المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ولم يقدر أحد يتكلم ويعلم الدولة العلية بذلك - حلول التعب والآلام

[سليمان المحاسني]

الفصل: ‌ولم يقدر أحد يتكلم ويعلم الدولة العلية بذلك

أنت أعطيت أماناً ورأياً لأهل الشام، وحينئذ نصبت القنابر، وأظهرت العذاب على أمة محمد صلى الله عليه وسلم وسكان بلاد الله المقدسة، ومعدن الأنبياء والأولياء، وأرض المحشر والمنشر، وما من نبي إلا من الشام أو هاجر إلى الشام. وقال صلى الله عليه وسلم: لا تزال من أمتي فرقة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة، ألا وهم بالشام. وفي بعض الأحاديث القدسية:"يا شام من أمَّكِ بسوء قصمته. أنت صوط (كذا) الله في الأرض، ينتقم بك ممن يشاء من عباده". فلو كنا مجوساً ما فعل بنا هكذا. فإما أن ترفع العذاب عنا وإلا نستأذنك ونأخذ كل أهل الشام من فقرا، ونسا، وأولاد وكبار وصغار، ونتوجه على وجهنا إلى أي مكان قدَّر الله تحت التهلكة، وافعل بعد ذلك بالبلدة ما شئت.

فحينئذ حصل له توقف من طرف الله، وأرسل نادى بالأمان، ورفع العذاب بعد الإحراق والنهب والقتل ونهب غالب ما في قرايا الشام ومواشيهم، ونهب سراية ودايرة عثمان باشا ما عدا سرتية الحرم.

واستقر الأمر إلى يوم الإثنين رابع ربيع الأول فجاء منه كتاب وفرَّج الكريم الوهاب. ومضمونه: "إنه كان سبب مجيئنا لهذه البلاد الشامية لأجل مقابلة عثمان باشا. فلو خرج لنا للخارج ما قارشناكم، وتعرضنا للقلعة أخبرونا أن بها عثمان باشا وأمواله، فلما تحققنا غيابه وأنه ليس بها رفعنا التعرض، وما مرادنا بلدتكم ولا إضراركم وأذيتكم، وهذه بلدة مولانا السلطان الأعظم مصطفى خان، والقلعة قلعته، أيَّد الله خلافته إلى يوم الدين. وقد عزمنا على التوجه والعود إلى طرف مصر، ولم يقع من عسكرنا أذية لأحد من أهل الشام، فنرجو أن تبتهلوا بالدعا لحضرة مولانا السلطان ولنا بالتبعية، وتذكرونا بالخير والجميل والسلام".

وطلب منا الجواب عن مكتوبه.

فكتبنا له: "إنه وصل كتابكم، وعرفتونا أن سبب مجيئكم لأجل عثمان باشا وقد ذهب، وأن البلدة بلدة حضرة مولانا السلطان، وما مرادنا البلدة، والآن عازمين على العود إلى مصر، فتوجهوا إلى حيث شئتم والسلام".

وثاني يوم الثلاثة بكرة النهار رحل متوجهاً إلى طرف مصر. وكانت مدة إقامة أبو الذهب من حين مجيئه للشام إلى يوم سفره ستة عشر يوماً تماما. والله سبحانه فرَّج بمنِّه وكرمه.

فعند ذلك اجتمعنا جميع علماء البلدة بالسرايا، واستأجرنا ساعياً، وكتبنا كتاباً لوالينا عثمان باشا إلى حماه وأخبرناه بما وقع، وقيام أبو الذهب من الشام، وأرسلنا له صورة مكتوب أبي الذهب، وفتحت البلدة كما كانت أولاً.

ثم في يوم الخميس سادس عشر من ربيع الأول جاء عثمان باشا، وولده محمد باشا، ومعه عسكر من حماه، وجاء قاضي الشام معه مكي أفندي، والأفندية، وجاء النقيب من عند الدروز، وجاء يوسف آغا جبري أوغلي من جبل الدروز ومعه نحو خمسة آلاف درزي، أنزلهم في البلدة بأمر من عثمان باشا. وعاد خليل باشا بعسكره، ونزل خارج البلدة. وهذا ما وقع على وجه الصدق.

واستمرت أهل الشام بعد ذلك في عظيم الشدة والضيق لذهاب أموالهم وخراب قرايا الشام.

وكان قبل ذلك أخذ منهم عثمان باشا نحو ألف كيساً (كذا) من البازركان على سبيل القرض ليوفيهم إياها بواسطة يوسف آغا جبري زاده.

وكان سبب جميع ما وقع بقضاء الله تعالي على أهل هذه البلدة المقدسة سببه الظلم التعدي، وتولية الأمور من عثمان باشا لغير أهلها لرعاع الناس.

قال صلى الله عليه وسلم: "إذا وسِّد الأمر لغير اهله فارتقبوا الساعة".

وقال الله تعالى: "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها".

‌ولم يقدر أحد يتكلم ويعلم الدولة العلية بذلك

.

وحضرة الدولة العلية غير عالمة بأهل الشام والذي حلَّ بها.

ص: 3

وكان السبب مع الجل في موت مفتي الشام السيد علي أفندي المرادي ما حلَّ بدمشق من البلايا، ولم يجسر أن يعلم الدولة العلية بالواقع خوفاً من أمور يلحقه بها الضرر من بعض الأشخاص، فمات همَّاً وغمَّاً وحزناً وخوفاً. رحمه الله رحمة واسعة، وعوضه الجنة، فإنه كان صادقاً في خدمة الدولة العلية. فنسأل الله سبحانه بالأنبياء العظام، بالملائكة الكرام، أن يلهم الدولة العلية الانتقام ممن كان السبب في تحريك هذه الأمور وتخريب البلاد وإيذاء العباد، ونهب الأموال، حيث بقت أهالي الشام في أسوأ حال، رمتهم حوادث الليالي بالنبال، فيا أسفا عليها مذ توالت الخطوب إليها، وأن يشملوا أهل هذه البلدة المقدسة بعميم أنظارهم ويخرجونهم (كذا) من ظلمات الظلم إلى النور، ويكشفوا عنهم عظيم ما حلَّ بهم من البلاء المسطور، فإن ذلك عند الله تعالى أعظم أجراً من الحج المبرور والسعي المشكور، ولله سبحانه وتعالى مقاليد الأمور.

قال صلى الله عليه وسلم: " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".

إلى هنا جف القلم، بما وقع وزحم، والله سبحانه لطيف قدير، ولا ينبئك مثل خبير.

والحمد لله وحده، وصلى الله على من لا نبي بعده، وآله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيراً.

وكان الفراغ من تسويدها يوم الجمعة سابع عشر من ربيع الأول الأنور سنة خمس وثمانين وماية وألف على يد مؤلفها الفقير سليمان بن أحمد المحسني التميمي المدرس والخطيب في جامع بني أمية بدمشق الشام صينت من الآلام على أمد الأيام، ما ناح حمام وهطل غمام آمين.

ص: 4