المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

إِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ أَتَاهُ بِتُفَّاحَةٍ مِنَ الْجَنَّةِ فَشَمَّهَا فَمَاتَ وَعَنْ - حاشية السيوطي على سنن النسائي - جـ ٤

[الجلال السيوطي]

الفصل: إِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ أَتَاهُ بِتُفَّاحَةٍ مِنَ الْجَنَّةِ فَشَمَّهَا فَمَاتَ وَعَنْ

إِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ أَتَاهُ بِتُفَّاحَةٍ مِنَ الْجَنَّةِ فَشَمَّهَا فَمَاتَ وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَوَلَّوْا دَفْنَهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ عَاشَ مائَة وَعشْرين سنة

(كتاب الصَّوْم)

الْمُرْتَفِقُ أَيِ الْمُتَّكِئُ عَلَى الْمِرْفَقَةِ وَهِيَ الْوِسَادَةُ وَأَصْلُهُ مِنَ الْمِرْفَقِ كَأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ مِرْفَقَهُ وَاتَّكَأَ عَلَيْهِ

ص: 120

[2098]

إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ شُدِّدَتْ وَأُوثِقَتْ بِالْأَغْلَالِ قَالَ الْحَلِيمِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الشَّيَاطِينَ مُسْتَرِقُو السَّمْعِ مِنْهُمْ وَأَنَّ تَسَلُّطَهُمْ يَقَعُ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ دُونَ أَيَّامِهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُنِعُوا فِي زَمَنِ نُزُولِ الْقُرْآنِ مِنَ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ فَزِيدَ وَالتَّسَلْسُلُ مُبَالَغَةٌ فِي الْحِفْظِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الشَّيَاطِينَ لَا يَخْلُصُونَ مِنْ إِفْسَادِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِ فِي غَيره لَا شتغالهم بِالصِّيَامِ الَّذِي فِيهِ قَمْعُ الشَّهَوَاتِ وَبِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَقَالَ غَيْرُهُ الْمُرَادُ بِالشَّيَاطِينِ بَعْضُهُمْ وَهُمُ الْمَرَدَةُ مِنْهُمْ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ بَعْدَ هَذَا

ص: 126

[2100]

فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَتْحُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ عِبَارَةً عَمَّا يَفْتَحُهُ اللَّهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ مِنَ الطَّاعَاتِ وَذَلِكَ أَسْبَابٌ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ وَغَلْقُ أَبْوَابِ النَّارِ عِبَارَةً عَنْ صَرْفِ الْهِمَمِ عَنِ الْمَعَاصِي الْآيِلَةِ بِأَصْحَابِهَا إِلَى النَّارِ وتصفيد

ص: 127

الشَّيَاطِينِ عِبَارَةً عَنْ تَعْجِيزِهِمْ عَنِ الْإِغْوَاءِ وَتَزْيِينِ الشَّهَوَاتِ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ إِذْ لَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إِلَى صَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ وَأَبْوَابُ السَّمَاءِ فَمِنْ تَصَرُّفِ رُوَاتِهِ وَأَصْلُهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ بِدَلِيلِ مَا يُقَابِلُهُ وَهُوَ غَلْقُ أَبْوَابِ النَّارِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ بَعْدَ أَنْ رَجَّحَ حَمْلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ تُرَى الشُّرُورُ وَالْمَعَاصِي وَاقِعَةً فِي رَمَضَانَ كَثِيرًا فَلَوْ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ فَالْجَوَابُ أَنَّهَا إِنَّمَا تُغَلُّ عَنِ الصَّائِمِينَ الصَّوْمَ الَّذِي حُوفِظَ عَلَى شُرُوطِهِ وَرُوعِيَتْ آدَابُهُ أَوِ الْمُصَفَّدُ بَعْضُ الشَّيَاطِينِ وَهُمُ الْمَرَدَةُ لَا كُلُّهُمْ وَالْمَقْصُودُ تَقْلِيلُ الشُّرُورِ مِنْهُمْ فِيهِ وَهَذَا أَمْرٌ مَحْسُوسٌ فَإِنَّ وُقُوعَ ذَلِكَ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ غَيْرِهِ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَصْفِيدِ

ص: 128

جَمِيعِهِمْ أَنْ لَا يَقَعَ شَرٌّ وَلَا مَعْصِيَةٌ لِأَنَّ لِذَلِكَ أَسْبَابًا غَيْرَ الشَّيَاطِينِ كَالنُّفُوسِ الْخَبِيثَةِ والعادات القبيحة وَالشَّيَاطِين الانسية

[2106]

وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ وَقَالَ عِيَاضٌ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَقِيقَتِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَامَةٌ لِلْمَلَائِكَةِ لِدُخُولِ الشَّهْرِ وَتَعْظِيمِ حُرْمَتِهِ وَكَمَنْعِ الشَّيَاطِينِ مِنْ أَذَى الْمُؤْمِنِينَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِشَارَةً إِلَى كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَالْعَفْوِ وَأَنَّ الشَّيَاطِينَ يَقِلُّ إِغْوَاؤُهُمْ فَيَصِيرُونَ كَالْمُصَفَّدِينَ قَالَ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ الثَّانِي قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ

ص: 129

[2116]

فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ غَيْمٌ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي التَّنْقِيحِ فِيهِ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الْهِلَالِ أَيْ سُتِرَ مِنْ غَمَّيْتَ الشَّيْءَ سَتَرْتَهُ وَلَيْسَ مِنَ الْغَيْمِ وَيُقالُ فِيهِ غَمَّى وَغَمَى مخففا ومشددا رباعيا وثلاثيا

[2120]

