْفِرَادِهِ فالمراسيل عندنَا حجَّة وَطعن احْمَد فِي حَدِيث ابْن عمر من حَيْثُ إِن ابْن أبي ذِئْب لم يسمعهُ من نَافِع وَإِنَّمَا سَمعه من عمر بن حُسَيْن وَهَذَا وصف الْإِرْسَال

ص: 112

احْتج الشَّافِعِي بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ وَالثَّيِّب تشَاور ق

وَهُوَ الحَدِيث الَّذِي روينَاهُ إِلَّا أَن الدَّارَقُطْنِيّ رَوَاهُ تشَاور فَلَو كَانَت الْبكر تشَاور لم يكن لتخصيص الثّيّب بِالذكر فَائِدَة

وَلما روى الْحسن أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ تستأمر الْأَبْكَار فِي أبضاعهن فَإِن أبين أجبرن وَالْجَوَاب أما الأول فاللفظ الصَّحِيح الأيم أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا وَهِي الَّتِي لَا زوج لَهَا بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا بِمَنْزِلَة العزب من الرِّجَال كَذَا نقل الْكَرْخِي عَن أَصْحَابنَا وَهُوَ مَذْهَب أهل اللُّغَة

وَلَا اعْتِبَار بقول الدَّارَقُطْنِيّ قد رَوَاهُ جمَاعَة الثّيّب لِأَن قَوْله لَا يُعَارض لفظ الصَّحِيح وَهُوَ أَيْضا روى الأيم ثمَّ هُوَ حجَّة عَلَيْهِم لأَنهم لَا يجْعَلُونَ الثّيّب أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا وَأما الثَّانِي فَفِي إِسْنَاده عبد الكريم الْبَصْرِيّ أَجمعُوا على الطعْن فِيهِ وَلَو سلم

ص: 113

كَانَ مُرْسلا والمرسل عِنْدهم لَيْسَ بِحجَّة أَو يحمل هَذَا على الِاسْتِحْبَاب تَوْفِيقًا بَين الدَّلَائِل

مَسْأَلَة الْحرَّة الْبَالِغَة الْعَاقِلَة إِذا زوجت نَفسهَا من كُفْء بِدُونِ الْوَلِيّ ينْعَقد نَافِذا عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف

وَعند مُحَمَّد ينْعَقد مَوْقُوفا على إجَازَة الْوَلِيّ فَإِن زوجت نَفسهَا من كُفْء وَأَجَازَ جَازَ وَإِن أبي فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا يجْبرهُ الْحَاكِم وَالثَّانيَِة يسْتَأْنف الْحَاكِم النِّكَاح

وَلَو زوجت نَفسهَا من غير كُفْء فموضعه الأَصْل وَفِي رِوَايَة كتاب الْحِيَل أَنه رَجَعَ إِلَى قَوْلهمَا وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ لَا ينْعَقد النِّكَاح بِعِبَارَة النِّسَاء أصلا وَقَالَ ملك لَا تلِي وَهل لَهَا أَن تَأذن لرجل أَن يَتَزَوَّجهَا فِيهِ ثَلَاث رِوَايَات إِحْدَاهَا الْجَوَاز وَالثَّانيَِة عَدمه وَالثَّالِثَة إِن كَانَت شريفة لم يجز وَإِن كَانَت دنية جَازَ لنا مَا روى من قَوْله صلى الله عليه وسلم الأيم أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا وَالْبكْر تستأمر شَارك بَينهَا وَبَين الْوَلِيّ ثمَّ قدمهَا بقوله أَحَق وَقد صَحَّ

ص: 114

العقد مِنْهُ فَوَجَبَ أَن يَصح مِنْهَا

وروى الْحَافِظ الْأنمَاطِي عَن أبي سَلمَة بن عبد الرحمن قَالَ جَاءَت امْرَأَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَت إِن أبي أنكحني رجلا وَأَنا كارهة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لأَبِيهَا لَا نِكَاح لَك اذهبي فَانْكِحِي من شِئْت أمرهَا النَّبِي بإنكاح من شَاءَت وَهَذَا آيَة الْقُدْرَة

فَإِن قيل (قد رده) مَا أخرج فِي الصَّحِيح فَرد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نِكَاحهَا وَقَوله انكحي من شِئْت رَوَاهُ أَبُو سَلمَة مُرْسلا قُلْنَا الزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة (والمرسل عندنَا حجَّة مَقْبُولَة)

احْتَجُّوا بِمَا رَوَت عَائِشَة رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ أَيّمَا امْرَأَة نكحت بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل فنكاحها بَاطِل فنكاحها بَاطِل (فَإِن دخل بهَا فلهَا الْمهْر بِمَا اسْتحلَّ من فرجهَا) فَإِن اشتجروا فالسلطان ولي من لَا

ص: 115

ولي لَهُ ت

وروت عَائِشَة رضي الله عنها أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وَالسُّلْطَان ولي من لَا ولي لَهُ حد وَعَن عَائِشَة أَيْضا قَالَت قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشاهدي عدل حد ق

وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَا بُد فِي النِّكَاح من أَرْبَعَة الْوَلِيّ وَالزَّوْج والشاهدين (ق)

وَعَن أبي بردة عَن أَبِيه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا نِكَاح إِلَّا بولِي حد وَكَذَا روى ابْن عَبَّاس حد

وروى الْأنمَاطِي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم البغايا اللَّاتِي ينكحن أَنْفسهنَّ لَا يجوز النِّكَاح إِلَّا بولِي وشاهدين وَمهر قل أَو كثر

ص: 116

وَعَن ابْن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشاهدي عدل ق وَعَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشاهدي عدل ق

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا تزوج الْمَرْأَة الْمَرْأَة وَلَا تزوج الْمَرْأَة نَفسهَا فَإِن الزَّانِيَة هِيَ الَّتِي تزوج نَفسهَا ق

وروى الْحسن أَن معقل بن يسَار زوج أُخْتا لَهُ فَطلقهَا الرجل ثمَّ أنشأ يخطبها فَقَالَ زَوجتك كَرِيمَتي فطلقتها ثمَّ أنشأت تخطبها فَأبى أَن يُزَوجهُ وهوته الْمَرْأَة فَأنْزل الله تَعَالَى {وَإِذا طلّقْتُم النِّسَاء فبلغن أَجلهنَّ فَلَا تعضلوهن أَن ينكحن أَزوَاجهنَّ} خَ وَعَن معَاذ بن جبل قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ايما امْرَأَة زوجت نَفسهَا من غير إِذن ولي فَهِيَ زَانِيَة وَالْجَوَاب أَن هَذِه الْأَحَادِيث لَيْسَ فِيهَا مَا يَصح قَالَ يحيى بن معِين وَإِسْحَاق

ص: 117

ثَلَاثَة أَحَادِيث لم تثبت عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم هَذَا وَمن مس ذكره فَليَتَوَضَّأ وَمَا أسكر كَثِيره فقليه حرَام

أما الحَدِيث الأول فقد قَالَ ابْن جريح لقِيت الزُّهْرِيّ فَسَأَلته عَن هَذَا الحَدِيث وَقلت أَنْت رويته فَلم يعرفهُ

فَإِن بالوا رجال هدا الحَدِيث رجال الصَّحِيح وَقد خرجه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك على الصَّحِيحَيْنِ وَيحْتَمل أَن الزُّهْرِيّ نسي

قُلْنَا إِنْكَار الزُّهْرِيّ أَو نسيانه يُوجب وَهنا فِي الرِّوَايَة وَالْجرْح مقدم وَسليمَان ابْن مُوسَى بَين ابْن جريج وَالزهْرِيّ والمرسل لَيْسَ بِحجَّة عِنْدهم وَأما حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها الثَّانِي فَفِيهِ الْحجَّاج من أَرْطَاة ضَعِيف

وَأما حَدِيثهَا الثَّالِث فَفِيهِ يزِيد بن سِنَان ضعفه أَحْمد وَابْن الْمَدِينِيّ وَابْن معِين وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَفِي حَدِيثهَا الرَّابِع أَبُو الخصيب قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ واسْمه نَافِع بن ميسرَة مَجْهُول وَأما حَدِيث أبي بردة فمرسل

ص: 118

وَأما رِوَايَة ابْن عَبَّاس الأولى فَفِيهَا الْحجَّاج بن أَرْطَاة وَقد سبق تَضْعِيفه فِيهَا أَيْضا عدي بن الْفضل مَجْهُول

وَأما الرِّوَايَة الثَّانِيَة فَفِيهَا النهاس بن قهم قَالَ يحيى هُوَ ضَعِيف وَقَالَ ابْن عدي لَا يُسَاوِي شَيْئا

وَأما رِوَايَة ابْن مَسْعُود فَفِيهَا بكر بن بكار قَالَ ابْن معِين لَيْسَ بِشَيْء وفيهَا ايضا عبد الله بن مُحَرر قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ مَتْرُوك

وَأما رِوَايَة ابْن عمر فَفِيهَا ثَابت بن زُهَيْر قَالَ أَبُو حَاتِم هُوَ مُنكر الحَدِيث

ص: 119

وَضَعفه ابْن عدي وَابْن حبَان

وَأما رِوَايَة أبي هُرَيْرَة فَفِيهَا جميل بن الْحسن الْجَهْضَمِي وَمُسلم بن أبي مُسلم الْجرْمِي لَا يعرفان وَأما رِوَايَة معَاذ فَفِيهَا أَبُو عصمَة نوح بن أبي مَرْيَم ضعفه الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن معِين وَقد ضعف البُخَارِيّ هَذِه الْأَحَادِيث

وَلَو سلمت فَلم قُلْتُمْ بِأَنَّهَا لَيست ولية نَفسهَا فَإِنَّهُ يُقَال فِي اللُّغَة ولي وولية ثمَّ (قد) حصر أَرْبَعَة الْوَلِيّ وَهِي الْمَرْأَة والخاطب والشاهدان

وَقد روى الْكَرْخِي والطَّحَاوِي الحَدِيث الأول فَقَالَا أَيّمَا امْرَأَة أنكحت نَفسهَا بِغَيْر إِذن مَوْلَاهَا ثمَّ مَفْهُومه أَنَّهَا لَو نكحت بِإِذن وَليهَا جَازَ والخصوم لَا يَقُولُونَ بِهِ فَكَانَت حجَّة عَلَيْهِم أَو نقُول هِيَ أَخْبَار آحَاد وَردت على مُخَالفَة الْكتاب فَلَا تقبل

ص: 120

وَقد احْتج أَصْحَابنَا بِمَا روى أَن أم سَلمَة رضي الله عنها لما انْقَضتْ عدتهَا من أبي سَلمَة خطبهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَت لولدها عمر قُم ياعمر فزوج أمك من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَزَوجهَا وَكَانَ صَغِيرا وَالنِّكَاح إِنَّمَا انْعَقَد بعبارتها وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي الْمسند إِلَّا أَن لَفظه فَقَالَت هِيَ لولدها قُم يَا عمرفزوج أمك لَا أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَلِك وَرووا فِيهِ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ يَا غُلَام قُم فزوج أمك م

وَفِي رِوَايَة هَذَا الحَدِيث نظر من الأَصْل لِأَن عمر كَانَ لَهُ يَوْم تزوج النَّبِي صلى الله عليه وسلم أمه ثَلَاث سِنِين فَكيف يُقَال لَهُ قُم فزوج لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم تزَوجهَا سنة أَربع وَمَات النَّبِي صلى الله عليه وسلم ولعمر تسع سِنِين قَالُوا فَيحمل قَوْلهمَا لعمر قُم فزوج على وَجه الملاعبة للصَّغِير وَقد ذكر تَارِيخ سنه على مَا قُلْنَا مُحَمَّد بن سعد فِي الطَّبَقَات وَغَيره

وَقد نقل عَن أَحْمد أَنه قَالَ من يَقُول إِن عمركان صَغِيرا وَهَذَا خلاف قَول المؤرخين وَيحْتَمل أَن احْمَد قَالَ ذَلِك قبل أَن يعلم مِقْدَار سنة مَسْأَلَة يجوز للْأَب أَن يُزَوّج الثّيّب الصَّغِيرَة وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يملك وَعَن أَحْمد كالمذهبين لنا العمومات الْمُطلقَة فِي بَاب النِّكَاح وروى أَبُو حَاتِم الْمُزنِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا جَاءَكُم من ترْضونَ دينه

ص: 121

وخلقه فأنكحوه إِلَّا تفعلوه تكن فتْنَة فِي الأَرْض وَفَسَاد ت

وروى عَليّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثَلَاث لَا يؤخرن الصَّلَاة إِذا أَتَت والجنازة إِذا حضرت والأيم إِذا وجدت كُفؤًا نس

احْتج الشَّافِعِي بِمَا روينَا من قَوْله صلى الله عليه وسلم الثّيّب أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا وَأدنى دَرَجَات الأحقية توقف النِّكَاح على إِذْنهَا وروى أَبُو هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تنْكح الثّيّب حَتَّى تستأمر ت وَلم يرد بِهِ الْإِجْبَار بل المشورة لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم بعث لبَيَان الْأَحْكَام فَاقْتضى تَأْخِير ذَلِك إِلَى مَا بعد الْبلُوغ وَحَدِيث خنساء بنت خذام أَن أَبَاهَا زَوجهَا وَهِي كارهة وَكَانَت ثَيِّبًا فَرد النَّبِي صلى الله عليه وسلم نِكَاحهَا خَ

ص: 122

فِي رِوَايَة ابْن عَبَّاس أَن خذاما أَبَا وَدِيعَة أنكح ابْنَته رجلا فَأَتَت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فاشتكت إِلَيْهِ أَنَّهَا أنكحت وَهِي كارهة فانتزعها النَّبِي صلى الله عليه وسلم من زَوجهَا وَقَالَ لاتكرهوهن قَالَ فنكحت بعد ذَلِك أَبَا لبَابَة الْأنْصَارِيّ وَكَانَت ثَيِّبًا حد

وَفِي رِوَايَة ابْن السَّائِب قَالَ كَانَت بنت خذام عِنْد رجل فَبَانَت مِنْهُ فَزَوجهَا أَبوهَا رجلا من بني عَوْف وخطبت هِيَ إِلَى أبي لبَابَة فَأبى أَبوهَا إِلَّا أَن يلْزمهَا الْعَوْفِيّ وأبت هِيَ حَتَّى ارْتَفع شَأْنهَا إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ هِيَ أولى بأمرها فألحقها بهواها فَتزوّجت أَبَا لبَابَة فَولدت لَهُ أَبَا السَّائِب وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَيْسَ للْوَلِيّ مَعَ الثّيّب أَمر ق

وَالْجَوَاب أما الحَدِيث الأول فَالْمُرَاد مِنْهُ الْمَرْأَة الَّتِي لَا زوج لَهَا وَهِي الْبَالِغَة لِأَنَّهَا أَحَق بِنَفسِهَا أما الصَّغِيرَة فَلَا

ص: 123

وَأما الحَدِيث الثَّانِي فلفظه لفظ الْخَبَر وَالْأَمر يرد بِلَفْظ الْخَبَر فالبالغة هِيَ الَّتِي يُؤمر الْوَلِيّ بمشاورتها وَكَذَا بَاقِي الْأَحَادِيث ثمَّ قد خص مِنْهَا الثّيّب الْمَجْنُونَة وَأما الحَدِيث الْأَخير فقد قَالَ الْحَافِظ النَّيْسَابُورِي أَخطَأ فِيهِ معمر وَلَو سلم حمل على مَا قُلْنَا

مَسْأَلَة الْوَلِيّ الإقرب إِذا غَابَ غيبَة مُنْقَطِعَة جَازَ لمن هُوَ أبعد مِنْهُ أَن يُزَوّجهَا عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة وَهُوَ قَول أَحْمد

وَقَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ لَا تثبت الْولَايَة وَاخْتلفَا فِيمَا بَينهمَا فَقَالَ زفر لَا تثبت الْولَايَة لأحد أصلا وَقَالَ الشَّافِعِي تثبت للْحَاكِم نِيَابَة عَن الْأَقْرَب

وَالْمُخْتَار فِي حَدهَا أَن يغيب الْأَقْرَب غيبَة لَو انتظرنا حُضُوره فَاتَ الكفؤ الْخَاطِب لِأَن بذلك ينْدَفع الضَّرَر عَنْهَا وَالنَّظَر بِهَذَا السَّبَب

لنا مَا روى عَليّ رضي الله عنه مَوْقُوفا وَمَرْفُوعًا إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ الْإِنْكَاح إِلَى الْعَصَبَات وَهَذَا يَنْفِي ولَايَة السُّلْطَان وَتثبت ولَايَة الْجد

وروى جَابر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ أَلا لَا يُزَوّج النِّسَاء إِلَّا الْأَوْلِيَاء وَلَا يزوجن إِلَّا من الْأَكفاء ق فانتفت ولَايَة السُّلْطَان

ص: 124

إِلَّا أَن هَذَا الحَدِيث فِي إِسْنَاده (مُبشر) بن عبيد ضعفه احْمَد

وَاحْتج الشَّافِعِي بِمَا رَوَت عَائِشَة رضي الله عنها أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ زوجوا بناتكم الْأَكفاء ق إِلَّا أَنه لَا يَنْفِي ولَايَة غير الْأَب مَعَ غيبته

مَسْأَلَة الْأَخ وَالْعم يملكَانِ إنكاح الصَّغِير وَالصَّغِيرَة وَهُوَ قَول عمروعلي والعبادلة ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَابْن الزبير وَأبي هُرَيْرَة رضي الله عنهم وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ لَا يملكَانِ لنا مَا روينَا من قَوْله صلى الله عليه وسلم النِّكَاح إِلَى الْعَصَبَات وَلَا عصبَة هُنَا سوى الْأَخ وَالْعم وروى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم زوج أُمَامَة بنت حَمْزَة من عمر بن أبي سَلمَة وَكَانَت صَغِيرَة وَكَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ابْن عَمها وَابْن عمر زوج يتيمة وَقَالَ لَهَا الْخِيَار إِذا بلغت فَإِن قيل إِنَّمَا زَوجهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِولَايَة النُّبُوَّة لَا بِالْقَرَابَةِ بِدَلِيل أَن الْعَبَّاس

ص: 125

كَانَ أقرب مِنْهُ إِلَيْهَا لإنه عَم وَلَا ولَايَة لِابْنِ الْعم مَعَ وجود الْعم وَالْجَوَاب أَن تَزْوِيجه صلى الله عليه وسلم إِيَّاهَا بِالْقَرَابَةِ صَرِيح فِيهِ فَلَا حَاجَة إِلَى الِاحْتِمَال وَيحْتَمل أَن يكون الْعَبَّاس غَائِبا وَالْفُقَهَاء والمحدثون يَقُولُونَ إِن هَذَا المزوج عمر بن أبي سَلمَة وَهُوَ غلط إِنَّمَا هُوَ سَلمَة بن أبي سَلمَة احتجا بِمَا روى ابْن عمر قَالَ توفّي عُثْمَان بن مَظْعُون وَترك بِنْتا لَهُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم هِيَ يتيمة لَا تنْكح إِلَّا بِإِذْنِهَا ق وروى أَبُو مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا تنْكح الْيَتِيمَة حَتَّى تستأمر حد

قُلْنَا المُرَاد باليتيمة الْبَالِغَة إِذْ غير الْبَالِغَة لَا إِذن لَهَا وتسميتها يتيمة مجَاز وَقد دلّ على هَذَا مَا روى أَبُو مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تستأمر الْيَتِيمَة فِي نَفسهَا فَإِن سكتت فَهُوَ إِذْنهَا وَإِن أَبَت فَلَا جَوَاز حد وَهَذَا صَرِيح فِيمَا قُلْنَا مَسْأَلَة وَإِذا نفذ هَذَا النِّكَاح لم ينْعَقد لَازِما حَتَّى يثبت لَهَا الْخِيَار بعد الْبلُوغ

ص: 126

عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَهُوَ قَول أبي يُوسُف أَولا وَقَالَ آخرا يَقع لَازِما وَلَا يثبت لَهَا خِيَار الْبلُوغ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَمعنى خِيَار الْبلُوغ أَنه إِذا بلغ رفع الْأَمر إِلَى القَاضِي ليفسخ النِّكَاح وَهَذِه فرع الْمَسْأَلَة الْمَاضِيَة لنا مَا روى أَن قدامَة بن مَظْعُون زوج بنت أَخِيه عُثْمَان بن مَظْعُون من عبد الله بن عمر فَرده النَّبِي صلى الله عليه وسلم

وَاحْتج بِهِ مُحَمَّد رحمه الله فِي الْمَبْسُوط وَقَالَ إِن الرَّد كَانَ بِخِيَار الْبلُوغ وَلِهَذَا قَالَ ابْن عمر وَالله لقد انتزعها مني بعد مَا ملكتها فَدلَّ على ثُبُوت خِيَار الْبلُوغ وروى أَن ابْن عمر زوج يتيمة وَدفع مَالهَا إِلَى زَوجهَا وَقَالَ لَهَا الْخِيَار إِذا بلغت وَحكى الْكَرْخِي إِجْمَاع الصَّحَابَة على مثل مَذْهَبنَا

احتجا بِمَا رُوِيَ عَن عمر مَوْقُوفا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا ثَلَاث لَا ردبدى فِيهِنَّ النِّكَاح وَالطَّلَاق وَالْعتاق والردبدى هِيَ الرَّد لُغَة وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا قيلولة فِي النِّكَاح

ص: 127

وَالْجَوَاب أما ألأول فموقوف فَلَا يُعَارض الْمَرْفُوع وَالثَّانِي غَرِيب مَسْأَلَة إِذا أعتقت الْأمة وَزوجهَا حر ثَبت لَهَا الْخِيَار وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ لَا يثبت وَلَو كَانَ زَوجهَا عبدا ثَبت لَهَا الْخِيَار بالِاتِّفَاقِ بَيْننَا وَبَين الشَّافِعِي وَقَالَ أَحْمد لَهَا الْخِيَار مَا لم تمكنه من وَطئهَا لنا مَا روى عَنهُ عَائِشَة رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَت كَانَ زوج بَرِيرَة حرا فَخَيرهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم ت وَفِي رِوَايَة ملكت بضعك فاختاري وَفِي رِوَايَة ملكت نَفسك وَهَذَا يتَنَاوَل جَمِيع أَجْزَائِهَا فَإِن قيل فقد قَالَ البُخَارِيّ رَوَاهُ الْأسود عَن عَائِشَة وَرِوَايَته مُنْقَطِعَة وَلَفظ الْمسند عَن ابْن عَبَّاس أَن زوج بَرِيرَة كَانَ عبدا لآل الْمُغيرَة واسْمه مغيث وَلَو كَانَ حرا فَلم قُلْتُمْ بِأَن التَّخْيِير بِسَبَب الْعتْق لِأَنَّهُ يحْتَمل أَنه بِسَبَب آخر

ص: 128

قُلْنَا الْإِجْمَاع مُنْعَقد على أَن خِيَار الْعتْق ثَبت بِهَذَا الحَدِيث وَمَا ذكره البُخَارِيّ لَو ثَبت عَنهُ فَفِيهِ إشاره إِلَى الْإِرْسَال فَلَا يضرنا وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا أَنه كَانَ حرا وَالْأَخْذ بِرِوَايَة ابْن عَبَّاس أولى لِأَنَّهُ إِن كَانَ حرا من الأَصْل فَهُوَ المُرَاد وَإِن كَانَ عبدا فِي الأَصْل ثمَّ تَعَارَضَت الرِّوَايَات فِي حُرِّيَّته وَقت عتق بَرِيرَة فالأخذ بِرِوَايَة الْحُرِّيَّة أولى لِأَنَّهَا حَادِثَة فِي حَقه فناقلها يعْتَمد على دَلِيل حدوثها وناقل الرّقّ رُبمَا يعْتَمد على ظَاهر الْبَقَاء وَقَوْلهمْ لَو كَانَ حرا لما خَيرهَا من قَول عَائِشَة لم تحكه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلَعَلَّه مذهبها

احتجا بالنصوص الَّتِي روينَا فِي خِيَار الْبلُوغ وَبِمَا رُوِيَ أَن عَائِشَة أَرَادَت إِعْتَاق مملوكين لَهَا زَوْجَيْنِ فَأمرهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن تعْتق العَبْد أَولا فلولا أَن الْحُرِّيَّة تمنع الخيارلما أمرهَا بذلك لاشْتِرَاكهمَا فِي سَبَب الْإِعْتَاق وَالْجَوَاب أما نُصُوص خِيَار الْبلُوغ فقد سبق الْجَواب عَنْهَا وَحَدِيث عَائِشَة غَرِيب مَسْأَلَة أحد الْأَوْلِيَاء المستوين فِي الدرجَة إِذا زوج موليته من غير كُفْء لَا يثبت للباقين حق الِاعْتِرَاض عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد

ص: 129

وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَزفر يثبت لَهُم ذَلِك وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي وَفِي قَوْله الآخر لَا يَصح النِّكَاح أصلا وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد وَالأَصَح أَن زفر مَعَ أبي حنيفَة لنا مَا روى أَبُو هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثَلَاث جدهن جد وهزلهن جد النِّكَاح وَالطَّلَاق وَالرَّجْعَة د ت وَقَوله صلى الله عليه وسلم لَا قيلولة فِي الطَّلَاق وروى عقبَة بن عَامر قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِذا أنكح الوليان فَالْأول أَحَق مِنْهَا حد احْتَجُّوا بِمَا روينَا من قَوْله صلى الله عليه وسلم زوجوا بناتكم من الْأَكفاء

وَفِي رِوَايَة لَا تنْكح النِّسَاء إِلَّا من الْأَكفاء وَلَا يزوجهن إِلَّا الْأَوْلِيَاء نهى عَن التَّزْوِيج من غير الْأَكفاء وَبِدُون الْأَوْلِيَاء فَلَا يجوز إِلَّا أَن الحَدِيث لَا يَصح وَقد بَينا ذَلِك

ص: 130

مَسْأَلَة الْمَنْكُوحَة لَا ترد بِشَيْء من الْعُيُوب الْخَمْسَة وَهُوَ قَول عمر وَعلي وَابْن مَسْعُود رضي الله عنهم وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ (ترد) وَوَافَقَهُمَا أَحْمد وَزَاد عَلَيْهِمَا الْعتْق

لنا نُصُوص أحد الْأَوْلِيَاء وروى ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ أَدّوا العلائق ألى أَهلهَا قيل وَمَا العلائق قَالَ مَا تراضى عَلَيْهِ الأهلون (ق) وَعَلِيهِ إِجْمَاع الصَّحَابَة فقد روى عَن عمر أَنه قَالَ ثَلَاث مبهمات مقفلات لَيْسَ فِيهِنَّ ردبدى النِّكَاح وَالطَّلَاق وَالْعتاق وَفِي رِوَايَة النّذر

ص: 131

إِلَّا أَن فِي إِسْنَاد حَدِيث ابْن عَبَّاس أَبَا هَارُون الْعَبْدي ضَعِيف احْتَجُّوا بِمَا روى زيد بن كَعْب بن عجْرَة قَالَ تزوج النَّبِي صلى الله عليه وسلم امْرَأَة من بني غفار فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ وَوضعت ثِيَابهَا فَرَأى بكشحها بَيَاضًا فَردهَا وَفِي رِوَايَة قَالَ الحقي بأهلك وَقضى عمر رضي الله عنه برد النِّكَاح بالعيوب

ص: 132

وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ فر من المجذوم فرارك من الْأسد وَالْجَوَاب أما الحَدِيث الأول فَإِنَّمَا ردهَا بِالطَّلَاق بِدَلِيل قَوْله الحقي بأهلك وَهَذَا كِنَايَة عَن الطَّلَاق وَيحْتَمل أَنه ردهَا بطرِيق الفسح ثمَّ هُوَ حِكَايَة حَال لَا عُمُوم لَهُ وَأما الثَّانِي فالمذكور فِيهِ الْفِرَار لَا طَرِيق الْفِرَار وَالطَّرِيق قد يكون فسخا وَقد يكون طَلَاقا وَمَتى كَانَ مُحْتملا لَا يتَعَيَّن إِلَّا بِدَلِيل وَأما قَضَاء عمر وَمَا جَاءَ عَنهُ فِي هَذَا الْبَاب فمعارض بِمَا روينَا عَنهُ وَهُوَ قَول ابْن مَسْعُود رضي الله عنه وَالْمَسْأَلَة مُخْتَلف فِيهَا بَين الصَّحَابَة مَسْأَلَة الْعَجز عَن الْإِنْفَاق لَا يُوجب الْمُطَالبَة بِالتَّفْرِيقِ وَقَالَ الشَّافِعِي يُوجب وَالْعجز عَن إِيفَاء الْمهْر إِن كَانَ قبل التَّسْلِيم فَهُوَ على الْخلاف وَإِن كَانَ بعده فعندنا لَا يُوجب وَاخْتلف أَصْحَابه فِيهِ لنا مَا مر فِي مَسْأَلَة أحد الْأَوْلِيَاء المستوين فِي الدرجَة وَالشَّافِعِيّ يحْتَج بِمَا روى أَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الرجل لَا يجد مَا ينْفق على امْرَأَته قَالَ يفرق بَينهمَا ق

ص: 133

وَبِمَا روى أَن عمر وعليا كتبا إِلَى أُمَرَاء الأجناد أَن يأمروا من قبلهم ببعث نَفَقَة أَهَالِيهمْ أَو طلاقهن وَعَن سعيد بن الْمسيب أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْمَسْأَلَة فَقَالَ يفرق بَينهمَا فَقيل أسنة هُوَ فَقَالَ نعم وَالسّنة مَتى أطلقت تَنْصَرِف إِلَى سنة النَّبِي صلى الله عليه وسلم

وَالْجَوَاب أما الحَدِيث فخبر وَاحِد ورد على مُخَالفَة قَوْله تَعَالَى {وَإِن كَانَ ذُو عسرة فنظرة إِلَى ميسرَة} ثمَّ (هُوَ) مَحْمُول على مَا لم يملك النَّفَقَة أصلا بِوَجْه مَا

ص: 134

وَأما عمر وَعلي رضي الله عنهما فَإِنَّمَا خيرا بَين الْإِنْفَاق وَالطَّلَاق وَنحن نقُول الزَّوْج مُخَيّر بَينهمَا وَلَا كَلَام فِيهِ إِنَّمَا الْكَلَام فِي أَنه هَل يسْتَحق التَّفْرِيق أَولا وَلَيْسَ فِيهِ مَا يدل على ذَلِك فَيكون اسْتِدْلَالا بِالسُّكُوتِ عَنهُ ثمَّ (هُوَ) أثر بِمُقَابلَة الْمَرْفُوع وَلَا يَصح

وَأما قَول سعيد بن الْمسيب فسعيد من التَّابِعين فَلَا يكون قَوْله حجَّة على أبي حنيفَة رحمه الله لقَوْل أبي حنيفَة مَا جَاءَ عَن التَّابِعين فهم رجال وَنحن رجال

على أَن السّنة تَنْصَرِف إِلَى الطَّرِيقَة الْحَسَنَة وَقد تكون من النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقد تكون من الصَّحَابَة كَمَا قيل سنة العمرين فَيحْتَمل أَنه أَرَادَ سنة النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَيحْتَمل أَنه أَرَادَ سنة أبي بكر وَعمر وَيحْتَمل أَنه أَرَادَ سنة عمر وَعلي لِأَنَّهُ مَذْهَبهمَا وَقد تكون من التَّابِعين فَعِنْدَ الْإِطْلَاق لَا تَنْصَرِف إِلَى سنة النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَسْأَلَة إِذا سبى الزَّوْجَانِ مَعًا لَا يَقع الْفرْقَة بَينهمَا عندنَا وَعند الشَّافِعِي وَاحْمَدْ يَقع

وَاخْتلفَا فِي عِلّة الْفرْقَة فَقَالَ أَصْحَابنَا الْعلَّة تبَاين الدَّاريْنِ حَقِيقَة وَحكما وَمعنى الْحَقِيقَة أَن يكون أَحدهمَا فِي دَار الْإِسْلَام وَالْآخر فِي دَار الْحَرْب وَمعنى الحكم أَن يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا من أهل الدَّار الَّتِي هُوَ فِيهَا وَعند الْخصم عِلّة الْفرْقَة إِنَّمَا هِيَ السَّبي والقهر وَثَمَرَة الْخلاف تظهر فِي مسَائِل

ص: 135

مِنْهَا هَذِه الْمَسْأَلَة لَا تثبت الْفرْقَة عندنَا لِانْعِدَامِ التباين وَعِنْدهم تثبت لوُجُود السَّبي

وَمِنْهَا إِذا أسلمت الحربية وَهَاجَرت أَو أسلم عبد الحربي ثمَّ هَاجر تثبت الْفرْقَة وَالْعِتْق عندنَا خلافًا لَهُم وَقد تساعدنا على أَن الْهِجْرَة مَتى كَانَت على وَجه المراغمة تثبت الْفرْقَة لتحَقّق الْقَهْر والاستيلاء على نَفسه

لنا قَوْله تَعَالَى {إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات مهاجرات} إِلَى قَوْله {لَا هن حل لَهُم وَلَا هم يحلونَ لَهُنَّ} نفى الْحل بَين المهاجرة وَبَين زَوجهَا الَّذِي فِي دَار الْحَرْب احتجا بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاس لَا تُوطأ حَامِل حَتَّى تضع وَلَا حَائِل حَتَّى تستبرأبحيضة (د) وَمُقْتَضَاهُ حل الْوَطْء للسابي بعد وضع الْحمل

وَبِمَا روى أَن زَيْنَب بنت النَّبِي صلى الله عليه وسلم هَاجَرت إِلَى الْمَدِينَة وَأسلم زَوجهَا أَبُو الْعَاصِ بن الرّبيع بعد سنتَيْن وَهَاجَر فَردهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِالنِّكَاحِ الأول فَلَو ثبتَتْ الْفرْقَة بالتباين لما ردهَا بِهِ وَلَا احْتِيجَ إِلَى نِكَاح جَدِيد

ص: 136

وَلما أسلم أَبُو سُفْيَان بمر الظهْرَان فِي عَسْكَر النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَامْرَأَته هِنْد بِمَكَّة فَلَمَّا فتحت مَكَّة أسلمت فَردهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِالنِّكَاحِ الأول وَالْهجْرَة إِلَى عَسْكَر الْمُسلمين كالهجرة إِلَى دَار الْإِسْلَام

وروى أَن عِكْرِمَة بن أبي جهل وَصَفوَان هربا يَوْم الْفَتْح إِلَى الطَّائِف والساحل فَأسْلمت امرأتاهما وأخذتا لَهما الْأمان فردهما النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمَا بِالنِّكَاحِ الأول وَعَن الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ مَا أسلمت امْرَأَة وَأسلم زَوجهَا إِلَّا وَقد ردهَا إِلَيْهِ بِالنِّكَاحِ الأول وَهَذِه آثَار مَشْهُورَة وَالْجَوَاب أما الحَدِيث الأول فَمَحْمُول على مَا إِذا سبيت وَحدهَا وَأما حَدِيث زَيْنَب فروى عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم ردهَا

ص: 137

بِنِكَاح جَدِيد وَقد روى أَن كفار قُرَيْش أخافوها فَأسْقطت وَبِذَلِك تَنْقَضِي الْعدة

وَأما حَدِيث أبي سُفْيَان فقد اخْتلف النَّاس فِي إِسْلَامه وَالأَصَح أَنه مَا حسن إِلَّا بعد الْفَتْح فَلم يُوجد التباين أويحمل على أَنه ردهَا بِحَق النِّكَاح الأول

وَأما حَدِيث صَفْوَان وَعِكْرِمَة فالساحل كَانَ من حُدُود الْإِسْلَام وروى أَنَّهُمَا هربا إِلَى الْيمن وَهُوَ من حُدُود الْإِسْلَام فَلم يُوجد التباين وَمَا روى الزُّهْرِيّ مَحْمُول على أَنه بِحَق النِّكَاح الأول

مَسْأَلَة نِكَاح الْأُخْت فِي عدَّة الْأُخْت عَن طَلَاق بَائِن أَو ثَلَاث أَو نِكَاح فَاسد أَو وَطْء بِشُبْهَة لَا يجوز عندنَا وَهُوَ قَول أَحْمد وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يجوز وَقد تساعدنا على أَنه لَا يجوز عَن طَلَاق رَجْعِيّ وَكَذَا الْخلاف فِي نِكَاح أَربع سواهَا لنا مَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يجمعن مَاءَهُ فِي رحم أُخْتَيْنِ

ص: 138

وروى عُبَيْدَة السَّلمَانِي قَالَ مَا اجْتمع أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على شَيْء كاجتماعهم على تَحْرِيم نِكَاح الْأُخْت فِي عدَّة الْأُخْت لعَلي وَابْن مَسْعُود وروى أَن هَذِه الْحَادِثَة وَقعت فِي زمن مَرْوَان فشاورالصحابة فاتفقوا على تَحْرِيمه (وروى عَن عُثْمَان أَنه قَالَ أحلتها آيَة وحرمتهاآية) وَالتَّحْرِيم أولى وَالْآيَة المحللة {أَو مَا ملكت أَيْمَانكُم} والمحرمة {وَأَن تجمعُوا بَين الْأُخْتَيْنِ} فَإِن قيل ظَاهر الحَدِيث مَتْرُوك لِأَنَّهُ يجوز وَطْء أُخْت أم وَلَده وَأما الْإِجْمَاع فقد روى عَن زيد الْجَوَاز وَمَعَ مُخَالفَته لَا إِجْمَاع

ص: 139

قُلْنَا أما وَطْء أُخْت أم وَلَده فَلَا يجوز عندنَا حَتَّى يخرج الَّتِي وَطئهَا عَن ملكه أَو يُزَوّجهَا

وَأما زيد فقد ذكر أَبُو يُوسُف فِي الأمالي رُجُوعه إِلَى قَول الصَّحَابَة وَلَا يلْزم عَلَيْهِ أَن يحمل على الْعدة من الطَّلَاق الرَّجْعِيّ لأَنا نقُول الطَّلَاق الرَّجْعِيّ قَائِم بالِاتِّفَاقِ فَلَا حَاجَة إِلَى الْإِجْمَاع

احتجا بالعمومات وَكلهَا مُعَارضَة بِمَا روينَا وَقد خص مَوضِع الْإِجْمَاع وَهُوَ الطَّلَاق الرَّجْعِيّ ويترجح مَذْهَبنَا بِإِجْمَاع الصَّحَابَة وَالِاحْتِيَاط فِي بَاب الْفروج

مَسْأَلَة زوج الْمُعْتَدَّة إِذا قَالَ أَخْبَرتنِي أَن عدتهَا قد انْقَضتْ وَذَلِكَ فِي مُدَّة يحْتَمل الِانْقِضَاء وكذبته جَازَ للزَّوْج أَن يتَزَوَّج باختها وبأربع سواهَا فِي قَول عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة وَاحْمَدْ وَقَالَ زفر لَا يجوز وَهُوَ قَول الشَّافِعِي لنا عمومات النِّكَاح الْمُطلقَة وَله مَا روينَا من قَوْله صلى الله عليه وسلم فَلَا يجمعن مَاءَهُ فِي رحم أُخْتَيْنِ إِلَّا أَن إخْبَاره صدر عَن تَمْيِيز وديانة فيترجح جَانب الصدْق فَلَا يكون جمعا

مَسْأَلَة إِذا تزوج امْرَأَة وَلم يسم لَهَا مهْرا أَو على أَن لَا مهر لَهَا صَحَّ النِّكَاح وَوَجَب مهرالمثل بِالْعقدِ وتأكد بِمَوْت أَحدهمَا

وَلَو طَلقهَا قبل الدُّخُول وَجَبت الْمُتْعَة دون الْمهْر عندنَا وَهُوَ قَول أَحْمد وَقَالَ

ص: 140

مَالك وَالشَّافِعِيّ يَصح النِّكَاح وَلَا يجب الْمهْر بِنَفس العقد وَلَا يتَأَكَّد بِمَوْت احدهما أَيهمَا كَانَ وَلَكِن لَهَا أَن تطالبه بِمهْر الْمثل هَذَا هُوَ الْمَشْهُور عَنهُ وَفِي قَول لَا يجب لَهَا شَيْء أصلا وَتسَمى المفوضة

لنا مَا روى عَلْقَمَة عَن ابْن مَسْعُود أَنه سُئِلَ عَن رجل تزوج امْرَأَة ثمَّ مَاتَ عَنْهَا وَلم يفْرض لَهَا صَدَاقا وَلم يكن دخل بهَا فَقَالَ أرى لَهَا مثل صدَاق نسائها وَلها الْمِيرَاث وَعَلَيْهَا الْعدة فَقَالَ أَبُو الْجراح معقل بن سِنَان الْأَشْجَعِيّ (أشهد أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قضى) فِي تَزْوِيج بروع بنت واشق الأشجعية بِمثل مَا قضيت حد ت وَقَالَ حَدِيث صَحِيح

ص: 141

وَفِي الحَدِيث رِوَايَات ذَكرنَاهَا فِي الخلافيات

فَإِن قيل قد روى فِي بعض الرِّوَايَات حَدِيث ابْن مَسْعُود وَرَوَاهُ الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه بِسَنَد صَحِيح

وَأما التِّرْمِذِيّ فَرَوَاهُ من حَدِيث زيد بن الْحباب عَن الثَّوْريّ عَن مَنْصُور عَن ابراهيم عَن عَلْقَمَة عَن ابْن مَسْعُود وَقَالَ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح

وَرَوَاهُ الْبَقِيَّة من حَدِيث ابْن مهْدي عَن سُفْيَان عَن فراس عَن الشّعبِيّ عَن مَسْرُوق عَن عبد الله وَهَذَانِ السندان رجالهما مُتَّفق على عدالتهم وروى لَهُم مُسلم وَالْبُخَارِيّ فَقَامَ معقل بن يسَار وَاخْتِلَاف الرِّوَايَة يُوجب وَهنا فِي الحَدِيث وَقد رده عَليّ رضي الله عنه بقوله مَا نصْنَع بقول أَعْرَابِي بوال على عَقِبَيْهِ

وَلَو سلم احْتمل أَن قَضَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي صَغِيرَة زَوجهَا أَبوهَا من غير مهر فَأوجب لَهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْمهْر وَبِه نقُول وَقد روى عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَزيد رضي الله عنهم أَنهم قَالُوا فِي المفوضة لَهَا الْمِيرَاث وَلَا صدَاق لَهَا

ص: 142

قُلْنَا الحَدِيث قد حكم الْحَافِظ بِصِحَّتِهِ حَتَّى قَالَ أَبُو دَاوُد لما بلغ الشَّافِعِي هَذَا الحَدِيث وَهُوَ بِمصْر رَجَعَ عَن مذْهبه

وَأما معقل بن يسَار فهما اثْنَان ابْن يسَار وَابْن سِنَان وَالِاخْتِلَاف فِي اسْم أبي الرَّاوِي إِذا كَانَ الرَّاوِي مَشْهُورا لَا يقْدَح فِي رِوَايَته

وَأما طعن عَليّ رضي الله عنه إِن ثَبت فمذهبه أَنه لَا يقبل مَا ورد فِي هَذَا الْبَاب بِرِوَايَة أَعْرَابِي وَيحلف غير الْأَعرَابِي وَهَذَا مَذْهَب مَتْرُوك بِالْإِجْمَاع

وَمَا ذَكرُوهُ من الِاحْتِمَال لَا يَصح لِأَن الشَّهَادَة وَقعت على أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قضى بِمثل ذَلِك فِي بروع وَهِي كَانَت مفوضه

وَأما قَول عَليّ وَابْن عَبَّاس فقد أفتى ابْن مَسْعُود بِمثل مَذْهَبنَا بِمحضر من الصَّحَابَة وأصحابنا يحتجون بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لانكاح إِلَّا بِمهْر إِلَّا أَنه غَرِيب

احتجا بِمَا روى ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ أنكحوا الْأَيَامَى وأدوا العلائق قيل وَمَا العلائق قَالَ مَا تراضي عَلَيْهِ الأهلون وَلَو قضيب من أَرَاك ق وروى أَبُو النُّعْمَان الْأَزْدِيّ قَالَ زوج النَّبِي صلى الله عليه وسلم امْرَأَة على سُورَة من الْقُرْآن. ق

ص: 143

وَفِي رِوَايَة ابْن مَسْعُود أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ قد أنكحتكها على أَن تقرئها وتعلمها وَإِذا رزقك الله عوضتها ق وَالْجَوَاب أَنه لَا يَصح فِي هَذَا الْبَاب شَيْء

أما الحَدِيث الأول فَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ هُوَ مُنكر وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن عبد الرحمن قَالَ ابْن معِين لَيْسَ بِشَيْء

وَأما الثَّانِي فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي إِسْنَاده تفرد عتبَة بن السكن وَهُوَ مَتْرُوك ثمَّ قد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ فِيهِ (ثمَّ) لَا يكون لأحد بعْدك مهْرا وَكَانَ مَكْحُول يَقُول لَيْسَ ذَلِك لأحد بِعْ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

مَسْأَلَة الْخلْوَة الصَّحِيحَة فِي النِّكَاح توجب كَمَال الْمهْر وَالْعدة عندنَا وَهُوَ قَول أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَزيد بن ثَابت وَابْن عمر ومعاذ بن جبل والمغيرة بن شُعْبَة وَأبي مُوسَى وَأحمد رضي الله عنهم وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يُوجب وَصُورَة الْمَسْأَلَة إِذا خلا بهَا ثمَّ طَلقهَا قبل الدُّخُول فعندنا لَهَا كل الْمهْر وَعَلَيْهَا الْعدة

ص: 144

وَعِنْدَهُمَا نصف الْمهْر وَلَا عدَّة عَلَيْهَا وَصِحَّة الْخلْوَة بِانْتِفَاء الْمَوَانِع من الْوَطْء شرعا وحسا فالشرغ كاصوم وَالصَّلَاة المفروضين وَالْإِحْرَام فَرْضه ونفله وَالْحيض وَالنّفاس والحس مثل الْمَرَض والرتق والقرن لنا مَا روى ابْن ثَوْبَان ان النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من كشف خمار امْرَأَة وَنظر إِلَيْهَا وَجب الصَدَاق دخل بهَا أم لَا ق وَهَذَا نَص فِي مَحل النزاع

وروى زُرَارَة بن أبي أوفى قَالَ قَالَ الْخُلَفَاء الراشدون من تزوج امْرَأَة فأغلق بَابا وأرخى سترا وَجب لَهَا الْمهْر كَامِلا دخل بهَا أَو لَا فَإِن قيل الحَدِيث مُرْسل وَفِي إِسْنَاده ابْن لَهِيعَة ثمَّ كشف الْخمار لَيْسَ مرَادا حَقِيقَة لأنكم تحملونه على الْخلْوَة لِأَن كشف الْخمار

ص: 145

يكون غَالِبا فِيهَا وَنحن نحمله على الوقاع لِأَنَّهُ يكون عِنْده فَلم كَانَ مَا قُلْتُمْ أولى وَأما الْإِجْمَاع فقد روى عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ لَا أجد فِي كتاب الله إغلاق بَاب وَلَا إرخاء ستر وَعَن ابْن مَسْعُود قَالَ لَهَا نصف الْمهْر وَإِن جلس بَين شعبها الْأَرْبَع وَمَعَ خلافهما لَا إِجْمَاع قُلْنَا الْمُرْسل عندنَا حجَّة وَقد أسْندهُ الطَّحَاوِيّ والرازي وَابْن لَهِيعَة قد روى عَنهُ الْعلمَاء

وَأما الْإِجْمَاع فقد قَرَّرَهُ الطَّحَاوِيّ أَيْضا والمروي عَن ابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود خلاف فِي تَحْدِيد الْخلْوَة لَا فِي حكمهَا لِأَن من الصَّحَابَة من كَانَ يحد الْمهْر بالخلوة فحد بإغلاق الْبَاب وإرخاء السّتْر وَابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود كَانَا يحدانها بالتمكن

احتجا بقوله تَعَالَى {فَنصف مَا فرضتم} فَالله تَعَالَى أوجب نصف الْمَفْرُوض فِيمَا إِذا وجد الطَّلَاق قبل الْمَسِيس وَنفى الْعدة بقوله {ثمَّ طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ فَمَا لكم عَلَيْهِنَّ من عدَّة تعتدونها} قُلْنَا إِن فَرضنَا الْكَلَام فِيمَا إِذا خلا بهَا ومسها سقط تمسكهم بِالْآيَةِ مَسْأَلَة طول الْحرَّة لَا يمْنَع جَوَاز نِكَاح الْأمة عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ يمْنَع

ص: 146

وَقد تساعدنا على أَن نِكَاح الْأمة لَا يمْنَع نِكَاح الْحرَّة وعَلى أَن قيام نِكَاح الْحرَّة يمْنَع نِكَاح الْأمة لنا العمومات كَقَوْلِه تَعَالَى {وَأحل لكم مَا وَرَاء ذَلِكُم} لما عدد الْمُحرمَات وَهَذِه لَيست مِنْهُنَّ دخلت فِي المحللات بقضية النَّص

فَإِن قيل لَا حجَّة لكم فِي الْآيَة لِأَن الآمة غير مُرَادة مِنْهَا لقَوْله تَعَالَى {فَمن مَا ملكت أَيْمَانكُم من فَتَيَاتكُم الْمُؤْمِنَات} فَكَانَ المُرَاد مِنْهَا الْحَرَائِر قُلْنَا الْإِحْلَال عَام فَيجْرِي على عُمُومه احتجا بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من كَانَ قَادِرًا على نِكَاح حرَّة فَلَا ينْكح أمة وَعَن ابْن عَبَّاس من ملك ثَلَاثمِائَة دِرْهَم لَا ينْكح أمة وَالْجَوَاب أما الحَدِيث الأول فَغَرِيب وَالْمَشْهُور عَن ابْن الْمسيب تنْكح الْحرَّة على الْأمة وَلَا تنْكح الآمة على الْحرَّة ق

ص: 147

ثمَّ هُوَ خبر وَاحِد ورد على مُخَالفَة الْكتاب أَو (يحمل) على الِاسْتِحْبَاب

مَسْأَلَة المصابة بِالْفُجُورِ لَا تستنطق عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك رحمهمَا الله وَتزَوج كَمَا تزوج الْأَبْكَار

وَقَالُوا جَمِيعًا تستنطق بِمَنْزِلَة الثّيّب

وَاتَّفَقُوا على أَنه لَو زَالَت بَكَارَتهَا بوثبة أَو حَيْضَة أَو طفرة أَو تعنيس أَو جِرَاحَة أَنَّهَا تزوج كَمَا تزوج الْأَبْكَار إِلَّا فِي قَول الشَّافِعِي

وَاتَّفَقُوا على أَنه لَو زَالَت بَكَارَتهَا بِنِكَاح فَاسد أَو وَطْء بِشُبْهَة فانها تزوج كَمَا تزوج الثّيّب

لنا قَوْله صلى الله عليه وسلم إِذْنهَا صماتها وَمَعْنَاهُ لما كَانَت تَسْتَحي وَهَذِه بِهَذِهِ المثابة لِأَن الْحيَاء مَانع وَهُوَ الْعلَّة فِي الْبكر

احْتَجُّوا بقوله صلى الله عليه وسلم الثّيّب يعرب عَنْهَا لسانها وَهَذِه ثيب لِأَن واطئها يثوب إِلَيْهَا أَي يرجع وَلِهَذَا فرق بَينهَا وَبَين الْبكر بقوله إِذْنهَا صماتها

قُلْنَا هِيَ ثيب لَكِن خص فِي حق الْمَجْنُونَة وَالْأمة الثّيّب وَالثَّيِّب الصَّغِيرَة فيخص الْمُتَنَازع فِيهِ بِمَا ذكرنَا من الْعلَّة

مَسْأَلَة ينْعَقد النِّكَاح بِلَفْظ البيع وَالْهِبَة وَالتَّمْلِيك وَالصَّدَََقَة وَنَحْوه عندنَا وَهُوَ قَول مَالك

ص: 148

وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد لَا ينْعَقد إِلَّا بلفظي الْإِنْكَاح وَالتَّزْوِيج

لنا مَا روى سهل بن سعد السَّاعِدِيّ أَن إمرأة جَاءَت الى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَت جِئْت أهب لَك نَفسِي فَنظر إِلَيْهَا بعض الصَّحَابَة فَقَالَ رَسُول الله زَوجنِي بهَا فَقَالَ أَمَعَك شئ فَقَالَ مَا معي إِلَّا سُورَة كَذَا فَقَالَ اذْهَبْ فقد ملكتكها خَ م

فَدلَّ على أَن لَفْظَة الْهِبَة وَالتَّمْلِيك وَنَحْوهَا كَانَت متعارفة بَينهم

وَقضى عَليّ رضي الله عنه فِي رجل وهب ابْنَته لإبن مَسْعُود بجوار النِّكَاح فان قيل فَهَذَا رَوَاهُ الْجَمَاعَة فَقَالُوا زوجتكها وأنكحتكها وَإِنَّمَا (روى) ملكتكها معمر وَكَانَ كثير الْغَلَط

قُلْنَا قد خرجه البُخَارِيّ وَمُسلم على الْوَجْه الَّذِي ذكرنَا ثمَّ قَوْلهمَا فِي صدر الحَدِيث جِئْت أهب لَك نَفسِي مُتَّفق على أَنه لَا إحتمال فِيهِ

احتجا بِمَا روى ابْن عمر رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ يَا أَيهَا النَّاس إِن النِّسَاء عوان عنْدكُمْ لَا يملكن لأنفسهن ضرا وَلَا نفعا أَخَذْتُمُوهُنَّ بأمانة الله واستحللتم

ص: 149

فروجهن بِكَلِمَة الله

وَكلمَة الله هِيَ الَّتِي فِي كِتَابه وَهِي لفظ الْإِنْكَاح وَالتَّزْوِيج

قُلْنَا المُرَاد معنى الْمَذْكُور فِي الْكتاب (لَا عينه) وَلَو أُرِيد عينة فلفظة الْهِبَة مَذْكُورَة فِي قَوْله تَعَالَى {وَامْرَأَة مُؤمنَة إِن وهبت نَفسهَا للنَّبِي} وَفِي الحَدِيث الَّذِي روينَا

ثمَّ فِيهِ بَيَان انْعِقَاد النِّكَاح بِهَذِهِ الْكَلِمَة وَلَيْسَ فِيهِ نفي غَيره وانما خصها بِالذكر لِأَنَّهَا الْأَغْلَب

مَسْأَلَة الْوَاحِد يتَوَلَّى طرفِي العقد فِي النِّكَاح ولَايَة ووكالة عِنْد علماءنا الثَّلَاثَة

وَقَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز وَعَن أَحْمد كالمذهبين

وَصُورَة الْمَسْأَلَة فِي الْولَايَة مثل أَن يُزَوّج بنت ابْنه من ابْنه الآخر أَو بنت عَمه من ابْن عَمه الآخر أَو بنت عَمه من نَفسه

وَفِي الْوكَالَة مثل أَن توكله الْمَرْأَة بتزويجها من نَفسه فَيكون أصيلا فِي حق نَفسه وَكيلا فِي حَقّهَا (فثبتت) الْوكَالَة من الْجَانِبَيْنِ

لنا مَا روى أنس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أعتق صَفِيَّة بنت حييّ وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا خَ م

ص: 150

وَلم ينْقل أَنه تولاها غَيره لِأَنَّهَا لم يكن لَهَا ولي

احْتَجُّوا بِمَا مر من قَوْله صلى الله عليه وسلم كل نِكَاح لم يحضرهُ أَرْبَعَة فَهُوَ سفاح الْخَاطِب وَالْوَلِيّ والشاهدان فَمن جوزه بِغَيْر حضورهم فقد خَالف النَّص

قُلْنَا قد سبق تَضْعِيف هَذَا الحَدِيث ثمَّ الشَّخْص اذا صَار وليا وخاطبا فَهُوَ كشخصين لِاجْتِمَاع السببين فِي حَقه فقد وجد حُضُور الْأَرْبَعَة معنى وَالْعبْرَة للمعاني دون الصُّور

مسالة الْفَاسِق يكون وليا فِي النِّكَاح بِمَنْزِلَة الْعدْل عندنَا وَهُوَ قَول مَالك

وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد لَا يكون وليا وَعَن أَحْمد قَول كَقَوْلِنَا

لنا المعمومات

وَلَهُمَا مَا روينَا من قَوْله صلى الله عليه وسلم لَا نِكَاح الا بولِي مرشد وشاهدي عدل وَالْفَاسِق لَيْسَ بمرشد

قُلْنَا قد تقدم تَضْعِيف هَذَا الحَدِيث فانهم أَجمعُوا على تَضْعِيفه وتضعيف مَا جَاءَ فِي مَعْنَاهُ قَالَ صَاحب الاصطلام من الشَّافِعِيَّة لم يثبت هَذَا الحَدِيث فكفينا مؤنتهم

وَلَو سلم كَانَ المُرَاد بقوله (مرشد) أَي عَاقل ذِي رَأْي دون الْمَعْتُوه وَالسَّفِيه وَبِه نقُول وَالله أعلم بِالصَّوَابِ

ص: 151

= كتاب الطَّلَاق =

مَسْأَلَة إِضَافَة الطَّلَاق الى الْيَد أَو الرجل أَو إِلَى كل جُزْء معِين من الْبدن لَا يعبر بِهِ عَن جَمِيع الْبدن لَا يَصح عندنَا

وَقَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يَصح

وعَلى هَذَا الْخلاف الْعتاق وَالْإِيلَاء وَالظِّهَار وَالْعَفو عَن الْقصاص

وَاتَّفَقُوا على أَن إِضَافَته إِلَى الْجُزْء الشَّائِع كالثلث وَالرّبع وَنَحْوه يَصح وَكَذَا الْوَجْه والفرج وَالرَّأْس والرقبة والفخذ وَالروح وَالدَّم

وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِي الْبَطن وَالظّهْر

لنا مَا روينَا من قَوْله صلى الله عليه وسلم وَلكُل امْرِئ مَا نوى وَقَوله صلى الله عليه وسلم لَيْسَ للمرء من عمله الا مَا نَوَاه وَهَذَا لم ينْو بِالْيَدِ الْبدن حَتَّى لَو نوى وَقع عِنْد أَصْحَابنَا

احْتَجُّوا بقوله تَعَالَى {ذَلِك بِمَا قدمت أَيْدِيكُم} وَالْمرَاد أَصْحَابهَا فَدلَّ على أَنَّهَا عبارَة عَن جَمِيع الْبدن وَكَذَا قَوْله صلى الله عليه وسلم على الْيَد مَا أخذت حَتَّى ترده حد

وَبِمَا روى أَبُو هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ كل طَلَاق جَائِز الا طَلَاق الصَّبِي

ص: 152

وَالْمَعْتُوه ت وَالطَّلَاق مَوْجُود هَهُنَا

وَالْجَوَاب أما الْآيَة فَالْمُرَاد بهَا الْجَارِحَة الْمَعْهُودَة دون أَصْحَابهَا كَذَا ذكر أَئِمَّة التَّفْسِير وَكَذَا المُرَاد بِالْحَدِيثِ الأول

وَأما الثَّانِي فَقَالَ التِّرْمِذِيّ لَا نعرفة من حَدِيث عِكْرِمَة بن خَالِد الا من رِوَايَة عَطاء وَإنَّهُ ضَعِيف

