الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في ستر النساء والرجال
فهذا ستر النساء عن الرجال وستر الرجال عن الرجال والنساء عن النساء في العورة الخاصة كما قال صلى الله عليه وسلم: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة" 1 وكما قال: "احفظ عورتك إلا عن زوجتك أو ما ملكت يمينك".
قلت: فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟.
قال: إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يرينها.
قلت: فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال: "فالله أحق أن يستحيا منه" 2
"ونهى أن يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد والمرأة إلى المرأة في ثوب واحد"3 وقال عن الأولاد: " مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع" 4
1 أخرجه أحمد ومسلم وغيرهما وهو مخرج في "الإرواء""1808"
2 حديث حسن أخرجه أحمد وغيره وهو مخرج في "آداب الزفاف""ص 36"
3 متفق عليه
4 صحيح أخرجه أبو داود وغيره من طريقين وهو مخرج في "صحيح أبي داود""508 و 509"
فهذا نهي عن النظر والمس لعورة النظير لما في ذلك من القبح والفحش وأما الرجال مع النساء فلأجل شهوة النكاح فهذان نوعان.
وفي الصلاة نوع ثالث فإن المرأة لو صلت وحدها كانت مأمورة بالاختمار1 وفي غير الصلاة يجوز لها كشف رأسها في بيتها فأخذ الزينة في الصلاة لحق الله فليس لأحد أن يطوف بالبيت عريانا2 ولو كان وحده بالليل ولا يصلي عريانا ولو كان وحده فعلم أن أخذ الزينة في الصلاة لم يكن ليحتجب عن الناس فهذا نوع وهذا نوع.
وحينئذ فقد يستر المصلي في الصلاة ما يجوز إبداؤه في غير الصلاة وقد يبدي في الصلاة ما يستره عن الرجال.
فالأول: مثل المنكبين فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل في
1 قلت: وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة حائض" أي بالغة "إلا بخمار".
وهو حديث صحيح كما يأتي قريبا وهو بعمومه يشمل الإماء أيضا فتخصيص الحديث بالمرأة الحرة كما سيأتي من المؤلف في الصفحة التالية مما لا أعرف له دليلا. بل قد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمولاة لهم: "اختمري" وقد خرجته في "الحجاب""ص 45" فهذا يدل على أن الأمة كالحرة في وجوب الاختمار فهو يؤيد العموم المشار إليه
2 يشير إلى الحديث الآتي ص 15.
الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء1 فهذا لحق الصلاة ويجوز له كشف منكبيه للرجال خارج الصلاة،
وكذلك المرأة الحرة2 تختمر في الصلاة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" 3 وهي لا تختمر عند زوجها ولا عند ذوي محارمها فقد جاز لها إبداء الزينة الباطنة لهؤلاء ولا يجوز لها في الصلاة أن تكشف رأسها لهؤلاء ولا لغيرهم.
وعكس ذلك: الوجه واليدان والقدمان ليس لها أن تبدي ذلك للأجانب على أصح القولين بخلاف ما كان قبل النسخ بل لا تبدي إلا الثياب.
وأما ستر ذلك في الصلاة فلا يجب باتفاق المسلمين بل يجوز لها كشف الوجه بالإجماع وإن كان من الزينة الباطنة وكذلك اليدان يجوز إبداؤهما في الصلاة عند جمهور العلماء كأبي حنيفة والشافعي وغيرهما وهو إحدى الروايتين عن أحمد وكذلك القدم
1 متفق عليه وهو مخرج في "صحيح أبي داود""637" و "إرواء الغليل""275"
2 قلت: تخصيص الاختمار بالحرة لا دليل عليه بل عموم الحديث الآتي ينافيه وانظر التعليق السابق.
3 صحيح أخرجه أبو داود وغيره وهو مخرج في "إرواء الغليل""196".
