الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
تقريظ
بقلم فضيلة الشيخ العلامة:
عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المتوحد بالكمال المستحق للإفراد بأنواع التعبد والابتهال وأشهد أن لا إله إلا الله ولا معبود بحق سواه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي بدأ - امتثالا لأمر ربه- بالدعوة إلى إخلاص الدين وتحقيق عبادة رب العالمين صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحابته الذين قاتلوا بعده من أشرك بالله أو كذب رسوله أو توقف عن العمل بشيء من شريعته وعلى أتباعهم بحق إلى الدين.
أما بعد فإن أئمة الدعوة النجدية قد ابتلوا في زمانهم بأعداء ألداء من جنود الشيطان يشككون الناس في التوحيد الصحيح ، ويوهمون عوام الناس جواز ما يفعل بينهم من أنواع الشرك بالله من دعاء للأموات وتعلق على المخلوقين وصرف خالص حق الله تعالى لغيره ويسمون ذلك تبركا وتوسلا وتقربا، وقد جهدوا في جمع الشبهات التي يلبسون بها على العامة ولكن الله بفضله وكرمه قد قيض لتلك الشبه من تصدى لردها ودحضها بالحجج الواضحة والبراهين الساطعة كما فعل الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب في نبذته الصغيرة كشف الشبهات وتلميذه الشيخ حمد بن ناصر بن معمر في رسالته الفواكه العذاب وسائر تلاميذه ومن بعدهم في ردودهم المختصرة والمطولة التي أبطلوا بها تمويه دعاة الضلال وبينوا بها وجوب إخلاص التوحيد وأنواع العبادة لرب العالمين فرحمهم الله وجزاهم عن المسلمين أحسن الجزاء.
وحيث أن لكل قوم وارث فإن أهل زماننا قد ابتلوا أيضا بمن روج لديهم تلك الشبهة ونشر مؤلفات قديمة وحديثة لدعاة الضلال يحسن فيها الغلو في الأنبياء والصالحين بما لا يستحق إلا الله وحده من علم الغيب وكمال التصرف في الكون ونحو ذلك مما هو شرك في الربوبية ومدعاة إلى الشرك في الإلهية.
وحيث أن مؤلفات أئمة الدعوة رحمهم الله طبعت قديما ضمن مجموعات كبيرة وبقيت في باطن الكتب فإنها قد خفيت على الكثير من الناس فأخذوا يسألون عن الجواب السديد لدحض تلك الشبهات التي يستدل بها من يبيح الشرك وتعظيم الأموات والغلو في الصالحين فيتلقون الجواب شفهيا ولكنه لا يكفي لسوء الفهم وسرعة النسيان وعدم تصور الجواب الكافي ويصعب عليهم البحث والتنقيب عن الجواب الموسع في بطون الكتب سيما تلك المجاميع التي لم يطلع عليها إلا الأفراد من الخواص.
وقد يسر الله إلى بعض شباب المسلمين المتحمسين للحق أن رعوا هذا الجانب التفاتا وعزموا على إحياء تراث الآباء والأجداد من أئمة الدعوة إلى التوحيد، وكان من بين أولئك الشباب الطالب النبيه المدعو عبد السلام بن برجس بن عبد الكريم الذي عزم موفقا إن شاء الله على تحقيق رسائل أئمة الدعوة التي تتعلق بهذا الموضوع ، وعلى تحقيقها وتثبيت النصوص وتخريج الأحاديث والآثار وذكر درجتها، وذلك جهد كبير وعمل مبرور يثاب عليه إن شاء الله تعالى، وقد ابتدأ بإخراج هذه الرسالة القيمة المفيدة في هذا الموضوع من رسائل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين مفتي الديار النجدية في زمنه فصححها وحققها وخدمها الخدمة التامة وعزم على متابعة الرسائل أمثالها أعانه الله وسدد خطاه والله الموفق الهادي إلى سبيل الرشاد، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
11/12/1405هـ
تقريظ
بقلم الشيخ الفاضل حمد بن عبد الرحمن المزروع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أكمل الناس توحيدا لرب العالمين، أرسله الله على فترة من الرسل فدعا الخلق إلى التوحيد صادعا به بين العالمين، ولم يثنه عن ذلك ما لقيه في وجه الدعوة من أذى المشركين، بل استمر على ذلك ولم يخف في الله لومة لائمين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى أصحابه الذين سلكوا نهجه، ودعوا بدعوته، وعلى من سلك سبيلهم ودعا إلى هذا التوحيد إلى يوم الدين.