وَلَئِن سلم فَلم قُلْتُمْ إِن الطَّلَاق مَوْجُود فِيمَا نَحن فِيهِ وَالْخلاف فِيهِ

مَسْأَلَة التَّنْجِيز يبطل التَّعْلِيق عندنَا

وَقَالَ زفر لَا يبطل وَهُوَ قَول الشَّافِعِي

وَصُورَة الْمَسْأَلَة أَن يَقُول لامْرَأَته إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا ثمَّ يطلقهَا ثَلَاثًا تبطل الْيَمين عندنَا حَتَّى لَو عَادَتْ اليه بعد زوج آخر وَدخلت الدَّار لم تطلق وَعِنْدَهُمَا تطلق

ص: 153

وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا قَالَ لأمته إِن دخلت الدَّار فَأَنت حرَّة ثمَّ أعْتقهَا قبل الدُّخُول بطلت الْيَمين حَتَّى لَو عَادَتْ الى (ملكه) بعد الرِّدَّة والسبي وَدخلت الدَّار (لَا تعْتق) عندنَا وَإِنَّمَا فرض الْكَلَام فِيهِ الْأمة دون العَبْد لِأَن العَبْد إِذا ارْتَدَّ يقتل وَالْأمة تسبى

لنا العمومات الْمُطلقَة فِي حل وَطْء الزَّوْجَات فَيحل وَطْؤُهَا

وَلَهُمَا أَن الطَّلَاق هَهُنَا مَوْجُود لما مر فِي الْمَسْأَلَة الْمَاضِيَة فَتطلق وَالْجَوَاب مَا قُلْنَاهُ

مَسْأَلَة إِذا قَالَ لامْرَأَته أَنا مِنْك طَالِق وَنوى بِهِ الطَّلَاق لَا يَقع الطَّلَاق عندنَا وَهُوَ قَول أَحْمد

وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يَقع

وَقد تساعدنا على أَنه لَو قَالَ أَنا مِنْك بَائِن أَو عَلَيْك حرَام فانه يَصح

لنا العمومات كَقَوْلِه تَعَالَى {فَإِن طَلقهَا فَلَا تحل لَهُ من بعد حَتَّى تنْكح زوجا غَيره}

وَالْمرَاد بقوله {طَلقهَا} الطَّلقَة الثَّالِثَة وبالحل حل النِّكَاح بِاتِّفَاق الْأمة والحل ثَابت

احتجا بنصوص إِضَافَة الطَّلَاق وَهَذَا طَلَاق فَيَقَع وَقد خرج الْجَواب عَن نُصُوص إِضَافَة الطَّلَاق

ص: 154

مَسْأَلَة قَالَ أَبُو حنيفَة رحمه الله إِذا قَالَ الرجل لامْرَأَته قبل الدُّخُول بهَا إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق وَطَالِق وَطَالِق فَدخلت الدَّار لَا يَقع الا وَاحِدَة

وَقَالا تطلق ثَلَاثًا

وَلَو أخر الشَّرْط بِأَن قَالَ أَنْت طَالِق وَطَالِق وَطَالِق إِن دخلت الدَّار فَدخلت تقع الثَّلَاث بالِاتِّفَاقِ وَكَذَا لَو كرر الشَّرْط بِأَن قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق قَالَهَا ثَلَاثًا فَدخلت الدَّار طلقت ثَلَاثًا بالِاتِّفَاقِ

لَهُ العمومات

وَلَهُم نُصُوص إِضَافَة الطَّلَاق الى الْيَد وَقد مرت

مَسْأَلَة اذا قَالَ لامْرَأَته أَنْت طَالِق (و) مُطلقَة (و) طَلقتك وَنوى الثِّنْتَيْنِ أَو الثَّلَاث لَا يَقع الا وَاحِدَة رَجْعِيَّة وَلَا تقرر الْحُرْمَة الغليظة وَهُوَ قَول أَحْمد

وَقَالَ زفر يَقع مَا نَوَاه وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ

لنا قَوْله تَعَالَى {وبعولتهن أَحَق بردهن} أثبت لَهُ حق الرَّد فَلَا (تتقرر) الْحُرْمَة الغليظة

(فان قَالُوا) فقد اخْتَلَفْنَا فِي أَنه يملك الرّجْعَة فَكيف يجوز بِنَا الْمُخْتَلف

قُلْنَا يجوز ذَلِك اذا ثَبت الأول بدليله وَقد ثَبت

احْتَجُّوا بقوله صلى الله عليه وسلم وَلكُل امْرِئ مَا نوى

ص: 155

إِلَّا أَنا نقُول نوى مَا لَا يحْتَملهُ لَفظه فَلَا يَصح نِيَّته كَمَا لَو قَالَ زوري أَبَاك

مَسْأَلَة قَالَ أَبُو حنيفَة رحمه الله إِذا قَالَ الرجل لامْرَأَته طَلِّقِي نَفسك وَاحِدَة فَطلقت ثَلَاثًا لم يَقع شئ (وَهُوَ قَول زفر وَمَالك وَقَالا يَقع وَاحِدَة) وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأحمد

وعَلى هَذَا الْخلاف لَو قَالَ طَلِّقِي نَفسك وَاحِدَة إِن شِئْت فَطلقت ثَلَاثًا لم يَقع شَيْء عِنْده

وَعِنْدَهُمَا يَقع وَاحِدَة

احْتج بالعمومات الْمُقْتَضِيَة لحل وَطْء الْأزْوَاج

وَلَهُم نُصُوص اضافة الطَّلَاق الى الْيَد وَقد مرت

مَسْأَلَة يَصح تَعْلِيق الطَّلَاق وَالْعتاق بِالْملكِ وَهُوَ قَول عمر وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَالزهْرِيّ وَابْن الْمسيب وَالنَّخَعِيّ وَالشعْبِيّ وَمَكْحُول وَسَالم بن عبد الله وَآخَرين رضي الله عنهم

وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد لَا يَصح

وَصُورَة الْمَسْأَلَة إِذا قَالَ لأجنبية إِن تَزَوَّجتك فَأَنت طَالِق أَو كل إمرأة أَتَزَوَّجهَا فَهِيَ طَالِق

وَفِي الْعتاق إِذا قَالَ لعبد إِذا مَلكتك فَأَنت حر أَو كل عبد أشتريه فَهُوَ حر

ص: 156

وَقع الطَّلَاق وَالْعتاق عِنْد وجود الشَّرْط خلافًا لَهما

وَقَالَ مَالك إِن خص صَحَّ وَإِن عَم لم يَصح وَهُوَ قَول ابْن ابي ليلى

لنا إِجْمَاع الصَّحَابَة والعمومات

وروى أَن رجلا قَالَ يَوْم أنكح فُلَانَة أَو إِذا نكحت فُلَانَة فَهِيَ (عَليّ) كَظهر أُمِّي فَبلغ ذَاك عمر فَقَالَ إِن نكحتها فَلَا تَقربهَا حَتَّى تكفر بِمحضر الصَّحَابَة من غير نَكِير فَكَانَ إِجْمَاعًا

لَهما مَا روى ابْن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَيْسَ على رجل طَلَاق فِيمَا لَا يملك وَلَا عتاق فِيمَا لَا يملك وَلَا بيع فِيمَا لَا يملك حد وَهَذَا طَلَاق قبل النِّكَاح وعتاق قبل الْملك فَلَا يَصح

وَقد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَن معَاذ بن جبل عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ لَا يجوز طَلَاق وَلَا عتاق وَلَا بيع وَلَا وَفَاء نذر فِيمَا لَا يملك

وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ عَن معَاذ قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَا طَلَاق الا بعد نِكَاح وَإِن سميت الْمَرْأَة بِعَينهَا

ص: 157

وروى عَن ابي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي قَالَ قَالَ لي (عَم لي) اعْمَلْ عملا حَتَّى أزَوجك إبنتي فَقلت إِن تَزَوَّجتهَا فَهِيَ طَالِق ثَلَاثًا ثمَّ بدا لي أَن أَتَزَوَّجهَا فَأتيت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَسَأَلته فَقَالَ لي تزَوجهَا فانه لَا طَلَاق الا بعد النِّكَاح فتزوجتها فَولدت لي سَعْدا وسعيدا ق

وَعَن ابْن عمر قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقد سُئِلَ عَن رجل قَالَ يَوْم أَتزوّج فُلَانَة فَهِيَ طَالِق قَالَ طلق مَا لَا يملك

وروى ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا نذر الا فِيمَا يُطِيع الله فِيهِ وَلَا يَمِين فِي قطيعة رحم وَلَا طَلَاق فِيمَا لَا يملك ق

وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت بعث النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَبَا سُفْيَان بن حَرْب على نَجْرَان الْيمن فَكَانَ فِيمَا عهد اليه أَن لَا يُطلق الرجل مَا لَا يملك وَلَا يعْتق مَا لَا يملك ق

وروى أَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ خطب امْرَأَة فَأبى أولياؤها أَن يزوجوها مِنْهُ إِلَّا بِزِيَادَة مهر فَغَضب فَقَالَ هِيَ طَالِق ثَلَاثًا إِن تَزَوَّجتهَا فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَا طَلَاق قبل النِّكَاح

وَمَا رويتم عَن الصَّحَابَة معَارض بِمثلِهِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَن عمر وَعَائِشَة وَابْن الْمسيب وَابْن جُبَير مثل مَذْهَبنَا

ص: 158

وَالْجَوَاب أَن هَذِه الْأَحَادِيث معلولة قَالَ جدي رحمه الله فِي كِتَابه الْمُسَمّى بالتحقيق قد روى نَحْو هَذَا عَن عَليّ وَجَابِر وَلكنهَا طرق (مجتنبة) بِمرَّة وَإِن كَانَ فِي هَذَا الطَّرِيق مَا يصلح (اجتنابه)

وروى عَن أَحْمد أَنه ضعفها ثمَّ فِيهَا خلاف من سمينا من الصَّحَابَة وَمن سموا مَعنا وَلَو كَانَت ثَابِتَة لم اخْتلفُوا

وَلما نَاظر هِشَام بن سعد الزُّهْرِيّ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَظهر عَلَيْهِ الزُّهْرِيّ لِأَنَّهُ قَالَ لَهُ كَانَت الْمَرْأَة تعرض على الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة (فاذا لم تعجبه) قَالَ هِيَ طَالِق ثَلَاثًا فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَا طَلَاق قبل النِّكَاح ردا عَلَيْهِم فَلم يدر هِشَام مَا يَقُول وَلَو صحت لاحتج بهَا أَو بِبَعْضِهَا على الزُّهْرِيّ

وَلَو سلمت قُلْنَا بموجبها لِأَن الْملك قد ثَبت فَكَانَ الْإِيقَاع فِيهِ

مَسْأَلَة الطَّلَاق مُعْتَبر بِالنسَاء عندنَا وَهُوَ قَول عَليّ وَابْن مَسْعُود

وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد بِالرِّجَالِ

ص: 159

وَصُورَة الْمَسْأَلَة أَن الْحرَّة تطلق ثَلَاثًا وَالْأمة اثْنَتَيْنِ حرا كَانَ زَوجهَا أَو عبدا عندنَا

وَعِنْدَهُمَا الْحر يُطلق ثَلَاثًا وَالْعَبْد اثْنَتَيْنِ حرَّة كَانَت أَو أمة

لنا مَا رَوَت عَائِشَة رضي الله عنها أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ طَلَاق الْأمة تَطْلِيقَتَانِ وعدتها حيضتان ت ق

أخبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن الطَّلَاق الْمَشْرُوع فِي حق الْأمة من غير فصل بَين زوج وَزوج

وروى ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا كَانَت الْأمة تَحت الرجل (فَطلقهَا) تَطْلِيقَتَيْنِ ثمَّ اشْتَرَاهَا لم تحل لَهُ حَتَّى تنْكح زوجا غَيره

احتجا بِمَا رُوِيَ عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم طَلَاق العَبْد اثْنَتَانِ وقرء الْأمة حيضتان

وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الطَّلَاق بِالرِّجَالِ وَالْعدة بِالنسَاء

وروى أَن مكَاتبا لأم سَلمَة طلق امْرَأَته ثِنْتَيْنِ وَأَرَادَ أَن يُرَاجِعهَا فَأمره

ص: 160

أَزوَاج النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن يسْأَل عُثْمَان رضي الله عنه فَخرج يَطْلُبهُ فَوَجَدَهُ آخِذا بيد زيد بن ثَابت فَسَأَلَهُمَا فَقَالَا حرمت عَلَيْك إمرأتك وَلم يسألا أحرة هِيَ أم أمة

وَعَن عُثْمَان وَزيد بن ثَابت وَابْن عمر مثله

وَالْجَوَاب أَن الْأَحَادِيث من الطَّرفَيْنِ فَكلهَا ضِعَاف

أما حَدِيثهمْ الأول فَفِي إِسْنَاده مظَاهر بن أسلم مَجْهُول قَالَ يحيى ابْن (معِين) لَيْسَ بشئ وَقَالَ أَبُو حَاتِم هُوَ مُنكر

وَلَو سمي فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أَن العَبْد يُطلق اثْنَتَيْنِ وَذَلِكَ فِيمَا اذا كَانَ تَحْتَهُ أمة لِأَن الْحرَّة لَا ترغب فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يكافئها

وَأما الثَّانِي فَمن كَلَام ابْن عَبَّاس وَالْمَسْأَلَة مُخْتَلف فِيهَا بَين الصَّحَابَة

وَأما الثَّالِث فأثر يُعَارضهُ بِمثلِهِ

وَأما حديثنا الأول فَفِيهِ أَيْضا مظَاهر بن أسلم

ص: 161

وَأما الثَّانِي فَفِيهِ (سلم) بن سَالم كذبه ابْن الْمُبَارك وَابْن معِين وَالسَّعْدِي وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ تفرد بِحَدِيث ابْن عمر ابْن شبيب وَهُوَ ضَعِيف

وَالأَصَح أَنه مَوْقُوف

وَمن يبصر حديثنا يَقُول هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِإِخْبَار عَن فعل الزَّوْج انما هُوَ اخبار عَن مَشْرُوعِيَّة طَلَاق الْأمة

مَسْأَلَة الزَّوْج الثَّانِي يهدم مَا دون الثَّلَاث عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَهُوَ قَول ابْن عمر وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس خلافًا لمُحَمد وَزفر وَالشَّافِعِيّ وَأحمد

وَصُورَة الْمَسْأَلَة إِذا طلق إمرأته تَطْلِيقَة أَو تَطْلِيقَتَيْنِ وَتَزَوَّجت بِزَوْج آخر وعادت الى الأول عَادَتْ بِثَلَاث تَطْلِيقَات عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رحمهمَا الله

وَعِنْدهم تعود بِمَا بَقِي من الطلقات

ص: 162

لنا مَا روى أَبُو هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لعن الله الْمُحَلّل والمحلل لَهُ ت (د) سَمَّاهُ محللا وَالزَّوْج مُثبت (للْحلّ)

فان قيل هَذَا خبر آحَاد ورد على مُخَالفَة الْكتاب لِأَن ظَاهر الْكتاب بِمُقْتَضى كَون الزَّوْج غَايَة والْحَدِيث يَقْتَضِي كَونه مثبتا للْحلّ وَبَينهمَا تناف وَلَو سلم فَعَنْهُ جوابان

أَحدهمَا أَنه سَمَّاهُ محللا مجَازًا لِأَنَّهُ غَايَة للْحُرْمَة وَعند وجودهَا يثبت الْحل بِالسَّبَبِ السَّابِق

وَالثَّانِي أَن المُرَاد مِنْهُ الزَّوْج الثَّانِي بعد الثَّلَاث لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم ألحق اللَّعْن فَلَا يكون واردا فِي الزَّوْج الثَّانِي لِأَن الْمُتَعَارف عِنْد إِطْلَاق إسم الْمُحَلّل هُوَ الزَّوْج بعد الثَّلَاث فَيَنْصَرِف اليه

وَمَا رويتم عَن الصَّحَابَة (فمعارض) فمذهب عمر وَعلي وَابْن مَسْعُود وَأبي بن كَعْب وَعمْرَان بن الْحصين رضي الله عنهم مثل مَذْهَبنَا

فَالْجَوَاب أما قَوْلهم ورد على مُخَالفَة الْكتاب لِأَنَّهُ لَا مُنَافَاة بَين كَونه غَايَة للْحُرْمَة وَبَين كَونه غَايَة للْحلّ

وَقَوله سَمَّاهُ محللا مجَازًا

قُلْنَا الْكَلَام للْحَقِيقَة

وَقَوْلهمْ المُرَاد مِنْهُ الزَّوْج الثَّانِي

ص: 163

قُلْنَا التِّرْمِذِيّ أوردهُ فِي بَاب مَا جَاءَ فِي الزَّوْج الثَّانِي وَهُوَ مقلد فِي الْبَاب فَيجْرِي مجْرى التَّنْصِيص على ذَلِك

احْتَجُّوا بقوله تَعَالَى {حَتَّى تنْكح زوجا غَيره} فَالله تَعَالَى قَالَ {الطَّلَاق مَرَّتَانِ} ثمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَة {فَإِن طَلقهَا} من غير فصل بَين ثَالِثَة وجدت قبل الزَّوْج وثالثة وجدت بعده وَهَذِه مُطلقَة اثْنَتَيْنِ باجماع من سموا من الصَّحَابَة

قُلْنَا المُرَاد من الْآيَة إِيقَاع الثَّلَاث قبل الزَّوْج الثَّانِي لِأَن الله تَعَالَى بَين حق الرّجْعَة بعد الْمَرَّتَيْنِ بقوله {فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان} ثمَّ قَالَ {فَإِن طَلقهَا} فَيَنْصَرِف الى طَلاقهَا فِي هَذِه الْحَالة الَّتِي يُخَيّر فِيهَا بَين الْإِمْسَاك والتسريح وَهَذِه الْحَالة حَال قيام الْعدة وَإِنَّمَا تكون الْعدة قَائِمَة قبل التَّزَوُّج بِزَوْج آخر

وَأما الاجماع فمعارض بِمثلِهِ وَهُوَ قَول ابْن مَسْعُود وَأبي الدَّرْدَاء وَعمْرَان بن الْحصين رضي الله عنهم ويترجح بِمَا بَيناهُ

مَسْأَلَة المختلعة يلْحقهَا صَرِيح الطَّلَاق وَهُوَ قَول ابْن مَسْعُود وَأبي الدَّرْدَاء وَعمْرَان بن الْحصين رضي الله عنهم

وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد لَا يلحقهما

لنا مَا روى ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ المختلعة يلْحقهَا

ص: 164

صَرِيح الطَّلَاق مَا دَامَت فِي الْعدة وَهَذَا نَص صَرِيح

فَإِن قيل الحَدِيث لَا أصل لَهُ وَلَو سلم عارضناه بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ المختلعة لَا يلْحقهَا صَرِيح الطَّلَاق وَإِن كَانَت فِي الْعدة وَالْحَدِيثَانِ إِذا تعارضاه وَجب التَّوْفِيق بَينهمَا بِقدر الْإِمْكَان صِيَانة لَهما عَن التَّنَاقُض فَيحمل مَا رويتم على مَوضِع لَا يَصح الْخلْع (فِيهِ) بِأَن كَانَت محجورة عَن الْخلْع بالصغر أَو السَّفه فَكَانَت مختلعة صُورَة

وَمَوْضِع ابْن (عَبَّاس) رضي الله عنهما مثل مَذْهَبنَا

قُلْنَا قد رَوَاهُ ابو يُوسُف فِي الأمالي وَرِوَايَته حجَّة فَكَانَ مُسْندًا من حَيْثُ الْمَعْنى

وَقد روى أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد فِي الكيسانيات عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن من خَالع إمرأته ثمَّ طَلقهَا يلْحقهَا صَرِيح الطَّلَاق

وحديثهم لَا يعرف اصلا وَحمله على المختلعة صُورَة لَا يَصح لِأَن الْكَلَام بحقيقته حَتَّى يقوم دَلِيل الْمجَاز وَهِي صُورَة نادرة وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَا يحمل كَلَامه على النَّادِر وَقد عضد مَا قُلْنَا إِجْمَاع الصَّحَابَة

مَسْأَلَة الْحَامِل تطلق ثَلَاثًا للسّنة عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رحمهمَا الله ويفصل بَين كل تَطْلِيقَتَيْنِ بِشَهْر

ص: 165

وَقَالَ مُحَمَّد وَزفر لَا تطلق للسّنة إِلَّا وَاحِدَة

لأبي حنيفَة وَأبي يُوسُف قَوْله عليه الصلاة والسلام إِن من السّنة أَن تسْتَقْبل الْعدة إستقبالا فيطلقها فِي كل طهر تَطْلِيقَة خَ م

وَالِاسْتِدْلَال بِهِ أَن إِيقَاع الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة للْحَاجة فَيجوز كَمَا لَو فرق طَلَاق الآيسة وَالصَّغِيرَة على الْأَشْهر

وَمُحَمّد يحْتَج بِمَا روى أنس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ تزوجوا وَلَا تطلقوا د فَتحرم الزِّيَادَة على الْوَاحِدَة

وَقَوله صلى الله عليه وسلم دع مَا يربيك بِمَا يريبك وَالزِّيَادَة على الْوَاحِدَة مِمَّا يريب

ص: 166

وَقَالَ مُحَمَّد فِي الأَصْل بلغنَا ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود وَجَابِر وَالْحسن الْبَصْرِيّ أَنَّهَا لَا تطلق السّنة إِلَّا وَاحِدَة

وَالْجَوَاب أما الحَدِيث فمعارض بِمَا روينَا وَالْمَشْهُور يفصل ويترجح حديثنا لِأَنَّهُ فِي الصَّحِيح ثمَّ هُوَ صَرِيح فِي الْبَاب

وَأما مَذْهَب الصَّحَابَة فَالْأَصَحّ من مذاهبهم أَن الْأَحْسَن أَن لَا تطلق إِلَّا وَاحِدَة وَنحن نقُول بِهِ (وَإِنَّمَا) الْكَلَام فِي إِبَاحَة تَفْرِيق الثَّلَاث على الْأَشْهر فَلم قُلْتُمْ إِنَّه لَا يجوز وَقد قَامَ دَلِيل الْجَوَاز

مَسْأَلَة إرْسَال الطلقات الثَّلَاثَة جملَة حرَام وبدعة وَهُوَ قَول أبي بكر وَعمر وَعلي وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَعمْرَان بن الْحصين رضي الله عنهم

وَقَالَ الشَّافِعِي مُبَاح مَشْرُوع

وَعَن أَحْمد كالمذهبين وَالْمَشْهُور عَنهُ مثل قَوْلنَا وَالْكَلَام فِي الْمَسْأَلَة يرجع الى حرف وَهُوَ أَن عندنَا الأَصْل فِي الطَّلَاق الْحَظْر وَإِنَّمَا يثبت الْإِبَاحَة بِعَارِض الْحَاجة وَعِنْده الأَصْل فِي الطَّلَاق الْإِبَاحَة وَإِنَّمَا يثبت الْحَظْر بِعَارِض الْحيض

لنا مَا مر من قَوْله صلى الله عليه وسلم تزوجوا وَلَا تطلقوا

وَحَدِيث ابْن عمر الَّذِي روينَاهُ لِأَنَّهُ قَالَ فِي سِيَاقه مر ابْنك فَلْيُرَاجِعهَا ثمَّ ليمسكها حَتَّى تطهر ثمَّ تحيض ثمَّ تطهر فَإِن شَاءَ أمسك وَإِن شَاءَ طلق فَتلك الْعدة الَّتِي أَمر الله تَعَالَى أَن تطلق لَهَا النِّسَاء

وَفِي رِوَايَة مَا هَكَذَا أَمرك رَبك إِنَّه من السّنة أَن يسْتَقْبل الطُّهْر اسْتِقْبَالًا فَتُطَلِّقهَا لكل طهر تَطْلِيقَة وَأَرَادَ بِهِ سنة الْكتاب فَدلَّ على بَيَان التَّفْرِيق

ص: 167

وروى أَن رجلا طلق إمرأته بَين يَدي النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَغَضب وَقَالَ أَتَلْعَبُونَ بِكِتَاب الله تَعَالَى وَأَنا بَين أظْهركُم ثمَّ قَامَ مغضبا فَقَالَ رجل أَقتلهُ يَا رَسُول الله سَمَّاهُ لاعبا بِالْكتاب وَذَلِكَ حرَام

وَحكى مُحَمَّد إِجْمَاع الصَّحَابَة على مثل مَذْهَبنَا وَهَكَذَا حكى الْكَرْخِي فَإِنَّهُ قَالَ لَا أعرف بَين أهل الْعلم خلافًا فِي أَن إِيقَاع الثَّلَاث جملَة مَكْرُوه إِلَّا شَيْئا نقل عَن ابْن سِيرِين وَإِن قَوْله لَيْسَ بِحجَّة وَقَالَ ابْن عَبَّاس هُوَ من الأحموقة وَكَانَ عمر رضي الله عنه لَا يُؤْتِي بِرَجُل طلق امْرَأَته ثَلَاثًا الا علاهُ بِالدرةِ

فَإِن قيل (إِن) هَذِه آحَاد وَردت على مُخَالفَة قَوْله تَعَالَى {فطلقوهن لعدتهن} أَي لوقت عدتهن أَبَاحَ الطَّلَاق فِي الطُّهْر مُطلقًا من غير فصل

وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود فطلقوهن قبل عدتهن وَقبل الشئ أَوله

أَو يحمل على حَالَة الْحيض أَو على الطَّلَاق فِي طهر جَامعهَا فِيهِ تَوْفِيقًا بَين الدَّلَائِل

قُلْنَا قَوْله {فطلقوهن لعدتهن} لَا يتَنَاوَل الثَّلَاث بل دونهَا وَحَالَة

ص: 168

الْحيض وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا مَخْصُوصَة

احْتَجُّوا بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لما لَاعن بَين عُوَيْمِر الْعجْلَاني وَبَين امْرَأَته قَالَ عُوَيْمِر (كذبت عَلَيْهَا إِن أَمْسَكتهَا فَهِيَ طَالِق ثَلَاثًا) وَلم يُنكر عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلَو كَانَ الْجمع مَكْرُوها لأنكر

وروى أَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف طلق إمرأته تماضر فِي مرض مَوته ثَلَاثًا فَورثَهَا عُثْمَان بِمحضر من الصَّحَابَة رضي الله عنهم من غير نَكِير ثمَّ لَا يظنّ بِمثلِهِ ارْتِكَاب الْمحرم وَلَا سِيمَا فِي مرض مَوته وَهُوَ من الْعشْرَة المبشرين بِالْجنَّةِ

وَلما قتل عَليّ رضي الله عنه هنأة إمرأة الْحسن الْحسن بالخلافة فَقَالَ أشماتة بقتل أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا

وَالْجَوَاب أما حَدِيث عُوَيْمِر فَغَرِيب وَلَو اشْتهر حمل على أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا لم يُنكر عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ غَضْبَان فَلم يتَعَرَّض لَهُ (لعلمه) أَنه لَا ينجع (فِيهِ) أَو لِئَلَّا يَأْتِي بِفساد أعظم مِنْهُ وَهُوَ أَن يرد على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فيكفر فَلم يُنكر عَلَيْهِ إشفاقا

وَيحْتَمل أَنه أنكر عَلَيْهِ إِلَّا أَنه لم ينْقل

وَأما ابْن عَوْف فَالْأَصَحّ من الرِّوَايَات أَنه طَلقهَا ثَلَاثًا للسّنة (إِلَّا أَن الرَّاوِي لم

ص: 169

يسمع قَوْله للسّنة)

وَأما حَدِيث الْحسن فَنحْن لَا نحرم إرْسَال الطلقات على الْإِطْلَاق بل على وَجه الْجمع وَيحْتَمل أَنه طَلقهَا على وَجه السّنة وَهُوَ الْأَلْيَق بِهِ مَسْأَلَة الطَّلَاق الرَّجْعِيّ لايحرم الْوَطْء وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يحرمه وَعَن أَحْمد كالمذهبين والرجعي هُوَ صَرِيح الطَّلَاق بعد الدُّخُول غير مقرون بِالثلَاثِ وَلَا بِالْعِوَضِ

لنا النُّصُوص الوارده الْمُطلقَة لحل الزَّوْجَات وَهَذِه زَوجته لقَوْله تَعَالَى {وبعولتهن أَحَق بردهن} سَمَّاهُ بعلا والبعل الزَّوْج وَلِهَذَا يملك الرّجْعَة من غير رِضَاهَا ويتوارثان وَيجْرِي بَينهمَا اللّعان وَيحرم عَلَيْهِ نِكَاح أُخْتهَا إِلَى غير ذَلِك احتجا بقوله تَعَالَى {والمطلقات} الْآيَة فَالله تَعَالَى أمرهَا بالعدة وَلَا سَبِيل إِلَيْهَا إِلَّا بِتَحْرِيم وَطئهَا قُلْنَ إِيجَاب الْعدة لَا يُنَافِي حل الْوَطْء مَسْأَلَة الْكِنَايَات كلهَا بوائن عندنَا إِلَّا ثَلَاثًا وَهِي قَوْله اعْتدي واستبرئي رَحِمك وَأَنت وَاحِدَة وَهُوَ قَول عَليّ وَزيد رضي الله عنهما وَقَالَ الشَّافِعِي كلهَا رواجع وَهُوَ مَرْوِيّ عَن عمر وَعُثْمَان رضي الله عنهما وَصُورَة الْمَسْأَلَة إِذا قَالَ لامْرَأَته أَنْت بَائِن أَو حرَام أَو خلية أَو بَريَّة أ

ص: 170

بتة وَنَحْوه يثبت الْبَيْنُونَة عندنَا وَعِنْده لَا يثبت وَهِي رواجع لنا النُّصُوص الْمُطلقَة فِي تَحْرِيم الزَّوْجَات المطلقات وَهَذِه لَيست بِزَوْجَة بِدَلِيل حُرْمَة وَطئهَا بالِاتِّفَاقِ احْتج الشَّافِعِي بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لسودة الحقي بأهلك ثمَّ رَاجعهَا

وروى عَن عبد الله بن عَليّ بن ركَانَة عَن أَبِيه عَن جده قَالَ طلقت امْرَأَتي الْبَتَّةَ فَجئْت إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقلت يَا رَسُول الله طلقت امْرَأَتي الْبَتَّةَ قَالَ مَا أردْت بِهَذَا قلت وَاحِدَة قَالَ الله قلت الله فَردهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ ت وروى أَنه النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ رَاجعهَا وَفِي لفظ قَالَ فَطلقهَا الثَّانِيَة فِي زمن عمر وَالثَّالِثَة فِي زمن عُثْمَان

ص: 171

وروى ان الْمطلب بن حنْطَب طلق امْرَأَته الْبَتَّةَ فَقَالَ لَهُ عمر أمسك عَلَيْك زَوجك فَإِن الْوَاحِدَة لَا تثبت وَالْجَوَاب أما الحَدِيث الأول فَغَرِيب ثمَّ هُوَ خبر وَاحِد ورد على مُخَالفَة النُّصُوص فَلَا يقبل وَالثَّانِي فِي إِسْنَاده ركَانَة قَالَ احْمَد لَيْسَ بِشَيْء والأثر لَا يُعَارض النُّصُوص مَسْأَلَة التَّيَمُّم لَا يقطع الرّجْعَة عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رحمهمَا الله اسْتِحْسَانًا وَعند مُحَمَّد وَزفر يقطع قِيَاسا وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَهُوَ مَرْوِيّ عَن عَليّ وَابْن مَسْعُود رضي الله عنهم

وَصُورَة الْمَسْأَلَة الْمُطلقَة إِذا كَانَت أَيَّام حَيْضهَا مَا دون الْعشْرَة فَانْقَطع دَمهَا بعد ثَلَاث حيض وتيممت لم تَنْقَطِع الرّجْعَة عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رحمهمَا الله خلافًا لَهما وَاتَّفَقُوا على أَنَّهَا لَو صلت بِالتَّيَمُّمِ اَوْ اغْتَسَلت أَو مضى عَلَيْهَا وَقت صَلَاة كَامِل أَنَّهَا تَنْقَطِع لَهما النُّصُوص الْمُطلقَة لحل وَطْء الزَّوْجَات وَهَذِه زَوْجَة احْتَجُّوا بقوله صلى الله عليه وسلم التُّرَاب طهُور الْمُسلم مَا لم يجد المَاء وَلَو إِلَى عشر

ص: 172

حجج ت سَمَّاهُ طهُورا مُطلقًا وَهُوَ قَول من سمينا من الصَّحَابَة وَالْجَوَاب أما الحَدِيث فمخصوص بِحَالَة الصَّلَاة دون الرّجْعَة وَأما الْأَثر الَّذِي ذَكرُوهُ فتعارضه بقول الْخُلَفَاء الرَّاشِدين والعبادلة أَن الزَّوْج أَحَق برجعتها مالم تَغْتَسِل من الْحَيْضَة الثَّالِثَة فيترجح بِالزِّيَادَةِ مَسْأَلَة زوج الْمُعْتَدَّة إِذا قَالَ أَخْبَرتنِي أَن عدتهَا قد انْقَضتْ وَذَلِكَ فِي عدَّة تحْتَمل الِانْقِضَاء وكذبته جَازَ للزَّوْج أَن يتَزَوَّج بأختها وَأَرْبع سواهَا وَهُوَ قَول أَحْمد وَقَالَ زفر لَا يجوز وَهُوَ قَول الشَّافِعِي لنا النُّصُوص الْمُطلقَة فِي جَوَاز حل الْوَطْء وَقد صدر خَبره أَمارَة على انْقِضَاء الْعدة وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى {وَلَا يحل لَهُنَّ أَن يكتمن مَا خلق الله فِي أرحامهن} وَهِي أمينة فَتصدق ثمَّ خَبَرهَا محرم وَخَبره مُبِيح وَالْمحرم مقدم قُلْنَا هِيَ أمينة فِيمَا يخْتَص بِالْحملِ وَالْحيض أما فِي انْقِضَاء الْعدة فَلَا لِأَن الزَّوْج يقف على ذَلِك كَمَا تقف هِيَ عَلَيْهِ وَقَوْلهمْ خَبَرهَا محرم قُلْنَا هُوَ مُحْتَمل لِأَنَّهُ يحْتَمل انها أخْبرت ثمَّ نسيت أَو أنْكرت بِسَبَب حمل الْغيرَة لَهَا فَإِن ذَلِك عَادَة النِّسَاء بِخِلَاف الرِّجَال

مَسْأَلَة قَالَ أَبُو حنيفَة رحمه الله زوج الْمُعْتَدَّة إِذا قَالَ لَهَا رَاجَعتك فَقَالَت مجيبة لَهُ قد انْقَضتْ عدتي وكذبها الزَّوْج وَذَلِكَ فِي مُدَّة تَنْقَضِي فِي مثلهَا الْعدة وَلَا تصخ الرّجْعَة خلافًا للباقين من أهل الْعلم فَإِن القَوْل قَول الزَّوْج عِنْدهم

ص: 173

لَهُ مَا ذكرنَا من نُصُوص الْكِنَايَات وَهِي أمينة فَتصدق فِي الْأَخْبَار لَهُم النُّصُوص الْمُطلقَة لحل (وَطْء) الزَّوْجَات واعتبارا بِمَا لَو سكتت ثمَّ أجابت قُلْنَا هِيَ أمينة بِالنَّصِّ فَيكون القَوْل قَوْلهَا مَسْأَلَة العدتان تتداخلان وَهُوَ قَول معَاذ وَجَابِر وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ لَا تتداخلان وَعَن مَالك كالمذهبين وَهُوَ مَرْوِيّ عَن عمر وَعلي رضي الله عنهما

وَصُورَة الْمَسْأَلَة مَنْكُوحَة وطِئت بِشُبْهَة ثمَّ طَلقهَا زَوجهَا أَو طَلقهَا أَولا فوطئت بِشُبْهَة فِي الْعدة أَو توفّي عَنْهَا زَوجهَا فوطئت فِي الْعدة بِشُبْهَة فها هُنَا عدتان عدَّة الْوَطْء بِشُبْهَة وعدة الزَّوْج وينقضيان بِزَمَان وَاحِد عندانا سَوَاء كَانَت من ذَوَات الْأَقْرَاء اَوْ من ذَوَات الْأَشْهر وَالْعبْرَة للأخيرة فَإِن كَانَت أحداهما بِحمْل انقضتا جَمِيعًا بِوَضْع الْحمل (وَعِنْدَهُمَا) إِن كَانَتَا بِالْأَقْرَاءِ أَو بِالْأَشْهرِ قدمت السَّابِقَة ثمَّ (تشرع) فِي الْأُخْرَى وَإِن كَانَت إجداهما بِحمْل قدمت ثمَّ تعود إِلَى الْأَقْرَاء لنا النُّصُوص الْمُطلقَة فِي جَوَاز حل النِّكَاح ويمضي ثَلَاثَة أشهر من حِين الْوَطْء بِشُبْهَة وَجب أَن تحل لزوج آخر فَفِي ايجاب الْعدة الثَّانِيَة منعهَا عَن النِّكَاح وَلذَا لَا يجوز

ص: 174

وَاحْتَجُّوا بقوله تَعَالَى {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء} وَبِقَوْلِهِ {فطلقوهن لعدتهن} وَمُقْتَضَاهُ إِيجَاب عدَّة مُتعَدِّدَة بِحَسب تعدد الْأَسْبَاب وروى أَن رجلا طلق امْرَأَته فوطئت بِشُبْهَة فِي الْعدة فَقَالَ عمر رضي الله عنه تستكمل الْعدة الأولى وتستقبل الثَّانِيَة

قُلْنَا التَّرَبُّص لَا يَقْتَضِي التَّعَدُّد وَمعنى الْأَثر أَن تستكمل الأولى وتستقبل الثَّانِيَة لَكِن بِمَا بَقِي من الأولى لَا بعد استكمالها لِأَن الْوَاو للْجمع دون التَّرْتِيب وَالْمَسْأَلَة مُخْتَلف فِيهَا بَين الصَّحَابَة رضي الله عنهم مَسْأَلَة الْعدة تَنْقَضِي بِالْحيضِ وَهُوَ قَول صُدُور الصَّحَابَة وَأحمد وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ بالأطهار وَفَائِدَة الْخلاف أَن من طلق امْرَأَته فِي حَالَة الطُّهْر لَا يحْتَسب بذلك الطُّهْر من الْعدة حَتَّى لَا تَنْقَضِي الْعدة مالم تَحض ثَلَاث حيض وَعِنْدَهُمَا يحْتَسب بِهِ فتنقضي الْعدة بطهرين آخَرين وَالْخلاف يبتني على تَفْسِير القروء لنا قَوْله تَعَالَى {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء} والأقراء الْحيض بِالسنةِ وَالْإِجْمَاع وَاللِّسَان أما السّنة فَقَوله صلى الله عليه وسلم دعِي الصَّلَاة أَيَّام إقرائك أَي أَيَّام حيضك

ص: 175

وَمَا روينَا أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ طلاقة الْأمة ثِنْتَانِ وعدتها حيضتان فَدلَّ على أَن الْمُعْتَبر فِي حق الْأمة هُوَ الْحيض فَيثبت فِي الْحرَّة وَأما الْإِجْمَاع فَمَا رُوِيَ عَن الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَأبي مُوسَى وَعبادَة بن الصَّامِت ومعاذ وَأبي الدَّرْدَاء رضي الله عنهم مثل مَذْهَبنَا

وَرَوَاهُ الشّعبِيّ عَن بضعَة عشر من الصَّحَابَة وَكَذَا روى الطَّحَاوِيّ عَن زيد وَابْن عمر وَحَكَاهُ الرَّازِيّ عَن مُجَاهِد وَابْن الْمسيب وَابْن جُبَير وَأما اللِّسَان فاستشهادات كَثِيرَة مِنْهَا قَول الْقَائِل

يَا رب ذِي ضغن على فارض

لَهُ قُرُوء كقروء الْحَائِض

(أَي تهيج عداوته فِي أَيَّام مَعْلُومَة كقروء الْحَائِض)

وَعَلِيهِ أجماع أهل اللُّغَة كالزجاج وَالْفراء والأصمعي وَالْكسَائِيّ والأخفش وَيُونُس وَذكره الْخَلِيل فِي كتاب الْعين وَنَصّ عَلَيْهِ فَقَالَ الْقُرْء عبارَة عَن الْحيض تنَاول ثَلَاثَة أَقراء كوامل وَمَتى حمل على الطُّهْر تنَاول قرءين وشيئا من الثَّالِث فَيكون مُخَالفا للسّنة وَالْإِجْمَاع واللغة فَإِن قيل مَا ذكرْتُمْ أَن الْقُرْء هِيَ الْحيض فمعارض من وُجُوه تدل على أَنه الطُّهْر أَحدهَا قَول الْأَعْشَى

وَفِي كل عَام أَنْت حاسم غَزْوَة

تشد لأقصاها عزيم عزائكا

مورثة مَالا وَفِي الْحَيّ رفْعَة

لما ضَاعَ فِيهَا من قُرُوء نسائكا

ص: 176

أَي من أطهارهن لِأَن زمَان الْحيض ضائع حَاضرا كَانَ الرجل أَو غَائِبا

وَالثَّانِي أَن الْقُرْء عبارَة عَن الْجمع يُقَال مَا قَرَأت النَّاقة فِي رَحمهَا جَنِينا قطّ وَمِنْه سمي الْقُرْآن لكَونه مجموعا وَكَذَا سمي الْحَوْض مقراة لِأَنَّهُ يجمع المَاء وَالطُّهْر هُوَ الْجَامِع للدم فِي الرَّحِم دون الْحيض وَبَاقِي الْوُجُوه ذَكرنَاهَا فِي الخلافيات وَقد حكى صَاحب الغريبين عَن اهل الْمَدِينَة أَن الْقُرْء هُوَ الطُّهْر وَكَذَا روى زيد بن ثَابت وَحُذَيْفَة وَابْن عمر وَعَائِشَة رضي الله عنهم أَن المُرَاد من القروء الْمَذْكُور فِي الْآيَة الطُّهْر دون الْحيض وقولكم يتَنَاوَل ثَلَاثَة أَقراء كوامل قُلْنَا اسْم الْجمع يتَنَاوَل الِاثْنَيْنِ وشيئا من الثَّالِث كَقَوْلِه تَعَالَى {الْحَج أشهر مَعْلُومَات} وَالْمرَاد شَوَّال وَذُو الْقعدَة وعشرمن ذِي الْحجَّة

وَالْجَوَاب أما الاستشهاد فمعارض بِمثلِهِ وَأما عَن الْوَجْه الأول فَلَا نسلم أَن الطُّهْر يجمع الدِّمَاء فِي الرَّحِم لِأَن اجتماعها فِي الرَّحِم فِي زمَان الطُّهْر لَا يسْتَغْنى عَن اندفاعها إِلَى الرَّحِم فِي الطُّهْر وَالدَّم لَا ينْدَفع فِي الطُّهْر إِلَى الرَّحِم لِأَنَّهُ لَو انْدفع فِي هده الْحَالة خرج مِنْهُ لانفتاح فَم الرَّحِم فِي الطُّهْر كاندفاعه فِي الْحيض

وَمَا ذكر صَاحب الغريبين معَارض بِمَا ذكرنَا عَن أَئِمَّة اللُّغَة وَالتَّرْجِيح مَعنا وَالدَّلِيل الَّذِي يقي الِاشْتِرَاك مَتْرُوك عِنْد أهل اللُّغَة فيترجح الْمُثبت

ص: 177

وَأما قَوْلهم اسْم (الْجمع) يتَنَاوَل الِاثْنَيْنِ وشيئا من الثَّالِث

قُلْنَا اسْم الثَّلَاثَة لَا يتَنَاوَل إِلَّا ثَلَاثَة آحَاد كوامل لِأَن الثَّلَاثَة اسْم لآحاد مجتمعة فَمَا لم تَجْتَمِع لَا يتَحَقَّق اسْم الثَّلَاثَة وَقد ترجح مَا قُلْنَا بِكَوْن الْعدة عبَادَة فيحتاط بِالثلَاثِ

احْتَجُّوا بِمَا ذكرُوا من معنى القرةء وَبِحَدِيث ابْن عمر إِن من السّنة أَن يسْتَقْبل الطُّهْر اسْتِقْبَالًا فَتلك الْعدة الَّتِي أَمر الله أَن تطلق لَهَا النِّسَاء وَالْمرَاد بهَا الْأَطْهَار قُلْنَا الْإِشَارَة بِالْحَدِيثِ إِلَى كَمَال الْأَطْهَار وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَاهُ مَسْأَلَة لَا يَصح ظِهَار اذمي وَهُوَ قَول مَالك وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ يَصح لنا قَوْله صلى الله عليه وسلم لسَلمَة بن صَخْر الْأنْصَارِيّ لما ظَاهر من امْرَأَته ثمَّ وَاقعهَا قبل أَن يكفر اسْتغْفر الله وَلَا تعمد حَتَّى تكفر حد

مد حُرْمَة الْوَطْء إِلَى غَايَة التَّكْفِير وَالذِّمِّيّ لَيْسَ من أهل التَّكْفِير لِأَن الْكَفَّارَة عبَادَة وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَن الله تَعَالَى أوجب الصَّوْم على الْمظَاهر وَالذِّمِّيّ لَيْسَ من اهل الصَّوْم

احْتَجُّوا بقوله تَعَالَى {وَالَّذين يظاهرون من نِسَائِهِم ثمَّ يعودون لما قَالُوا فَتَحْرِير رَقَبَة من قبل أَن يتماسا} فَالله تَعَالَى أوجب الْكَفَّارَة مُطلقًا على كل

ص: 178

مظَاهر وَاجِد عَائِد وَالظَّاهِر مُتَحَقق فِي حق الذِّمِّيّ

قُلْنَا الْآيَة تخص الْمُسلم لَا غير لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي آخرهَا {فَمن لم يجد فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين} وَالذِّمِّيّ غير مُرَاد من هَذَا بِالْإِجْمَاع وَلَا نسلم أَنه من أهل الظِّهَار لما عرف مَسْأَلَة امْرَأَة الفار تَرث مَا دَامَت فِي الْعدة عندنَا اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاس أَن لَا تَرث وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَعَن مَالك أَنَّهَا تَرث وَإِن انْقَضتْ عدتهَا وَهُوَ قَول عَن الشَّافِعِي وَصُورَة الْمَسْأَلَة إِذا طلق الْمَرِيض امْرَأَته ثَلَاثًا أَو بَائِنا ثمَّ مَاتَ وَهِي فِي الْعدة تَرث عندنَا خلافًا لَهُم وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا جَاءَت الْفرْقَة بِسَبَب من قبلهَا بِأَن قبلت ابْن زَوجهَا فِي مَرضهَا ثمَّ مَاتَت وَهِي فِي الْعدة ورثهَا الزَّوْج عندنَا

وَاتَّفَقُوا على أَنَّهَا تَرث فِي الطَّلَاق الرَّجْعِيّ

لنا إِجْمَاع الصَّحَابَة وَهُوَ مَا رُوِيَ أَن عبد الرحمن بن عَوْف طلق امْرَأَته تماضر فِي مرض مَوته فَورثَهَا عُثْمَان رضي الله عنه وَقَالَ فر من كتاب الله تَعَالَى وَكَانَ ذَلِك بِمحضر من الصَّحَابَة من غير نَكِير فَكَانَ إِجْمَاعًا مِنْهُم على ذَلِك وَوَافَقَهُ عمر وَعلي وَأبي بن كَعْب وَابْن مَسْعُود رضي الله عنهم وَأَشَارَ بقوله فر من كتاب الله إِلَى قَوْله {ولهن الرّبع مِمَّا تركْتُم} وَهِي زَوجته مَا دَامَت فِي الْعدة

ص: 179

وروى الشّعبِيّ أَن عمر كتب إِلَى ابي مُوسَى وَشُرَيْح أَن ورثا امْرَأَة الفار كَذَا حكى الْكَرْخِي عَن عَائِشَة وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَشُرَيْح وَالشعْبِيّ وَطَاوُس الْيَمَانِيّ رضي الله عنهم فَإِن قيل (فقد) روى عَن ابْن الزبير أَنه قَالَ لَو كَانَ الأمرإلي لما ورثتها وَعَن ابْن عَوْف أَنه قَالَ مَا فَرَرْت من كتاب الله وَمَعَ مخالفتهما لَا إِجْمَاع (وَقد روى أَن الطَّلَاق كانبسؤالها فَلَا تَرث بِالْإِجْمَاع)

قُلْنَا أما قَول ابْن الزبير فَلَا حجَّة فِيهِ لِأَن مَعْنَاهُ لما اهتديت إِلَى توريثها بِالنِّسْبَةِ إِلَى علم عُثْمَان وَمن مذْهبه أَن الرجل لَو قدم ليقْتل فَطلق امْرَأَته ثَلَاثًا ورثت مِنْهُ وَهَذِه الْحَالة فِي حكم مرض الْمَوْت بِالْإِجْمَاع ولوثبت خِلَافه فَهُوَ لم يكن من الْفُقَهَاء فِي عصر الصَّحَابَة فَلَا يعْتد بخلافة

وَقَول ابْن عَوْف مَا فَرَرْت من كتاب الله (مُرَاده) مَا قصدت الْفِرَار وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا قَالَه عُثْمَان لِأَنَّهُ بنى الْأَمر على الظَّاهِر وَابْن عَوْف أخبر على الْحَقِيقَة لِأَنَّهُ روى عَنهُ أَنه قَالَ إِن طَلقتهَا ورثتها قَالَ قد علمت ذَلِك

ص: 180

وَقَوْلهمْ كَانَ بسؤالها

قُلْنَا روى أَن عبد الرحمن بن عَوْف قَالَ مَا تَسْأَلنِي امْرَأَة طَلاقهَا إِلَّا طَلقتهَا فَقَالَت تماضر أَسأَلك ذَلِك فَقَالَ إِذا طهرت من حيضتك طَلقتك فَلم يَقع على الْفَوْر وَذَلِكَ لَا يقطع الْإِرْث بِالْإِجْمَاع احْتَجُّوا بقوله تَعَالَى {ولهن الرّبع مِمَّا تركْتُم} وَهَذِه لَيست بِزَوْجَة وَبِمَا روينَا عَن ابْن الزبير قُلْنَا أما الاية فالزوجية ثَابِتَة مَا دَامَت الْعدة بَاقِيَة وَقد خرج الْجَواب عَن الْأَثر وَالله أعلم بِالصَّوَابِ

ص: 181

= كتاب الْعتاق =

مَسْأَلَة إِذا ملك ذَا رحم محرم مِنْهُ عتق عَلَيْهِ مثل الْأَخ وَالْأُخْت وَالْعم والعمة وَالْخَال وَالْخَالَة وَهُوَ قَول عَليّ وَابْن مَسْعُود وَأحمد وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يعْتق وَقد تساعدنا على عتق الْوَالِدين وَإِن علوا والمولودين وَإِن سفلوا ووافقنا مَالك فِي الْأُخوة وَالْأَخَوَات لنا قَول صلى الله عليه وسلم من ملك ذَا رحم محرم مِنْهُ عتق عَلَيْهِ نس وَفِي رِوَايَة د ت فَهُوَ حر

وروى ابْن عَبَّاس أَن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله وجدت أخي يُبَاع فِي السُّوق فاشتريته لأعتقه فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قد أعْتقهُ الله عَلَيْك

وروى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ الرَّحِم معلقَة بالعرش تَقول يَا رب صل من وصلني واقطع من قطعني خَ بِمَعْنَاهُ وَقَالَ ابْن الْمسيب فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {وتقطعوا أَرْحَامكُم} إِن المُرَاد مِنْهُ صلَة الْأَرْحَام

ص: 182

فَإِن قيل الحَدِيث مُرْسل رَوَاهُ الْحسن الْبَصْرِيّ عَن ابْن أبي مليكَة عَن عَائِشَة رضي الله عنها وَلم يلقها

وَقد قَالَ النَّسَائِيّ لَا نعلم أحدا تَابع حَمَّاد بن سَلمَة على هَذَا الحَدِيث وَقد خَالفه سعيد وَهِشَام وَفِي مَتنه مَا يدل على وهنه وَهُوَ قَوْله فَهُوَ حر

وَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يُرَاد بِهِ الْمَالِك أَو الْمَمْلُوك لَا وَجه إِلَى الأول لِأَن حريَّة الْمَالِك ثَابِتَة قبل الشَّرْط وَلَا إِلَى الثَّانِي لِأَن قَضِيَّة اللُّغَة أَن الدَّاخِل تَحت الْجَزَاء هُوَ الدَّاخِل تَحت الشَّرْط كَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم من دخل دارأبي سُفْيَان فَهُوَ آمن وَهنا الدَّاخِل تَحت الشَّرْط هُوَ الْمَالِك فَكَانَ ركة من الْكَلَام

ثمَّ هُوَ عَام خص مِنْهُ الْبَعْض كَابْن الْعم الَّذِي هُوَ أَخ من الرَّضَاع فَإِنَّهُ ذُو رحم محرم وَلَا يعْتق وكذابنت عَمه الَّتِي هِيَ أُخْته من الرضَاعَة فيخص الْمُتَنَازع فِيهِ بِالْقِيَاسِ قُلْنَا قد ذكر صَاحب الاصطلام من الشَّافِعِيَّة وَغَيره أَن الحَدِيث رَوَاهُ سَمُرَة بن جُنْدُب مُسْندًا وَاحْتج بِهِ مُحَمَّد رحمه الله والمراسيل حجَّة عندنَا وَأما قَول النَّسَائِيّ فقد حكم هُوَ وَالتِّرْمِذِيّ بِصِحَّتِهِ وَكلمَة هُوَ كِنَايَة وَذُو الرَّحِم الْمحرم مكني سَابق فَيَنْصَرِف إِلَيْهِ وَلَا نسلم أَنه عَام خص مِنْهُ الْبَعْض لِأَن النَّص يتَنَاوَل ذَا رحم محرم

احْتج الشَّافِعِي بالنصوص الْمُطلقَة فِي جَوَاز البيع وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {فكاتبوهم إِن علمْتُم فيهم خيرا} فَيجوز لَهُ بيع أَخِيه ومكاتبته

ص: 183

وَرُوِيَ أَن رجلا اشْترى أَخَاهُ على عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأمره النَّبِي صلى الله عليه وسلم بإعتاقه فَدلَّ على أَنه لم يعْتق بِالشِّرَاءِ وَقَوله صلى الله عليه وسلم لَيْسَ للمرء من عمله إِلَّا مانواه وَهَذَا لم ينْو الْعتْق بِالشِّرَاءِ فَلَا يكون لَهُ وَرُوِيَ فِي شرح الْمَبْسُوط أَن الزبير بن الْعَوام ملك بعض أَخْوَاله فِي الْمغنم فَأعْتقهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَكَذَا ذكر الْحجَّاج فِي طَرِيقَته فَلَو عتق بِنَفس الشِّرَاء لَكَانَ إِعْتَاق الْمُعْتق وَإنَّهُ محَال

وَالْجَوَاب قد بَينا أَنه عتق بِنَفس الشِّرَاء لِأَن بَين الْأَخَوَيْنِ رحما يحرم قطعهَا لقَوْله تَعَالَى {وتقطعوا أَرْحَامكُم أُولَئِكَ الَّذين لعنهم الله} ألحق اللَّعْن بقاطع الرَّحِم وَذَلِكَ يكون بِالْفِعْلِ الْحَرَام فَيبْطل البيع

وَأما الْآثَار فَغَرِيبَة فَلَا تعَارض الْمَشْهُور وَلَو اشتهرت كَانَت مُخَالفَة للْكتاب فَترد وَيحْتَمل أَنهم لم يعلمُوا أَنه يعْتق بِنَفس الشِّرَاء فَبين لَهُم النَّبِي صلى الله عليه وسلم ذَلِك مَسْأَلَة قَالَ أَبُو حنيفَة رحمه الله إذاقال لعَبْدِهِ وَهُوَ أكبر سنا مِنْهُ هَذَا ابْني أَو وَلَدي عتق عَلَيْهِ وَقَالا لَا يعْتق وَهُوَ قَول البَاقِينَ لَهُ النُّصُوص الْمُطلقَة بِجَوَاز تَصَرُّفَات الْأَحْرَار وَكَلَام الْعَاقِل يجب تَصْحِيحه مَا أمكن إِمَّا بحقيقته وَلَا كَلَام فِيهِ وَإِمَّا بمجازه وَالْأول مُتَعَذر هَهُنَا فَيصح

ص: 184

بمجازه وَقد شَارك ابْنه الْحَقِيقِيّ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ عتق على حِين ملكته لَهُم عمومات الْمَسْأَلَة الْمَاضِيَة وَقد أَتَى بمستحيل فَلَا يعْتق قُلْنَا العمومات مَمْنُوعَة وَكَذَا قَوْلهم أَتَى بالمستحيل لما قُلْنَا مَسْأَلَة إِذا قَالَ لعَبْدِهِ إِذا أدّيت إِلَيّ ألفا فَأَنت حر فجَاء العَبْد بِأَلف يجْبر الْمولى على الْقبُول اسْتِحْسَانًا وَعند زفر وَالشَّافِعِيّ لَا يجْبر قِيَاسا وَصُورَة الْجَبْر إِذا خلي بَين الْمولى وَبَين الْألف عتق ويعد قَابِضا لنا مَا ذكرنَا من النُّصُوص فِي الْمَسْأَلَة الْمَاضِيَة وَأَنه تصرف بعوض فَيُصْبِح قِيَاسا على الْمكَاتب وَلَهُمَا عمومات ملك الْأَخ وَقد خرج الْجَواب عَن ذَلِك مَسْأَلَة إِذا قَالَ لأمته أول ولد تلدينه فَهُوَ حر فَولدت ولدا مَيتا لم تنْحَل الْيَمين عِنْد أبي حنيفَة وَأحمد وَقَالا وَزفر وَالشَّافِعِيّ تنْحَل الْيَمين وَفَائِدَة الْخلاف أَنَّهَا لَو ولدت ولدا آخر حَيا عتق الْحَيّ عِنْده وَعِنْدهم لَا يعْتق لَهُ النُّصُوص الْمُقْتَضِيَة لجَوَاز التَّصَرُّف فِي قَوْله لعَبْدِهِ وَهُوَ أكبر سنا مِنْهُ هَذَا ابْني وَلَهُم عمومات ملك الْأَخ

مَسْأَلَة إِذا مَاتَ الْمكتب عَن وَفَاء لَا تَنْفَسِخ الْكِتَابَة وَيُؤَدِّي الْبَدَل من مَاله

ص: 185

وَيحكم بحريَّته وحرية أَوْلَاده وَيصرف بَاقِي الْكسْب إِلَى الْأَوْلَاد إِرْثا وَهُوَ قَول عَليّ وَابْن مَسْعُود رضي الله عنهما

وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ يفْسخ العقد وَلَا يحكم بِعِتْقِهِ ويرق أَوْلَاده وَيصرف الْكسْب إِلَى مَوْلَاهُ لنا قَوْله الله تَعَالَى {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان} وَالْقَوْل بِبَقَاء الْكِتَابَة عدل وإحسان وَلِأَنَّهُ أجماع الصَّحَابَة احتجا بِمَا رُوِيَ عَن زيد بن ثَابت أَنه قَالَ يَمُوت عبدا لَكِن هَذَا لَا يصلح مُعَارضا للْكتاب وَالْإِجْمَاع مَسْأَلَة لايقع الْعتاق بِلَفْظ الطَّلَاق عندنَا هُوَ قَول أَحْمد وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ رضي الله عنهما يَقع وَصورته أَن يَقُول لعبد أَو أمته طَلقتك وَيَنْوِي بِهِ الْعتْق فَإِنَّهُ لَا يعْتق عندنَا وَاتَّفَقُوا على انه لَو قَالَ لامْرَأَته أَعتَقتك وَنوى بِهِ الطَّلَاق أَنه يَقع لنا النُّصُوص الْمُقْتَضِيَة لجَوَاز البيع وَالتَّصَرُّف وَالْكِتَابَة وَنَحْوهَا وَلَهُمَا مَا روينَا من قَوْله صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا لكل امرىء مَا نوى وَقد نوى الْعتْق

ص: 186

قُلْنَا نوى مَا لَا يحْتَملهُ اللَّفْظ لما عرف فَلَا يكون لَهُ مَا نوى مَسْأَلَة لايجوز بيع الْمُدبر الْمُطلق وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز وَعَن احْمَد وَفِي رِوَايَة يجوز بِشَرْط أَن يكون على السَّيِّد دين وَعند مَالك لَا يجوز بَيْعه حَال الْحَيَاة وَيجوز بعد الْمَمَات إِن كَانَ على الْمولى دين وَاتَّفَقُوا على جَوَاز بيع الْمُدبر الْمُقَيد وَتَفْسِير الْمُطلق أَن يَقُول لَهُ الْمولى دبرتك أَو أَنْت حر بعد موتِي أَو إِذا مت فَأَنت حر

والمفيد أَن يَقُول لَهُ إِن مت من مرضِي هَذَا أَو قدمت من سَفَرِي هَذَا فَأَنت حر

لنا النُّصُوص الْمَانِعَة من جَوَاز بيع الْحر وَهَذَا انْعَقَد سَبَب (لحريته) للْحَال فَيمْتَنع بَيْعه

وروى ابْن عمر وَأَبُو سعيد أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ الْمُدبر لَا يُبَاع وَلَا يُوهب وَلَا يُورث وَهُوَ حر من الثُّلُث فَإِن قيل الحَدِيث غَرِيب وَلَو اشْتهر حمل على نفي الْفَضِيلَة وَبِه نقُول

ص: 187

قُلْنَا الحَدِيث مَشْهُور احْتج بِهِ الْكَرْخِي والطَّحَاوِي والرازي وَغَيرهم من الْأَئِمَّة

وروى ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نهى عَن بيع الْمُدبر وَلَا يَصح حمله على مَا قَالُوا لِأَن فِيهِ وَلَا يُورث وَالْإِرْث حكم شَرْعِي لَا صنع للْعَبد فِيهِ

احْتَجُّوا بِمَا روى جَابر أَن رجلا من الْأَنْصَار دبر غُلَاما لَهُ فَمَاتَ وَلم يتْرك مَالا غَيره فَبَاعَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بثمانمائة دِرْهَم فَاشْتَرَاهُ نعيم بن النحام ت وَقَالَ حَدِيث صَحِيح وَعَن جَابر قَالَ أَمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِبيع الْمُدبر ق وَاسم الْمُدبر أَبُو مَذْكُور وَاسم الْغُلَام يَعْقُوب وباعت عَائِشَة رضي الله عنها مُدبرا وَكَذَا رُوِيَ عَن ابْن عمر

وَالْجَوَاب أما الحَدِيث فَيحمل على أَنه مُدبر مُقَيّد أَو يحمل على بيع مَنَافِعه بِعقد الْإِجَارَة وَذَلِكَ يُسمى بيعا بلغَة أهل الْمَدِينَة أَو يحمل على أَنه كَانَ فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام حِين كَانَ بيع الْحر جَائِزا فَإِنَّهُ روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بَاعَ حرا فِي دينه يُقَال لَهُ سرق فَلَمَّا انتسخ بيع الْحر انتسخ بيع الْمُدبر

ص: 188

ثمَّ الحَدِيث حِكَايَة حَال لَا عُمُوم لَهُ وَمَتى تطرق إِلَيْهِ ضرب احْتِمَال سقط الِاحْتِجَاج بِهِ وَكَذَا يحمل مَا رووا من الْأَثر وَقد ترجح مَا روينَا بِأَنَّهُ محرم وَمَا رويتم مُبِيح مَسْأَلَة الْوَطْء فِي الْعتْق الْمُبْهم لَا يكون بَيَانا عِنْد أبي حنيفَة وَقَالا يكون بَيَانا وَهُوَ قَول البَاقِينَ وَصُورَة الْمَسْأَلَة إِذا قَالَ لأمتيه إِحْدَاكُمَا حرَّة ثمَّ وطىء أحداهم لَا تتَعَيَّن الآخرى لِلْعِتْقِ عِنْده وَعِنْدهم تتَعَيَّن وَاتَّفَقُوا على أَنه لَو طلق إِحْدَى نِسَائِهِ مُبْهما ثمَّ وطىء إداهما أَن ألأخرى تطلق لَهُ العمومات الْمُقْتَضِيَة لجَوَاز التَّصَرُّف فِي الْمَمْلُوك وَغير الْمَوْطُوءَة مَمْلُوكَة فيتصرف ليها لعدم تعينها لِلْعِتْقِ لَهُم قَوْله تَعَالَى {أَو مَا ملكت أَيْمَانكُم} وَلم تملك الثَّانِيَة لوُجُود الْوَطْء فِي الآولى فَيكون جَامعا بَينهمَا قُلْنَا مَعَ عدم التعين لَا يكون جَامعا لِأَن الْعتْق لَو ثَبت لثبت من وجهة الْمولى وَلم يثبت مَسْأَلَة إِذا اشْترى الرّجلَانِ عبدا أَو وهب لَهما أَو تصدق بِهِ عَلَيْهِمَا وَهُوَ قريب

ص: 189

أَحدهمَا عتق عَلَيْهِ وَلَا يضمن نصيب شَرِيكه عِنْد أبي حنيفَة رحمه الله علم أَو لم يعلم نَص عَلَيْهِ فِي الْجَامِع الصَّغِير وَعِنْدَهُمَا يضمن وَهُوَ قَول البَاقِينَ وَاتَّفَقُوا على أَنَّهُمَا لَو ورثاه وَهُوَ قريب أَحدهمَا عتق عَلَيْهِ وَلَا يضمن للْآخر نصِيبه

لَهُ قَوْله تَعَالَى {مَا على الْمُحْسِنِينَ من سَبِيل} وَهَذَا محسن فِي تَخْلِيص الْقَرِيب من ذل الرّقّ فَلَا يجب عَلَيْهِ الضَّمَان

لَهُم مَا رُوِيَ عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من أعتق شِقْصا فِي عبد قوم عَلَيْهِ نصيب شَرِيكه رَوَاهُ أَحْمد

قُلْنَا الحَدِيث لَا يُعَارض الْكتاب وَالشَّرِيك عاضده على الْإِعْتَاق حَيْثُ أقدم على الشِّرَاء وَهُوَ رَاض بِهِ إِذْ لَا فرق بَين الْعلم وَعَدَمه

مَسْأَلَة الشَّهَادَة الْقَائِمَة على عتق العَبْد لَا تقبل من غير دَعْوَى العَبْد عِنْد أبي حنيفَة رحمه الله خلافًا لَهما وللباقين وَاتَّفَقُوا على أَن الشَّهَادَة على عتق الْأمة وَطَلَاق الْمَنْكُوحَة تقبل من غير دَعْوَى لَهُ قَوْله صلى الله عليه وسلم لَا شَهَادَة لمتهم وتهمة الْكَذِب قَائِمَة وَإِلَّا لادعاه العَبْد

ص: 190

لعلمه بِالْعِتْقِ

لَهُم النُّصُوص الْمُقْتَضِيَة لجَوَاز الشَّهَادَة مثل قَوْله تَعَالَى {وَلَا تكتموا الشَّهَادَة} وَنَحْو ذَلِك وَقد ظهر الْعتْق بِشَهَادَة الْعُدُول إِلَّا أَن الْعتْق حق العَبْد فيفتقر إِلَى دَعْوَاهُ كَالشَّهَادَةِ على مَاله مَسْأَلَة الْإِعْتَاق يتَجَزَّأ عِنْد أبي حنيفَة وَقَالا لَا يتَجَزَّأ

وَصُورَة الْمَسْأَلَة إِذا أعتق عبدا بَينه وَبَين شَرِيكه زَالَ الْملك عَن نصِيبه وَلَا يعْتق شَيْء من العَبْد للْحَال عِنْد أبي حنيفَة

ثمَّ ينظر إِن كَانَ الْمُعْتق مُوسِرًا فلشريكه أَن يضمنهُ قيمَة نصِيبه وَإِن شَاءَ استسعى العَبْد فِي ذَلِك فَإِذا وصل إِلَيْهِ الضَّمَان أَو السّعَايَة عتق كل العَبْد وَإِن شَاءَ أعْتقهُ وَإِن كَانَ الْمُعْتق مُعسرا فلشريكه الِاسْتِسْعَاء وَإِن شَاءَ أعتق

وَعِنْدَهُمَا مَتى أعتق أَحدهمَا عتق كل العَبْد للْحَال ثمَّ الَّذِي لم يعْتق يضمن الْمُعْتق إِن كَانَ مُوسِرًا وَلَيْسَ لَهُ غير ذَلِك

وَالْكَلَام فِي هَذِه الْمَسْأَلَة يرجع إِلَى حرف وَهُوَ أَن عِنْد أبي حنيفَة الْإِعْتَاق لَهُ حكمان ثُبُوت الْعتْق وَزَوَال الْملك وَالْملك يتَجَزَّأ فِي الْمحل فيتجزأ الْإِعْتَاق

وَعِنْدَهُمَا الْإِعْتَاق لَهُ حكم وَاحِد وَهُوَ ثُبُوت الْعتْق وَزَوَال الرّقّ وكل وَاحِد مِنْهُمَا لَا يتَجَزَّأ فَكَذَا الْإِعْتَاق وَالشَّافِعِيّ وَاحْمَدْ مَعَه إِذا كَانَ الْمُعْتق مُعسرا ومعهما إِذا كَانَ الْمُعْتق مُوسِرًا

ص: 191

لَهُ قَوْله صلى الله عليه وسلم من أعتق شِقْصا لَهُ فِي مَمْلُوك قوم عَلَيْهِ نصيب شَرِيكه إِن كَانَ مُوسِرًا فَإِن لم يكن لَهُ مَال استسعى العَبْد غير مشقوق عَلَيْهِ حد

وَفِي رِوَايَة عتق مَا عتق ورق مَا رق حد سمي النَّبِي صلى الله عليه وسلم مُعتق الْبَعْض عبدا وَالْعَبْد اسْم لشخص مَمْلُوك مرقوق وَهُوَ حجَّة على الشَّافِعِي فِي مَسْأَلَة السّعَايَة وَهُوَ لَا يَرَاهَا

فَإِن قيل فِي الحَدِيث مقَال وَلَو سلم حمل على أَنه سَمَّاهُ عبدا مجَازًا كَالْقَاضِي الْمَعْزُول فَإِنَّهُ يُسمى قَاضِيا باسم مَا كَانَ تَوْفِيقًا بَين الدَّلَائِل قُلْنَا الحَدِيث خرجه أَحْمد فِي الْمسند لَهما قَوْله صلى الله عليه وسلم من أعتق شِقْصا لَهُ فِي مَمْلُوك فقد عتق كُله لَيْسَ لله فِيهِ شريك حد قُلْنَا معنى قَوْله عتق كُله أَي سيعتق وَبِه نقُول تَوْفِيقًا مَسْأَلَة الْعتْق لَا يتَجَزَّأ عندنَا وَعند الشَّافِعِي وَاحْمَدْ يتَجَزَّأ

ص: 192

وَصُورَة الْمَسْأَلَة أحد الشَّرِيكَيْنِ أعتق نصِيبه وَهُوَ مُعسر فَعِنْدَ أبي حنيفَة لَا يعْتق مِنْهُ شَيْء لما مر وَعِنْدَهُمَا يعْتق كُله

وَعند الشَّافِعِي وَأحمد يعْتق نصفه وَيبقى النّصْف رَقِيقا يُبَاع ويوهب وتجري عَلَيْهِ أَحْكَام الأرقاء وَالْخلاف مَعَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ فِي مَسْأَلَتَيْنِ إِحْدَاهمَا هَذِه وَالثَّانيَِة فِي التَّخْرِيج إِلَى الْعتْق بالسعاية فعندنا يُمكن ذَلِك وَعِنْدهم لَا يُمكن

لنا مَا احْتج بِهِ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد فِي الْمَسْأَلَة الْمَاضِيَة من قَوْله صلى الله عليه وسلم عتق كُله لَيْسَ لله شريك وَهَذَا نَص وَمذهب الْخصم يُخَالِفهُ

وَكَذَا قَوْله استسعى العَبْد غيرمشقوق عَلَيْهِ سَمَّاهُ عبدا مُطلقًا وهم لَا يَقُولُونَ بِهِ وَأوجب السّعَايَة وهم لَا يَقُولُونَ بهَا

لَهُم قَوْله صلى الله عليه وسلم عتق مَا عتق ورق مَا رق وَمَعْنَاهُ عتق مَا أعْتقهُ وَبَقِي على الرّقّ مالم يعتقهُ وَإِذا بَقِي الرّقّ بَقِي الْملك

قُلْنَا على قَوْلهمَا معنى قَوْله ورق مَا رق أَي بِسَبَب الدّين وَهُوَ السّعَايَة لِأَن الدّين رق على مَا ورد بِهِ الْأَثر

وعَلى قَول أبي حنيفَة رحمه الله معنى عتق مَا عتق أَي فِي ثَانِي الْحَال ورق مَا رق صَحِيح لِأَنَّهُ رَقِيق وَلَا كَلَام فِيهِ ثمَّ نَحن نقُول بِمُوجبِه وَإِنَّمَا الأشارة إِلَى أَنه يبْقى رَقِيقا أم لَا الحَدِيث لَا يتَعَرَّض لَهُ على أَن هَذِه الْأَحَادِيث متعارضة وَقل مَا يصفو ورد التَّمَسُّك بهَا لأحد الْفَرِيقَيْنِ

ص: 193

= كتاب الْإِيمَان =

مَسْأَلَة إِذا نذر ذبح وَلَده صَحَّ وَلَزِمَه ذبح شَاة وَيخرج عَن عُهْدَة النذربذبحها اسْتِحْسَانًا عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَاحْمَدْ وَهُوَ قَول صُدُور الصَّحَابَة مثل عَليّ وَابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر رضي الله عنهم وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يَصح وَهُوَ قَول زفر وَالشَّافِعِيّ

وَاتَّفَقُوا على أَنه لَو قَالَ عَليّ أَن أقتل وَلَدي أَو أذبح وَالِدي أَو والدتي أَو نَفسِي أَو جدي أَو عمي أَو خَالِي أَو عَبدِي لَا يَصح

لنا النُّصُوص الْمُوجبَة للوفاء بِالنذرِ وَقد نذر الذّبْح هُنَا فَيجب عَلَيْهِ اسْتِدْلَالا بِقصَّة الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام فَإِنَّهُ خرج عَن الْعهْدَة بِذبح الشَّاة

وَرُوِيَ أَن امْرَأَة نذرت ذبح وَلَدهَا فِي زمن مَرْوَان بن الحكم فَجمع فُقَهَاء الصَّحَابَة رضي الله عنهم وشاورهم وَفِيهِمْ ابْن عمر فَقَالَ إِن الله تَعَالَى أَمر بِالْوَفَاءِ بالعهد فَقَالَت أتأمرني بقت وَلَدي فَقَالَ إِن الله حرم قتل النَّفس

وَسُئِلَ ابْن عَبَّاس عَن هَذِه الْمَسْأَلَة فَأفْتى بِذبح مائَة بَدَنَة ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَسْرُوق وَكَانَ جَالِسا فِي الْمَسْجِد وَقَالَ للسَّائِل سل ذَلِك الشَّيْخ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ

ص: 194

أرى عَلَيْك ذبح شاه فَعَاد إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ لَهُ أرى عَلَيْك ذَلِك وَكَانَ غَرَض ابْن عَبَّاس أَن يعلم مَذْهَب ابْن مَسْعُود من مَسْرُوق فَهَؤُلَاءِ الصَّحَابَة مَعَ اخْتلَافهمْ فِي مُوجب النّذر اتَّفقُوا على صِحَة النّذر فَمن أنكرهُ فقد خَالف الْإِجْمَاع احْتَجُّوا بقوله عليه الصلاة والسلام لَا نذر فِي مَعْصِيّة الله ت وَهَذَا نذر بِمَعْصِيَة وَقَوله صلى الله عليه وسلم لَا نذر فِيمَا لَا يملك ابْن آدم خَ د وَعَن عَليّ رضي الله عنه أَنه أفتى بِوُجُوب بَدَنَة وَذَلِكَ يَنْفِي وجوب الشَّاة وَعَن عبد الله بن زيد أَنه نفى صِحَة النّذر وَكَذَا روى عَن ابْن الزبير قُلْنَا لَا نسلم أَنه نذر بِمَعْصِيَة لِأَن حكمه وجوب ذبح الشَّاة وَذبح الشَّاة قربَة وَطَاعَة وَإِجْمَاع من ذكرُوا لَا يُعَارض إِجْمَاع من ذكرنَا

والمروى عَن عَليّ رضي الله عنه مثل مَذْهَبنَا فِي الْأَصَح وإفتاؤه بِوُجُوب الْبَدنَة إِن صَحَّ فقد وَافق فِي صِحَة النّذر ثمَّ دلائلنا مثبتة وَمَا ذَكرُوهُ ناف

مَسْأَلَة إِذا اشْترى اباه يَنْوِي بِهِ كَفَّارَة يَمِينه أَو إفطاره أَجزَأَهُ عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة اسْتِحْسَانًا

ص: 195

وَعند زفر لَا يجوز قِيَاسا وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَكَذَا إِذا ملكه بِالْهبةِ أَو تصدق بِهِ عَلَيْهِ

لنا أَنه أَتَى بِمَا أمربه فموجب الْخُرُوج من الْعهْدَة وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك لِأَنَّهُ مَأْمُور بِالْإِعْتَاقِ وَشِرَاء الْغَرِيب إِعْتَاق لقَوْله صلى الله عليه وسلم لن يَجْزِي ولد وَالِده إِلَّا أَن يجده مَمْلُوكا فيشتريه فيعتقه خَ م د

وَالِاسْتِدْلَال بِهِ أَنه صلى الله عليه وسلم سَمَّاهُ معتقا عقيب الشِّرَاء وَبعد الشِّرَاء لَا يحْتَاج إِلَى فعل آخر فَيصير بِهِ معتقا

احْتَجُّوا بقوله تَعَالَى {أَو تَحْرِير رَقَبَة} وَلم يَأْتِ بِمَا أَمر بِهِ لِأَنَّهُ مَأْمُور بِالْإِعْتَاقِ وَقد أَتَى بِالشِّرَاءِ وَهُوَ غير الْإِعْتَاق لِأَن الشِّرَاء مَوْضُوع لجلب الْملك وَالْإِعْتَاق لسلب الْملك وَبَينهمَا تناف قُلْنَا قد بَينا أَنه أَتَى بِمَا أَمر بِهِ مَسْأَلَة إِعْتَاق الرَّقَبَة الْكَافِرَة عَن كَفَّارَة الْيَمين وَالظِّهَار يجوز عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي لايجوز وَقد تساعدنا على اشْتِرَاط وصف الْإِيمَان فِي كَفَّارَة الْقَتْل

ص: 196

لنا النُّصُوص الْمُطلقَة فِي جَوَاز التَّحْرِير كَقَوْلِه تَعَالَى {فَتَحْرِير رَقَبَة} وَقد أَتَى بذلك مَعَ وجود الْمَحَلِّيَّة والأهلية

احْتج بِمَا رُوِيَ أَن رجلا أَتَى بِأمة سَوْدَاء إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عَليّ عتق رَقَبَة أفأعتق هَذِه فَسَأَلَهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن إيمَانهَا فَوَجَدَهَا مُؤمنَة فَقَالَ أعْتقهَا فَإِنَّهَا مُؤمنَة خَ م فَدلَّ على التَّقْيِيد بِوَصْف الْإِيمَان قُلْنَا هَذَا خبر وَاحِد ورد على مُخَالفَة الْكتاب وَيحْتَمل أَنه وَجب على مَوْلَاهَا عتق رَقَبَة فِي كَفَّارَة الْقَتْل فَسَأَلَهَا عَن إيمَانهَا ليَصِح ذَلِك

مَسْأَلَة إِذا أعتق الْمكَاتب أَو ولد الْمكَاتب عَن كَفَّارَة يَمِينه أَو كَفَّارَة ظِهَاره جَازَ عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة وَقَالَ زفر لَا يجوز وَهُوَ قَول الشَّافِعِي لنا قَوْله تَعَالَى {وَفِي الرّقاب} قَالَ أهل التَّفْسِير المُرَاد بِهِ المكاتبون وروى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ الْمكَاتب عبد مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم د ت

ص: 197

احْتج الْخصم وَقَالَ الْوَاجِب عَلَيْهِ تَحْرِير رَقَبَة مُطلقَة للنصوص الْمَاضِيَة وَلم يَأْتِ بهَا لِأَن ملك الْمولى زائل عَنهُ قُلْنَا لَا نسلم أَنه زائل عَن ملكه بل هُوَ كالزائل لما عرف مَسْأَلَة لَا يجوز تَقْدِيم الْكَفَّارَة على الْحِنْث عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ يجوز وَهَذَا الخلا فِي التَّكْفِير بِالْمَالِ أما التَّكْفِير بِالصَّوْمِ فَكَذَا لَا يجوز عندنَا أَيْضا وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ لنا قَوْله صلى الله عليه وسلم من حلف على يَمِين وَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليأت الَّذِي هُوَ خير ثمَّ ليكفر عَن يَمِينه خَ د

أوجب النَّبِي صلى الله عليه وسلم تَقْدِيم الْحِنْث وَتَأْخِير الْكَفَّارَة بِكَلِمَة ثمَّ وَهِي التَّرْتِيب وَمَتى كَانَ التَّكْفِير مُرَتبا على الْحِنْث لم يجز قبله

فَإِن قيل لفظ الصَّحِيح الَّذِي رَوَاهُ خَ م عَن جَابر بن سَمُرَة مَرْفُوعا فليكفر عَن يَمِينه وليأت الَّذِي هُوَ خير فَكَانَ الحَدِيث حجَّة لنا وَأَحَادِيث الْبَاب على هَذِه الصُّورَة

قُلْنَا قد رَوَاهُ أَحْمد فِي الْمسند كَمَا قُلْنَا عَن ابْن عمر وَعَن عبد الرحمن بن سَمُرَة (وَلَفظ ابْن سَمُرَة قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَا عبد الرحمن إِذا آلَيْت على يَمِين فَرَأَيْت غَيرهَا خيرا مِنْهَا فأت الَّذِي هُوَ خير وكفرعن يَمِينك

ص: 198

وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن أبي الزَّعْرَاء عَن عَمه أبي الْأَحْوَص عَن أَبِيه بِمَعْنى لفظ سَمُرَة ثمَّ الْوَاو للْجمع دون التَّرْتِيب

مَسْأَلَة إِذا قَالَ لغيره أعتق عَبدك عني مجَّانا فَقَالَ أعتقت وَقع الْعتْق عَن الْمَأْمُور عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَقع عَن الْآمِر وَهُوَ قَول الشَّافِعِي لنا أَنه (غره) وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم نهى عَن الْغرَر حد وَلَهُم قَوْله صلى الله عليه وسلم وَلكُل امرىء مَا نوى وَنَحْوه قُلْنَا النِّيَّة إِنَّمَا تصح فِي الْملك أَو فِي الْعرض وَلَا ملك بِدُونِ الْبَدَل

مَسْأَلَة إِذا قَالَ لغيره أعتق عَبدك عني على ألف دِرْهَم فَقَالَ أعتقت وَقع عَن الْآمِر حَتَّى يكون الْوَلَاء لَهُ وَتسقط عَنهُ الْكَفَّارَة إِن نوى التَّكْفِير وَيلْزمهُ الْألف

ص: 199

وَقَالَ زفر يَقع الْعتْق عَن الْمَأْمُور وَيكون الْوَلَاء لَهُ وَلَا تسْقط عَن الْآمِر الْكَفَّارَة وَلَا يلْزمه الْألف لنا قَوْله صلى الله عليه وسلم وَلكُل امرىء مَا نوى كَذَا النُّصُوص الْمُطلقَة بِجَوَاز البيع وَالْهِبَة

وَله قَوْله صلى الله عليه وسلم لَيْسَ للنِّسَاء من الْوَلَاء إِلَّا مَا أعتقن أَو أعتق من أعتقن وَلَو كَانَ الْمَأْمُور امْرَأَة كَانَ الْوَلَاء لَهَا قُلْنَا هَذَا الحكم مَقْصُور على النِّسَاء فلايتعدى إِلَى غَيْرهنَّ والْحَدِيث غَرِيب

مَسْأَلَة الْيَمين الْغمُوس لَا توجب الْكَفَّارَة عندنَا وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَاحْمَدْ وَقَالَ الشَّافِعِي توجب وَصُورَة الْغمُوس أَن يحلف على أَمر فِي الْمَاضِي يتَعَمَّد الْكَذِب فِيهِ وَاتَّفَقُوا على أَن يَمِين اللَّغْو لَا توجب الْكَفَّارَة وَحدهَا عندنَا أَن يحلف على أَمر مَاض يظنّ أَنه كَمَا قَالَ وَالْأَمر بِخِلَافِهِ وَعِنْده اللَّغْو مَالا يقْصد بِهِ الْيَمين مثل قَول الْإِنْسَان فِي أثْنَاء كَلَامه لاو الله وبلى وَالله

لنا مَا روى أَبُو هُرَيْرَة قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم خمس من الْكَبَائِر لَا كَفَّارَة فِيهِنَّ الشّرك بِاللَّه وعقوق الْوَالِدين والفرار من الزَّحْف وَقتل نفس بِغَيْر

ص: 200

حق وَالْيَمِين الْفَاجِرَة يقتطع بهَا مَال امرىء مُسلم وَفِي رِوَايَة الْيَمين الْغمُوس وَفِي رِوَايَة وَالْيَمِين الْغمُوس تدع الديار بَلَاقِع

وروى أَبُو هُرَيْرَة قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول لَيْسَ لَهَا كَفَّارَة يَمِين يقتطع بهَا مَال بِغَيْر حق رَوَاهُ ابْن شاهين وَقَالَ ابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود كُنَّا نعد الْيَمين الْغمُوس من الْكَبَائِر الَّتِي لَا كَفَّارَة فِيهِنَّ وقولهما كُنَّا إِشَارَة إِلَى جَمِيع الصَّحَابَة وَهَذَا حِكَايَة الْإِجْمَاع

فَإِن قيل الحَدِيث مُخَالف لقَوْله تَعَالَى {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا كسبت قُلُوبكُمْ} أثبت الْمُؤَاخَذَة بِمَا كسبت الْقُلُوب فِي هَذِه الْآيَة ثمَّ فسره فِي آيَة الْمَائِدَة وَقيد الْكَفَّارَة فِي قَوْله {فكفارته} وَالْمُطلق يحمل على الْمُقَيد

ص: 201

قُلْنَا لَا نسلم أَنه مُخَالف للنَّص بل هُوَ مُوَافق لِأَن الْمُؤَاخَذَة فِي الْآخِرَة كل (الْجَزَاء) فِي الْيَمين الْغمُوس لقَوْله تَعَالَى {الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا أُولَئِكَ لَا خلاق لَهُم فِي الْآخِرَة} فَزِيَادَة الْكَفَّارَة نسخ وَإنَّهُ لَا يجوز وَاحْتج الشَّافِعِي بِهَذِهِ النُّصُوص وَقد خرج الْجَواب عَنْهَا

ص: 202

= كتاب الْحُدُود = مَسْأَلَة الْإِسْلَام شَرط من شَرَائِط الْإِحْصَان عندنَا وَهُوَ قَول عَليّ وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَمَالك رضي الله عنهم وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ لَيْسَ بِشَرْط وَهُوَ رِوَايَة عَن أبي يُوسُف وَثَمَرَة الْخلاف أَن الذِّمِّيّ الثّيّب الْحر إِذا زنى يجلد عندنَا وَعِنْدهم يرْجم وَلَا يجلد وَقد تساعدنا على أَن الْعقل وَالْبُلُوغ وَالْحريَّة والثيابة شَرط من شَرَائِط الْإِحْصَان وَكَذَا الْعقل وَالْبُلُوغ وَالْحريَّة وَالْإِسْلَام والعفة من شَرَائِط الْإِحْصَان فِي الْقَذْف

لنا قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَة وَالزَّانِي فاجلدوا كل وَاحِد مِنْهُمَا مائَة جلدَة} وَهَذَا زَان فَإِذا وَجب الْجلد امْتنع الرَّجْم ضَرُورَة أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ احْتَجُّوا بِمَا روى جَابر بن سَمُرَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم رجم يَهُودِيّا وَيَهُودِيَّة زَنَيَا حد وَرَوَاهُ ابْن عمر ت وَقَالَ ابْن عمر وَكَانَا قد أحصنا وروى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ خُذُوا عني خُذُوا عني قد جعل الله لَهُنَّ

ص: 203

سَبِيلا الْبكر بالبكر جلد مائَة وتغريب عَام وَالثَّيِّب بِالثَّيِّبِ جلد مائَة ورجم بِالْحِجَارَةِ فالنبي صلى الله عليه وسلم فرق بَينهمَا بالثيوبة فَمن فرق بَينهمَا بِالْإِسْلَامِ فقد زَاد على النَّص

وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا قبلوا عقد الذِّمَّة فأعلموهم أَن لَهُم مَا للْمُسلمين وَعَلَيْهِم مَا على الْمُسلمين وَالرَّجم على الْمُسلم الثّيّب فَكَذَا على الْكَافِر الثّيّب

وَرُوِيَ أَن عمر رضي الله عنه قَالَ لَوْلَا أَن يَقُول النَّاس زَاد عمر فِي كتاب الله لكتبت على حَاشِيَة الْمُصحف الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نكالا من الله وَالله عَزِيز حَكِيم من غير فصل وَإِذا لم يثبت كَونه قُرْآنًا فَلَا أقل من أَن يكون خَبرا مَشْهُورا وَالزِّيَادَة على الْكتاب الْعَزِيز يجوز بالْخبر الْمَشْهُور

وَالْجَوَاب أما الحَدِيث الأول فالنبي صلى الله عليه وسلم رجمهما بِحكم التَّوْرَاة بِدَلِيل مَا روى انه صلى الله عليه وسلم لما دخل الْمَدِينَة رأى يهوديين محممي الْوَجْه فَسَأَلَ عَنْهُمَا فَقيل إنَّهُمَا زَنَيَا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم للْيَهُود أهكذا حد الزِّنَى فِي كتابكُمْ فَقَالُوا نعم فَقَالَ ابْن سَلام كذبُوا إِنَّمَا حَده الرَّجْم فَقَالَ صلى الله عليه وسلم من أخْبركُم بِهَذَا فَقَالُوا فَتى بِخَيْبَر

ص: 204

يُقَال لَهُ ابْن صوريا فَأتي بِهِ فَنَاشَدَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم الله فَقَالَ أما إِذا ناشدتني الله فحد الزِّنَى الرَّجْم فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَمَا الَّذِي حملكم على هَذَا فَقَالَ (كَثْرَة) الزِّنَى فِينَا كَانَ الْوَضع إِذا زنى منا رجمناه والشريف تَرَكْنَاهُ فتواضعنا على مَا يَسْتَوِي فِيهِ الشريف والوضيع وَهُوَ جلد مائَة وتحميم الْوَجْه فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم نَحن أَحَق بإحياء سنة أخينا مُوسَى مِنْكُم وَأمر بهما فَرُجِمَا خَ م بِمَعْنَاهُ

وَمَعْلُوم أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ ليحكم بِالتَّوْرَاةِ بعد نزُول الحكم فِي كِتَابه فَدلَّ على أَن الْقَضِيَّة كَانَت قبل نزُول الْآيَة فَتكون مَنْسُوخَة بهَا على انها حِكَايَة حَال يحْتَمل أَنه كَانَ قبل اشْتِرَاط الْإِحْصَان فِي الرَّجْم

وَيحْتَمل أَنه سياسة لَا حد فَإِن أَحْبَارهم كَانُوا يكتمون نعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي التَّوْرَاة وأحكاما أخر مِنْهَا الرَّجْم فَأَرَادَ تكذيبهم

وَقَوله وَكَانَا قد أحصنا مَذْهَب ابْن عمر وَقَوله فيعارضه بقول عَليّ وَابْن عَبَّاس الْكَافِر لَيْسَ بمحصن فَلم قُلْتُمْ بِأَن الكافرمحصن على أَنه إِثْبَات الْحُدُود بِخَبَر الْوَاحِد وَإنَّهُ لَا يجوز أَن أَخْبَار الْآحَاد لَا تعري عَن

ص: 205

الشُّبْهَة وَالْحُدُود لَا تجب مَعَ الشُّبُهَات وَأما قَوْله صلى الله عليه وسلم أعلموهم أَن لَهُم مَا للْمُسلمين قُلْنَا الرَّجْم غير وَاجِب على كَافَّة الْمُسلمين فَدلَّ على أَنه يخْتَص بالزناة المحصنين دون غَيرهم

وَأما قَول ابْن عمر فأثر ورد على مُخَالفَة الْكتاب وَخبر الْوَاحِد لَا يقبل فِي مثله فَكيف الْأَثر وَلَا سِيمَا فِي الْحُدُود وَقد احْتج بعض أَصْحَابنَا بحديثين رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ

أَحدهمَا عَن كَعْب بن مَالك أَنه أَرَادَ أَن يتَزَوَّج يَهُودِيَّة أَو نَصْرَانِيَّة فَسَأَلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِنَّهَا لَا تحصنك وَالثَّانِي عَن ابْن عمر ان النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من أشرك بِاللَّه فَلَيْسَ بمحصن وَالْحَدِيثَانِ لَا يصحان أما ألأول فَفِي إِسْنَاده أَبُو بكر بن أبي مَرْيَم ضَعِيف وَأما الثَّانِي فموقوف على ابْن عمر لم يرفعهُ غير إِسْحَاق ثمَّ رَجَعَ عَنهُ

ص: 206

مَسْأَلَة الْجلد مَعَ النَّفْي لَا يَجْتَمِعَانِ عندنَا فِي زنى الْبكر وَهُوَ قَول عَليّ رضي الله عنه وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ وَدَاوُد يجتمعات لنا قَوْله تَعَالَى {فاجلدوا كل وَاحِد مِنْهُمَا مائَة جلدَة} جعل الْمِائَة كل الْجَزَاء فَيَنْتَفِي وجوب التَّغْرِيب ضَرُورَة وَكَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِذا أُتِي بِمن زنى وَهُوَ بكر يَأْمر بجلده مائَة لَا غير وروى أَن عمر رضي الله عنه نفى شَارِب خمر إِلَى الرّوم فَارْتَد فَحلف عمر لَا ينفى بعده أحدا وَعَن عَليّ رضي الله عنه أَنه قَالَ كفى بالتغريب فتْنَة والمشروع لَا ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الْفِتْنَة

احْتَجُّوا بِمَا روى عبَادَة بن الصَّامِت أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ خُذُوا عني خُذُوا عني قد جعل الله لَهُنَّ سَبِيلا الثّيّب بِالثَّيِّبِ وَالْبكْر بالبكر الثّيّب جلد مائَة ورجم بِالْحِجَارَةِ وَالْبكْر جلد مائَة وتغريب عَام حد وَفِي لفظ مُسلم وَنفي سنة وَفِي رِوَايَة الْمسند الْبكر بالبكر مائَة وَنفي سنة وَالثَّيِّب بِالثَّيِّبِ جلد مائَة وَالرَّجم

ص: 207

وَفِي قصَّة العسيف أما الشَّاة والوليدة فَرد عَلَيْك وعَلى ابْنك جلد مائَة وتغريب عَام م

وَرُوِيَ أَن أَبَا بكر جلد وَغرب إِلَى فدك وَعُثْمَان جلد وَغرب إِلَى مصر وَعمر جلد نصر بن حجاج وغربه إِلَى الْبَصْرَة وَكَذَا عَليّ جلد وَغرب إِلَى الْبَصْرَة وَكَذَا رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود وَالْجَوَاب أما الحَدِيث الأول فَلَو قُلْنَا بِجَوَاز الْجمع كَانَ زِيَادَة على مَا تلونا من الْكتاب وَإنَّهُ نسخ وَقد قَالَ التِّرْمِذِيّ رَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة وَهُوَ غير مَحْفُوظ

وَالْحَد يسْقط بِالشُّبْهَةِ فَلَا يثبت بِخَبَر الْوَاحِد ثمَّ هُوَ مَنْسُوخ بِالْآيَةِ لما مر فِي الْمَسْأَلَة الْمَاضِيَة وَحَدِيث العسيف مَنْسُوخ أَيْضا لِأَنَّهُ مُوَافق للْأولِ

وَإِنَّمَا فعل الصَّحَابَة فروى أَن عليا رضي الله عنه خالفهم فِي ذَلِك بِدَلِيل قَوْله كفى بِالنَّفْيِ فتْنَة وَمَعَ مُخَالفَته لاإجماع أَو يحمل على انهم فَعَلُوهُ بطرِيق السياسة وَالتَّعْزِير

ص: 208

أَو يحمل على الْحَبْس وَهُوَ يعبر عَن ذَلِك كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَو ينفوا من الأَرْض} قَالَ الشَّاعِر

خرجنَا من الدُّنْيَا وَكُنَّا من أَهلهَا

فلسنا من الْأَحْيَاء فِيهَا وَلَا الْمَوْتَى

إِذا جَاءَنَا السجان يَوْمًا لحَاجَة

فرحنا وَقُلْنَا جَاءَ هَذَا من الدُّنْيَا

مَسْأَلَة (اللواط) لَا يُوجب الْحَد عِنْد أبي حنيفَة رحمه الله وَلكنه يُوجب التَّعْزِير وَالْحَبْس إِلَى أَن يَتُوب أَو يَمُوت وَقَالا يُوجب الْحَد فَإِن كَانَا محصنين رجما وَإِن كَانَا بكرين جلدا وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي وَاحْمَدْ وَقَالَ الشَّافِعِي فِي القَوْل الآخر يقتلان على كل حَال محصنين كَانَا أَو غير محصنين

لَهُ قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَة وَالزَّانِي} وَهَذَا لَيْسَ بزنى لِأَنَّهُ يَصح نفي الزِّنَى عَنهُ يُقَال لَاطَ وَلَا يُقَال زنى وَالدَّلِيل عَلَيْهِ اخْتِلَاف الصَّحَابَة فَإِن بَعضهم أوجب الْحَد وَبَعْضهمْ لم يُوجِبهُ وَقَول الْبَعْض لَا يكون إِجْمَاعًا

احْتَجُّوا بقوله صلى الله عليه وسلم اقْتُلُوا الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ فِي عمل قوم لوط وَالْوَاقِع على الْبَهِيمَة وَمن وَقع على ذَات محرم فَاقْتُلُوهُ حد وَلِأَن الصَّحَابَة أَجمعُوا على الْقَتْل وَإِن اخْتلفُوا فِي كيفيته فَمن قَائِل يقتل

ص: 209

صبرا وَمن قَائِل يحد حد الزِّنَى وَقَالَ أَبُو بكر رضي الله عنه يحرق بالنَّار وَقَالَ ابْن عَبَّاس ينكسان من شَاهِق ويتبعان بِالْحِجَارَةِ وَعلي رضي الله عنه رجم لوطيا فَحصل الِاتِّفَاق مِنْهُم على أصل الْقَتْل فَقُلْنَا بِهِ ورجحنا قَول الْبَعْض على الْبَعْض فيا اخْتلفُوا فِيهِ فَإِذا قُلْتُمْ لَا قتل أصلا خالفتم الْإِجْمَاع

وَالْجَوَاب أما الحَدِيث فضعفه صَاحب الاصطلام وَفِيه مَا يدل عَلَيْهِ وَهُوَ قتل الْمَفْعُول بِهِ فَإِنَّهُ قد يكون غير مُخَاطب ثمَّ هُوَ خبر وَاحِد ورد على مُخَالفَة الْكتاب فَلَا يثبت بِهِ الْحَد وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَا يحل دم امرىء مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث الحَدِيث فَلم قُلْتُمْ بانه زَان أَو يحمل على الْقَتْل سياسة ثمَّ هُوَ مَتْرُوك الظَّاهِر وَأما الْإِجْمَاع فقد خرج الْجَواب عَنهُ أَو يحمل على انهم فَعَلُوهُ سياسة تَوْفِيقًا بَين الدَّلَائِل

مَسْأَلَة الْحرَّة الْبَالِغَة الْعَاقِلَة إِذا مكنت من نَفسهَا صَبيا أَو مَجْنُونا لَا حد عَلَيْهَا عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة وَقَالَ زفر عَلَيْهَا الْحَد وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَاحْمَدْ

ص: 210

لنا نُصُوص الْمَسْأَلَة الْمَاضِيَة وَهَذَا الْفِعْل لَيْسَ بزنى لقُصُور الْخطاب فِي حق الصَّبِي وَالْمَجْنُون احْتَجُّوا بالعمومات وَالله تَعَالَى سَمَّاهُ زنى على الْإِطْلَاق قُلْنَا الْمَرْأَة تسمى زَانِيَة بطرِيق الْمجَاز فَلَا حد

مَسْأَلَة إِذا تزوج بِوَاحِدَة من ذَوَات مَحَارمه وَدخل بهَا وَقَالَ علمت أَنَّهَا على حرَام لم يحد وَقَالا يحد وَهُوَ قَول الشَّافِعِي رضي الله عنه وَلَو قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تحل لي لَا يحد بِالْإِجْمَاع وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا تزوج بمطلقة ثَلَاثًا أَو مَنْكُوحَة (أَبِيه) أَو مُعْتَدَّة

لأبي حنيفَة رحمه الله مَا مر فِي الْمسَائِل الْمَاضِيَة وَهَذَا وَطْء تمكنت فِيهِ شُبْهَة الْإِبَاحَة بصدور العقد من الْأَهْل فِي الْمحل فَيسْقط الْحَد وَمَا رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا الْمهْر بِمَا اسْتحلَّ من فرجهَا مُطلقًا وَلم يذكر الْحَد

احْتَجُّوا بِمَا روى الْبَراء بن عَازِب قَالَ لقِيت خَالِي بردة بن نيار وَمَعَهُ لِوَاء فَقَالَ بَعَثَنِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَى رجل تزوج بِامْرَأَة أَبِيه لأضرب عُنُقه وآخذ مَاله حد قُلْنَا لَا حجَّة فِي الحَدِيث لِأَنَّهُ أَمر فِيهِ بِضَرْب عُنُقه وَأخذ مَاله وَهَذَا لَيْسَ بِحَدّ الزِّنَى

ص: 211

وَيحْتَمل أَنه فعل ذَلِك مستحلا فَيكون مُرْتَدا فَيقْتل بردته أَو يحمل على أَنه فعله سياسة والْحَدِيث حِكَايَة حَال فَمَتَى احْتمل لم يبْق حجَّة مَسْأَلَة إِذا اسْتَأْجر امْرَأَة ليزني بهَا فَوَطِئَهَا لَا حد عَلَيْهِ عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا يحد وَهُوَ قَول البَاقِينَ لَهُ مَا مر فِي الْمَسْأَلَة الْمَاضِيَة وَهَذَا الْوَطْء قد ابتني على شُبْهَة العقد فَيسْقط الْحَد

وَرُوِيَ أَن امْرَأَة استسقت رَاعيا على عهد عمر رضي الله عنه فَأبى أَن يسقيها حَتَّى تمكنه من نَفسهَا فَفعلت فَبلغ ذَلِك عمر رضي الله عنه فدرأ عَنْهَا الْحَد وَقَالَ ذَلِك مهرهَا أفتى بالحكم وَنبهَ على الْعلَّة

فَإِن قيل الْمَرْوِيّ عَن تِلْكَ الْمَرْأَة أَنَّهَا كَانَت حَدِيثَة الْعَهْد بِالْإِسْلَامِ جاهلة بِالتَّحْرِيمِ فَجعل عمر ذَلِك عذرا لَهَا فِي دَرْء الْحَد وروى أَنه أكرهها وخوفها بالعطش ثمَّ هَذِه فَتْوَى وَاحِد من الصَّحَابَة فِي مَحل الِاجْتِهَاد فَلَا يجب تَقْلِيده بِالْإِجْمَاع

قُلْنَا الِاحْتِجَاج إِنَّمَا وَقع بقول عمر ذَلِك مهرهَا سمى الْأُجْرَة مهْرا وَالْمهْر يدل فِي بَاب النِّكَاح فثبتت الشُّبْهَة احْتَجُّوا بالنصوص الْمُوجبَة للحد وَهَذَا زنى بِالْآيَةِ وَلِهَذَا إِن مستحله يكفر ومتعاطيه يفسق

قُلْنَا الشُّبْهَة ثَابِتَة بقوله استأجرتك لأزني بك فَكَانَ مجَازًا عَن النِّكَاح وَإِنَّمَا يكفر مستحله لِأَن حرمته ثبتَتْ بِدَلِيل لَا شُبْهَة فِيهِ

ص: 212

وَفسق متعاطيه لِحُرْمَتِهِ من وَجه وَذَلِكَ كَاف فِي الْفسق مَسْأَلَة الزِّنَى الْمُوجب للحد لَا يظْهر إِلَّا بِالْإِقْرَارِ أَربع مَرَّات فِي أَرْبَعَة مجَالِس وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ يظْهر بِالْإِقْرَارِ مرّة وَاحِدَة ووافقنا احْمَد فِي اعْتِبَار الأقارير وَلم يعْتَبر اخْتِلَاف الْمجَالِس

لنا مَا روى أَن ماعزا جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي زَنَيْت طهرني فَأَعْرض عَنهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَلم يزل كَذَلِك حَتَّى الرَّابِعَة فأمرالنبي صلى الله عليه وسلم برجمه الحَدِيث م وَالِاسْتِدْلَال بِهِ من وُجُوه

أَحدهَا أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أعرض عَن إِقَامَة الْحَد للْحَال فَلَو كملت الْحجَّة بِالْإِقْرَارِ مرّة وَاحِدَة وَظهر الْحق لما جَازَ لَهُ التّرْك لِأَن الإِمَام نَائِب الله تَعَالَى وَالظَّاهِر أَنه صلى الله عليه وسلم لَا يُؤَخر الِاسْتِيفَاء بعد وُجُوبه أَلا ترى أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ لَو سرقت فَاطِمَة بنت مُحَمَّد لَقطعت يَدهَا فَلَمَّا أخر علم أَن الْحجَّة لم تكمل

وَالثَّانِي أَنه روى أَن أَبَا بكر قَالَ لَهُ إِن شهِدت الرابعه رجمك رَسُول الله

ص: 213

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدلَّ على أَن اشْتِرَاط الْأَرْبَع كَانَ مَشْهُورا فِيمَا بَينهم وَالثَّالِث أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن أقرّ أَرْبعا فارجموه فَعلم أَن الْأَرْبَع شَرط فِي أَرْبَعَة مجَالِس

فَإِن قيل التَّعَلُّق بالأحاديث لَا يَصح لِأَنَّهُ يحْتَمل أَنه صلى الله عليه وسلم أعرض عَن إِقَامَة الْحَد لقُصُور فِي الْحجَّة وَيحْتَمل أَنه أعرض ليختبر عقله فَإِن فِي سِيَاق الحَدِيث أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ أبك خبل أم جُنُون لَعَلَّك قبلتها لَعَلَّك لمستها فَلَمَّا أصر على إِقْرَاره زَالَت الرِّيبَة فَأَقَامَ عَلَيْهِ الْحَد وَيحْتَمل أَنه إِنَّمَا أعرض عَن إِقَامَة الْحَد كَرَاهَة مِنْهُ لإشاعة الْفَاحِشَة وحبا لسترها

وَلَو صَحَّ الِاحْتِجَاج بِهِ عارضناه بِقصَّة العسيف وَقَوله صلى الله عليه وسلم يَا أنيس واغد على امْرَأَة هَذَا فَإِن اعْترفت فارجمها خَ م وَبِه يحْتَج علق صلى الله عليه وسلم الرَّجْم بِمُطلق الِاعْتِرَاف وَمُطلق الِاعْتِرَاف ينْطَلق على الْإِقْرَار مرّة وَاحِدَة

ص: 214

أَو يكون مَا رويتم مَنْسُوخا بِمَا روينَا فَلَا يَصح التَّمَسُّك بِهِ ثمَّ عنْدكُمْ اخْتِلَاف الْمجَالِس شَرط وَلَيْسَ فِي الحَدِيث تَصْرِيح بِهِ

وروى أَن الغامدية جَاءَت إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَت يَا رَسُول الله زَنَيْت فطهرني وَكَانَت حُبْلَى فَأمرهَا أَن ترجع حَتَّى تضع حملهَا من غير تكْرَار وَهُوَ قَول عمر رضي الله عنه

فَالْجَوَاب أما الِاحْتِمَالَات فمدفوعة لِأَن ماعزا رضي الله عنه جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم على هَيْئَة النادمين الباكين الطالبين للدَّار الْأُخْرَى وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم لقد تَابَ تَوْبَة لَو قسمت على أهل الأَرْض لوسعتهم وَالَّذِي يدل عَلَيْهِ قَوْله صلى الله عليه وسلم لماعز أبك خبل أَو جُنُون وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ يُخَاطب المجانين وَالَّذِي يعضد هَذَا الدّفع قَول أبي بكر اتَّقِ الرَّابِعَة فَإِنَّهَا مُوجبَة وَقَالَ أَبُو بردة كُنَّا نقُول لَو لم يقر الرَّابِعَة لما رجمه وَقَوْلهمْ يحْتَمل أَنه أعرض عَن إِقَامَة الْحَد كَرَاهَة لإشاعة الْفِتْنَة قُلْنَا كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يكره إِشَاعَة الْفِتْنَة قبل ظُهُورهَا أمابعد ظُهُورهَا فالاستيفاء وَاجِب وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم من ابْتُلِيَ بِشَيْء من هَذِه القاذورات فليستتر فَإِن من أبدى لنا صفحته أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَد

ص: 215

وَأما الْمُعَارضَة بِحَدِيث العسيف فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون مُتَقَدما على مَا روينَاهُ أَو مُتَأَخِّرًا عَنهُ فَإِن كَانَ مُتَقَدما كَانَ مَنْسُوخا بِمَا روينَا وَإِن كَانَ مُتَأَخِّرًا انْصَرف إِلَى الِاعْتِرَاف الْمَعْهُود فِي الْبَاب وَهُوَ الْإِقْرَار أَربع مَرَّات لما بَينا

على أَنه قد رُوِيَ أَن قصَّة العسيف كَانَت فِي وَقت كَانَ حد الْبكر الْجلد والتغريب وَقد انتسخ بقوله تَعَالَى {فاجلدوا} وَلَا يَصح الِاحْتِجَاج بالمنسوخ وَقَوْلهمْ لَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يدل على اخْتِلَاف الْمجَالِس قُلْنَا بلَى فِيهِ ذَلِك وَهُوَ الْإِعْرَاض عَنهُ يمنة ويسرة

وَقد رُوِيَ أَنه خرج من الْمَسْجِد وتوارى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثمَّ دخل وَأقر مرّة بعد أُخْرَى كَذَلِك وَيَنْبَغِي أَن يحمل على هَذَا تَوْفِيقًا بَين الدَّلَائِل

وَأما حَدِيث الغامدية فقد رددها النَّبِي صلى الله عليه وسلم معنى وَإِن لم يُوجد صُورَة لِأَنَّهُ كرر أمرهَا بقوله اذهبي حَتَّى تَضَعِي ثمَّ قَالَ اذهبي حَتَّى تفطميه كَذَلِك مَسْأَلَة لَا يملك الْمولى إقَام الْحَد على مَمْلُوكه عندنَا سَوَاء ظهر الزِّنَى بِالْبَيِّنَةِ أَو الْإِقْرَار وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ يملك ذَلِك وَالْحَد الْجلد

ص: 216

لنا إِجْمَاع الصَّحَابَة كَابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَابْن الزبير مَوْقُوفا عَلَيْهِم وَمَرْفُوعًا أَربع إِلَى الإِمَام الْفَيْء وَالْجُمُعَة وَالْحُدُود وَالصَّدقَات

فَإِن قيل الِاحْتِجَاج بالأثر فِيهِ إِثْبَات الْولَايَة للْإِمَام وَلَيْسَ فِيهِ نَفيهَا عَن غَيره فَيكون مسكوتا عَنهُ فَلَا يَصح التَّمَسُّك بِهِ

قُلْنَا فقد رُوِيَ ضمن الإِمَام أَرْبعا وَالضَّمان عبارَة عَن اللُّزُوم وَمَتى فوض إِلَى السَّيِّد لَا يكون إلزاما احْتَجُّوا بقوله صلى الله عليه وسلم أقِيمُوا الْحُدُود على مَا ملكت أيمانك حد

وروى أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا زنت أمة أحدكُم فليجلدها فَإِن عَادَتْ فليجلدها فَإِن عَادَتْ فليبعها وَلَو بضفير خَ م ت وَفِي الصَّحِيح وَلَو بِحَبل من شعر

وَالْجَوَاب أما الحَدِيث الأول فَهُوَ أَمر للْمولى بِإِقَامَة الْحَد وَمُقْتَضى الْأَمر الْوُجُوب وَلَا يجب ذَلِك على الْمولى بالِاتِّفَاقِ حَتَّى لَو ترك الْمولى الْإِقَامَة اعْتِمَادًا على

ص: 217

الإِمَام لم يكن ملوما فَكَانَ مَتْرُوك الظَّاهِر أَو يحمل على الْإِقَامَة تسبيبا بالمرافعة إِلَى الإِمَام وَإِضَافَة الْفِعْل بطرِيق التسبيب جَائِزَة كَمَا يُقَال بنى الإمير قصرا وَضرب درهما

وَأما الحَدِيث الثَّانِي فَمَحْمُول أَيْضا على التسبيب أَو على التعزيز بِدَلِيل قَوْله صلى الله عليه وسلم فَإِن عَادَتْ فليبعها وَلَو بضفير وَالْبيع لَيْسَ بِحَدّ بِالْإِجْمَاع مَسْأَلَة حد الْقَذْف لَا يُورث وَلَا يسْقط بِالْعَفو وَيجْرِي فِيهِ التَّدَاخُل خلافًا للشَّافِعِيّ

وَالْخلاف يبتنى على أَن الْمُغَلب فِيهِ حق الله تَعَالَى عندنَا فتجري عَلَيْهِ أَحْكَام حُقُوقه سُبْحَانَهُ كَمَا فِي حد الزِّنَى وَعِنْده الْمُغَلب فِيهِ حق العَبْد فتجري عَلَيْهِ أَحْكَام حُقُوق الْعباد لنا قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات} الْآيَة أوجب حد الْقَذْف سَوَاء وجد الْعَفو من الْمَقْذُوف أَو لَا وَقَوله صلى الله عليه وسلم أقيلوا ذَوي العثرات عثراتهم إِلَّا فِي حد من غير فصل

وَعَن عَليّ رضي الله عنه أَنه قَالَ إِذا مَاتَ الْمَقْذُوف لَا يُورث عَنهُ حد الْقَذْف من غير نَكِير فَكَانَ إِجْمَاعًا

ص: 218

احْتج بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا عَفا أحد عَن مظْلمَة إِلَّا زَاده الله بهَا عزا وللمقذوف مظْلمَة

وروى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ أَيعْجزُ أحدكُم أَن يكون كَأبي ضَمْضَم كَانَ يخرج من بَيته فَيَقُول اللَّهُمَّ إِن تَصَدَّقت بعرضي على عِبَادك الصَّالِحين مدحه النَّبِي صلى الله عليه وسلم بعفوه عَن كل من جنى عَلَيْهِ وَلَوْلَا سُقُوط الْحَد بِالْعَفو لما مدحه قُلْنَا الْأَخْبَار من الْجَانِبَيْنِ غَرِيبَة وَالتَّرْجِيح مَعنا لما بَينا وَحَدِيث أبي ضَمْضَم مَحْمُول على التَّرْغِيب فِي الْعَفو دون الحكم

ص: 219

= كتاب السّرقَة = مَسْأَلَة الْقطع مَعَ الضَّمَان لَا يَجْتَمِعَانِ وَقَالَ زفر يَجْتَمِعَانِ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأحمد وَقَالَ مَالك إِن كَانَ السَّارِق مُوسِرًا كَقَوْلِهِم وَإِن كَانَ ممعسرا كَقَوْلِنَا

وَصُورَة الْمَسْأَلَة إذاسرق المَال وَوَجَب الْقطع فَتلف فِي يَده أَو أتْلفه قبل الْقطع أَو بعده لَا يجب الضَّمَان عندنَا خلافًا لَهُم وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة رحمه الله أَنه إِذا أتْلفه بعد الْقطع يجب الضَّمَان وعَلى هَذَا الْخلاف الْحَد مَعَ الْقطع لَا يَجْتَمِعَانِ عندنَا لنا قَوْله صلى الله عليه وسلم لَا غرم على السَّارِق بعد قطع يَمِينه ق وَرَوَاهُ أَبُو حنيفَة عَن ابْن مَسْعُود وَلم يرو عَن غَيره خلاف

فَإِن قيل الحَدِيث مَعْلُول قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي إِسْنَاده سعد ابْن ابراهيم مَجْهُول ويروى من وُجُوه كلهَا لَا تثبت وَلَو سلم احْتمل أَنه أَرَادَ بِنَفْي الْغرم نفي الْعَذَاب فِي الْآخِرَة وَيحْتَمل أَنه أَرَادَ أُجْرَة الْحداد

ص: 220

وَيحْتَمل أَنه أَرَادَ نفي الضَّمَان زَائِدا كَمَا كَانَ فِي بَدْء الْإِسْلَام وَمَعَ هَذِه الِاحْتِمَالَات لَا يُمكن الِاحْتِجَاج بِهِ لنفي الضمانة

قُلْنَا قَول الدَّارَقُطْنِيّ لَا يقبل إِذا انْفَرد بِهِ وَإِنَّمَا تكلمُوا فِي الحَدِيث من حَيْثُ إِسْنَاده لِأَنَّهُ رَوَاهُ الْمسور عَن عبد الرحمن بن عَوْف والمسور لم يلقه وَهَذَا إِن ثَبت فَهُوَ صفة الْإِرْسَال

وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ذكر الْغرم مُنْكرا فِي مَوضِع النَّفْي والنكرة فِي مَوضِع النَّفْي تعم فَيَنْتَفِي عَنهُ جَمِيع أَنْوَاع الْغرم احْتَجُّوا بقوله صلى الله عليه وسلم على الْيَد مَا أخذت حَتَّى ترد حد وَفِي رِوَايَة حَتَّى تُؤَدِّيه

