المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ 8 ذو الحجة 1432 - وصية الله لحجاج بيته الحرام - الشيخ صالح آل طالب - خطب المسجد الحرام

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌ 1432

- ‌ 11 محرم 1432 - الزهد في الدنيا - الشيخ صالح بن حميد

- ‌ 18 محرم 1432 - مكانة الطفل في الإسلام - الشيخ صالح بن محمد آل طالب

- ‌ 25 محرم 1432 - أهمية تطبيق مبدأ الثواب والعقاب - الشيخ سعود الشريم

- ‌ 3 صفر 1432 - الفرق بين نعيم الدنيا ونعيم الآخرة - الشيخ أسامة خياط

- ‌ 10 صفر 1432 - الرقية الشرعية أحكام وآداب - الشيخ عبد الرحمن السديس

- ‌ 17 صفر 1432 - حرمة دم المسلم - الشيخ صالح آل طالب

- ‌ 24 صفر 1432 - أهمية التخصص في تولي العمل- الشيخ سعود الشريم

- ‌ 1 ربيع الأول 1432 - خطورة الغيبة - صالح بن حميد

- ‌ 8 ربيع الأول 1432 - النصحية وأهميتها - الشيخ أسامة خياط

- ‌ 15 ربيع الأول 1432 - الحب في الله - الشيخ عبد الرحمن السديس

- ‌ 22 ربيع الأول 1432 - صفات العلماء الربانيين - الشيخ صالح آل طالب

- ‌ 29 ربيع الأول 1432 - النوازل والتعامل معها بحكمة - الشيخ سعود الشريم

- ‌ 6 ربيع الثاني 1432 - الفتنة ودور الشيطان في إشعالها - الشيخ أسامة خياط

- ‌ 13 ربيع الثاني 1432 - وجوب الإجتماع ونبذ الفرقة - الشيخ عبد الرحمن السديس

- ‌ 20 ربيع الثاني 1432 - نعمة الأمن في ظل توحيد الله - الشيخ صالح آل طالب

- ‌ 27 ربيع الثاني 1432 - انتقائية الهوى والإنصاف - الشيخ سعود الشريم

- ‌ 4 جمادى الأولى 1432 - بلاد الحرمين ومميزاتها - الشيخ صالح بن حميد

- ‌ 11 جمادى الأولى 1432 - الأخوة الإسلامية ولوازمها - الشيخ أسامة خياط

- ‌ 18 جمادى الأولى 1432 - آداب النوم والاستيقاظ - الشيخ صالح آل طالب

- ‌ 25 جمادى الأولى 1432 - لزوم جماعة المسلمين - الشيخ عبد الرحمن السديس

- ‌ 3 جمادى الثانية 1432 - سبل الوقاية من الفتن - الشيخ سعود الشريم

- ‌ 10 جمادى الثانية 1432 - الجليس الصالح والجليس السوء - الشيخ أسامة خياط

- ‌ 17 جمادى الثانية 1432 - السعادة في الإعتصام بالكتاب والسنة - الشيخ عبد الرحمن السديس