أما بعد: فلقد قرأت رسالة الشيخ العلامة عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين رحمه الله التي سماها (دحض شبهات على التوحيد) فوجدتها جديرة باسمها، وغاية في موضوعها، وحجة على خصمها، والعاند لها. ولقد أجاد وأفاد، ورفع راية التوحيد وأشاد، ودحض الشرك وأباد، فأجزل الله لمؤلفها خير الجزاء، وأسكنه فسيح جناته، وجعلها الله له ذخرا يوم العرض والجزاء.
ولم يزل ولا يزال إن شاء الله لهذا الدين من يناضل عنه ويدفع شبهات المغرضين له، ولقد كان من بين من يناضل عن هذا الدين الشاب الطيب عبد السلام بن برجس العبد الكريم – فلقد قرأت له تخريج أحاديث هذه الرسالة، رسالة الشيخ أبا بطين وتحقيقها والتعليق عليها مع مقدمة لها ولسلسلة
رسائل علماء نجد الأعلام لوجدته قد قام بهذا العمل بدقة وأمانة، فقد أجاد في ذلك وبذل جهدا يشكر عليه. وفقه الله وزاده علما وعملا صالحا وفقها في الدين وإخلاصا لرب العالمين.
ولا شك أن هذه الرسالة حينما خرجت أحاديثها وحققت وعلق عليها زادها ذلك حسنا وجمالا، فجاءت ترفل بثوب جميل، فهي في نظري جديرة بالطبع والنشر والاستفادة منها؛ لأن دراسة كتب التوحيد والعقائد السلفية والتروي منها واعتقادها والعمل بها من أوجب الواجبات وأهم المهمات؛ لأن ذلك هو الأساس والأصل للعلم والعمل والقبول، فمتى تأسست الأصول صلحت إن شاء الله الفروع.
أسأل الله تعالى أن ينفع بهذه الرسالة وما يلحق بها من رسائل كلا ممن ألفها أو كتبها أو أعان على شيء منها أو قرأها أو سمعها أو حققها وعلق عليها وخرج أحاديثها، كما أسأله سبحانه أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم مقربة إليه في جنات النعيم وهو حسبنا ونعم الوكيل والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال ذلك الفقير المحتاج إلى عفو ربه المنان
حمد بن عبد الرحمن المزروع
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين أجمعين
تقريظ
بقلم الشيخ الفاضل عبد الله بن جار الله بن إبراهيم الجار الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام الموحدين وسيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن سلك طريقهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين.
أما بعد! فقد اطلعت على الرسالة المسماة (دحض شبهات على التوحيد) للشيخ العلامة عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين رحمه الله، وسمعتها بقراءتها علي من محققها الأخ عبد السلام بن برجس العبد الكريم، وقد قام - وفقه الله وزاده علما وفقها وعملا- بتحقيقها وتخريج أحاديثها والتعليق عليها. وقد رجع في هذا التحقيق والتعليق والتخريج إلى مراجع كثيرة ذكرها في آخر الرسالة.
وقد أجاد في هذه الرسالة وأفاد كل من مؤلفها ومحققها أثابهما الله تعالى فهي جديرة بالطبع والنشر والقراءة، ولاشك أن دراسة كتب التوحيد والعقائد وتحقيقها والعمل بها من أهم المهمات وأوجب الواجبات؛ لأنها أساس العلم والعمل والقبول.