وَأَرَادَ صَاحب الْيَد فكلمة على للْإِيجَاب وَحَتَّى للغاية أوجب الضَّمَان وَجعل غَايَته الرَّد (وَلَا يحمل على ضَمَان الرَّد) لِأَن الشَّيْء لَا يَجْعَل غَايَة لنَفسِهِ فَكَانَ المُرَاد بِهِ وجوب الْقيمَة أَي على صَاحب الْيَد رد قيمَة مَا أَخذ إِذا عجز عَن رد الْعين والمتنازع فِيهِ كَذَلِك فيتناوله الحَدِيث قُلْنَا المُرَاد بِهِ حفظ مَا أخذت حَتَّى ترد فَيخرج عَن عُهْدَة هَذَا الْوَاجِب

مَسْأَلَة السَّارِق لَا يُؤْتى على أَطْرَافه الْأَرْبَعَة وَهُوَ قَول أبي بكر وَعمر وَعلي رضي الله عنهم وَأحمد

ص: 221

وَقَالَ الشَّافِعِي يُؤْتِي

وَصُورَة الْمَسْأَلَة إِذا سرق مرّة وَاحِدَة تقطع يَده الْيُمْنَى فَإِن سرق ثَانِيًا تقطع رجله الْيُسْرَى فَإِن سرق ثَالِثا أَو رَابِعا لم تقطع عندنَا وَيحبس إِلَى أَن يَتُوب وَعِنْده إِذا سرق ثَالِثا تقطع يَده الْيُسْرَى وَإِذا سرق رَابِعا تقطع رجله الْيُمْنَى وعَلى هَذَا الْخلاف قَاطع الطَّرِيق لَا يُؤْتِي على أَطْرَافه الْأَرْبَعَة خلافًا لَهُ لنا قَوْله تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} واليمنى مُرَاده بِالْإِجْمَاع فَخرجت الْيُسْرَى من ان تكون مُرَادة

وَرُوِيَ أَن عمر رضي الله عنه اسْتَشَارَ الصَّحَابَة فِي ذَلِك وَحبس السَّارِق وَقَالَ إِنَّمَا عَلَيْهِ قطع يَد وَرجل فأجمعت الصَّحَابَة على قَوْله قَالَ الرَّاوِي وَالَّذين استشارهم عمر رضي الله عنه هم الَّذين ينْعَقد بهم الْإِجْمَاع

وَرُوِيَ أَن عليا اسْتَشَارَ الصَّحَابَة فِي هَذِه الْحَادِثَة فَقَالَ بَعضهم تقطع يَده الْيُسْرَى فَقَالَ بِمَ يستنجي فَقَالَ بَعضهم فرجله الْيُمْنَى فَقَالَ فَبِمَ يمشي فَقَالَ إِنِّي لأَسْتَحي من الله أَن لَا أدع لَهُ يدا يبطش بهَا وَلَا رجلا يسْعَى بهَا ثمَّ دَرأ عَنهُ الْحَد فَحل مَحل الْإِجْمَاع

احْتج بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إذاسرق سَارِق فاقطعوه فَإِن عَاد

ص: 222

فاقطعوه فَإِن عَاد فاقطعوه فَإِن عَاد فاقطعوه فَإِن عَاد فَاقْتُلُوهُ

وروى مُفَسرًا إِذا سرق أحدكُم فَاقْطَعُوا يَده الْيُمْنَى فَإِن عَاد فَاقْطَعُوا رجله الْيُسْرَى فَإِن عَاد فَاقْطَعُوا يَده الْيُسْرَى فَإِن عَاد فَاقْطَعُوا رجله الْيُمْنَى فَإِن عَاد فَاقْتُلُوهُ قَالَ الرَّاوِي فقتلناه وحرقناه ورميناه فِي بِئْر

وَرُوِيَ عَن أبي بكر رضي الله عنه أَنه أضَاف رجلا أقطع الْيَد وَالرجل فَسرق حلى أسما فَقَطعه بِمحضر من الصَّحَابَة وَكَذَا رُوِيَ عَن عمر رضي الله عنه

وَالْجَوَاب أما الحَدِيث فَلم يروه أحد من أَرْبَاب السّنَن قَالَ الطَّحَاوِيّ حفظنا الْأَحَادِيث وتتبعنا الْحفاظ فَلم نعرفه وَلَو سلم فَعَنْهُ جوابان أَحدهمَا أَنه خبر وَاحِد وَإِثْبَات بِخَبَر الْوَاحِد لَا يجوز

ص: 223

وَالثَّانِي يحمل على أَنه كَانَ فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام حِين كَانَ الْقَتْل مَشْرُوعا وَلِهَذَا قَالَ فِيهِ فَإِن عَاد الْخَامِسَة فَاقْتُلُوهُ

على أَنه غير مَعْمُول بِهِ فَإِن عليا رضي الله عنه حَاج الصَّحَابَة فَلَو كَانَ مَعْمُولا بِهِ لاحتجوا بِهِ عَلَيْهِ وَأما فعل أبي بكر فَالْمَسْأَلَة مُخْتَلف فِيهَا بَين الصَّحَابَة فَلَا يحْتَج بِالْبَعْضِ على الْبَعْض أَو يحمل فعله على السياسة والمصلحة لَا على طَرِيق الحتم والإيجاب والإصح من مَذْهَب عمر رضي الله عنه مثل قَوْلنَا أَو يحمل على مَا قُلْنَا من السياسة مَسْأَلَة لَا قطع على النباش عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله وَقَالَ أَبُو يُوسُف رحمه الله يقطع وَهُوَ قَول زفر وَالشَّافِعِيّ وَاحْمَدْ

وَأكْثر أَصْحَاب الشَّافِعِي يسلمُونَ أَن الْقَبْر لَو كَانَ فِي الصَّحرَاء لَا يقطع وَإِنَّمَا الْخلاف إِذا كَانَ الْقَبْر فِي الْعمرَان مَحْفُوظًا بأعين المارين لنا مَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لاقطع على المختفى والمختفى بلغَة أهل الْمَدِينَة النباش وروى أَن عليا رضي الله عنه أَتَى بنباش فعزره وَلم يقطعهُ وَوَافَقَهُ ابْن عَبَّاس

ص: 224

فَإِن قيل الحَدِيث مَحْمُول على مَا إِذا كَانَ الْقَبْر فِي الصَّحرَاء قُلْنَا هَذَا عدُول عَن الظَّاهِر وَلَا يجوز احْتَجُّوا بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قطع نباشا وروى أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ من غرق غرقناه وَمن حرق حرقناه وَمن نبش قطعناه أوجب النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْقطع بِمُجَرَّد النبش وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَت سَارِق أمواتنا كسارق أحيائنا وَرُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود أَنه أَتَى بنباش فَكتب إِلَى عمر فَكتب إِلَيْهِ أَن أقطعه

وَعَن عَليّ رضي الله عنه أَنه قطع نباشا وَهُوَ قَول ابْن الزبير وَابْن مَسْعُود وَمُعَاوِيَة بن قُرَّة وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَابْن سِيرِين وَهَذَا دَلِيل على أَن النباش سَارِق وَالْجَوَاب أما قَوْلهم إِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قطع نباشا فَلم ينْقل فِي السّنَن

ص: 225

وَأما الثَّانِي فَمن كَلَام زِيَاد بن أَبِيه ذكره فِي خطبَته البتيراء بِالْبَصْرَةِ حَيْثُ قَالَ من غرق غرقناه وَمن حرق حرقناه وَمن نبش دفناه حَيا وَمن نقب نقبت عَن كبده وَمَعْلُوم أَن هَذِه الْأَحْكَام غير مَشْرُوعَة فِي شريعتنا ثمَّ إِنَّه مَوْقُوف على مُعَاوِيَة بن قُرَّة لم يرفعهُ أحد

وَلَو سلم كَانَ مَتْرُوك الظَّاهِر لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم علق الْقطع بِمُجَرَّد النبش وبالإجماع لَيْسَ كَذَلِك فَإِن من نبش وَلم يَأْخُذ أَو نبش وَأخذ غير الْكَفَن لَا يقطع وَمَا حكوه عَن الصَّحَابَة فمذهبهم مثل مَذْهَبنَا أَو يحمل على طَرِيق السياسة ثمَّ الْخلاف فِي أَن النباش سَارِق أم لَا

فعندنا لَيْسَ بسارق لِأَن السّرقَة أَخذ مَال الْغَيْر على وَجه المسارقة والنباش اخْتصَّ باسم آخر

مَسْأَلَة إِذا ملك السَّارِق الْمَسْرُوق بِالْهبةِ وَنَحْوهَا بعد الْقَضَاء قبل الْإِمْضَاء سقط الْحَد عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة وَقَالَ زفر لَا يسْقط وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَاحْمَدْ وَرُوِيَ أَن أَبَا يُوسُف مَعَهم وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا ملكه بعد الْخُصُومَة قبل الْقَضَاء سقط الْحَد عندنَا وَاتَّفَقُوا على أَنه لَو ملكه قبل الْخُصُومَة وَالدَّعْوَى أَنه يسْقط لنا نُصُوص مَسْأَلَة اللواط

احْتَجُّوا بِمَا روى أَن صَفْوَان كَانَ نَائِما فِي الْمَسْجِد متوسدا رِدَاءَهُ فجَاء سَارِق فسرقه فَأتى بِهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأمر بِقطع يَده فَأخْرج ليقطع فَتغير وَجه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

ص: 226

فَقَالَ لَهُ صَفْوَان كَأَنَّهُ قد شقّ عَلَيْك يَا رَسُول الله هُوَ عَلَيْهِ صَدَقَة وَفِي رِوَايَة وهبته مِنْهُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم هلا قبل أَن تَأتِينِي بِهِ وَأمر بِقطعِهِ خَ د

وَرُوِيَ أَن امْرَأَة من بني مَخْزُوم سرقت فَقضى النَّبِي صلى الله عليه وسلم بقطعها فتشفع أولياؤها بأسامة بن زيد فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَتَشفع فِي حد من حُدُود الله تَعَالَى وَالله لَو أَن فَاطِمَة بنت مُحَمَّد سرقت لَقطعت يَدهَا خَ م ت لَو سقط الْحَد بِالْهبةِ لأرشدهم النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَيْهَا لِأَنَّهُ كَانَ يلقن الشُّبْهَة درءا للحد وَالْجَوَاب أما الحَدِيث فَلم تثبت صِحَة الْهِبَة فِيهِ لِأَن الْهِبَة تفْتَقر إِلَى الْقبُول وَالْقَبُول مُحْتَمل

يحْتَمل أَنه قبل وَيحْتَمل أَنه لم يقبل لجَوَاز أَنه اخْتَار الْعقُوبَة العاجلة على الْعقُوبَة الآجلة وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لن يبين أَنه لَو قبل لَا يسْقط والْحَدِيث حِكَايَة حَال فَمَتَى تطرق إِلَيْهِ ضرب احْتِمَال يسْقط التَّمَسُّك بِهِ

وَأما حَدِيث المخزومية فَنَقُول كَانَ دأبه صلى الله عليه وسلم تلقين الشُّبْهَة قبل وجوب الْحَد فَيحْتَمل أَن أولياءها تشفعوا بعد مَا قضى بِالْقطعِ فَلذَلِك لم يدلهم على (الشُّبُهَات)

ص: 227

مَسْأَلَة السَّارِق من الْمُودع وَالْمُسْتَعِير وَالْمُضَارب وَالْمُرْتَهن وَالْمُسْتَأْجر وَالْغَاصِب يقطع بخصومتهم عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة وَقَالَ زفر لَا يقطع وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَاتَّفَقُوا على أَنه لَو حضر الْمَالِك وادعيا جَمِيعًا يقطع وَلَو انْفَرد الْمَالِك وَحده بِالْخُصُومَةِ يقطع عندنَا وَاخْتلف الْمَشَايِخ على قَول زفر قَالَ بَعضهم يقطع وَقَالَ بَعضهم لَا يقطع وَهُوَ الْأَصَح

فَالْحَاصِل أَن عِنْد زفر لَهُم ولَايَة (الْخُصُومَة وَلَكِن لَا يظْهر فِي حق الْقطع وَعند الشَّافِعِي لَا ولَايَة لَهُم) لنا النُّصُوص الْمُوجبَة للْقطع فِي السّرقَة وَقَوله صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا أَقْْضِي بِالظَّاهِرِ وَقد ظَهرت السّرقَة احْتَجُّوا بالنصوص النافية لوُجُوب الْقطع قُلْنَا فِي القَوْل بِعَدَمِ الْقطع إِضَاعَة المَال وتعطيل الْحُدُود وَإنَّهُ لَا يجوز مَسْأَلَة تكْرَار السّرقَة فِي عين وَاحِدَة لَا يُوجب تكْرَار الْقطع عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ يُوجب

ص: 228

وَصورته إِذا سرق عينا فَقطع فِيهَا ثمَّ ردهَا إِلَى الْمَالِك وَعَاد فسرقها ثَانِيًا لَا يقطع عندنَا خلافًا لَهما لنا النُّصُوص الْمُوجبَة لدرء الْحَد وَسبب وجوب الْقطع مَفْقُود فِي الْمرة الثَّانِيَة لما عرف احْتَجُّوا بالنصوص الْمُوجبَة للْقطع وَقد مر وَالله أعلم

ص: 229

= كتاب السّير = مَسْأَلَة لَا تقسم الْغَنَائِم فِي دَار الْحَرْب عندنَا وَهُوَ قَول مَالك وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ تقسم وَعَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ يجوز وَأحب إِلَيّ أَن يقسمها فِي دَار الْإِسْلَام

وَالْكَلَام فِي الْمَسْأَلَة رَاجع إِلَى حرف وَهُوَ أَن الْغَنَائِم فِي دَار الْحَرْب لَا تملك بِمُجَرَّد الِاسْتِيلَاء وَيتَفَرَّع على هَذَا الإصل مسَائِل مِنْهَا هَذِه وَالثَّانيَِة أَن أحد الْغَانِمين إِذا مَاتَ قبل الْإِحْرَاز لَا يُورث نصِيبه عندنَا وَالثَّالِثَة المدد إِذا لحق الْجَيْش بعد الِاسْتِيلَاء قبل الْإِحْرَاز يشاركونهم فِي الْغَنِيمَة عندنَا لنا مَا روى مَكْحُول الشَّامي أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَا قسم غنيمَة قطّ إِلَّا فِي دَار الْإِسْلَام

وَفِي رِوَايَة أَنه أخر الْقِسْمَة إِلَى دَار الْإِسْلَام مَعَ طلب بعض الْغَانِمين الْقِسْمَة فَلَو جَازَت لما أخر

احتجا بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قسم غَنَائِم خَيْبَر وَغَنَائِم أَوْطَاس وَبني المصطلق بديارهم وَلَا خَفَاء أَن هَذِه الْمَوَاضِع كَانَت فِي دَار الْحَرْب

ص: 230

وروى أَنه صلى الله عليه وسلم مَا قمسم غنيمَة إِلَّا فِي دَار الْحَرْب

قُلْنَا تِلْكَ الْمَوَاضِع وَإِن كَانَت دَار الْحَرْب لَكِنَّهَا صَارَت دَار الْإِسْلَام وَظَهَرت فِيهَا أَحْكَام الْإِسْلَام فَيحْتَمل أَنه صلى الله عليه وسلم قسم قبل أَن تصير دَار الْإِسْلَام وَيحْتَمل أَنه قسم بعد أَن صَارَت دَار الْإِسْلَام والمحتمل لَا يصلح حجَّة على أَن النُّصُوص من الْجَانِبَيْنِ غَرِيبَة فيطلب التَّرْجِيح من مَكَان آخر مَسْأَلَة إِذا استولى الْكفَّار على أَمْوَال الْمُسلمين وأحرزوها بدارهم ملكوها وَهُوَ قَول مَالك وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ لَا يملكونها

وَثَمَرَة الْخلاف تظهر أَنه لَو ظفر بهَا الْمُسلمُونَ فاستردوها وأحرزوها بدار الْإِسْلَام ثمَّ جَاءَ الْمَالِك الْقَدِيم إِن جَاءَ قبل الْقِسْمَة أَخذ مَاله بِغَيْر شَيْء وَإِن جَاءَ بعد الْقِسْمَة أَخذه بِالْقيمَةِ وَعِنْدَهُمَا ياخذه بِغَيْر شَيْء فِي الْفَصْلَيْنِ

لنا قَوْله تَعَالَى {للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين الَّذين أخرجُوا من دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ} سمى الْمُهَاجِرين فُقَرَاء بعد إجراج الْكفَّار لَهُم من دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ فلولا أَن ملكهم زَالَ بِالِاسْتِيلَاءِ لما سماهم فُقَرَاء لِأَن الْفَقِير عادم لِلْمَالِ

ص: 231

وَرُوِيَ عَن عَليّ رضي الله عنه أَنه قَالَ يَوْم الْفَتْح يَا رَسُول الله أَلا تنزل دَارك فَقَالَ هَل ترك لنا عقيل من منزل وَكَانَ للنَّبِي صلى الله عليه وسلم داربمكة ورثهَا من خَدِيجَة فاستولى عقيل عَلَيْهَا وَكَانَ مُشْركًا

وروى ابْن عَبَّاس رضي الله عنه أَن رجلا أصَاب بَعِيرًا لَهُ فِي الْغَنِيمَة فَأخْبر بِهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِن وجدته قبل الْقِسْمَة فَهُوَ لَك بِغَيْر شَيْء وَإِن وجدته بعد الْقِسْمَة فَهُوَ لَك بِالثّمن ق

وروى تَمِيم بن طرفَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي بعير أَخذه الْمُشْركُونَ فَاشْتَرَاهُ رجل من الْمُسلمين ثمَّ جَاءَ الْمَالِك الأول فَقَالَ صلى الله عليه وسلم إِن شِئْت أَخَذته بِالثّمن ق بِمَعْنَاهُ

فَإِن قيل إِنَّمَا سماهم فُقَرَاء فِي الْآيَة لزوَال أَيْديهم عَن المَال دون الْملك كَابْن السَّبِيل يُسمى فَقِيرا وَلِهَذَا حلت لَهُ الزَّكَاة

(وَأما الحَدِيث الأول فَفِي إِسْنَاده حسن بن عمَارَة ضَعِيف وَالثَّانِي غَرِيب

ص: 232

قُلْنَا الله تَعَالَى سماهم فُقَرَاء مُطلقًا فَيجب الْعَمَل بِحَقِيقَة الِاسْم وَابْن السَّبِيل لَيْسَ بفقير حَقِيقَة وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ أَخذ الزَّكَاة بحاجته للْحَال إِلَى ذَلِك لِأَنَّهُ فَقير) وَأما الحَدِيث الأول فالدارقطني لَا يقبل قَوْله إِذا انْفَرد لما مر والْحَدِيث الثَّانِي مَشْهُور احتجا بقوله تَعَالَى {وَلنْ يَجْعَل الله للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا}

وَبِمَا رُوِيَ أَن عُيَيْنَة بن حصن الْفَزارِيّ أغار على سرح الْمَدِينَة وَفِيه العضباء نَاقَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأخذُوا امْرَأَة من الْمُسلمين فَقَامَتْ لَيْلَة إِلَى العضباء بعد مَا نَامُوا فركبتها وتوجهت إِلَى الْمَدِينَة ونذرت إِن أنجاها الله لتنحرنها فَلَمَّا قدمت الْمَدِينَة عرفت النَّاقة فَقَالَ صلى الله عليه وسلم بئْسَمَا جزيتهَا لَا نذر فِيمَا لَا يملك ابْن آدم (م)

فَلَو ملكهَا الْمُشْركُونَ لملكتها الْمَرْأَة لِأَنَّهَا تكون مستولية على أَمْوَال الْكفَّار فَكَانَ نذرها صَحِيحا لِأَنَّهُ فِيمَا تملك وَلما لم يَصح علم أَنَّهَا لم تملك لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَخذ النَّاقة وأبطل نذرها أَو كَانَ يَأْخُذهَا بِالْقيمَةِ على أصلكم وَلم يفعل وَلم ينْقل أَنه أَعْطَاهَا شَيْئا

وروى ابْن عمر رضي الله عنه قَالَ ذهب لي فرس فَأَخذه الْعَدو فَظهر عَلَيْهِم الْمُسلمُونَ فَردهَا عَليّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

ص: 233

وأبق عبد فلحق بالروم فَظهر عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ فَرده عَلَيْهِ خَالِد بن الْوَلِيد د وَقَالَ صلى الله عليه وسلم من وجد عين مَاله فَهُوَ أَحَق بِهِ

قُلْنَا أما الْآيَة فَلم قُلْتُمْ إِنَّه إِثْبَات السَّبِيل للْكَافِرِ على الْمُسلم بل على مَال كَانَ مَمْلُوكا للْمُسلمِ وَقد زَالَ الْملك لما ذكرنَا

وَأما الحَدِيث فَلَا حجَّة فِيهِ لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن ذَلِك كَانَ قبل الْإِحْرَاز بدار الْحَرْب وَهُوَ الظَّاهِر (لِأَنَّهُ قد روى أَن تِلْكَ الْمَرْأَة كَانَت امْرَأَة الرَّاعِي وَالظَّاهِر أَنَّهَا لَا تقدر على الْفِرَار مَعَ بعد الْمسَافَة) وَعِنْدنَا الْكفَّار فِي مثل هَذِه الْحَالة لَا يملكُونَ على أَنا نمْنَع أَن الْكفَّار مَا ملكوها وَكَذَا بقول الْمَرْأَة ملكتها

وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا أبطل نذرها لِأَن الْملك المتجرد يَزُول بظفر الْمَالِك الْقَدِيم ويتوقف التَّسْلِيم على نقد الثّمن لَا أَنه أبطل نذرها لعدم الْملك وَقَوْلهمْ لم ينْقل أَنه أَعْطَاهَا شَيْئا

قُلْنَا هَذَا تمسك بِالسُّكُوتِ عَنهُ لِأَنَّهُ يحْتَمل أَنه صلى الله عليه وسلم ضمن لَهَا شَيْئا وَأَعْطَاهَا إِيَّاه

ص: 234

فِي وَقت آخر أَو أَعْطَاهَا وَلم ينْقل أَو كَانَ عَلَيْهَا شَيْء فَالْتَقَيَا قصاصا فَلَا يكون حجَّة مَعَ الِاحْتِمَال وَبَاقِي الْأَحَادِيث مَحْمُولَة على عدم الِاسْتِيلَاء مسأله خمس الْغَنَائِم يقسم على ثَلَاثَة اسهم سهم لِلْيَتَامَى وَسَهْم للْمَسَاكِين وَسَهْم لِابْنِ السَّبِيل

وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ على خَمْسَة فَفِي الثَّلَاثَة كَقَوْلِنَا وَسَهْم للرسول صلى الله عليه وسلم يدْفع إِلَى الإِمَام وَسَهْم لِذَوي الْقُرْبَى وَعِنْدنَا هَذَانِ السهْمَان ساقطان والغني الْهَاشِمِي لَا يسْتَحق هَذَا السهْم عندنَا

لنا إِجْمَاع الصَّحَابَة أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي رضي الله عنهم فَإِنَّهُم قسموا خمس الْغَنِيمَة على ثَلَاثَة أسْهم وَلم يُعْطوا ذَوي الْقُرْبَى شَيْئا مَعَ أَنهم شاهدوا قسْمَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَعرفُوا تَأْوِيل الْآيَة وَكَانَ ذَلِك بِمحضر من الصَّحَابَة من غير نَكِير فَلَو كَانَ سهم ذَوي الْقُرْبَى ثَابتا كَمَا قالوالما منعُوهُ لِأَن منع الْحق عَن الْمُسْتَحق جور وَلَا يظنّ ذَلِك بهم

وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قسم غَنَائِم خَيْبَر فَأعْطى بني هَاشم وَبني الْمطلب وَلم يُعْط بني عبد شمس وَبني نَوْفَل شَيْئا فَقَالَ عُثْمَان وَجبير بن مطعم بن نَوْفَل يَا رَسُول الله إِنَّا لَا ننكر فضل بني هَاشم لِمَكَانِك الَّذِي وضعك الله فيهم وَلَكِن نَحن وَبَنُو الْمطلب مِنْك فِي الْقرب سَوَاء فَمَا بالك اعطيتهم وَحَرَمْتنَا فَقَالَ صلى الله عليه وسلم إِنَّهُم لم يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام لم يزَالُوا معي كَذَا وَشَبك بَين أَصَابِعه

ص: 235

جعل النَّبِي صلى الله عليه وسلم عِلّة الِاسْتِحْقَاق النُّصْرَة والصحبة وبالموت انْقَطع ذَلِك فَيَنْقَطِع الِاسْتِحْقَاق

وَقد رَوَت أم هانىء هَذَا الْمَعْنى مَرْفُوعا فَقَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذَوي الْقُرْبَى لَهُم فِي حَياتِي وَلَيْسَ لَهُم بعد وفاتي فَإِن قيل أما الْإِجْمَاع فقد خَالف عَليّ وَالْعَبَّاس وَابْن عَبَّاس وَمَعَ خلافهم لَا إِجْمَاع

وَأما الحَدِيث فَيدل على أَن النُّصْرَة عِلّة الْإِلْحَاق لَا عِلّة الِاسْتِحْقَاق وَبَنُو الْمطلب لَا يسْتَحقُّونَ فِي زَمَاننَا وَإِنَّمَا الْكَلَام فِي بني هَاشم قُلْنَا التَّعَلُّق بِالْإِجْمَاع صَحِيح وَقد قَرَّرَهُ الضَّحَّاك

وَأما عَليّ رضي الله عنه فَرَأى الْحجَّة مَعَهم وَلَو رَآهَا مَعَ نَفسه لما جَازَ لَهُ السُّكُوت ثمَّ هُوَ قد قسم بعدهمْ كَذَلِك وَأما الْعَبَّاس فَإِنَّهُ قَالَ لعَلي رضي الله عنه لَا تطمع عمر فِي مالنا

وَأما ابْن الْعَبَّاس فَإِنَّهُ كتب إِلَى نجدة الحروري أَن عمر أَرَادَ أَن تنْكح من

ص: 236

خمس (الْخمس) أيمنا وَيَقْضِي الدّين عَن مغرمنا فأبينا إِلَّا أَن يَدْفَعهُ إِلَيْنَا وأبى ذَلِك علينا وَمَعْنَاهُ أَنه تولاه بِعقد الْإِمَامَة

وَأما الحَدِيث فالنبي صلى الله عليه وسلم سوى بَين بني هَاشم وَبني الْمطلب فِي الِاسْتِحْقَاق وَلَو كَانَ الْأَمر كَمَا قَالُوا لم يسو بَينهمَا

احْتَجُّوا بقوله تَعَالَى {فَأن لله خمسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} أضَاف إِلَيْهِ ذَلِك بلام الِاسْتِحْقَاق على الْعُمُوم

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم يَا بني هَاشم إِن الله كره لكم غسالة أَيدي النَّاس وعوضكم عَنْهَا بِخمْس الْخمس وَقَوله يَا بني هَاشم يتَنَاوَل الْغَنِيّ وَالْفَقِير قُلْنَا سلمنَا ثُبُوت الْحق لَهُم لَكِن بعلة النُّصْرَة وَقد زَالَت الْعلَّة فيزول الِاسْتِحْقَاق

وَأما الحَدِيث فالنبي صلى الله عليه وسلم سَمَّاهُ عوضا مجَازًا وَلِهَذَا صرفه إِلَى الإغنياء والمعوض لم يكن ثَابتا فِي حَقهم

مَسْأَلَة لَا يَصح أَمَان العَبْد الْمَحْجُور عَلَيْهِ عَن الْقِتَال عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف

ص: 237

إِلَّا أَن يَأْذَن لَهُ الْمولى فِي الْقِتَال وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس وَقَالَ مُحَمَّد يَصح أَمَانه وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَاحْمَدْ

لنا قَوْله تَعَالَى {ضرب الله مثلا عبدا مَمْلُوكا لَا يقدر على شَيْء} فانتفت قدرَة العَبْد على الْأمان

احتجا بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ الْمُسلمُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ وَيسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُم وهم يَد على من سواهُم م خَ د وَفِي رِوَايَة يجيرعلى أمتِي أَدْنَاهُم خَ د جوز أَمَان العَبْد وَعلل بِالْإِسْلَامِ وَالْعَبْد مُسلم وَذكر أَبُو عبيد أَن المُرَاد بِهِ أَمَان العَبْد

وَرُوِيَ أَن عبدا كتب فِي زمن عمر على سهم بِأَمَان أهل حصن وَكَانُوا مَحْصُورين وألقاه إِلَيْهِم فَأَجَازَهُ عمر رضي الله عنه وَقَالَ أَمَان وَاحِد من الْمُسلمين كَيفَ أرده

ص: 238

قُلْنَا المُرَاد بقوله أَدْنَاهُم أقربهم إِلَى الْإِسْلَام لِأَنَّهُ مُشْتَقّ من الدنو لَا من الدناءة وَلِهَذَا كَانَ غير مَهْمُوز

أَو نقُول هُوَ عَام خص مِنْهُ بعضه وَهُوَ الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ والأسير وَالَّذِي أسام وَلم يُهَاجر إِلَيْنَا فيخص الْمُتَنَازع فِيهِ بِمَا ذكرنَا أَو نحمله على الْمَأْذُون وَأما أثر عمر فَيحْتَمل أَنه كَانَ مَأْذُونا لَهُ فِي الْقِتَال وَلِهَذَا ملك الرَّمْي وَيحْتَمل أَنه كَانَ مَحْجُورا فَكَانَ حِكَايَة حَال لَا عُمُوم لَهُ مَسْأَلَة الْغَازِي إِذا جَاوز الدَّرْب فَارِسًا ثمَّ نفق فرسه وَقَاتل رَاجِلا اسْتحق سهم الفرسان وَعند الشَّافِعِي وَاحْمَدْ رضي الله عنهما سهم الرجالة

وَلَو جَاوز الدَّرْب رَاجِلا ثمَّ اشْترى فرسا وَقَاتل فَارِسًا اسْتحق سهم الرجالة فِي ظَاهر الرِّوَايَة خلافًا لَهُم وروى الْحسن عِنْد زِيَاد عَن أبي حنيفَة رحمه الله أَنه يسْتَحق سهم الفرسان خلافًا لَهُم وَالْخلاف يبتنى على أَن الْعبْرَة بمجاوزة الدَّرْب عندنَا وَعِنْدهم بِحُضُور الْوَقْعَة

ص: 239

لنا قَوْله تَعَالَى {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان} وَصرف السهمين إِلَيْهِ تَسْوِيَة بَينه وَبَين الفرسان وَقد جَاوز الدَّرْب فَارِسًا وَكَانَ إرهابا لِلْعَدو بِالنَّصِّ وَعَن عمر رضي الله عنه أَنه قَالَ من جَاوز الدَّرْب فَارِسًا ثمَّ نفق فرسه اسْتحق سهم الفرسان احتجا بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم جعل للفارس سَهْمَيْنِ وللراجل سَهْما ق وَهَذَا راجل وَعَن عمر رضي الله عنه الْغَنِيمَة لمن شهد الْوَقْعَة جعل كل الْغَنِيمَة لمن شَهِدَهَا فَيُوجب عدم اعْتِبَار مُجَاوزَة الدَّرْب قُلْنَا الحَدِيث لَا يَصح ضعفه النَّيْسَابُورِي وَغَيره وَلم قُلْتُمْ إِنَّه راجل

وَأما قَول عمر رضي الله عنه فَفِيهِ بَيَان أَن الْغَنِيمَة لمن شهد الْوَقْعَة وَلَيْسَ فِيهِ بَيَان سَبَب الِاسْتِحْقَاق وَقدر الْمُسْتَحق مَسْأَلَة الْمُرْتَدَّة لَا تقتل وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ رضي الله عنهما تقتل

لنا مَا رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نهى عَن قتل النسوان ت وَقَالَ حَدِيث صَحِيح وَلَفظه نهى عَن قتل النِّسَاء وَالصبيان وَهَذَا عَام

ص: 240

وروى مُحَمَّد رحمه الله فِي الأَصْل أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مر يَوْم فتح مَكَّة بِامْرَأَة مقتولة فَقَالَ مَه مَا كَانَت هَذِه تقَاتل فَلم قتلت أدركوا خَالِدا وَقُولُوا لَهُ لَا يقتلن امْرَأَة وَلَا عسيفا وَلَا ذُرِّيَّة صَاحب الغريبين والذرية اسْم يتَنَاوَل النِّسَاء وَالصبيان

وَنهى النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن قتل النِّسَاء مُطلقًا وَنبهَ على أَن عِلّة الْقَتْل إِنَّمَا هِيَ الْمُحَاربَة فَلَا يخْتَص بِامْرَأَة دون امْرَأَة وَعَن ابْن عَبَّاس لَا تقتل الْمُرْتَدَّة احتجا بقوله صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ وَكلمَة من للْعُمُوم فَيتَنَاوَل الذُّكُور وَالْإِنَاث

وَرُوِيَ أَن امْرَأَة يُقَال لَهَا أم مَرْوَان ارْتَدَّت عَن الْإِسْلَام فأمرالنبي صلى الله عليه وسلم أَن يعرض عَلَيْهَا الْإِسْلَام فَإِن رجعت وَإِلَّا قتلت ق

ص: 241

وَرُوِيَ أَنه صلى الله عليه وسلم قتل مرتدة يُقَال لَهَا أم قرفة وَأَبُو بكر قتل مرتدة

قُلْنَا الحَدِيث وَإِن كَانَ عَاما لَكِن خص مِنْهُ الْمُكْره على الْإِسْلَام فَإِنَّهُ لَا يقتل وَإِن قصد تَبْدِيل دينه واليهودي لَو تمجس أَو تنصر وَالنَّصْرَانِيّ لَو تهود لَا يقتل وَإِن وجد التبديل حَقِيقَة وَالْعَام إِذا دخله التَّخْصِيص جَازَ تَخْصِيص الْبَاقِي بِالْقِيَاسِ وَأما الحَدِيث الثَّانِي فَلَيْسَ فِيهِ أَنه صلى الله عليه وسلم قَتلهَا وَإِنَّمَا هُوَ حِكَايَة حَال

وَأما حَدِيث أم قرفة فَغَرِيب وَلَو اشْتهر فَلَيْسَ فِيهِ أَنه قَتلهَا لردتها فَاحْتمل أَنه قَتلهَا بِسَبَب آخر وَهُوَ مَا روى أَنَّهَا كَانَت سَاحِرَة وَقيل شاعرة تهجو النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه وَكَانَ لَهَا ثَلَاثُونَ ولدا تحرضهم على قتال النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَيحْتَمل أَنه قَتلهَا دفعا لشرها وَمَا رُوِيَ عَن أبي بكر إِن صَحَّ فَمَحْمُول على هَذَا

مَسْأَلَة إِذا أبق العَبْد من دَار الْإِسْلَام إِلَى دَار الْحَرْب فاستولى عَلَيْهِ الْكفَّار لم يملكوه عِنْد أبي حنيفَة رحمه الله وَقَالا وَالشَّافِعِيّ وَاحْمَدْ يملكونه

ص: 242

لَهُ قَوْله تَعَالَى {وَلنْ يَجْعَل الله للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا}

وَلَهُم مَا روى أَن عبدا لِابْنِ عمر رضي الله عنهما أبق إِلَى دَار الْحَرْب فَأَخذه الْكفَّار فَدخل مُسلم فَاشْتَرَاهُ وَأخرجه إِلَى دَار الْإِسْلَام فاختصما إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لِابْنِ عمر خُذْهُ بِالثّمن إِن شِئْت فَدلَّ على أَنهم ملكوه بِالِاسْتِيلَاءِ

قُلْنَا هَذِه الرِّوَايَة لَا تعرف بل الْمَشْهُور أَن خَالِد بن الْوَلِيد رده على ابْن عمر بعد وَفَاة النَّبِي صلى الله عليه وسلم

وَلَو سلم احْتمل أَنه قصد الْإِبَاق إِلَى دَار الْحَرْب فَأَخذه الْكفَّار قبل الْوُصُول إِلَيْهَا فَكَانَ الِاسْتِيلَاء عَلَيْهِ فِي دَار الْإِسْلَام وَيحْتَمل أَنه وصل إِلَى دَار الْحَرْب وَمَعَ الِاحْتِمَال لَا يكون حجَّة مَسْأَلَة الْجِزْيَة تسْقط بِالْمَوْتِ وَالْإِسْلَام وَهُوَ قَول أَحْمد وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تسْقط وعَلى هَذَا الْخلاف وُجُوبهَا على المقعد والزمن لنا قَوْله صلى الله عليه وسلم لاجزية على مُسلم ت

وَقد أَشَارَ مُحَمَّد رحمه الله فِي السّير الْكَبِير إِلَى هَذَا فَقَالَ إِذا اسْلَمْ الذِّمِّيّ لَا يسْتَوْفى مِنْهُ الْجِزْيَة لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِك

ص: 243

يَعْنِي أَن الحَدِيث يَنْفِي عَن الْمُسلم الْجِزْيَة مُطلقًا وَهَذَا مُسلم

وروى أَن ذِمِّيا طُولِبَ بالجزية فِي عهد عمر رضي الله عنه فَأسلم فَقيل لَهُ إِنَّك أسلمت تعوذا فَقَالَ إِن أسلمت تعوذا فَإِن بِالْإِسْلَامِ نتعوذ فَأخْبر عمر رضي الله عنه بذلك فَقَالَ صدق وَأسْقط عَنهُ الْجِزْيَة احْتج الشَّافِعِي بقوله صلى الله عليه وسلم لصَاحب الْحق الْيَد وَاللِّسَان

قُلْنَا سقط ذَلِك بِالْإِسْلَامِ وَهُوَ يجب مَا قبله بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُور ثمَّ الْجِزْيَة عُقُوبَة على الْكفْر وَقد زَالَ

مَسْأَلَة إِذا أسلم الْحَرْبِيّ فِي دَار الْإِسْلَام فَقتله مُسلم أَو ذمِّي عمدا أَو خطأ قبل أَن يُهَاجر إِلَيْهَا فَعَلَيهِ الْكَفَّارَة دون الدِّيَة وَالْقصاص وَقَالَ الشَّافِعِي رحمه الله عَلَيْهِ الدِّيَة وَالْكَفَّارَة فِي الْخَطَأ وَالْقصاص فِي الْعمد وَلَو أتلف مُسلم مَاله لم يضمنهُ عندنَا خلافًا لَهُ لنا قَوْله تَعَالَى {فَإِن كَانَ من قوم عَدو لكم وَهُوَ مُؤمن فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة}

ص: 244

فَالله تَعَالَى أوجب الْكَفَّارَة بقتل من هُوَ منا دينا لَا دَارا وَلم يبين الدِّيَة وَلَو كَانَت وَاجِبَة لذكرها وروى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من أَقَامَ بَين الْمُشْركين فَلَا دِيَة لَهُ

احْتج الشَّافِعِي بقوله تَعَالَى {وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة ودية مسلمة إِلَى أَهله} وَقَالَ صلى الله عليه وسلم (فَإِذا) قالوها عصموا مني دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ قُلْنَا الْآيَة لحقها التَّخْصِيص بالِاتِّفَاقِ فيخص الْمُتَنَازع فِيهِ بِمَا ذكرنَا

وَأما الحَدِيث فَالْمُرَاد مِنْهُ الْعِصْمَة الثَّابِتَة بِأَصْل التخليق فَبَقيت الْعِصْمَة بعلة كَونه آدَمِيًّا لَا بِالْإِسْلَامِ مَسْأَلَة يَصح إِسْلَام الصَّبِي عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة وَهُوَ قَول أَحْمد وَقَالَ زفر لَا يَصح وَهُوَ قَول الشَّافِعِي

ونعني بِالصِّحَّةِ تَرْتِيب أَحْكَام الْإِسْلَام عَلَيْهِ نَحْو الْإِرْث من أَقَاربه الْمُسلمين وحرمان الْمِيرَاث من أَقَاربه الْمُشْركين وَحل نِكَاح الْمسلمَة لَهُ وَحُرْمَة نِكَاح المشركة عَلَيْهِ وعصمة دَمه وَمَاله وَبطلَان الْخمر وَالْخِنْزِير

ص: 245

لنا مَا روى أَن عيا رضي الله عنه أسلم وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين خَ د وروى الْخلال أَنه أسلم وَهُوَ ابْن عشر سِنِين وَقد تمدح وَقَالَ

سبقتكم إِلَى الْإِسْلَام طرا

صَغِيرا مَا بلغت أَوَان حلمي

فلولا أَن إِسْلَامه صَحِيح لما افتخر بِهِ

والعمومات أَيْضا كَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله فَيجب أَن يحرم التَّعَرُّض لدمه وَقَالَ صلى الله عليه وسلم كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة فَإِن قيل فقد روى أَحْمد فِي الْمسند أَن عليا رضي الله عنه أسلم بعد خمس عشرَة سنة

وَلَو سلمنَا أَنه أسلم قبل الْبلُوغ وَلكنه يحْتَمل أَنه كَانَ فِي وَقت كَانَ الْإِسْلَام يتَعَلَّق بِالْعقلِ فَلَمَّا كثر الْمُسلمُونَ صَار وجوده يتَعَلَّق بِالْخِطَابِ وَلَا خطاب فِي حق الصَّبِي

ص: 246

أَو يحمل على أَنه أسلم تخلقا واعتيادا

قُلْنَا مَا تمسكنا بِهِ من الرِّوَايَة فِيهِ زِيَادَة علم فَإِن من روى خمس عشرَة سنة لم يبلغهُ إِسْلَامه وَهُوَ ابْن ثَمَان على أَنه لَو استفسر الْحَال ثَبت بطلَان هَذِه الدَّعْوَى فَإِنَّهُ إِذا كَانَ لَهُ يَوْم المبعث ثَمَان سِنِين فقد عَاشَ بعد الْبَعْث ثَلَاثًا وَعشْرين سنة وَبَقِي بعد وَفَاة النَّبِي صلى الله عليه وسلم نَحْو الثَّلَاثِينَ فَهَذِهِ نَحْو من سِتِّينَ وَهُوَ الْأَصَح فِي مِقْدَار عمره فَإِنَّهُ ثَبت أَنه قتل وَهُوَ ابْن ثَمَان وَخمسين سنة وَمَات بهَا الْحسن وَقتل بهَا الْحُسَيْن وَتُوفِّي بهَا عَليّ بن الْحُسَيْن رضي الله عنهم

وَمَتى قُلْنَا إِنَّه كَانَ لَهُ يَوْم أسلم خمس عشرَة سنة صَار عمره ثمانيا وَسِتِّينَ سنة وَلم يقل بِهِ أحد

وَالَّذِي يدل على أَنه أسلم قبل الْبلُوغ أَنه قد صَحَّ أَن أول من أسلم من الرِّجَال ابو بكر وَمن النِّسَاء خَدِيجَة وَمن الصّبيان عَليّ وَمن الموَالِي سلمَان وَزيد وَأما مَا ذَكرُوهُ من الِاحْتِمَال

قُلْنَا أبدا يكون وجوب الْإِسْلَام بِالْعقلِ وَلَا يَصح أَن يكون تخلقا واعتيادا لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَو دَعَاهُ تخلقا واعتيادا لم يكن إسلاما وَقد افتخر بذلك والتخلق والاعتياد لَا يفتخر بِهِ

احْتَجُّوا بِأَن الْإِسْلَام يبتنى على معرفَة الله تَعَالَى وَذَلِكَ بِالْعقلِ التَّام وَالنَّظَر الصَّحِيح وَأكْثر الْعُقَلَاء عجزوا عَن ذَلِك فَكيف يعرف بعقل غير تَامّ

ص: 247

قُلْنَا عقل الصَّبِي كَامِل وَلِهَذَا يُسمى عَاقِلا مُطلقًا وَالْمُطلق من الْأَسَامِي ينْصَرف إِلَى الْكَامِل دون النَّاقِص وَرب صبي أَعقل من كثير من الرِّجَال

ص: 248

= كتاب الِاسْتِحْسَان = مَسْأَلَة لَا يحل للرجل أَن يغسل زَوجته وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ يحل لَهُ ذَلِك وَاتَّفَقُوا على أَنه لَو مَاتَ الزَّوْج حل لَهَا غسله مَا دَامَت فِي الْعدة لنا مَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الْمَرْأَة الَّتِي تَمُوت مَعَ الرِّجَال فِي السّفر ييممونها من غير فصل (بَيْنَمَا) إِذا كَانَ مَعهَا زَوجهَا أَو لم يكن

وَرُوِيَ أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ من نظر إِلَى امْرَأَة أَجْنَبِيَّة حَرَامًا مَلأ الله تَعَالَى عينه يَوْم الْقِيَامَة نَارا وَهَذِه أجنبيه وَلم يفصل أحد من الْأمة بَين تَحْرِيم النّظر واللمس (وَمَتى حرم النّظر حرم اللَّمْس) وَمَتى حرم اللَّمْس حرم الْغسْل لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكّ عَنهُ لمس

وَعَن عمر رضي الله عنه أَن امْرَأَته توفيت فسلمها إِلَى أوليائها وَقَالَ كُنَّا أَحَق بهَا مَا دَامَت حَيَّة فَإِذا مَاتَت فَأنْتم أَحَق بهَا فَإِن قيل الحَدِيث مَحْمُول على مَا إِذا لم يكن مَعهَا زَوجهَا قُلْنَا هَذَا تَقْيِيد الْمُطلق وَلَا يجوز إِلَّا بِدَلِيل

ص: 249

احْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت رَجَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ذَات يَوْم من جَنَازَة بِالبَقِيعِ وَأَنا أجد صداعا فِي رَأْسِي وَأَقُول وارأساه فَقَالَ بل أَنا وارأساه ثمَّ قَالَ مَا ضرك لَو مت قبلي فغسلتك وكفنتك وَصليت عَلَيْك ودفنتك خَ د أخبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه لَو مَاتَت قبله لغسلها فَلَو كَانَ حَرَامًا لما أخبر بِهِ

وروت أَسمَاء بنت عُمَيْس أَن فَاطِمَة رضي الله عنها أوصت أَن يغسلهَا عَليّ وَأَسْمَاء فغسلاها ق وَلم يُنكر عَلَيْهِ أحد من الصَّحَابَة فَنزل منزلَة الْإِجْمَاع قُلْنَا أما حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها فَعَنْهُ أجوبة

أَحدهَا أَن البُخَارِيّ رَوَاهُ فِي صَحِيحه فَقَالَ فِيهِ فَقلت وارأساه فَقَالَ لَو كَانَ ذَلِك وَأَنا حَيّ فأستغفر لَك وأدعو لَك وَلم يذكر فغسلتك إِلَّا ابْن

ص: 250

إِسْحَاق وَقد كذبه مَالك وَالْجرْح مقدم على التَّعْدِيل

وَالثَّانِي أَنه صلى الله عليه وسلم أضَاف الْغسْل إِلَى نَفسه بطرِيق التسبيب دون الْمُبَاشرَة كَمَا يُقَال بنى الْأَمِير قصرا وَالْمرَاد بِهِ التسبيب

وَالثَّالِث أَنه صلى الله عليه وسلم اخْتصَّ بذلك لاختصاصه بِبَقَاء نِكَاحه بعد الْمَوْت لقَوْله صلى الله عليه وسلم كل حسب وَنسب مُنْقَطع بعد الْمَوْت إِلَّا حسبي ونسبي بِخِلَاف غَيره من الْأمة لِأَن النِّكَاح لم يبْق فِي حَقهم

وَأما حَدِيث فَاطِمَة رضي الله عنها فقد أنكرهُ احْمَد وَفِي إِسْنَاده عبد الله بن نَافِع ضَعِيف ورواياته مضطربة

فَفِي بَعْضهَا أَن عليا رضي الله عنه (غسلهَا وَفِي بَعْضهَا الْمَلَائِكَة غسلتها وَفِي بَعْضهَا أَنَّهَا) غسلت نَفسهَا قبل الْمَوْت ثمَّ هُوَ خبر وَاحِد وَمَتى اضْطَرَبَتْ رواياته لَا يبْقى حجَّة

ص: 251

أَو نقُول كَانَ عَليّ رضي الله عنه مَخْصُوصًا بذلك لِأَنَّهُ من أنسار النَّبِي صلى الله عليه وسلم وأنسابه لَا تَنْقَطِع بِالْمَوْتِ

وَقد عضد هَذَا أَن ابْن مَسْعُود أنكر عَلَيْهِ ذَلِك فَقَالَ لَهُ أما علمت أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم ضمن لي أَنَّهَا زَوْجَتي فِي الْجنَّة وَمَتى ثَبت إِنْكَار ابْن مَسْعُود فلاإجماع

ص: 252

= كتاب التَّحَرِّي = مَسْأَلَة إِذا اشتبهت الْقبْلَة على مُسَافر فِي لَيْلَة مظْلمَة فتحرى وَصلى إِلَى أَي جِهَة ثمَّ تين أَنه استدبر الْقبْلَة أَجزَأَهُ وَلَا إِعَادَة عله وَهُوَ قَول ابْن عمر وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم وَأحمد وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد لَا يُجزئهُ وَيلْزمهُ الْإِعَادَة

لنا مَا روى أَن الصَّحَابَة رضي الله عنهم خَرجُوا فِي غزَاة فاشتبهت عَلَيْهِم الْقبْلَة فِي لَيْلَة مظْلمَة فصلى كل وَاحِد على حياله فَلَمَّا أَصْبحُوا أخبروا النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَنزلت {فأينما توَلّوا فثم وَجه الله} ت وَقَالَ حَدِيث حسن وروى أَن أهل قبَاء لما أخبروا بتحويل الْقبْلَة استداروا إِلَيْهَا م

وَلم يستأنفوا الْمَاضِي وَتلك الصَّلَاة لم تكن إِلَى جِهَة الْقبْلَة مَعَ الْقُدْرَة على إصابتها وَمَعَ هَذَا جَازَت فتجويزها مَعَ الْعَجز أولى

احْتج الشَّافِعِي بقوله تَعَالَى {فَوَلوا وُجُوهكُم شطره} فَتجب التَّوْلِيَة فِي

ص: 253

قَضَاء المأتى بِهِ قُلْنَا المُرَاد بِهِ حَالَة الْمُشَاهدَة لِأَن مَا ذكر فِيهِ حرج وَهُوَ تَكْلِيف مَا لَيْسَ فِي الوسع

ص: 254

= كتاب الْغَصْب =

مَسْأَلَة الزَّوَائِد الْمُنْفَصِلَة عَن الْمَغْصُوب تحدث أَمَانَة كَالْوَلَدِ وَاللَّبن وَنَحْوه وَهُوَ قَول مَالك رضي الله عنه وَكَذَا الْمُتَّصِلَة كالسمن وَالْجمال وَنَحْوهمَا وَعند الشَّافِعِي رضي الله عنه يضمن فِي الْحَالين

وَصُورَة الْمَسْأَلَة إِذا غصب جَارِيَة سَمِينَة فهزلت عِنْده أَو ولدت فَهَلَك وَلَدهَا من غير صنعه لَا يضمن عندنَا وَكَذَا الشَّاة وَنَحْوهَا لنا النُّصُوص الْمُطلقَة لنفي الضَّمَان كَقَوْلِه تَعَالَى {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا} وَقَوله صلى الله عليه وسلم لَا يحل مَال امرىء مُسلم إِلَّا بِطيبَة من نَفسه إِلَى غير ذَلِك وَالْغَاصِب مَا فَوت يَد الْمَالِك عَن الْوَلَد فَلَا يضمن

احْتج الشَّافِعِي رضي الله عنه قَوْله صلى الله عليه وسلم على الْيَد مَا أخذت حَتَّى تُؤَدِّيه خَ د وَفِي لفظ حَتَّى ترده فَيجب عَلَيْهِ الرَّد بعد هَلَاك الْوَلَد وَقَوله صلى الله عليه وسلم ردوا الغصوب والودائع ومالية الْوَلَد مَغْصُوبَة قُلْنَا أما الحَدِيث الأول فَالْمُرَاد مِنْهُ ضَمَان الرَّد

ص: 255

والْحَدِيث الثَّانِي غَرِيب وَلَو اشْتهر كَانَ خبر وَاحِد ورد على مُخَالفَة الْكتاب فَلَا يقبل

مَسْأَلَة الزَّوَائِد الْمُتَّصِلَة لَا تضمن بِالْبيعِ وَالتَّسْلِيم فِي ظاهرالرواية وَذكر فِي النَّوَادِر خلافًا فَقَالَ عِنْد أبي حنيفَة لَا يضمن وَهُوَ قَول مَالك وَعِنْدَهُمَا يضمن وَهُوَ قَول الشَّافِعِي

وَصورته إِذا غصب جَارِيَة فيمتها ألف فازدادت فِي يَده سمنا أَو جمالا حَتَّى صَارَت تَسَاوِي أَلفَيْنِ وَسلمهَا إِلَى المُشْتَرِي فَإِن أَرَادَ الْمَالِك تضمين المُشْتَرِي فَلهُ أَن يضمنهُ ألفي دِرْهَم بالِاتِّفَاقِ وَإِن أَرَادَ أَن يضمن الْغَاصِب فَلهُ أَن يضمنهُ ألف دِرْهَم لَا غير عِنْده وَعِنْدَهُمَا أَلفَيْنِ وَالْحجّة من الْجَانِبَيْنِ مَا ذكرنَا فِي الْمَسْأَلَة الْمَاضِيَة مَسْأَلَة المضمونات تملك بأَدَاء الضَّمَان مُسْتَندا إِلَى وَقت الْغَصْب وَهُوَ قَول مَالك وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ لَا تملك أصلا

وَصورته إِذا غصب عبدا فاكتسب مَالا فأبق من يَده وَضمن قِيمَته بِقَضَاء أَو رضَا صَار العَبْد ملكا لَهُ عندنَا حَتَّى لَو عَاد عَاد على ملكه وَكَانَت أكسابه لَهُ

لنا قَوْله تَعَالَى {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان} وَثُبُوت الْملك فِي الْمَغْصُوب للْغَاصِب بعد مَا أدّى الضَّمَان تَسْوِيَة بَينهمَا فَالْقَوْل بِعَدَمِ الْملك ظلم وَإنَّهُ لَا يجوز

ص: 256

احتجا بقوله صلى الله عليه وسلم من وجد عين مَاله فَهُوَ أَحَق بِهِ

قُلْنَا لم قُلْتُمْ إِن هَذَا مَاله لِأَنَّهُ إِنَّمَا يكون مَاله أَن لَو كَانَ مَمْلُوكا لَهُ لِأَن مُقْتَضى هَذِه الْإِضَافَة الْملك كَمَا فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم أَدّوا زَكَاة أمولكم وَالْكَلَام فِيهِ مَسْأَلَة إِذا غصب حِنْطَة من إِنْسَان فطحنها انْقَطع حق الْمَالِك عَنْهَا وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ لَا يَنْقَطِع

وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا غصب حِنْطَة فزرعها أَو بَيْضَة وحضنها تَحت دجَاجَة حَتَّى صَارَت فرخة أَو ثوبا فَقَطعه وخاطه أَو شَاة فذبحها وشواها أَو سمسما أَو عنبا فعصره أَو قطنا فغزله ونسجه

لنا مَا روى أَبُو حنيفَة عَن عَاصِم بن كُلَيْب عَن أَبِيه عَن رجل من الْأَنْصَار قَالَ دعت امْرَأَة من قُرَيْش رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه فَوضعت بَين أَيْديهم طَعَاما فلاك النَّبِي صلى الله عليه وسلم مِنْهُ مُضْغَة لحم فَلم يسغها وَقَالَ أحد لحم شَاة أخذت بِغَيْر إِذن أَهلهَا قَالَ فَأرْسلت فَقَالَت الْمَرْأَة يارسول الله إِنِّي كنت أرْسلت إِلَى البقيع اطلب شَاة فَلم أصب فبلغني أَن جارا لي اشْترى ششاة فَأرْسلت إِلَيْهِ فَلم نقدر عَلَيْهِ فَبعثت بهَا امْرَأَته فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أطعموها الْأُسَارَى ق وَفِي رِوَايَة إِنَّهَا شَاة لِجَار لنا ذبحناها لنرضيه بِالثّمن

ص: 257

فلولا أَن ملك الْمَالِك زَالَ عَنْهَا وَأَنَّهُمْ ملكوها لما أَمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بالتصدق بهَا وَقَوله صلى الله عليه وسلم الْمَرْء أَحَق بِكَسْبِهِ والدقيق كَسبه لِأَنَّهُ حصل بِفِعْلِهِ فَإِن قَالُوا فِي إِسْنَاد الحَدِيث الأول حميد بن الرّبيع ضعفه يحيى بن معِين استدللنا بِالْحَدِيثِ الثَّانِي احْتَجُّوا بِمَا مر فِي الْمَاضِيَة وَقد خرج الْجَواب عَنهُ مَسْأَلَة الْمَنَافِع لَا تضمن بِالْغَصْبِ والإتلاف وَهُوَ قَول مَالك رضي الله عنه وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ رضي الله عنهم تضمن

وَصورته إِذا غصب عبدا خبازا مثلا وأمسكه شهرا ثمَّ رده إِلَى الْمَالِك لَا يضمن مَنَافِع الشَّهْر عندنَا وَكَذَا إِذا غصب مسكا فشمه ورده وَنَحْو ذَلِك

لنا إِجْمَاع الصَّحَابَة عمر وَعلي وَغَيرهمَا أَنهم حكمُوا فِي ولد الْمَغْرُور بِالْقيمَةِ والعقر وَلم يحكموا بِضَمَان الْمَنْفَعَة وَلَو كَانَ الضَّمَان وَاجِبا لحكموا بِهِ وروى أَن رجلا اسْتحق نَاقَة فَقضى لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بهَا وَلم ينْقل أَنه صلى الله عليه وسلم قضى بِوُجُوب الْأجر

ص: 258

فَإِن قيل التَّمَسُّك بِالْإِجْمَاع لَا يَصح لأَنهم حكمُوا بِوُجُوب الْقيمَة والعقر وسكتوا عَن غَيرهمَا وَكَانَ تعلقا بالمسكوت عَنهُ والْحَدِيث غَرِيب

قُلْنَا السُّكُوت فِي مَوضِع الْحَاجة إِلَى الْبَيَان بِمَنْزِلَة النُّطْق وَهنا الْحَاجة إِلَى بَيَان حكم الْحَادِثَة ثَابت فَلَو لم يكن ثَابتا لبينوه وَهَذَا هُوَ الْجَواب عَن الحَدِيث لَو اعْترضُوا عَلَيْهِ احْتَجُّوا بِمَا مر فِي الْمسَائِل الْمَاضِيَة وَقد أجبنا عَنهُ مَسْأَلَة الْعقار لَا يضمن بِالْغَصْبِ عِنْد أبي حنيفَة رضي الله عنه وَهُوَ قَول أبي يُوسُف آخرا وَكَانَ يَقُول أَولا يضمن وَهُوَ قَول مُحَمَّد وَالشَّافِعِيّ وَاحْمَدْ رضي الله عنهم