يجوز إبداؤه عند أبي حنيفة وهو الأقوى فإن عائشة جعلته من الزينة الظاهرة قالت: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} 1 قالت: "الفتخ" حلق من فضة تكون في أصابع الرجلين2 رواه ابن أبي حاتم فهذا دليل على أن النساء كن يظهرن أقدامهن أولا كما يظهرن الوجه واليدين فإنهن كن يرخين ذيولهن فهي إذا مشت قد يظهر قدمها ولم يكن يمشين في خفاف وأحذية وتغطية هذا في الصلاة فيه حرج عظيم وأم سلمة قالت: "تصلي المرأة في ثوب سابغ يغطي ظهور قدميها "3 فهي إذا سجدت قد يبدو باطن القدم.
وبالجملة: قد ثبت بالنص والإجماع أنه ليس عليها في الصلاة أن تلبس الجلباب الذي يسترها إذا كانت في بيتها وإنما ذلك إذا خرجت وحينئذ فتصلي في بيتها وإن بدا وجهها ويداها وقدماها كما كن يمشين أولا قبل الأمر بإدناء الجلابيب عليهن فليست العورة في الصلاة مرتبطة بعورة النظر لا طردا ولا عكسا
وابن مسعود رضي الله عنه لما قال: الزينة الظاهرة هي
1 سورة النور الآية 31
2 في "النهاية": "فتخ تفتحتين جمع فتخة وهي خواتم كبار تلبس في الأيدي وربما وضعت في أصابع الأرجل" ونحوه في "القاموس"
3 قلت: وروي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح لا مرفوعا ولا موقوفا كما بينته في "ضعيف أبي داود""97 – 98"
الثياب لم يقل إنها كلها عورة حتى ظفرها بل هذا قول أحمد يعني به أنها تستره في الصلاة فإن الفقهاء يسمون ذلك: "باب ستر العورة" وليس هذا من ألفاظ الرسول ولا في الكتاب والسنة أن ما يستره المصلي فهو عورة بل قال تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} 1 ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يطوف بالبيت عريانا2 فالصلاة أولى. وسئل عن الصلاة في الثوب الواحد فقال: "أو لكلكم ثوبان؟ " 3 وقال في الثوب الواحد: "إن كان واسعا فالتحف به وإن كان ضيقا فاتزر به"4 ونهى أن يصلي الرجل في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء5 فهذا دليل على أنه يؤمر في الصلاة بستر العورة: الفخذ وغيره وإن جوزنا للرجل النظر إلى ذلك.
فإذا قلنا على أحد القولين وهو إحدى الروايتين عن أحمد: أن العورة هي السوءتان وأن الفخذ ليست بعورة فهذا في جواز نظر الرجل إليها ليس هو في الصلاة والطواف فلا يجوز أن
1 سورة الأعراف الآية: 31.
2 متفق عليه وهو مخرج في "صحيح أبي داود""636 و 640".
3 متفق عليه.
4 أخرجه البخاري ومسلم بنحوه وهو مخرج في "صحيح أبي داود""644".
5 صحيح وتقدم ص 13.
يصلي الرجل مكشوف الفخذين سواء قيل هما عورة أو لا ولا يطوف عريانا بل عليه أن يصلي في ثوب واحد ولا بد من ذلك إن كان ضيقا اتزر به وإن كان واسعا التحف به كما أنه لو صلى وحده في بيت كان عليه تغطية ذلك باتفاق العلماء.
وأما صلاة الرجل بادي الفخذين مع القدرة على الإزار فهذا لا يجوز1 ولا ينبغي أن يكون في ذلك خلاف ومن بنى هذا على الروايتين في العورة كما فعله طائفة فقد غلطوا ولم يقل أحمد ولا غيره: أن المصلي يصلي على هذه الحال كيف وأحمد يأمره بستر المنكبين؟ فكيف يبيح له كشف الفخذ؟ فهذا هذا.