فَاقْدُرُوا لَهُ بِالْوَصْلِ وَضَمِّ الدَّالِ وَكَسْرِهَا يَعْنِي حَقِّقُوا مَقَادِيرَ أَيَّامِ شَعْبَانَ حَتَّى تُكْمِلُوهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى غَيَايَةٌ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَتَحْتِيَّتَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ سَاكِنَةٌ هِيَ السحابة

ص: 130

[2144]

تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً قَالَ النَّوَوِيُّ رَوَوْهُ بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي لِأَنَّ الْمُرَادَ

ص: 134

بِالْبَرَكَةِ الْأَجْرُ وَالثَّوَابُ فَيُنَاسِبُ الضَّمَّ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى التَّسَحُّرِ وَالْبَرَكَةُ كَوْنُهُ يُقَوِّي عَلَى الصَّوْمِ وَيُنَشِّطُ لَهُ وَيُخَفِّفُ الْمَشَقَّةَ فِيهِ فَيُنَاسِبُ الْفَتْحَ لِأَنَّهُ مَا يُتَسَحَّرُ بِهِ وَقِيلَ الْبَرَكَةُ مَا يَتَضَمَّنُ مِنْ الِاسْتِيقَاظِ وَالدُّعَاءِ فِي السَّحَرِ وَالْأَوْلَى أَنَّ الْبَرَكَةَ فِي السَّحُورِ تَحْصُلُ بِجِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَهِيَ اتِّبَاعُ السُّنَّةِ وَمُخَالَفَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالتَّقَوِّي بِهِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَالزِّيَادَةُ فِي النَّشَاطِ وَالتَّسَبُّبُ بِالصَّدَقَةِ عَلَى مَنْ يَسْأَلُ إِذْ ذَاكَ وَيَجْتَمِعُ مَعَهُ عَلَى الْأَكْلِ وَالسَّبَبُ لِلذِّكْرِ وَالدُّعَاءُ وَقْتَ مَظِنَّةِ الْإِجَابَةِ وَتَدَارُكُ نِيَّةِ الصَّوْمِ لِمَنْ أَغْفَلَهَا قبل أَن ينَام وَقَالَ

ص: 141

بن دَقِيقِ الْعِيدِ هَذِهِ الْبَرَكَةُ يَجُوزُ أَنْ تَعُودَ إِلَى الْأُمُورِ الْأُخْرَوِيَّةِ فَإِنَّ إِقَامَةَ السُّنَّةِ تُوجِبُ الْأَجْرَ وَزِيَادَةً وَيَحْتَمِلُ الْأُمُورَ الدُّنْيَوِيَّةَ كَقُوَّةِ الْبَدَنِ عَلَى الصَّوْمِ وَتَيْسِيرِهِ مِنْ غَيْرِ إِضْرَارٍ بِالصَّائِمِ قَالَ وَمِمَّا يُعَلَّلُ بِهِ اسْتِحْبَابُ السَّحُورِ الْمُخَالَفَةُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ عِنْدَهُمْ وَهَذَا أَحَدُ الْأَجْوِبَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلزِّيَادَةِ فِي الْأُجُورِ الْأُخْرَوِيَّةِ قَالَ وَقَدْ وَقَعَ لِلْمُتَصَوِّفَةِ فِي مَسْأَلَةِ السَّحُورِ كَلَامٌ من جِهَة

ص: 142

اعْتِبَارِ حِكْمَةِ الصَّوْمِ وَهِيَ كَسْرُ شَهْوَةِ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ وَالسَّحُورُ قَدْ يُبَايِنُ ذَلِكَ قَالَ وَالصَّوَابُ

ص: 144

أَنْ يُقَالَ مَا زَادَ فِي الْمِقْدَارِ حَتَّى يَعْدَمَ هَذِهِ الْحِكْمَةَ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَيْسَ بِمُسْتَحَبٍّ كَالَّذِي يَصْنَعُهُ الْمُتْرَفُونَ مِنَ التَّأَنُّقِ فِي الْمَآكِلِ وَكَثْرَةِ الِاسْتِعْدَادِ لَهَا وَمَا عَدَا ذَلِكَ تَخْتَلِفُ مَرَاتِبُهُ

[2162]

دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَتَسَحَّرُ فَقَالَ إِنَّهَا بَرَكَةٌ أَعْطَاكُمُ اللَّهُ إِيَّاهَا فَلَا تَدَعُوهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هُوَ مِمَّا اخْتَصَّتْ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةُ فِي صَوْمِهَا

ص: 145

[2166]

عَنْ مُوسَى بْنِ عُلَيٍّ قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ إِنَّ فَصْلَ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السُّحُورِ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ الْفَارِقُ وَالْمُمَيِّزُ بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِهِمُ السُّحُورُ فَإِنَّهُمْ لَا يَتَسَحَّرُونَ وَنَحْنُ نَتَسَحَّرُ فَيُسْتَحَبُّ لَنَا السُّحُورُ قَالَ وَأَكْلَةُ السَّحُورِ هِيَ السُّحُورُ وَهِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ هَكَذَا ضَبَطَهُ الْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي رِوَايَاتِ بِلَادِنَا وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ مِنَ الْأَكْلِ وَإِنْ كَثُرَ الْمَأْكُولِ فِيهَا كَالْغَدْوَةِ وَالْعَشْوَةِ وَأَمَّا الْأُكْلَةُ بِالضَّمِّ فَهِيَ اللُّقْمَةُ الْوَاحِدَةُ وَادَّعَى الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ الرِّوَايَةَ فِيهِ بِالضَّمِّ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ رِوَايَةَ أَهْلِ بِلَادِهِمْ قَالَ عِيَاضٌ وَالصَّوَابُ الْفَتْحُ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ هُنَا

ص: 146

[2203]

مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى الْحَالِ بِأَنْ يَكُونَ الْمَصْدَرُ فِي مَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ أَيْ مُؤْمِنًا مُحْتَسِبًا وَالْمُرَادُ بِالْإِيمَانِ الِاعْتِقَادُ لِحَقِّ فَرْضِيَّةِ صَوْمِهِ وَالِاحْتِسَابُ