وَثَمَرَة الْخلاف تظهرفيما إِذا انْهَدَمت الدَّار لَا بسكنى الْغَاصِب أَو انتقصت الأَرْض لَا بزراعته لَا يضمن عندنَا خلافًا لَهُم لنا نُصُوص الزَّوَائِد الْمُنْفَصِلَة وَلَهُم قَوْله صلى الله عليه وسلم من غصب شبْرًا من أَرض طوقه الله تَعَالَى من سبع أَرضين يَوْم الْقِيَامَة خَ سَمَّاهُ غَاصبا فَيتَحَقَّق فِي الْعقار قُلْنَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم سَمَّاهُ غصبا مجَازًا لتصوره بِصُورَة الظُّلم على أَن الحَدِيث حجَّة لنا لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جعل حكم الظُّلم فِي الْعقار التطويق فِي الدَّار

ص: 259

الْأُخْرَى فَلَو كَانَ لَهُ حكم آخر لبينه لِأَن الْحَاجة ماسة إِلَى الْبَيَان فَلَمَّا لم يبين علم انه لَا حكم لَهُ فِي الدُّنْيَا مَسْأَلَة إِذا غصب ساجة وَبنى عَلَيْهَا انْقَطع حق الْمَالِك وَلَزِمَه قيمتهَا وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ لَا يَنْقَطِع وتنزع من بنائِهِ وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا غصب شَاة وذبحها وشواها أَو ثوبا فَقَطعه وخاطه لنا قَوْله تَعَالَى {وَمن أظلم مِمَّن منع مَسَاجِد الله أَن يذكر فِيهَا اسْمه وسعى فِي خرابها} آيَة

وظاهرها يَقْتَضِي أَن من غصب ساجة وأدخلها فِي بِنَاء الْمَسْجِد لم يكن للْمَالِك نقض الْبناء لِأَن تخريب الْمَسْجِد حرَام احْتَجُّوا بقوله صلى الله عليه وسلم من وجد عين مَاله فَهُوَ أَحَق بِهِ وَقَوله صلى الله عليه وسلم لَيْسَ لعرق ظَالِم حق ت أَي لذِي عرق ظَالِم

قُلْنَا الْمَالِك مَا وجد عين مَاله لِأَنَّهُ صَار ملكا للْغَاصِب فَصَارَ واجدا مَال الْغَيْر لَا ملك نَفسه لِأَن الساجة بإدخالها فِي الْبناء صَارَت هالكة وَأما الحَدِيث الثَّانِي فَفِي إِسْنَاده ابْن إِسْحَاق ضَعِيف

ص: 260

ولوسلم فتفسيره أَنه الَّذِي يغْرس فِي الأَرْض غرسا على وَجه الْغَصْب

وَلِهَذَا قَالَ عُرْوَة وَلَقَد أَخْبرنِي الَّذِي حَدثنِي بِهَذَا الحَدِيث أَنه رأى النّخل يقْلع بالفئوس فَلَا تعلق لَهُ بِمَا ذكرنَا

مَسْأَلَة إِذا أتلف الذِّمِّيّ أَو الْمُسلم خمر الذِّمِّيّ أَو خنزيره وَجب على الْمُسلم ضَمَانه بِالْقيمَةِ وعَلى الذِّمِّيّ ضَمَانه بِالْمثلِ وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ رضي الله عنهما لَا يجب عَلَيْهِ الضَّمَان

وعَلى هَذَا الْخلاف جَوَاز بيع ذمِّي من الذِّمِّيّ الْخمر وَالْخِنْزِير فَإِنَّهُ يَصح عندنَا خلافًا لَهُم لنا النُّصُوص الْمُوجبَة للضَّمَان وَقد أتلف مَالا مَعْصُوما فَيضمن دفعا للضَّرَر عَن الذِّمِّيّ لقَوْله صلى الله عليه وسلم فَلهم مَا للْمُسلمين وَعَلَيْهِم مَا على الْمُسلمين الحَدِيث احْتَجُّوا بقوله تَعَالَى {وَلنْ يَجْعَل الله للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا} وَمُقْتَضَاهُ أَن لَا يكون لَهُ سَبِيل أَخذ الضَّمَان لآنه لم يَجْعَل لَهُ ذَلِك قُلْنَا خص من الْآيَة ضَمَان جَمِيع اموال أهل الذِّمَّة فيخص الْخمر بِمَا ذكرنَا مَسْأَلَة نُقْصَان الْولادَة ينجبر بِالْوَلَدِ إِذا كَانَ بِهِ وَفَاء بِالنُّقْصَانِ وَعند زفر لَا ينجبر وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَاحْمَدْ رضي الله عنهم

وَصورته إِذا غصب جَارِيَة قيمتهَا الف فَولدت فِي يَده وعادت قيمتهَا إِلَى خَمْسمِائَة وَقِيمَة الْوَلَد خَمْسمِائَة لَا يضمن قيمَة النُّقْصَان عندنَا

ص: 261

وَعِنْدهم يضمن لنا نُصُوص الزَّوَائِد الْمُنْفَصِلَة وَلَهُم مَا مر من قَوْله صلى الله عليه وسلم على الْيَد مَا أخذت حَتَّى ترد وَقد خرج الْجَواب عَنهُ

ص: 262

= كتاب الْوَدِيعَة =

مَسْأَلَة الْمُودع إِذا خَالف فِي الْوَدِيعَة ثمَّ عَاد الى الْوِفَاق برِئ من الضَّمَان وَهُوَ قَول مَالك

وَقَالَ زفر لَا يبرأ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأحمد

وَصُورَة الْمَسْأَلَة إِذا كَانَت الْوَدِيعَة ثوبا فلبسه أَو دَابَّة فركبها

وَتَفْسِير الْعود الى الْوِفَاق ترك اللّبْس وَالرُّكُوب ومعاودة الْحِفْظ للْمَالِك

وَاخْتلف الْمَشَايِخ هَل تدخل الْعين فِي ضَمَانه حَالَة الْخلاف أم لَا

قَالَ الهنداوي لَا يدْخل

وَأَشَارَ مُحَمَّد فِي الأَصْل إِلَى أَنَّهَا تدخل فَقَالَ يبرأ عَن الضَّمَان والبراءة إِنَّمَا تكون بعد ثُبُوت الضَّمَان

لنا قَوْله تَعَالَى {مَا على الْمُحْسِنِينَ من سَبِيل} وَالْمُودع محسن بِالْحِفْظِ لِأَنَّهُ نَائِب الْمَالِك فَلَا يجب عَلَيْهِ الضَّمَان

احْتَجُّوا بِمَا مر من قَوْله صلى الله عليه وسلم على الْيَد مَا أخذت حَتَّى تُؤَدِّيه وبالمخالفة وَجب عَلَيْهِ الضَّمَان

قُلْنَا الْعين دخل فِي ضَمَانه مؤقتا إِلَى غَايَة الرَّد فَإِذا وجد الرَّد إِلَى نَائِب الْمَالِك وجدت غَايَة انْتِهَاء الضَّمَان

مَسْأَلَة الْمُودع إِذا سَافر بالوديعة فِي طَرِيق آمن فَهَلَكت لَا يضمن وَهُوَ قَول أَحْمد

ص: 263

وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يضمن

وَاتَّفَقُوا على أَنه لَو كَانَ الطَّرِيق مخوفا أَو سَافر بهَا فِي الْبَحْر فَإِنَّهُ يضمن

وَهَذَا إِذا لم يكن للوديعة حمل وَمؤنَة أما إِذا كَانَ لَهَا ذَلِك فَاخْتلف أَصْحَابنَا فِيهِ

قَالَ أَبُو حنيفَة رحمه الله لَا يضمن سَوَاء كَانَ السّفر قَرِيبا أَو بَعيدا

وَقَالَ مُحَمَّد يضمن سَوَاء كَانَ قَرِيبا أَو بَعيدا

وَعند أبي يُوسُف إِن كَانَ بَعيدا يضمن وَإِلَّا فَلَا

لنا قَوْله تَعَالَى {مَا على الْمُحْسِنِينَ من سَبِيل} وَهَذَا محسن يحفظ الْوَدِيعَة بِحَسب الْإِمْكَان

وروى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَيْسَ على الْمُسْتَعِير غير الْمغل ضَمَان وَلَا على الْمُسْتَوْدع غير الْمغل ضَمَان ق والمغل الخائن وَهَذَا لم (يخن)

إِلَّا أَن هَذَا الحَدِيث فِي إِسْنَاده (عَمْرو) بن عبد الْجَبَّار وَعبيدَة بن حسان ضعيفان قَالُوا وَهُوَ مَوْقُوف على شُرَيْح القَاضِي

احْتَجُّوا بِمَا مر من قَوْله صلى الله عليه وسلم على الْيَد مَا أخذت حَتَّى تُؤَدِّيه وَقد مر الْجَواب عَنهُ

ص: 264

وَبِمَا روى أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ الْمُسَافِر وَمَاله عَليّ قلت إِلَّا من وَقَاه الله تَعَالَى والتسبيب الى الْهَلَاك وجد باخراج المَال إِلَى الْمَفَازَة

قُلْنَا الحَدِيث مَحْمُول على صدر الْإِسْلَام حِين كَانَت الْغَلَبَة للْكفَّار وَالطَّرِيق مخوفة فَكَانَ إِخْبَارًا عَن ذَلِك الْوَقْت وَلَا كَلَام فِيهِ

مَسْأَلَة إِذا أودع مَالا عِنْد صبي مَحْجُور عَلَيْهِ فاستهلكه لم يضمن عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد سَوَاء كَانَ طفْلا أَو مراهقا

وَعند أبي يُوسُف يضمن وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأحمد

وَلَو أودع عِنْد عبد محجورعليه فاستهلكه يضمن بعد الْعتْق عِنْدهمَا

وَعند أبي يُوسُف وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله يضمنهُ للْحَال

لنا قَوْله صلى الله عليه وسلم رفع الْقَلَم عَن ثَلَاث الحَدِيث

وَلَهُم مَا مر من قَوْله صلى الله عليه وسلم على الْيَد مَا أخذت حَتَّى ترده

قُلْنَا خصت عَنهُ الودائع لوَجْهَيْنِ

أَحدهمَا أَن الْمُودع مُتَبَرّع والتضمين إِضْرَار والمحسن لَا يُقَابل بالإساءة

وَالثَّانِي أَن فِي الْعَمَل بِهِ تَعْطِيل مصَالح الودائع وسد بَاب الإنتفاع فَلَا يجب الضَّمَان

ص: 265

= كتاب الْعَارِية =

مَسْأَلَة الْعَارِية أَمَانَة لَا تضمن إِلَّا بِالتَّعَدِّي

وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد رضي الله عنهما هِيَ مَضْمُونَة

وَصورته إِذا اسْتعَار ثوبا ليلبسه مثلا فَهَلَك فِي يَده من غير (تعد) لَا يضمن

وَعِنْدَهُمَا يضمن إِذا هلك فِي غير حَالَة الِانْتِفَاع

وَللشَّافِعِيّ رضي الله عنه فِي هَلَاكه حَالَة الِانْتِفَاع قَولَانِ

وَقَالَ مَالك رضي الله عنه هِيَ كَالرَّهْنِ فَمَا خَفِي هَلَاكه كالثياب والأثمان يضمن وَمَا لم يخف هَلَاكه كَالدَّارِ وَالدَّابَّة لم يضمن

لنا مَا مر فِي مَسْأَلَة مَا إِذا سَافر بالوديعة وَلم تُوجد مِنْهُ خِيَانَة فَلَا يضمن وَقَبضه صدر باذن الْمَالِك

احْتَجُّوا بقوله صلى الله عليه وسلم الْعَارِية أَمَانَة مُؤَدَّاة مَضْمُونَة ت وصفهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِكَوْنِهَا مَضْمُونَة فَمن جعلهَا أَمَانَة فقد خَالف النَّص

وروى أَنه صلى الله عليه وسلم اسْتعَار أدرعا من صَفْوَان بن أُميَّة يَوْم حنين فَقَالَ صَفْوَان أغصبا يَا مُحَمَّد فَقَالَ بل عَارِية مَضْمُونَة خَ د

ص: 266

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم لوفد نَجْرَان مَا يعار فَيهْلك على أَيْدِيكُم فَعَلَيْكُم ضَمَانه

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم على الْيَد مَا أخذت حَتَّى ترد أَي ضَمَان مَا أخذت حَتَّى تَبرأ

وروى أَن عَائِشَة رضي الله عنها استعارت قَصْعَة من جَارة لَهَا فَتلفت فَأمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم برد مثلهَا

وَعَن ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة مثل مَذْهَبنَا

وَالْجَوَاب أما الحَدِيث الأول فَمَحْمُول على ضَمَان الرَّد وَالْخلاف فِي ضَمَان الْعين بِالْقيمَةِ

وَكَذَا حَدِيث صَفْوَان المُرَاد مِنْهُ ضَمَان الرَّد (وَتَسْمِيَة) الدروع عَارِية مجَاز وَلِهَذَا قَالَ أغصبا يَا مُحَمَّد فَإِنَّهُ أَخذهَا على عزم الرَّد بعد الْغناء عَنْهَا وَللْإِمَام هَذِه الْولَايَة عِنْد الْحَاجة إِلَى قتال الْمُشْركين

على أَنه قد روى أَنَّهَا كَانَت وَدِيعَة لأهل مَكَّة عِنْد صَفْوَان

وَلَو كَانَت عَارِية لَكِن لم قُلْتُمْ إِنَّه صلى الله عليه وسلم جعل الضَّمَان لَازِما بل تطييبا لِقَلْبِهِ بِدَلِيل مَا روى أَن بَعْضهَا ضَاعَ فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أفتغرمنا فَقَالَ يَا رَسُول الله أَنا الْيَوْم فِي الْإِسْلَام أَرغب

ص: 267

وَبَاقِي الْأَحَادِيث مَحْمُولَة على ضَمَان الرَّد وَحَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها مَحْمُول على التّلف بِفِعْلِهَا وَالله أعلم

ص: 268

= كتاب الصَّيْد والذبائح =

مَسْأَلَة مَتْرُوك التَّسْمِيَة عَامِدًا لَا يحل أكله وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس وَمَالك رضي الله عنهما وَقَالَ الشَّافِعِي رضي الله عنه يحل سَوَاء كَانَ عَامِدًا أَو نَاسِيا وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أَحدهمَا كَقَوْلِنَا وَالْأُخْرَى لَا يحل سَوَاء كَانَ عَامِدًا أَو نَاسِيا وَقد تساعدنا نَحن وَالشَّافِعِيّ على الْجَوَاز حَالَة النسْيَان

لنا مَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لعدي بن حَاتِم إِذا أرْسلت كلبك الْمعلم وَذكرت اسْم الله تَعَالَى فَكل وَإِن شَارك كلبك كَلْبا آخر غير معلم فَلَا تَأْكُل لِأَنَّك سميت على كلبك وَلم تسم على كلب غَيْرك خَ م ت د بِمَعْنَاهُ على الشَّرْط بِالتَّسْمِيَةِ فَلَا يحل بِدُونِهَا وروى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَبِيحَة الْمُسلم حَلَال وَإِن نسي التَّسْمِيَة مَا لم يتَعَمَّد هَذَا الحَدِيث غَرِيب

احْتج الشَّافِعِي رحمه الله بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ (عَمَّن) ذبح وَترك

ص: 269

التَّسْمِيَة نَاسِيا فَقَالَ كلوه فَإِن تَسْمِيَة الله تَعَالَى فِي قلب كل مُسلم ت وروى أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ الْمُؤمن يذبح على اسْم الله تَعَالَى سمى أَو لم يسم وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها أَنَّهَا سَأَلت النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن الْأَعْرَاب فَقَالَت يهْدُونَ لنا لَحْمًا وَلَا نَدْرِي سموا أَو لَا فَقَالَ سموا أَنْتُم وكلوا

قُلْنَا الْأَخْبَار مَحْمُولَة على النَّاسِي وَبِه نقُول وَحَدِيث عَائِشَة فالنبي صلى الله عليه وسلم بنى الْأَمر على الظَّاهِر أَن الْمُسلم يَأْتِي بِمَا وَجب عَلَيْهِ وَالتَّسْمِيَة وَاجِبَة حَالَة الذّبْح

مَسْأَلَة الْأُضْحِية وَاجِبَة على الْأَغْنِيَاء المقيمين عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله وَزفر وَالْحسن بن زِيَاد رحمهمَا الله سنة عِنْد أبي يُوسُف وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ

ص: 270

وَعَن أَحْمد كالمذهبين وَحكى الطَّحَاوِيّ أَن مُحَمَّدًا مَعَ أبي يُوسُف

لنا مَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنَّمَا الذّبْح بعد الصَّلَاة فَمن ذبح قبلهَا فليعد فَقَامَ أَبُو بردة بن نيار فَقَالَ عجلت ذبح شاتي وعتدي جَذَعَة فَقَالَ لن تُجزئ عَن أحد بعْدك خَ د أَمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِإِعَادَة الذّبْح قبل الصَّلَاة وروى أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ ضحوا فَإِنَّهَا سنة أبيكم وَإِطْلَاق السّنة على الْأُضْحِية لَا يُنَافِي الْوُجُوب وَهَذَا الحَدِيث غَرِيب أَمر مُقْتَضَاهُ الْوُجُوب وروى أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ على أهل كل بَيت فِي كل عَام أضْحِية وعتيرة خَ د وَالْعَتِيرَة اسْم الشَّاة الَّتِي تذبح فِي رَجَب إِلَّا أَنَّهَا نسخت وَبقيت الْأُضْحِية وَاجِبَة وعَلى كلمة إِيجَاب

ص: 271

وروى أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ من لم يضح فَلَا يقربن مصلانا وَهَذَا خرج مخرج الْوَعيد على ترك الْأُضْحِية وَلَا وَعِيد إِلَّا بترك الْوَاجِب وَعَن عَليّ رضي الله عنه لَيْسَ على الْمُسَافِر أضْحِية وَهَذَا يدل على وُجُوبهَا على الْمُقِيم وَإِلَّا لبقي الْإِيجَاب عَاما وَعنهُ رضي الله عنه لَا جُمُعَة وَلَا تَشْرِيق وَلَا فطر وَلَا أضحى إِلَّا فِي مصر جَامع وَالْمرَاد بالأضحى الْأُضْحِية أوجبهَا فَتجب فَإِن قيل فِي إِسْنَاد الحَدِيث الأول أَبُو حَيَّان ضَعِيف وَالثَّانِي غَرِيب وتسميته إِيَّاهَا سنة يَنْفِي الْوُجُوب وَفِي الثَّالِث (أَبُو رَملَة) ضَعِيف وَلَو سلم لم يكن حجَّة لِأَنَّهُ يَقْتَضِي وجوب الْأُضْحِية على وَجه الإشتراك وعندكم يجب على كل وَاحِد من أهل الْبَيْت

ص: 272

وَأما الرَّابِع فَرَوَاهُ (هرير) بن عبد الرَّحْمَن عَن عَائِشَة رضي الله عنها وَلم يلقها وَلَو سلمت عارضناها بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ ثَلَاث كتب عَليّ وَهِي لكم سنة الْوتر وَالضُّحَى والأضحى خَ د وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أمرت بالنحر وَلَيْسَ بِوَاجِب ق وَقَالَ صلى الله عليه وسلم إِذا رَأَيْتُمْ هِلَال ذِي الْحجَّة وَأَرَادَ أحدكُم أَن يُضحي فليمسك عَن شعره وأظفاره م وروى أَنه صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أَحدهمَا عَن نَفسه وَالْآخر عَن أمته م د بِمَعْنَاهُ وروى أَن أَبَا بكر وَعمر رضي الله عنهما كَانَا لَا يضحيان السّنة والسنتين مَخَافَة أَن

ص: 273

يرى النَّاس أَنَّهَا وَاجِبَة وَكَذَا رُوِيَ عَن (أبي) مَسْعُود الْأنْصَارِيّ وَعَن ابْن عَبَّاس أَنه اشْترى لَحْمًا بِدِرْهَمَيْنِ وَقَالَ هَذِه أضْحِية ابْن عَبَّاس وَمثله عَن ابْن عمر وبهذه الْأَخْبَار والْآثَار يحْتَج الْخُصُوم

وَالْجَوَاب أما الأول فقد رُوِيَ من غير طَرِيق أبي حَيَّان وَفِي لفظ النَّسَائِيّ من ذبح قبل الصَّلَاة فَإِنَّمَا هُوَ لحم قدمه لأَهله وَلَيْسَ من النّسك فِي شئ وَأما الثَّانِي فمشهور فِي كتب الْفُقَهَاء وَلَا خَفَاء أَنَّهَا سنة أَبينَا إِبْرَاهِيم عليه الصلاة والسلام لَكِن نَبينَا صلى الله عليه وسلم أَمر بهَا وَأما (أَبُو رَملَة) فاسمه عَامر وَهُوَ ثِقَة وَأما أهل الْبَيْت فَنَقُول المُرَاد من أهل الْبَيْت (الْقيم) عَلَيْهِم لِأَن الْيَسَار شَرط وَالْغَالِب أَن يكون (للقيم) دون غَيره

ص: 274

وَأما الرَّابِع فَإِن ثَبت مَا قَالُوا فَتلك صفة الْإِرْسَال وَهُوَ حجَّة عندنَا بِهِ وَأما أَحَادِيثهم أما الأول فَفِي إِسْنَاده جَابر الْجعْفِيّ ضَعِيف باتفاقهم وَكَذَا هُوَ فِي الثَّانِي وَلَو صَحَّ قُلْنَا بِمُوجبِه فَإِن الْأُضْحِية لم تكْتب علينا وَإِنَّمَا هِيَ وَاجِبَة (و) بَين الْمَكْتُوبَة وَالْوَاجِب من الْفرق كَمَا بَين (الْقدَم) وَالْفرق وَأما الثَّالِث (فالتعليق) بالإرادة لَا يُنَافِي الْوُجُوب لِأَنَّهَا على الْقَادِر وَأما الرَّابِع فَمَحْمُول على أَنه كَانَ فِي الإبتداء وَأما الْآثَار فَالْمَسْأَلَة مُخْتَلف فِيهَا بَين الصَّحَابَة أَو يحمل على حَالَة السّفر فَإِنَّهُمَا كَانَا يضحيان إِذا أَقَامَا وَإِذا سافرا لم (يضحيا) أَو يحمل على أَن أَبَا بكر وَعمر رضي الله عنهما لم يفضل من رزقهما شئ عَن كفايتهما أَو كَانَ عَلَيْهِمَا دين وَكَذَا مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِالْوَاجِبِ الْفَرْض فَلَا يكون حجَّة وَلَو وَقع التَّعَارُض طلبنا التَّرْجِيح وَذَلِكَ من قَوْله تَعَالَى {فصل لِرَبِّك وانحر}

ص: 275

وَمَعْنَاهُ (صل) الْعِيد وانحر الْبدن وَمُطلق الْأَمر للْوُجُوب وَمَا وَجب على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَجب على الْأمة لِأَنَّهُ قدوة وَكَانَت أخبارهم أَخْبَار آحَاد وَردت على مُخَالفَة الْكتاب فَلَا (تقبل)

مَسْأَلَة الْجَنِين لَا يتذكى بِذَكَاة أمه عِنْد أبي حنيفَة وَزفر رحمهمَا الله

وَقَالا يتذكى وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأحمد وَمَالك رحمه الله مَعنا فِيمَا لم يكمل خلقه وَمَعَهُمْ فِيمَا إِذا كمل

وَصُورَة الْمَسْأَلَة إِذا نحر بَدَنَة أَو ذبح بقرة أَو شَاة فَخرج مِنْهَا جَنِين ميت لَا يحل أكله عِنْد أبي حنيفَة رحمه الله أشعر أَو لم يشْعر خلافًا لَهُم

لنا قَوْله تَعَالَى {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة} والجنين ميتَة وَلم يذكر اسْم الله تَعَالَى أَيْضا عَلَيْهِ فَلَا يحل

احْتَجُّوا بقوله صلى الله عليه وسلم ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه خَ د جعل ذَكَاة الْأُم ذَكَاة الْجَنِين وَفِي رِوَايَة ابي سعيد قَالَ قلت يَا رَسُول الله إِنَّا نَنْحَر النَّاقة أَو نذبح الْبَقَرَة وَالشَّاة فَيخرج من بَطنهَا جَنِين ميت أفنلقيه أم لَا فَقَالَ صلى الله عليه وسلم كُله فَإِن ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه أشعر أَو لم يشْعر ق

ص: 276

قُلْنَا الحَدِيث خبر وَاحِد ورد على مُخَالفَة الْكتاب فَلَا يقبل وَلَو سلم فَعَنْهُ جوابان

أَحدهمَا أَن معنى قَوْله نجد فِي بَطنهَا جَنِينا مَيتا أَي قَارب الْمَوْت كَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم لقنوا مَوْتَاكُم شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَمَعْنَاهُ الَّذِي قرب من الْمَوْت

وَالثَّانِي أَنه قد روى بِنصب الْهَاء ذكره الْخطابِيّ فِي غَرِيب الحَدِيث ونصبه بِنَزْع الْخَافِض وَمَعْنَاهُ ذَكَاة الْجَنِين كذكاة أمه وَلَو كَانَت الرِّوَايَة بِالرَّفْع احْتمل التَّشْبِيه أَيْضا قَالَ الله تَعَالَى {وجنة عرضهَا كعرض السَّمَاء وَالْأَرْض} وَقَالَ الشَّاعِر

فعيناك عَيناهَا وجيدك جيدها

سوى أَن عظم السَّاق مِنْك دَقِيق

الْمَسْأَلَة يكره أكل لحم الْخَيل عِنْد أبي حنيفَة رحمه الله وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس خلافًا للباقين وَاخْتلفُوا على قَوْله أَنه كَرَاهَة تَنْزِيه أَو تَحْرِيم وَالأَصَح التَّحْرِيم لَهُ مَا روى خَالِد بن الْوَلِيد أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نهى عَن لُحُوم البغال وَالْحمير وَالْخَيْل خَ د

ص: 277

وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد أَنه سمع النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول لَا يحل أكل لُحُوم الْخَيل فَإِن قيل ذكر الْوَاقِدِيّ أَن خَالِدا أسلم بعد خَيْبَر وَفِي إِسْنَاده صَالح بن يحيى (مَجْهُول) وَلَو سلم حمل على إشفاق خَالِد على الْخَيل لأجل الْجِهَاد

قُلْنَا الْوَاقِدِيّ كَذَّاب باتفاقهم (و) إِسْلَام خَالِد وَإِن كَانَ يَوْم الْفَتْح لَا يَنْبَغِي أَن يكون سمع النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول ذَلِك أَو رَوَاهُ لَهُ بعض الصَّحَابَة وَصَالح بن يحيى يعرف بجده لقِيَامه مقَام أَبِيه والْحَدِيث احْتج بِهِ الْكَرْخِي وَحَملهمْ ذَلِك من خَالِد على الإشفاق لَا يَصح لِأَنَّهُ يصير حِينَئِذٍ مَوْقُوفا عَلَيْهِ وَهُوَ مَرْفُوع وَلَو كَانَ كَذَلِك لم يضرنا لِأَن الْمَوْقُوف فِي مثل هَذَا كالمرفوع

احْتَجُّوا بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نهى يَوْم خَيْبَر عَن لُحُوم الْحمر وَأذن فِي لُحُوم الْخَيل (خَ د)(وروى عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة رضي الله عنهم أَنهم كَانُوا يَأْكُلُون لُحُوم الْخَيل)

ص: 278

على عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقَالَت أَسمَاء بنت أبي بكر نحرنا فِي عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فرسا وأكلناه نس

قُلْنَا هَذَا خبر وَاحِد ورد على مُخَالفَة الْكتاب وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير لتركبوها وزينة} فالآية خرجت مخرج الامتنان فَلَو كَانَ حل الْأكل ثَابتا لم يمتن علينا بذلك وَفعل بعض الصَّحَابَة إِنَّمَا يكون حجَّة إِذا عمله النَّبِي صلى الله عليه وسلم وأقرهم عَلَيْهِ والْحَدِيث لَا يتَعَرَّض لذَلِك

ص: 279

= كتاب الْهِبَة =

مَسْأَلَة هبة الْمشَاع فِيمَا يحْتَمل الْقِسْمَة ى يُفِيد الْملك قبل الْقِسْمَة عندنَا وَهُوَ قَول أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان رضي الله عنهم وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد رضي الله عنهم يُفِيد وَاتَّفَقُوا على أَن هبة الْمشَاع فِيمَا لَا يحْتَمل الْقِسْمَة كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّة يُفِيد ذَلِك وَبَعض الْمَشَايِخ يَقُول هِيَ فَاسِدَة وَلَيْسَ بِصَحِيح

لنا مَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (لَا تصح) الْهِبَة إِلَّا محوزة مقسومة هَذَا الحَدِيث غَرِيب

احْتَجُّوا بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لما هَاجر وَنزل منزل أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ طلب موضعا يبْنى فِيهِ الْمَسْجِد فَقيل لَهُ عَن مَكَان مُشْتَرك بَين أسعد (بن) زُرَارَة وَبَين رجلَيْنِ فساوم النَّبِي صلى الله عليه وسلم اِسْعَدْ فَأبى ووهبه مِنْهُ ثمَّ ساومهما أسعد فأبيا ووهباه مِنْهُ فبناه النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَسْجِدا فَهُوَ مَسْجده وَسعد لما وهب نصِيبه كَانَ شَائِعا وروى أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي بعض الْغَزَوَات بكبة شعر وَقَالَ إِنَّمَا أَخَذتهَا لأصلح بهَا بردعة بَعِيري فَلَمَّا نهى الله تَعَالَى عَن الْغلُول حَيْثُ نهى فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

ص: 280

مَا يُصِيبنِي فَهُوَ لَك وروى أَنه صلى الله عليه وسلم لما جَاءَهُ وَفد هوَازن يَوْم حنين قَالُوا يَا مُحَمَّد من علينا من الله عَلَيْك فَقَالَ اخْتَارُوا بَين نِسَائِكُم وَأَمْوَالكُمْ وأبنائكم فَقَالُوا نَخْتَار أَبْنَائِنَا فَقَالَ أما مَا كَانَ لي ولبني عبد الْمطلب فَهُوَ لكم وَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ مَا كَانَ لنا فَهُوَ لرَسُول (الله) صلى الله عليه وسلم وَقَالَت الْأَنْصَار كَذَلِك خَ د وَهَذِه هبة الْمشَاع وروى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم اشْترى ثوبا وَقَالَ للوزان زن وأرجح وَالزِّيَادَة هبة الْمشَاع فِي الثّمن وروى أَن مولى لعطاء أقْرض عبد الله بن مَسْعُود دَرَاهِم فَدفع إِلَيْهِ دَرَاهِم فِي كيس تزيد على حَقه فَأخْبرهُ بِالزِّيَادَةِ فَقَالَ هِيَ لَك ويروى مثله عَن عمر وَهَذِه هبة الْمشَاع

وَالْجَوَاب أما الحَدِيث الأول فَيحْتَمل أَن نصِيبه كَانَ مفرزا وَيحْتَمل أَنه وهب وَلم يسلم إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَتَّى وهبوا وسلموا جَمِيعًا وَمثل هَذَا جَائِز عندنَا

ص: 281

وعَلى هَذَا يحمل الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّالِث وَأما الرَّابِع فَلَا نسلم أَن قَوْله زن وأرجح هبة بل زِيَادَة فِي الثّمن وَكَذَا الْأَثر فليلتحق بِأَصْل العقد وَيكون لَهَا حكم الثّمن لما عرف فِي مَوْضِعه

مَسْأَلَة إِذْ وهب هبة لأَجْنَبِيّ بِلَا عوض كَانَ لَهُ حق الرُّجُوع وَهُوَ قَول عمر وَعُثْمَان وَابْن عمر رضي الله عنهم وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد رضي الله عنهما لَيْسَ لَهُ ذَلِك وَاتَّفَقُوا على أَنه لَو وهب لزوجته أَو لذِي رحم محرم مِنْهُ أَنه لَا يملك الرُّجُوع وَلَو وهب الْوَالِد لوَلَده فعندنا لَا يملك الرُّجُوع خلافًا لَهما

لنا قَوْله صلى الله عليه وسلم الْوَاهِب أَحَق بهبته مَا لم يثب (مِنْهَا) ق وروى ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا كَانَت الْهِبَة لذِي رحم محرم لم يرجع فِيهَا ق وَفِي رِوَايَة وَلَو كَانَت لأَجْنَبِيّ فَلهُ الرُّجُوع فِيهَا

احْتَجُّوا بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا يرجع الْوَاهِب فِي هِبته إِلَّا الْوَالِد من وَلَده والعائد فِي هِبته كَالْكَلْبِ يعود فِي قيئه د

ص: 282

وَقد روى البُخَارِيّ وَمُسلم مَعْنَاهُ بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة وَالْجَوَاب عَنهُ وَعَن كل مَا ورد فِي مَعْنَاهُ أَنا نقُول بِمُوجبِه فَإِنَّهُ لَو رَجَعَ عندنَا كره لَهُ ذَلِك وروى الْكَرْخِي عَن أَصْحَابنَا أَنه حرَام وَلَكِن يرفع الْأَمر إِلَى الْحَاكِم حَتَّى يفْسخ الْهِبَة فَيُعِيد إِلَيْهِ قديم الْملك والْحَدِيث لَا يَنْفِي ذَلِك كَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم لَا تنْكح الْمَرْأَة نَفسهَا وَهَذَا يَنْفِي حَالَة الْمُبَاشرَة بِنَفسِهَا لَكِن لَهَا أَن ترفع الْأَمر الى الْحَاكِم حَتَّى يُزَوّجهَا فَكَذَا هَذَا أَو يحمل الرُّجُوع إِلَى الْمُرُوءَة وَالْعَادَة وَلَيْسَ أَن يفعل ذَلِك وَلَو فعل (ذَلِك) كَانَ (كَأَنَّمَا عَاد) وَيعود ملكه فِي الْمَوْهُوب وَالْمرَاد من قَوْله صلى الله عليه وسلم (كالعائد) فِي قيئه يَعْنِي الْكَلْب لَا الْآدَمِيّ وَفعل الْكَلْب لَا يُوصف بِالصِّحَّةِ وَالْفساد وَإِنَّمَا يُوصف بالقبح طبعا وَعَادَة وَالله أعلم

ص: 283

= كتاب الْبيُوع =

مَسْأَلَة البيع الْفَاسِد يُفِيد الْملك إِذا اتَّصل بِهِ الْقَبْض عندنَا وَقَالَ زفر لَا يُفِيد أصلا وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وللمسألة صور مِنْهَا بيع الدِّرْهَم بِالدِّرْهَمَيْنِ والقفيز بالقفيزين وَالْبيع بِثمن مَجْهُول أَو إِلَى أجل مَجْهُول وَالْبيع بِأَلف دِرْهَم ورطل خمر وَبيع الْمَنْقُول قبل الْقَبْض

لنا قَوْله صلى الله عليه وسلم لَا تَبِيعُوا الدِّينَار بِالدِّينَارَيْنِ وَلَا الدِّرْهَم بِالدِّرْهَمَيْنِ م نهى وَالنَّهْي يَقْتَضِي تصور الْمنْهِي عَنهُ

احْتَجُّوا بقوله تَعَالَى {وَحرم الرِّبَا} وَنهى النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن بيع وَشرط ت

قُلْنَا لَيْسَ فِي الْآيَة وَحرم البيع فَلَا يُعَارض وَأما الحَدِيث فالنهي لِمَعْنى فِي غَيره لَا فِي نَفسه

مَسْأَلَة لَا يجوز بيع قفيز جص بقفيزي جص وَلَا رَطْل حَدِيد برطلي حَدِيد وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز وعَلى هَذَا الْخلاف كل مَكِيل غير مطعوم وكل مَوْزُون (يدا بيد) غير الْأَثْمَان

لنا قَوْله صلى الله عليه وسلم الْحِنْطَة بِالْحِنْطَةِ مثلا بِمثل يدا بيد وَالْفضل رَبًّا وَالشعِير

ص: 284

بِالشَّعِيرِ مثلا بِمثل يدا بيد وَالْفضل رَبًّا وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ مثلا بِمثل وَالْفضل رَبًّا وَالْملح بالملح مثلا بِمثل يدا بيد وَالْفضل رَبًّا وَالْوَرق بالورق مثلا بِمثل يدا بيد وَالْفضل رَبًّا (خَ د) وَفِي لفظ وَكَذَا كل مَا يُكَال ويوزن فالتساوي وَاجِب فِي الْأَشْيَاء السِّتَّة فَكَذَا فِي كل مَا يُكَال ويوزن لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم عطف كل مَا يُكَال ويوزن على الْأَشْيَاء السِّتَّة فَإِن قيل الزِّيَادَة فِي الحَدِيث غير ثَابِتَة وَلِهَذَا لم يروها مُحَمَّد فِي الحَدِيث لِأَنَّهُ رَوَاهُ فِي أول كتاب الْبيُوع وَالصرْف

قُلْنَا الزِّيَادَة ثَابِتَة رَوَاهَا مَالك وَإِنَّمَا تَركهَا مُحَمَّد لاحْتِمَال أَنَّهَا لم تبلغه بل بلغه الحَدِيث بِدُونِهَا

ص: 285

احْتَجُّوا بقوله صلى الله عليه وسلم لَا رَبًّا إِلَّا فِي النَّسِيئَة خَ د والربا هُنَا غير مُتَحَقق

قُلْنَا الحَدِيث اسْتِدْلَال بالمسكوت عَنهُ

مَسْأَلَة الْجِنْس بِانْفِرَادِهِ يحرم النسأ وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يحرم وَعَن أَحْمد كالمذهبين

وَصورته إِذا أسلم ثوبا هروبا فِي ثوب هروي أَو هرويا فِي مروى وَنَحْو ذَلِك لَا يجوز وَعِنْده يجوز وَاتَّفَقُوا على أَنه لَو أسلم هروبا فِي مروى جَازَ

لنا قَوْله صلى الله عليه وسلم لَا رَبًّا إِلَّا فِي النَّسِيئَة وروى أَنه صلى الله عليه وسلم نهى عَن بيع الْحَيَوَان (بِالْحَيَوَانِ) نَسِيئَة خَ د وروى ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَن بيع النجيبة بالنجيبتين وَالْفرس بالفرسين فَنهى عَنهُ إِلَّا يدا بيد ق بِمَعْنَاهُ

ص: 286

وَعَن عَليّ رضي الله عنه لَا بَأْس بِبيع العَبْد بالعبدين وَالثَّوْب بالثوبين يدا بيد إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَة

احْتج بِمَا روى عَن (عبد الله بن) عَمْرو بن الْعَاصِ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أمره أَن يُجهز الْجَيْش فَقَالَ (عبد الله بن) عَمْرو مَا عِنْدِي ظهر فَأمره النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن يبْتَاع ظهرا إِلَى خُرُوج الْمُصدق فَابْتَاعَ الْبَعِير بالبعيرين وبالأبعرة إِلَى خُرُوج الْمُصدق بِأَمْر النَّبِي صلى الله عليه وسلم ق وَرخّص النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي السّلم مُطلقًا وروى أَنه صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا فَأَتَتْهُ إبل من إبل الصَّدَقَة فَقَالَ أَعْطوهُ فَقَالُوا لَا نجد لَهُ إِلَّا رباعيا خيارا فَقَالَ أَعْطوهُ فَإِن خير النَّاس أحْسنهم قَضَاء م وَعَن عَليّ رضي الله عنه أَنه بَاعَ بَعِيرًا يُقَال لَهُ عصيفيرا بِعشْرين بَعِيرًا إِلَى أجل وَابْن عمر ابْتَاعَ رَاحِلَة بأَرْبعَة أَبْعِرَة إِلَى أجل

ص: 287

قُلْنَا هَذِه أَخْبَار آحَاد وَردت على مُخَالفَة قَوْله تَعَالَى {وَحرم الرِّبَا} وَلَو سلمت فللإمام أَخذ مَال يذب بِهِ عَن الْإِسْلَام مَعَ إرضاء أَصْحَابه بالمضاعفة فَيحمل على ذَلِك لِئَلَّا تتناقض الْأَخْبَار

مَسْأَلَة التَّقَابُض فِي بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ لَيْسَ بِشَرْط لجَوَاز العقد قَالَ (الشَّافِعِي) هُوَ شَرط حَتَّى لَو افْتَرقَا عَن الْمجْلس بِدُونِ الْقَبْض لَا يبطل العقد عندنَا خلافًا لَهُ وَقد تساعدنا على أَنَّهُمَا لَو افْتَرقَا عَن مجْلِس العقد فِي بيع الذَّهَب بِالذَّهَب أَو الْفضة قبل التَّقَابُض أَنه يبطل العقد

لنا أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نهى عَن بيع الطَّعَام حَتَّى يجْرِي فِيهِ الصاعان صَاع البَائِع وَالْمُشْتَرِي ق وَمُقْتَضَاهُ أَن المُشْتَرِي لَو كاله وَجب أَن يجوز لَهُ بَيْعه عملا بِكَلِمَة حَتَّى

وَاحْتَجُّوا بقوله صلى الله عليه وسلم الْحِنْطَة بِالْحِنْطَةِ الحَدِيث ذكر الْيَد وَالْمرَاد بهَا الْقَبْض حَقِيقَة لِأَنَّهَا آلَة

قُلْنَا لَيْسَ المُرَاد مِنْهُ الْيَد حَقِيقَة فِي عرف التُّجَّار بل النَّقْد ثمَّ هُوَ خبر وَاحِد ورد على مُخَالفَة قَوْله تَعَالَى {وَأحل الله البيع وَحرم الرِّبَا} من غير تَقْيِيد بِشَرْط التَّقَابُض

مَسْأَلَة إِذا بَاعَ كرّ حِنْطَة وكر شعير بكري حِنْطَة وَكري شعير (أَو

ص: 288

بَاعَ) درهما ودينارا بِدِرْهَمَيْنِ ودينارين جَازَ وَيصرف الْجِنْس إِلَى خلاف الْجِنْس أَو درهما صَحِيحا وَآخر قراضة بصحيحين أَو مكسورين أَو جيدا ورديئا بجيدين ورديئين أَو بجيد وردئ أَو مد عَجْوَة ودرهما بمدي عَجْوَة جَازَ وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز وَعَن أَحْمد كالمذهبين وللمسألة لقبان أَحدهمَا مد عَجْوَة وَالثَّانِي مَسْأَلَة الأكرار

لنا قَوْله صلى الله عليه وسلم إِذا اخْتلف النوعان فبيعوا كَيفَ شِئْتُم وَلَا خلاف فِي الِاخْتِلَاف احْتج (الشَّافِعِي رضي الله عنه بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تَبِيعُوا الطَّعَام بِالطَّعَامِ إِلَّا سَوَاء بِسَوَاء خَ بِمَعْنَاهُ وروى فضَالة بن عبيد قَالَ أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم بقلاة يَوْم خَيْبَر فِيهَا در ذهب ابتاعها رجل بسبعة دَنَانِير وروى بِسِتَّة فَقَالَ صلى الله عليه وسلم لَا حَتَّى تميز بفصل بَينهمَا

ص: 289

وَفِي رِوَايَة بقلادة فِيهَا خرز مُعَلّق بِذَهَب فَقَالَ لَا حَتَّى تميز بَينهمَا م

قُلْنَا الْكَلَام فِي جَوَاز البيع بِخِلَاف الْجِنْس لَا فِي الْجِنْس

مَسْأَلَة يجوز بيع الرطب بِالتَّمْرِ عِنْد ابي حنيفَة مُتَسَاوِيا كَيْلا

وَقَالا لَا يجوز وَهُوَ قَول البَاقِينَ وَاتَّفَقُوا على ان بَيْعه بِالتَّمْرِ متفاوتا لَا يجوز

لنا أَنه صلى الله عليه وسلم نهى عَن بيع النّخل حَتَّى يزهو ت وَفِي رِوَايَة عَن بيع التَّمْر حَتَّى يزهى قيل وَمَا يزهى قَالَ حَتَّى يحمر أَو يصفر سَمَّاهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم تَمرا قبل أَن يحمر أَو يصفر وروى أَنه صلى الله عليه وسلم أهْدى لَهُ عَامل خَيْبَر رطبا فَقَالَ أكل تمر خَيْبَر هَكَذَا

ص: 290

وروى أَن أَبَا حنيفَة رحمه الله لما دخل بَغْدَاد سُئِلَ عَن هَذِه الْمَسْأَلَة فَقَالَ لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون الرطب تَمرا أَو لَا فَإِن كَانَ تَمرا جَازَ البيع لقَوْله صلى الله عليه وسلم التَّمْر بِالتَّمْرِ مثلا بِمثل يدا بيد فَيكون بيعا مُعْتَبرا وَإِن لم يكن تَمرا جَازَ (أَيْضا) لقَوْله صلى الله عليه وسلم إِذا اخْتلف النوعان فبيعوا كَيفَ شِئْتُم

احْتَجُّوا بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَن بيع الرطب بِالتَّمْرِ فَقَالَ أينقص إِذا يبس قَالُوا نعم قَالَ فَلَا إِذا خَ د نَص النَّبِي صلى الله عليه وسلم على الحكم وَنبهَ على الْعلَّة

قُلْنَا الحَدِيث ضَعِيف لوجوه

أَحدهمَا أَن مداراة على زيد أبي عَيَّاش قَالَ أَبُو حنيفَة رضي الله عنه وَهُوَ مَجْهُول وَضَعفه ابْن الْمُبَارك وَالثَّوْري وَالْبُخَارِيّ وَلم يخرج عَنهُ مُسلم وَإِنَّمَا ذكره فِي كتاب الكنى وَالْجرْح مقدم

ص: 291

وَالثَّانِي أَنه غَرِيب وَمَا روينَاهُ مَشْهُور

وَالثَّالِث أَنه مؤول وتأويله أَن التَّمْر كَانَ ملكا ليتيم فَكَانَ نهى شَفَقَة لِأَنَّهُ قرْبَان مَال الْيَتِيم لَا على وَجه الْأَحْسَن وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي فَسَاد البيع وَلَو سلم حمل على بَيْعه نَسِيئَة لما روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نهى عَن بيع الرطب بِالتَّمْرِ نَسِيئَة ق

مَسْأَلَة يجوز بيع اللَّحْم بِالشَّاة عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَعند مُحَمَّد لَا يجوز إِلَّا على وَجه الِاعْتِبَار

وَتَفْسِيره أَن يكون اللَّحْم أَكثر مِمَّا فِي الشَّاة من اللَّحْم ليَكُون لَحمهَا بِمثلِهِ وَالزِّيَادَة بِإِزَاءِ جلدهَا وسقطها وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ رضي الله عنهم لَا يجوز أصلا

لنا نُصُوص جَوَاز البيع وَهَذَا بيع فَيجوز

احْتَجُّوا بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نهى عَن بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ ق وَنهى النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن بيع لحم الشَّاة بِالشَّاة الْحَيَّة

قُلْنَا الحَدِيث الأول (تفرد) بِهِ يزِيد بن مَرْوَان عَن مَالك وَلم يُتَابع عَلَيْهِ

ص: 292

وَالأَصَح انه مُرْسل والمرسل عِنْدهم لَيْسَ بِحجَّة وَأما الرِّوَايَة الثَّانِيَة (فَمَا) عملته أَيْديهم وَلَو سلما كَانَ من الْأَخْبَار الْمُخَالفَة للْكتاب وَالْأَخْبَار الْمَشْهُورَة وَالْأُصُول المتقررة فيردا أَو نحمل الْخَبَر الأول على مَا إِذا كَانَ الْحَيَوَان نَسِيئَة وَاللَّحم (نَقْدا) وَقد رُوِيَ فِيهِ أَنه صلى الله عليه وسلم نهى عَن بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ بنسإ فَهَذَا مُقَيّد وَمَا ذَكرُوهُ مُطلق فَيحمل (الْمُطلق) على الْمُقَيد كَيفَ وَإنَّهُ يجوز بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ على طَرِيق الِاعْتِبَار بِإِجْمَاع بَين أَصْحَابنَا فَصَارَ الحَدِيث مَخْصُوصًا إِن ثَبت

مَسْأَلَة يجوز بيع فلس رائج بفلسين رائجين بأعيانهما عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَعند مُحَمَّد لَا يجوز وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَاتَّفَقُوا على أَنه لَو فقد التَّعْيِين فِي الْجَانِبَيْنِ أَو أَحدهمَا لَا يجوز

لَهما نُصُوص جَوَاز البيع ولمحمد رحمه الله النُّصُوص الدَّالَّة على الرِّبَا

قُلْنَا تصرف الْعَاقِل يجب تَصْحِيحه مَا أمكن وَقد أمكن هَذَا وَلَا رَبًّا لِأَنَّهُ بَاعَ

ص: 293

عدديا بعددين لِأَن الْفُلُوس لَا تعرف إِلَّا بِالْعدَدِ

مَسْأَلَة إِذا اشْترى شَيْئا لم يره جَازَ البيع وَله الْخِيَار اذا رَآهُ وَهُوَ قَول الشّعبِيّ وَالْحسن وَالنَّخَعِيّ وَابْن سِيرِين وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد رضي الله عنهما لَا يَصح أصلا

وَصورته إِذا إشترى جَارِيَة منقبة أَو دَابَّة مُجَللَة أَو درة فِي حق أَو حِنْطَة فِي جوالق أَو عبدا غَائِبا وَعين مَكَانَهُ جَازَ عندنَا خلافًا لَهما

لنا مَا رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من اشْترى شَيْئا وَلم يره فَهُوَ بِالْخِيَارِ اذا رَآهُ ق وَهَذَا يُفِيد ثُبُوت الْخِيَار بِالرُّؤْيَةِ وَلَا يكون ذَلِك إِلَّا فِيمَا يَصح من الْبياعَات وروى أَن طَلْحَة بن عبيد الله اشْترى من (عُثْمَان) أَرضًا بِالْكُوفَةِ فَقيل لطلْحَة قد غبنت لِأَنَّك اشْتريت مَا لم تره وَقيل (لعُثْمَان) قد غبنت لِأَنَّك بِعْت مَا لم تره واختصما الى جُبَير بن مطعم فَأثْبت الْخِيَار لطلْحَة فَدلَّ على الْجَوَاز فَإِن قيل فِي إِسْنَاد الحَدِيث (فَأثْبت) عمر بن ابراهيم الْكرْدِي قَالَ

ص: 294

الدَّارَقُطْنِيّ كَانَ يضع الحَدِيث وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف على ابْن سِيرِين وَلَو سلم فتأويله من أَرَادَ أَن يَشْتَرِي شَيْئا فَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي شِرَائِهِ إِذا رَآهُ أما قبل الرُّؤْيَة فَلَا أَو نعارضه بِمَا نحتج بِهِ وَهُوَ مَا رُوِيَ أَن حَكِيم بن حزَام قَالَ يَا رَسُول الله يأتيني الرجل فيسألني بيع مَا لَيْسَ عِنْدِي فأبيعه مِنْهُ ثمَّ ابتاعه من السُّوق فَقَالَ لَا تبع مَا لَيْسَ عنْدك خَ د وَكلمَة عِنْد للحضرة فَكَانَ نهيا عَن بيع الْغَائِب

وَالْجَوَاب أما حديثنا فقد رَوَاهُ النُّعْمَان بن بشير عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَاحْتج بِهِ الطَّحَاوِيّ وَرَوَاهُ مُحَمَّد فِي كتاب الْمُزَارعَة عَن مُجَاهِد وَطَرِيق الطعْن فِيهِ من حَيْثُ الْإِرْسَال والمرسل حجَّة عندنَا وتأويله على مَا قَالُوا فَاسد لِأَنَّهُ نَص على الشِّرَاء فَلَا يتَنَاوَل إِرَادَة الشِّرَاء وَأما الْمُعَارضَة فحكيم بن حزَام كَانَ يَبِيع مَا لَا يملكهُ ثمَّ يدْخل السُّوق فيشتري وَيسلم فَنَهَاهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن ذَلِك وَمَعْنَاهُ لَا تبع مَا لَيْسَ عنْدك ثمَّ هُوَ خبر وَاحِد ورد على مُخَالفَة النُّصُوص الْوَارِدَة فِي جَوَاز البيع

مَسْأَلَة بيع الْكَلْب الْمعلم والحارس جَائِز وَهُوَ قَول عُثْمَان وَعبد الله بن عَمْرو بن

ص: 295

الْعَاصِ وَابْن عَبَّاس وَجَابِر وَأبي هُرَيْرَة رضي الله عنهم وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد رحمهمَا الله لَا يجوز وعَلى هَذَا الْخلاف يضمن متلفة عندنَا وَفِي ظَاهر الرِّوَايَة يجوز بيع كل ذِي نَاب من السبَاع وَذي مخلب من الطير معلما كَانَ أَو غير معلم وَعَن أبي حنيفَة رحمه الله لَا يجوز بيع الْأسد الْكَبِير وَيجوز بيع الجروة عِنْد بعض أَصْحَابنَا

لنا مَا رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نهى عَن بيع الْكَلْب إِلَّا كلب صيد (أَو) مَاشِيَة ق وَفِي رِوَايَة إِلَّا الْكَلْب الضاري والمعلم ق وَعَن عُثْمَان رضي الله عنه أَنه أوجب فِي إِتْلَاف كلب عشْرين بَعِيرًا وَعَن عَمْرو بن الْعَاصِ بِأَرْبَعِينَ بَعِيرًا

ص: 296

فان قيل الحَدِيث الأول فِي إِسْنَاده الْوَلِيد بن (عبد الله) ضعفه الدَّارَقُطْنِيّ وَالثَّانِي مَوْقُوف على جَابر كَذَا ذكر التِّرْمِذِيّ ثمَّ هُوَ معَارض بِمَا نحتج بِهِ وَهُوَ نهى النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن ثمن الْكَلْب وَكسب (الْحجام) وَمهر البغى وحلوان الكاهن خَ د وَقَالَ صلى الله عليه وسلم شَرّ الْكسْب ثمن الْكَلْب وَإنَّهُ سحت ق فَاقْتضى الْحُرْمَة وروى أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ الْكَلْب خَبِيث وثمنه خَبِيث وَإِذا أَتَاك صَاحب كلب يطْلب ثمنه فاملأ فَمه من تُرَاب خَ د وروى أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الله تَعَالَى إِذا حرم شَيْئا حرم ثمنه

ص: 297

وَالْجَوَاب أما تَضْعِيف الدَّارَقُطْنِيّ فَلَا يقبل إِذا انفر

وَأما الثَّانِي فَقَالَ أَبُو عبد الله الْجِرْجَانِيّ لَا أعرفهُ إِلَّا مَرْفُوعا وَلَا يمْتَنع أَن جَابِرا رَوَاهُ مَرْفُوعا ثمَّ قَالَه بعد ذَلِك توقيفا بِنَاء على الأول وَأما الْأَخْبَار فآحاد وَردت على مُخَالفَة النُّصُوص الْمُطلقَة فِي جَوَاز البيع مَسْأَلَة يجوز بيع الْعقار قبل الْقَبْض عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَهُوَ قَول أَحْمد وَقَالَ مُحَمَّد لَا يجوز وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَاتَّفَقُوا على عدم جَوَاز بيع الْمَنْقُول قبل الْقَبْض وَثَمَرَة الِاخْتِلَاف تظهر فِي طيب ربحه فعندنا يطيب إِذا بَاعَ قبل الْقَبْض خلافًا لَهُم لنا النُّصُوص الْمُطلقَة فِي جَوَاز البيع وَلَهُم مَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نهى عَن بيع مَا لم يقبض خَ د من غير فصل وَمُطلق النَّهْي يَقْتَضِي الْفساد

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم لعتاب بن أسيد لما بَعثه قَاضِيا على مَكَّة انههم عَن بيع مالم يقبضوا (و) ربح مَا لم يضمنوا

ص: 298

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم لحكم بن حزَام إِذا بِعْت شَيْئا فَلَا تبعه حَتَّى تقبضه وَهَذَا عَام كل مَبِيع قُلْنَا أما الحَدِيث الأول فحكاية لفظ الرَّاوِي

وَحَدِيث عتاب المُرَاد مِنْهُ الْمَنْقُول دون الْعقار لِأَن النَّهْي تنَاول أهل مَكَّة وهم كَانُوا يبيعون الْمَنْقُول وَالْبناء دون الأَرْض لِأَن أَرَاضِي مَكَّة محررة عَن التَّمْلِيك فَيَنْصَرِف النَّهْي إِلَى مَا اعتادوه وَكَذَا حَدِيث حَكِيم بن حزَام على أَنَّهَا عرفية وَردت على مُخَالفَة الْكتاب وَقد خص مِنْهَا الممهور والموروث وَالْعَبْد الْمُعْتق وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تمنع

وللمسألة صور مِنْهَا إِذا اشْترى أمة فَولدت بعد الْقَبْض ثمَّ وجد بِالْأُمِّ عَيْبا لم يردهَا بل لَهُ الْأَرْش وَسَوَاء رَضِي البَائِع بِالرَّدِّ أم لَا وَعِنْده يردهَا بِجَمِيعِ الثّمن وَيسلم لَهُ الْوَلَد وَهَذِه الصُّورَة هِيَ الْمَشْهُورَة وَمِنْهَا إِذا اشْترى نخلا بكر تمر فأثمر كرا قبل الْقَبْض فالكر الْحَادِث مَبِيع عندنَا حَتَّى لَو قبضهَا انقسم الثّمن على النَّخْلَة يَوْم العقد وعَلى الْكر يَوْم الْقَبْض ويطيب لَهُ قدر مَا يُصِيبهُ من الثّمن وَيتَصَدَّق بِالْبَاقِي وَعِنْده الثّمن كُله فِي مُقَابلَة النَّخْلَة ويطيب لَهُ الْكر الْحَارِث

ص: 299

لنا قَوْله تَعَالَى {وَحرم الرِّبَا}

وَيرد الْأُم بِدُونِ الْوَلَد بِجَمِيعِ الثّمن لتحَقّق الرِّبَا لِأَنَّهُ يبْقى الْوَلَد مستفادا بِغَيْر مُقَابلَة شَيْء وَله قَوْله صلى الله عليه وسلم الرَّد بِالْعَيْبِ وَالْخَرَاج بِالضَّمَانِ وَهَذَا صَرِيح فِي إِثْبَات الرَّد بِالْعَيْبِ قُلْنَا هَذَا خبر وَاحِد ورد على مُخَالفَة الْكتاب مَسْأَلَة شِرَاء مَا بَاعَ بِأَقَلّ مِمَّا بَاعَ قبل نقد الثّمن الأول لَا يجوز اسْتِحْسَانًا وَهُوَ قَول ابْن الْمسيب وَمَالك وَأحمد وَقَالَ زفر يجوز قِيَاسا وَهُوَ قَول الشَّافِعِي

وَقد تساعدنا على جَوَاز شِرَاء مَا بَاعَ بِأَقَلّ مِمَّا بَاعَ بعد نقد الثّمن وَكَذَا على شِرَاء مَا بَاعَ بعد نقد الثّمن

وَجه الِاسْتِحْسَان مَا رَوَت الغالية بنت أَيفع قَالَت حججْت أَنا وَأم محبَّة قد دَخَلنَا على عَائِشَة رضي الله عنها فَقَالَت لَهَا أم محبَّة ياأم الْمُؤمنِينَ كَانَت لي جَارِيَة وَإِنِّي بعتها من زيد بن أَرقم بثمانمائة دِرْهَم إِلَى عطائه

ص: 300

وَأَنه أَرَادَ بيعهَا فابتعتها مِنْهُ بستمائة دِرْهَم نَقْدا فَقَالَت بئس مَا شريت وَمَا اشْتريت أبلغي زيدا أَن الله قد أبطل جهاده وحجه مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَّا أَن يَتُوب ق

