المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأخذ بالأسباب والثقة بالله عز وجل - دروس الشيخ أسامة سليمان - جـ ٢٧

[أسامة سليمان]

فهرس الكتاب

- ‌بناء البيت دروس وعبر

- ‌المؤامرة على الحج والعمرة

- ‌منهجية البخاري في التصنيف وترجمة سعيد بن جبير رحمه الله تعالى

- ‌الغيرة عند النساء

- ‌الأخذ بالأسباب والثقة بالله عز وجل

- ‌حرص الإسلام على الزوجة الصالحة

- ‌أمر الله لإبراهيم وإسماعيل بأن يرفعا قواعد البيت الحرام

- ‌التحذير من الاحتفال بأعياد المشركين

- ‌الأسئلة

- ‌حكم قيام الليل جماعة بعد رمضان

- ‌حكم قيام ليلة رأس السنة الهجرية جماعة

- ‌حكم أخذ الفارق بعد وزن الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة

- ‌حكم بقاء المرأة مع زوجها العاصي

- ‌حكم غياب الزوج عن زوجته مدة طويلة

- ‌حكم الذهاب إلى الحج بشرط تغيير المهنة أو تحت مسمى خدمة الحجاج

- ‌حكم البقاء في مكة بعد العمرة إلى وقت الحج لعدم التمكن من توفير تكاليف الحج

- ‌حكم ذهاب المرأة إلى الحج أو العمرة بدون محرم

- ‌حكم ذهاب المرأة إلى الحج أو العمرة مع رفقة مأمونة

- ‌حكم الصلاة في المسجد الذي خلفه قبر

- ‌التوفيق بين حرمة الخلوة بين الرجل والمرأة وبين استقبال هاجر لقبيلة جرهم وهي بدون محرم

- ‌حكم صعود المرأة التاكسي بمفردها

- ‌حكم مطالبة الابن بحق أبيه من أعمامه

- ‌حكم الحج بالمال الذي يأتي عن طريق الفوز ببعض المسابقات

- ‌خطأ من يزعم بأن إبراهيم عليه السلام كان يعبد الشمس والقمر والكواكب قبل هدايته إلى التوحيد

- ‌حكم التكبير في عيدي الفطر والأضحى بصورة جماعية

- ‌ما يلزم الطبيب معرفته من أحكام فقهية

- ‌حكم صيام القضاء والنافلة بنية واحدة

- ‌حكم مصافحة النساء غير المحارم ونقض الوضوء بها

- ‌تقديم قضاء رمضان على صيام الست من شوال

- ‌الفرق بين الخوف من الله وسوء الظن به

- ‌كيفية طهارة أهل الأعذار

- ‌أنواع الخصام

- ‌كيفية هجر الزوج لزوجته

- ‌حكم ترك الرجل لأهل بيته دون طعام

- ‌حكم هجر الزوج لزوجته في الطعام

- ‌حكم نظر الرجل إلى النساء في صلاتهن

- ‌حكم ترك الكليات الشرعية بحجة أن التعليم فيها دون المستوى المطلوب

الفصل: ‌الأخذ بالأسباب والثقة بالله عز وجل

‌الأخذ بالأسباب والثقة بالله عز وجل

وعند وصول إبراهيم وزوجه إلى بيت الله عز وجل وجده مكاناً قحلاً لا زرع فيه ولا نبات، ولا ماء ولا طائر، فوضع إبراهيم إسماعيل وأمه في هذا المكان القحل وتركهما، فنادته هاجر يا إبراهيم! فما التفت إليها، لكنه ما ضيع زوجته وولده، فقد وضع لهما إناء فيه ماء، وجراباً فيه تمر، وهذا يشير إلى أن الإنفاق على الزوج والولد مسئولية الزوج، والله هو الذي أمر بذلك، لكن للأسف الشديد تجد بعض الرجال يغيب سنوات ولا يدري من أين تنفق الزوجة والأولاد؟! وإنا لله وإنا إليه راجعون، أو يعمل نفسه -أي: الزوج- أنه ليس بفاهم، فيأتي في الظهر ويجد طعام الوجبة تساوي مائتي جنيه ومرتبه كله مائة وعشرون جنيهاً، واليوم الثاني كذلك، بل والشهر كله، ولا يسأل عن مصدر الدخل؟! ولذلك هناك أمور لا ينبغي للزوج أن يتغاضى عنها، كالسؤال عن مصدر الدخل والإنفاق وغيرها من الأمور، وظلت هاجر تنادي على إبراهيم ولا يجيب، حتى وصلت إلى مكان اسمه (كداء)، وهو بعد مكة بقليل، فسألته فقالت: يا إبراهيم أربك أمرك بهذا؟ فلا يمكن أن تتركنا على هذه الطريقة إلا إذا كان ربك أمرك بهذا، فالتفت إليها قائلاً: نعم، فقالت المرأة المؤمنة التقية المحتسبة: إذاً فلن يضيعنا الله، ولننظر لو أن أحدنا فعل هذا مع زوجته لاتهمته بالجنون؛ لأنه ليس عندها ثقة ويقين في الله، بينما هذه امرأة تعلمنا أن نثق في وعد الله، وأن نثق في نصر الله، ونوقن أنه كلما ضاقت الأمور سيأتي الفرج بإذن الله سبحانه، والله حافظ دينه مهما تآمر المتآمرون {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30]، وكلما ضاقت فرجت، وأن بعد العسر يسراً، وأن بعد ظلام الليل فجراً، وبعد ألم المخاض وضعاً، فلا تحزن فإن النصر قادم لا محالة، لأنه دين رب العالمين، فهو الذي يحفظه، وهو الذي يؤيده، وهو القادر سبحانه وتعالى.