أسأل الله تعالى أن ينفع بهذه الرسالة، وما يتبعها من رسائل من كتبها أو قرأها أو سمعها أو حققها وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، ومن أسباب الفوز
لديه بجنات النعيم، وهو حسبنا ونعم الوكيل، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
17/10/1405هـ
قاله الفقير إلى الله تعالى
عبد الله بن جار الله بن إبراهيم الجار الله
مقدمة
سلسلة رسائل علماء نجد الأعلام
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، ومن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} . {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} .
أما بعد: فلقد امتن الله على عباده ببعثة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، والعالم يتخبط في ظلمات الجاهلية الجهلاء، والضلالة العمياء، فأنقذهم بشريعته الغراء، من داء الشرك والضلال، إلى نور الهدى والإيمان، ففتح الله به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، وأتم به على عباده النعمة، وأكمل الدين كما قال أحكم الحاكمين:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا} الآية.
وقد نهج الرسول صلى الله عليه وسلم نهج الرسل قبله في الدعوة إلى توحيد الله جل جلاله، وغرس ذلك في نفوس عباده. قال الله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} . وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} . قال ابن كثير رحمه الله: لم يزل الله تعالى يرسل إلى الناس الرسل بذلك منذ حدث الشرك في بني آدم في قوم نوح الذين أرسل إليهم نوح، وكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض إلى أن ختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي طبقت دعوته الإنس والجن في المشارق والمغارب
…
الخ (1) .
وليس المراد بالتوحيد الذي دعت إليه رسل الله سبحانه توحيد الربوبية- كما ظنه من قل نصيبه من العلم وخوى عقله من الفهم- لأن الخلق مفطورون ومجبولون على الإقرار بخالقهم ورازقهم. فهؤلاء كفار قريش الذين امتنعوا من الدخول في دين الله جل جلاله، وأنفقوا جميع ما يملكون من المال والأولاد، والأنفس في سبيل صد الناس عن هذا الدين يقول الله تبارك وتعالى عنهم:
{قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ *قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} . وقال تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ
(1) تفسير ابن كثير2/568.
مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} ففي هذه الآيات وغيرها الدليل الصريح على أن كفار قريش مقرون بتوحيد الربوبية، ولكن هذا الإقرار بهذا النوع من التوحيد لم يدخلهم في الإسلام، قال تعالى:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَاّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} . وروى ابن جرير13/77 عن مجاهد أنه قال: إيمانهم قولهم الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا، فهذا إيمان مع شرك عبادتهم غيره.
ولو كان الرسول صلى الله عليه وسلم يريد من كفار قريش الإقرار بأن الله موجود وهو الخالق الرازق المدبر.... لاستجابوا له وأذعنوا لقوله. ولكن الخطب أعظم من ذلك، فعندما قال لهم صلى الله عليه وسلم: قولوا لا إله إلا الله- أي لا معبود بحق إلا الله- كان جوابهم كما حكى الله عنهم: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} ، ولو كان الرسول صلى الله عليه وسلم يريد منهم الإقرار بهذا النوع من التوحيد لما استحل دماءهم وأعراضهم وأموالهم؛ لأنهم مقرون بذلك مستيقنة به قلوبهم. وهذا فرعون الذي يتظاهر بإنكار الخالق جل جلاله يتيقن وجود الله في قرارة قلبه كما قال له موسى عليه السلام:{لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلَاّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ} الآية. وقال تعالى عنه وعن قومه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} الآية.
وهذا الأصل واضح ولله الحمد والمنة وضوح الشمس في نحر الظهيرة، قد قرره الله سبحانه في كتابه، وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم في سلوكه وخطابه، فلا يخفى بعد ذلك إلا على من أراد الله لهم الشقاوة والخسران.
والمقصود أن الرسل إنما بعثوا لأجل إخراج الناس من الظلمات إلى النور بعبادة الله وحده لا شريك له وترك جميع ما يعبد من دونه، وهذا هو توحيد الإلهية.