وروى أَن السائلة كَانَت أم ولد زيد بن أَرقم وَأَنَّهَا قَالَت ياأم الْمُؤمنِينَ أَرَأَيْت لَو أخذت رَأس مَالِي فَقَالَت {فَمن جَاءَهُ موعظة من ربه فَانْتهى} ويروى أَن زيدا قَالَ ذَلِك لعَائِشَة وَمَعْلُوم أَن فَتْوَى الصَّحَابِيّ لَا تكون إِلَّا عَن تَوْقِيف

وَسُئِلَ ابْن الْمسيب عَن رجل بَاعَ من رجل طَعَاما إِلَى أجل فَأَرَادَ مُشْتَرِي الطَّعَام أَن يَبِيعهُ بِنَقْد من الَّذِي بَاعه مِنْهُ فَقَالَ سعيد ذَلِك رَبًّا فَإِن قيل الغالية امْرَأَة مَجْهُولَة

وَفِي الحَدِيث مَا يدل على وهنه وَهُوَ (إِلْحَاق) الْوَعيد بزيد بن أَرقم وَلَا شكّ أَنه لم يبلغهُ النَّهْي فَكيف يلْحقهُ الْوَعيد ولعلها قالته بِالِاجْتِهَادِ وَهِي غير معصومة عَن الْخَطَأ قُلْنَا الْعَالِيَة امْرَأَة مَعْرُوفَة جليلة الْقدر روى عَنْهَا ابو حنيفَة وسُفْيَان

ص: 301

وَالْحسن بن صَالح وَمُجاهد وَالشعْبِيّ وفقهاء الْكُوفَة وَذكرهَا ابْن سعد فِي الطَّبَقَات فَقَالَ الغالية بنت أَيفع بن شرَاحِيل امْرَأَة أبي إِسْحَاق السبيعِي سَمِعت من عَائِشَة رضي الله عنها وَخرج عَنْهَا الطَّحَاوِيّ وَغَيره وَعمل بحديثها أهل الْمَدِينَة وَالْعراق حَتَّى قَالَ مَالك وَاحْمَدْ رضي الله عنهما بقولنَا تلقيا بِهَذَا الحَدِيث وهما مقلدان فِي الْبَاب وَأما إِلْحَاق الْوَعيد فَيحْتَمل أَنَّهَا أَرَادَت إِن لم يتب فِي الْمُسْتَقْبل فَيصح من هَذَا الْوَجْه وَأما الِاجْتِهَاد فَمَتَى أمكن حمل قَول الصَّحَابِيّ على وَجه يحصل الصيانة عَن الْخَطَأ حمل على السماع احْتج الشَّافِعِي بالنصوص الناطقة بِجَوَاز البيع وبفعل زيد بن أَرقم

قُلْنَا هِيَ مُعَارضَة بقوله تَعَالَى {وَحرم الرِّبَا} لِأَنَّهُ بيع مَالِيَّة مقدرَة بثمانمائة دِرْهَم وَالْجَارِيَة بستمائة فَخَلا عَن الْعِوَض وَقد خرج الْجَواب عَن فعل زيد

مَسْأَلَة الزِّيَادَة فِي الثّمن والمثمن يَصح ويلتحق بِأَصْل العقد فَيجْعَل كَأَن العقد وَقع عَلَيْهِمَا مَعًا وَهُوَ قَول مَالك

وَقَالَ زفر لَا يَصح ثمنا وَلَا مثمنا بل يَصح هبة مُبتَدأَة حَتَّى لَو اسْتحق الْمَبِيع رَجَعَ المُشْتَرِي بالإصل دون الزِّيَادَة عِنْده وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَاحْمَدْ رَضِي الله عَنْهُمَا

ص: 302

وَعِنْدنَا يرجع بِالْأَصْلِ وَالزِّيَادَة لنا مَا مر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم اشْترى ثوبا وَقَالَ للوزان زن وأرجح والرجحان زِيَادَة فِي الثّمن وَقَالَ صلى الله عليه وسلم الْمُؤْمِنُونَ عِنْد شروطهم ق

وَالْبَائِع شَرط تَسْلِيم الأَصْل مَعَ الزِّيَادَة بِتَقْدِير تَسْلِيم الثّمن إِلَيْهِ وَالْمُشْتَرِي شَرط (تَسْلِيم) الْكل بِتَقْدِير الْفَسْخ فَيجب عَلَيْهِمَا الْوَفَاء بِالشّرطِ وَذَلِكَ بِصِحَّة الزِّيَادَة

وروى سَالم بن أبي الْجَعْد (عَن جَابر بن عبد الله) قَالَ قضى لي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن جمل اشْتَرَاهُ مني وَزَادَنِي

وروى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لأم سَلمَة إِن شِئْت زِدْت لَك فِي الْمهْر وزدت لَهُنَّ يَعْنِي سَائِر نساسه وَلَو لم تجز الزِّيَادَة لما قَالَ ذَلِك إِلَّا أَن هَذِه الْأَخْبَار غَرِيبَة

ص: 303

احْتَجُّوا بالنصوص الْمُحرمَة للربا وَالزِّيَادَة فضل مَال مُسْتَحقّ بِالْعقدِ قُلْنَا هَذَا تصرف يبتنى على ثُبُوت الزِّيَادَة وَهُوَ الثّمن فَإِنَّهُ قَائِم فَلَا رَبًّا مَسْأَلَة إِذا اشْترى الْكَافِر عبدا مُسلما صَحَّ الشِّرَاء وَيجْبر على بَيْعه وَقَالَ مَالك وَاحْمَدْ وَالشَّافِعِيّ رضي الله عنهم لَا يَصح وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا اشْترى مُصحفا يحوز عندنَا لنا النُّصُوص الْمُطلقَة فِي جَوَاز البيع وَلَهُم قَوْله تَعَالَى {وَلنْ يَجْعَل الله للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا} وَقَوله صلى الله عليه وسلم الْإِسْلَام يَعْلُو وَلَا يعلى عَلَيْهِ

وَعَن الزُّهْرِيّ مَضَت السّنة من لدن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين من بعده أَن لَا يَشْتَرِي الْكَافِر مُسلما

قُلْنَا إِثْبَات السَّبِيل إِنَّمَا يكون بِإِثْبَات ولَايَة التَّصَرُّف فِيهِ وَنحن لَا نثبت لَهُ الْملك على وَجه يتَمَكَّن من اسْتِعْمَاله فِي مَصَالِحه وَكَذَا الْجَواب عَن الْأَخْبَار على أَنَّهَا غَرِيبَة فَلَا تعَارض نُصُوص الْكتاب مَسْأَلَة لَا يجوز بيع لبن الآدميات فِي قدح وَهُوَ قَول أَحْمد وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يجوز وَلَا فرق بَين لبن الْحرَّة وَالْأمة عندنَا إِلَّا فِي رِوَايَة عَن أبي يُوسُف أَنه يجوز

ص: 304

بيع لبن الْأمة وعَلى هَذَا الْخلاف لَا يضمن بِالْإِتْلَافِ لنا قَوْله تَعَالَى {وَلَقَد كرمنا بني آدم} وَاللَّبن جُزْء من الْآدَمِيَّة فَلَا يجوز هوانه

وَإِجْمَاع الصَّحَابَة رضي الله عنهم أَيْضا فَإِنَّهُم حكمُوا فِي ولد الْمَغْرُور بالعقر وَقِيمَة الْوَلَد وَلم يحكموا بِضَمَان اللَّبن وَلَو كَانَ جَائِزا لحكموا بِهِ فَإِن قيل لم يُوجد التَّنْصِيص من الْكل وَإِنَّمَا عمر وَعلي رضي الله عنهما هما اللَّذَان حكما بذلك

وَلَو سلمنَا الْإِجْمَاع لَكِن إِنَّمَا لم يحكما بِضَمَان اللَّبن لِانْعِدَامِ الدَّعْوَى لِأَن الْقَضَاء يبتنى على الدَّعْوَى فينعدم لعدمها قُلْنَا لَو كَانَ بَين الصَّحَابَة خلاف لاشتهر لآن السُّكُوت عَن الْبَيَان فِي مَوضِع الْحَاجة لَا يجوز

وَأما الدَّعْوَى فَنَقُول وجدت دلَالَة لِأَن دَعْوَى الأَصْل دَعْوَى التبع فَلَمَّا لم يحكما بِضَمَان اللَّبن عرف أَنه غير وَاجِب احْتَجُّوا بالعمومات الْمُطلقَة لجَوَاز البيع قُلْنَا خص مِنْهَا اللَّبن فِي الضَّرع مَسْأَلَة بيع الْفُضُولِيّ ينْعَقد مَوْقُوفا على إجَازَة الْمَالِك وَعند الشَّافِعِي يَقع لَغوا وَعَن أَحْمد كالمذهبين

ص: 305

وعَلى هَذَا الْخلاف طَلَاقه وعتاقه وإجارته وَنَحْو ذَلِك

لنا مَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم دفع إِلَى عُرْوَة الْبَارِقي دِينَارا فَأمره أَن يَشْتَرِي بِهِ شَاة فَاشْترى شَاتين بِدِينَار ثمَّ بَاعَ إِحْدَاهمَا بِدِينَار وجاءبدينا وشَاة فَقَالَ يارسول الله هَذَا ديناركم وَهَذِه شاتكم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم (اللَّهُمَّ) بَارك لَهُ فِي صَفْقَة (يَمِينه) خَ د

وَلَو لم ينْعَقد البيع لم يجزه النَّبِي صلى الله عليه وسلم لِأَن عُرْوَة كَانَ فضوليا فِي الشَّاة الْمَبِيعَة لِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا بوكالته صلى الله عليه وسلم ثمَّ بَاعهَا بِغَيْر إِذْنه ودعا لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِالْبركَةِ فَلَو كَانَ فَاسِدا لرده

وروينا فِي كتاب النِّكَاح عَن تِلْكَ الْمَرْأَة الَّتِي زَوجهَا أَبوهَا بِغَيْر أمرهَا فَقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم أجيزي مَا صنع أَبوك أمرهَا بِالْإِجَازَةِ وَلَو لم يتَوَقَّف على الْإِجَازَة لما كَانَ بِالْأَمر بِالْإِجَازَةِ فَائِدَة

فَإِن قيل النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَمر عُرْوَة بشرَاء الْأُضْحِية وَهِي تخْتَص بالأنواع الثَّلَاثَة فَلَا يخْتَص ذَلِك بِالشَّاة وَالْوكَالَة لاتصح بِالْمَجْهُولِ وَلَو كَانَ وَكيلا أَيْضا لما سلم الشَّاة الأولى بِغَيْر إِذن مَالِكهَا لِأَنَّهُ حرَام وَلَا يظنّ ذَلِك بالصحابي

ص: 306

على أَنه قد روى فِي سِيَاق الحَدِيث أَنه صلى الله عليه وسلم تصدق بالدينار وَلَو صَحَّ العقد لما تصدق بِهِ لِأَنَّهُ يطيب لَهُ قُلْنَا الصَّحِيح من الرِّوَايَة أَنه أمره بشرَاء شَاة وَلَو أمره بشرَاء الْأُضْحِية قُلْنَا الْأُضْحِية وَإِن اشْتَمَلت على الْأَنْوَاع لَكِن لما قدر الثّمن بالدينار تعيّنت الشَّاة لِأَنَّهُ لَا يصلح لِلْإِبِلِ وَالْبَقر عرفا فَخَرَجَا عَن الْإِرَادَة فَلَا يكون وكَالَة بِالْمَجْهُولِ

وَأما تَسْلِيمهَا بِغَيْر إِذن مَالِكهَا فَإِنَّمَا يحرم ذَلِك إِذا لم يعلم رضَا صَاحبه وَالظَّاهِر هُوَ الرِّضَا لِأَنَّهُ وَسِيلَة إِلَى عرض الشَّاة وَفضل الدِّينَار وَهُوَ أليق بِحَال الرَّاوِي

وَلَو كَانَت الْوكَالَة عَامَّة لاشتهر بهَا عُرْوَة وَلم يشْتَهر بهَا لِأَن كل وَاحِد مِمَّن صَحبه صلى الله عليه وسلم اشْتهر بِشَيْء كَمَا فِي الْكتاب وَالْأَذَان وَنَحْوه

وَأما التَّصَدُّق بالدينار فَلَا تصح هَذِه الزِّيَادَة فِي الحَدِيث لِأَن البُخَارِيّ رَوَاهُ كَمَا روينَاهُ فَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَلم يذكرُوا الزِّيَادَة (وَالزِّيَادَة) إِذا لم يشْتَهر لَا يقبل مَا لم يلْتَحق بِالْأَصْلِ

ص: 307

وَيحْتَمل أَنه صلى الله عليه وسلم تصدق بالدينار لمعان أخر لَا لعدم جَوَاز بيع عُرْوَة احْتَجُّوا بِمَا روى أَنه صلى الله عليه وسلم نهى عَن بيع مَا لَيْسَ عِنْد الْإِنْسَان ت د وَنهى النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن بيع الْغرَر م وَهَذَا غرر

قُلْنَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم نهى عَن بيع الْمَعْدُوم لِأَنَّهُ حَكِيم بن حزَام الَّذِي تقدم فَقَالَ لَا تبع مَا لَيْسَ عنْدك أَي لَا تبع الْمَعْدُوم وَفِيمَا نَحن فِيهِ بخلافة وَلَا نسلم أَنه غرر لِأَنَّهُ يتَوَقَّف على إجَازَة الْمَالِك

مَسْأَلَة المُشْتَرِي من الْغَاصِب إِذا أعتق العَبْد الْمُشْتَرى ينفذ إِعْتَاقه مَوْقُوفا على إجَازَة الْمَالِك عِنْد أبي حنيفَة وابي يُوسُف اسْتِحْسَانًا وَعند مُحَمَّد وَزفر لَا يَصح أصلا قِيَاسا وَلَا يتَوَقَّف وَقيل مُحَمَّد مَعَ أبي يُوسُف وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا اشْترى من الْفُضُولِيّ

لنا قَوْله صلى الله عليه وسلم أَيّمَا رجل مُسلم أعتق مُسلما فَإِن الله تَعَالَى يعْتق بِكُل عُضْو مِنْهُ عضوا من النَّار د إِلَى غير ذَلِك من النُّصُوص إِلَّا أَنه ترك قبل الْإِجَازَة حَقًا للْمَالِك فَإِذا أجَاز جَازَ

ص: 308

وَجه قَول مُحَمَّد وَزفر قَوْله صلى الله عليه وسلم لاعتق فِيمَا لَا يملك ابْن آدم د قُلْنَا لم قُلْتُمْ إِنَّه لم يملك هذاالعتق بل ثَبت عِنْد الْملك فَيجوز

مَسْأَلَة إِذا بَاعَ بِشَرْط الْأَجَل إِلَى وَقت الْحَصاد أَو الدياس أَو إِلَى قدوم الْحَاج ثمَّ حذف الْأَجَل قبل أَوَان الْحَصاد والدياس والقدوم انْقَلب العقد جَائِزا وَقَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ لَا يَنْقَلِب جَائِزا

وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا بَاعَ بِشَرْط الْخِيَار أَرْبَعَة أَيَّام ثمَّ حذف الْخِيَار قبل مُضِيّ ثَلَاثَة أَيَّام انْقَلب العقد جَائِزا خلافًا لَهما وَقَوْلنَا اسْتِحْسَان وقولهما قِيَاس

وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ فَقَالَ مَشَايِخ الْعرَاق العقد فَاسد وبالإسقاط يَنْقَلِب جَائِزا وَقَالَ مَشَايِخ خُرَاسَان العقد مَوْقُوف فَإِن أسقط الْمُفْسد صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ الْأَصَح لنا النُّصُوص الْمُطلقَة فِي جَوَاز البيع وروى أَن ابْن مَسْعُود اشْترى جَارِيَة من امْرَأَته على أَنه إِن أَرَادَ بيعهَا لم يبعها إِلَّا مِنْهَا وَلَهُم النُّصُوص الدَّالَّة على عدم جَوَاز البيع الْفَاسِد وَهَذَا فَاسد مَسْأَلَة إِذا اشْترى الرّجلَانِ عبدا صَفْقَة وَاحِدَة على أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ فِيهِ فَلَيْسَ قُلْنَا الْمُفْسد سقط قبل تقرره فَلَا فَسَاد لأَحَدهمَا أَن ينْفَرد بِالرَّدِّ عِنْد أبي حنيفَة رحمه الله وَقَالا وَالشَّافِعِيّ ينْفَرد

ص: 309

وعَلى هَذَا الْخلاف الرَّد بِخِيَار الرُّؤْيَة وَخيَار الْعَيْب لنا قَوْله تَعَالَى {أَوْفوا بِالْعُقُودِ} وَمَا فِي مَعْنَاهُ من النُّصُوص

احْتَجُّوا بِمَا روينَا من قَوْله صلى الله عليه وسلم من اشْترى شَيْئا وَلم يره فَلهُ الخيارإذا رَآهُ وَعدم الرُّؤْيَة مُخْتَلف فِيهِ وَقَوله صلى الله عليه وسلم الْمُتَبَايعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا خَ د أَي كل وَاحِد مِنْهُمَا قُلْنَا هَذِه أَخْبَار آحَاد وَردت على مُخَالفَة الْكتاب فَترد

مَسْأَلَة إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ فِي قدر الثّمن أَو جنسه والسلعة هالكة فِي يَد المُشْتَرِي لَا يَتَحَالَفَانِ وَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي مَعَ يَمِينه عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف

وَقَالَ مُحَمَّد يَتَحَالَفَانِ وَيرد المُشْتَرِي قيمَة الْمَبِيع الْهَالِك وَيرد البَائِع الثّمن الْمَأْخُوذ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَعَن مَالك وَاحْمَدْ كالمذهبين وَاتَّفَقُوا على أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ حَال قيام السّلْعَة لنا قَوْله ص الْبَيِّنَة على من ادّعى وَالْيَمِين على من أنكر خَ د

ص: 310

جعل الْيَمين حجَّة الْمُنكر وَالْبَائِع لَيْسَ بمنكر فَلَا تكون الْيَمين حجَّة لَهُ وَكَذَا المُشْتَرِي لَيْسَ بمدع لِأَن العقد حَقه وَقد سلم لَهُ الْمَبِيع

احْتَجُّوا بقوله صلى الله عليه وسلم إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ تحَالفا وترادا حد من غير فصل بَين قيام السّلْعَة وهلاكها قُلْنَا (كل) الْأَخْبَار ضِعَاف فِي هَذَا الْبَاب

وَلَو سلمت فَالْمُرَاد مِنْهُ حَال قيام السّلْعَة وَقد روى مُفَسرًا كَذَلِك ق لِأَن ردهَا بعد الْهَلَاك لَا يُمكن فَيحمل عَلَيْهِ مَسْأَلَة خِيَار الْمجْلس لَا يثبت وَهُوَ قَول مَالك وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ يثبت لنا قَوْله صلى الله عليه وسلم الْمُؤْمِنُونَ عِنْد شروطهم وَمن حكم الْإِيمَان الْوَفَاء بِالشّرطِ

وَعَن عمر رضي الله عنه أَنه قَالَ إِن النَّاس قَائِلُونَ غَدا مَاذَا صنع عمر إِن البيع صَفْقَة أَو خِيَار والمؤمنون عِنْد شروطهم احْتَجُّوا بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ الْمُتَبَايعَانِ بِالْخِيَارِ مالم يفترقا خَ د

ص: 311

وَالْمرَاد بِهِ التَّفَرُّق بالأبدان بِدَلِيل أَن ابْن عمر رضي الله عنه كَانَ إذاباع يمشي خطوَات يقْصد بِهِ إِلْزَامه ويروى أَنه كَانَ يمشي عَن الْمَكَان الَّذِي تعاقدا فِيهِ وَابْن عمرهو رَاوِي الحَدِيث فَكَانَ أعلم بتأويله وَلَا يُقَال إِنَّه مَحْمُول على المساومين لِأَنَّهُ يبطل هَذِه الرِّوَايَة

وَلَا يُقَال بعد الْفَرَاغ من العقد بَائِع مجَازًا لأَنا نقُول هُوَ بَائِع حَقِيقَة لِأَن البيع قَائِم شرعا

وَلَا يُقَال هُوَ خبر وَاحِد ورد فِيمَا تعم بِهِ الْبلوى فَلَا يقبل لآنا نقُول هُوَ خبر الْعدْل وَعَن الْعدْل فَيجب قبُوله على أَنه فِيمَا لَا تعم بِهِ الْبلوى لِأَن الْأَزْمَان المتوالية تمْضِي وَلَا تحْتَاج إِلَى خِيَار الْمجْلس

ثمَّ قد أسقطتم الْقِرَاءَة عَن الْمُقْتَدِي وأوجبتم الْوتر بأخبار الْآحَاد وكل ذَلِك مِمَّا تعم بِهِ الْبلوى

قُلْنَا لَا كَلَام فِي أَنه خبر وَاحِد فَلم زعم الْخصم أَنه حجَّة وَرِوَايَة الْعدْل لَهُ لَا تخرجه عَن كَونه خبر وَاحِد لِأَن صدق الرَّاوِي مظنون وَقد أكد هَذَا أَن الصَّحَابَة رضي الله عنهم اخْتلفُوا فِي الْمَسْأَلَة وَلم يحْتَج أحد مِنْهُم بِالْحَدِيثِ وَكَذَا عُلَمَاء التَّابِعين حَتَّى رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن نَافِع عَن ابْن عمر وَلم يعْمل بِهِ مَالك وَكَانَ إِذا سُئِلَ عَنهُ يَقُول رَأَيْت النَّاس على خِلَافه

ص: 312

حَتَّى قَالَ بَعضهم إِنَّه مَنْسُوخ لهَذَا على أَن التَّفَرُّق يحْتَمل الْأَبدَان وَيحْتَمل الْأَقْوَال فَلَا يكون حجَّة وَأما الزِّيَادَة الْمُتَعَلّقَة بِالْمَكَانِ فَلم ينْقل (نقل) الأَصْل فَلَا يقبل

وَلَو سلم حمل على خِيَار الْقبُول وَمَعْنَاهُ كل من أوجب مِنْهُمَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ رَجَعَ عَن إِيجَابه وَإِن شَاءَ أَقَامَ عَلَيْهِ مالم يقبل الآخر فَيبقى حِينَئِذٍ هَذَا الْخِيَار مَسْأَلَة خِيَار الشَّرْط لَا يُورث وَقَالَ الشَّافِعِي رضي الله عنه يُورث

وَصُورَة الْمَسْأَلَة إِذا بَاعَ أَو اشْترى على أَنه بِالْخِيَارِ ثمَّ مَاتَ فِي مُدَّة الْخِيَار لزم العقد عندنَا حَتَّى لَا يتَخَيَّر الْوَارِث بَين فسخ العقد وإمضائه وَعِنْده يتَخَيَّر الْوَارِث وَلَا يلْزم العقد

لنا مَا مر من قَوْله صلى الله عليه وسلم لَا يحل مَال امرىء مُسلم إِلَّا بِطيبَة من نَفسه إِلَى غير ذَلِك من النُّصُوص وَله قَوْله صلى الله عليه وسلم من ترك مَالا أَو حَقًا فلورثته مُقْتَضَاهُ إِجْرَاء

ص: 313

الْإِرْث للْوَارِث

قُلْنَا الحَدِيث غَرِيب وَلَو اشْتهر فَلَا نسلم أَنه ترك حَقًا لِأَن الْخِيَار مَشِيئَة والمشيئة لَا يجْرِي فِيهَا الْإِرْث مَسْأَلَة خِيَار المُشْتَرِي يمْنَع دُخُول الْمَبِيع فِي ملكه عِنْد أبي حنيفَة رحمه الله وَعِنْدَهُمَا لَا يمْنَع وعَلى هَذَا الْخلاف خِيَار البَائِع يمْنَع دُخُول الثّمن فِي ملكه عِنْده خلافًا لَهما

وَفَائِدَة الْخلاف أَنه لَو اشْترى قَرِيبه أَو زَوجته لَا يعْتق وَلَا يَنْفَسِخ النِّكَاح أَو كَانَ المُشْتَرِي جَارِيَة وردهَا فِي مُدَّة الْخِيَار لَا يجب الِاسْتِبْرَاء على البَائِع أَو اشْترى شَيْئا على أَنه بِالْخِيَارِ فأودعه البَائِع فَهَلَك فِي مُدَّة الْخِيَار يهْلك على البَائِع وَيسْقط الثّمن عَنهُ عِنْده خلافًا لَهما لَهُ مَا مر من نَهْيه صلى الله عليه وسلم عَن بيع وَشرط م

والْحَدِيث يَنْفِي ثُبُوت الْملك بِالْعقدِ كمن اشْترى قَرِيبه بِشَرْط الْخِيَار لِأَنَّهُ لَو ملكه عتق عَلَيْهِ وَفَائِدَة اشْتِرَاط الْخِيَار مَا ذكرنَا لَهما النُّصُوص المجوزة للْبيع قُلْنَا ثُبُوت الْملك فِي الْمَبِيع حكم الْقبُول وَالْخيَار يمْنَع مِنْهُ مَسْأَلَة الْمَشْرُوط لَهُ الْخِيَار لَا يملك الْفَسْخ بِدُونِ حَضْرَة صَاحبه عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد

ص: 314

وَقَالَ أَبُو يُوسُف يملك الْفَسْخ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي

ونعني بالحضور الْعلم حَتَّى لَو فسخ العقد بِحَضْرَة صَاحبه وَلم يعلم بذلك لَا ينفذ الْفَسْخ وَلَو فسخ مَعَ غيبته وبلغه الْخَبَر بعد الْفَسْخ

لَهما قَوْله تَعَالَى {إِلَّا أَن تكون تِجَارَة عَن ترَاض مِنْكُم} وَلم يُوجد التَّرَاضِي حَال وجود الفسح

وَلأبي يُوسُف الْمَعْنى وَهُوَ أَن الْخِيَار شرع لدفع الْغبن فَلَو اعْتبر حُضُور صَاحبه فَاتَ الْغَرَض لِأَنَّهُ رُبمَا تغيب فِي مُدَّة الْخِيَار حَتَّى تَنْقَضِي الْمدَّة فَيلْزم العقد قُلْنَا إِلَّا أَن فِيهِ ضَرَرا على الآخر فَلَا يجوز مَسْأَلَة وَطْء الثّيّب يمْنَع الرَّد بِالْعَيْبِ وَقَالَ الشَّافِعِي رضي الله عنه لَا يمْنَع

لنا إِجْمَاع الصَّحَابَة كعمر وَعلي وَابْن عمر وَزيد بن ثَابت رضي الله عنهم فَإِنَّهُم قَالُوا يردهَا وَيرد مَعهَا عشر قيمتهَا إِن كَانَت بكرا وَنصف عشر قيمتهَا إِن كَانَت ثَيِّبًا فقد اتَّفقُوا على أَن الْوَطْء يعيب فَيمْنَع الرَّد فَإِن قالواا فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يُوجب الضَّمَان قُلْنَا جوزه عمر وَمن وَافقه فِي الْمَسْأَلَة فَالْحَاصِل أَنهم اتَّفقُوا على أَنَّهَا لَا ترد بِغَيْر شَيْء أصلا وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ وَللشَّافِعِيّ نُصُوص تَفْرِيق الصَّفْقَة وَقد مر الْجَواب هُنَاكَ

ص: 315

مَسْأَلَة الْمُسلم إِذا وكل ذِمِّيا بشرَاء الْخمر جَازَ عِنْد أبي حنيفَة خلافًا لصاحبيه وللباقين

لَهُ نُصُوص جَوَاز البيع وَجَوَاز صِحَة التَّوْكِيل فِي غير الْخمر إِنَّمَا كَانَ بِاعْتِبَار التَّخْلِيل أَو الإراقة تقربا إِلَى الله تَعَالَى وَهُوَ مَوْجُود فَيصح وَلَهُم قَوْله تَعَالَى {وَلَا تتبدلوا الْخَبيث بالطيب} قُلْنَا هَذَا لَيْسَ باستبدال على الْمَعْنى الَّذِي أشرناإليه

مَسْأَلَة الْوَكِيل بِالْبيعِ الْمُطلق إِذا بَاعَ بِغَبن فَاحش أَو بِالْعرضِ أَو إِلَى أجل غير مُتَعَارَف نفذ على الْمُوكل عِنْد أبي حنيفَة رحمه الله وَكَذَا يملك البيع بِمَا عز وَهَان وَقَالَ صَاحِبَاه لَا ينفذ وَهُوَ قَول البَاقِينَ لَهُ نُصُوص جَوَاز البيع لَهُم مَا روينَاهُ من قَوْله صلى الله عليه وسلم لَا يحل مَال امرىء مُسلم إِلَّا بِطيبَة من نَفسه وَلم يُوجد الرِّضَا قُلْنَا الْمُوكل وَكله بِالْبيعِ الْمُطلق وَقد أَتَى بِهِ فَينفذ على الْمُوكل كَمَا لَو بَاعَ بِثمن الْمثل

مَسْأَلَة حُقُوق العقد ترجع إِلَى الْوَكِيل فِي بَاب البيع وَهُوَ الْعَاقِد حَتَّى يملك الْوَكِيل قبض الثّمن وَتَسْلِيم الْمَبِيع وَيرد عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ دون الْمُوكل

ص: 316

وَقَالَ الشَّافِعِي رضي الله عنه إِلَى الْمُوكل

لنا مَا روينَا من قَوْله صلى الله عليه وسلم الْمُؤْمِنُونَ عِنْد شروطهم وَالْوَكِيل شَرط على نَفسه الْحُقُوق أَي الْتزم

وَحَدِيث حَكِيم بن حزَام فَإِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا وَكله بِالشِّرَاءِ وَلم يُوكله بِالْقَبْضِ وَلَو لم يرجع الْحُقُوق إِلَيْهِ لَكَانَ الْقَبْض حَرَامًا وَقد اجاز النَّبِي صلى الله عليه وسلم فعله

احْتج الشَّافِعِي رضي الله عنه بقوله تَعَالَى {مَا على الْمُحْسِنِينَ من سَبِيل} وَالْوَكِيل محسن بِالْبيعِ فَلَا سَبِيل عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يتَضَرَّر والحرج منفي عَنهُ قُلْنَا هُوَ أضَاف العقد إِلَى نَفسه فتتعلق الْحُقُوق بِهِ كَمَا لَو عقد لنَفسِهِ

مَسْأَلَة المُشْتَرِي إِذا أفلس أَو مَاتَ مُفلسًا قبل نقد الثّمن لَا يثبت للْبَائِع حق الْفَسْخ وَيكون لَهُ إسوة الْغُرَمَاء

وَقَالَ الشَّافِعِي رضي الله عنه إِذا وجد الْمَبِيع بِعَيْنِه يثبت لَهُ حق الْفَسْخ وَوَافَقَهُ أَحْمد رضي الله عنه فِي الْحَيَاة ووافقنا فِي الْمَوْت

وَاتَّفَقُوا على أَن الْعَجز عَن تَسْلِيم الْمَبِيع يُوجب حق الْفَسْخ وَكَذَا الْعَجز عَن تَسْلِيم الْمُسلم فِيهِ بِانْقِطَاع الْمثل عَن أَيدي النَّاس

لنا قَوْله صلى الله عليه وسلم أَيّمَا رجل بَاعَ سلْعَة فأدركها عِنْد رجل قد أفلس فَهُوَ مَاله بَين غُرَمَائه ق من غير استفسار فَإِن قيل فَفِي إِسْنَاده إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش ضَعِيف وَهُوَ مُرْسل

ص: 317

قُلْنَا قد وَثَّقَهُ احْمَد والمرسل حجَّة عندنَا وَقد احْتج بِهِ الْجَصَّاص والرازي وأسنداه

وروى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بَاعَ على معَاذ مَاله وقسمه بَين غُرَمَائه بِالْحِصَصِ حَتَّى لم يبْق لِمعَاذ شَيْء ق وَلم يستفسر هَل للْبَائِع سلْعَة قَائِمَة أم لَا

وروى أَن عمر رضي الله عنه قَالَ إِن أسيفع جُهَيْنَة قد رَضِي من دينه وأمانته أَن يُقَال قد سبق الْحَاج فادان معرضًا فَأصْبح وَقد رين بِهِ أَلا من كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دين فليفد فَإِنِّي بَائِع مَاله وقاسمه بَين غُرَمَائه فَلَو ثَبت حق الفسح لوَجَبَ رد الْمَبِيع إِلَى البَائِع

احْتج الشَّافِعِي رضي الله عنه بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من وجد عين مَاله عِنْد رجل قد أفلس فَهُوَ أَحَق بِهِ مِمَّن سواهُ خَ م

وروى أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ من وجد مَتَاعه عِنْد مُفلس بِعَيْنِه فَهُوَ أَحَق بِهِ حد

ص: 318

وعندكم لَا يكون أَحَق بِهِ

قُلْنَا الحَدِيث الأول رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة رضي الله عنه وَقد روى خِلَافه وَهُوَ حديثنا الأول وَمَتى اخْتلفت الرِّوَايَة أوجبت وَهنا فِي الحَدِيث وَأما الثَّانِي فَفِي إِسْنَاده عمر بن ابراهيم قَالَ أَبُو حَاتِم لَا يحْتَج بحَديثه

فَإِن قَالُوا الْعلَّة ظَنّه الْكرْدِي وَذَلِكَ كَذَّاب إِنَّمَا هُوَ عمر بن ابراهيم الْعَبْدي قَالَ ابْن معِين هُوَ ثِقَة قُلْنَا جرح أبي حَاتِم مقدم على تَعْدِيل غَيره

مَسْأَلَة إِذا بَاعَ نفس العَبْد مِنْهُ بِجَارِيَة أَو أعْتقهُ على جَارِيَة ثمَّ اسْتحقَّت أَو ردَّتْ بِعَيْب رَجَعَ الْمولى على العَبْد بِقِيمَتِه لَا بِقِيمَة الْجَارِيَة عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف

وَقَالَ مُحَمَّد يرجع عَلَيْهِ بِقِيمَة الْجَارِيَة لَا بِقِيمَة العَبْد وَهُوَ قَول أبي حنيفَة أَولا وَمذهب الشَّافِعِي

لَهما النُّصُوص الدَّالَّة على وجوب رد الْمَأْخُوذ وَقد تعذر وجوب رد العَبْد فَيجب رد الْمَالِيَّة ولمحمد النُّصُوص الْمُوجبَة للوفاء بالعهد ورد الْجَارِيَة من لَوَازِم ذَلِك يجب قُلْنَا العَبْد بدل عَن الْجَارِيَة وَقد عجز عَن التَّسْلِيم فيصار إِلَى الْقيمَة مَسْأَلَة إِذا اشْترى شَاة أَو بقرة فَوَجَدَهَا محفلة لَا يسْتَحق ردهَا

ص: 319

وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ رضي الله عنهما يسْتَحق ردهَا وَيرد مَعهَا صَاعا من تمر ويمسك مَا حلبه من لَبنهَا

وَصورته إِذا صر ضرع شاته حَتَّى اجْتمع لَبنهَا فظنها المُشْتَرِي غزيرة اللَّبن ثمَّ ظهر خِلَافه ولقبها الْمُصراة

لنا النُّصُوص الْمَانِعَة من تَفْوِيت حق البَائِع فِي الْعِوَض وإعادة ملكه فِي الشَّاة من غير رِضَاهُ

احْتَجُّوا بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من اشْترى شَاة مصراة فَهُوَ بِخَير النظرين بعد أَن يحلبها إِن رضيها أمْسكهَا وَإِن سخطها ردهَا وصاعا من تمر خَ م

قُلْنَا الحَدِيث خبر وَاحِد ورد على مُخَالفَة الْكتاب وَالْأُصُول الْمجمع عَلَيْهَا لِأَن الْكتاب يخبر أَن الشَّيْء يضمن بِمثلِهِ وَكَذَا الْأُصُول وَاللَّبن مثلي والْحَدِيث ينْطق بتضمين اللَّبن بِصَاع من تمر وهما جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ فلايجوز

ثمَّ فِيهِ ذكر الصَّاع مُطلقًا وَلَا يُمكن الْعَمَل بِهِ لِأَن المُشْتَرِي يَأْتِي بِأَيّ تمر شَاءَ جيد أَو رَدِيء أَو وسط وَالْبَائِع يطْلب تَمرا يتَعَلَّق بِهِ غَرَضه فتتحقق الْمُنَازعَة فَإِن أخبروا عَن هَذَا وأوجبوا رد عين اللَّبن إِذا كَانَ قَائِما فقد خالفوا الحَدِيث وعَلى أَن رِوَايَة أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه وَلم يكن من فُقَهَاء الصَّحَابَة وَقد أنكر

ص: 320

عَلَيْهِ عَليّ وَعَائِشَة رضي الله عنهما كَثْرَة الرِّوَايَة وَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس أَنَتَوَضَّأُ من الْحَمِيم

مَسْأَلَة إِذا بَاعَ بِشَرْط الْبَرَاءَة من كل عيب صَحَّ الشَّرْط وَلَيْسَ لَهُ أَن يردهُ بِعَيْب إِن وجده بِالْمَبِيعِ

وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ رضي الله عنهما الشَّرْط بَاطِل حَتَّى لَو ظهر على عيب قديم كَانَ لَهُ خِيَار الرَّد لنا نُصُوص الْوَفَاء بالعهد وَقَالَ صلى الله عليه وسلم الْمُؤْمِنُونَ عِنْد شروطهم فَلَا يجوز الْفَسْخ إِلَّا بِرِضَاهُ احْتَجُّوا بِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قضى بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ قُلْنَا هُوَ حِكَايَة حَال فَيحْتَمل أَنه صلى الله عليه وسلم فعل فِي حَال لم يُوجد شَرط الْبَرَاءَة من الْعُيُوب وَفِي حَال وجد فَلَا يبْقى حجَّة

ص: 321

= كتاب السّلم = مَسْأَلَة السّلم الْحَال لَا يجوز وَهُوَ السّلم بِغَيْر أجل وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز وَعَن مُحَمَّد أَن أقل الْآجَال فِي بَاب السّلم شهر

وَقَالَ الْكَرْخِي ينظر ألى الْمدَّة وَإِلَى الْمَعْقُود عَلَيْهِ فِي عرف النَّاس إِن أمكن تَحْصِيله فِي تِلْكَ الْمدَّة جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ الْأَصَح

لنا قَوْله صلى الله عليه وسلم من أسلم مِنْكُم فليسلم فِي كيل مَعْلُوم وَوزن مَعْلُوم إِلَى أجل مَعْلُوم خَ م

فَإِن قيل فِيهِ بَيَان الْجَوَاز مَعَ الْأَجَل وَلَيْسَ فِيهِ نفي الْجَوَاز بِدُونِهِ فَكَانَ تعلقا (بمسكوت) عَنهُ

قُلْنَا (صيغته) للنَّفْي بِدُونِهِ كمن قَالَ من أَرَادَ مِنْكُم أَن يدْخل دَاري فَلْيدْخلْ غاض ابصر وَهَذَا نفي (للدخول) بِدُونِ غض الْبَصَر فَكَذَا هَذَا احْتج بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم رخص فِي السّلم

جوز النَّبِي صلى الله عليه وسلم (جنس) اسْلَمْ لِأَنَّهُ أَدخل فِيهِ الْألف وَاللَّام فَيتَنَاوَل السّلم

ص: 322

الْحَال وَالسّلم بِأَجل قُلْنَا لَا نسلم أَنه سلم حَقِيقَة بل مجَاز مَسْأَلَة السّلم فِي الْمُنْقَطع لَا يجوز وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ رضي الله عنهما يجوز مُؤَجّلا إِلَى حِينه وَصورته أَن يسلم فِي الرطب أَو الرُّمَّان شتاء

وَلَو كَانَ مَوْجُودا عِنْد العقد وَعند الْمحل لكنه يَنْقَطِع فِيمَا بَين ذَلِك فقد اخْتلف أَصْحَابنَا فِيهِ وَالأَصَح أَنه لَا يجوز مالم يكن الْوُجُود مستمرا لنا قَوْله صلى الله عليه وسلم لَا تبع مَا لَيْسَ عنْدك

وَنَهْيه صلى الله عليه وسلم عَن بيع النّخل حَتَّى يزهو قيل وَمَا يزهو قَالَ حَتَّى يحمر أَو يصفر د

وَنهى عَن بيع الْعِنَب حَتَّى يسود وَعَن بيع الْحبّ حَتَّى يشْتَد ت وَالْمُسلم فِيهِ لَيْسَ كَذَلِك لانقطاعه عَن النَّاس

وَلَهُمَا مَا روى ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لما قدم الْمَدِينَة وهم يسلفون فِي الثِّمَار الْعَام والعامين فَقَالَ من أسلم مِنْكُم فليسلم فِي كل مَعْلُوم وَوزن مَعْلُوم إِلَى أجل مَعْلُوم خَ م

ص: 323

قررهم النَّبِي صلى الله عليه وسلم على ذَلِك وَمَعْلُوم ان الثِّمَار لَا تبقى إِلَى هَذِه الْمدَّة وَمَعَ ذَلِك أجَازه وَرخّص النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي السّلم مُطلقًا قُلْنَا الحَدِيث مَحْمُول على الثِّمَار الْيَابِسَة وَهُوَ أشبه لِأَنَّهَا تبقى مُدَّة مديدة وَأما الرُّخْصَة فِي السّلم (فَخص) عَنهُ الْمُنْقَطع كَذَا الْمُجْمل وَالْعَام فَيجوز تَخْصِيص الْبَاقِي بِالْقِيَاسِ وَالتَّرْجِيح مَعنا لِأَنَّهُ محرم وَمَا رووا مُبِيح

مَسْأَلَة السّلم فِي الْحَيَوَان لَا يجوز وَإِن بَين أَوْصَافه وَهُوَ قَول عمر وَعلي وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَحُذَيْفَة وسلمان رضي الله عنهم وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ رضي الله عنهما يجوز إِذا بَين جنسه ونوعه وسنه وَوَصفه وعَلى هَذَا الْخلاف استقراض الْحَيَوَانَات لَا يجوز عندنَا خلافًا لَهما

لنا مَا روى ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نهى عَن السّلم فِي الْحَيَوَان ق وَالْمُسلم فِي الْحَيَوَان لَيْسَ إِلَّا بَيْعه نَسِيئَة فَإِن قيل فِي إِسْنَاده عبد الملك الذمارِي ضعفه أَو زرْعَة قُلْنَا قد وَثَّقَهُ الفلاس

ص: 324

وَعَن ابْن مَسْعُود أَنه دفع مَالا إِلَى زيد بن خليدة مُضَارَبَة فأسلمه إِلَى عتريس بن عرقوب فِي قَلَائِص مَعْلُومَة فَقَالَ لَهُ ابْن مَسْعُود ارْدُدْ إِلَيْنَا مالنا لَا نسلم مالنا فِي الْحَيَوَان

وَعَن عمر رضي الله عنه أَنه قَالَ فِي خطبَته إِن آخر آيَة نزلت من الْقُرْآن آيَة الرِّبَا وَتُوفِّي النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلم يبينها لنا وَإِن من الرِّبَا ابوابا لَا يكدن يخفين على أحد مِنْهَا السّلم فِي السن أَي فِي الْحَيَوَان وَلم يرد بِهِ عين السن لِأَن بَيْعه غير مُعْتَاد وَالْمرَاد بقوله آخر آيَة نزلت أَي فِي الْأَحْكَام

احْتَجُّوا بِمَا روى عَن (عمر بن حريش) قَالَ سَأَلت عبد الله بن عَمْرو ابْن الْعَاصِ فَقلت إِنَّا بِأَرْض لَيْسَ بهَا دِينَار وَلَا دِرْهَم وَإِنَّمَا نتبايع بِالْإِبِلِ وَالْغنم إِلَى أجل فَمَا ترى فِي ذَلِك فَقَالَ على الْخَبِير سَقَطت جهز رَسُول الله صلى الله عليه وسلم جيشنا على إبل الصَّدَقَة (حَتَّى نفذت وَبَقِي أنَاس فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم اشْتَرِ لنا إبِلا بقلائص من إبل الصَّدَقَة) إِذا جَاءَت حَتَّى نؤديها إِلَيْهِم فاشتريت الْبَعِير بالاثنين وَالثَّلَاث فَأدى النَّبِي صلى الله عليه وسلم حد

ص: 325

عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ أَمرنِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن أبتاع الْبَعِير بالبعيرين وبالأبعرة إِلَى خُرُوج الْمُصدق جد

وروى أَنه صلى الله عليه وسلم اسْتقْرض بكرا ورد رباعيا وَالْخلاف فِي السّلم والاستقراض وَاحِد وروى أَن عليا رضي الله عنه بَاعَ بَعِيرًا يُقَال لَهُ (عصيفيرا) بِعشْرين بَعِيرًا وَنَحْوه عَن ابْن عمر

قُلْنَا إِنَّمَا جَازَ ذَلِك بطرِيق الضَّرُورَة وَهِي تجهيز الجيوش وَللْإِمَام ولَايَة أَخذ المَال على هَذَا الْوَجْه وَكَذَا نقُول فِي الْآثَار على أَنَّهَا مُعَارضَة بِمَا روينَا ويترجح مَا روينَا لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن مَا روينَاهُ محرم وَالثَّانِي (يحْتَمل) إِن ذَلِك قبل نزُول آيَة الرِّبَا وَالله أعلم

ص: 326

= كتاب الصّرْف = مَسْأَلَة الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير لَا يتعينان فِي عُقُود الْمُعَاوَضَات وفسوخها وَقَالَ زفر يتعينان وَهُوَ قَول الشَّافِعِي رضي الله عنه وَثَمَرَة الْخلاف تظهر فِي مسَائِل

مِنْهَا إِذا اشْترى شَيْئا بِدَرَاهِم مُعينَة بِأَن قَالَ اشْتريت بِهَذِهِ الدَّرَاهِم وَأَشَارَ إِلَيْهَا هَل لَهُ أَن يمسك تِلْكَ الدَّرَاهِم وَيدْفَع غَيرهَا عندنَا لَهُ ذَلِك وَلَو هَلَكت لَا يَنْفَسِخ العقد أَيْضا عندنَا وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لَهُ ذَلِك وينفسخ العقد

وَمِنْهَا إِذا أفلس المُشْتَرِي لَا يكون البَائِع أَحَق بِهَذِهِ الدَّرَاهِم بِأَن يكون أُسْوَة الْغُرَمَاء عندنَا وَعِنْدَهُمَا البَائِع أَحَق بهَا وَاتَّفَقُوا على أَنَّهُمَا تتَعَيَّن فِي الودائع والغصوب والأمانات وَنَحْوهَا

لنا مَا روينَا من نَهْيه صلى الله عليه وسلم عَن بيع الْغرَر م وَهَذَا غرر بِتَقْدِير التَّعْيِين لِأَن فِيهِ خطر الِانْفِسَاخ بِهَلَاك الْعين قبل الْقَبْض

لَهما قَوْله تَعَالَى {أَوْفوا بِالْعُقُودِ} وَتَسْلِيم الدَّرَاهِم الْمعينَة وَفَاء بِالْعقدِ فَيجب تَسْلِيمهَا وَذَلِكَ بتعيينها

ص: 327

وَقَوله صلى الله عليه وسلم لَا تَبِيعُوا الذَّهَب بِالذَّهَب إِلَى قَوْله عينا بِعَين وَلَو لم يشْتَرط التَّعْيِين لخلا عَن الْفَائِدَة

قُلْنَا التَّعْيِين بِغَيْر مُقْتَضى العقد لِأَن مُقْتَضَاهُ وجود الدَّرَاهِم فِي الذِّمَّة لما بَينا فَجعل الْوَفَاء بِالْعقدِ على هَذَا الْوَجْه وَهُوَ الْجَواب عَن الحَدِيث وَالله أعلم

ص: 328

= كتاب الشُّفْعَة = مَسْأَلَة الشُّفْعَة تسْتَحقّ بِأَسْبَاب ثَلَاثَة على ثَلَاث مَرَاتِب بِسَبَب الشّركَة فِي عين الْمَبِيع وَحُقُوق الْمَبِيع كالشرب وَالطَّرِيق وَجَوَاز الِاتِّصَال حَتَّى تثبت للْجَار الملاصق وَالشَّرِيك فِي الطَّرِيق وَهَذَا قَول عمر وَعلي وَابْن مَسْعُود وَشُرَيْح وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ تسْتَحقّ بِالسَّبَبِ الأول وَللشَّافِعِيّ فِي الثَّانِي قَولَانِ وَفِي الثَّالِث لَا يسْتَحق قولا وَاحِدًا لنا قَوْله صلى الله عليه وسلم الْجَار أَحَق بصقبه خَ م ويروى بسقبه وَلَا تنَافِي لِأَنَّهُمَا فِي اللُّغَة عبارَة عَن الْقرب وَقد روى هَذَا التَّفْسِير مَرْفُوعا أثبت النَّبِي صلى الله عليه وسلم الشُّفْعَة للْجَار بعلة قربه فَيسْتَحق الشُّفْعَة

وَرَوَاهُ مُحَمَّد فِي الأَصْل فَقَالَ الْجَار أَحَق (بشفعة) جَاره ينْتَظر بهَا وَإِن

ص: 329

كَانَ غَائِبا إِذا كَانَ طريقهما وَاحِد حد أثبت النَّبِي صلى الله عليه وسلم الشُّفْعَة بِالشّركَةِ فِي الطَّرِيق وَعِنْدهم لَا تثبت الشُّفْعَة للْجَار وَإِن كَانَ طريقهما وَاحِدًا

وروى عَمْرو بن الشريد أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَن ارْض بِيعَتْ وَلَيْسَ لَهَا شريك وَلها جَار فَقَالَ الْجَار أَحَق بصقبها ويروى بسقبها حد

وَفِي لفظ الْمسند عَن سَمُرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم جَار الدارأحق بِالدَّار من غَيره

وَلِأَنَّهُ إِجْمَاع من الصَّحَابَة فَإِنَّهُم قضوا بِالشُّفْعَة بِسَبَب الْجوَار حَتَّى قَالَ عَليّ وَابْن مَسْعُود قضى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الشُّفْعَة بالجوار فَإِن قيل أما الحَدِيث الأول فَيحمل على الشَّرِيك المخالط وَأما الثَّانِي وَهُوَ مَا رَوَاهُ مُحَمَّد فِي الأَصْل فقد أنكرهُ أَحْمد وَأما حَدِيث عَمْرو بن الشريد فقد ضعفه ابْن الْمُنْذر وَأما حَدِيث سَمُرَة فَقَالَ أَحْمد أَحَادِيث سَمُرَة من كتاب وَقَالَ احْمَد بن هَارُون

ص: 330

لَا يحفظ عَن الْحسن عَن سَمُرَة حَدِيث يَقُول فِيهِ (سَمِعت سَمُرَة) إِلَّا حَدِيث وَاحِد وَهُوَ حَدِيث الْعَقِيقَة

وَالْجَوَاب أما حمل الأول على الشَّرِيك المخالط فَلَا يَصح لِأَنَّهُ شريك فِي عين الْمَبِيع وَلَا خلاف فِيهِ

وَأما الثَّانِي فقد رَوَاهُ احْمَد فِي الْمسند وَطَرِيق الْإِنْكَار أَنهم قَالُوا لم يروه إِلَّا عبد الملك بن أبي سُلَيْمَان (وَهَذَا) نفي (للرواية) وَالْعَمَل على الْإِثْبَات وَأما الثَّالِث فَلم يُوَافق ابْن الْمُنْذر على تَضْعِيفه أحد من الْحفاظ ثمَّ لم يبين علته فَلَا يقبل قَوْله وَقد رَوَاهُ احْمَد فِي الْمسند

وَأما الرَّابِع فقد قَالَ ابْن الْمَدِينِيّ سمع الْحسن الْبَصْرِيّ من سَمُرَة وَلَو لم يسمع لم يضر لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَت كتبه ترد إِلَى الْآفَاق وَيعْمل بهَا وَلَو لم يثبت عِنْد الْحسن لما أرْسلهُ

احْتَجُّوا بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ الشُّفْعَة فِي كل مَا (لم) يقسم فَإِذا وَقعت الْحُدُود وصرفت الطّرق فَلَا شُفْعَة خَ

ص: 331

وَفِي لفظ إِنَّمَا الشُّفْعَة فِيمَا لَو يقسم أثبت النَّبِي صلى الله عليه وسلم الشُّفْعَة فِي غير الْمَقْسُوم ونفاها عَن الْمَقْسُوم

قُلْنَا الحَدِيث حجَّة عَلَيْهِم لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لما قَالَ فَإِذا وَقعت الْحُدُود وصرفت الطّرق وَعِنْدَهُمَا إِذا وَقعت الْحُدُود وصرفت الطّرق فَلَا شُفْعَة

وَقد احْتج أَصْحَابنَا بِأَحَادِيث مِنْهَا مَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ الخليط أَحَق من الشَّفِيع وَالشَّفِيع أَحَق من غَيره إِلَّا أَنه غَرِيب لم يُخرجهُ أَرْبَاب السّنَن وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف على شُرَيْح وَابْن سِيرِين

وَقد احْتَجُّوا بِحَدِيث غَرِيب وَهُوَ مَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنَّمَا الشُّفْعَة للخليط وَنحن نقُول الشُّفْعَة للخليط لَكِن لم لَا يكون للْجَار مَسْأَلَة الشُّفْعَة على عدد الرؤوس وَهُوَ قَول ابْن مَسْعُود وَقَالَ الشَّافِعِي على قدر الْأَنْصِبَاء

وَصُورَة الْمَسْأَلَة دَار مُشْتَركَة بَين ثَلَاثَة نفر لأَحَدهم نصفهَا وَلآخر ثلثهَا

ص: 332

وَلآخر سدسها بَاعَ صَاحب النّصْف نصِيبه فَصَاحب الثُّلُث وَالسُّدُس يستحقان الشُّفْعَة نِصْفَيْنِ عندنَا وَعِنْده يستحقانها أَثلَاثًا لصَاحب السُّدس السُّدس وَلِصَاحِب الثُّلُث الثُّلُث وَكَذَا لَو بَاعَ صَاحب السُّدس نصِيبه فعندنا الشريكان الْآخرَانِ يستحقان السُّدس بَينهمَا نِصْفَيْنِ

وَالشَّافِعِيّ يحْتَج بالنصوص الدَّالَّة على الْقِسْمَة بِالسَّوِيَّةِ كَقَوْلِه تَعَالَى {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان} وَذَلِكَ يكون على قدر الْأَنْصِبَاء

قُلْنَا النَّص يدل على أَن اسْتِحْقَاق الشُّفْعَة على عدد الرؤوس لِأَنَّهُ إِحْسَان فَكَانَ حجَّة لنا وَالله أعلم

ص: 333

= كتاب الْإِجَارَات =

مَسْأَلَة الْأُجْرَة لَا تملك بِنَفس العقد وَإِنَّمَا تملك سَاعَة فساعة على حسب حُدُوث الْمَنْفَعَة

وَقَالَ الشَّافِعِي رضي الله عنه يملك بِنَفس العقد حَتَّى لَو كَانَت الْأُجْرَة عبدا وَهُوَ قَرِيبه لَا يعْتق عَلَيْهِ فِي الْحَال (عندنَا وَلَا يثبت للأخير ولَايَة الْمُطَالبَة بِتَسْلِيم الْأُجْرَة فِي الْحَال) وَعِنْده يعْتق وَيثبت لنا قَوْله تَعَالَى {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان}

وَالْمُسْتَأْجر لم يملك الْمَعْقُود عَلَيْهِ فِي الْحَال وَهُوَ مَنَافِع الدَّار شهرا فَكَذَا صَاحبه لَا يملك الْأُجْرَة تَسْوِيَة بَينهمَا

وَللشَّافِعِيّ رضي الله عنه النُّصُوص الْمُوجبَة للوفاء بالعهد وَقد الْتزم تَسْلِيم الْأُجْرَة فَيجب قُلْنَا التَّعَارُض ثَابت وَالتَّرْجِيح مَعنا لما بَينا مَسْأَلَة إِجَارَة الْمشَاع فَاسِدَة عِنْد أبي حنيفَة رحمه الله

وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ رضي الله عنهم هِيَ صَحِيحَة وَسَوَاء كَانَ يحْتَمل الْقِسْمَة كَالدَّارِ وَنَحْوهَا أَولا يحْتَمل كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّة وَالثَّوْب وَنَحْوه

وَصورته رجل أجر نصف دَاره أَو نصف عَبده أَو نصف ثَوْبه فَالْعقد فَاسد عِنْده حَتَّى لَا يجب الْمُسَمّى عِنْد التَّسْلِيم وَلَا الِانْتِفَاع عِنْده وَعِنْدهم يجب وَلَو انْتفع الْمُسْتَأْجر بذلك هَل يجب أجر الْمثل عِنْد أبي حنيفَة رحمه الله اخْتلف

ص: 334

الْمَشَايِخ فِيهِ قَالَ بَعضهم لَا يجب لِأَن الْإِجَارَة بَاطِلَة وَقَالَ بَعضهم يجب وَهُوَ الْأَصَح لِأَن الْإِجَارَة فَاسِدَة

لنا مَا روينَا من قَوْله صلى الله عليه وسلم لَا تبع مَا لَيْسَ عنْدك وَمَنَافع الدَّار لَيست عِنْده فَلَا يجوز

لَهُم مَا روينَا من قَوْله صلى الله عليه وسلم لَا يحل مَال امرىء مُسلم إِلَّا بِطيبَة من نَفسه وَقد طابت نفس الْمُسْتَأْجر فَيحل للمؤجر الِانْتِفَاع بِهِ

قُلْنَا هَذَا خبر وَاحِد ورد على مُخَالفَة قَوْله تَعَالَى {وَلَا تنازعوا} وَهَذَا العقد يُفْضِي إِلَى الْمُنَازعَة لِأَن الْمُسْتَأْجر يطْلب الْمُؤَجّر بِتَسْلِيم الْكل والمؤجر يمْنَع من ذَلِك لما فِيهِ من تَفْوِيت حَقه فتتحقق الْمُنَازعَة مَسْأَلَة الْأَجِير الْمُشْتَرك ضَامِن لما جنت يَده عندنَا

وَعند زفر وَالشَّافِعِيّ لَا يضمن كالقصار يدق الثَّوْب فيتخرق أَو الْحمال بعثر فِي الطَّرِيق فينكسر الدن فعندنا يضمن وَعِنْدَهُمَا لَا يضمن

ثمَّ الْمَالِك بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ رَضِي بِالْعَمَلِ وَلم يُعْطه شَيْئا وَإِن شَاءَ لم يرض بِالْعَمَلِ وَيضمنهُ الْمُبْتَاع

ثمَّ الْمَالِك فِي التَّضْمِين بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ ضمنه مَعْمُولا وَأَعْطَاهُ الْمُسَمّى وَإِن شَاءَ ضمنه غير (مَعْمُول) وَلم يُعْطه شَيْئا