وقد اختلف في وجوب ستر العورة إذا كان الرجل خاليا ولم يختلف في أنه في الصلاة لا بد من اللباس وأنه لا تجوز الصلاة عريانا مع القدرة على اللباس باتفاق العلماء ولهذا جوز أحمد وغيره للعراة أن يصلوا قعودا ويكون إمامهم وسطهم بخلاف خارج الصلاة هذا الستر لحرمة الصلاة لا لأجل النظر
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده لما قال: يا
1 قلت: وعلى هذا ينبغي أن يؤدب الصبيان فلا يجوز لآبائهم أن يلبسوهم السراويل القصيرة: "التبان" وأن يحضروهم المساجد في هذه الحالة. للحديث المتقدم: "مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع
…
" ولا شك أن هذا الأمر يشمل أمرهم بشروط وأركانها أيضا فتنبه ولا تكن من الغافلين.
رسول الله، فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال:"فالله أحق أن يستحيا منه من الناس" 1
فإذا كان هذا خارج الصلاة فهو في الصلاة أحق أن يستحيا منه فتؤخذ الزينة لمناجاته سبحانه وتعالى
ولهذا قال ابن عمر لغلامه نافع لما رآه يصلي حاسرا: أرأيت لو خرجت إلى الناس كنت تخرج هكذا؟ قال: لا قال: فالله أحق من يتجمل له.2
وفي الحديث الصحيح لما قيل له صلى الله عليه وسلم الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا فقال: "إن الله جميل يحب الجمال"3.
وهذا كما أمر المصلي بالطهارة والنظافة والطيب فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم "أن تتخذ المساجد في البيوت وتنظف وتطيب"4 وعلى هذا فيستتر في الصلاة أبلغ مما يستتر الرجل من الرجل والمرأة من المرأة.
1 حسن وتقدم ص 11.
2 لم أره بهذا اللفظ فيما وقفت عليه من طرقه وهو مخرج في "صحيح أبي داود""645" دون ذكر الحسر فلعله في بعض المصادر التي لم أطلع عليها.
3 رواه مسلم وغيره وهو مخرج في "الصحيح "1320 و 1626".
4 صحيح أخرجه أبو داود وغيره وقد خرجته في "صحيح أبي داود""479".
ولهذا أمرت المرأة أن تختمر في الصلاة وأما وجهها ويداها وقدماها1 فهي إنما نهيت عن إبداء ذلك للأجانب لم تنه عن إبدائه للنساء ولا لذوي المحارم، فعلم أنه ليس من جنس عورة الرجل مع الرجل والمرأة مع المرأة التي نهي عنها لأجل الفحش وقبح كشف العورة بل هذا من مقدمات الفاحشة فكان النهي عن إبدائها نهيا عن مقدمات الفاحشة كما قال في الآية:{ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} 2 وقال في آية الحجاب: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} 3 فنهى عن هذا سدا للذريعة لا أنه عورة مطلقة لا في الصلاة ولا غيرها فهذا هذا.
وأمر المرأة في الصلاة بتغطية يديها بعيد جدا واليدان يسجدان كما يسجد الوجه4 والنساء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان لهن قمص وكن يصنعن الصنائع والقمص عليهن فتبدي المرأة يديها إذا عجنت وطحنت وخبزت ولو كان ستر اليدين في الصلاة واجبا لبينه النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك القدمان وإنما أمر بالخمار فقط مع القميص فكن يصلين في قمصهن وخمرهن.
1 في الأصل "قدمها".
2 سورة النور الآية: 30.
3 سورة الأحزاب الآية: 53.
4 وفي ذلك حديث صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما "انظر صفة الصلاة ص 148 الطبعة السابعة طبع المكتب الإسلامي"
وأما الثوب التي كانت المرأة ترخيه وسألت عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "شبرا" فقلن: إذن تبدو سوقهن؟ فقال: "ذراع لا يزدن عليه" 1 وقول عمر بن أبي ربيعة:
كتب القتل والقتال علينا
…
وعلى الغانيات جر الذيول2
فهذا كان إذا خرجن من البيوت ولهذا سئل عن المرأة تجر ذيلها على المكان القذر فقال: "يطهره ما بعده" 3 وأما في نفس البيت فلم تكن تلبس ذلك كما أن الخفاف اتخذها النساء بعد ذلك لستر السوق إذا خرجن وهن لا يلبسنها في البيوت ولهذا قلن: إذن تبدوا سوقهن وكان المقصود تغطية الساق لأن الثوب إذا كان فوق الكعبين بدا الساق عند المشي.
