المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نزول الوحي لتبرئة أم المؤمنين عائشة - دروس الشيخ عائض القرني - جـ ٣١٢

[عائض القرني]

فهرس الكتاب

- ‌شهر من الأسى واللوعة في حياة الرسول

- ‌الابتلاء سنة كونية على المؤمنين

- ‌حادثة الإفك

- ‌قصة حادثة الإفك

- ‌تخلف عائشة عن الركب عند الرجوع من غزوة بني المصطلق

- ‌حمل صفوان لعائشة على جمله

- ‌المنافقون وإشعال نار الفتنة

- ‌حال الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء حادثة الإفك

- ‌حال عائشة بعد معرفتها بحادثة الإفك

- ‌موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من حادثة الإفك

- ‌زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة وامتحانها

- ‌نزول الوحي لتبرئة أم المؤمنين عائشة

- ‌استدعاء النبي صلى الله عليه وسلم المتهمين في نشر حادثة الإفك

- ‌عفو أبي بكر عن مسطح ابن أثاثة

- ‌دروس من حادثة الإفك

- ‌الابتلاء في الأرض سنة كونية

- ‌مواقف من ابتلاء علماء الأمة

- ‌موقفنا من الذين يلمزون المؤمنين

- ‌أهمية الدعوة إلى الله بالأسلوب الحكيم

- ‌الأسئلة

- ‌حكم حلق اللحى

- ‌صفوان بن المعطل يتفقد الجيش

- ‌استشارة النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة في حادثة الإفك

- ‌حكم لعن الكافر المعين

- ‌فضل صيام يوم عاشوراء

- ‌كتابة أجر المريض والمسافر

- ‌حكم الذهاب إلى الجهاد بدون إذن الوالدين

الفصل: ‌نزول الوحي لتبرئة أم المؤمنين عائشة

‌نزول الوحي لتبرئة أم المؤمنين عائشة

أما الرسول صلى الله عليه وسلم فوقف في مكانه، وفي لحظات أتاه الوحي من السماء، فاضطجع عليه الصلاة والسلام، وكان إذا أتاه الوحي يضطجع في الأغلب، وربما يأتيه الوحي وهو جالس فيتمالك نفسه، يقول زيد بن ثابت:{أوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ونزل عليه الوحي وفخذه على فخذي فكادت فخذه أن ترض فخذي} يعني: تكسرها وتقسمها نصفين، يقول سبحانه وتعالى:{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} [المزمل:5] كان إذا أتاه الوحي وهو على الراحلة بركت الراحلة -الناقة- وتمد عنقها في الأرض ويكون لها رغاء من شدة ثقل الرسول صلى الله عليه وسلم عليها، وفي رواية مسلم {أنه لما أتاه الوحي كان يغط غطيطاً عليه الصلاة والسلام في الخيمة.

فلما أتاه الوحي اضطجع وسجي عليه ثوباً وكان يغط غطيطاً وعرقه يتصبب} حتى تقول عائشة في رواية البخاري: {كان إذا نزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد يتصبب عرقاً عليه الصلاة والسلام وذلك من شدة الوحي الذي نزل عليه} لأنه وحي وكلام وذكر لو أنزل على الجبال لخشعت ولتصدعت له، قال تعالى:{لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر:21].

فلبث عليه الصلاة والسلام في المعاناة حتى أتى الوحي، أتدرون ما هو الوحي تلك الفترة؟ براءة من الله ومن الواحد الأحد، والله عز وجل لم يترك هذا الأمر لغيره، لا للنبي عليه الصلاة والسلام ولا للمسلمين ولا لجبريل ولا لأحد من الناس، وإنما تولى براءتها من فوق سبع سماوات، أراد الله أن يبرئها براءة مدى الدهر تدخل بها الجنة:{فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:55] جلس عليه الصلاة والسلام بعد انتهاء الوحي، ثم قال:{يا عائشة! أبشري أما أنت فقد برأك الله} -الحمد لله! لك الحمد يا رب على ما أعطيت وعلى ما كتبت وعلى ما قدرت- أما أنت يا عائشة فقد برأك الله ففرحت وسكتت وفرح أبو بكر وسكت، وفرحت أمها وسكتت، فقال أبو بكر:{يا عائشة! قومي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وسلمي عليه -وكانت عصامية- فقالت: والله لا أقوم ولا أحمد إلا الله الذي برأني} لأنها صادقة:

نفس عصام سودت عصاماً وعلمته الكر والإقداما

وجعلته بطلاً هماما

والصادق بريء، والبريء غير متهم، والناصح يعرف.