ص: 335

لنا قَوْله صلى الله عليه وسلم على الْيَد مَا أخذت حَتَّى ترد

وَقد أَخذ الْأَجِير امشترك ذَلِك الْقدر فَيجب عَلَيْهِ الرَّد بعد الْهَلَاك أَو التعييب المنقص للمالية فَيجب الضمانة لهماقوله تَعَالَى {عَن ترَاض} وَلم يُوجد وَكَذَا النُّصُوص الْمُحرمَة لمَال الْإِنْسَان إِلَّا بِطيبَة من نَفسه وَقد مر الْجَواب مَسْأَلَة لَا يجوز الِاسْتِئْجَار على الطَّاعَات وَهُوَ قَول أَحْمد وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يجوز

وَصُورَة السمألة رجل اسْتَأْجر رجلا ليحج عَنهُ أَو ليعلمه الْقُرْآن لَا يَصح عندنَا حَتَّى لَو حج اَوْ علمه الْقُرْآن لَا يسْتَحق الْمُسَمّى وَلَا أُجْرَة الْمثل وَعِنْدَهُمَا يسْتَحق ذَلِك

وَلَو اسْتَأْجر على الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَالْجهَاد وَتَعْلِيم الْفِقْه وَرِوَايَة الحَدِيث وَنَحْوه فعندنا لَا يشكل أَنه لَا يَصح وَللشَّافِعِيّ فِيهِ قَولَانِ

لنا مَا روى عَن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ الثَّقَفِيّ أَنه قَالَ يَا رَسُول الله اجْعَلنِي إِمَام قومِي قَالَ اقتد بأضعفهم وَاتخذ مُؤذنًا (لَا يَأْخُذ) على الْأَذَان أجرا حد

وَعَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ علمت أُنَاسًا من اهل الصّفة الْكِتَابَة وَالْقُرْآن فأهدى إِلَى رجل مِنْهُم قوسا فَقلت أرمي عَنْهَا فِي سَبِيل الله تَعَالَى فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِن

ص: 336

سرك أَن تطوق بهَا طوقا من نَار فاقبلها حد فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث (مُغيرَة) بن زِيَاد ضَعِيف

إِلَّا أَنه قد روى مثله عَن أبي بن كَعْب سَالم الْإِسْنَاد وَقَالَ إِنِّي علمت رجلا الْقُرْآن فأهدى لي قوسا فَذكرت ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِن أَخَذتهَا أخذت قوسا من نَار رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن عَطِيَّة الكلَاعِي عَن أبي بن كَعْب الَّذِي أقرأه أبي طفيل بن عَمْرو (الدوسي)

وروى أَن رجلا قَالَ لِابْنِ عمر إِنِّي أحبك فِي الله فَقَالَ لَهُ إِنِّي أبغضك فِي الله لِأَنَّك تلحن فِي الْأَذَان وَتَأْخُذ عَلَيْهِ أجرا

احْتَجُّوا بِمَا روينَا أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم زوج رجلا امْرَأَة بِمَا مَعَه من الْقُرْآن وَلم يرد بِهِ نفس الْقُرْآن لِأَنَّهُ لَا يصلح مهْرا لِأَن الْمهْر مَا يسلم لَهَا بِعقد فَعلم أَن المُرَاد بِهِ تَعْلِيم الْقُرْآن وَإِذا صلح بَدَلا فِي النِّكَاح صلح بَدَلا فِي الْإِجَارَة

وروى أَن رجلا من الصَّحَابَة رقى رجلا بِفَاتِحَة الْكتاب وَشرط على ذَلِك قطيعا من الْغنم فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَضَحِك وَقَالَ إِنَّهَا رقية خذوها واضربوا لي

ص: 337

(مَعكُمْ) سَهْما خَ م

وَالْجَوَاب أما الحَدِيث الأول فَمَحْمُول على السَّبَبِيَّة أَي زَوجهَا مِنْهُ بِسَبَب حفظ الْقُرْآن لِأَن حرف الْبَاء كَمَا يذكر للتعويض يذكر لما قُلْنَا وَأما الحَدِيث الثَّانِي فَعَنْهُ أجوبة أَحدهَا أَن الْقَوْم كَانُوا كفَّارًا فَجَاز أَخذ اموالهم وَالثَّانِي حق الضَّيْف لَازم وَلم يضيفوهم وَالثَّالِث أَن الرّقية لَيست بقربة مَحْضَة فَجَاز أَخذ الْأُجْرَة عَلَيْهَا وَالله أعلم

ص: 338

= كتاب الشَّهَادَات = مَسْأَلَة لِلْفَاسِقِ شَهَادَة سَمَاعا وَأَدَاء عندنَا وَهُوَ قَول مَالك وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ لَا شَهَادَة لَهُ أصلا وَثَمَرَة الْخلاف تظهر فِي مسَائِل مِنْهَا النِّكَاح ينْعَقد بِشَهَادَة الْفَاسِقين عندنَا

وَمِنْهَا أَرْبَعَة من الْفُسَّاق شهدُوا على رجل بالزنى لَا يحدون عندنَا لأَنهم شُهُود وَعِنْدهم يحدون لأَنهم قذفة

وَمِنْهَا رجل قذف إنْسَانا وَأقَام أَرْبَعَة من الْفُسَّاق يشْهدُونَ على صدق مقَالَته لَا يحدون عندنَا لِأَنَّهُ أَتَى بأَرْبعَة شُهَدَاء وَعِنْدهم يحدون لِأَنَّهُ لم يَأْتِ بأَرْبعَة شُهَدَاء وَمِنْهَا أَن القَاضِي إِذا قضى بِشَهَادَة فاسقين ينفذ قَضَاؤُهُ عندنَا وَعِنْدهم لَا ينفذ كَمَا لَو قضى بِشَهَادَة العبيد وَالْمَشْهُور من الصُّور الأولى لنا قَوْله تَعَالَى {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} إِلَى غير ذَلِك من النُّصُوص احْتَجُّوا بِمَا تقدم من قَوْله صلى الله عليه وسلم لانكاح إِلَّا بولِي وشاهدي عدل وَالْفِسْق بِنَا فِي الْعَدَالَة وَبِمَا تقدم من النُّصُوص فِي النِّكَاح

ص: 339

قُلْنَا قد بَينا أَنه لَيْسَ فِيهَا مَا يثبت وَلَو سلمت حملت على الِاسْتِحْبَاب وَنفي الْكَمَال أَو نقُول أَخْبَار آحَاد وَردت على مُخَالفَة الْكتاب فَترد أَو تحمل على مَا قُلْنَا تَوْفِيقًا مَسْأَلَة لَا يقبل شَهَادَة أحد الزَّوْجَيْنِ للْآخر وَقَالَ الشَّافِعِي رضي الله عنه يقبل لنا قَوْله صلى الله عليه وسلم لَا شَهَادَة لمتهم وَهَذَا مُتَّهم

وَقَوله صلى الله عليه وسلم لَا تقبل شَهَادَة الْوَالِد لوَلَده وَلَا الزَّوْج لزوجته وَلَا السَّيِّد لعَبْدِهِ وَلَا العَبْد لسَيِّده

احْتج بِمَا رُوِيَ أَن فَاطِمَة رضي الله عنها ادَّعَت فدكا بَين يَدي أبي بكر رضي الله عنه واستشهدت عليا رضي الله عنه وَامْرَأَة فَقَالَ أَبُو بكر (ضمي) إِلَى الرجل رجلا وَإِلَى الْمَرْأَة امْرَأَة وَكَانَ ذَلِك بِمحضر من الصَّحَابَة من غير نَكِير فَكَانَ إِجْمَاعًا

قُلْنَا تِلْكَ الشَّهَادَة لم تقبل لِأَن الصَّحِيح من الرِّوَايَة أَن ابا بكر رد دَعْوَاهَا لِأَنَّهَا ادَّعَت فدكا إِرْثا من النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَردهَا وَقَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث مَا تركنَا صَدَقَة

ص: 340

وَقد كَانَ عَليّ رضي الله عنه يعلم أَن شَهَادَة الزَّوْج لزوجته لَا تقبل لكنه احْتَرز عَن إيحاش فَاطِمَة رضي الله عنها بالامتناع

وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَن عليا رضي الله عنه لما ولي الْخلَافَة لم يتَعَرَّض لفدك بل أجْرى الحكم فِيهَا على مَا كَانَ فِي زمَان الخلفا الثَّلَاثَة وَفِي هَذَا حِكَايَة جرت للسفاح مَعَ بعض الطالبين مَسْأَلَة تقبل شَهَادَة أهل الذِّمَّة بَعضهم على بعض وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد رضي الله عنهم لَا تقبل

لنا مَا روينَا من قَوْله صلى الله عليه وسلم فَإِذا قبلوا عقد الذِّمَّة فَلهم مَا للْمُسلمين وَعَلَيْهِم مَا على الْمُسلمين وللمسلمين أَن يشْهد بَعضهم على بعض فَكَذَا أهل الذِّمَّة

احْتَجُّوا بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (لَا تَرث) مِلَّة مِلَّة وَلَا يجوز شَهَادَة أهل مِلَّة على أهل مِلَّة إِلَّا أمتِي فَإِنَّهُ يجوز شَهَادَتهم على من سواهُم ق قُلْنَا الحَدِيث فِي إِسْنَاده عمر بن رَاشد ضعفه الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره أَو يحمل على أَنه مَنْسُوخ بِمَا رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين بِشَهَادَة أهل الذِّمَّة

ص: 341

على أَنَّهَا مُخَالفَة للْكتاب وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {اثْنَان ذَوا عدل مِنْكُم أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ} أَي من غير أهل ملتكم بِإِجْمَاع الْمُفَسّرين أثبت شَهَادَة الْكَافِر على الْمُسلم فعلى الْكَافِر أولى مَسْأَلَة أجمع عُلَمَاء الْأمة على أَن الْعُقُوبَات لَا تثبت بِشَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ

وَكَذَا اجْمَعُوا على أَن مَا كَانَ مَالا وَمَا هُوَ تبع لِلْمَالِ كالخيار وَالْأَجَل يثبت بشهاد رجل وَامْرَأَتَيْنِ

وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِيمَا لَيْسَ بِمَال وَلَيْسَ بعقوبة كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاق وَالرَّجْعَة وَالْوَصِيَّة وَالْوكَالَة فعندنا يثبت بِشَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ وَعند الشَّافِعِي وَاحْمَدْ رضي الله عنهما لَا يثبت وَالْخلاف يظْهر فِي فصلين أَحدهمَا انْعِقَاد النِّكَاح بِحَضْرَة هَؤُلَاءِ وَالثَّانِي فِي وجوب الْقَضَاء على القَاضِي بِشَهَادَتِهِم فعندنا ينْعَقد وَيجب الْقَضَاء على القَاضِي خلافًا لَهُم

ص: 342

لنا على الأول قَوْله تَعَالَى {فَإِن لم يَكُونَا رجلَيْنِ فَرجل وَامْرَأَتَانِ} أطلق اسْم الشَّاهِدين على الرجل (والمرأتين) وَمُقْتَضَاهُ (إِثْبَات) الشَّهَادَة على الْإِطْلَاق إِلَّا أَن الْعُقُوبَات خصت عَن ذَلِك وَقَوله صلى الله عليه وسلم لَا نِكَاح إِلَّا بِشُهُود وَهَذَا نِكَاح حَضَره شُهُود وَأَجَازَ عمر رضي الله عنه شَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ فِي النِّكَاح والفرقة

فَإِن قيل لَيْسَ معنى الْآيَة مَا ذكرْتُمْ بل مَعْنَاهُ فاستشهدوا رجلا وَامْرَأَتَيْنِ والشهيدين عبارَة عَن اثْنَيْنِ وَرجل وَامْرَأَتَانِ ثَلَاثَة وَاسم الثَّلَاثَة لَا يصلح تَفْسِيرا للإثنين قُلْنَا الْفَاء فِي قَوْله {فَرجل وَامْرَأَتَانِ} حرف جَزَاء وَالْجَزَاء يتَعَلَّق بِالشّرطِ السَّابِق وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَإِن لم يَكُونَا رجلَيْنِ} وَهَذَا يرجع إِلَى (الشهيدين)

وَمَعْنَاهُ فاستشهدوا شهيدين (من رجالكم) فَإِن لم يكن الشهيدان رجلَيْنِ فالشهيدان رجل وَامْرَأَتَانِ

ص: 343

احْتَجُّوا بِمَا مر من قَوْله صلى الله عليه وسلم لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشاهدي عدل وَظَاهره يُفِيد اشْتِرَاط رجلَيْنِ عَدْلَيْنِ لِأَن الشَّاهِدين حَقِيقَة اسْم لشخصين

وَعَن الزُّهْرِيّ مَضَت السّنة من لدن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين من بعده أَن لَا تقبل شَهَادَة الرِّجَال مَعَ النِّسَاء فِي الْحُدُود وَالْقصاص وَالنِّكَاح وَالطَّلَاق وَالْجَوَاب أما الحَدِيث فقد تقدم تَضْعِيفه أَو نقُول قد حضر شَاهِدَانِ لما بَينا

وَمَا رُوِيَ عَن الزُّهْرِيّ فَالصَّحِيح من الرِّوَايَة مَضَت السّنة من لدن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين من بعده أَن لَا تقبل شَهَادَة النِّسَاء فِي الْحُدُود وَالْقصاص وَالزِّيَادَة مِمَّا عملته ايديهم وَأما على الْفَصْل الثَّانِي فَلِأَنَّهُ ظهر بهَا حق ثَابت فَيَقْتَضِي بهَا

مَسْأَلَة قَضَاء القَاضِي ينفذ فِي الْعُقُود والفسوخ ظَاهرا وَبَاطنا عِنْد أبي حنيفَة وَهُوَ قَول أبي يُوسُف رحمهمَا الله أَولا ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ ينفذ ظَاهرا لَا بَاطِنا وَهُوَ قَول مُحَمَّد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد

وَصورته رجل ادّعى على امْرَأَة نِكَاحا وَأقَام على ذَلِك شَاهِدي زور وَالْمُدَّعِي عَالم بذلك فَقضى القَاضِي بِالنِّكَاحِ على ظن صدقهما نفذ قَضَاؤُهُ ظَاهرا وَبَاطنا عِنْد أبي حنيفَة رحمه الله فيسلمها القَاضِي إِلَيْهِ ويجبرها على الْكَوْن مَعَه وَحل لَهُ وَطْؤُهَا

ص: 344

وَعِنْدهم لايحل لَهُ وَطْؤُهَا

وعَلى هَذَا لَو ادَّعَت الْمَرْأَة على زَوجهَا طَلَاقا وأقامت شَاهِدي زور وَقضى القَاضِي بِهِ نفذ ظَاهرا وَبَاطنا عِنْده حَتَّى يحل لَهَا التَّزَوُّج بآخر وَعِنْدهم ينفذ ظَاهرا لَا بَاطِنا فَلَا يحل لَهَا التَّزَوُّج بآخر وَلَو تزوجت بآخر فَعِنْدَ أبي يُوسُف رحمه الله لَا تحل لَا للْأولِ وَلَا للثَّانِي وَعند مُحَمَّد يحل للْأولِ دون الثَّانِي وَكَذَا عِنْد الشَّافِعِي يَأْتِيهَا الأول سرا وَالثَّانِي عَلَانيَة

وَاتَّفَقُوا على أَن الْقَضَاء فِي الْأَمْلَاك الْمُرْسلَة (ينفذ) طَاهِرا لَا بَاطِنا حَتَّى لَو ادّعى جَارِيَة فِي ملك إِنْسَان ملكا مُطلقًا وَأقَام على ذَلِك شَاهِدي زور وَقضى القَاضِي ينفذ ظَاهرا لَا بَاطِنا حَتَّى لَا يحل لَهُ وَطْؤُهَا

لأبي حنيفَة مَا روى أَن رجلا ادّعى بَين يَدي عَليّ رضي الله عنه نِكَاح امْرَأَة وَأقَام شَاهِدين فَقضى عَليّ بِالنِّكَاحِ فَقَالَت المراة يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَيْسَ بَيْننَا نِكَاح إِن كَانَ وَلَا بُد فَزَوجنِي مِنْهُ وَقَالَ عَليّ شَاهِدَاك زوجاك فَلم يجبها إِلَى إنْشَاء النِّكَاح وَنَصّ على إثْبَاته بقوله شَاهِدَاك زوجاك وَذَلِكَ بِمحضر من الصَّحَابَة رضي الله عنهم من غير نَكِير فَكَانَ إِجْمَاعًا

احْتَجُّوا بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنَّمَا أَنا مثلكُمْ وَإِنَّكُمْ لتختصمون لدي

ص: 345

وَلَعَلَّ بَعْضكُم أَلحن بحجته فَمن قضيت لَهُ بِشَيْء من حق أَخِيه فَكَأَنَّمَا قضيت لَهُ بِقِطْعَة من النَّار خَ م

فَلَو نفذ الْقَضَاء بَاطِنا لما قَالَ ذَلِك لِأَنَّهُ لَا ينفذ مَعَ اختلال الْحجَّة وَلما كَانَ قَضَاء بِقِطْعَة من النَّار

قُلْنَا الحَدِيث ورد فِي الْأَمْلَاك الْمُرْسلَة بِدَلِيل مَا روى أَن رجلَيْنِ اخْتَصمَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي مَوَارِيث درست فَقضى لأَحَدهمَا فَقَالَ الآخر حَقي يَا رَسُول الله فَذكر النَّبِي صلى الله عليه وسلم الحَدِيث (وَالْخُصُومَة) فِي الْمَوَارِيث خُصُومَة فِي الْأَمْلَاك فَإِنَّمَا يكون قضى بِحَق أَخِيه أَن لَو بَقِي حق أَخِيه وَإِنَّمَا يبْقى حق أَخِيه فِي الْأَمْلَاك الْمُرْسلَة دون الْمقيدَة مَسْأَلَة الْمَحْدُود فِي الْقَذْف لَا تقبل شَهَادَته وَإِن تَابَ وَقَالَ الشَّافِعِي رضي الله عنه تقبل إِذا تَابَ

وَلَو شهد قبل التَّوْبَة وَقد حد لَا تقبل بِالْإِجْمَاع وَتقبل بعد التَّوْبَة قبل الْحَد بِالْإِجْمَاع أَيْضا

ص: 346

لنا قَوْله تَعَالَى {وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا} نهى عَن قبُول الشَّهَادَة على التَّأْبِيد فَلَا تقبل

فَأن قيل نعارضه بقوله تَعَالَى {إِلَّا الَّذين تَابُوا} فَالله تَعَالَى نهى عَن قبُول شَهَادَة الرَّامِي وَاسْتثنى التَّأْبِيد مِنْهُ

قُلْنَا لَيْسَ هَذَا باستثناء بل اسْتِدْرَاك كَقَوْلِه تَعَالَى {لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا وَلَا تأثيما إِلَّا قيلا سَلاما سَلاما} ومعنا لَكِن سَلاما احْتج بالعمومات مثل قَوْله تَعَالَى {واستشهدوا شهيدين} وَنَحْو ذَلِك قُلْنَا مَا ذَكرْنَاهُ خَاص بِالْإِضَافَة إِلَيْهَا وَالْخَاص يقْضِي على الْعَام

ص: 347

= كتاب الدَّعْوَى = مَسْأَلَة النّكُول حجَّة يقْضِي بِهِ فِي الْأَمْوَال والحقوق وَهُوَ قَول عمر وَعُثْمَان وَعلي وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَأبي ومُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَمذهب أَحْمد وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك لَيْسَ بِحجَّة للْقَضَاء بل لرد الْيَمين على الْمُدَّعِي وَصورته رجل ادّعى على آخر شَيْئا فَأنْكر فاستحلف فنكل عَن الْيَمين يقْضِي بِهِ عندنَا وَعِنْدَهُمَا لَا يقْضِي بل ترد الْيَمين على الْمُدَّعِي فَإِن حلف أَخذ المَال وَإِلَّا فَلَا

وَشرط الْخصاف تكْرَار الْعرض ثَلَاثًا وَهُوَ أَن يَقُول لَهُ القَاضِي فِي كل مرّة إِن حَلَفت وَإِلَّا قضيت عَلَيْك بِمَا ادَّعَاهُ وَالأَصَح أَنه لَو قضى عَلَيْهِ بِالنّكُولِ أول مرّة جَازَ

لنا مَا روى أَن امْرَأَة جَاءَت إِلَى عمر رضي الله عنه فادعت على زَوجهَا أَنه قَالَ لَهَا حبلك على غاربك فحلفه عمر بِاللَّه مَا أردْت طَلَاقا فنكل فَقضى عَلَيْهِ بالفرقة

وَعَن ابْن عمر رضي الله عنه أَنه اشْترى من إِنْسَان شَيْئا فَادّعى المُشْتَرِي عَيْبا فاختصما إِلَى عُثْمَان فحلفه عُثْمَان بِاللَّه إِنَّك بِعته (وَبِه) عيب عَلمته فكتمته فنكل فَقضى عَلَيْهِ بِالرَّدِّ

وَعَن ابْن أبي مليكَة أَنه كَانَ قَاضِيا بِالْبَصْرَةِ فَجَاءَت إِلَيْهِ امْرَأَتَانِ فادعت

ص: 348

إِحْدَاهمَا على صاحبتها أَنَّهَا أصابتها عينهَا فَكتب إِلَى ابْن عَبَّاس فَكتب إِلَيْهِ أَن اقْرَأ عَلَيْهَا {إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا} الْآيَة ثمَّ أعرض عَلَيْهَا الْيَمين فَإِن حَلَفت برت وَإِن نكلت فَاقْض عَلَيْهَا بِالْأَرْشِ

وروى أَن رجلا ادّعى على رجل شَيْئا بَين يَدي شُرَيْح فحلفه فنكل فَقَالَ الْمُدَّعِي أَنا أَحْلف وآخذ المَال فَقَالَ لَا وَقضى عَلَيْهِ بِالنّكُولِ

وَكَانَ عَليّ رضي الله عنه جَالِسا فَقَالَ لشريح قالون وَهُوَ بلغَة الرّوم اصبت فَهَؤُلَاءِ كبار الصَّحَابَة رضي الله عنهم اتَّفقُوا على جَوَاز الْقَضَاء بِالنّكُولِ من غير نَكِير فَكَانَ إِجْمَاعًا

احْتَجُّوا بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَو ترك النَّاس ودعاويهم لادعى قوم دِمَاء قوم وَأَمْوَالهمْ وَلَكِن الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على من أنكر خَ م

قسم النَّبِي صلى الله عليه وسلم النَّاس قسمَيْنِ (مُدع) ومنكر وَجعل الْحجَج قسمَيْنِ يَمِينا وَبَيِّنَة فَمن جعل النّكُول حجَّة فقد أبطل الْحصْر

قُلْنَا الحَدِيث مَتْرُوك الظَّاهِر لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جعل الْبَيِّنَة حجَّة فِي جَانب الْمُدَّعِي وَالْيَمِين حجَّة فِي جَانب الْمُنكر وَلم يتَعَرَّض لشَيْء آخر لَا بِنَفْي وَلَا إِثْبَات فَبَقيَ مَفْهُوم الْخطاب وَذَلِكَ لَيْسَ بِحجَّة عندنَا على أَن الحَدِيث حجَّة لنا لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَن (لَا ترد) الْيَمين على الْمُدَّعِي

ص: 349

وَعِنْدَهُمَا ترد فَكَانَ مُخَالفا للْحَدِيث

وَقد احْتَجُّوا بِحَدِيث لَا يَصح رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم رد الْيَمين على طَالب الْحق وَفِي إِسْنَاده مَجَاهِيل

مَسْأَلَة الِاسْتِحْلَاف لَا يجْرِي فِي الْأَشْيَاء السِّتَّة عِنْد أبي حنيفَة رحمه الله النِّكَاح وَالنّسب وَالرَّجْعَة والفيء فِي الِاسْتِيلَاد وَالرّق وَالْوَلَاء وَذكر فِي الزِّيَادَات وَالِاسْتِيلَاد وَالْمَعْرُوف الْأَشْيَاء السِّتَّة وَقَالا يجر فِيهَا الِاسْتِحْلَاف

وَالْخلاف يبتنى على أَن النّكُول بدل عَنهُ وَالْبدل لَا يجْرِي فِي الْأَشْيَاء السِّتَّة فَلَا يجْرِي فِيهَا الِاسْتِحْلَاف

وَعِنْدَهُمَا النّكُول إِقْرَار والأقرار يجْرِي فِي هَذِه الْأَشْيَاء استة فينزله القَاضِي مقرا عِنْدهمَا فَيجْرِي الِاسْتِحْلَاف كَمَا فِي الإقراء وَعند أبي حنيفَة رحمه الله ينزله ناكلا فَلَا يسْتَحْلف

لَهُ أَن الأَصْل فِي الْقَضَاء بِالنّكُولِ هُوَ الْأَمْوَال لِأَن الْيَمين شرعت فِيهَا لقطع الْخُصُومَة بِخِلَاف الْأَشْيَاء السِّتَّة فَيجْعَل ناكلا وَلَهُمَا قَوْله صلى الله عليه وسلم الْيَمين على من أنكر مَسْأَلَة الْأَب إِذا استولد جَارِيَة ابْنه صَحَّ الِاسْتِيلَاد وَيثبت النّسَب مِنْهُ وَيكون الْوَلَد حرا وَيملك الْجَارِيَة بِالْقيمَةِ وَتَكون أم ولد لَهُ إِجْمَاعًا وَلَا يغرم

ص: 350

الْعقر عندنَا وَقَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله يلْزمه الْعقر وَاتَّفَقُوا على أَنه لَو وَطئهَا وَلم يعلقها أَنه يجب عَلَيْهِ الْعقر لنا النُّصُوص الْمُحرمَة لأخذ مَال الْغَيْر بِدُونِ رِضَاهُ وَلَهُمَا النُّصُوص الْمُوجبَة للحد إِلَّا أَنه لما تعذر لمَكَان الشُّبْهَة وَجب الْعقر قُلْنَا الْوَطْء صَادف ملك نَفسه لِحَاجَتِهِ إِلَى الابْن لما مر

وَقد احْتَاجَ إِلَى صِحَة الِاسْتِيلَاد فقدمنا الْملك عَلَيْهِ ليَصِح كَمَا لَو قَالَ أعتق عَبدك عني على ألف مَسْأَلَة لَا يجوز الْقَضَاء على الْغَائِب بِالْبَيِّنَةِ وَهُوَ قَول الْحسن الْبَصْرِيّ وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ يجوز وَاتَّفَقُوا على أَنه لَو كَانَ حَاضرا فَسكت قضى عَلَيْهِ لنا قَوْله تَعَالَى {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} وَالْقَضَاء على الْغَائِب قَول بِلَا علم

وروى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لعَلي رضي الله عنه لَا تقضي لأحد الْخَصْمَيْنِ حَتَّى تسمع كَلَام الآخر فَإنَّك إِذا سَمِعت كَلَام الآخر علمت كَيفَ تقضي فَإِن قيل الْمَرْوِيّ إِذا جلس إِلَيْك الخصمان

ص: 351

قُلْنَا هَذَا حَدِيث وَذَاكَ آخر احتجا بِمَا روى أَن هندا قَالَت يارسول الله إِن أَبَا سُفْيَان رجل شحيح وَلَيْسَ لي إِلَّا مَا يدْخل بَيْتِي فَقَالَ خذي مَا يَكْفِيك وولدك بِالْمَعْرُوفِ خَ م وَقَالَ صلى الله عليه وسلم الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على من أنكر

جعل النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْبَيِّنَة حجَّة الْمُدَّعِي مُطلقًا من غير فصل بَين الْغَيْبَة والحضور فَيجْرِي على إِطْلَاقه

قُلْنَا أما الحَدِيث الأول فَيحْتَمل أَن أَبَا سُفْيَان كَانَ حَاضر اويحتمل أَنه كَانَ غَائِبا فَلَا يكون حجَّة وَلَو سلمنَا فللإمام ولَايَة إِقَامَة الْحُقُوق وَالنَّفقَة حَقّهَا فَيقوم الإِمَام مقَامه وَأما الثَّانِي فا نسلم أَنه يتَنَاوَل حَالَة الْغَيْبَة لما فِيهِ من الْإِضْرَار بالغائب أَو نقُول أَخْبَار آحَاد وَردت على مُخَالفَة الْكتاب فَلَا تقبل

مَسْأَلَة الْخَارِج مَعَ ذِي الْيَد إِذا تنَازعا فِي عين وَأقَام كل وَاحِد مِنْهُمَا الْبَيِّنَة على الْملك الْمُطلق قضى بِبَيِّنَة الْخَارِج وَقَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ رضي الله عنهما بَيِّنَة ذِي الْيَد أولى

وَصورته إِذا ادّعى رجل على رجل دَارا أَو عبدا فأنكرالمدعى عَلَيْهِ ثمَّ أَقَامَا الْبَيِّنَة يقْضِي بِبَيِّنَة الْخَارِج عندنَا خلافًا لَهما

ص: 352

وَاتَّفَقُوا على أَنَّهُمَا لَو أَقَامَا الْبَيِّنَة بالنتاج بِأَن قَالَ أَحدهمَا هَذِه دَابَّتي نتجت فِي ملكي وَادّعى الآخر أَنَّهَا لَهُ نتجت فِي ملكه فَإِنَّهُ يقْضِي بهَا لصَاحب الْيَد لنا قَوْله صلى الله عليه وسلم الْبَيِّنَة على من الْمُدَّعِي جعل النَّبِي بَيِّنَة الْمُدَّعِي حجَّة وَالْخَارِج (مُدع) احْتَجُّوا بِظَاهِر هَذَا الحَدِيث وَذُو الْيَد (مُدع)

قُلْنَا مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ أولى لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جعل الْحجَّة قسمَيْنِ قسما على الْمُدَّعِي وَهُوَ الْبَيِّنَة وقسما على الْمُدعى عَلَيْهِ وَهُوَ الْيَمين وبالإجماع الْخَارِج هُنَا (مُدع) وَالْبَيِّنَة عَلَيْهِ فَمن جعل ذَا الْيَد مُدعيًا وَالْبَيِّنَة عَلَيْهِ فقد غير قسْمَة الشَّرْع

مَسْأَلَة رجلَانِ ادّعَيَا عينا فِي يَد ثَالِث وَأقَام كل وَاحِد مِنْهُمَا الْبَيِّنَة على ذَلِك فَإِنَّهُ يقْضِي بِالْعينِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَالشَّافِعِيّ رضي الله عنه ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا كَقَوْلِنَا وَالثَّانِي يقرع بَينهمَا فَكل من خرجت لَهُ الْقرعَة فَهُوَ أَحَق بهَا وَفِي الثَّالِث تهاترت الْبَيِّنَتَانِ وَهُوَ قَول احْمَد فِي الْقرعَة والتهاتر وعَلى هَذَا الْخلاف جَارِيَة بَين شَرِيكَيْنِ ولدت ولدا فَادّعى كل وَاحِد مِنْهُمَا

ص: 353

نسب الْوَلَد وَأقَام الْبَيِّنَة وَالْجَارِيَة وَالْولد فِي يَد ثَالِث قضى بِالنّسَبِ لَهما عندنَا خلافًا لَهُ

لنا مَا روى أَن رجلَيْنِ اخْتَصمَا إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي دَابَّة لَيْسَ لوَاحِد مِنْهُمَا بَيِّنَة فَجَعلهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم بَينهمَا نِصْفَيْنِ حد

وَفِي رِوَايَة لفظ مَا أحوجكما إِلَى سلسلة كسلسلة بني إِسْرَائِيل كَانَ دَاوُد عليه السلام إِذا جلس لفصل الْقَضَاء نزلت سلسلة من السَّمَاء فَأخذت بعنق الظَّالِم ثمَّ قضى النَّبِي صلى الله عليه وسلم بالمتنازع فِيهِ نِصْفَيْنِ احْتج الشَّافِعِي رضي الله عنه فِي القَوْل الثَّانِي بِأَحَادِيث الْقرعَة وَأَنَّهَا مُسْتَحقَّة عِنْده وَعِنْدنَا لَيست بمستحقة

وَأما فِي التهاتر فبمَا رَوَت أم سَلمَة رضي الله عنها أَن رجلَيْنِ اخْتَصمَا إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي مَوَارِيث لَهما لم يكن لَهَا بَيِّنَة فَقَالَ صلى الله عليه وسلم إِنَّكُم لتختصمون إِلَيّ وَلَعَلَّ بَعْضكُم أَن يكون أَلحن بحجته فَمن قضيت لَهُ من حق أَخِيه بِشَيْء فَلَا يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا فَإِنَّمَا أقطع لَهُ قِطْعَة من النَّار فَبكى الرّجلَانِ وَقَالَ كل وَاحِد مِنْهُمَا حَقي لَهُ فَقَالَ لَهما النَّبِي صلى الله عليه وسلم أما (إِذْ) فعلتما فاقتسما وتوخيا الْحق ثمَّ اسْتهمَا ثمَّ تحالا د قُلْنَا قَوْله صلى الله عليه وسلم اقْتَسمَا الْحق دَلِيل لنا وَإِذا لم يكن (دَلِيلا) لنا فَلَا

ص: 354

أقل من أَن لَا يكون حجَّة علينا مَسْأَلَة رجلَانِ ادّعَيَا نسب ولد ثَبت نسبه مِنْهُمَا وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ لَا يثبت لَكِن يلْحق بِأَحَدِهِمَا بقول الْقَائِف وللمسألة صُورَتَانِ إِحْدَاهمَا إِذا تداعيا وَأَقَامَا الْبَيِّنَة وَالثَّانيَِة إِذا (أقرا)

لنا إِجْمَاع الصَّحَابَة فَإِنَّهُ روى أَن عمر رضي الله عنه كتب إِلَى شُرَيْح فِي مثل هَذِه الْقَضِيَّة لما سَأَلَهُ عَن هده الْوَاقِعَة هُوَ ابنهما يرثانه ويرثهما وَهُوَ للْبَاقِي مِنْهُمَا لبسا فَلبس عَلَيْهِمَا

وروى أَن عُثْمَان وعليا رضي الله عنهما فضيا فِي رجلَيْنِ تداعيا نسب ولد هُوَ أَنَّهُمَا يرثانه ويرثهما من غير نَكِير فَكَانَ إِجْمَاعًا

احتجا بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم دخل على عَائِشَة رضي الله عنها وَعَن أَبِيهَا ذَات يَوْم وأسارير وَجهه تبرق فَقَالَ لَهَا أما سَمِعت قَول مُحرز المدلجي مر بأسامة وَزيد وهما نائمان قد غطيا وجههما بقطيفة وبدت أقدامهما فَقَالَ وَالله إِن هَذِه الْأَقْدَام بَعْضهَا من بعض خَ م

وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِمَعْنَاهُ فَقَالَ دخل قائف وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم شَاهد وَأُسَامَة وَزيد

ص: 355

بن حَارِثَة مضطجعان فَقَالَ هَذِه الْأَقْدَام بَعْضهَا من بعض قَالَت عَائِشَة رضي الله عنها فَتَبَسَّمَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَعْجَبهُ قَالَ إِبْرَاهِيم بن سعد وَكَانَ زيد أشقر أَبيض وَأُسَامَة مثل اللَّيْل وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا يسر بِالْحَقِّ لَا بِالْبَاطِلِ

قُلْنَا إِنَّمَا سر النَّبِي صلى الله عليه وسلم لأَنهم كَانُوا يطعنون فِي نِسْبَة (حبه) اسامة وهم يَعْتَقِدُونَ أَن الْقَائِف أفطنهم فَانْتقضَ كَلَامهم بقوله مَعَ أَن نسبه كَانَ ثَابتا من زيد عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمين فسروه صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا كَانَ لبُطْلَان طعنهم

أَلا ترى أَن قَول الْقَائِف لَا يعْتَبر إِذا كَانَ النّسَب ثَابتا فَإِنَّهُ لَو ثَبت النّسَب واشتهر فِي شخص ثمَّ أَرَادَ الْقَائِف أَن يلْحقهُ بآخر لَا يلْتَفت إِلَيْهِ فَكَذَا هَذَا

ص: 356

= كتاب الْإِقْرَار = مَسْأَلَة غُرَمَاء الصِّحَّة يقدمُونَ فِي التَّرِكَة على غُرَمَاء الْمَرَض وَعند الشَّافِعِي رضي الله عنه يستوون

وَصورته إِذا كَانَ عَلَيْهِ دين فِي صِحَّته ثمَّ مرض مرض الْمَوْت ثمَّ أقرّ لغريم آخر بدين فِي مَرضه

لنا النُّصُوص الْمُوجبَة لقَضَاء الدُّيُون وَدين الصِّحَّة أظهر لِأَنَّهُ تعلق بِمَالِه حَالَة الصِّحَّة لما عرف وَله قَوْله تَعَالَى {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان} وَمُقْتَضَاهُ التَّسَاوِي بَين الْغُرَمَاء

قُلْنَا صرفه إِلَى دين الصِّحَّة مُقْتَضى الْإِحْسَان لِأَن تمْلِيك هَذِه الْألف حق غَرِيم الصِّحَّة فَلَو نفذ إِقْرَاره لبطل هَذَا الْحق وَإنَّهُ لَا يجوز

مَسْأَلَة إِذا أقرّ الْمَرِيض فِي مرض مَوته لبَعض ورثته بِعَين اَوْ دين لم يَصح حَتَّى يصدقهُ بَاقِي الْوَرَثَة وَقَالَ زفر يَصح إِقْرَاره وَينفذ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي

لنا مَا روى مُحَمَّد عَن ابْن عمر مَوْقُوفا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا لَا يجوز إِقْرَار الْمَرِيض لوَارِثه بِالدّينِ من غير مُخَالف وَلَهُمَا قَوْله صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا أَقْْضِي بِالظَّاهِرِ فَينفذ

ص: 357

= كتاب الْوكَالَة = مَسْأَلَة الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ إِذا أقرّ على مُوكله فِي مجْلِس الْحَاكِم نفذ إِقْرَاره على الْمُوكل وَقَالَ زفر لَا ينفذ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَاتَّفَقُوا على أَنه لَو أقرّ فِي غير مجْلِس الْحَاكِم لَا ينفذ إِقْرَاره إِلَّا عِنْد أبي يُوسُف

لنا النُّصُوص الْمُطلقَة فِي جَوَاز التَّصَرُّف وَقد أَتَى بِمَا فوض إِلَيْهِ فَينفذ على مُوكله كَمَا لَو أنكر وَلَهُمَا النُّصُوص النافية لولاية الْغَيْر على الْغَيْر قُلْنَا هُوَ (مسلط) بِالتَّوْكِيلِ فَينفذ

مَسْأَلَة التَّوْكِيل بِالْخُصُومَةِ من غير رضَا الْخصم صَحِيح إِلَّا أَنه لَا ينفذ على الْمُوكل عِنْد أبي حنيفَة بِمَعْنى أَنه لَا يلْزمه وَقَالا وَالشَّافِعِيّ وَاحْمَدْ ينفذ سَوَاء رَضِي الْخصم أم لَا

وَاتَّفَقُوا على أَن التَّوْكِيل من الْغَائِب وَالْمَرِيض الَّذِي لَا يَسْتَطِيع الْحُضُور إِلَى مجْلِس القَاضِي والمقعد والزمن أَنه ينفذ من غير رضَا الْخصم وَفِي الْمَرْأَة المخدرة اخْتِلَاف الْمَشَايِخ لَهُ النُّصُوص النافية لولاية الْغَيْر على الْغَيْر وَلَهُم مَا روى أَن عليا رضي الله عنه وكل أَخَاهُ عقيلا بِالْخُصُومَةِ وَلم يشْتَرط

ص: 358

فِيهِ رضَا الْخصم وَكَانَ ذَلِك بِمحضر من الصَّحَابَة فَكَانَ إِجْمَاعًا وَكَذَا عبد الله بن جَعْفَر وَكله عَليّ رضي الله عنه لما أسن عقيل قُلْنَا يحْتَمل أَنه وَكله بِغَيْر رضَا الْخصم وَيحْتَمل أَنه وَكله بِرِضَاهُ والأثر حِكَايَة حَال لَا عُمُوم لَهُ فَلَا يَصح التَّمَسُّك بِهِ أَو يحمل على الْجَوَاز فَلَا كَلَام فِيهِ إِنَّمَا الْكَلَام فِي اللُّزُوم وَالله أعلم

ص: 359

= كتاب الْكفَالَة =

مَسْأَلَة الْكفَالَة بِنَفس من عَلَيْهِ الدّين تصح وَهُوَ قَول عمر وَعُثْمَان وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَحَمْزَة بن عَمْرو الْأَسْلَمِيّ وَجَرِير بن عبد الله وَأبي بن كَعْب وَعمْرَان بن حُصَيْن والأشعث بن قيس وَأحمد رضي الله عنهم وَقَالَ الشَّافِعِي رضي الله عنه لَا تصح وَاتَّفَقُوا على أَن الْكفَالَة بالأعيان الَّتِي لَا تضمن نَحْو الودائع والعواري غير صَحِيحَة لنا قَوْله صلى الله عليه وسلم الزعيم غَارِم ق والزعيم الْكَفِيل من غير فصل والغارم هُوَ الَّذِي لزمَه الغرامة كَذَا ذكر أهل اللُّغَة وَقد الْتزم تَسْلِيم نفس الْمَكْفُول عَنهُ فَيلْزمهُ

وَجَاء فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى {لن أرْسلهُ مَعكُمْ حَتَّى تؤتون موثقًا من الله} قَالَ ابْن عَبَّاس كفل بِنَفس الْأَخ الْمَبْعُوث مَعَه وروينا فِيمَا تقدم قَوْله صلى الله عليه وسلم الْمُؤْمِنُونَ عِنْد شروطهم فَإِن قيل الحَدِيث مُجمل لِأَنَّهُ لم يبين مَا يغرمه فَلَا يَصح التَّعَلُّق قُلْنَا قد يعين المُرَاد بِالْإِجْمَاع لِأَنَّهُ مؤاخذ بِمَا كفل بِهِ وَغَيره لَا يلْزمه

ص: 360

(فَيحمل) عَلَيْهِ لِئَلَّا يتعطل الحَدِيث وروى أَن شريحا حبس ابْنه بكفالة رجل بِالنَّفسِ

احْتج الشَّافِعِي بقوله تَعَالَى {مَا على الْمُحْسِنِينَ من سَبِيل وَالله غَفُور رَحِيم} وَالْكَفِيل محسن فَلَا يكون عَلَيْهِ سَبِيل

قُلْنَا إِذا لم يقم بِمَا كفل لم قُلْتُمْ إِنَّه يكون محسنا إِنَّمَا يكون محسنا إِذا فعل ذَلِك ووفى بِشَرْطِهِ مَسْأَلَة الْكفَالَة بِالدّينِ عَن ميت مُفلس لَا يَصح عَن أبي حنيفَة وَقَالا وَالشَّافِعِيّ وَاحْمَدْ يَصح لَهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا السَّبِيل على الَّذين يظْلمُونَ النَّاس} وَهَذَا كَفِيل بدين سَاقِط لِأَن الْمَيِّت لَا يُوصف بِالْفِعْلِ فَلَا سَبِيل عَلَيْهِ

احْتَجُّوا بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَتَى بِجنَازَة رجل من الْأَنْصَار ليُصَلِّي عَلَيْهِ فَقَالَ هَل على صَاحبكُم دين قَالُوا نعم دِينَارَانِ قَالَ أترك لَهما (وَفَاء) قَالُوا لَا قَالَ صلوا على صَاحبكُم فَقَالَ أَبُو قَتَادَة هما عَليّ يَا رَسُول الله فَتقدم النَّبِي صلى الله عليه وسلم فصلى عَلَيْهِ حد

(فَقَوْل) أبي قَتَادَة هما عَليّ الْتِزَام فصححه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

ص: 361

وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ فكفل عَليّ رضي الله عنه فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم جَزَاك الله خيرا وَفك رهانك كَمَا فَككت رهان أَخِيك فَقَالَ أَهَذا لعَلي خَاصَّة أم للنَّاس عَامَّة فَقَالَ بل للْمُسلمين عَامَّة قُلْنَا يحْتَمل أَنه مَاتَ والْحَدِيث حِكَايَة حَال

وَيحْتَمل أَن أَبَا قَتَادَة قَالَ ذَلِك وَعدا بالتبرع بِالْأَدَاءِ وَلِهَذَا لما أدّى قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْآن بردت جلدته

ص: 362

= كتاب الْحِوَالَة =

مَسْأَلَة الْمحَال عَلَيْهِ إِذا مَاتَ مُفلسًا من غير قَضَاء الدّين أَو جحد الْحِوَالَة وَحلف وَلَا بَيِّنَة للمحتال عَاد الدّين إِلَى ذمَّة الْمُحِيل وَهُوَ قَول عمر وَعُثْمَان وَشُرَيْح رضي الله عنه وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ لَا يعود لنا قَوْله صلى الله عليه وسلم لصَاحب الْحق الْيَد وَاللِّسَان والمحتال صَاحب حق وَقضى عُثْمَان رضي الله عنه فِي حَادِثَة بِمثل مَذْهَبنَا

وَسُئِلَ عمر رضي الله عنه عَن هَذِه الْمَسْأَلَة فَقَالَ يعود إِلَى ذمَّة الْمُحِيل لَا توى على مَال امرىء مُسلم وَقد رُوِيَ مَرْفُوعا وَمثله عَن شُرَيْح من غير نَكِير احتجا بِمَا رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مطل الْغَنِيّ ظلم وَمن أُحِيل على مَلِيء

ص: 363

فَليتبعْ خَ م

وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ حَقِيقَة الِاتِّبَاع لِأَن اتِّبَاع الْمُحْتَال لَيْسَ بِوَاجِب فَكَانَ المُرَاد مِنْهُ ترك اتِّبَاع الْمُحِيل

قُلْنَا الْأَمر بِالْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي التّكْرَار لِأَنَّهُ أَمر بِاتِّبَاع المليء وَنحن نقُول مَا دَامَ مليئا يجب اتِّبَاعه بِخِلَاف الْمُفلس وَالله أعلم

ص: 364

= كتاب الرَّهْن =

مَسْأَلَة الرَّهْن مَضْمُون بِالْأَقَلِّ من قِيمَته وَمن الدّين وَهُوَ قَول ابْن مَسْعُود وَشُرَيْح وَالشعْبِيّ وَابْن سِيرِين وَالْحسن وَعَطَاء وَطَاوُس وَابْن الْمسيب وَعُرْوَة بن الزبير وخارجة بن زيد وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وعبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهم وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ رضي الله عنهما هُوَ أَمَانَة

وَصورته إِذا رهن عينا من آخر قيمتهَا خَمْسَة بِعشْرَة فَهَلَكت الْعين سقط من الدّين خَمْسَة وَيرجع الْمُرْتَهن على الرَّاهِن بِخَمْسَة وَلَو كَانَت قيمَة الْعين عشرَة وَالدّين خَمْسَة فَهَلَك سقط الدّين وتهلك الزِّيَادَة لآنها أَمَانَة عندنَا وَعِنْدَهُمَا يهْلك الْكل أَمَانَة وَلَا يسْقط شَيْء من الدّين

وَقَالَ مَالك رضي الله عنه إِن هلك بِأَمْر ظَاهر فَهُوَ فِي ضَمَان الرَّاهِن وَإِن هلك بأمرخفي فَهُوَ فِي ضَمَان الْمُرْتَهن فَالْحَاصِل أَن حكم الرَّهْن عندنَا أَنه يملك اسْتِيفَاء لحقه وَعِنْدَهُمَا حكمه حكم حق الْمُطَالبَة (بِالْبيعِ) واختصاصه بالمالية من بَين سَائِر الْغُرَمَاء

لنا مَا روى أَن رجلا رهن فرسا فنفق فاختصما إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ ذهب حَقك

ص: 365

وَفِي رِوَايَة الرَّهْن بِمَا فِيهِ ق حكم النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِبُطْلَان الدّين وَمَعْنَاهُ أَن يهْلك بِمَا فِيهِ

وَعَن أبي بكر وَعمر وَعلي وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس رضي الله عنهم أَنهم قَالُوا الرَّهْن مَضْمُون فهم وَإِن اخْتلفُوا فِي كَيْفيَّة الضَّمَان فقد اتَّفقُوا على أَنه مَضْمُون وَاخْتلفُوا فِي الزِّيَادَة احتجا بقوله صلى الله عليه وسلم لَا يغلق الرَّهْن هُوَ لصَاحبه الَّذِي رَهنه لَهُ غنمه وَعَلِيهِ غرمه ق وَمعنى لَا يغلق أَي لَا يحبس وعندكم يحبس وَله غنمه أَي فَوَائده وَعَلِيهِ غرمه أَي هَلَاكه فالنبي صلى الله عليه وسلم حكم بِكَوْنِهِ هَالكا على الرَّاهِن ومضمونا عَلَيْهِ لَا على الْمُرْتَهن وعندكم الْهَلَاك على الْمُرْتَهن وَالْجَوَاب أما الحَدِيث فَفِي إِسْنَاده زِيَاد بن سعد ضَعِيف

وَلما رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ على إثره زِيَاد بن سعد حَافظ ثِقَة وَذَلِكَ أَمارَة طعن يقدم فِيهِ وَقيل إِن قَوْله لَهُ غنمه وَعَلِيهِ غرمه من كَلَام الرَّاوِي وَلَو سلم (فَعَنْهُ) أجوبة

أَحدهَا مَا روى الزُّهْرِيّ عَن النَّخعِيّ عَن سعيدبن الْمسيب أَنه قيل لَهُ مَا معنى

ص: 366

هَذَا الحَدِيث فَقَالَ هُوَ قَول الرجل إِن لم أوفك حَقك فِي وَقت كَذَا فالرهن لَك فَذكر للنَّبِي صلى الله عليه وسلم ذَلِك فَدلَّ على انهم كَانُوا (يعتادون) تملك الدُّيُون بالرهان وَالثَّانِي لَهُ زوائده وَعَلِيهِ نَفَقَته وَالثَّالِث لَهُ زِيَادَة ثمنه وَعَلِيهِ نقصانه عِنْد البيع تَوْفِيقًا بَين الدَّلَائِل قلت وَهَذَا الحَدِيث الَّذِي احْتج بِهِ أَصْحَابنَا مَعْلُول أما لَفظه الْفرس فَغَرِيبَة وَإِنَّمَا الْمَرْوِيّ الرَّهْن بِمَا فِيهِ

وَله طرق مِنْهَا إِسْمَاعِيل بن أبي أُميَّة وَسَعِيد بن رَاشد وَهِشَام بن زِيَاد وَعبد الْكَرِيم وَغُلَام خَلِيل واسْمه احْمَد بن مُحَمَّد بن غَالب

ص: 367

اتّفق الْحفاظ على تَكْذِيب هَؤُلَاءِ كَابْن معِين وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان وَأَبُو حَاتِم وَابْن عدي فنحتج بِإِجْمَاع الصَّحَابَة فَهُوَ أسلم وبالمعنى

مَسْأَلَة لَيْسَ للرَّاهِن أَن ينْتَفع بالمرهون بِدُونِ رضَا الْمُرْتَهن وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد رضي الله عنهما

وَقَالَ الشَّافِعِي رضي الله عنه لَهُ ذَلِك بِدُونِ رِضَاهُ إِلَّا إِذا كَانَ انتفاعا يضر بالمرتهن بتفويت حَقه وَقت الْقَبْض

لنا مَا تقدم من قَوْله صلى الله عليه وسلم الْمُؤْمِنُونَ عِنْد شروطهم والراهن شَرط للْمُرْتَهن كَون المَال مَرْهُونا إِلَى وَقت الْإِيفَاء فَيحرم الِانْتِفَاع بِهِ

احْتج الشَّافِعِي رضي الله عنه بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ الرَّهْن محلوب ومركوب ق فَدلَّ على الِانْتِفَاع بِهِ وَالْمُرْتَهن لَا ينْتَفع بِهِ بِالْإِجْمَاع وَكَذَا غَيره من الْأَجَانِب فَتعين الِانْتِفَاع بِهِ فِي حق الرَّاهِن قُلْنَا الحَدِيث مَوْقُوف على أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه

وَلَو كَانَ مَرْفُوعا فقد روى ابْن معِين أَنا أَبَا هُرَيْرَة أفتى بِخِلَافِهِ وَذَلِكَ يُوجب قدحا فِيهِ

وَلَو سلم قُلْنَا أَرَادَ بِهِ بَيَان صفة الْمحل حَقِيقَة لِأَن بعض النَّاس قَالُوا لَا يجوز

ص: 368

رهن الْحَيَوَان فَبين لَهُم النَّبِي صلى الله عليه وسلم (الْجَوَاز)

أَو يحمل على أَنه كَانَ يجوز ذَلِك للْمُرْتَهن فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام ثمَّ نسخ بقوله صلى الله عليه وسلم كل دين جر نفعا فَهُوَ حرَام

أَو نقُول خبرواحد ورد على مُخَالفَة قَوْله تَعَالَى {فرهان مَقْبُوضَة} وَلَو تمكن الرَّاهِن من الِانْتِفَاع بِالرَّهْنِ لَا يبْقى مَقْبُوضا فَيكون خلاف النَّص

مَسْأَلَة إِذا أعتق الرَّاهِن عبد الرَّهْن نفذ عتقه وَهُوَ قَول أَحْمد فَإِن كَانَ مُوسِرًا ضمن قيمَة العَبْد وَإِن كَانَ مُعسرا يسْعَى العَبْد فِي قِيمَته وَتَكون الْقيمَة مَكَانَهُ فِي الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ أحد أَقْوَال الشَّافِعِي رضي الله عنه وَفِي القَوْل (الْمَنْصُور) فِي الْخلاف لَا يَصح أصلا وَفِي قَول زفر إِن كَانَ مُوسِرًا صَحَّ وَإِلَّا فَلَا

ثمَّ ينظرإن كَانَ الدّين حَالا كلف بأَدَاء قدرالدين من قيمَة العَبْد إِلَى الْمُرْتَهن وَإِن كَانَ مُؤَجّلا كلف بأَدَاء الْقيمَة إِلَى الْمُرْتَهن وَيكون عِنْده رهنا إِلَى مَحل الدّين وَيسْعَى العَبْد إِذا كَانَ مُعسرا فِي الْأَقَل من قِيمَته وَمن الدّين وَيرجع على الرَّاهِن بِمَا أدّى لنا مَا روينَا من قَوْله صلى الله عليه وسلم من أعتق شركا لَهُ فِي عبد عتق كُله لَيْسَ لله شريك وَفِي رِوَايَة شِقْصا لَهُ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُمَا لَو رهنا عبدا أَو أعتق أَحدهمَا شِقْصا وَجب أَن يعْتق وَقَوله لَهُ غنمه وَالْإِعْتَاق غنم

ص: 369

احْتج الشَّافِعِي رضي الله عنه بِمَا روينَا من قَوْله صلى الله عليه وسلم لَا عتق فِيمَا لَا يملكهُ ابْن آدم

شَرط الْإِعْتَاق بِملك الْمحل مُطلقًا فَيَنْصَرِف إِلَى الْملك الثَّابِت رَقَبَة ويدا لِأَنَّهُ هُوَ الْكَامِل وَالثَّابِت هُنَاكَ ملك الرَّقَبَة دون الْيَد قُلْنَا الحَدِيث لَا يتَنَاوَل ملك الرَّقَبَة وَالْيَد بل ملك الرَّقَبَة لَا غير أَلا ترى أَن الْآجر لَو أعتق العَبْد الْمُسْتَأْجر أَنه ينفذ عتقه وَإِن انْعَدم ملك الْيَد

وَلَو سلمنَا أَنه ينتظمهما لَكِن خص عَن الحَدِيث إِعْتَاق الْآجر فالتخصيص هُنَاكَ يكون تَخْصِيصًا هُنَا

مَسْأَلَة لَا يَصح رهن الْمشَاع عندنَا سَوَاء كَانَ من الشَّرِيك أَو من ثَالِث بِأَن كَانَ (عِنْد شريك) أَو (عِنْد) أَجْنَبِي أَو كَانَ فِيمَا يحْتَمل الْقِسْمَة أَولا وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَاحْمَدْ رضي الله عنهم يَصح

وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ قَالَ بَعضهم إِنَّه بَاطِل لفقد مَحَله الَّذِي يجْرِي (مجْرى) الرُّكْن

ص: 370

وَقَالَ بَعضهم بِأَنَّهُ فَاسد لفقد شَرطه

وَثَمَرَة الِاخْتِلَاف تظهر فِيمَا إِذا سلمه وَهلك فِي يَد الْمُرْتَهن فعلى (قَول) الْأَوَّلين لَا يسْقط الدّين وعَلى قَول الآخرين يسْقط وَهُوَ الْأَصَح

لنا قَوْله صلى الله عليه وسلم الكاسب أَحَق بِكَسْبِهِ وَالرَّهْن كسب الرَّاهِن فَيكون أَحَق بِهِ وَلَو صَحَّ الرَّهْن لَا يكون احق بِهِ

احْتَجُّوا بِالْمَعْنَى فَقَالُوا الشَّائِع مَحل قَابل للرَّهْن فَيصح قِيَاسا على (المحرز) لِأَن حكم الرَّهْن عندنَا حق الْمُطَالبَة (بِالْبيعِ) والشائع قَابل لذَلِك

قُلْنَا نَحن نمْنَع أَن الشَّائِع مَحل للرَّهْن لِأَن حكم الرَّهْن ملك الْيَد وَالْحَبْس وَحبس النّصْف شَائِعا لَا يتَصَوَّر لما عرف فِي دَلِيل الْمَسْأَلَة ثمَّ هُوَ قِيَاس (فِي) مُقَابلَة النَّص وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فرهان مَقْبُوضَة} وَمُقْتَضى النَّص أَن تكون مَقْبُوضَة مَا دَامَت مَرْهُونَة وَهنا لَيست كَذَلِك فَلَا يَصح

ص: 371

= كتاب الصُّلْح = مَسْأَلَة الصُّلْح على الْإِنْكَار جَائِز وَهُوَ قَول عمر وَعلي وَابْن عَبَّاس وَحُذَيْفَة وَاحْمَدْ رضي الله عنهم وَقَالَ الشَّافِعِي رضي الله عنه لَا يجوز

وَصورته رجل ادّعى على رجل دينا أَو عينا فَأنْكر الْمُدعى عَلَيْهِ ثمَّ صَالح على شَيْء صَحَّ عندنَا خلافًا لَهُ

وَثَمَرَة الِاخْتِلَاف أَن عندنَا لَا يُمكن الْمُدَّعِي من الْعود إِلَى الدَّعْوَى وَيجْبر الْمُدعى عَلَيْهِ على تَسْلِيم الْبَدَل فَإِن سلم لَيْسَ لَهُ أَن يسْتَردّ

وَعِنْده يُمكن الْمُدَّعِي من الْعود إِلَى الدَّعْوَى وَلَا يجْبر الْمُدعى عله على تَسْلِيم الْبَدَل وَله أَن يسْتَردّ

وعَلى هَذَا الْخلاف الصُّلْح عَن حق مَجْهُول بِأَن كَانَ لَهُ على إِنْسَان مَال وَلَا يعرف قدره فَصَالحه على مَال صَحَّ عندنَا خلافًا لَهُ

لنا مَا روى مُحَمَّد رحمه الله فِي كتاب الْغَصْب أَن أَعْرَابِيًا جَاءَ إِلَى عُثْمَان رضي الله عنه فَقَالَ إِن بني عمك عدوا على إبلي وَقتلُوا أَوْلَادهَا وأكلوا أَلْبَانهَا فَصَالحه عُثْمَان رضي الله عنه على إبل مثل إبِله من غير نَكِير وَهَذَا صلح على الْإِنْكَار