روى الإمام أحمد وغيره بسند حسن عن عبد الله بن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده
…
" الحديث. فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو إلى هذا الأصل العظيم، والركن القويم، ويغرسه في نفوس أصحابه ويربيهم عليه، ويحمي حماه، إلى أن لحق بالرفيق الأعلى، والمحل الأسنى، فقام أصحابه من بعده بأعباء الدعوة إلى هذا الأصل العظيم حق القيام، وتحملوا في سبيله جميع المصاعب والأسقام، وألقوا إلى تابعيهم ما تلقوه عن مشكاة الأنام- صلى الله عليه وسلم ثم سار التابعون لهم بإحسان على هذا المنهج القويم، والصراط المستقيم، وهكذا أتباع التابعين، إلى أن أذن الله جل جلاله بإخراج أقوام اتخذوا دينهم لهوا ولعبا، فحرفوا كلام الله سبحانه عن مواضعه، وتركوا العمل بمحكمه، واتبعوا متشابهه، فضلوا وأضلوا عن الله وعن طريقه، واتبعوا الشيطان وما يمليه من تحريفه وتضليله، حتى أوشك عرش الإسلام بالحبوط، وقارب الانهيار والهبوط- لولا أن الله تعالى وفق رجالا للدفاع عن سبيله والذب عن حياضه وطريقه- لكان ذلك مشاهدا بالعيان، ومدونا في إخبار الزمان. ولكن الله جل وعلا تكفل لهذه الأمة بحفظ دينها وكتابها وذلك ببقاء طائفة منهم على الحق ظاهرين منصورين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك (1) ، وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها (2) .
ونحن نستبشر بهذين الأثرين أيما استبشار، لما فيهما من تسلية الغرباء في كافة القرى والأمصار، وما زال الناس يرون تصديق هذين الخبرين بالأبصار، فكلما طمست معالم هذا الدين بظهور الفجار، وهدمت مساجده بقتل رجاله الأبرار، ونكست أعلامه في جميع الأقطار، انتدب الله من عباده فارسا مغوارا،
(1) حديث صحيح متواتر.
(2)
أخرجه أبو داود والحاكم وهو صحيح، ويأتي تخريجه في الضياء الشارق لابن سحمان رقم 17.
وهب نفسه وماله وعرضه في سبيل العزيز الغفار، فيحيي به الله الأرض بعد موتها، ويوقظ به القلوب بعد رقدتها، ويجول عن الأعين غشاوتها.
وإن من هؤلاء الفرسان الأعلام شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب أجزل الله له الأجر والثواب، وأدخله الجنة بلا حساب ولا عقاب، خرج في زمان نعته الشيخ الإمام عبد اللطيف بن عبد الرحمن عليه الرحمة والرضوان فقال: كان أهل عصره ومصره في تلك الأزمان قد اشتدت غربة الإسلام بينهم، وعفت آثار الدين لديهم، وانهدمت قواعد الملة الحنيفية، وغلب على الأكثرين ما كان عليه أهل الجاهلية، وانطمست أعلام الشريعة في ذلك الزمان، وغلب الجهل والتقليد والإعراض عن السنة والقرآن، وشب الصغير، وهو لا يعرف من الدين إلا ما كان عليه أهل تلك البلدان، وهرم الكبير على ما تلقاه عن الآباء والأجداد، وأعلام الشريعة مطموسة، ونصوص التنزيل وأصول السنة فيما بينهم مدروسة، وطريقة الآباء والأسلاف مرفوعة، وأحاديث الكهان والطواغيت مقبولة، غير مردودة ولا مدفوعة، قد خلعوا ربقة التوحيد والدين، وجدوا واجتهدوا في الاستغاثة والتعلق على غير الله من الأنبياء والصالحين، والأوثان والأصنام والشياطين، وعلماؤهم ورؤساؤهم على ذلك مقبلون، ومن البحر الأجاج شاربون، وبه راضون، وإليه مدى الأزمان داعون، قد أعشتهم العوائد والمألوفات، وحبستهم الشهوات والإرادات، عن الارتفاع إلى طلب الهدى من النصوص المحكمات، والآيات البينات، يحتجون بما رووه من الآثار الموضوعات، والحكايات المختلفة والمنامات، كما يفعله أهل الجاهلية وغبر الفترات، وكثير منهم يعتقد النفع في الأحجار والسادات، ويتبركون بالآثار والقبور في جميع الآفات.
{نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ} {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا
وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} .
(فلما تفاقم هذا الخطب وعظم، وتلاطم موج الكفر والشرك في هذه الأمة وجسم، واندرست الرسالة المحمدية، وانحمت منها المعالم في جميع البرية، وطمست الآثار السلفية، وأقيمت البدع الرفضية، والأمور الشركية.
تجرد الشيخ للدعوة إلى الله ورد هذا الناس إلى ما كان عليه سلفهم الصالح في باب العلم والإيمان، وباب العمل الصالح والإحسان، وترك التعلق على غير الله من الأنبياء والصالحين وعبادتهم، والاعتقاد في الأحجار والأشجار والعيون والمغار، وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الأقوال والأفعال، وهجر ما أحدثه الخلوف والأغيار، فجادل في الله وقرر حججه وبيناته، وبذل نفسه لله وأنكر على أصناف بني آدم الخارجين عما جاءت به الرسل المعرضين عنه التاركين له، وصنف في الرد على من عاند وجادل، وما حل حتى ظهر الإسلام في الأرض، وانتشر في البلاد والعباد، وعلت كلمة الله، وظهر دينه، وانقمع أهل الشرك والفساد، واستبان لذوي الألباب والعلوم من دين الإسلام ما هو مقرر معلوم) انتهى كلامه (1) .
فأثمرت دعوة الشيخ في بلاد نجد وما جاورها من البلدان إثمارا ملموسا، وانتشرت في تلك القطاع انتشارا محسوسا، وانتفع بها كافة الناس من حاضر وباد، إلا من استهوته الشياطين فسلك طريق العناد، وأقبل عليها العلماء العالمون بالله وبما أعده للعباد، فمدحوا تلك الدعوة نظما ونثرا على رؤوس الأشهاد، وما زالت هذه البلاد تنعم في ظل هذه الدعوة المباركة إلى ما بعد النصف الأخير من القرن السابق وبعد هذا التاريخ – تقريبا- انقضت علينا المذاهب الهدامة المذمومة، والأفكار الشيطانية المسمومة، وذلك بتخطيط
(1) من مجموعة الرسائل والمسائل النجدية بتصرف 3/381 ومن الضياء الشارق للشيخ ابن سحمان ص 13 وما بين القوسين له.
رهيب، وتدبير مريب، من قبل أعداء هذا الدين الصليب، فوصلوا إلى ما أرادوا وأملوا، واستطاعوا الخلوص إلى قلوب الشباب فأفسدوا، ونتج عن ذلك انتشار الأوباء الخطيرة، والأمراض الفاتكة المريبة، وأصبح أهل هذا الزمان كما قال ابن عقيل الحنبلي عن أهل زمانه: من عجيب ما نقدت من أحوال الناس كثرة ما ناحوا على خراب الديار، وموت الأقارب والأسلاف، والتحسر على الأرزاق، وذم الزمن وأهله، وذكر نكد العيش فيه، وقد رأوا من انهدام الإسلام، وتشعب الأديان، وموت السنن، وظهور البدع، وارتكاب المعاصي، وتقضى الأعمار في الفارغ الذي لا يجدي، والقبيح الذي يوبق ويؤذي، فلا أجد منهم من ناح على دينه، ولا بكى على ما فرط من عمره، ولا آسى على فائت دهره، وما أرى لذلك سببا إلا قلة مبالاتهم بالأديان، وعظم الدنيا في عيونهم، ضد ما كان عليه السلف الصالح يرضون بالبلاغ من الدنيا، وينوحون على الدنيا انتهى.