قيل للإمام أحمد: ما الذي أخرجك من الفتنة؟ قال: الصدق- الصدق لو وضع على جرح لبرئ، والصادق معه الله -فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المسجد يحمل البشرى، ويحمل من الراحة وسعة الصدر ما لا يعلمه إلا الله، وتقول عائشة:{ما كنت أظن أن تأتي براءتي من السماء لأني أرى نفسي أصغر من أن تأتي من السماء براءتي} تقول: أنا محتقرة نفسي ولا أحسب أن يتكلم الله في شأني من فوق سبع سماوات، ومن فوق العرش، وينزل قرآن يتلى إلى يوم القيامة ما كنت أتصور ذلك، وهذا من حفظ الصالحين لأنفسهم، ولذلك أرفع الناس في قلوب الناس من هضم نفسه، يجعل الله له منزلة في قلوب الناس؛ لأنه لا يشعر لنفسه بقيمة، ومن أكبر نفسه لا يجد له الناس في نفوسهم قيمة، ولذلك المتكبر يأتي يوم القيامة في صورة الذر يطؤه الناس بأقدامهم من حقارته، وكلما تعاظم العبد في نفسه كلما صغره الله ومقته، وقال: اخسأ فلن تعدو قدرك، وكلما تواضع العبد وخضع لله كلما رفعه الله، وقال: ارتفع رفعك الله، ويكفي في ذلك الحديث الصحيح:{من تواضع لله رفعه، ومن تكبر على الله وضعه} وفي الصحيح أن الله يقول: {الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني فيهما قصمته} وفي رواية صحيحة {عذَّبته} وفوق ذلك قوله سبحانه وتعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63].

وقوله سبحانه وتعالى على لسان لقمان لابنه: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:19].

أتى عليه الصلاة والسلام فوقف في المنبر ودعا الناس: الصلاة جامعة -الصلاة جامعة الصلاة جامعة! فاجتمع الناس وأخذ يقرأ الآيات البينات على المنبر، من الذي أنزل البراءة؟ الله الواحد الأحد، كما في الحديث:{الله مدحه زين، وذمه شين} لأن بني تميم وفدوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فطرقوا الحجرات فبعد صلاة الظهر -وهذا وقت لا يسمح بالزيارة فيه، بعد صلاة العشاء وقبل الفجر وبعد الظهر هذه أوقات تكره الزيارة فيها- قالوا: يا محمد! نادوه باسمه عليه الصلاة والسلام والمفروض أن يقولوا: يا رسول الله! فتكلموا يا محمد! يا محمد! اخرج إلينا:

اخرج فإنا إذا مدحناك رفعناك عند العرب، وإذا ذممناك أنزلنا قيمتك عند العرب! إن مدحنا زين وذمنا شين.

سبحان الله ما هذا الجهل! من الذي يرفع إلا الله؟! ومن الذي يخفظ إلا الله؟ وبنو تميم ودعاياتهم وشعراؤهم يرفعون الرسول صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل يقول له:{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:4].

حتى قال المفسر مجاهد بن جبر، يقول الله تعالى:[[أي لا أذكر إلا وتذكر معي]] فملايين المساجد في العالم الإسلامي اليوم يقال على منائرها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فهل بعد هذا الرفع رفع، فالله هو الذي يرفع وحده.

قال ابن تيمية للفائدة: {أهل الحديث وأهل السنة لهم نسبة من هذه الكلمة {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:4] وأهل البدعة وأعداء السنة لهم نصيب من قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر:3] فالله يقطع ذكرهم وبركتهم ويقطع دابرهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

وصدق، فـ أهل الحديث هم أرفع الناس، الآن يوجد أحد لا يعرف البخاري، سل العجائز أو الأطفال إذا قيل:(رواه البخاري) يثقون بالحديث مع أنهم لا يعرفون من هو البخاري بل يوجد على المنابر وفي المحافل والدروس والندوات شهرة متعددة ودائمة (رواه البخاري، رواه مسلم، رواه الترمذي، رواه ابن حبان، رواه الحاكم) لأنهم سلكوا مسلك الرسول عليه الصلاة والسلام.

لكن من أهل البدعة من يقول: رواه بشر المريسي، وأحمد بن أبي دؤاد، ولا أذناب المجوس وأفراخ الصابئة كما سماهم ابن القيم.

ص: 12