وقد روي: "أعروا النساء يلزمن الحجال" 4 يعني إذا لم يكن لها ما تلبسه في الخروج لزمت بيتها.
1 حديث صحيح رواه أبو داود وغيره انظر "الحجاب""ص 36 – 37" و "المشكاة" 4334" و "4335".
2 ديوانه ص "498" وفيه "المحصنات" مكان "الغانيات"
3 حديث حسن رواه أبو داود وغيره وهو مخرج في "صحيح أبو داود""407 – 408".
4 ضعيف وبيانه في "الأحاديث الضعيفة""2827".
وكن نساء المسلمين يصلين في بيوتهن وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن" 1 ولم يؤمرن مع القمص إلا بالخمر لم تؤمر بما يغطي رجليها لا خف ولا جورب ولا بما يغطي يديها لا بقفازين ولا غير ذلك.
فدل على أنه لا يجب عليها في الصلاة ستر ذلك إذا لم يكن عندها رجال أجانب وقد روي: "أن الملائكة لا تنظر إلى الزينة الباطنة فإذا وضعت خمارها وقميصها لم ينظر إليها" وروي في ذلك حديث عن خديجة2 فهذا القدر للقميص والخمار هو المأمور به لحق الصلاة كما يؤمر الرجل إذا صلى في ثوب واسع أن يلتحف به فيغطي عورته ومنكبيه.
والمنكبان في حقه كالرأس في حق المرأة لأنه يصلي في قميص أو ما يقوم مقام القميص وهو في الإحرام لا يلبس على بدنه ما يقدر له كالقميص والجبة كما أن المرأة لا تنتقب ولا تلبس القفازين وأما رأسه فلا يخمره.
ووجه المرأة فيه قولان في مذهب أحمد وغيره:
1 -
قيل: إنه كرأس الرجل فلا يغطى.
1 متفق عليه من حديث ابن عمر دون قوله "وبيوتهن خير لهن" فإنه في رواية لأبي داود وغيره وهو مخرج في "صحيح أبي داود""575 – 576".
2 ولا يصح كما أشار إلى ذلك المؤلف رحمه الله بقوله: "روي
…
"
2 -
وقيل: إنه كيديه فلا يغطى بالنقاب والبرقع ونحو ذلك مما صنع على قدره وهذا هو الصحيح فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه إلا عن القفازين والنقاب.
وكن النساء يدنين على وجوههن ما يسترها من الرجال من غير وضع ما يجافيها عن الوجه1 فعلم أن وجهها كيدي الرجل ويديها وذلك أن المرأة كلها عورة كما تقدم فلها أن تغطي وجهها ويديها2 لكن بغير اللباس المصنوع بقدر العضو كما أن الرجل لا يلبس السراويل ويلبس الإزار والله سبحانه وتعالى أعلم.
1 يعني في الإحرام والمؤلف رحمه الله يشير إلى حديث عائشة قالت: "كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها". وهو حديث صحيح مخرج في "الحجاب""ص 50".
2 قلت: وإذا كان للمحرمة أن تغطي وجهها بالسدل عليه فهو يبطل قول من تأول حديث الخثعمية التي كان ينظر إليها الفضل بن العباس في منى بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بالتغطية لأنها كانت محرمة ففيما ذكره المؤلف إشارة إلى الرد على هؤلاء.
وعليه ففي الحديث دليل على أن وجه المرأة ليس بعورة وإلا لأمرها صلى الله عليه وسلم أن تستره وهذا لا ينافي أن التغطية أفضل كما شرحته في "الحجاب" وإنما الكلام في الوجوب فتنبه.