ص: 147

طَلَبُ الثَّوَابِ مِنَ اللَّهِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ احْتِسَابًا أَيْ عَزِيمَةً وَهُوَ أَنْ يَصُومَهُ عَلَى مَعْنَى

ص: 148

الرَّغْبَةِ فِي ثَوَابِهِ طَيِّبَةً نَفْسُهُ بِذَلِكَ غَيْرَ مستثقل لصيامه وَلَا مستطيل لأيامه

ص: 149

[2211]

الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِهَذَا مَعَ أَنَّ الْأَعْمَالَ كُلَّهَا لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الَّذِي يَجْزِي بِهَا عَلَى أَقْوَالٍ أَحَدِهَا أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَقَعُ فِيهِ الرِّيَاءِ كَمَا يَقَعُ فِي غَيْرِهِ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ لَيْسَ فِي الصَّوْمِ رِيَاءٌ قَالَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ إِنَّمَا تَكُونُ بِالْحَرَكَاتِ إِلَّا الصَّوْمُ فَإِنَّمَا هُوَ بِالنِّيَّةِ الَّتِي تَخْفَى عَنِ النَّاسِ

ص: 158

قَالَ هَذَا وَجْهُ الْحَدِيثِ عِنْدِي وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة بِسَنَد ضَعِيف قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ قَاطِعًا لِلنِّزَاعِ وَقَدِ ارتضى هَذَا الْجَواب الْمَازرِيّ وبن الْجَوْزِيِّ وَالْقُرْطُبِيُّ الثَّانِي مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَعْمَالَ قَدْ كُشِفَتْ مَقَادِيرُ ثَوَابِهَا لِلنَّاسِ وَإِنَّهَا تُضَعَّفُ مِنْ عَشَرَةٍ إِلَى سَبْعِمِائَةٍ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّ اللَّهَ يُثِيبُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ تَقْدِيرٍ وَيَشْهَدُ لَهُ مَسَاقُ رِوَايَةِ الْمُوَطَّأِ حَيْثُ قَالَ كل عمل بن آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ قَالَ اللَّهُ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ أَيْ أُجَازِي عَلَيْهِ خَيْرًا كَثِيرًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِمِقْدَارِهِ الثَّالِثُ مَعْنَى قَوْلِهِ الصَّوْمُ لِي أَنَّهُ أَحَبُّ الْعِبَادَاتِ إِلَيَّ وَالْمُقَدَّمُ عِنْدِي قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ كَفَى بِقَوْلِهِ الصَّوْمُ لِي فَضْلًا لِلصِّيَامِ عَلَى سَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ الرَّابِعُ الْإِضَافَةُ إِضَافَةُ تَشْرِيفٍ وَتَعْظِيمٍ كَمَا يُقَالُ بَيْتُ اللَّهِ وَإِنْ كَانَتِ الْبُيُوتُ كُلُّهَا لِلَّهِ الْخَامِسُ أَنَّ الِاسْتِغْنَاءَ عَنِ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ مِنَ الشَّهَوَاتِ مِنْ صِفَاتِ الرَّبِّ جل جلاله فَلَمَّا تَقَرَّبَ الصَّائِمُ إِلَيْهِ بِمَا يُوَافِقُ صِفَاتِهِ أَضَافَهُ إِلَيْهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ مُنَاسِبَةٌ لِأَحْوَالِهِمْ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ مُنَاسِبٌ لِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْحَقِّ كَأَنَّهُ يَقُولُ إِنَّ الصَّائِمَ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِأَمْرٍ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِي السَّادِسُ أَنَّ الْمَعْنَى كَذَلِكَ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِمْ السَّابِعُ أَنَّهُ خَالِصٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ فِيهِ حَظٌّ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّ لَهُ فِيهِ حَظًّا لِثَنَاءِ النَّاسِ عَلَيْهِ بِعِبَادَتِهِ الثَّامِنُ أَنَّ الصِّيَامَ لَمْ يُعْبَدْ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالطَّوَافِ وَنَحْوِ ذَلِكَ التَّاسِعُ أَنَّ جَمِيعَ الْعِبَادَاتِ تُوَفَّى مِنْهَا مَظَالِمُ الْعِبَادِ إِلَّا الصَّوْم روى الْبَيْهَقِيّ عَن بن عُيَيْنَةَ قَالَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُحَاسِبُ اللَّهُ تَعَالَى عَبْدَهُ وَيُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ مِنَ الْمَظَالِمِ مِنْ عَمَلِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُ إِلَّا الصَّوْمُ فَيَتَحَمَّلُ اللَّهُ تَعَالَى مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَظَالِمِ وَيُدْخِلُهُ بِالصَّوْمِ الْجَنَّةَ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ قَالَ رَبُّكُمْ تبارك وتعالى كُلُّ الْعَمَلِ كَفَّارَةٌ إِلَّا الصَّوْمَ الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ رَوَاهُ الطَّيَالِسِيُّ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا الْعَاشِرُ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَظْهَرُ فَتَكْتُبُهُ الْحَفَظَةُ كَمَا لَا تَكْتُبُ سَائِرَ أَعْمَالِ الْقُلُوب