فلما وصل الحد بأهل زماننا إلى ما ذكره وأعظم، واشتدت بينهم غربة هذا الدين الأقوم، أحببت أن أشارك إخواني الدعاة في سعيهم إلى الإصلاح. فنظرت في هذا المجتمع، فإذا أضعف جانب فيه جانب التوحيد، ولو استقاموا عليه حق الاستقامة، لكانت لهم من الله الرفعة والمكانة. فعند ذلك تطفلت مع قصر الباع، وقلة البضاعة، على ما كتبه علماؤنا الكرام، وهداة الأنام- علماء نجد الأعلام من رسائل وكتب مفيدة، تعنى بجانب التوحيد والعقيدة، فوثقت نصوصها، وخرجت أحاديثها بقدر الاستطاعة، وكان الباعث لي على هذا العمل أمور منها:
الأول: إعراض كثير من الناس عن تعلم التوحيد، واشتغالهم عنه بما لا يجدي ويفيد، مع أنه أشرف العلوم على الإطلاق، إذ به معرفة ربنا الخلاق.
الثاني: انتشار أهل الشرك والضلال، ونشاطهم في بث السموم والأغلال، مستغلين فتور أهل التوحيد والإيمان، عن الدعوة إلى صراط الرحمن.
الثالث: إن ما كتبه وسطره علماء نجد الأعلام، لم يجد من الباحثين مزيد
اهتمام، وإنما اتجهت أنظار الباحثين إلى إخراج كتب ورسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب- ولاشك أن فيها شفاء العليل وإرواء الغليل- ولكن لو أخرج معها كتب ورسائل تلاميذه وتلامذتهم لكان ذلك نورا على نور، لذا فإني لا أخرج في هذه السلسلة من كتب الشيخ شيئا، وإنما أعتني بكتب ورسائل علماء نجد التي طبعت منذ عشرات السنين، وأصبحت اليوم كنزا دفينا، فأنتقي منها ما تمس إليه حاجة العصر، وينتفع به أبناء كل مصر.
وقد وقع الاختيار على أول رسالة نستفتح بها هذه السلسلة المباركة رسالة للشيخ العلامة عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين اسمها (دحض شبهات على التوحيد من سوء الفهم لثلاثة أحاديث)(1) وهي على صغر حجمها قد احتوت على فوائد عظيمة، ودرر ثمينة، يشاهدها القارئ اللبيب حين قراءته لها.
وفي آخر هذه المقدمة أودُّ أن أشكر فضيلة الشيخ سعد بن عبد الله الحميّد على ما قدمه له من ملاحظات نفيسة استفدت منها خلال هذه الرسالة.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
الرياض في 15/9/1405هـ
حرره الفقير إلى ربه القدير
عبد السلام بن برجس بن ناصر العبد الكريم
غفر الله له ولوالديه ولمشايخه وللمسلمين
(1) ليس هذا الاسم في المخطوطة. وأظن أن واضعه الشيخ محمد رشيد رضا.
عملي في هذه الرسالة:
أولا: الأحاديث التي بنى المؤلف رسالته عليها توسعت في تخريجها نوعا ما.
ثانيا: إذا كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما فإني لا أتوسع في تخريجه وجمع طرقه، وإن فعلت فلا التزم الكلام عليها من حيث صحتها وضعفها وذلك لأمرين: أحدهما: أن أصلها في الصحيحين أو أحدهما وهذا كاف في صحة الحديث وثبوته. الأمر الآخر: خشية الإطالة والإسهاب التي تورث الملل لقارئ الكتاب.
ثالثا: إذا استفدت من أي عالم كان أي فائدة ولو صغرت فإني أبينها بذكر موضعها في كتبه وذلك قياما بالأمانة العلمية.
هذا ما يتعلق بالحديث وتخريجه- أما بالنسبة للأصل الذي اعتمدت عليه في توثيق نص هذه الرسالة. فقد اعتمدت على أصلين:
أحدهما: نسخة خطية كتبت سنة 1345هجرية بقلم عبد الله بن إبراهيم الربيعي- وهي نسخة حسنة الخط تقع في ضمن مجموع رسائل رقم (3422/1) في مكتبة جامعة الملك سعود المركزية.
الأصل الثاني: النسخة المطبوعة سنة 1349 هجرية في مطبعة المنار بمصر ضمن (مجموعة الرسائل والمسائل النجدية) .
وقد بينت مواضع الاختلاف بين النسختين في الحاشية- وما رأيته صوابا أثبته في الأصل.