- ‌ 24 جمادى الثانية 1432 - شرف الانتساب للسلف الصالح - الشيخ صالح آل طالب

- ‌ 1 رجب 1432 - الإعتصام بالكتاب والسنة سبيل النجاة - الشيخ أسامة خياط

- ‌ 7 رجب 1432 - قاعدة سد الذرائع - الشيخ سعود الشريم

- ‌ 15 رجب 1432 - خطورة النميمة - الشيخ صالح بن حميد

- ‌ 22 رجب 1432 - الغيرة على الأعراض - الشيخ عبد الرحمن السديس

- ‌ 29 رجب 1432 - تأملات في معنى التشهد - الشيخ صالح آل طالب

- ‌ 7 شعبان 1432 - تزكية النفوس وإصلاح القلوب - الشيخ أسامة الخياط

- ‌ 14 شعبان 1432 - معالم الهدى في أجواء الفتن - الشيخ صالح بن حميد

- ‌ 21 شعبان 1432 - القمر أحكام وآداب - الشيخ سعود الشريم

- ‌ 28 شعبان 1432 - رمضان موسم الخيرات والبركات - الشيخ عبد الرحمن السديس

- ‌ 5 رمضان 1432 - تقوى الله في صيام رمضان - الشيخ صالح آل طالب

- ‌ 12 رمضان 1432 - وجوب تدبر القرآن - الشيخ أسامة خياط

- ‌ 19 رمضان 1432 - التوبة والعشر الأواخر من رمضان - الشيخ صالح بن حميد

- ‌ 26 رمضان 1432 - تدبر الأمثال في القرآن الكريم - الشيخ سعود الشر

- ‌ 1 شوال 1432 - خطبة عيد الفطر - التفاؤل والتشاؤم بالأحداث الجارية - الشيخ صالح بن حميد

- ‌ 4 شوال 1432 - النجاة من الفتن - الشيخ أسامة خياط

- ‌ 11 شوال 1432 - معنى قوله تعالى: (ادخلوا في السلم كافة) - الشيخ صالح آل طالب

- ‌ 18 شوال 1432 - الفهم الصحيح للواقع والواجب نحوه - الشيخ عبد الرحمن السديس

- ‌ 25 شوال 1432 - حسن الظن بالله وآثاره - الشيخ أسامة خياط

- ‌ 2 ذو القعدة 1432 - مفهوم الحرية في الإسلام - الشيخ سعود الشريم

- ‌ 9 ذو القعدة 1432 - اقتضاء القول العمل - الشيخ عبد الرحمن السديس

- ‌ 16 ذو القعدة 1432 - فضائل وأعمال البلد الحرام - الشيخ صالح آل طالب

- ‌ 23 ذو القعدة 1432 - الإسلام دين الأخلاق - الشيخ صالح بن حميد

- ‌ 1 ذو الحجة 1432 - الصبر وثمراته - الشيخ أسامة خياط

- ‌ 4 ذو الحجة 1432 - صلاة الاستسقاء - الذنوب سبب منع المطر - الشيخ سعود الشريم

- ‌ 8 ذو الحجة 1432 - وصية الله لحجاج بيته الحرام - الشيخ صالح آل طالب

- ‌ 10 ذو الحجة 1432 - خطبة عيد الأضحى - المحدثات طوفان مغرق - الشيخ سعود الشريم

- ‌ 15 ذو الحجة 1432 - ما بعد الحج - الشيخ عبد الرحمن السديس

- ‌ 22 ذو الحجة 1432 - ثبات الإسلام واستقراره - الشيخ صالح آل طالب

- ‌ 29 ذو الحجة 1432 - قصر الأمل وحسن العمل - الشيخ صالح بن حميد

الفصل: ‌ 8 ذو الحجة 1432 - وصية الله لحجاج بيته الحرام - الشيخ صالح آل طالب

خطبة المسجد الحرام -‌

‌ 8 ذو الحجة 1432 - وصية الله لحجاج بيته الحرام - الشيخ صالح آل طالب

الخطبة الأولى

الحمد لله، الحمد لله فالق الإصباح، والحمد لله بُكرةً وعشيًّا وفي الغُدُوِّ وفي الرَّوَاح، الحمد لله الذي وفدَ له الحَجيجُ من كل ناحيةٍ وساحٍ، وجعل الحجَّ والمشاعِرَ مزادةً للتقوى، ومهوًى للنفوس، ومنهلاً للأرواح، وجعل بيتَه المُعظَّم حرمًا لا يُستباح، وحِمًى لا يُعضَدُ شوكُه، ولا يُنفَّرُ صيدُه، ولا يُشهَرُ به سلاح، أشهد أن لا إله إلا الله وحده الأحدُ الحميد لا شريك له ولا شَبيه ولا نَديد، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله سيدُ من حجَّ البيتَ وطافَ، صلَّى الله عليه وعلى آله وعلى صحابته الأسلاف، ومن اتَّبَعهم واستنَّ بهديِهم من التابعين والأخلاف، وسلِّم يا رب تسليمًا كثيرًا.

