الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد، فإنكم سألتم عن مسائل، وقد كتبت فيها ما يسر الله تعالى:
أما الحلف بغير الله:
فقد صحّت عن النبي صلى الله عليه وسلم الأحاديث بالنهي عنه والتغليظ فيه.
فروى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع عمر وهو يحلف بأبيه فقال: «إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت» . أخرجه البخاري (1) ومسلم (2) في الصحيحين.
(1) رقم (6108) .
(2)
رقم (4257) .
وفي رواية لمسلم (1) عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم» . قال عمر: فوالله ما حلفت منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: لا وأبي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مه! فإنه من حلف بشيء دون الله فقد أشرك» . رواه الإمام أحمد في مسنده (2) .
وعن ابن عمر أنه سمع رجلاً يقول: لا والكعبة. فقال ابن عمر: لا تحلف بغير الله، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» . رواه الترمذي (3)، وقال: حديث حسن.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم
(1) رقم (4254) .
(2)
رقم (329) ، وإسناده صحيح.
(3)
رقم (1535) ، صححه الحاكم وابن الملقن كما في «البدر المنير» (9/458) والألباني في «سنن الترمذي» .
ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون» . رواه النسائي (1) .
وعن قتيلة بنت صيفي الجهنية: أن يهوديًّا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تنددون وإنكم تشركون؛ تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة. فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: «ورب الكعبة» ، ويقول أحدهم:«ما شاء الله ثم شئت» . رواه الإمام أحمد (2) .
وللنسائي (3) : وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت. فقال: «أجعلتني لله ندًّا (4) ؟! بل ما شاء الله وحده» .
(1) رقم (3800) ، وصححه الألباني.
(2)
رقم (27093) ، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (136) .
(3)
«السنن الكبرى» (10759) ، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (139) .
(4)
الند: هو مثل الشيء الذي يضاده في أموره، ويناده أي يخالفه، ويريد بها ما كانوا يتخذونه آلهة من دون الله. «النهاية في غريب الأثر» (5/34)
وقد اتفق العلماء -فيما نعلم- من الصحابة والتابعين والأئمة على كراهة الحلف بغير الله، والنهي عنه، وأن اليمين لا تنعقد، ولا يجب فيه كفارة إذا حنث. إلا أنهم اختلفوا فيما إذا حلف برسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة.
ثم من أصحاب الأئمة من قال: يكره الحلف بغير الله تنزيهًا ولا يحرم. وقطع الباقون بأنه حرام، وهذا هو الصواب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الله ينهانا عنه، وما نهانا الله عنه فهو حرام، إلا أن يقوم دليل على أنه تنزيه، وأخبر أن هذا شرك وكفر، وكل ما سمي كفرًا وشركًا فأقل درجاته أن يكون حرامًا.
وإنما سماه شركًا؛ لأن الحلف بغير الله إنما يكون بالمعبود، فمن حلف بغير الله فقد جعل لله ندًّا. فإن فعل هذا معتقدًا لعبادته فهو كافر، وإن لم يكن معتقدًا فهو مشرك في القول دون الشرك الأكبر الذي ينقل عن الملة، كما قالوا: شرك دون شرك. وقوله [صلى الله
عليه وسلم] : «الرياء شرك» (1) . وفي ذلك أنزل الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] .
ويدخل في هذا أن يقول الرجل: وحياتي أو وحياتك أو وحياة فلان، أو وتربة فلان أو وتربة (2) أبي أو وتربة أبيك أو وتربة الشيخ فلان، أو ونعمة السلطان، أو وحياة (3) رأس السلطان أو وحياة رأسك، أو وحق سيفي، أو وحياة الفتوة، أو وحق أبي، أو وحرمتك عند الله أو حرمة الشيخ فلان عند الله، أو وحق الكعبة، وكل ما كان من هذا بما يحلف به جفاة الناس على وجه التعظيم. فمن حلف بشيء من هذه الأيمان فقد عصى الله ورسوله في قوله:«من كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله» (4) . ودخل
(1) ثبت مرفوعًا من حديث شداد بن أوس وغيره: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر. قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء
…
» . أخرجه أحمد (5/428) والبيهقي في «الشعب» (6412) ، وحسن إسناده ابن حجر في «بلوغ المرام» (1277) وصححه الألباني في «الصحيحة» (951) .
(2)
في الأصل بدون واو.
(3)
في الأصل بدون واو.
(4)
أخرجه البخاري (3836) ومسلم (4259) .
في قوله: «من حلف بشيء دون الله فقد أشرك» (1) . حتى قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهو من أكابر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأن أحلف بالله وأنا كاذب أحب إليّ من أن أحلف بغيره وأنا صادق. رواه حرب الكرماني بإسناد جيد (2) .
وقال القاسم بن مخيمرة: ما أبالي بحياة رجل حلفت أو بالصليب. رواه سعيد بن منصور (3) . فهذا بين القاسم أن الحلف بغير الله بمنزلة الحلف بالطواغيت؛ مثل الصليب ونحوه.
ولهذا قال عبد الله بن مسعود: لأن أحلف بالله وأنا كاذب أحب إلي من أن أحلف بغيره وأنا صادق. لأنه إذا حلف بغير الله فقد أشرك، وإن كان ليس هو الشرك الأكبر فإنه أعظم إثمًا من الكذب، وإذا حلف كاذبًا فعليه إثم كذبه لكنه موحد في حلفه بالله. والمصيبة الكبيرة مع التوحيد خير من حسنة مع شرك.
(1) تقدم تخريجه من حديث عمر رضي الله عنه.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (8/469) رقم (15929) وابن ابي شيبة (5/29) رقم (12402) والطبراني في «الكبير» (9/183) .
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (5/29) رقم (12407) .