ص: 160

قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ فَهَذَا مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَجْوِبَةِ وَأَقْرَبُهَا إِلَى الصَّوَابِ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَأَقْرَبُ مِنْهُمَا الثَّامِنُ وَالتَّاسِعُ قَالَ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ بَلَّغَهَا إِلَى أَكْثَرَ مِنْ هَذَا وَهُوَ الطلقاني فِي حَظَائِرِ الْقُدْسِ لَهُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ قُلْتُ قَدْ وَقَفْتُ عَلَيْهِ فَرَأَيْتُهُ بَلَّغَهَا إِلَى خَمْسَةٍ وَخَمْسِينَ قَوْلًا وَسَأَسُوقُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي التَّعْلِيق الَّذِي على بن مَاجَهْ قَالَ الْحَافِظُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّيَامِ هُنَا صِيَامُ مَنْ سَلِمَ صِيَامُهُ مِنَ الْمَعَاصِي قَوْلًا وَفِعْلًا وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا الْحَدِيثُ يَشْكُلُ بِقَوْلِهِ عز وجل قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ يَعْنِي أَنَّ نِصْفَ الْفَاتِحَةِ الْأَوَّلَ ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ وَالنِّصْفَ الثَّانِي دُعَاءٌ لِلْعَبْدِ فِي مَصَالِحِهِ فَقَدْ صَارَ لِلَّهِ غَيْرُ الصَّوْمِ قَالَ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِضَافَةَ الثَّانِيةَ لَا تُنَاقِضُ الْأُولَى إِذِ الثَّانِيةُ لِأَجْلِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ عز وجل وَالْأولَى لِأَجْلِ أَحَدِ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ وَإِذَا تَعَدَّدَتِ الْجِهَةُ فَلَا تَعَارُضَ حِينَئِذٍ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَالْفَاءِ قَالَ عِيَاضٌ هَذِهِ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ وَبَعْضُ الشُّيُوخِ يقَوْلُهُ بِفَتْحِ الْخَاءِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ خَطَأٌ وَحُكِيَ عَنِ الْقَابِسِيِّ الْوَجْهَيْنِ وَبَالَغَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَقَالَ لَا يَجُوزُ فَتْحُ الْخَاءِ وَاحْتَجَّ غَيْرُهُ لِذَلِكَ بِأَنَّ الْمَصَادِرَ الَّتِي جَاءَتْ عَلَى فَعُولٍ بِفَتْح اللَّام قَلِيلَةٌ وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عَنِ اسْتِطَابَةِ الرَّوَائِحِ إِذْ ذَاكَ مِنْ صِفَاتِ الْحَوَادِثِ وَمَعَ أَنَّهُ يَعْلَمُ الشَّيْءَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمَازِرِيُّ هُوَ مَجَازٌ لِأَنَّهُ جَرَتِ الْعَادَةُ بِتَقْرِيبِ الرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ مِنَّا فَاسْتُعِيرَ ذَلِكَ لِلصَّوْمِ لِتَقْرِيبِهِ مِنَ اللَّهِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ عِنْدَكُمْ أَيْ يُقَرَّبُ إِلَيْهِ مِنْ تقريب الْمسك اليكم والى ذَلِك أَشَارَ

ص: 161

بن عَبْدِ الْبَرِّ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَلَائِكَةِ وَأَنَّهُمْ يَسْتَطِيبُونَ رِيحَ الْخُلُوفِ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَطِيبُونَ رِيحَ الْمِسْكِ وَقِيلَ الْمَعْنَى أَنَّ حُكْمَ الْخُلُوفِ وَالْمِسْكِ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى ضِدِّ مَا هُوَ عِنْدَكُمْ وَهَذَا قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ وَقِيلَ الْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ يَجْزِيهِ فِي الْآخِرَةِ فَتَكُونُ نَكْهَتُهُ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ كَمَا يَأْتِي الْمَكْلُومُ وَرِيحُ جُرْحِهِ يَفُوحُ مِسْكًا وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ صَاحِبَهُ يَنَالُ مِنَ الثَّوَابِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لَا سِيَّمَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْخُلُوفِ حَكَاهُمَا عِيَاضٌ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ وَجَمَاعَةٌ الْمَعْنَى أَنَّ الْخُلُوفَ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنَ الْمِسْكِ الْمَنْدُوبِ إِلَيْهِ فِي الْجُمَعِ وَمَجَالِسِ الذِّكْرِ وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْأَخِيرَ وَحَاصِلُهُ حَمْلُهُ مَعْنَى الطِّيبِ عَلَى الْقَبُولِ وَالرِّضَا فَحَصَلْنَا عَلَى سِتَّةِ أَجْوِبَةٍ وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي

ص: 162

حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّ لِلطَّاعَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رِيحًا يَفُوحُ قَالَ فَرَائِحَةُ الصِّيَامِ فِيهَا بَيْنَ الْعِبَادَات كالمسك وَقد تنَازع بن عبد السَّلَام وبن الصّلاح فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَذهب بن عَبْدِ السَّلَامِ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ كَمَا فِي دَمِ الشَّهِيدِ وَاسْتَدَلَّ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا يَوْم الْقِيَامَة وَذهب بن الصَّلَاحِ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَاسْتَدَلَّ بِمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ فِي فَضْلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي رَمَضَانَ أَمَّا الثَّانِيةُ فَإِنَّ خُلُوفَ أَفْوَاهِهِمْ حِينَ يُمْسُونَ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ قَالَ وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى ذَلِكَ

[2215]

يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ لِابْنِ خُزَيْمَةَ يَدَعُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ مِنْ أَجْلِي وَيَدَعُ لَذَّتَهُ مِنْ أَجْلِي وَيَدَعُ زَوْجَتَهُ مِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ جُنَّةٌ بِضَمِّ الْجِيم أَي وقاية وَستر قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ مِنَ النَّارِ لِتَصْرِيحِهِ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مَعْنَى كَوْنِهِ جنَّة أَي بَقِي صَاحِبَهُ مَا يُؤْذِيهِ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ جُنَّةٌ أَيْ سُتْرَةٌ يَعْنِي بِحَسَبِ مَشْرُوعِيَّتِهِ فَيَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يَصُونَ صَوْمَهُ مِمَّا يُفْسِدُهُ وَيُنْقِصُ ثَوَابه واليه الْإِشَارَة بقوله