أما بعد، أيها المسلمون:

وصيةُ الله للأولين والآخرين تقوى الله: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء: 131]، ووصيةُ الله لحُجَّاج بيته تقوى الله: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ [البقرة: 197].

أيها المسلمون:

حُجَّاج بيت الله الحرام! شكرَ اللهُ سعيَكم، وبارَكَ خطوَكم، وأدامَ سعدَكم، قد وطِئتُم أرضَ الحرَم، وتلبَّستُم بالنُّسُك الأعظم، واكتحلَت عيونُكم بمرأى الكعبةِ المُشرَّفة، وبلغتُم هذا البيتَ العتيق، وشرعتُم في مناسِكِ الحجِّ، فلكم تُزفُّ التهاني ببُلوغِ هذه الأماني، والله المسؤول أن يُتِمَّ حجَّم ويُيسِّر أمرَكم وأن يتقبَّل منكم.

فلله ما أهناكم! والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من حجَّ هذا البيتَ فلم يرفُث ولم يفسُق رجعَ كيوم ولدَته أمُّه» - أي: نقيًّا من الذنوب والخطايا -؛ رواه البخاري ومسلم.

وفي "الصحيحين" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العُمرةُ إلى العُمرة كفَّارةٌ لما بينهما، والحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلا الجنة» .

فيا لها من منحةٍ تطرَبُ لها النفوسُ المؤمنةُ، وتهُونُ في سبيلها كلُّ المتاعِب والصِّعاب.

أيها المسلمون في كل مكان:

حُجَّاج بيت الله الحرام! أيامُكم هذه أيامٌ عظَّم اللهُ أمرَها، وشرَّفَ قدرَها، وأقسمَ بها في كتابه العزيز، فقال - جلَّ شأنُه -: وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر: 1، 2].

وقال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من أيامٍ العملُ الصالحُ فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام» . قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهادُ في سبيل الله، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله ثم لم يرجِع من ذلك بشيءٍ» ؛ أخرجه البخاري.

وعند الإمام أحمد: «فأكثِروا فيهنَّ من التهليل والتكبير والتحمِيد» .

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

كبِّروا ليبلُغ تكبيرُكم عَنانَ السماء، كبِّروا فإن اللهَ عظيمٌ يستحقُّ الثناء، أكثِروا من الأعمال الصالحة، وتزوَّدوا من ساعات هذه الأيام ولياليها، فهي التجارة الرابحة، واعلموا أن لله تعالى نفَحَات فاستكثِروا من الصالحات، وتطهَّروا من دَنَس المعاصي والسيئات، إن العُمر لا يعُود، والمَوسِمَ لا يدُوم، وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ.

عباد الله، حُجَّاج بيت الله الحرام:

هذا هو اليومُ الثامنُ من ذي الحجَّة، وفي ضُحاهُ يُحرِمُ من يُريدُ الحجَّ ويذهبُ إلى مِنَى فيُصلِّي بها الظهرَ في وقتها قصرًا والعصرَ في وقتها قصرًا والمغربَ في وقتها والعشاء في وقتها قصرًا، ويبيتُ بمِنَى هذه الليلة، فإذا صلَّى بها الفجرَ وطلَعَت شمسُ اليوم التاسع توجَّه إلى عرفات وصلَّى بها الظهر جمعًا وقصرًا، ثم يقِفُ على صعيد عرفات مُكثِرًا من ذكر الله تعالى، مُتذلِّلاً بين يديه يسألُه خيرَي الدنيا والآخرة، ويُلِحُّ في الدعاء والرجاء في ذلك الموقف العظيم؛ فإن الحجَّ عرفة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال أيضًا: «خيرُ الدعاءِ دعاءُ يوم عرفة، وخيرُ ما قلتُ أنا والنبيُّون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملكُ وله الحمدُ وهو على كل شيءٍ قديرٌ» ؛ رواه الترمذي.

