الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حديث المُصَرَّاة.. رواية ودراية
تصنيف الدكتور: ذيب بن مصري بن ناصر القحطاني
ال
مقدمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة وبعد
…
فإن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم والتزام سنته والسير على نهجه وتحكيم شرعه واجب على كل من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك لأن الله تعالى يقول: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليماً} 4.
1 سورة آل عمران آية: 102.
2 سورة النساء آية: 1.
3 سورهَ الأحزاب آية: 70، 71.
4 سورة النساء آية: 65.
فتحكيم النبي صلى الله عليه وسلم لازم في العبادات والمعاملات ولا يجوز الخروج عن حكمه لأن الله قد نفى الإيمان عمن يجد في نفسه ضيقاً من حكم رسوله صلى الله عليه وسلم وهو أرحم بنا من أنفسنا ويشق عليه عنتنا. قال الله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} 1 وقال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 2 فمن شفقته على أمته إيضاحه كل ما تحتاج إليه حب معاشها ومعادها سواء أكان في العبادات أو المعاملات فحل المشكلات وبين حلولها بما يشفي ويكفي رأفة بأمته ورحمة بها وكيف لا يحل مشاكل أمته وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ما بقي شيء يقرب من لجنة ويباعد من النار إلا وقد بين لكم" 3 فهذا البيان وهذا التوضيح لحل كل مشكلة مما جعل العالم يقف حائرا مندهشا مفكرا في هذا الشرع العالمي4 العجيب الذيَ وسمعت تعاليمه كل لا يحتاج إليه البشر حتى أبسط المسائل التي قد يراها بعض الناس نقصان عقله وتفكيره من التوافه وحاشى الإسلام أن يكون فيه توافه أو سواقط وإنما اشتمل هذا الدين السماوي على ما يتصل بالمسلم في نفسه أو أسرته أو مجتمعه بنظام عجيب بلغ ذروة الكمال والتمام {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} 5.
فالحمد لله على هذه النعمة التي هي أعظم النعم وأجلها نعمة الإسلام الكامل الشامل الذي وسعت تعاليمه كل حوائج البشر في أحسن حللها وأبهى صورها سواء ما كان منها في العبادات التي فصلها تفصيلا كاملا أو في المعاملات التي شملها هذا البيان الوافي بكل متطلبات البشر فمن هذه المعاملات التي بينها بيانا شافيا ما كان شائعا ومحببا للنفوس من التجارة والحصول على أغلى الأثمان في بيعهم وشرائهم. لهذا ترى بعض أصحاب السلع يحبون أن تظهر سلعهم بأجمل صورة لعلها تلفت نظر المشتري إليها فيحصلون منها على ربح كثير وقيمة كبيرة مقابل هذا المنظر ولو بالمخادعة لحب المال وزيادته ولما كان الغش محرما في الشريعة الإسلامية منع الشارع الحكيم من كل أنول الغش سواء كان في الحيوان أو في الطعام أو في المكيال أو الميزان أولا غير ذلك من جميع أنواع المعاملات ولهذا قال رسول الله
1 سورة الأحزاب آية: 6.
2 سورة التوبة آية: 8 12.
3 أخرجه أحمد، والطبراني وقال في مجمع الزوائد ورجال الطبراني رجال الصحيح غير محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ وهو ثقة. مجمع الزوائد8/264.
4 المراد من الشرع العالمي عموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَاََََََََََََّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} سورة سبأ آية: 28.
5 سورة المائدة آية: 3.
صلى الله عليه وسلم: "منْ غشنا فليس منا" 1 وذلك لما في الغش من الضرر على المجتمع ومن أنواع الغش الذي كان شائعا "التصرية" فقد يترك صاحب الإبل أو الغنم أو البقر إبله أو غيرها اليوم واليومين بدون حلب حتى يكثر لبنها ويراها المشتري وقد امتلأ ضرعها باللبن فيظن أن هذا من عادتها فيزيد في ثمنها رغبة في لبنها فإذا حلبها وجدها على خلاف ما ظهر له منها فهنا جعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا المشتري حلا، وخلاصا من هذا الغش الذي وقم فيه وهو أنه إذا حلبها مخير بين إمساكها أو ردها ومعها صاعا من تمر بدل ذلك اللبن الذي استهلكه من هذه الناقة أو البقرة أو الشاة وقد يقول قائل لماذا لا يكون اللبن للمشتري ويرد الشاة بدون عوض صاع تمر مقابل اللبن لأنه وجد فيها عيبا فكان الأولى أن ترد بدون مقابل لذلك اللبن المحلوب لوجود العيب والغش كسائر العيوب.
الجواب عن هذا وإن كنت لم أر من قال به من العلماء أنه قد يوجد بعض الخداعين والمكارين وضعاف النفوس يشتري الناقة أو الشاة أو البقرة وهو يريد لبنها الموجود في ضرعها حال البيع ولا رغبة له في اقتنائها فإذا استهلك ما في ضرعها من لبن أدعى بأن فيها عيبا وهو التصرية فيفوت على صاحبها لبنها ويسترد ما دفع فيها كاملا فجعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا القيد إن كان صادقا بأنها مصراة والتصرية عيب فليدفع بدل اللبن الذي استهلكه صاعا من طعام حتى يرتدع أهل الفسق والتلاعب عن فسقهم وتلاعبهم بالسلع وأهلها وهذا فصلا لهذه القضية حتى لا يكون هناك خلاف بين المتبايعين يؤدي إلى الخصام والنزل فحكم النبي الذي لا ينطق عن الهوى بحكمه العدل حتى لا يدع مجالا للأخذ والإعطاء والخصام والنزاع لأنه لو ترك ذلك للاجتهاد والأخذ والإعطاء لأدى ذلك إلى الخصام الطويل والنزاع المستمر لتفاوت ألبان اِلإبل والغنم والبقر فقد يقول البائع أن اللبن الذي حلب أكثر من صاعين وقد يقول المشتري بأنه أقل من نصف صاع فيحصل من أجل ذلك الشجار والدعاوي الزيادة فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بهذا القضاء قطعا للخصام والشجار بقضاء لا يوجد أعدل منه ولا أحسن منه ولم يترك ذلك لقول فلان أو علان فالحمد لله على هذه النعمة نعمة الإسلام التي بينت وكفت وشفت هذا ولما كان حديث المصراة قد ورد بألفاظ مختلفة وفي بعضها زيادة على بعض وبني من أجل هذه الزيادة حكم جمعت كل نوع منها على حدة فقد ورد الحديث بلفظ التمر وبلفظ الطعام وبلفظ خيار ثلاثة أيام فجعلت مباحثه كالآتي:
1-
مبحث ألفاظه بالتمر.
2-
مبحث ألفاظه بالطعام.
3-
مبحث مدة الخيار.
1 مسلم 1 /99،ِ الترمذي مع تحفة الأحوذي. 4 /544وغيرهما.