وروى أَن عر رضي الله عنه قَالَ ردوا الْخُصُوم (حَتَّى يصطلحوا) فَإِن فصل

ص: 372

الْقَضَاء يُورث بَينهم الضغائن وَهَذَا إِنَّمَا يكون حَالَة الْإِنْكَار لِأَن الْقَضَاء حَالَة الْإِقْرَار لَا يُورث الضغائن

وروى أَن رجلَيْنِ جَاءَا إِلَى عَليّ رضي الله عنه واختصما فِي بغلة فجَاء أَحدهمَا بِخَمْسَة رجال على أَنه أنتجها وَجَاء الآخر (بِشَاهِدين) فَقَالَ عَليّ رضي الله عنه فِيهَا قَضَاء وَصلح أما الْقَضَاء فبينتهما وَأما الصُّلْح فلأحدهما خَمْسَة أسْهم وَللْآخر سَهْمَان على عدد الشُّهُود وَهَذَا صلح مَعَ إِنْكَار

وَعَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان رضي الله عنه أَن رجلا ادّعى عَلَيْهِ حَقًا فَقَالَ خُذ عشرَة وَلَا تحلفني فأبي قَالَ خُذ عشْرين وَلَا تحلفني فَأبى (فَقَالَ خُذ خُذ) إِلَى أَرْبَعِينَ وَهَذَا صلح مَعَ إِنْكَار

احْتج الشَّافِعِي رضي الله عنه بقوله صلى الله عليه وسلم كل صلح جَائِز بَين الْمُسلمين إِلَّا صلحا أحل حَرَامًا أَو حرم حَلَالا د وَهَذَا صلح أحل حَرَامًا لِأَن مَال الْمُدعى عَلَيْهِ كَانَ حَرَامًا على الْمُدَّعِي قبل

ص: 373

الصُّلْح وَبعد الصُّلْح صَار حَلَالا وَقَوله صلى الله عليه وسلم لعن الله الراشي والمرتشي وَبدل الصُّلْح رشوة لِأَنَّهُ (لدفع) الْمَكْرُوه عَن نَفسه

قُلْنَا لَا نسلم أَن هَذَا الصُّلْح أحل حَرَامًا وَلَا أَن بدل الصُّلْح حرَام بل الْأَمْوَال كلهَا مُبَاحَة وَإِنَّمَا الْمحرم مَا يُجَاوِزهُ من ضَرَر الْغَيْر حَتَّى لَو خلا عَن ضَرَر الْغَيْر بِأَن رَضِي بِهِ ذَلِك الْغَيْر لَا يصير مرتكبا للْمحرمِ

وعَلى أَن الحَدِيث حجَّة لنا لإِطْلَاق قَوْله ص كل الصُّلْح بَين الْمُسلمين جَائِز وَهَذَا صلح وَلَا نسلم أَن الصُّلْح رشوة لما قُلْنَا ثمَّ هِيَ أَخْبَار آحَاد وَردت على مُخَالفَة قَوْله تَعَالَى {وَالصُّلْح خير} فَترد

فَإِن قَالُوا الْآيَة وَردت فِي النُّشُوز بَين الزَّوْجَيْنِ لِأَنَّهُ قَالَ فِي سياقها {وَإِن امْرَأَة خَافت من بَعْلهَا نُشُوزًا أَو إعْرَاضًا فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا أَن يصلحا بَينهمَا صلحا} وَنحن نقُول الصُّلْح جَائِز هُنَا

قُلْنَا قَوْله تَعَالَى {فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا أَن يصلحا بَينهمَا صلحا} كَلَام تَامّ فِي نَفسه وَقَوله {وَالصُّلْح خير} كَلَام تَامّ أَيْضا فَلَا يرتبط بِمَا قبله وَالله أعلم

ص: 374

= كتاب الْأَشْرِبَة = مَسْأَلَة تَخْلِيل الْخمر جَائِز وَسَوَاء كَانَ بعلاج بِأَن ألْقى فِيهَا الْملح أَو الْخلّ وَنَحْوه أَو بِغَيْر علاج بِأَن نقلهَا من الظل إِلَى الشَّمْس أَو على الْعَكْس وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد لَا يجوز وَللشَّافِعِيّ فِيمَا إِذا كَانَ بِغَيْر علاج قَولَانِ لنا قَوْله تَعَالَى {أحل لكم الطَّيِّبَات} وَقد تَغَيَّرت الْعين والخل طيب بالطبع فَيحل وَقَالَ صلى الله عليه وسلم نعم الإدام الْخلّ م وَإِنَّمَا يكون لَو (خلل) احتجا بقول صلى الله عليه وسلم حرمت الْخمر لعينها خَ م وَالْعين بَاقِيَة بعد التَّغْيِير وَنهى النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن التَّخْلِيل فَقَالَ لَا تَتَّخِذُوا الْخمر خلا وَلما نزلت آيَة التَّحْرِيم كَانَ عِنْد أبي طَلْحَة الْأنْصَارِيّ (خمور لأيتام) فَقَالَ

ص: 375

يَا رَسُول الله أفأخللها قَالَ لَا وَأمره بإراقتها وَلَو كَانَ التَّخْلِيل مُبَاحا لما نَهَاهُ لِأَنَّهُ حفظ أَمْوَال الْيَتَامَى

قُلْنَا أما الحَدِيث الأول فَلم قُلْتُمْ إِنَّه بَقِي خمرًا حَتَّى تبقى الْعلَّة وَهِي الْعين بل زَالَت فَيدْخل تَحت الطَّيِّبَات بِالنَّصِّ الَّذِي تلونا وكما فِي الْجلد إِذا دبغ فَإِنَّهُ يطهر فَكَذَا بالتخليل

وَأما الحَدِيث الثَّانِي فالنهي عَن وضع الْخمر مَكَان الْخلّ كَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم لَا تَتَّخِذُوا طهُور الدَّوَابّ كراسي أَي لَا تستعملوها اسْتِعْمَال الكراسي والمحتمل لَا يصلح حجَّة

وَأما حَدِيث أبي طَلْحَة فالروايات مضطربة فَفِي رِوَايَة أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ خللها فَلَا يكون حجَّة

وَلَو ثَبت على مَا قَالُوا فَيحمل عل أَنه كَانَ فِي الِابْتِدَاء التَّحْرِيم حِين كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُبَالغ فِي أَمر الْخمر زجرا لَهُم وقلعا عَن الْعَادة المألوفة أَلا ترى أَنه أمربكسر الدنان وَإِن لم يكن مَشْرُوعا الْآن فَكَذَا هَذَا على أَنَّهَا أَخْبَار آحَاد وَردت على مُخَالفَة النَّص فَلَا تقبل

ص: 376

= كتاب الْإِكْرَاه = مَسْأَلَة طَلَاق الْمُكْره وَاقع عندنَا وَهُوَ قَول عمر وَعلي وَحُذَيْفَة وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة وَالنَّخَعِيّ وَابْن الْمسيب وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ رضي الله عنهما لَا يَقع وعَلى هَذَا الْخلاف نِكَاحه وعتاقه وَيَمِينه ونذره ورجعته وفيئه وَأما فِي البيع وَالْإِجَارَة فَينْعَقد مَوْقُوف النَّفاذ على رِضَاهُ بعد زَوَال الْإِكْرَاه وَعِنْدهم الْكل بَاطِل

لنا مَا روى مُحَمَّد رحمه الله أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ ثَلَاث جدهن جد وهزلهن جد النِّكَاح وَالطَّلَاق وَالْعتاق وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَذكر مَوضِع الْعتاق الرّجْعَة سوى النَّبِي صلى الله عليه وسلم بَين جد الطَّلَاق وهزله وَطَلَاق الهازل وَاقع فَهَذَا أولى

وروى أَن امْرَأَة كَانَت تبغض زَوجهَا فَوَجَدته نَائِما فسلت سَيْفا أَو سكينا وَجَلَست على صَدره وحركته برجلها فَاسْتَيْقَظَ فَقَالَت لتطلقني ثَلَاثًا أَو لأذبحنك فناشدها الله فَأَبت عَلَيْهِ فَطلقهَا ثَلَاثًا ثمَّ اخْتَصمَا إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَا قيلولة فِي الطَّلَاق رَوَاهُ (الْعقيلِيّ) وروى أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ كل طَلَاق جَائِز إِلَّا طَلَاق الصَّبِي وَالْمَجْنُون

ص: 377

وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَلَفظه كل الطَّلَاق جَائِز إِلَّا طَلَاق الْمَعْتُوه والمغلوب عَلَيْهِ فَبَقيَ على إِطْلَاقه

وروى أَن هَذِه الْحَادِثَة وَقعت فِي زمن عمر رضي الله عنه فَأجَاز الطَّلَاق من غير نَكِير

احتجا بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ عفى لأمتي عَن الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ خَ م وَقَالَ صلى الله عليه وسلم لَا طَلَاق وَلَا عتاق إغلاق حد

قَالَ ابْن قُتَيْبَة الإغلاق الْإِكْرَاه على الطَّلَاق وَالْعتاق من اغلقت الْبَاب على الْمُكْره حَتَّى يفعل وَكَذَا فسره أَبُو عبيد

قُلْنَا لَيْسَ المُرَاد من الحَدِيث الأول إِلَّا نفي الْإِثْم وَلِهَذَا قرنه بالْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَطَلَاق الخاطىء وَالنَّاسِي وَاقع بِالْإِجْمَاع

وَأما الحَدِيث الثَّانِي فالإغلاق هُوَ الْجُنُون كَذَا فسره أَبُو عبيد قَالَ يُقَال انغلق عقله إِذا جن

ص: 378

وَنحن نقُول طَلَاق الْمَجْنُون لَا يَقع قلت احاديثنا فِيهَا نظر أما الأول فَفِي إِسْنَاده عَطاء بن عجلَان قَالَ التِّرْمِذِيّ هُوَ مَتْرُوك الحَدِيث وَقيل إِنَّه مَوْقُوف على عَليّ رضي الله عنه

وَأما حَدِيث الْمَرْأَة فَقَالَ البُخَارِيّ فِي إِسْنَاده صَفْوَان الْأَصَم لَا يُتَابع عَلَيْهِ وَحَدِيث صَفْوَان مُنكر وَأما الحَدِيث الثَّالِث فَفِي إِسْنَاده أَيْضا عَطاء بن عجلَان والأجود أَن نحتج فِي الْمَسْأَلَة بِإِجْمَاع الصَّحَابَة مَسْأَلَة إِذا بَاعَ مكْرها وتسلم مكْرها نفذ وَيثبت الْملك للْمُشْتَرِي وَقَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ رضي الله عنهما لَا ينفذ وَاتَّفَقُوا على انه لَو بَاعَ مكْرها وتسلم طَائِعا أَو أجَاز طَائِعا أَنه ينفذ لنا نُصُوص جَوَاز البيع

احتجا بِمَا روينَا من قَوْله صلى الله عليه وسلم لَا يحل مَال امرىء مُسلم إِلَّا وَنَفسه طيبَة بذلك وَلم يُوجد الطّيبَة هُنَا فَيَنْتَفِي الْحل قُلْنَا هَذَا خبر وَاحِد ورد على مُخَالفَة النُّصُوص فَيرد

مَسْأَلَة الْمُكْره على الْقَتْل بوعيد التّلف إِذا قتل إنْسَانا يجب الْقصاص على الْمُكْره دون الْمُكْره عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى

ص: 379

وَقَالَ زفر يجب الْقصاص على الْمُكْره دون الْمُكْره وَعند الشَّافِعِي يجب عَلَيْهِمَا وَعند أبي يُوسُف لَا يجب عَلَيْهِمَا الْقصاص وَإِنَّمَا تجب الدِّيَة على الْمُكْره وَالتَّعْلِيل هَذَا نفي وجوب الْقصاص على الْمُكْره لنا مَا روينَا من قَوْله صلى الله عليه وسلم لَا يحل دم امرىء مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث

الحَدِيث نفى حل الْقَتْل بِدُونِ الْقَتْل بِغَيْر حق وَلم يُوجد من الْمُكْره قتل بِغَيْر حق على هَذَا التَّفْسِير لِأَنَّهُ مكره وَقَالَ صلى الله عليه وسلم (و) مَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ احْتج الشَّافِعِي بالعمومات مثل قَوْله تَعَالَى {كتب عَلَيْكُم الْقصاص فِي الْقَتْلَى} وَبِالْحَدِيثِ الَّذِي استدللتم بِهِ فَإِن الْقَتْل بِغَيْر حق إِنَّمَا وجد من الْمُكْره قُلْنَا الْمَكْر آلَة فَلَا يجب عَلَيْهِ الْقصاص وَقد بَينا معنى الحَدِيث

ص: 380

= كتاب الْحجر = مَسْأَلَة الْحجر على الْحر السَّفِيه الْعَاقِل الْبَالِغ المبذر لمَاله لَا يَصح عِنْد أبي حنيفَة رحمه الله حَتَّى تنفذ تَصَرُّفَاته قبل الْحجر وَبعده

وَعِنْدَهُمَا الْحجر صَحِيح وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأحمد إِلَّا أَن الْحجر عَلَيْهِ عِنْد أبي يُوسُف وَمُحَمّد نظرا لَهُ وَعند الشَّافِعِي وَأحمد عُقُوبَة

لأبي حنيفَة رحمه الله مَا روى أَن حبَان بن منقذ كَانَ لَا يَشْتَرِي شَيْئا إِلَّا غبن فَقَالَ أَهله يار سَوَّلَ الله احجر عَلَيْهِ فَقَالَ لاتبع قَالَ لَا صَبر لي عَن البيع فَقَالَ إِذا بِعْت فَقل لَا خلابة حد

وَقد رَوَاهُ أنس فَقَالَ إِن رجلا فِي عقدته (ضعف) وَكَانَ يُبَايع وَإِن أَهله أَتَوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا يَا رَسُول الله احجر عَلَيْهِ فَدَعَاهُ نَبِي الله صلى الله عليه وسلم فَنَهَاهُ عَن البيع فَقَالَ يَا رَسُول الله لَا صَبر لي على البيع فقا إذابعت فَقل لَا خلابة وَفِي لفظ فنهاهم عَن الْحجر عَلَيْهِ فَقَالَ الْخَطِيب هَذَا الرجل حبَان بن منقذ

ص: 381

فالنبي صلى الله عليه وسلم أطلقهُ فِي البيع من غير حجر عَلَيْهِ احتجوتا بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم حجر على معَاذ وَقسم مَاله بَين غُرَمَائه وَفِي رِوَايَة بَاعَ مَاله فِي دين كَانَ عَلَيْهِ ق وروى أَن حبَان بن منقذ كَانَ يغبن فِي البيع فحجر عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم

وروى أَن عبد الله بن جَعْفَر اشْترى دَارا بِأَرْبَعِينَ ألفا فَطلب عَليّ من عُثْمَان رضي الله عنهما أَن يحْجر عَلَيْهِ فشارك الزبير بن الْعَوام فَبلغ ذَلِك عُثْمَان فَقَالَ كَيفَ أحجر على رجل شَرِيكه الزبير لِأَنَّهُ كَانَ مَعْرُوفا بالهداية فِي التِّجَارَة

فَطلب عَليّ وتعليل عُثْمَان واحتيال عبد الله بن جَعْفَر بِهَذِهِ الْحِيلَة دَلِيل على أَنهم رووا الْحجر وَلم ينْقل عَن غَيرهم خلاف فَكَانَ إِجْمَاعًا ويروى أَن المُشْتَرِي كَانَ بسيجه اشْتَرَاهَا بستين ألفا

وروى أَن عمر رضي الله عنه قَالَ على الْمِنْبَر أَلا إِن أسيفع جُهَيْنَة رَضِي من دينه وأمانته أَن يُقَال سبق الْحَاج فادان معرضًا فَأصْبح وَقد رين بِهِ فَمن كَانَ لَهُ

ص: 382

عَلَيْهِ حق فليغد إِلَيْنَا فَإنَّا بائعوا مَاله وقاسموه بَين غُرَمَائه بِالْحِصَصِ

وروى أَن عَائِشَة رضي الله عنها كَانَت تستنفذ أموالها فِي الصَّدقَات حَتَّى باعت عقارا فِي ذَلِك فَقَالَ عبد الله بن الزبير لتنتهين وإلآ حجرت عَلَيْهَا فبلغها ذَلِك فَغضِبت وَحلفت لَا تكَلمه أبدا وَفِيه دَلِيل على روايتهما الْحجر

وَالْجَوَاب أما حَدِيث معَاذ فَالْخِلَاف مَا وَقع فِي أصل الْحجر لِأَن مَاله هُوَ مَمْنُوع عَنهُ وَلذَلِك يتَعَلَّق بالتصرفات الشَّرْعِيَّة والْحَدِيث لَا يتَعَرَّض لَهَا فَلَا يكون حجَّة

وَأما حَدِيث حبَان بن منقذ فالثابت من الرِّوَايَة مَا روينَا وَأَنه صلى الله عليه وسلم لم يحْجر عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ إِذا بِعْت فَقل لَا خلابة ولي الْخِيَار ثَلَاثَة أَيَّام حد ت وابو يُوسُف فِي الأمالي

وَأما أثر عُثْمَان رضي الله عنه فالمطلوب من عُثْمَان الْحجر بِاللِّسَانِ وَهُوَ نَهْيه

ص: 383

لَا الْحجر حَقِيقَة لِأَنَّهُ اشْترى دَارا بِأَرْبَعِينَ ألفا أَو بنى بستين ألفا وَهِي تَسَاوِي ذَلِك فَكَانَ نهي شَفَقَة كالحجر على المتطبب الْجَاهِل والمفتي الماجن الَّذِي يعلم النَّاس الْحِيَل وَلَا كَلَام فِيهِ إِنَّمَا الْكَلَام فِي الْحجر بِالْقضَاءِ واعتذار عُثْمَان يدل على أَنه لم ير الْحجر وَأما عمر فَلم يذكر أَن الْقِسْمَة وَالْبيع كَانَ بِدُونِ رضَا أسيفع ليَكُون حجرا

وَأما أثر عَائِشَة فَلم قُلْتُمْ إِن تهديد ابْن الزبير يدل على أَنه كَانَ يرى الْحجر فِي الترفات الشَّرْعِيَّة بل النَّهْي عَن التَّصَرُّف فِي المَال على وَجه الشَّفَقَة وَبِه نقُول على أَنَّهَا أَخْبَار وآثار وَردت على مُخَالفَة قَوْله تَعَالَى {فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحق سَفِيها أَو ضَعِيفا} أثبت للسفيه ولَايَة المداينة وَقد تصرف فِي خَالص ملكه فَلَا يحْجر عَلَيْهِ

ص: 384

= كتاب الْمَأْذُون = مَسْأَلَة إِذا أذن السَّيِّد لعَبْدِهِ فِي نوع من التَّصَرُّفَات ملك سَائِر أَنْوَاعهَا وَقَالَ زفر لَا يملك إِلَّا مَا نَص عَلَيْهِ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَاحْمَدْ رضي الله عنهما وَصورته إِذا أذن لَهُ فِي التَّصَرُّف فِي الْخَزّ فتصرف فِي الْبَز جَازَ عندنَا خلافًا لَهما

وَالْكَلَام فِي الْمَسْأَلَة يرجع إِلَى حرف وَهُوَ أَن العَبْد عندنَا يتَصَرَّف لنَفسِهِ بفك الْحجر كَالْمكَاتبِ وَعِنْدَهُمَا يتَصَرَّف للسَّيِّد بِحكم الْأَمر كَالْوَكِيلِ وَالْمُضَارب لنا النُّصُوص الْمُطلقَة فِي جَوَاز التَّصَرُّف وَقَوله تَعَالَى {وَلَقَد كرمنا بني آدم} وَإِطْلَاق التَّصَرُّف فِي الْأَنْوَاع كلهَا كَرَامَة وَلَهُمَا قَوْله صلى الله عليه وسلم لَا يملك العَبْد إِلَّا الطَّلَاق نفي قدرَة العَبْد على غير الطَّلَاق قُلْنَا الحَدِيث غَرِيب وَظَاهره مَتْرُوك فَإِنَّهُ يملك غيرالطلاق ثمَّ هُوَ غَرِيب ورد على مُخَالفَة الْكتاب

مَسْأَلَة إِذا رأى الْمولى عَبده يَبِيع وَيَشْتَرِي فَسكت صَار مَأْذُونا فِي التِّجَارَة وَقَالَ زفر لَا يصير مَأْذُونا وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَاحْمَدْ رَضِي الله عَنْهُم

ص: 385

وَثَمَرَة الْخلاف أَن تَصَرُّفَات العَبْد تنفذ على الْمولى عندنَا خلافًا لَهُم

لنا نُصُوص حل التَّصَرُّفَات وَالسُّكُوت فِي هَذِه الْحَالة دَلِيل الْإِذْن والرضى لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى الضَّرَر بِالنَّاسِ وَلَهُم مَا تقدم فِي الْمَسْأَلَة الْمَاضِيَة مَسْأَلَة رَقَبَة العَبْد الْمَأْذُون تبَاع فِي دين يلْحقهُ بتجارته وَقَالَ الشَّافِعِي لاتباع

وعَلى هَذَا الْخلاف أرش يَد العَبْد وَمَا اكْتَسبهُ من الصَّيْد والحطب والحشيش تصرف إِلَى الدّين عندنَا خلافًا لَهُ وَكَذَا إِذا وطِئت الْجَارِيَة المأذونة بِشُبْهَة يصرف الْعقر إِلَى الدّين عندنَا لنا النُّصُوص الْمُطلقَة بِجَوَاز البيع وَقَوله صلى الله عليه وسلم لصَاحب الْحق الْيَد وَاللِّسَان وَللشَّافِعِيّ النُّصُوص الْمُحرمَة لمَال الْغَيْر بِدُونِ رِضَاهُ قُلْنَا لما بَاشر لزمَه صرفه إِلَى الدّين لما عرف

مَسْأَلَة الصَّبِي الْعَاقِل الْمَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة إِذا بَاعَ أَو اشْترى أَو أجر أَو اسْتَأْجر نفذ تصرفه وَقَالَ الشَّافِعِي لَا ينفذ

ص: 386

وَلَو تصرف قبل إِذن الْمولى عندنَا ينْعَقد وَعِنْده لَا ينْعَقد ولقب الْمَسْأَلَة تَصَرُّفَات الصَّبِي الْعَاقِل ينفذ عندنَا خلافًا لَهُ

وَالْحَاصِل أَن الصَّبِي أهل للتصرفات كلهَا عندنَا إلاأن الشَّرْع لم يعْتَبر أَهْلِيَّته للتصرفات الضارة مثل الطَّلَاق وَالْعتاق وَالْإِقْرَار والتبرع

وَعِنْده الشَّارِع لم يَجعله أَهلا فِي التَّصَرُّفَات النافعة نَحْو الْوَصِيَّة وَاخْتِيَار أحد الْأَبَوَيْنِ وأفعال الْقرب حَتَّى لَا يَصح إِسْلَامه (عِنْده) لنا نُصُوص جَوَاز البيع

وَله مَا مر من قَوْله صلى الله عليه وسلم رفع الْقَلَم عَن ثَلَاث وَذكر مِنْهَا الصَّبِي حَتَّى يَحْتَلِم نفي الْوُجُوب حَتَّى يَحْتَلِم قُلْنَا هَذَا يخْتَص بالتصرفات الضارة تَوْفِيقًا بَين الدَّلَائِل

ص: 387

= كتاب الْقصاص = مَسْأَلَة مُوجب الْقَتْل الْعمد الْقصاص (عينا) وَلَا سَبِيل للْوَلِيّ إِلَى أَخذ الدِّيَة بِدُونِ رضى الْقَاتِل وَهُوَ قَول مَالك

وَقَالَ الشَّافِعِي فِي قَول الْوَاجِب أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه وللولي خِيَار التَّعْيِين كَمَا فِي الْكَفَّارَات الثَّلَاث وَفِي قَول مُوجبه الْقود عينا إِلَّا أَن للْوَلِيّ أَن يعدل إِلَى الدِّيَة بِدُونِ رضى الْقَاتِل وَعَن أَحْمد كالمذهبين وَثَمَرَة الْخلاف تظهر فِي عَفْو الْوَلِيّ وَمَوْت الْقَاتِل فعلى القَوْل الأول يَأْخُذ المَال فِي الْمَوْت لَا فِي الْعَفو وعَلى الثَّانِي يَأْخُذ المَال فِي الْعَفو لَا فِي الْمَوْت

لنا العمومات كَقَوْلِه تَعَالَى {كتب عَلَيْكُم الْقصاص فِي الْقَتْلَى} {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ} وَقَوله صلى الله عليه وسلم الْعمد قَود أَي مُوجبَة الْقود فَالله تَعَالَى أوجب الْقصاص فِي الْقَتْلَى فَمن أوجب أَحدهمَا أَو أَخذ الدِّيَة بِغَيْر

ص: 388

رضى الْقَاتِل فقد خَالف النُّصُوص

احْتج الشَّافِعِي بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ أما أَنْتُم يَا معشر خُزَاعَة فقد قتلتم هَذَا الْقَتِيل من هُذَيْل وَأَنا وَالله (عاقله) فَمن قتل لَهُ قَتِيل بعد هَذَا فأهله بَين خيرتين إِن شَاءُوا قتلوا وَإِن شَاءُوا أخذُوا الدِّيَة حد خَيرهمْ النَّبِي صلى الله عليه وسلم والتخيير يُنَافِي التَّعْيِين

وروى أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ من قتل لَهُ قَتِيل فَهُوَ بِخَير النظرين إِمَّا أَن يفْدي وَأما أَن يقتل خَ م

قُلْنَا مَعْنَاهُ إِن شَاءُوا أخذُوا الدِّيَة برضى الْقَاتِل إِلَّا أَنه لم يذكر الرضى صَرِيحًا لثُبُوته عَادَة على أَن أَخْبَار الْآحَاد لَا يُعَارض العمومات مَسْأَلَة الْأَب (مَعَ الْأَجْنَبِيّ إِذا اشْتَركَا فِي قتل الابْن لاقود على شريك الْأَب) وَقَالَ الشَّافِعِي يجب وعَلى هَذَا الْخلاف شريك الْمولى فِي قتل عَبده

ص: 389

وَأما شريك الخاطىء وَشريك السَّبع وَشريك الصَّبِي وَالْمَجْنُون فَلَا يجب عَلَيْهِ وَهُوَ الظَّاهِر من مَذْهَب الشَّافِعِي وَبَعض أَصْحَابه يمْنَع ذَلِك

لنا النُّصُوص الْمُقْتَضِيَة لرعاية الْمُمَاثلَة وَلم يُوجد مِنْهُ فعل يُضَاف جَمِيع الْفَوات إِلَيْهِ لِأَن الْمحل الواحدلا يقبل إِلَّا قتلا وَاحِدًا

احْتج الشَّافِعِي بِمَا روينَا من قَوْله صلى الله عليه وسلم لَا يحل دم امرىء مُسلم الحَدِيث وَقد وجد هُنَا قتل نفس بِغَيْر نفس وَلَا يُبَاح دم غَيره بالِاتِّفَاقِ فَيجب عَلَيْهِ قُلْنَا خص مِنْهُ الخاطى مَعَ الْعَامِد فيخص الْمُتَنَازع فِيهِ بِمَا ذكرنَا مَسْأَلَة الْأَيْدِي لَا تقطع بيد وَاحِدَة قصاصا وَقَالَ الشَّافِعِي رضي الله عنه تقطع

لنا قَوْله صلى الله عليه وسلم لَا تقطع اليدان بيد وَاحِدَة رَوَاهُ أَبُو نصر بن احْمَد عَن عمر إِلَّا أَنه غَرِيب

احْتج الشَّافِعِي رضي الله عنه بِمَا روى أَن رجلَيْنِ شَهدا عِنْد عَليّ رضي الله عنه على رجل بِالسَّرقَةِ فَقضى عَليّ بِالْقطعِ فَقطعت يَده ثمَّ جَاءَا بآخر وَقَالا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أوهمنا السَّارِق وَهُوَ هَذَا فَقَالَ عَليّ رضي الله عنه لَا أصدقكما وأغرمكما دِيَة يَد الأول وَلَو علمت أنكما تعمدتما لَقطعت أيديكما حكم عَليّ رضي الله عنه بِقطع الْأَيْدِي بيد وَاحِدَة من غير نَكِير فَكَانَ إِجْمَاعًا

قُلْنَا إِنَّمَا ذكرذلك عَليّ رضي الله عنه على سَبِيل السياسة والمصلحة لِأَن من

ص: 390

مذْهبه أَنه لَا يرى قطع الْيَدَيْنِ بيد وَاحِدَة كمذهبنا وَلِهَذَا أضَاف الْقطع إِلَى نَفسه بقوله لَقطعت أيديكما والسياسة هِيَ الَّتِي يتولاها الإِمَام

على أَنه أثر ورد على مُخَالفَة النُّصُوص الْمُوجبَة للمماثلة وَدفع الاعتداء وَخبر الْوَاحِد يرد فِي مثله فَكيف الْأَثر مَسْأَلَة سرَايَة الْقود مَضْمُونَة عِنْد أبي حنيفَة رحمه الله اسْتِحْسَانًا وَقَالَ الْبَاقُونَ من أهل الْعلم مهدرة

وَصورته من لَهُ الْقصاص فِي الطّرف فَقَطعه فسرى إِلَى النَّفس فَمَاتَ ضمن دِيَة النَّفس عِنْده خلافًا لَهُم

لَهُ النُّصُوص الْمُوجبَة لدية كَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم فِي النَّفس المؤمنة مائَة من الْإِبِل حد أَي بِسَبَب قتل النَّفس المؤمنة وَقَوله صلى الله عليه وسلم من استقاد من رجل فَمَاتَ المستقاد مِنْهُ ضمن المستقيد دِيَته هَذَا الحَدِيث غَرِيب وَالْمرَاد الْقود فِيمَا دون النَّفس وَلَهُم النُّصُوص النافية لوُجُوب المَال وَعَن عمر وَعلي رضي الله عنهما أَنَّهُمَا قَالَا من مَاتَ عَن قصاص فَلَا دِيَة لَهُ قُلْنَا الْمُثبت مقدم والأثر لَا يُعَارض الْخَبَر

ص: 391

وَفِيمَا قُلْنَا احْتِيَاط فِي بَاب الدِّمَاء

مَسْأَلَة الْقَتْل بالمثقل لَا يُوجب الْقصاص عِنْد أبي حنيفَة وَزفر خلافًا للباقين فَإِنَّهُ يُوجب عِنْدهم وَصورته إِذا قَتله بِحجر عَظِيم أَو خَشَبَة عَظِيمَة وَنَحْوه من غير جرح

وَلَو جرحه بِهَذِهِ الْآلَات فَعَن أبي حنيفَة فِي وجوب الْقصاص رِوَايَتَانِ وَالأَصَح أَنه لَا يجب وَفِي الْقَتْل بالحديد دقا عِنْد أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ وَالأَصَح أَنه لَا يجب وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا قتل حرقا وغرقا وَاتَّفَقُوا على أَنه لَو قَتله بِالسَّوْطِ الصَّغِير لَا يجب الْقصاص لنا قَوْله صلى الله عليه وسلم لَا قَود فِي النَّفس (وَغَيرهَا إِلَّا بحديدة) ق

وروى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ أَلا إِن قَتِيل الْخَطَأ شبه الْعمد قَتِيل السَّوْط أَو الْعَصَا فِيهِ مائَة من الْإِبِل مِنْهُ أَرْبَعُونَ فِي بطونها أَوْلَادهَا حد وروى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا قَود إِلَّا بِالسَّيْفِ ق

ص: 392

وَفِي رِوَايَة لَا قَود إِلَّا بِالسِّلَاحِ ق فَإِن قيل فِي إِسْنَاد الحَدِيث الأول أَبُو معَاذ واسْمه سُلَيْمَان بن أَرقم مَتْرُوك

والْحَدِيث الثَّانِي مُضْطَرب الْإِسْنَاد بِرِوَايَة الْقَاسِم بن ربيعَة تَارَة عَن يَعْقُوب بن أَوْس وَتارَة عَن عقبَة بن أَوْس عَن رجل من الصَّحَابَة وَتارَة يقفه على عمر رضي الله عنه وأماالحديث الثَّالِث فَفِي إِسْنَاده أَيْضا أَبُو معَاذ قُلْنَا أَبُو معَاذ تكلم فِيهِ من قبل حفظه وَذَلِكَ لَا يقْدَح فِي رِوَايَته وَأما الحَدِيث الثَّانِي فَإِن ثَبت فَهُوَ صفة الْإِرْسَال احْتَجُّوا بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قتل يَهُودِيّا رضخ رَأس امْرَأَة بَين حجرين خَ م وروى أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ من حرق حرقناه وَمن غرق غرقناه

ص: 393

قُلْنَا أما الحَدِيث الأول فَيحمل على الْقَتْل سياسة وَذَلِكَ الْيَهُودِيّ كَانَ ساعيا فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ أَو يحمل على أَنه جرحها وَبِه نقُول وَأما الثَّانِي فَمن كَلَام زِيَاد قَالَه فِي خطبَته البتراء وَلَو سلم حمل على السياسة أَيْضا وَكَذَا كل مَا ورد فِي هَذَا الْبَاب أَو نقُول أَخْبَار آحَاد وَردت على مُخَالفَة النُّصُوص الْمُقْتَضِيَة للمماثلة فَترد

مَسْأَلَة قَالَ أَبُو حنيفَة رحمه الله الْعَفو عَن الشَّجَّة لَا يمْنَع وجوب ضَمَان النَّفس خلافًا للباقين

وَصورته إِذا شج رَأس رجل أَو قطع يَده فَقَالَ الْمَجْنِي عَلَيْهِ عَفَوْت عَن الشَّجَّة أَو قَالَ عَن الْقطع ثمَّ سرى إِلَى النَّفس وَمَات من ذَلِك ضمن الْجَانِي دِيَة النَّفس عِنْده وَعِنْدَهُمَا لَا يضمن وَالْعَفو صَحِيح سَوَاء سرى أَو اقْتصر قَالَ أَبُو حنيفَة رحمه الله الْقيَاس أَن يلْزمه الْقصاص إِلَّا أَنِّي أستحسن وَأوجب الدِّيَة لَهُ النُّصُوص الدَّالَّة على وجوب الْقصاص اَوْ المَال وَلَهُم النُّصُوص النافية لوُجُوب المَال وَالْقصاص وَمَا قَالَه أَبُو حنيفَة احوط لما عرف

مَسْأَلَة من لَهُ الْقصاص فِي النَّفس إِذا قطع يَد من عَلَيْهِ الْقصاص ثمَّ عَفا عَن

ص: 394

النَّفس وبرأ الْمَقْطُوع ضمن أرش الْيَد عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه خلافًا للباقين وَقَول أبي حنيفَة (اسْتِحْسَان) وَالْقِيَاس أَن يجب الْقصاص وَالْكَلَام فِي هَذِه الْمَسْأَلَة على نَحْو مَا مر فِي الْمَسْأَلَة الْمَاضِيَة

مَسْأَلَة قَالَ أَبُو حنيفَة رحمه الله إِذا كَانَ فِي ورثن الْمَقْتُول صغَار وكبار فللكبير أَن ينْفَرد بِالِاسْتِيفَاءِ

وقالواجميعا لَيْسَ للكبار ولَايَة الِاسْتِيفَاء حَتَّى يبلغ الصغار فيجتمعون على الِاسْتِيفَاء لَهُ عمومات الْقصاص

وروى أَن عليا رضي الله عنه قَالَ لِلْحسنِ لما طعنه ابْن ملجم إِن عِشْت فَأَنا أعلم بِمَا أصنع وَإِن مت فَإِن شِئْت أَن تقتله وَإِن شِئْت أَن تَعْفُو إياك والمثلة فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عَن الْمثلَة وَلَو بالكلب الْعَقُور

فوض رضي الله عنه الْقَتْل إِلَى الْحسن مَعَ علمه أَن الْوَرَثَة صغَارًا وَقَتله الْحسن بِمحضر من الصَّحَابَة فَحل مَحل الْإِجْمَاع لعدم النكير فَإِن قيل يحْتَمل أَنه قَتله قصاصا وَيحْتَمل أَنه قَتله سياسة على كفره لِأَنَّهُ كَانَ كَافِرًا

ص: 395

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم أَشْقَى الْأَوَّلين عَاقِر نَاقَة صَالح وأشقى الآخرين من يخضب هَذِه من دم هَذَا وَأَشَارَ إِلَى لحيته وَرَأسه وَلَو لم يكن كَافِرًا كَانَ قَتله لسعيه فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ قُلْنَا التَّخْيِير إِنَّمَا يكون فِي الْقصاص لَا فِي السياسة

ثمَّ الْقَتْل سياسة مفوض إِلَى رَأْي الإِمَام (ولاإمام) وإمامة الْحسن لم تكن ثَابِتَة يَوْمئِذٍ وَقيل إِن ابْن ملجم لم يكن كَافِرًا احْتَجُّوا بقول صلى الله عليه وسلم من قتل فأهله بَين خيرتين

الحَدِيث أثبت الْولَايَة (والخيرة) للأهل وانفراد الْكَبِير بِالِاسْتِيفَاءِ يَنْفِي ولَايَة التَّخْيِير قُلْنَا هَذَا اسْتِدْلَال بالمسكوت عَنهُ فَلَا يكون حجَّة

مَسْأَلَة شُهُود الْقصاص إِذا رجعُوا بعد اسْتِيفَاء الْوَلِيّ الْقصاص وَقَالُوا تعمدنا الْكَذِب أَو جَاءَ الْمَشْهُود بقتْله حَيا لَا قصاص عَلَيْهِم وَعَلَيْهِم الدِّيَة وَعند الشَّافِعِي رضي الله عنه يجب عَلَيْهِم الْقصاص لنا نُصُوص الْقَتْل الْمُكْره وَعدم الْمُمَاثلَة وَالشَّاهِد لَيْسَ بِقَاتِل وَله العمومات

ص: 396

وروى أَنا أَبَا بكر رضي الله عنه قتل شُهُود الْقصاص بَعْدَمَا رجعُوا وَقَول عَليّ رضي الله عنه فِي قَضِيَّة الشَّاهِدين وَلَو علمت أنكما تعمدتما لَقطعت أيديكما وَالْخلاف فِي هَذَا وشهود الْقصاص وَاحِد قُلْنَا يحمل ذَلِك على السياسة لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي يتولاها الإِمَام والعمومات مَخْصُوصَة لما مر مَسْأَلَة الْمُسلم يقتل بالذمي قصاصا وَهُوَ قَول عمر وَعلي وعمار رضي الله عنهم وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ رضي الله عنهما لَا يقتل وَالْخلاف نَشأ على أَن الْعلَّة الْمُوجبَة للْقَتْل عندنَا هِيَ الحراب وَعِنْدَهُمَا الْكفْر وَإِن الْعِصْمَة تثبت عندنَا بِالدَّار وَعِنْدَهُمَا بِالْإِسْلَامِ لنا النُّصُوص الْمُطلقَة فِي اسْتِيفَاء الْقصاص من غير فصل وروى أَنه صلى الله عليه وسلم قتل مُسلما بمعاهد وَقَالَ أَنا أكْرم من وفى بِذِمَّتِهِ ق وَقتل عَليّ رضي الله عنه مُسلما بِكَافِر

ص: 397

فَإِن قيل قد قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لم يسْندهُ غير ابراهيم بن أبي يحيى وَهُوَ مَتْرُوك وَالصَّوَاب عَن ابْن الْبَيْلَمَانِي مُرْسلا وَابْن الْبَيْلَمَانِي ضَعِيف

وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل لَو حكم حَاكم بِحَدِيث ابْن الْبَيْلَمَانِي كَانَ مخطئا وَلَو رفع إِلَى حَاكم آخر رده وَقَالَ أَبُو عبيد لَيْسَ هَذَا الحَدِيث بِمُسْنَد وَلَا يَجْعَل مثله إِمَامًا يسفك بِهِ دِمَاء الْمُسلمين وَقد رَجَعَ زفر رحمه الله عَنهُ لما وقف على علته وروى أَن الْمَقْتُول كَانَ عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي وَإنَّهُ عَاشَ بعد النَّبِي صلى الله عليه وسلم سِنِين وَفِي أثر عَليّ أَبُو الْجنُوب ضَعِيف قُلْنَا الحَدِيث رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَاحْتج بِهِ مُحَمَّد رحمه الله والمرسل حجَّة عندنَا وَلَا يَصح رُجُوع زفر وَأما اسْم الْمَقْتُول فَيحْتَمل أَنَّهُمَا ابْنَانِ قتل أَحدهمَا وعاش الآخر بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

ص: 398

وَأما الْأَثر فقد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَلم يطعن فِيهِ أحد

وروى ان ابْن عمر رضي الله عنه أَرَادَ أَن يقتل مُسلما بذمي فَقيل لَهُ هَذَا فَارس من فرسَان الْمُسلمين فَصَالح من دَمه على مَال وَكتب عماربن يَاسر إِلَى عمر رضي الله عنه فِي مثل هَذِه الْحَادِثَة فَكتب إِلَيْهِ أَن اقتله

فَهَؤُلَاءِ كبار الصَّحَابَة رضي الله عنهم اتَّفقُوا على جَوَاز قتل الْمُسلم بالذمي من غير نَكِير فَكَانَ إِجْمَاعًا احْتَجُّوا بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا يقتل مُسلم بِكَافِر خَ م وَفِي رِوَايَة وَلَا ذِي عهد فِي عَهده حد وَمَعْنَاهُ وَلَا بِذِي عهد فِي عَهده وَهُوَ الذِّمِّيّ وَعَن عَليّ رضي الله عنه أَنه قَالَ من السّنة أَن لَا يقتل مُسلم بذمي وَالسّنة إِذا أطلقت أُرِيد بهَا سنة النَّبِي صلى الله عليه وسلم

قُلْنَا المُرَاد بِهِ الْحَرْبِيّ لِأَن اسْم الْكَافِر الْمُطلق ينْصَرف إِلَيْهِ ثمَّ قد خص مِنْهُ الْبَعْض وَهُوَ مَا إِذا قتل الذِّمِّيّ الذِّمِّيّ ثمَّ أسلم فَإِنَّهُ يقتل بِهِ فيخص الْمُتَنَازع فِيهِ بِمَا ذكرنَا أَو يحمل صَاحب الْعَهْد على الْمُسْتَأْمن فَإِنَّهُ فِي عهد حَتَّى يخرج

ص: 399

وَأما أثر عَليّ رضي الله عنه فالآصح أَن قَوْله مثل قَوْلنَا

وَالسّنة مُحْتَملَة وَالْمَسْأَلَة مُخْتَلف فِيهَا بَين الصَّحَابَة رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ فَلَا يكون قَول الْبَعْض حجَّة على الْبَعْض وعَلى أَنَّهَا مُعَارضَة بالنصوص كَمَا ذكرنَا مَسْأَلَة الْحر يقتل بِعَبْد غَيره وَهُوَ قَول عمر وَعلي رضي الله عنهما وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ رضي الله عنهما لَا يقتل وَقَالَ دَاوُد يقتل بِعَبْدِهِ لنا النُّصُوص الْمُوجبَة للْقصَاص من غير فصل بَين حر وَعبد احتجا بقوله صلى الله عليه وسلم لَا يقتل حر بِعَبْد ق وَعَن عَليّ رضي الله عنه من السّنة أَن لَا يقتل حر بِعَبْد قُلْنَا فِي إِسْنَاد الحَدِيث جُوَيْبِر ضَعِيف والمروى فِي هَذَا الْبَاب إِنَّمَا هُوَ قَول عَليّ رضي الله عنه وَالسّنة مُحْتَملَة على مَا مر مَسْأَلَة إِذا صال الْجمل على إِنْسَان فَقتله المصول عَلَيْهِ دفعا لشره يضمن وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يضمن

ص: 400

وعَلى هَذَا الْخلاف سائرالبهائم وَالصَّبِيّ وَالْمَجْنُون وَكَذَا لَو سقط مَال الْغَيْر عَلَيْهِ من أَعلَى فَدفعهُ عَن نَفسه فأتلفه ضمن عندنَا خلافًا لَهُ وَقد تساعدنا على أَن الْحر أَو العَبْد إِذا صال على إِنْسَان فَقتله المصول عَلَيْهِ لَا يضمن لنا أَنه أتلف مَالا مَعْصُوما فَيضمن عملا بالنصوص الْمُحرمَة لمَال الْغَيْر وَقَوله صلى الله عليه وسلم العجماء جرحها جَبَّار خَ م أَي فعل الْبَهِيمَة هدر فَلَو لم يجب الضَّمَان لَكَانَ ذَلِك اعْتِبَارا لفعلهما (وفعلها) غير مُعْتَبر لَهُ العمومات النافية لوُجُوب الضَّمَان قُلْنَا الْمُثبت (مقدم) على (النَّافِي) لما عرف

مَسْأَلَة إِذا ضرب إنْسَانا بِسَوْط صَغِير أَو عَصا صَغِيرَة ووالى بَين الضربات حَتَّى قَتله فَعَلَيهِ الدِّيَة وَلَا قصاص عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِي رضي الله عنه فَعَلَيهِ الْقصاص لنا مَا مر فِي الْقَتْل بالمثقل وَقد أجبنا عَنهُ هُنَاكَ مَسْأَلَة مُبَاح الدَّم بِأَيّ سَبَب كَانَ مثل الْقَتْل والزنى وَالرِّدَّة إِذا التجأ إِلَى

ص: 401

الْحرم لَا يُبَاح قَتله فِيهِ وَلكنه لَا يُبَايع وَلَا يُجَالس وَلَا يكلم وَلَا يطعم وَلَا يسقى حَتَّى يضْطَر إِلَى الْخُرُوج فَيقْتل خَارج الْحرم وَقَالَ الشَّافِعِي رضي الله عنه يقتل فِي الْحرم وَاتَّفَقُوا على أَنه لَو فعل ذَلِك فِي الْحرم أَنه يقتل فِيهِ لنا قَوْله تَعَالَى {أَو لم نمكن لَهُم حرما آمنا} {أَو لم يرَوا أَنا جعلنَا حرما آمنا} فَمن قَالَ بِعَدَمِ أمه فقد خَالف النَّص وَقَوله تَعَالَى {وَمن دخله كَانَ آمنا} فَلَو جَازَ إِخْرَاجه للْقَتْل لبطلت فَائِدَة الْأَمْن

فَإِن قيل الْهَاء كِنَايَة عَن الْبَيْت لِأَنَّهُ مَذْكُور فِي صدر الْآيَة بقوله تَعَالَى {إِن أول بَيت وضع للنَّاس} فَلَا يكون كِنَايَة عَن الْحرم

قُلْنَا الْهَاء كِنَايَة عَن الْحرم لِأَن ذكره سَابق على ذكر الْبَيْت بقوله {فِيهِ آيَات بَيِّنَات مقَام إِبْرَاهِيم} وَالْمقَام فِي الْحرم دون الْبَيْت

احْتَجُّوا بالخطابات الْعَامَّة المثبتة للْقصَاص من غير فصل بَين مَكَان وَمَكَان كَقَوْلِه تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْركين} وروى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ الْحرم لَا يعيذ عَاصِيا وَلَا فَارًّا بِدَم

ص: 402

وَقتل يَوْم الْفَتْح ابْن خطل وَهُوَ مُتَعَلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة قُلْنَا الخطابات الْعَامَّة مَخْصُوصَة بِمَا تلونا وَقَوله صلى الله عليه وسلم الْحرم لَا يعيذ عَاصِيا غَرِيب وَلَو اشْتهر كَانَ مَعْنَاهُ فِي الْآخِرَة وَلَو كَانَ فِي الدُّنْيَا (فالعقوبة) لَا تسْقط عَنهُ بل تتأخر وَأما قتل ابْن خطل فقد قَالَ صلى الله عليه وسلم أحلّت لي سَاعَة من نَهَار وَلنْ تحل لأحد بعدِي أَو يحمل على أَنه قَتله سياسة

مَسْأَلَة قيمَة العَبْد الْمَقْتُول خطأ لَا يُزَاد على عشرَة آلَاف دِرْهَم عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله وَابْن مَسْعُود رضي الله عنه وَينْقص مِنْهَا عشرَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف تبلغ بَالِغَة مَا بلغت وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَاحْمَدْ رضي الله عنهما وَالْكَلَام فِيهِ يرجع إِلَى أصل وَهُوَ أَن الْوَاجِب بدل النَّفس عندنَا وَعِنْدهم بدل المَال

ص: 403

وَلِهَذَا قُلْنَا تتحمله الْعَاقِلَة مُؤَجّلا كدية الْحر وَعِنْدهم لَا تتحمله الْعَاقِلَة بل يجب فِي مَال الْقَاتِل عَاجلا لنا النُّصُوص الْمُقْتَضِيَة لحصر الْوَاجِب فِي تَحْرِير الرَّقَبَة وَالدية كَقَوْلِه تَعَالَى {وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة ودية مسلمة إِلَى أَهله} وَلَهُم العمومات الْمُقْتَضِيَة للمماثلة وَنحن نقُول مَعَ وجوب الدِّيَة الْمُمَاثلَة حَاصِلَة

مَسْأَلَة لَو فَقَأَ عَيْني عبد إِنْسَان أَو قطع يَدَيْهِ حَتَّى قضى بِكَمَال الدِّيَة ملك الجثة العمياء حَتَّى يلْزمه تَسْلِيمهَا وَعند الشَّافِعِي رضي الله عنه لَا يملكهَا فَلَا يلْزمه تَسْلِيمهَا فَلَو أَرَادَ الْمَالِك إمْسَاك الجثة العمياء أما عِنْد الشَّافِعِي رضي الله عنه فَلَا يشكل وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد رضي الله عنهما لَهُ ذَلِك وَيَأْخُذ قيمَة النُّقْصَان وَعند أبي حنيفَة رحمه الله لَيْسَ لَهُ ذَلِك وَحَاصِل الْخلاف رَاجع إِلَى أَن الضَّمَان الْوَاجِب بِمُقَابلَة الْعَينَيْنِ بدل فَعِنْدَ الشَّافِعِي رضي الله عنه بدل الْجُزْء الْفَائِت فَقَط وَعِنْدَهُمَا بدل الجزي الْفَائِت والجثة وَعند أبي حنيفَة رحمه الله كَمَا قَالَا وكما قَالَ الشَّافِعِي رضي الله عنه لَكِن بِشَرْط زَوَال الجثة عَن ملكه

ص: 404

لنا مَا مر فِي المضمونات

وَقد ملك بدل الجثة فيزول الْمُبدل عَن الْملك بِالْبَدَلِ احْتِرَازًا عَن اجْتِمَاع الْبَدَلَيْنِ فِي ملك وَاحِد وَلَا عهد لنا بِهِ فِي الشَّرْع

وَالشَّافِعِيّ رضي الله عنه يَقُول الضَّمَان وَجب مُقَابلا للفائت دون الْقَائِم فَلَا يتَغَيَّر الحكم فِي الْقَائِم فَبَقيَ مَا كَانَ على مَا كَانَ قُلْنَا بل هَذَا الضَّمَان وَجب مُقَابلا (للفائت) والقائم لما عرف مَسْأَلَة الْقَتْل الْعمد الْحَرَام لَا يُوجب الْكَفَّارَة وَقَالَ الشَّافِعِي رضي الله عنه يُوجب لنا قَوْله تَعَالَى {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدا فِيهَا}

فَالله تَعَالَى جعل الخلود فِي النَّار جَزَاء الْقَتْل الْعمد فَيَنْتَفِي وجوب شَيْء آخر إِذْ لَو وَجب شَيْء آخر لم يبْق الْجَزَاء كَافِيا

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم خمس من الْكَبَائِر لَا كَفَّارَة فِيهِنَّ وَقد مر فِي الْأَيْمَان وَذكر مِنْهَا قتل العَبْد

احْتج بِمَا روى أَن قوما جَاءُوا إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا يَا رَسُول الله إِن صاحبا لنا قد اسْتوْجبَ النَّار بِالْقَتْلِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم أعتقوا عَنهُ رقة يعْتق الله تَعَالَى بِكُل عُضْو مِنْهَا عضوا مِنْهُ من النَّار وَمُقْتَضَاهُ وجوب الْكَفَّارَة

ص: 405

قُلْنَا الصَّحِيح من الرِّوَايَة أَن صاحبنا قد اسْتوْجبَ النَّار من غير ذكر الْقَتْل

وَمَعْلُوم أَن كل كَبِيرَة بهَا يسْتَوْجب النَّار لَا توجب الْكَفَّارَة فَكَانَ الْأَمر بِالْإِعْتَاقِ اسْتِحْبَابا أَو نقُول خبر وَاحِد ورد على مُخَالفَة الْكتاب فَيرد وَالله أعلم مَسْأَلَة الْوَاحِد يقتل بِالْجَمَاعَة اكْتِفَاء وَقَالَ الشَّافِعِي رضي الله عنه لَا يقتل بهم اكْتِفَاء وَصورته الْوَاحِد إِذا قتل عشرَة يقتل بهم ويكتفي بقتْله حَتَّى لَا يُؤْخَذ شَيْء من تركته عندنَا وَعِنْده يقتل وَيرجع كل وَاحِد من الْأَوْلِيَاء بِتِسْعَة أعشار الدِّيَة

لنا النُّصُوص النافية لشرع غير (الْقَتْل) وَالْحُرْمَة لأخذ مَال الْغَيْر وَمَا تلونا من قَوْله تَعَالَى {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم} نفى شَرْعِيَّة الزَّائِد عَن الْقَتْل فَلَا يشرع وَله العمومات الْمُقْتَضِيَة للمماثلة مَسْأَلَة قتل الصَّبِي مُوَرِثه لَا يتَعَلَّق بِهِ حرمَان الْمِيرَاث وَلَا وجوب الْكَفَّارَة وَقَالَ الشَّافِعِي رضي الله عنه يحرم الْمِيرَاث وَيجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة

ص: 406

لنا على الْمِيرَاث قَوْله تَعَالَى {يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم} وَهَذَا ولد فيرث

وعَلى الْكَفَّارَة النُّصُوص النافية لوُجُوبهَا وَالْجِنَايَة تعلّقت بالبالغ وَلَا خطاب فِي حق الصَّبِي فَلَا يجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة احْتج الشَّافِعِي رضي الله عنه بقوله صلى الله عليه وسلم لَا مِيرَاث لقَاتل حد وَقَالَ صلى الله عليه وسلم لم يُورث قَاتل بعد صَاحب الْبَقَرَة وَفِي لفظ لَا مِيرَاث لقَاتل بعد الْقَاتِل فِي قصَّة الْبَقَرَة قُلْنَا الْخَبَر لَا يُعَارض الْكتاب

وَلَا يُقَال بِأَن الْخَبَر خَاص فِي الْقَاتِل وَالنَّص عَام فِي حق كل ولد سَوَاء كَانَ قَاتلا أم لَا وَالْأَخْذ بالخاص أولى

لأَنا نقُول الْخَبَر وَإِن كَانَ خَاصّا كَمَا قَالُوا فِي الْقَاتِل لكنه عَام فِي كل قَاتل سَوَاء كَانَ ولدا أم لَا

وَالْآيَة خَاصَّة فِي الْأَوْلَاد فَكَانَ كل وَاحِد مِنْهَا خَاصّا من وَجه عَاما من وَجه فتعارضا وترجح مَا قُلْنَا من حَيْثُ إِن استدلالنا بكتا واستدلالهم بِسنة مَسْأَلَة الْقصاص لَا يسْتَوْفى إِلَّا بِالسَّيْفِ فِي الرَّقَبَة

ص: 407

وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يسْتَوْفى على الْوَجْه الَّذِي وجد من الأول وَعَن أَحْمد كالمذهبين وَصورته إِذا قطع يَد إِنْسَان ثمَّ سرى إِلَى النَّفس وَمَات (تحز) رقبته عندنَا وَعِنْدهم تقطع يَده فَإِن مَاتَ وَإِلَّا (تحز) رقبته وَكَذَا لَو حرق إنْسَانا تحز رقبته عندنَا

وَعِنْدهم يحرق بِمثل تِلْكَ النَّار فِي تِلْكَ الْمدَّة فَإِن مَاتَ وَإِلَّا تحز رقبته وَكَذَا إِذا قَتله تغريقا أَو تخنيقا يقْتَصّ مِنْهُ كَذَلِك

لنا مَا روينَا من قَوْله صلى الله عليه وسلم لَا قصاص إِلَّا بِالسَّيْفِ وَمحل الْقَتْل حز الرّقية وَالْفِعْل فِي غَيرهَا مثلَة والمثلة حرَام

احْتج بِمَا روينَا عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم (أَنه) رضخ رَأس يَهُودِيّ بَين حجرين لما فعل بِالْمَرْأَةِ ذَلِك وَبِمَا روينَا من قَوْله صلى الله عليه وسلم من حرق حرقناه وَمن غرق غرقناه قُلْنَا الحَدِيث الأول مَحْمُول على أَنه فعل ذَلِك سياسة

ص: 408

وَالثَّانِي من كَلَام زِيَاد وَلَو سلم حمل على السياسة والحرق غير مَشْرُوع قَالَ صلى الله عليه وسلم لَا تعذبوا بِعَذَاب الله فَإِنَّهُ لَا يعذب بالنَّار إِلَّا الله تَعَالَى مَسْأَلَة التَّسَاوِي فِي الْأَرْش شَرط لجَرَيَان الْقصاص فِي الطّرف

وَقَالَ الشَّافِعِي رضي الله عنه لَيْسَ بِشَرْط حَتَّى إِن الْحر لَا يقطع بِالْعَبدِ وَلَا العَبْد بِالْحرِّ وَلَا الذّكر بِالْأُنْثَى وَلَا الْأُنْثَى بِالذكر وَلَا العَبْد بِالْعَبدِ عندنَا وَعِنْده يقطع فِي الْفُصُول كلهَا إِلَّا فِي الْحر فَإِنَّهُ لَا يقطع بِالْعَبدِ لِأَنَّهُ لَا يقتل بِهِ لنا النُّصُوص الْمُقْتَضِيَة للمماثلة والتساوي وَالْأَرْش معنى الْيَد شرعا كالبطش معنى الْيَد حَقِيقَة وَله النُّصُوص الْمُوجبَة للْقصَاص وَالنَّفس أعظم حُرْمَة من الطّرف

ص: 409

ثمَّ التَّسَاوِي فِي الْبَدَل لَيْسَ بِشَرْط لوُجُوب الْقصاص فِي النَّفس فَفِي الطّرف أولى وَهَذَا على أصلكم ظَاهر لأنكم تَلْحَقُونَ الطّرف بِالنَّفسِ كَمَا فِي الآيدي فَإِنَّهَا تستوفى بيد وَاحِدَة قُلْنَا الْقصاص فِي الرّوح وَلَا تفَاوت فِي الْأَرْوَاح

أما الدِّيَة فَتجب فِي مُقَابلَة الشَّخْص بِاعْتِبَار المَال وَلِهَذَا دِيَة الْمَرْأَة على النّصْف من دِيَة الرجل

وَهَهُنَا الْقطع تصرف فِي الْأَجْزَاء وَالْأَرْش وَجب بِمُقَابلَة الْأَجْزَاء فَيعْتَبر التَّسَاوِي شرطا لوُجُوب الْقصاص فِي الطّرف وَالله أعلم بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمرجع والمآب

ص: 410