وفي ساحةِ الغُفرانِ في عرفات تخشَعُ القلوبُ، وتَذرِفُ العيون، تُسكَبُ العَبَرات، تُقالُ العَثَرات، وتُرفَعُ الدرجات، ويُباهِي اللهُ بحُجَّاجه ملائكةَ السماوات، ويقول - سبحانه -:«انظروا إلى عبادي أتَوني شُعثًا غُبرًا ضاحِين من كلِّ فجٍّ عميقٍ، أُشهِدُكم أني غفرتُ لهم» .

عباد الله:

ومن لم يكن حاجًّا فيُستحبُّ له صيامُ يوم عرفة مُحتسِبًا أن يُكفِّرَ اللهُ عنه السنةَ الماضيةَ والباقيةَ، كما قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم.

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يومٍ أكثر من أن يُعتِقَ اللهُ فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنُو ثم يُباهِي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟» ؛ رواه مسلم.

فإذا غربَت الشمسُ، انصرَفَ إلى مُزدلِفَة بسكينةٍ ووقارٍ، وصلَّى بها المغربَ والعشاء جمعًا، ويقصُرُ العشاء، ويبيتُ بمُزدلِفةَ تلك الليلة، ويُصلِّي بها الفجرَ، ويُكثِرُ من ذكر الله ومن الدعاء حتى يُسفِرَ جدًّا، ثم ينصرِفُ إلى مِنَى قُبيلَ طُلوع الشمس، ويجوزُ للضَّعَفة من النساء والصبيان ونحوِهم الانصرافُ من مُزدلِفة بعد نصف الليل، ويتحقَّقُ ذلك بغروب القمر.

فإذا وصل الحاجُّ إلى مِنَى رمى جمرة العقبة بسبع حصَيَاتٍ مُتعاقباتٍ يُكبِّرُ مع كل حَصاة، ثم ينحَرُ الهديَ إن كان عليه هَدي، ثم يحلِقُ رأسَه أو يُقصِّرُه، والحلقُ أفضل، ثم يتوجَّه للبيت الحرام إن تيسَّر له يوم العيد وإلا بعده، فيطوفُ طوافَ الإفاضة، ثم يسعَى بين الصفا والمروة، فإن كان قارِنًا أو مُفرِدًا وقد سعى قبل الحجِّ بعد طوافِ القُدُوم فيكفيه سعيُه ذلك، ومن قدَّمَ شيئًا أو أخَّر شيئًا من أعمال يوم النحر، فلا حرج عليه.

ثم يعودُ إلى مِنَى، ويبيتُ بها ليالي أيام التشريق، ويرمِي الجِمارَ الثلاث في كل يومٍ بعد زوال الشمس، ثم إن شاءَ تعجَّل في يومين، وإن شاء تأخَّر لليوم الثالث عشر - والتأخُّر أفضل -، ثم لا يبقَى عليه إلا طوافُ الوداعِ عندما يُريدُ السفرَ من مكة.

أيها المسلمون:

ولقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم مواطنُ يُكثِرُ فيها من الدعاء حريٌّ بالمُسلمِ أن يتحرَّاها، وأن يحرِصَ عليها؛ منها: يوم عرفة - وبالأخصِّ آخر النهار -، وبعد صلاة الفجر بمُزدلِفة حتى يُسفِر جدًّا، وبعد رمي الجمرة الأولى، وبعد رمي الجمرة الثانية من أيام التشريق، وكذا الدعاء فوق الصفا والمروة.

فاجتهِدوا في تمام حجِّكم، واتقوا الله فيما تأتون وتذَرُون، وأخلِصوا لله في عملكم وقصدِكم، واتَّبِعوا الهُدى والسنَّة، واجتنِبوا ما يخرِمُ حجَّكم أو يُنقِصُه، وعليكم بالرِّفقِ والسكينةِ والطُّمأنينة والشَّفَقَة والرحمة بإخوانكم المُسلمين - سيَّما في مواطن الازدحام، وأثناء الطواف، ورميِ الجِمار، وعند أبوابِ المسجد الحرام -.