ولما قال ذلك إبراهيم سلمت الأمر إلى ربها ثقة ويقيناً به عز وجل، ولما ذهب إبراهيم من عندها واختفى عنها وعن ولدها دعا ربه -وهذا من حكمته عليه الصلاة السلام- حتى لا تصاب بقلق واضطراب، فرفع يديه قائلا:{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37]، دعا إبراهيم ربه ثم انصرف إلى أرض الشام، لكنه ترك هاجر المحتسبة الصابرة، فنفد الماء، ونفد التمر، وانقطع الغذاء، وجف صدرها عن اللبن، وما وجدت لبناً لإرضاعه، ويوماً بعد يوم وإسماعيل يتلوى على بطنه وظهره من شدة العطش وألم الجوع، والأم لا تجد شيئاً، فتقوم بأخذ الأسباب، فتتركه وتصعد إلى أعلى جبل الصفا؛ لعلها تحس من أحد أو تجد أحداً، ثم تنزل إلى بطن الوادي تلك المنطقة المحصورة بين علمين أخضرين الآن، ثم تهرول سريعاً إلى آخر الصفا لعلها تجد أحداً، وهي بعد كل شوط تعود إلى ولدها فتنظر في حاله، وللأسف الشديد نجد اليوم بعض الآباء والأمهات يتركون الأبناء سنوات عديدة لا يعرفون هل هم أحياء أم أموات؟! وكأنهم ما أنجبوا ولداً، والولد أمانة لابد أن تطمئن عليه في كل يوم وليلة، لذلك صدق من قال: أرضعوا الأطفال في المهد الحرام علموهم فحشهم قبل الكلام هدهدوهم بغناء بفسوق فإذا شبوا فماذا يصنعون؟ فأول أمر نعلمه للأبناء الصغار: يا ولد سب عمك، وابصق في وجه جدك، الله أكبر! ولا نعلمه التوحيد، ولا نأخذ بيده إلى الفقه، ولا نعلمه الأذكار، (علموا أولادكم الصلاة لسبع)، (يا غلام احفظ الله يحفظك)، غلام لم يبلغ الحلم، ومع ذلك يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم العقيدة الصحيحة والسليمة.

ولم تيأس هاجر عليها السلام، بل أخذت بالأسباب، وما تركت السعي بعد شوطين أو ثلاثة، بل قطعت سبعة أشواط من الصفا إلى المروة، لعلها تجد فرجاً، ولعلها تجد مخرجاً، فإذا بصوت ينادي فقالت لنفسها: صه، أي: أنصتي فهناك صوت، فإذا بجبريل يأتيها في صورة حسنة فقال: من أنت؟ قالت: أنا أم ولد إبراهيم، تفتخر بزوجها، فقال لها: كيف ترككم هنا؟ ولمن وكلكما؟ قالت: وكلنا إلى الله، فقال جبريل: لقد وكلكما إلى عظيم، ثم ضرب الأرض بجزء من عقبه أو بطرف جناحه، والشك من الراوي كما جاء في الرواية.

وقد أخبرني أحد الإخوة أنه سمع عالماً يتحدث في الإذاعة ويقول: من قال: إن للملائكة أجنحة فهو كذاب؛ لأن الملائكة ليس لها أجنحة، وإنما هي مجاز، كقول الله سبحانه:{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء:24]، يشير إلى التواضع، يا عبد الله! أما تتقي الله في دينك، أما علمت أن النبي قال:(رأيت جبريل وله ستمائة جناح)، أما علمت أن جبريل حمل قرى لوط على جزء من جناحه، أما قرأت في قول المفسرين لقول

ص: 5