[2216]

وَإِذا كَانَ يَوْم صِيَام أحدكُم فَلَا يرْفث بِضَم الْفَاء وَكسرهَا ومثلثة وَالْمرَاد بالرفث الْكَلَام الْفَاحِش وَهُوَ يُطلق على هَذَا وعَلى الْجِمَاع وعَلى مقدماته وَذكره مَعَ النِّسَاء أَو مُطلقًا وَيحْتَمل أَن يكون النَّهْي لما هُوَ أَعم مِنْهَا وَلَا يَصْخَبْ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ لَا يَصِيحُ فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ أَنِّي صَائِم اخْتلف هَل يُخَاطب بهَا للَّذي كَلَّمَهُ بِذَلِكَ أَوْ يَقُولُهَا فِي نَفْسِهِ وَبِالثَّانِي جَزَمَ الْمُتَوَلِّي وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنِ الْأَئِمَّةِ وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ الْأَوَّلَ فِي الْأَذْكَارِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ كُلٌّ مِنْهُمَا حَسَنٌ وَالْقَوْلُ بِاللِّسَانِ أَقْوَى فَلَو جَمعهمَا لَكَانَ حسنا قَوْله لأمر الصَّوْم فَعَادَ إِلَيَّ بِالْجَوَابِ الْأَوَّل تَعْظِيمًا لِأَمْرِهِ وَإِنَّهُ يَكْفِي وَالله تَعَالَى أعلم

ص: 163

[2233]

الصِّيَامُ جُنَّةٌ مَا لَمْ يَخْرِقْهَا زَادَ الدَّارِمِيُّ بالغيبة

ص: 164

[2234]

فَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلَا يَجْهَلْ أَيْ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ أَفْعَالِ أَهْلِ الْجَهْلِ كَالصِّيَاحِ والسفه وَنَحْو ذَلِك

ص: 168

[2239]

عَلَيْكُمْ بِالْبَاءَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ يَعْنِي النِّكَاحَ وَالتَّزْوِيجَ يُقَالُ فِيهَا الْبَاءَ وَالْبَاءَةَ وَقَدْ يُقْصَرُ وَهُوَ مِنَ الْمَبَاءَةِ الْمَنْزِلِ لِأَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بَوَّأَهَا مَنْزِلًا وَقِيلَ لِأَنَّ الرَّجُلَ يَتَبَوَّأُ مِنْ أَهْلِهِ أَيْ يَسْتَمْكِنُ كَمَا يَتَبَوَّأُ مِنْ مَنْزِلِهِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ قَالَ الْأَنْدَلُسِيُّ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ الْإِغْرَاءُ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلْمُخَاطَبِ فَلَا يَجُوزُ فَعَلَيْهِ بِزَيْدٍ وَأَمَّا فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّمَا حَسُنَ لِتَقَدُّمِ الْخِطَابِ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ عَلَيْكُمْ بِالْبَاءَةِ كَأَنَّهُ قَالَ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ فَالْغَائِبُ فِي الْخَبَرِ فِي مَعْنَى الْمُخَاطَبِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدُّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْوِجَاءُ أَنْ تُرَضَّ أُنْثَيَا الْفَحْلِ رَضًّا شَدِيدًا يُذْهِبُ شَهْوَةَ الْجِمَاعِ وَيَتَنَزَّلُ فِي قَطْعِهِ مَنْزِلَةَ الْخِصَاءِ وَقِيلَ هُوَ أَنْ تُوجَأَ الْعُرُوقُ وَالْخُصْيَتَانِ بِحَالِهِمَا

ص: 169

أَرَادَ أَنَّ الصَّوْمَ يَقْطَعُ النِّكَاحَ كَمَا يَقْطَعُ الْوِجَاءُ وَرُوِيَ وَجًا بِوَزْنِ عَصًا يُرِيدُ التَّعَبَ وَالْجَفَاءَ وَذَلِكَ بَعِيدٌ إِلَّا أَنْ يُرَادَ فِيهِ مَعْنَى الْفُتُورِ وَلِأَنَّ مَنْ وُجِيَ فَتَرَ عَنِ الْمَشْيِ فَشَبَّهَ الصَّوْمَ فِي بَابِ النِّكَاحِ بِالتَّعَبِ فِي بَابِ الْمَشْيِ

[2240]

مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَصُمْ قَالَ الْمَازِرِيُّ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْبَاءَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْجِمَاعُ عَلَى ظَاهِرِهِ

ص: 170

لِأَنَّهُ قَالَ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَصُمْ وَلَوْ كَانَ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ لِلْجِمَاعِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَاجَةٌ لِلصَّوْمِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِطَاعَتَانِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ الْجِمَاعَ أَيْ مَنْ بَلَغَهُ وَقَدَرَ عَلَيْهِ فَلْيَتَزَوَّجْ وَيَكُونُ قَوْلُهُ بَعْدُ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ يَعْنِي عَلَى الزَّوَاجِ الْمَذْكُورِ مِمَّنْ هُوَ بِالصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلْيَصُمْ وَقَالَ النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْبَاءَةِ هُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ يَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ أَصَحُّهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيُّ وَهُوَ الْجِمَاعُ فَتَقْدِيرُهُ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْجِمَاعَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مُؤَنِهِ وَهِي مُؤَنُ النِّكَاحِ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْجِمَاعَ لِعَجْزِهِ عَنْ مُؤَنِهِ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالْبَاءَةِ مُؤَنُ النِّكَاحِ سُمِّيَتْ بِاسْمِ مَا يُلَازِمُهَا وَتَقْدِيرُهُ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ مُؤَنَ النِّكَاحِ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَصُمْ وَالذِي حَمَلَ الْقَائِلِينَ لِهَذَا عَلَى هَذَا أَنَّهُمْ قَالُوا الْعَاجِزُ عَنِ الْجِمَاعِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الصَّوْمِ لِدَفْعِ الشَّهْوَةِ فَوَجَبَ تَأْوِيلُ الْبَاءَةِ عَلَى الْمُؤَنِ وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِمَا قَدَّمَاهُ أَنَّ تَقْدِيرَهُ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْجِمَاعَ لِعَجْزِهِ عَنْ مُؤَنِهِ وَهُوَ يحْتَاج إِلَى الْجِمَاع فليصم