واستشعِروا عِظَمَ العبادة وجلالة الموقف، جعل الله حجَّكم مبرورًا، وسعيَكم مشكورًا، وذنبَكم مغفورًا.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي جعل مواسِمَ الخيرات مربحًا ومغنَمًا، وأيام البركات إلى جناته طريقًا وسُلَّمًا، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، أيها المسلمون:

لقد بُنِي هذا البيتُ العتيقُ مُؤسَّسًا على التوحيد ولأجل التوحيد: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا [الحج: 26].

ومنذ أن دخلتَ النُّسُك وأنت مُعلِنٌ للتوحيد: "لبَّيك اللهم لبَّيك، لبَّيك لا شريك لك لبَّيك، إن الحمدَ والنعمةَ لك والملك، لا شريك لك".

وفي ثنايا آيات الحج يقول الله تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج: 30، 31].

وفي حديث جابرٍ رضي الله عنه في صفة حجِّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثم أهلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد: لبَّيك اللهم لبَّيك، لبَّيك لا شريك لك لبَّيك"؛ رواه أبو داود.

فأخلِصوا دينَكم لله، وتفقَّدوا أعمالَكم ومقاصِدَكم.

عباد الله:

وفي مناسِك الحجِّ تربيةٌ على إفراد الله بالدعاء والسؤال والطلب، مع التوكُّل عليه واللجُوءِ إليه، والاستغناء عن الخلق والاعتماد على الخالق: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن: 18]، لا نبيًّا ولا وليًّا، ولا مكانًا ولا رسمًا.

كما لا يجوزُ أن يُحوَّلَ الحجُّ إلى ما يُنافِي مقاصِدَه، فلا دعوةَ إلا إلى الله وحده، ولا شِعارَ إلا شِعارُ التوحيد والسنة.

أيها المسلمون:

والحجُّ عبادةٌ فريدةٌ تجمعُ ملايين البشر المُتدفِّقين لأداء النُسُك شوقًا، التاركين لدنياهُم طوعًا؛ فأيُّ مشهدٍ أبهى من هذا التجمُّع الإيماني العظيم، فيه اجتماعُ الأمة وائتلافُها، وتظهَرُ قِيَمُها وأخلاقُها، فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة: 197].

قِيَم التسامُح والإخاء والبُعد عن الخلاف والمِراء، قِيَمُ المُساواة والعدل والأُخُوَّة والمحبة، قِيَمُ القناعة والبَساطة في تجرُّد الحاجِّ من متاع الدنيا في لِباسِه ومسكنه ومنامه، يتربَّى على ترك الترفُّه، ويتحمَّلُ المشقَّة والتضحية.

من الحجِّ نستلهِمُ المُراجعات السُّلُوكية لكثيرٍ من القِيَم والأخلاق.

حُجَّاج بيت الله العتيق:

الحجُّ جهادٌ، ولا بدَّ في الجهاد من مشقَّة، وتركُ الترفُّه مقصودٌ، وعلى الحاجِّ أن يصبِرَ ويحتسِبَ في إتمام حجِّه كما أمر الله آخِذًا نُسُكَه من رسول الله.

ومن الخُذلان أن يتتَبَّعَ الإنسانُ الرُّخَص ويزهَدَ في السنن، ويرجِعَ بحجٍّ مُشوَّه، ويتنازَل عن كمال النُّسُك، ولا يتنازَلُ عن نقص الخدمات في الطعام والشراب والسَكَن، والله تعالى يقول: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة: 196]، اجعلوا هذه الآيةَ شِعارَكم.

حُجَّاج بيت الله الحرام:

تعلَّموا أحكامَ مناسِكِكم، واسألوا عن عباداتكم، وتحرَّوا صحةَ أعمالكم قبل إتيانِها، تفرَّغوا لما جِئتُم لأجله، واشتغِلوا بالعبادة والطاعات؛ فإن ما عند الله لا يُنالُ بالتفريط.

أكثِروا من الدعاء والتضرُّع، والهَجوا بذكر الله في كل أحوالكم؛ فنبيُّكم صلى الله عليه وسلم يقول:«إنما جُعِل الطوافُ بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله» ؛ رواه أبو داود، والترمذي.

وربُّكم تعالى يقول: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا [البقرة: 198 - 200].