[2243]

مِنْ كَانَ مِنْكُمْ ذَا طَوْلٍ بِفَتْحِ الطَّاءِ أَي سَعَة

ص: 171

[2244]

مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ سَبِيلُ اللَّهِ عَامٌّ يَقَعُ عَلَى كل عمل خَالِصٍ لِلَّهِ سَلَكَ بِهِ طَرِيقَ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ وَأَنْوَاعِ التَّطَوُّعَاتِ وَإِذَا أُطْلِقَ فَهُوَ فِي الْغَالِبِ وَاقِعٌ عَلَى الْجِهَادِ حَتَّى صَارَ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ كَأَنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ زَحْزَحَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ بِذَلِكَ الْيَوْمِ سَبْعِينَ خَرِيفًا قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ نَحَّاهُ وَبَاعَدَهُ عَنِ النَّارِ مَسَافَةً تُقْطَعُ فِي سَبْعِينَ سَنَةٍ لِأَنَّهُ كُلَّمَا مَرَّ خَرِيفٌ فَقَدِ انْقَضَتْ سَنَةُ وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ كَانَتِ الْعَرَبُ تُؤَرِّخُ أَعْوَامَهَا بِالْخَرِيفِ لِأَنَّهُ كَانَ أَوَانَ جِدَادِهِمْ وَقِطَافِهِمْ وَإِدْرَاكِ غَلَّاتِهِمْ وَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَرَّخَ عُمَرُ رضي الله عنه بِسَنَةِ الْهِجْرَةِ

ص: 172

[2255]

لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ أَيْ مِنَ الطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ الصّيام فِي السّفر قَالَ النَّفْي وَقيل لِلتَّبْعِيضِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ زَائِدَةٌ لتأكيد بن بَطَّالٍ مَعْنَاهُ لَيْسَ هُوَ الْبِرُّ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْإِفْطَارُ أَبَرَّ مِنْهُ إِذَا كَانَ فِي حَجٍّ أَوْ جِهَادٍ لِيَقْوَى عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ مِسْكِينٌ وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمِسْكِينَ الشَّدِيدَ الْمَسْكَنَةِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ خَرَجَ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ رَجُلٌ ظُلِّلَ عَلَيْهِ وَكَانَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ أَيْ لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ إِنْ بَلَغَ الْإِنْسَانُ هَذَا الْمَبْلَغَ وَاللَّهُ قد رخص لَهُ فِي الْفطر

ص: 175

[2263]

كُرَاعِ الْغَمِيمِ بِضَمِّ الْكَافِ وَالْغَمِيمِ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ اسْم وَاد أَمَام عسفان

ص: 177

[2287]

أَتَى قُدَيْدًا بِضَمِّ الْقَافِ عَلَى التَّصْغِيرِ مَوْضِعٌ قرب عسفان

ص: 183

[2300]

اسرد الصَّوْم أَي أتابعه

ص: 186

[2303]

هِيَ رُخْصَةٌ مِنَ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ وَلَا يُقَالُ فِي التَّطَوُّعِ مِثْلُ هَذَا قَوْله الْكَدِيدُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَكَانٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وقُدَيْدٍ قَالَ عِيَاضٌ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَفْطَرَ فِيهِ صلى الله عليه وسلم وَالْكل فِي قصَّة وحداة وَكلهَا مُتَقَارِبَة والجميع من عمل عسفان

ص: 187

[2320]

وَابْعَثُوا إِلَى أَهْلِ الْعَرُوضِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَرَادَ فِيهَا أَكْنَافَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ يُقَالُ لِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَنِ الْعَرُوضُ وَيُقالُ لِلرَّسَاتِيقِ بِأَرْضِ الْحِجَازِ الْإِعْرَاض وَاحِدهَا عرض بِالْكَسْرِ

ص: 189

[2331]

مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ أَيْ يَنْوِهِ مِنَ اللَّيْلِ يُقَالُ بَيَّتَ فُلَانٌ رَأْيَهُ إِذَا فَكَّرَ فِيهِ وَخَمَّرَهُ وَكُلُّ مَا فُكِّرَ فِيهِ وَدُبِّرَ بلَيْل فقد بَيت

[2333]

مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ بِضَمِّ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ يَعْزِمُ عَلَيْهِ وَيُجْمِعُ رَأْيَهُ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْإِجْمَاعُ إِحْكَامُ النِّيَّةِ وَالْعَزِيمَةُ أَجْمَعْتَ الرَّأْي وأزمعته وعزمت عَلَيْهِ بِمَعْنى

ص: 196

[2345]

أَيَّامَ الْبِيضِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ يُرِيدُ أَيَّامَ اللَّيَالِي الْبِيضِ وَهِيَ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَسُمِّيَتْ لَيَالِيهَا بِيضًا لِأَنَّ الْقَمَرَ يَطْلُعُ فِيهَا مِنْ أَولهَا إِلَى آخرهَا

ص: 198

[2351]

وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي التَّنْقِيحِ صِيَامًا بِالنَّصْبِ وَرُوِيَ بِالْخَفْضِ قَالَ السُّهَيْلِيُّ وَهُوَ وَهَمٌ وَرُبَّمَا بُنِيَ اللَّفْظُ عَلَى الْخَطِّ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ رَآهُ مَكْتُوبًا بِمِيمٍ مُطْلَقَةٍ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ رَأَى الْوَقْفَ عَلَى الْمُنَوَّنِ الْمَنْصُوبِ بِغَيْرِ أَلِفٍ فَتَوَهَّمَهُ مَخْفُوضًا لَا سِيَّمَا وَصِيغَةُ أَفْعَلَ تُضَافُ كَثِيرًا فَتَوَهَّمَهَا مُضَافَةً وَإِضَافَتُهُ هُنَا لَا تَجُوزُ قطعا

ص: 200

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ يُحْتَاجُ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ رِوَايَتِهَا الْأُولَى مَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ فَقِيلَ الْأَوَّلُ مُفَسِّرٌ لِلثَّانِي وَمُخَصِّصٌ لَهُ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْكُلِّ الْأَكْثَرُ وَقِيلَ كَانَ يَصُومُ مَرَّةً كُلَّهُ وَمَرَّةً يَنْقُصُ مِنْهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ وُجُوبُهُ وَقِيلَ فِي قَوْلِهَا كُلَّهُ أَيْ يَصُومُ فِي أَوَّلِهِ وَأَوْسَطِهِ وَفِي آخِرِهِ وَلَا يَخُصُّ شَيْئًا مِنْهُ وَلَا يَعُمُّهُ بِصِيَامِهِ وَذَكَرَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ وَقِيلَ فِي تَخْصِيصِ شَعْبَانَ بِكَثْرَةِ الصَّوْمِ لِكَوْنِهِ تُرْفَعُ فِيهِ أَعْمَالُ الْعِبَادِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ إِنَّ أَفْضَلَ الصَّوْمِ بَعْدَ رَمَضَانَ صَوْمُ الْمُحَرَّمِ فَكَيْفَ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي شَعْبَانَ دُونَ الْمُحَرَّمِ فَالْجَوَابُ لَعَلَّهُ لَمْ يَعْلَمْ فَضْلَ الْمُحَرَّمِ

ص: 201

إِلَّا فِي آخِرِ الْحَيَاةِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ صَوْمِهِ أَوْ لَعَلَّهُ كَانَ يَعْرِضُ فِيهِ أَعْذَارٌ تَمْنَعُ مِنْ إِكْثَارِ الصَّوْمِ كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ وَغَيْرِهِمَا

[2358]

ذَانِكَ يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الْأَعْمَالُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ إِنْ قُلْتَ مَا مَعْنَى هَذَا مَعَ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ قُلْتُ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ تُعْرَضُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى كُلَّ يَوْمٍ ثُمَّ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَعْمَالُ الْجُمُعَةِ فِي كُلِّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ ثُمَّ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَعْمَالُ السَّنَةِ فِي شَعْبَانَ فَتُعْرَضُ عَرْضًا بَعْدَ عَرْضٍ وَلِكُلِّ عَرْضٍ حِكْمَةٌ يُطْلِعُ عَلَيْهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ أَوْ يَسْتَأْثِرُ بِهَا عِنْدَهُ مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ خَافِيَةٌ ثَانِيهِمَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا تُعْرَضُ فِي الْيَوْمِ تَفْصِيلًا ثُمَّ فِي الْجُمُعَةِ جُمْلَةً أَوْ بِالْعَكْسِ

ص: 202

[2371]

سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ سَمِعْتُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول فِي هَذَا الْيَوْمِ إِنِّي صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَ فَلْيَصُمْ قَالَ النَّوَوِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ لَمَّا سَمِعَ مَنْ يُوجِبُهُ أَوْ يُحَرِّمُهُ أَوْ يَكْرَهُهُ فَأَرَادَ إِعْلَامَهُمْ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا مُحَرَّمٍ وَلَا مَكْرُوهٍ قَالَ وَكُلَّمَا بَعُدَ يَقُولُ بِتَمَامِهِ كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَ مُبَيَّنًا فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ أَنه كُله كَلَامه

ص: 203

[2373]

مَنْ صَامَ الْأَبَدَ فَلَا صَامَ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ يَكُونُ كَذَلِكَ قُلْتُ لِأَنَّ صَوْمَ الْأَبَدِ يَسْتَلْزِمُ صَوْمَ الْعِيدِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَهُوَ حَرَامٌ

[2374]

لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ كَقَوْلِه تَعَالَى فَلَا صدق وَلَا صلى وَهُوَ إِحْبَاطُ الْأَجْرِ عَلَى صَوْمِهِ حَيْثُ خَالَفَ السُّنَّةَ وَقِيلَ هُوَ دُعَاءٌ عَلَيْهِ كَرَاهِيَةً لِصُنْعِهِ وَحَرَ الصَّدْرِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ غِشُّهُ وَوَسَاوِسُهُ وَقِيلَ الْحِقْدُ وَالْغَيْظُ وَقِيلَ الْعَدَاوَةُ وَقِيلَ أَشَدُّ الْغَضَب

ص: 205

[2389]

وَلَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ لَمْ يُدْخِلْ يَدَهُ مَعَهَا كَمَا يُدْخِلُ الرَّجُلُ يَدَهُ مَعَ زَوْجَتِهِ فِي دَوَاخِلِ أَمْرِهَا وَأَكْثَرُ مَا يُرْوَى بِفَتْحِ الْكَافِ وَالنُّونِ مِنَ الْكَنَفِ وَهُوَ الْجَانِبُ يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يَقْرَبْهَا هَجَمَتْ لَهُ الْعَيْنُ أَيْ غَارَتْ وَدَخَلَتْ فِي مَوْضِعِهَا وَنَفِهَتْ لَهُ النَّفْسُ بِكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ تعبت وكلت

ص: 206

وروى نثهت بِالْمُثَلثَةِ بدل الْفَاء وَقد استغر بهَا بن الْأَثِيرِ قَالَ وَلَا أَعْرِفُ مَعْنَاهَا قَالَ الْحَافِظُ بن حَجَرٍ وَكَأَنَّهَا أُبْدِلَتْ مِنَ الْفَاءِ فَإِنَّهَا تُبْدَلُ مِنْهَا كثيرا

ص: 208

[2402]

لَا صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ دَاوُدَ شَطْرُ الدَّهْرِ قَالَ الْحَافِظ بن حَجَرٍ بِالرَّفْعِ عَلَى الْقَطْعِ وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ وَالْجَرُّ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ صَوْمِ دَاوُدَ قَالَ وَيَجُوزُ فِي قَوْلِهِ صِيَامُ يَوْمٍ وَفِطْرُ يَوْمٍ الْحَرَكَاتُ الثَّلَاثُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فَقَالَ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ هُوَ أَفْضَلُ مِنَ السَّرْدِ لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَفْضِيلِ السَّرْدِ وَتَخْصِيصِ هَذَا الْحَدِيثِ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ وَتَقْدِيرُهُ لَا أَفْضَلُ مِنْ هَذَا فِي حَقِّكِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَنْهَ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو عَنِ السَّرْدِ وَيُرْشِدُهُ إِلَى يَوْمٍ وَيَوْمٍ وَلَوْ كَانَ أَفْضَلَ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ لَأَرْشَدَهُ إِلَيْهِ وَبَيَّنَهُ لَهُ فَإِنَّ تَأْخِير الْبَيَان عَن وَقت الحاجةلا يَجُوزُ وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِيَامِ الدَّهْرِ فَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إِلَى مَنْعِهِ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى جَوَازِهِ إِذَا لَمْ يَصُمِ الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا وَهُوَ الْعِيدَانِ وَالتَّشْرِيقُ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ سَرْدَ الصِّيَامِ إِذَا أَفْطَرَ الْعِيدَ وَالتَّشْرِيقَ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَلْحَقَهُ بِهِ ضَرَرٌ وَلَا يُفَوِّتُ حَقًّا فَإِنْ تَضَرَّرَ أَوْ فَوَّتَ حَقًّا فَمَكْرُوهٌ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ أَسْرُدُ الصَّوْمَ أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ قَالَ صُمْ إِنْ شِئْتَ فَأَقَرَّهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى سَرْدِ الصِّيَامِ وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَمْ يُقِرُّهُ لَا سِيَّمَا فِي السَّفَرِ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ وَكَذَلِكَ أَبُو طَلْحَةَ وَعَائِشَةَ وَخَلَائِقَ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا

ص: 214

أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ بِأَنْ يَصُومَ مَعَهُ الْعِيدَ وَالتَّشْرِيقَ وَبِهَذَا أَجَابَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها وَالثَّانِي أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ تَضَرَّرَ بِهِ حَقًا يُؤَيّدهُ أَنَّ النَّهْيَ كَانَ خِطَابًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ عَنْهُ أَنَّهُ عَجَزَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَنَدِمَ عَلَى كَوْنِهِ لَمْ يقبل الرُّخْصَة قَالُوا فَنهى بن عَمْرٍو لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ سَيَعْجِزُ وَأَقَرَّ حَمْزَةُ بْنُ عَمْرٍو لِعِلْمِهِ بِقُدْرَتِهِ بِلَا ضَرَرٍ وَالثَّالِثُ أَنَّ مَعْنَى لَا صَامَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ مِنْ مَشَقَّتِهِ مَا يَجِدُهَا غَيْرُهُ فَيَكُونُ خَبَرًا لَا دُعَاءً وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ إِنَّمَا سَأَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ لَا عَنْ سَرْدِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ هُنَا هِيَ رُخْصَةٌ

ص: 217

مِنَ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا حَسُنَ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ وَلَا يُقَال فِي التَّطَوُّع مثل هَذَا انْتهى

[2408]

شَهْرُ الصَّبْرِ هُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ وَأَصْلُ الصَّبْرِ الْحَبْسُ فَسُمِّيَ الصَّوْمُ صَبْرًا لِمَا فِيهِ مِنْ حبس النَّفس عَن الطَّعَام وَالشرَاب وَالنِّكَاح

ص: 218

[2414]

كَانَ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَالْخَمِيسِ الَّذِي يَلِيهِ ثُمَّ الْخَمِيسِ الَّذِي يَلِيهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ أَوَّلَ خَمِيسٍ وَالْاثْنَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ اخْتِلَافُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ كَوْنُ هَذِهِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَاقِعَةً فِي اثْنَيْنِ وَخَمِيسَيْنِ أَوْ بِالْعَكْسِ عَلَى أَيِّ وَجه كَانَ

ص: 219

[2420]

وَأَيَّامُ الْبِيضِ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي صَوْمِهَا أَنَّهُ لَمَّا عَمَّ النُّورُ لَيَالِيَهَا نَاسَبَ أَنْ تَعُمَّ الْعِبَادَةُ نَهَارَهَا وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْكُسُوفَ يَكُونُ فِيهَا غَالِبًا وَلَا يَكُونُ فِي غَيْرِهَا وَقَدْ أُمِرْنَا بِالتَّقَرُّبِ إِلَى الله تَعَالَى بأعمال الْبر عِنْد الْكُسُوف الْغُرُّ أَيِ الْبِيضُ اللَّيَالِي بِالْقَمَرِ مِنَ الشَّهْرِ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِسَنَدٍ فِيهِ جَهَالَةٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ صَامَ نُوحٌ عليه السلام الدَّهْرَ

ص: 221

إِلَّا يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَصَامَ دَاوُدُ عليه السلام نِصْفَ الدَّهْرِ وَصَامَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صَامَ الدَّهْرَ وَأفْطر الدَّهْر

ص: 223