حُجَّاج بيت الله الحرام:

تبذُلُ الدولةُ برجالاتها وأجهزتها ومُؤسَّساتها الحُكومية وغير الحُكُومية جهودًا هائلةً لخِدمتكم وتيسير حجِّكم، والنظامُ وُضِعَ لمصلحتكم، والجهودُ كلُّها لأجلكم، فالتزِموا التوجيهات، واتَّبِعوا التعليمات، وابتعِدوا عن مواطن الزحام، وتعاوَنوا مع رجال الأمن والأجهزة الحكومية.

لا تُغلِقوا الطرقات، ولا تجلِسوا في الممرات، واستشعِروا ما أنتم فيه، وكونوا على خير حالٍ في السُلُوك والأخلاق، والزَموا السكينةَ والوَقار، واجتهِدوا وسدِّدوا وقارِبوا، وأبشِروا وأمِّلوا؛ فإنكم تقدُمون غدًا على ربٍّ كريمٍ.

تمنَّ على ذي العرشِ ما شئتَ إنه جوادٌ كريمٌ لا يُخيِّبُ سائلاً

تقبَّلَ الله حجَّكم، وأعانكم على تمام النُّسُك، وأحاطكم بحفظِه ورعايته.

هذا وصلُّوا وسلِّموا على خير البرية، وأزكى البشرية: محمد بن عبد الله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، وارضَ اللهم عن الأئمة المهديين، والخلفاء الراشدين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابة نبيك أجمعين، ومن سار على نهجهم واتبع سنَّتهم يا رب العالمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوءٍ أو فُرقة فرُدَّ كيدَه في نحره، واجعل تدبيرَه دمارًا عليه.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعل عمله في رضاك، وهيِّئ له البِطانة الصالحة، اللهم وحِّد به كلمةَ المسلمين، وارفع به لواءَ الدين، اللهم جازِه بالخيرات والحسنات على خدمة الحرمين الشريفين والعناية بالحُجَّاج والمُعتمِرين، وأتِمَّ عليه الصحة والعافية، اللهم وفِّق وليَّ عهده وسدِّده وأعِنه على ما حُمِّل، واجعله مبارَكًا مُوفَّقًا لكل خيرٍ وصلاح.

اللهم اغفر للأمير سلطان بن عبد العزيز، وارحمه، وتجاوز عنه، وأسكِنه فسيحَ جناتك.

اللهم ادفع عنا الغلا والوبا، والربا والزنا، والزلازل والمِحَن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بَطَن.

اللهم أصلِح أحوال المسلمين، اللهم أصلِح أحوال المسلمين، اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم اجمعهم على الحق والهدى، اللهم احقِن دماءهم، اللهم احقِن دماءهم، وآمِن روعاتهم، وسُدَّ خَلَّتهم، وأطعِم جائعَهم، اللهم انصرهم على من ظلمَهم.

اللهم انصر المُستضعَفين من المسلمين في كل مكان، واجمعهم على الحق يا رب العالمين، اللهم انصر المسلمين في فلسطين على الصهاينة المُحتلِّين.

اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يُعجِزونك.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة: 201].

اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ويسِّر أمورنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالنا، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم، إنك سميع الدعاء.

اللهم احفظ الحُجَّاج والمُعتمِرين، اللهم احفظ الحُجَّاج والمُعتمِرين، اللهم احفظ الحُجَّاج والمُعتمِرين، ويسِّر لهم أداء مناسِكهم آمِنين، وتقبَّل منَّا ومنهم أجمعين.

اللهم وفِّق رجالَ الأمن والعاملين لخدمة الحُجَّاج، وجازِهم بالخيرات والحسنات يا رب العالمين.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، غيثًا هنيئًا مريئًا سحًّا طبقًا مُجلِّلاً عامًّا نافعًا غيرَ ضارٍّ، تُحيِي به البلاد، وتسقِي به العباد، وتجعله بلاغًا للحاضرِ والبادِ.

اللهم سُقيا رحمة، اللهم سُقيا رحمة، اللهم سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرق.

ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.

سبحان ربِّك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

ص: 50